المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

فاذا فرغ الغاسل من غسل الميت على ما قدمناه ، نقله إلى الأكفان ووضعه فيها مستقبلا به القبلة ـ كما تقدم ذكره في حال الاحتضار ـ ثم يأخذ خرقة طولها ثلاثة أذرع ونصف ـ ، ويجوز ان يكون أطول من ذلك ـ ويسد دبره بالقطن سدا جيدا ، ويشد اوراكه الى فخذيه بالخرقة بان يلف عليها شدا وثيقا ويخرج طرفها من بين رجليه ، ويغرز (١) طرفها في حاشية الخرقة من الجانب الأيمن. ويسد منافسة (٢) بالقطن لئلا يخرج منها شي‌ء.

وإذا كان الميت أمرية ، شد ثدياها بخرقة إلى صدرها ، ويأخذ المئزر فيشده عليها كما يشد المئزر للحي.

ثم يلبسه القميص ، فان كان له قميص جاز ان يكفن به بعد ان يقطع أزراره الا ان يكون هذا القميص قد ابتدأت خياطته للتكفين ، فإنه لا يجوز تكفينه به.

ويأخذ من الجريد الأخضر جريدتين طول كل واحدة منهما مثل عظم الذراع ، يكتب عليهما مثل ما كتب على الأكفان ، يلفهما في القطن ويجعل الواحدة قائمة مع جانبه الأيمن من ترقوته ملصقة بجلده ، والأخرى من جانبه الأيسر كذلك من فوق القميص ، فان لم يجد جريدة النخل جاز أن يجعل عوضه من الشجر الأخضر مثل السدر أو الخلاف أو غير ذلك.

ثم يعممه بالعمامة بعد ان يكتب عليها مثل ما كتبه على الأكفان بان يضعها على رأسه من وسطها ويحنكه ويعممه بهما مدورا ، ويرسل طرفيها على صدره.

ويأخذ من الكافور ـ ويكون مما لم تمسه النار ان تمكن من ذلك ـ وزن ثلاثة عشر درهما وثلث ، وهو السنة الأوفى ، فان لم يقدر على ذلك المبلغ جاز أقل منه أيضا مثل درهم أو ما قدر عليه ، ويسحقه بكفيه ويجعله على مساجده : جبهته ، وطرف انفه ، وباطن كفيه يمسحا إلى أطراف الأصابع ، ويضع منه على

__________________

(١) غرزه : اى لواه وادخل طرفه في أصله.

(٢) منافسة اى منافذه وخلله.

٦١

عيني ركبتيه ، وإبهامي رجليه ، فإن بقي بعد ذلك شي‌ء جعله على صدره.

ثم يأخذ في درجة في أكفانه : فيبدء بالإزار فيرد ما على يساره على يمينه ، وما على يمينه على يساره ، ويفعل باللفافة الأخرى والحبرة أو النمط مثل ذلك ، ويجمع أطراف اللفائف من عند رأسه ورجليه ، ويشق (١) حاشية الظاهرة منها ويعقده عليها ، ويكثر من ذكر الله سبحانه. فاذا فرغ من جميع ما اوصفناه صلى عليه وحمله الى حفرته فيدفنه فيها.

فأما الصلاة عليه فسنوردها.

« واما الدفن ـ فنحن ذاكروه ـ وما يتعلق به من أحكام القبور »

فإذا أردت دفن الميت فيحمل الى قبره ، وينبغي ان يحمله المشيعون له ، ومن حمله منهم فينبغي ان يبتدئ بحمله من جانب مقدم السرير الأيمن ، ثم يدور الى الجانب الأيسر ويعود الى مقدمه الأيمن.

ومن مشى خلف الجنازة فينبغي ان يمشى عن يمينها أو يسارها.

ويقول المشاهد لها : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم (٢)

فاذا وصل به الى القبر لم يفجأه به دفعة واحدة ، بل يضعه دونه قليلا مما يلي رجليه فيه ، ثم ينقله الى شفيره في ثلاث دفعات. فان كان الميت أمرية وضعت على جانب القبر مما يلي القبلة.

ثم ينزل إليه أولى الناس بالميت ، أو من يأمره الولي بذلك. ويتحفى (٣) ويحل أزراره ويكشف رأسه الا ان يكون به ضرورة يمنعه من ذلك فله ان لا يكشفه.

فاذا عاين القبر قال : اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران.

__________________

(١) في بعض النسخ « يشد » بدل « يشق »

(٢) المخترم : الهالك

(٣) يتحفى : اى ينزل حافيا :

٦٢

ثم يأخذ برأس الميت وكتفيه من جهة رجليه من القبر ، ثم يسله (١) من سريره سلا معتدلا ولا ينكس رأسه في القبر عند إنزاله إليه ، فإن كان امرأة أخذها عرضا

ويقول الذي ينزل الميت في قبره : بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهم ايمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسليما.

ثم يضعه على جانبه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة في لحد اوشق واللحد أفضل

ويحل عقد أكفانه ويكشف وجهه ويضع خده على التراب ، وان جعل معه شيئا من تربة سيدنا الحسين بن على عليهما‌السلام كان أفضل.

