المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

ويدفع منها ثلاثة الى من يستحقه من الأصناف المذكورة فيما سلف.

والثلاثة الأخر للإمام (ع) ، ويجب عليه ان يحتفظ بها أيام حياته ، فإن أدرك ظهور الامام (ع) ، دفعها اليه ، وان لم يدرك ذلك ، دفعها الى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب ووصى (١) بدفع ذلك الى الامام (ع) ان أدرك ظهوره ، وان لم يدرك ظهوره وصى إلى غيره بذلك ، وقد ذكر بعض أصحابنا ، انه ينبغي ان يدفنه تعويلا في ذلك على الخبر (٢) المتضمن ، لأن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الامام (ع). والأول أحوط ، وأقوى في براءة الذمة من ذلك.

وذكر بعض أصحابنا أيضا ، ان ما يختص بغير المساكن ، والمتاجر ، والمناكح يجوز التصرف فيه ، فإنه يجري مجرى ما يختص بالمساكن ، والمتاجر ، والمناكح وهذا لا يعول عليه ، ولا يعمل به.

« باب أحكام الأرضين »

الأرضون تنقسم أربعة أقسام ، أولها : قسم يسلم أهلها عليها طوعا ، وثانيها : ارض افتتحت بالسيف عنوة ، وثالثها : كل ارض ، صالح أهلها ، عليها ورابعها : أرض الأنفال ، ونحن نفرد لكل واحد منها بابا ان شاء الله تعالى.

« باب ذكر الأرض التي يسلم عليها طوعا »

الأرض إذا أسلم أهلها عليها طوعا من غير حرب ، تركت في أيديهم ، وكانت ملكا لهم ، يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوصية والهبة وغير ذلك من أنواع التصرف.

__________________

(١) وفي نسخة : وصاه

(٢) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص ٤٧٢ ، وفي بحار الأنوار ج ٥١ باب الآيات المأولة بقيام القائم عليه‌السلام ص ٦٤ :

١٨١

وإذا عمروها ، فليس عليهم الا فيما تخرجه ، وهو العشر ونصف العشر بحسب سقيها ، كما ذكرناه في باب الزكاة ، وان تركوا عمارتها حتى صارت خرابا ، كانت حينئذ لكافة المسلمين ، يقبلها الامام عليه‌السلام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه ، من نصف أو ثلث أو ربع وعلى متقبلها بعد إخراج مؤنة الأرض وحق القبالة فيما يبقى في خاصة من عليها إذا بلغ خمسة أوسق ، أو أكثر من ذلك ، العشر أو نصف العشر بحسب سقيها على ما سلف بيانه.

« باب ذكر الأرض المفتحة بالسيف عنوة »

الأرض إذا فتحت عنوة كانت لجميع المسلمين ، للمقاتل منهم وغير المقاتل وارتفاعها (١) يقسم بينهم ، ولا للمقاتل منهم الا بما يكون في العسكر فان ذلك يقسم في المقاتلة دون غيرهم. ولا يصح التصرف فيها بوقف ولا صدقة ولا بيع ولا بغير ذلك من سائر ضروب التمليك.

وللإمام عليه‌السلام ان يقبلها بما يراه لمن يعمرها ، اما بالنصف أو الثلث ، أو الربع ، وللإمام عليه‌السلام ان ينقلها من متقبل الى آخر بعد انقضاء مدة زمان التقبل ، وله التصرف في هذه الأرض بحسب ما يراه ، صلاحا للمسلمين ، ويجب على المتقبل فيما يبقى في يده مما تخرجه بعد إخراج المال الذي يقبلها به ، العشر ، أو نصف العشر حسب السقي (٢) كما تقدم القول به.

« باب ذكر ارض الصلح »

ارض الصلح هي أرض الجزية ، فإذا صالح الامام عليه‌السلام أهلها عليها وجب عليهم الأداء لما يصالحهم عليه ، من نصف أو ثلث أو ربع. ولا يجب على رؤسهم ، لأن ما وضع على هذه الأرض بالمصالحة ، بدل من جزية رؤسهم فليس يجب على

__________________

(١) اى أجرتها والمقدار الذي يتقبلها به اى حق القبالة :

(٢) وفي نسخة : سقيها

١٨٢

رؤسهم بعد ذلك ، ومن أسلم من ملاكها سقط عنه ما وضع على أرضه بالصلح ، كما يسقط عنه الجزية التي على رأسه بالإسلام. لأنه بدل من الجزية ، ويكون حكم من أسلم من أربابها فيها ، حكم المسلم (١) عليها طوعا ، وهذه الأرض يصح التصرف فيها بسائر أنواع التصرف. وللإمام عليه‌السلام الزيادة والنقصان فيما يصالحهم عليه بعد ان يمضي مدة الصلح بحسب ما يراه من الصلاح في ذلك.