ويلقنه الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم‌السلام بان يقول : يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا ، شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام والحسن والحسين وعلى بن الحسين ـ ويذكر الأئمة عليهم‌السلام الى آخرهم ـ أئمتك أئمة الهدى الأبرار.

ثم يشرج (٢) عليه بعد ذلك اللبن أو ما قام مقامه ويقول المتولي لذلك :

اللهم صل وحدته وآنس وحشته وارحم غربته واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه ثم يخرج من جهة رجلي الميت في القبر ويهل (٣) الحاضرون التراب عليه بظهور أكفهم.

وهم يقولون : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، ( هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) ، اللهم زدنا ايمانا وتسليما.

واعلم ان هذا القبر يجب ان يكون مقدار قامة الرجل الى ترقوته ، وعرضه بمقدار ما يتمكن فيه من الجلوس ، فاذا طم القبر على الميت رفع عن وجه الأرض مقدار

__________________

(١) سل الشي‌ء : انتزعه وأخرجه في رفق.

(٢) شرج اللبن : نضده اى ضم بعضه الى بعض.

(٣) كذا في أكثر النسخ والظاهر انه « يهيل » وهال عليه التراب معناه صبه عليه

٦٣

شبر أو أربع أصابع ، ويصيب عليه الماء ، بان يبتدئ بذلك من عند رأسه ويدار عليه من اربع جوانبه الى ان يرجع الى الرأس فإن بقي من الماء شي‌ء صب على وسطه ثم يضع عند رأس القبر حجرا ظاهرا أو لوحا أو ما يجرى مجرى ذلك ، ويضع الحاضرون ـ بعد تسوية القبر ـ أيديهم عليه عند رأسه ، ويكونون متوجهين إلى القبلة ، ويغمزوا أصابعهم في ترابه وهم يقولون :

اللهم ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولاه ، ثم يعزى وليه بعد الانصراف ، ثم يتأخر أولى الناس بالميت عن القبر ويجعل وجهه اليه وظهره إلى القبلة وينادى الميت بأعلى صوته ـ ان لم يكن عليه تقية ـ : يا فلان بن فلان! اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا وهي شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان أمير المؤمنين على ابن أبي طالب والحسن والحسين ـ ويذكر الأئمة عليهم‌السلام الى آخرهم ـ أئمتك أئمة الهدى الأبرار وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، إذا أتاك الملكان وسألاك فقل : الله ربي لا أشرك به شيئا ومحمد نبيي وعلى وصيه (١) والحسن والحسين ـ ويذكر الأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد الى آخرهم ـ أئمتي والإسلام ديني والقرآن شعاري والكعبة قبلتي والمسلمون إخواني. ثم ينصرف ، وان كان عليه تقية جاز له ان يقول ذلك سرا.

واعلم ان الميت إذا كان مهدوما عليه ، أو مصعوقا ، أو غريقا ، أو صاحب ذرب (٢) أو مدخنا فلا ينبغي ان يدفن الا بعد ثلاثة أيام ، الا ان يظهر أمارات الموت

__________________

(١) كذا في نسخة وفي أكثر النسخ « وصيي » بدل « وصيه »

(٢) الذرب بالتحريك : الداء الذي يعرض للمعدة فلا يهضم الطعام ويفسد فيها ( مجمع البحرين ) ويقال له « الإسهال »

٦٤

عليه ، والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل عنها ويدفن.

ولا يحمل ميتان على جنازة واحدة إلا لضرورة ، ولا ينقل ميت من قبره الى موضع آخر إلا لضرورة أيضا ، وقد ذكر جواز ذلك الى بعض مشاهد الأئمة عليهم‌السلام

وإذا كان الميت أمرية لم ينزل معها القبر الا زوجها أو ذو رحم منها ، فان لم يتمكن من ذلك ، جاز لبعض المؤمنين النزول.

ولا يهيل الوالد التراب على أحد من أولاده ، ولا الولد على والده ولا يلقى في القبر تراب من غير ترابه ، ولا يسنم بل يعمل مربعا ، ولا يلزم المقام عند القبر ، ولا يجصص ، ولا يدفن ميت في قبر وفيه ميت آخر إلا لضرورة.

وان كان القبر نديا جاز ان يفرش فيه ألواح خشب ، وإذا كان الميت خنثى ودعت الضرورة إلى دفنه في قبر ، فيه ميت آخر جعل خلف الرجل وجعل التراب بينهما ، وان كان الذي في القبر امرأة جعل امام المرية ويجعل التراب بينهما أيضا. وإذا اندرست القبور فلا تجدد بعد ذلك

« تم كتاب الطهارة »

٦٥

كتاب الصلاة

قال الله سبحانه ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) (١)

وقال الله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (٢)

وقال الله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (٣)

وقال عزوجل( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ الاية ) (٤)

وقال تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٥) وإذا أردنا بيان أحكام الصلاة وجب ان نبين أشياء :

منها أقسامها ، ومنها إعدادها ، ومنها أوقاتها ، ومنها ما يجوز فيه من اللباس وما لا يجوز فيه من ذلك ، ومنها ما يجوز عليه من المكان وما لا يجوز عليه من ذلك ، ومنها ستر العورة ، ومنها ذكر القبلة ، ومنها الأذان والإقامة ، ومنها كيفيتها ، ومنها

__________________

(١) البقرة الآية ١١٠

(٢) العنكبوت الآية ٤٥

(٣) الاسراء ، الاية ٧٨ و ٧٩

(٤) هود ، الاية ١١٤

(٥) البقرة ، الاية ٢٣٨

٦٦

ما يوجب إعادتها ، ومنها بيان أحكام السهو والشك فيها ، ونحن نذكر كل واحد من ذلك وما يتعلق به من أحكامه في فصل مفرد له بمشيئة الله تعالى.