« باب ذكر أرض الأنفال »

كل ارض انجلى أهلها عنها ، وكل ارض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب إذ أسلمها أهلها من غير قتال ، وكل ارض باد أهلها ، ورؤس الجبال ، وبطون الأودية والآجام ، وصوافي الملوك ، وقطائعهم ما لم يكن ذلك غصبا وكل ارض كانت آجاما فاستحدثت مزارع ، أو كانت مواتا فأحييت ، فجميع ذلك من الأنفال ، وهي للإمام عليه‌السلام خاصة دون غيره من سائر الناس ، وله ان يتصرف فيها بالهبة ، والبيع ، وغير ذلك من سائر أنواع التصرف حسب ما يراه ، وله (ع) ان يقبلها بما يراه من نصف ، أو ثلث ، أو ربع ، وله بعد انقضاء مدة القبالة أن يقبضها ، وينزعها ممن هي في يده بالقبالة ، ويقبلها لغيره الا ان يكون مما كانت مواتا فأحييت ، فإنها إذا كانت كذلك لم ينتزع من يد من أحياها ، وهو اولى بالتصرف فيها ما دام يتقبلها بما يتقبلها به غيره ، فان لم يتقبلها بذلك جاز للإمام (ع) ان ينتزعها من يده ويقبلها لغيره كما يراه ، ويجب على المتقبل فيما يبقى في يده بعد إخراج مال القبالة وما لحقه عليها من المؤن ، العشر أو نصف العشر حسب ما (٢) يراه الامام (ع).

__________________

(١) وفي نسخة : من أسلم

(٢) كذا في النسخة ولعلها تصحيف والصحيح « حسب السقي » كما مر في المفتوحة عنوة :

١٨٣

« باب الجزية »

أحكام الجزية تبين بذكر أشياء.

منها ، من يجب أخذ الجزية منه ، ومن لا يجوز أخذها منه.

ومنها ، ما ينبغي أخذه منها.

ومنها ، من المستحق لها.

ونحن نفرد كل واحد من ذلك بابا نذكره فيه ، ان شاء الله.

« باب في ذكر من يجب أخذ الجزية منه ، ومن لا يجوز أخذها منه »

الذي يجوز أخذ الجزية منه ، هو كل مكلف ذكر من اليهود والنصارى والمجوس امتنع عن الإسلام ، وأجاب إلى إعطائها. واما الذي لا يجوز أخذها من الكفار ، فهو جميع النساء والأطفال والبله ، والمجانين من اليهود : والنصارى ، والمجوس.

فاما جميع أصناف الكفار المخالفين لليهود والنصارى والمجوس فلا يقبل منهم إلا الإسلام ، أو القتل ، ولا يقبل من أحد منهم جزية على حال.

ومن لم يؤد الجزية من اليهود ، والنصارى ، والمجوس الى ان أسلم (١) فقد أسقطت عنه بالإسلام ولم يجز أخذها منه ، ولا إلزامه بها على وجه من الوجوه وسائر الأحوال ، سواء كان إسلامه حصل قبل حلولها عليه ، أو في وقت حلولها ، أو بعد ذلك.

وقد ذكر جواز أخذها منه ان كان إسلامه حصل ، وقد حلت عليه والصحيح ما قدمناه.

« باب في ذكر ما ينبغي أخذه من الجزية »

الذي ينبغي أخذه من الجزية ، ليس له مقدار معين ، بل ذلك الى الامام

__________________

(١) وفي نسخة : « إذا أسلم »

١٨٤

عليه‌السلام ، يأخذ من كل واحد ممن يجب عليه أخذها منه ، ويضعها عليه بحسب ما يراه.

وهو مخير بين وضعها على رؤسهم ، أو على أرضيهم ، الا انهم متى وضعها على أرضيهم ، لم يضعها على رؤسهم.

وقد روى عن أمير المؤمنين على ابن ابى طالب « عليه‌السلام » انه وضع على الأغنياء منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما ، وعلى الفقراء منهم اثنى عشر درهما (١) وذلك منه عليه‌السلام بحسب ما يراه في وقته.

وإذا وجبت الجزية على واحد ممن ذكرناه ، ودفعها من ثمن ما يستحله مثل الخمر ، وغيره من المحرمات في شريعة الإسلام كان أخذ ذلك منه جائزا ، والإثم فيه عليه ، ولا اثم على أخذ (٢) له منه.

« باب في ذكر المستحق للجزية »

المستحق لأخذ الجزية هو كل من قام مع الامام عليه‌السلام من المسلمين ـ في نصرة الإسلام والذب عنه ـ مقام المهاجرين ، لان المهاجرين في عصر النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » هم الذين كانوا يستحقون أخذها ، فمن كانت صفته ما ذكرنا من المسلمين فهو الذي يستحق أخذها ، واليه يدفع ، دون غيره من الناس.

« باب الغنائم ».

كل ما يغتنمه المسلمون من الكفار فيجب إخراج الخمس منه ابتداء ويصرف الباقي الى ما يستحقه.

وذلك على ضربين ، أحدهما يختص المقاتلة دون غيرهم من جميع المسلمين. والأخر لا يختص مقاتلا (٣) دون غيره بل هو لجميع المسلمين ، المقاتلة منهم وغير المقاتلة

والذي يختص المقاتلة دون غيرهم هو جميع ما حواه العسكر فقط.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١١ ، الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدو ، الحديث ٥ ص ١١٥ :

(٢) وفي نسخة : « الأخذ »

(٣) وفي نسخة : المقاتل

١٨٥

وهذا يقسم في المقاتلة فحسب ، ولا يدفع الى أحد ممن عداهم منه شي‌ء إلا الإمام عليه‌السلام ، فإنه يجوز ان يأخذ ذلك قبل القسمة ما يختار أخذه من الجارية الحسناء ، والفرس الجواد ، والثوب الرفيع وما جرى مجرى ذلك.

وما لا يختص بمقاتل دون غيره ويكون لجميع المسلمين ، فهو كل ما اغتنمه المسلمون ما لم يحوه العسكر من الأراضي ، والعقارات ، وغير ذلك ، فان جميعه لكافة المسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل ، والغائب منهم والحاضر على السواء.

فإن أدرك إنسان المقاتلة لمعونتهم ، بعد ان قاتلوا ، وغنموا ، كان شريكا لهم فيما غنموا.

وينبغي للإمام ان يسوى بين المسلمين في القسمة ، ولا يفضل أحدا منهم على أحد لشرف فيه ، أو زهد ، أو علم على من ليس هو كذلك.

ويعطى للفارس سهمين ، وللراجل سهما واحدا ، فان كان مع الفارس منهم أكثر من فرسين ، لم يسهم الا لفرسين فقط.

وإذا ولد في أرض الجهاد مولود ، دفع اليه كما يدفع الى المقاتل وحكم القسمة في البحر إذا كان مع المقاتلة فرسان ورجالة كحكمهما في البر ، لا يختلف الأمر في شي‌ء من ذلك.

« باب ذكر الأنفال ».

الأنفال هي كل ارض تقدم ذكرها ، وميراث من لا وارث له ، وجميع المعادن وكل غنيمة غنمها قوم قاتلوا أهل الحرب بغير اذن الامام (ع) ، أو ممن نصبه ، وما يريده الامام أخذه لنفسه مما تقدم ذكره ، وجميع الأنفال كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، وهي بعده للإمام القائم مقامه ، ولا يجوز لأحد من الناس التصرف في شي‌ء منها الا بإذنه عليه‌السلام.

« تم كتاب الخمس »

١٨٦

« كتاب الصيام »

قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الى قوله ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١).

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال في خطبة خطبها في آخر شعبان ايها الناس انه قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك ، شهر ، فيه ليلة القدر ، العمل فيها خير من الف شهر ، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن ادى سبعين فريضة فيما سواه ، وهذا (٢) شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، شهر يزاد فيه رزق المؤمنين ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل اجره من غير ان ينقص من اجره شي‌ء (٣) وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : صوم رمضان جنة من النار. (٤) والصوم على ثلاثة أضرب واجب ومندوب ومحرم ، فاما الواجب فهو على ضربين : أحدهما يجب من غير سبب والأخر يجب عند سبب والذي يجب من غير سبب ، هو شهر رمضان والذي يجب عند سبب هو قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر من مرض أو غيره ،

__________________

(١) البقرة : ١٨٣ ـ ١٨٥ :

(٢) وفي نسخة : هو

(٣) الوسائل ، ج ٧ الباب ١٨ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٠ ، والمتن مع ما في الدعائم ( ج ١ ، ص ٢٦٨ ) أوفق :

(٤) دعائم الإسلام ، ج ١ ، ص ٢٦٨ :

١٨٧

وصوم النذر والعهد وصوم الكفارة لذلك وصوم الظهار وصوم قتل الخطاء ، وصوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه من شهر رمضان ، وصوم اليمين بالله سبحانه والبراءة وصوم جز المرية شعرها في مصاب ، وصوم أذى حلق الرأس (١) وصوم دم المتعة (٢) وصوم جزاء الصيد ، وصوم من فاتته صلاة العشاء الآخرة ، وصوم الاعتكاف.

واما المندوب فهو ضربان : أحدهما مشدد فيه على وجه التأكيد والأخر غير مشدد فيه فاما المشدد فيه فهو صوم رجب كله ، وأول يوم منه ، واليوم السابع والعشرون منه ، وهو يوم المبعث ، والثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وشعبان كله ، ويوم النصف منه ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويوم عرفة ، وأول يوم من ذي الحجة مولد إبراهيم عليه‌السلام ويوم الثامن عشر منه وهو يوم الغدير.

والأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر وثلاثة أيام من كل شهر ، أربعاء ، وخميسين ، أول خميس في الشهر ، وأول أربعاء يكون في العشر الثاني ، وآخر خميس في الشهر ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو الأرض ، وصوم الاذن (٣) وصوم التأديب (٤) وصوم يوم عاشوراء على جهة الحزن بمصاب أهل البيت عليهم‌السلام وصوم ثلاثة أيام للاستسقاء وصوم الشكر.

واما ما ليس بمشدد فيه : فهو باقي أيام السنة بعد الذي ذكرناه إلا الأيام المحرمة

__________________

(١) أي صوم حلق الرأس لا جل الأذى في الرأس :

(٢) أي الصوم بدلا عن هدى التمتع :

(٣) صوم الإذن ثلاثة : أحدها صوم المرية تطوعا بإذن زوجها ، ثانيها صوم المملوك بإذن سيده ، ثالثها صوم الضيف بإذن مضيفه :

(٤) صوم التأديب خمسة أقسام : المسافر إذا قدم اهله وقد أفطر ، والحائض إذا طهرت ، والمريض إذا بري‌ء ، والكافر إذا أسلم ، والصبي إذا بلغ « كل ذلك إذا كان في أثناء النهار » راجع المبسوط ، ج ١. ص ٢٨٣

١٨٨

 ـ فهو يوم الفطر ، ويوم الأضحى وأيام التشريق بمنى ، ويوم الشك على انه من شهر رمضان ، وصوم الوصال (١) وصوم الدهر كله (٢) وصوم النذر المعصية ، وصوم الصمت.

« باب صوم شهر رمضان وعلامة دخوله »

علامة دخول شهر رمضان : رؤية الهلال مع زوال العوارض ، فاذا رأيته فلا تشر اليه بيدك ، واستقبل القبلة وارفع يدك للدعاء وأقصده بكلامك وقل : ربي وربك الله رب العالمين : ثم قل : اللهم اهله علينا وعلى بيوتنا وأشياعنا وإخواننا بأمن وايمان وسلامة وإسلام ، وبر وتقوى وعافية ورزق واسع وحسن وفراغ من الشغل ، واكفنا فيه بالقليل من النوم ، ومسارعة فيما تحب وترضى وثبتنا عليه ، اللهم بارك لنا في هذا العهد وارزقنا بركته وخيره وعونه وغنمه وفوزه واصرف عنا شره وضره وبلائه وفتنته ، اللهم ما قسمت فيه من رزق أو خير أو عافية أو فضل أو مغفرة أو رحمة فاجعل نصيبنا فيه الأكبر وحظنا فيه الأوفر انك على كل شي‌ء قدير.

ثم أصبح صائما من غدير يومك ، فان لم تر الهلال لتركك النظر اليه ، والتصدي لرؤيته ورآه الناس رؤية شائعة في البلد الذي أنت فيه وجب أيضا الصوم من الغد وان لم يره أهل البلد وكان في السماء علة وراه خمسون رجلا وجب أيضا الصوم وإذا لم يره من ذكرناه ورآه واحدا أو اثنان وجب الصوم على من رآه في حق نفسه ولم يجب الصوم على غيره.

وإذا كان في السماء علة ولم يره أحد من أهل البلد ورآه من خارجه شاهدان عدلان وجب الصوم ، ومتى لم يكن في السماء علة وتصدى الناس لرؤيته فلم يروه لم يجب الصوم فان شهد من خارج البلد خمسون رجلا برؤيته وجب الصوم ، وإذا لم يشاهد أحد. الهلال ولا ورد خبر من خارج البلد برؤيته ، عددت بشهر الماضي

__________________

(١) صوم الوصال ان يجعل عشاء سحوره :

(٢) صوم الدهر معناه صوم أيام السنة الشاملة للأيام المحرمة :

١٨٩

ثلاثين يوما وصمت بنية الوجوب فان ثبت بعد ذلك بينة عادلة برؤيته قبل يوم صيامك بنية الوجوب بيوم ، كان عليك قضائه (١).

والأفضل ان تصوم يوم الشك بنية انه من شعبان فان ثبت بعد ذلك ببينة عادلة انه كان من شهر رمضان أجزأك صومه ولم يلزم قضائه ، وان لم تصمه لم يكن عليك شي‌ء الا ان يكون في حكم المفطر ويثبت انه كان من شهر رمضان ، فيكون عليك صيام يوم بدله وليس بجائز لأحد ان يعمل في الصوم على العدد بالجدول ، ولا غيره.