« باب أقسام الصلاة »

أقسام الصلاة على ضربين : أحدهما صلاة اليوم والليلة ، والأخر ما عدا ذلك

واما صلاة اليوم والليلة : فهي الظهر والعصر والعشائان وصلاة الليل وصلاة الفجر. واما ما عدا ذلك فهو صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر ، وقضاء الفائت من الصلاة ، وصلاة النذر ، وركعتي الطواف ، والصلاة على الموتى ، وصلاة الاستسقاء ، ونوافل شهر رمضان ، وصلاة عيد الغدير ، وصلاة يوم مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصلاة أمير المؤمنين على ابن ابى طالب وصلاة السيدة فاطمة عليهما‌السلام ، وصلاة الحبوة (١) وصلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة ليلة النصف من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان ، وصلاة الشكر ، وصلاة الزيارات ، وصلاة ليلة عيد الفطر ، وصلاة الإحرام ، وصلاة تحية المسجد.

« باب أعداد الصلاة »

أعداد الصلاة على ضربين : أحدهما أعداد ركعات اليوم والليلة ، والأخر أعداد ما عدا ذلك.

وأعداد ركعات اليوم والليلة على ضربين : أحدهما أعداد الحضر ، والأخر أعداد السفر.

فأما أعداد الحضر فعلى ضربين : أحدهما أعداد فرائضه ، والأخر أعداد نوافله ، فاما أعداد فرائض الحضر فهي سبعة عشر ركعة : الظهر اربع ركعات ، والعصر والعشاء الآخرة مثل ذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والفجر ركعتان.

فاما نوافل الحضر فهي أربع وثلاثون ركعة : ثمان ركعات نافلة الظهر ،

__________________

(١) وهي صلاة جعفر (ع) المشهورة بين الفريقين.

٦٧

وثمان ركعات نافلة العصر ، واربع ركعات نافلة المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة ، وثمان صلاة الليل ، وثلاث الشفع والوتر ، وركعتان نافلة الفجر.

فاما أعداد فرائض السفر فهي إحدى عشر ركعة : الظهر ركعتان ، والعصر والعشاء الآخرة كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والفجر ركعتان.

واما أعداد نوافل السفر فهي سبع عشرة ركعة : أربع ركعات نافلة المغرب وثمان صلاة الليل وثلاث الشفع والوتر ، وركعتان نافلة الفجر الأول.

فاما أعداد غير صلاة اليوم والليلة من الصلوات ـ فهي على ضربين : أعداد الفرائض منها. والأخر أعداد النوافل. فأما أعداد الفرائض من ذلك فهي : صلاة العيدين ـ كل واحدة منهما ركعتان ـ وصلاة كسوف الشمس والقمر ـ عشر ركعات بأربع سجدات ـ وصلاة قضاء الفائت بحسب الفائت ـ ان كان أربعا فاربعا ، وان كان ثلاثا فثلاثا ، وان كانت الصلاة ثنائية فاثنتان ـ وصلاة النذر بحسب ما ينذره الناذر ويوجبه من ذلك على نفسه قليلا كان أو كثيرا. وصلاة الطواف ركعتان. وصلاة الموتى خمس تكبيرات.

واما ما عدا ذلك من مندوبات الصلاة وهي : صلاة الاستسقاء ـ كصلاة العيدين ـ ونوافل شهر رمضان ـ ألف ركعة ـ والزيادة عليها مأة ركعة ليلة النصف منه وصلاة عيد الغدير ـ ركعتان ـ وصلاة يوم المبعث ـ اثنتا عشرة ركعة واربع ركعات صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وركعتان صلاة سيدتنا فاطمة « سلام الله عليها ». واربع ركعات صلاة الحبوة وركعتان صلاة الاستخارة ، وركعتان صلاة الحاجة أيضا ، واثنتا عشرة ركعة صلاة ليلة النصف من شعبان. وركعتان صلاة الشكر. وركعتان صلاة الزيارة ـ لكل واحد ممن يزار ، (١) وركعتان صلاة يوم عرفة ، وركعتان صلاة ليلة عيد الفطر ، وستة ركعات أو ركعتان صلاة الإحرام.

__________________

(١) كذا في نسخة وفي بقية النسخ « لكل واحد من زائر » والصحيح ما أثبتناه :

٦٨

واربع ركعات الزيادة على نوافل الجمعة ، وركعتان صلاة تحية المسجد.

« باب أوقات الصلاة »

أوقات الصلاة على ضربين : أوقات الفرائض ، وأوقات النوافل ، فأما أوقات الفرائض فعلى ضربين :

أحدهما : أوقات فرائض اليوم والليلة.

والأخر : أوقات الفرائض لما عدا ذلك.

فاما أوقات فرائض اليوم والليلة فخمسة أوقات :

أولها الظهر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول زوال الشمس من وسط السماء إلى جهة المغرب ، والأخر ان يصير ظل كل شي‌ء مثله.

والثاني العصر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول حين الفراغ من فريضة الظهر ، والأخر ان يصير ظل كل شي‌ء مثليه.

والثالث المغرب وله وقتان : أول وآخر ، فالأول سقوط القرص من أفق المغرب ، والأخر غيبوبة الشفق من جهته ـ وفي أصحابنا من ذهب الى انه لا وقت له ، الا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب وقد رخص للمسافر الذي يجد به السير ، تأخير ذلك الى ربع الليل.

والرابع العشاء الآخرة وله وقتان : أول وآخر ، فالأول حين الفراغ من فريضة المغرب ـ وقيل (١) غيبوبة الشفق ، والأخر ثلث الليل ، وقيل نصفه ، والثلث أحوط ـ وقد ذكر ان الوقت هاهنا للمضطر ممتد الى قبل طلوع الفجر.

والخامس الفجر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول ابتداء طلوع الفجر الثاني ـ المعترض في جهة المشرق ـ والأخر ابتداء طلوع قرص (٢) الشمس.

__________________

(١) والقائل هو الشيخ (ره) في النهاية ، ص ٥٩ ، وفي نسخة « قبل » بدل « قيل » والظاهر انه تصحيف.

(٢) في بعض النسخ « قرن » بدل « قرص ».

٦٩

فاما وقت صلاة العيدين فهو ارتفاع الشمس.

ووقت صلاة الكسوف ابتداء كسوف القرص ، أو وجود الآية العظيمة من زلزلة ، أو ريح سوداء أو ما أشبه ذلك.

ووقت صلاة ركعتي الطواف حين الفراغ من الطواف ووقت صلاة الجنازة حين حضور الجنازة ووقت صلاة النذر حين حضور الزمان الذي علق النذر به ، ووقت صلاة الفائتة إذا كانت منسية ، حين الذكر لها ، فان لم تكن منسية فجميع الأوقات الا ان يكون قد تضيق وقت الحاضرة ، فإنه إذا كان ذلك ، صليت الحاضرة ورجع بعد ذلك الى القضاء.

وأوقات النوافل على ضربين : أحدهما يصح فعلها فيه ابتداء وقضاء ، والأخر مكروه ، واما الأول فهو أوقات نوافل اليوم والليلة وهي ستة أوقات :

أولها : نوافل الظهر ، وهو ما بين زوال الشمس الى ان يبقى من وقت الظهر مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات إلا في يوم الجمعة خاصة ، فإنه يجوز تقديم النوافل قبل الزوال أو تأخيرها الى بعد صلاة فريضة العصر.

وثانيها : وقت نوافل العصر ، وهو ما بين الفراغ من فريضة الظهر الى ان يبقى من وقت العصر مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات إلا في يوم الجمعة أيضا فإنه ينبغي تقديم ذلك أو تأخيره كما ذكرناه من حيث انه لا ينبغي للمصلي أن يفرق بين فريضتي الظهر والعصر فيه.

وثالثها : نوافل المغرب وهو من حين الفراغ من فريضته الى حين زوال الشفق من المغرب.

ورابعها : وقت الوتيرة وهو حين الفراغ من فريضة العشاء الآخرة.

وخامسها : وقت صلاة الليل وهو من انتصافه الى قبل طلوع الفجر.

وسادسها : وقت ركعتي الفجر وهو ما بين الفراغ من صلاة الليل الى طلوع الحمرة من ناحية المشرق.

وأوقات ما عدا نوافل اليوم والليلة وهي : انبساط الشمس وقت صلاة ـ

٧٠

الاستسقاء ، فإذا بقي إلى زوال الشمس مقدار ساعة أو دونها وقت صلاة عيد الغدير ، ارتفاع النهار وقت صلاة الشكر و (١) تجدد النعم ، وارتفاعه أيضا وقت صلاة عاشورا على بعض الأقوال.

واما المكروه من الأوقات ، فيختص بالنوافل المبتدأة بها من غير سبب وهي : حين طلوع الشمس ، ووقت قيامها نصف النهار في وسط السماء إلا في يوم الجمعة ، وبعد فريضة العصر ، وحين غروب القرص ، وبعد فريضة الغداة.

وأول الوقت وقت من لا عذر له ، وآخره وقت ذوي الاعذار ، والاعذار : المرض ، والسفر ، والمطر ، والشغل بما يستضر بتركه في الدين أو الدنيا. والضرورة (٢) الصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت ، والمجنون إذا أفاق ، والمغمى عليه أيضا كذلك ، والكافر إذا أسلم.