وإذا غم هلال شهر رمضان فينبغي ان يعد شعبان ثلاثين يوما ثم يصوم بعد ذلك بنية شهر رمضان ، فاذا غم هلال شعبان فيعد رجب ثلاثين يوما ، فان رأى بعد ذلك هلال شوال ليلة تسع وعشرين من شهر رمضان ، قضى يوما لان الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوما ، فاذا غم جميع شهور السنة ولم يحقق المكلف هلال شهر واحد منها ، فينبغي ان يعد من السنة الماضية خمسة أيام ويصوم اليوم الخامس ، لان الشهور لا تخرج جميعا كاملة ، وقد ذكر انه ينبغي ان يعد كل شهر منها ثلاثين يوما ويصوم.

وإذا كانت البلدان متقاربة ولم ير الهلال في البلد ، ورئي (٢) من خارجه على ما قدمنا بيانه في الشهادة وجب العمل به ، هذا إذا لم يكن في السماء علة ، وكانت الموانع مرتفعة أو كانت البلدان كما ذكرناه متقاربة حتى لو رئي الهلال في أحدها لرئي في الأخر ، مثل طرابلس وصور ومثل صور والرملة ومثل حلب وطرابلس ومثل واسط وبغداد وواسط والبصرة واما : إذا كانت البلدان متباعدة مثل طرابلس وبغداد وخراسان ومصر وبغداد وفلسطين والقيروان وما جرى هذا المجرى ، فان لكل بلد حكم سقعه (٣) ونفسه ، ولا يجب على أهل بلد مما ذكرناه العمل بما رآه أهل البلد الأخر.

__________________

(١) وفي نسخة : قضاء يوم عوضا منه

(٢) مجهول « رأى » على وزن قتل

(٣) السقع لغة هو الصقع وهو الناحية من الأرض

١٩٠

والوقت الذي يجب الإمساك فيه عما يفطر من طعام وشراب وجماع وغير ذلك ـ هو من طلوع الفجر الى ان تغرب الشمس.

وذلك مباح للإنسان في الليل ، فان طلع الفجر وهو على حال أكل وشرب وجب عليه قطعه والإمساك عنه ، وان كان في فمه منه شي‌ء وجب ان يلفظه ويمتنع بلع شي‌ء يبقى في فيه منه ، وان أراد الجماع في هذه الحال ، وجب عليه الامتناع منه ، فان طلع الفجر عليه وهو مخالط وجب عليه الإمساك عن الحركة (١) لترك ذلك بنية التخلص منه ، متى لم يفعل ما ذكرنا فقد أخطأ وأفسد صوم يومه ولزمه القضاء والكفارة ، وسنذكر ما يفسد الصوم وما لا يفسده وما يوجب القضاء والكفارة ، وما لا يوجب ذلك فيما بعد ان شاء الله تعالى.

وعلامة غروب الشمس ، زوال الحمرة من أفق المشرق. ، وهو وقت الإفطار الذي لا يجوز ذلك قبله ، ومن رأى القرص وقد غاب عن بصره ثم رأى الشمس على رؤس الجبال ، والشفق الذي ذكرناه باقيا لم يزل فليس يجوز له الإفطار.

« باب في ذكر ما ينبغي للصائم الإمساك عنه »

الذي ينبغي للصائم الإمساك عنه على ضربين : واجب ، ومكروه ، والواجب على ضربين أحدهما يفسده والأخر لا يفسده ، والذي يفسده على ضربين : أحدهما يوجب القضاء والكفارة ، والأخر يوجب القضاء دون الكفارة.

ونحن نذكر جميع ذلك في أبوابه بمشيئة الله تعالى.

« باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة »

الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة : الأكل والشرب في نهاره متعمدا والجماع كذلك وان لم يكن معه إنزال ، واستنزال الماء الدافق في كل حال ،

__________________

(١) اى ان طلع الفجر وهو مجامع وجب عليه النزع فورا من دون حركة تعين على الجماع لأعلى النزع « راجع المبسوط ، ج ١ ، ص ٤٧٢ »

١٩١

والكذب على الله تعالى ورسوله أو أحد الأئمة عليهم‌السلام.

وازدراد (١) ما لا يؤكل ولا يشرب ، والبقاء على حال الجنابة متعمدا من غير ضرورة حتى يطلع الفجر ، والنوم على حال الجنابة الى ان يطلع الفجر بعد الانتباه مرتين ، وإيصال الأدوية إلى الجوف من غير مرض يضطر الى ذلك ، والارتماس في الماء على التعمد ، وشم الرائحة الغليظة التي تدخل الى الحلق ، وجلوس النساء الى أو أوساطهن في الماء مع الاختيار لذلك.

« باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة »

الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة ، هو النوم الى الفجر على حال الجنابة بعد الانتباه مرة واحدة ، والحقنة في المرض المحوج إليها ، والسعوط (٢) كذلك ، وتعمد القي‌ء ، وبلع ما يحصل منه في الفم (٣) ، ووصول الماء الى الحلق عند المضمضة والاستنشاق للتبرد ، والاقدام على تناول ما يفطر عند طلوع الفجر من غير رصد له ثم يعلم انه كان طالعا وترك الامتناع مما يفطر عند طلوع الفجر ممن أخبره غيره بطلوعه فلم يمتنع ، والتقليد للغير في ان الفجر لم يطلع ثم يعلم انه كان طالعا أو تناول ما يفطر ممن شك في دخول الليل لوجود عارض ، ولا يعلم ولا غلب على ظنه دخوله ، وجلوس النساء الى اواسطهن في الماء من غير تعمد لذلك.

واعلم ان جميع ما عددناه في هذين البابين ، متى وقع من الإنسان شي‌ء منه سهوا أو نسيانا فإنه لا يجب عليه شي‌ء ، وعليه المضي في صومه فاما الكفارات عن ذلك فسنذكرها في باب الكفارات فيما بعد ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) ازدرد اللقمة : ابتلعها.

(٢) السعوط على وزن رسول : دواء يصب في الأنف

(٣) قال الشيخ « قدس الله سره » : إذا تخلل فخرج من أسنانه ما يمكنه التحرز منه فبلعه عامدا كان عليه القضاء ـ المبسوط ، ج ١ ص ٢٧٢

١٩٢

« باب ما يجب الإمساك عنه مما لا يفسد الصوم »

الذي يجب الإمساك عنه ـ بعد ما ذكرناه في البابين المقدم ذكرهما ـ وان لم يكن مفسدا للصوم ، هو الإصغاء إلى استماع ما لا يحل استماعه من الأغاني ، وأصوات العيدان ، والطنابير ، وغير ذلك من المناهي ، وقول الفحش ، والكلام بما لا يجوز التكلم به ، كالنميمة والكذب وما جرى مجرى ذلك ، ولمس ما لا يحل ملامسته ، والسعي فيما يحرم السعي فيه من القبائح ، والسعي أيضا الى المواضع المنهي عنها وتعمد النظر الى ما لا يحل النظر اليه ، والعزم على القبائح والإرادة لها.

« باب ما يكره للصائم الإمساك عنه »

يكره للصائم ترك زمان الصوم خاليا عن قراءة القرآن ، وذكر الله تعالى وتمجيده وتسبيحه ، والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ، والاجتهاد في العبادة ، وان لا يفضل من قدر عليه من أهل الايمان ، وان لا يبر من يمكن من بره من الاخوان وان لا يصل رحمه ، وترك السحور ، وان يكتحل بشي‌ء فيه صبر (١) أو ما جرى مجرى ذلك ، وبشم المسك والزعفران والرياحين وآكدها النرجس ، والسواك الرطب ، ومضغ العلك ، والفصد ، والحجامة ، ودخول الحمام على وجه يضعفه ، والاحتقان بالأشياء الجامدة مع الإمكان ، وملاعبة النساء ، ولباس الثوب المبلول للتبرد ، والمضمضة للتبرد بها ، وتقطير الادهان في الاذن.

« باب حكم المسافر في الصوم »

المسافر في شهر رمضان ومن هو في حكم المسافر ، فرضه الإفطار ولا يجوز له الصيام في شي‌ء من هذا الشهر. وحد السفر الذي يجب التقصير في الصوم أو الإتمام هو الحد الذي يجب معه التقصير في الصلاة أو إتمامها وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة.

__________________

(١) الصبر بالفتح فالكسر : عصارة شجر مر.

١٩٣

ويكره للإنسان الخروج للسفر في هذا الشهر ، الا ان يضطر الى ذلك فاذا انقضى جميع الشهر وقد ذكر (١) ثلاث وعشرون منه جاز له الخروج على كل حال ، وينبغي للمسافر فيه ان لا يمتلئ من الطعام والشراب ، وان لا يجامع الا عند الضرورة الشديدة اليه ، والأحوط ترك إجماع بالكل.

وإذا كان المسافر عالما بأن الإفطار واجب عليه ، ثم صام لم يجزه صومه وعليه القضاء ، وان لم يكن عالما بذلك لم يكن عليه قضاء ، وكان صيامه مجزيا.

وإذا نوى السفر من الليل وخرج بعد طلوع الفجر اى وقت من النهار ففرضه الإفطار ، وان لم يكن نوى ذلك من الليل ، ثم خرج بعد طلوع الفجر ، فعليه إتمام الصيام ولا قضاء عليه وإذا خرج قبل طلوع الفجر ، كان فرضه الإفطار سواء نوى السفر من الليل أو لم ينو ذلك ، وكان عليه القضاء.

وان نوى السفر من الليل ، ولم يتم له الخروج الا بعد زوال الشمس فعليه الإمساك عن الإفطار باقي النهار ، والقضاء بعد ذلك.