وكل من صلى في الوقت كان مؤديا سواء كان في أوله أو في آخره ما لم يخرج الوقت وقد بقي عليه من الصلاة بقية فإن كان كذلك كان قاضيا ومن صلى قبل دخول الوقت لم يكن مؤديا ولا قاضيا وكان عليه الإعادة ـ لما صلاة ـ إذا دخل الوقت ، ومن صلى بعد خروج الوقت كان قاضيا وإذا زالت الشمس وصارت بعد الزوال على قدمين ولم يكن المكلف صلى من نوافل الظهر شيئا فينبغي ان يؤخرها ويبدأ بالفريضة ، وهكذا ينبغي ان يفعل في نوافل العصر مع فريضته إذا صار الظل بعد الزوال على أربعة أقدام فإن كان قد صلى شيئا من النوافل وانتهى الظل الى ما ذكرناه تممها على التخفيف وصلى الفرض بعد ذلك. ومن أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل فينبغي ان يبتدأ بصلاة الفجر ، ويؤخر صلاة الليل ، فان كان

__________________

(١) العطف اما على الشكر فيكون عطف تفسير من قبيل عطف السبب على المسبب أو عطف على ارتفاع النهار فيكون لصلاة الشكر وقتان.

(٢) الضرورة مبتداء وما بعده خبرها ( راجع المبسوط ، ج ١ ص ٧٢ ).

٧١

قد صلى عند الفجر من صلاة الليل اربع ركعات تم صلاتها على التخفيف وصلى الغداة ، وإذا قام إلى صلاة الليل ، وقد قرب طلوع الفجر خفف فيها واقتصر على قراءة الحمد وحدها.

ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوله إلا المسافر يخاف من فوتها ، أو شاب يخاف ان يمنعه من القيام آخر الليل رطوبة رأسه ، ولا ينبغي ان يجعل ذلك ، عادة وقضاء صلاة الليل من الغد أفضل من تقديمها في أول الليل.

ومن أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل جاز ان يصلى نافلة الفجر ما بينه وبين طلوع الحمرة من ناحية المشرق ، فاذا طلعت الحمرة كان عليه الابتداء بفريضته.

ومن ابتدأ بالصلاة قبل دخول الوقت ودخل الوقت وهو في شي‌ء منها وتمم باقيها فيه ، كانت صلاته مجزية ، فاما من صلى قبل دخول الوقت وفرغ من صلاة لم يكن مجزية.

فاما من صلى بعد خروجه فقد تقدم ذكره.

فاذا كنا قد ذكرنا الأوقات فينبغي ان نذكر ما يعرف به زوال الشمس.

« باب ما يعرف به زوال الشمس »

زوال الشمس يعرف بميزانها ، أو بالاسطرلاب وذلك مشهور.

فان لم يتمكن من يريد معرفة ذلك مما ذكرناه أمكن ان يعرفه بالدائرة الهندية (١) وصفة ذلك : ان يقصد لها أرضا مستوية البسطة (٢) ، يدير فيها دائرة معتدلة ، ويأخذ عودا معتدلا ـ يكون طوله مثل نصف دنوها الى جانب الدائرة ويجوز ان

__________________

(١) كذا في نسخة وفي أكثرها « الهندسية »

(٢) في نسخة « مستوية السطح » بدلها

٧٢

يكون أطول قليلا ـ ويعمله غليظ الأسفل دقيق الرأس مثل السلة (١) ـ وينصبه في وسطها ، موضع مركزها وينظر ظله :

فإنه يجده في أول النهار ممتدا خارجا عن محيطها ، وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل حتى يصير طرفه على محيطها ، وينبغي ان يرقبه : فاذا صار على محيطها ، أعلم عليه ثم يتركه فإنه لا يزال ينقص حتى يدخل الدائرة ويقصر بعد ذلك الى نصف النهار ثم يعود في الزيادة بعد نصف النهار.

فإنه ينبغي ان يرقبه قبل خروجه ـ في محيط الدائرة ـ وإذا صار طرف الظل عليها ، اعلم عليه ، ثم يخط خطا مستقيما من العلامة الاولى الى العلامة الثانية ، فيكون كالوتر لقوس ، ثم يقسم القوس الذي تحته بنصفين ، ويقسم الدائرة بمجموعها من نصف القوس أرباعا يتقاطع بخطين ، فيكون الخط الخارج من نصف القوس إلى أعلى الدائرة هو خط نصف النهار الممتد من الشمال الى الجنوب ، والخط القاطع له عرضا هو الخط الممتد من الشمرق الى المغرب ، وإذا تم ذلك وكان العود منصوبا في وسط هذه الدائرة والقى ظله على الخط الذي ذكرناه انه خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء ، فإذا ابتدأ طرف رأس الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس وذلك وقت الصلاة.

فإذا لم يتأت الإنسان عمل هذه الدائرة فليقصد إلى أرض معتدلة السطح ، فينصب فيها عودا بصفة العود الذي تقدم ذكره ثم يرقب ظله فإنه يكون في ابتداء النهار طويلا ـ ولما ارتفعت الشمس نقص الى ان تقف الشمس في وسط السماء فيقف الظل ثم يبتدئ في الزيادة ـ إلى جهة المغرب (٢) ، فينبغي ان يرقبه حينئذ وكلما نقص ، اعلم عليه بنقط يضعها على رأس الظل ـ وكلما نقص فعل ذلك الى

__________________

(١) السلة : السبد حيث يكون على شكل المخروط ، وفي بعض النسخ « رقيق الرأس ».

(٢) الظرف صفة لـ « طويلا »

٧٣

ان تعين له الزيادة (١) على موضع النقطة التي انتهى إليها ، فإذا صار كذلك فقد زالت الشمس.

« باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز »

اللباس على ضربين : أحدهما ، تصح الصلاة فيه والأخر لا تصح ، فالذي تصح فيه على ضربين : أحدهما ، تصح فيه على كل حال والأخر مكروه.

فأما الذي تصح على كل حال : فهو جميع ما أنبته الأرض من أنواع الحشيش والنبات إذا عمل حتى يصح كونه ساترا ، وصوف كل حيوان يؤكل لحمه إذا ذكي ، وشعره ، وجلده ، ووبره ، والخز الخالص ، والثوب إذا كان لحمته قطنا أو كتانا والباقي إبريسم ، والخفان (٢)

ولا بد من الاعتبار في جميع ذلك كونه طاهرا ، مع صحة التصرف فيه بملك أو إباحة ، لأنه متى لم يكن كذلك لم يصح فيه الصلاة.

واما المكروه فهو : الرداء إذ اشتمل اشتمال الصماء (٣) والمئزر إذا شد فوق القميص ، والثوب إذا كان شفافا ، وثوب المرية للرجل ، ولقباء المشدود. وثوب شارب الخمر ومستحل النجاسات أو شي‌ء منها وان لم يعلم ان عليه النجاسة ، والنقاب للمرأة ، واللثام للرجل ، والتكة والقلنسوة وما يجرى مجراها مما لا يتم الصلاة به منفردا إذا كان على شي‌ء من ذلك نجاسة.

والثوب الأسود. والمقدم (٤)

واما الذي لا تصح فيه على حال فهو : الإبريسم المحض ، وصوف ما لا يؤكل

__________________

(١) أي الزيادة بعد الزوال

(٢) اللذان لهما الساق

(٣) اشتمال الصماء : هو ان يدخل الرجل ردائه تحت إبطيه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد ، وفيه معان آخر ذكرت في مجمع البحرين.

(٤) الثوب المقدم بإسكان الفاء : المصبوغ بالحمرة صبغا مشبعا.

٧٤

لحمه ، وشعره ، ووبره ، وجلده وان ذكي ودبغ ، وجلود الميتة كلها ، ما تصح عليه الزكاة منها وما لا تصح وان دبغت أيضا ، واللباس المغصوب.

وما كان من اللباس مغشوشا بوبر الأرانب وما أشبهها ، والفنك (١) والسمور والسنجاب ، والثوب المدبج (٢) بالديباج أو الحرير المحض ، والشمشك (٣) ، والنعل السندي.

وما عليه شي‌ء من النجاسة ـ إذا كانت الصلاة مما تتم به منفردا ـ وثوب الإنسان إذا كان عليه سلاح مشهر ـ مثل السيف أو السكين ـ وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد الا ان يلفه بشي‌ء ، وإذا كان معه دراهم سود الا ان يشدها في شي‌ء ، والخاتم إذا كان فيه صورة ، وخلاخل النساء إذا كان لها صوت.

« باب ما تجوز عليه الصلاة من المكان « وما لا تجوز »

المكان على ضربين : أحدهما تجوز عليه الصلاة ، والأخر لا تجوز.

والذي تجوز الصلاة عليه على ضربين : أحدهما تجوز الصلاة عليه على كل حال والأخر مكروه ، فاما ما تجوز الصلاة عليه على كل حال فهو كل ما أطلق عليه اسم الأرض ، وكل ما أنبته إلا ما يؤكل ويلبس ، فان كانت الحال حال ضرورة جاز السجود على ثوب قطن أو كتان ، والاولى ترك ذلك.

ولا بد من الاعتبار ـ فيما ذكرناه ـ بصحة التصرف ـ بالملك ، والإباحة ـ فمتى لم يكن كذلك لم تكن الصلاة صحيحة.

واما المكروه فهو مرابط الدواب ، والإبل ، والبيت الذي فيه مجوسي أو غيره من الكفار ، والحمام ، وجوف الوادي ، وقرى النمل ، ومرابض الغنم ،

__________________

(١) الفنك بفتحتين : يقال انه نوع من جزاء الثعلب الرومي وقيل فيه معنى أخر

(٢) دبجه. نقشه وزينه

(٣) الشمشك بضم الشين وكسر الميم : قيل انه المشاية البغدادية ( مجمع البحرين )

٧٥

وجواد الطرق (١) وبيوت النيران ، والأرض السبخة ، وبين القبور ، والثلج ، والأجر ، والخشب (٢) والحجر مع التمكن من الأرض ، والجص ، والبيع والكنائس وبيت شارب الخمر ، وذات الصلاصل ، ووادي ضجنان ، والبيداء ، ووادي الشقرة (٣) والقرطاس المكتوب.

واما ما لا تجوز الصلاة عليه ، فهو ما انطلق (٤) عليه اسم الأرض ولم يصح التصرف فيه بملك ولا اباحة.

ويلحق بهذا المكان إذا اذن صاحبه لغيره في المقام فيه ثم نهاه بعد ذلك عن المقام أو أمره بالخروج فلم يخرج واقام ، فإنه إذا كان كذلك ، وصلى والوقت متسع ، لم تصح الصلاة ، وان كان الوقت ضيقا صحت ، وكل ما أنبتته الأرض مما يؤكل ، ويلبس أو مما لا يؤكل ولا يلبس ، ولم يصح التصرف فيه بالملك أو بالإباحة. وان كان طاهرا ، وجلد كل حيوان يصح فيه الذكاة والصلاة ، أو لا يصح ، وشعره ووبره ، وصوفه ، والقير ، والذهب ، والفضة ، والمعادن ، وداخل الكعبة للفرائض وحدها ، لان النوافل يجوز صلاتها فيها.

« باب المساجد وما يتعلق بها »

المساجد أفضل المواضع والأمكنة التي يصلى فيها ، ولما كانت كذلك وجب ذكرها وما يتعلق بها.

__________________

(١) الجادة : وسط الطريق. والجمع جواد مثل دابة ودواب ( مجمع البحرين )

(٢) في بعض النسخ « الخبث » بدل « الخشب ».

(٣) ذات الصلاصل : موضع خسف في طريق مكة ، ووادي ضجنان : جبل بناحية مكة ، والبيداء : موضع بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة ، ووادي الشقرة ـ بضم الشين وسكون القاف ـ موضع في طريق مكة.

(٤) كذا في جميع النسخ ومعناه : ذهاب اسم الأرض.

٧٦

قال الله سبحانه ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) الاية (١) وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة (٢) وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة (٣)

وروى عن الأئمة عليهم‌السلام ان الصلاة في المسجد الحرام بمأة ألف صلاة (٤) والصلاة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشرة آلاف صلاة (٥) والصلاة في بيت المقدس بألف صلاة وفي المسجد الأعظم بمأة صلاة ، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين صلاة وفي السوق باثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة (٦) وصلاة الفرائض في المساجد أفضل منها في البيوت ، وصلاة النساء في بيوتهن أفضل منها في غيرها (٧) وصلاة النوافل في البيوت أفضل من المسجد ولا سيما صلاة الليل.

بناء المسجد فيه ثواب عظيم ، وفضل جزيل ، وينبغي ان لا يعلى ولا يظلل ، ولا يزخرف ، ولا يشرف ، ومأذنة المسجد ينبغي ان تبنى مع حائطه ولا ترفع عليه ولا يبنى في وسطه ، ولا يجعل المحراب داخلا في بناء الحائط ، ومن أخذ من آلته شيئا من الحصى أو غيره وجب رده اليه أو الى غيره من المساجد ولا تنشد فيه الضالة.

ويجنب البيع والشرى وإنشاد الشعر ، ورفع الأصوات ، ودخول الصبيان والمجانين عليه ، واقامة الحدود فيه وبري‌ء النبل ، وسل السيوف ، وعمل الصنائع وينبغي للإنسان ان لا ينام فيه ، وإذا أكل شيئا من بصل أو ثوم لم يدخله ، حتى تزول رائحة

__________________

(١) التوبة ، الاية ١٨

(٢) المستدرك ، ج ١ ، الباب ٦ من أبواب المساجد ، الحديث ١ و ٢ و ٥

(٣) الوسائل ، ج ٣ ، الباب ٣ من أبواب أحكام المساجد ، الحديث ٢

(٤) الوسائل ، ج ٣ ، الباب ٥٢ من أبواب أحكام المساجد : الحديث ٥ و ٧ و ٨ و ١٠

(٥) الوسائل ، ج ٣ ، الباب ٥٧ من أبواب أحكام المساجد ، الحديث ٢ و ٣ و ٤

(٦) الوسائل ، ج ٣ ، الباب ٦٤ من أبواب أحكام المساجد ، الحديث ٢

(٧) الوسائل ، ج ٣ ، الباب ٣٠ ، الحديث ٢ و ٣ و ٤

٧٧

ذلك عنه ، وما ينبغي فعله من التيمم لمن أجنب في المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ذكرناه فيما تقدم (١)

ومن أراد دخول المسجد فليمسح أسفل رجليه ، أو أسفل شمشكه ، أو خفه ، أو نعله ، أو ما يكون فيه ، ويقدم رجله اليمنى عند دخوله ، ويقول : بسم الله وبالله ، اللهم صل على محمد بن عبد الله وعلى آله ، وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك جل ثناء وجهك.

وإذا أراد الخروج قدم رجله اليسرى في ذلك ، ويقول : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لنا باب فضلك. وان أراد ان يبصق فليضع ذلك في أسفل ما يمشى به من شمشك أو غيره ، ولا يبصق في المسجد فان فعل ذلك فليدفنه في التراب ولا يدفن فيه ميت.

وتنظيف المساجد فيه فضل كثير ، وكذلك اسراجها ، ولا يكشف في شي‌ء منها عورة وإذا بنى الإنسان مسجدا في داره جاز له تغييره ، وتوسيعه وتضييقه ، وإذا استهدم المسجد فصار مما لا يرجى فيه الصلاة بخراب ما حوله وانقطاع الطريق عنه وكان له آلة جاز أن يستعمل فيما عداه من المساجد ، وإذا صار على هذه الصفة لم يعد ملكا على حال.