ولا يجوز للمسافر ان يصوم شيئا من الصوم الواجب في سفره إلا الثلاثة أيام في الحج ، التي هي من جملة العشرة المخصوصة بدم المتعة ، والنذر المشروط صيامه في السفر والحضر (٢) ، وان لم يكن شرط ذلك ، وكان نذر يوما معينا أو شهرا معينا ، واتفق له ذلك في السفر ، لم يصمه وكان عليه القضاء لذلك.

فاما الصوم التطوع : فمكروه في السفر إلا ثلاثة أيام مخصوصة لصلاة الحاجة عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي أربعاء وخميس وجمعة فاما ما عدا ذلك من جميع وجوه الصيام فلا يجوز للمسافر صومه في السفر ، فمن أراد صوم ذلك صبر الى ان يقدم إلى اهله ويصوم

فان نوى المقام في بلد عشرة أيام أو أكثر جاز له ان يصوم.

ومن فاته شي‌ء من الصوم في السفر وتمكن من القضاء له فلم يقضه ثم مات ، كان على وليه صيام ذلك عنه ، ولا فرق في هذا بين ان يكون من فاته ذلك رجلا أو امرأة

__________________

(١) بصيغة المجهول : اى قيل ، والقائل هو الشيخ «ره» في المبسوط

(٢) اى شرط الصوم مطلقا ، سفرا كان أو حضرا

١٩٤

وإذا قدم المسافر على اهله وكان قد أفطر فليمسك باقي النهار عن الإفطار وعليه القضاء ، وان لم يكن أفطر فليمسك عن ذلك باقي النهار ولا قضاء عليه.

وإذا طلع الفجر عليه ـ في اليوم الذي يصل فيه الى بلده ـ قبل وصوله اليه فهو مخير بين ان يمسك عن الإفطار ، ثم إذا دخل البلد تمم صوم ذلك اليوم ، ولا قضاء عليه ، وبين ان يفطر فاذا دخل إليه ، أمسك بقية النهار وعليه القضاء.

« باب المريض والعاجز عن الصيام »

حد المرض الذي يلزم معه الإفطار هو ان يعلم الإنسان من نفسه ان لا يقدر على الصيام معه ، فإنه ان صام ، زاد ذلك في مضرته ومشقته ، فاذا حصل الإنسان على هذا الحد من المرض أفطر ، كان له ذلك ، لان فرضه حينئذ الإفطار ، وعليه القضاء بعد زوال مرضه ، ومتى صام وهذه حاله لم يجزه صومه ، وكان عليه القضاء بعد برئه من المرض.

وإذا فاته صوم شهر رمضان وبعده لمرض كان به ، واستمر مرض الى شهر رمضان آخر ولم يصح بينهما ، كان عليه ان يصوم الحاضرة ، ويتصدق عن الشهر الأول بمدين من طعام عن كل يوم ، فان لم يتمكن من ذلك ، تصدق عن كل يوم بمد ، فان لم يقدر ، لم يلزمه قضاء ولا غيره ، فان صح بين الشهرين ولم يقض مما فاته ، وكان عازما على القضاء قبل الشهر الثاني ثم مرض ، كان عليه ان يصوم الثاني ويقضى الأول ولا كفارة عليه ، فان ترك ذلك بعد صحته من مرضه توانيا ، كان عليه صوم الشهر الثاني والصدقة عن الأول وقضائه مع ذلك ، وكذلك الحكم فيما زاد عن شهر رمضان

وإذا أفطر المريض في أول النهار وصح في بعضه لزمه الإمساك عن الإفطار بقية النهار وقضاء ذلك اليوم.

وان صح في بعضه وقدر على الصوم ولم يكن أفطر ، تمم صيام ذلك وإذا لم يصح المريض من مرضه الذي أفطر فيه ومات ، فعلى ولده الأكبر من الذكور ان يقضى عنه ما فاته من ذلك ومن الصلاة أيضا ، فان لم يكن له ذكر فالأولى به من

١٩٥

النساء ، وصوم ذلك ندب واستحباب ، فان صح من مرضه ولم يقض ما عليه ، فعلى من ذكرناه ، قضاء ذلك وجوبا.

وان مات ولم يكن له من الأولاد إلا توأمان كانا مخيرين أيهما شاء قضى عنه ، فان تشاحا في ذلك ، أقرع بينهما.

والمريض إذا مات وقد كان وجب عليه صوم شهرين متتابعين صام عنه وليه شهرا وتصدق عن شهر ، ولا فرق فيما ذكرناه بين ان يكون المريض رجلا أو امرأة.

واما من أغمي عليه لجنة (١) أو غيرها ، فإنه ان عرض له ذلك قبل استهلال الشهر ، واستمر به ذلك حتى دخل فيه يوم وأيام ثم أفاق ، فإن عليه القضاء لما فاته وقد ذكر انه لا قضاء عليه وهو مذهب الشيخ ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه‌الله فان استهل عليه الشهر ونوى صيامه ثم عرض له ذلك واستمر به حتى دخل من الشهر أيضا يوم وأيام ثم أفاق فإنه إذا لا قضاء عليه.