« باب الجماعة وأحكامها »

الاجتماع في الفرائض فيما عدا الجمعة مندوب اليه وفيه فضل كثير ، واما في الجمعة مع اجتماع الشروط فواجب ، وقد روى أن صلاة الرجل جماعة يزيد على صلاة من صلى وحده في الفضل بخمسة وعشرين صلاة (٢) والأفضل للإنسان ان لا يترك الجماعة إلا لعذر والعذر على ضربين : أحدهما عام والأخر خاص فاما

__________________

(١) لاحظ ص ٤٨

(٢) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ١ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ٣

٧٨

العام فهو : المطر ، والوحل ، والريح الشديد ، وما جرى مجرى ذلك ، واما الخاص فهو الخوف والمرض ، ومدافعة الأخبثين ، وفوات الرفاق ، وحضور الطعام مع شدة الحاجة إلى أكله ، أو خبز أو طبيخ يخاف على تلفهما ان تركهما ، أو يكون له عليل ، أو مريض شديد ، أو يغلبه النعاس الكثير يخاف من انتظار الجماعة عليه النوم وانتقاض الطهر فتفوته الصلاة ، أو إباق عبد أو هلاك مال ، أو ما يجرى مجرى ذلك.

وتنعقد الجماعة بشرطين أحدهما العدد ، والأخر الأذان والإقامة ، وأقل ما ينعقد به العدد ثلاثة أحدهم الامام ، وينبغي أن يعدل الصفوف ، ويكون بين كل صفين مربض عنز وما أشبه ذلك ، ولا يمكن أحد من الصبيان والعبيد ، والنساء والمخنثين من الوقوف في الصف الأول ، وإذا امتلأت الصفوف ووقف الإنسان وحده كان جائزا ، وإذا رأى الإنسان خللا في الصف فيستحب ان يسده بنفسه ، ويجوز للإنسان أن يقف بين الأساطين ، وإذا وقف الرجل بحيث يكون بينه وبين الامام ساتر من جدار وما جرى مجراه أو كان خلف المقاصير (١) التي ليست مخرمة (٢) لم تكن صلاته جماعة ، وقد رخص للنساء في ذلك ، وأفضل الصفوف الصف الأول وما قرب من الامام ، وكان عن يمينه ، وإذا صلى في المسجد جماعة ، فإنه يكره ان تصلى فيه تلك الصلاة بعينها جماعة.

وان حضر قوم بعد الصلاة وأرادوا أن يصلوا جماعة وكانت الصفوف لم تنقض جاز أن يتقدم واحد منهم ويصلى بهم ، ولا يصلى بهم الذي كان أم الناس ولا يؤذن ولا يقام لها ، لأن الأذان والإقامة المتقدمة كافية في ذلك ، وان كانت الصفوف قد انقضت اذن واقام وصلى بهم.

__________________

(١) المقاصير جمع المقصورة : والمراد بها مقام الإمام ، أي ما يحجر فلا يدخل فيه غيره ( راجع الجواهر ، ج ١٣ ، ص ١٥٦ )

(٢) المخرمة : ما فيها ثقب وانشقاق

٧٩

« باب الإمامة وما يتعلق بها »

لا يجوز لأحد أن يتقدم في الصلاة على الإمام الأعظم ، فاما من عداه فيجوز تقديمه على غير الإمام الأعظم من الناس إذا جمع شروطا ، وهي : كونه حرا بالغا كامل العقل موثوقا بورعه ودينه سليما من العاهات والأسباب التي نذكرها « في من يؤم بمثله » واما من يؤم بمثله ، ولا يؤم بغيره من الأصحاء السليمين ، فهو الأبرص ، والمجذوم ، والمفلوج ، والزمن ، فهؤلاء كما ذكرناه لا يؤم واحد منهم الا بمن كان بمثله ، ولا يؤم بمن يخالفه في الصحة والسلامة ، ولا يؤم العبيد بالاحرار ، الا ان يكونوا ساداتهم إذا كان العبد أقرأهم ، ولا تؤم المرأة الرجال ، ويجوز ان تؤم النساء ولا يؤم الأعرابي المهاجرين ، ويجوز ان يؤم بغيرهم ، ولا يؤم المتيمم بالمتوضين ويجوز أن يؤم المتيممين ولا يؤم المسافر الحاضرين ويؤم المسافرين وقد ذكر أن إمامته للحاضرين جائز الا أنها مكروهة وعلى هذا الوجه ان أم بالحاضرين فينبغي له إذا تمم فرضه سلم وقدم غيره من الحاضرين ليتم الصلاة بهم.

ولا يجوز امامة كل من خالف الحق بمذهب ، أو دين ، ومن يتظاهر بولاية أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام ولا يتبرء من أعدائه ، وولد الزنا والفاسق والمحدود وان كان موافقا في الاعتقاد والأعمى إذا لم يسدده من خلفه ، فان سدده (١) كانت إمامته جائزة ، ومن لم يكن من الصبيان بالغا لم تجز إمامته ، وقد ذكر في ذلك عاق والدية وقاطع رحمه والأغلف.

وإذا حضر الصلاة من نصبه الإمام الأعظم لم يتقدم أحد عليه وإذا حضر رجل من بنى هاشم وهو على الشرائط التي قدمنا ذكرها ، فينبغي تقديمه ، ولا يتقدم أحد على أميره ، ولا على من هو في مسجده ، أو منزله الا أن يقدم ، ويتقدم اقرء الجماعة

__________________

(١) بأن يوجهه إلى القبلة.

٨٠