والشيخ والمرأة الكبيرة إذا كبرا وعجزا عن الصيام وأفطرا ، كان ذلك لهما وعليهما ان يتصدقا عن كل يوم بمدين من طعام أو مد إذا لم يقدرا على المدين ، وليس عليهما قضاء.

ومن عرض له عطاش لا يقدر معه على الصوم وأفطر ، كان له ذلك وعليه ان يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام أو مد ان لم يقدر ذلك ولا قضاء عليه.

هذا إذا كان العطاش العارض لا يرجى زواله ، فاما ان كان يرجى زواله ، فعليه الصدقة مع القضاء إذا زال عنه وصح منه والمرأة الحامل والمرضعة القليلة اللبن ، إذا خافتا من ان يضر الصوم بولديهما وأفطرتا ، كان لهما ذلك وعليهما الصدقة عن كل يوم بمثل ما ذكرناه متقدما من المدين والمد حسب القدرة على ذلك وعليهما القضاء ، وجميع ما ذكرنا هاهنا جواز الإفطار له لا يجوز له الجماع ولا الشبع من الطعام ، ولا الري من الشراب في نهار الصوم بل يكون أكلهم وشربهم

__________________

(١) الجنة : الجنون

١٩٦

دون الشبع والري وان كان يسيرا يسيرا فهو أفضل.

« باب حكم الحائض والنفساء في الصوم »

إذا أفطرت الحائض في نهار الصوم كان لها ذلك ، ولا ينبغي ان تمتلئ من طعام ولا شراب ، وعليها القضاء.

وإذا طهرت في وسط النهار أمسكت فيما بقي منه عن الأكل والشرب أدبا وعليها القضاء ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون قد أفطرت قبل ان تطهر أو لم تفطر.

وإذا ارأت دم الحيض في بعض نهار الصوم ، أمسكت أيضا بقية ذلك اليوم أدبا ، وعليها القضاء لذلك اليوم ولكل ما فاتها من أيام الصوم بحيضها.

ولو رأت الدم قبل سقوط قرص الشمس بلحظة ، كان عليها القضاء.

وإذا فاتها شي‌ء من الصوم الواجب بالحيض وماتت فليس يجب على أحد القضاء عنها ، الا ان يكون قد تمكنت من الصوم فلم تقض ذلك فإنه يجب على ولدها الأكبر ان يقضى عنها ذلك ، فان لم يكن لها ولد فالأولى بها من النساء وحكم النفساء مثل حكمها.

« باب حكم الكافر إذا أسلم في الصوم والصبي إذا بلغ فيه »

الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ الحلم وقد استهل ، عليهما شهر رمضان فإنه يجب عليهما صيامه ، ولا قضاء عليهما لما فرطا فيه فيما سلف ـ قبل الإسلام والبلوغ.

فإن أسلم الكافر أو بلغ الصبي في بعض أيام الشهر كان عليهما صيام الباقي منه ولا قضاء عليهما لما مضى عليه من أيامه ، فإن حصل الإسلام للكافر أو البلوغ من الصبي في بعض نهار يوم من أيامه ، أمسك باقي نهاره أدبا ، ولا قضاء عليهما لذلك اليوم ، فان حصل ذلك منهما قبل الفجر كان عليهما صوم ذلك اليوم ، فان لم يصوماه وجب عليهما القضاء له.

١٩٧

« باب صوم النذر »

إذا نذر الإنسان صوم يوم معين مثل يوم جمعة أو سبت أو ما جرى مجرى ذلك من الأيام ، أو شهر مثل شهر رجب أو شعبان أو ما أشبه ذلك من الشهور ، كان عليه صيام ما عينه من ذلك ، الا ان يوافق ما عينه شهر رمضان أو يوما من أيامه أو يوم عيد أو أيام تشريق بمنى فإنه إذا وافق شيئا من ذلك ، لم يجز له صومه ولا قضاء عليه.

وكذلك إذا كان مسافرا ، ولم يكن نذر صيامه في كل حال من حضر أو سفر ، فان كان نذر صيامه في حال الحضر والسفر وشرط ذلك ، كان عليه صومه في السفر.

فان نذر صوما مبهما : مثل ان ينذر صوم حين من الزمان ، فعليه صيام ستة أشهر ، فإن نذر صوم زمان كان عليه صوم خمسة أشهر.

فإن نذر صوم شي‌ء من الصيام في موضع معين ، مثل مكة أو مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعض المواضع الشريفة والأمكنة المعظمة ، كان عليه الوفاء بذلك في الموضع الذي نذر الصيام فيه وعينه له ، فان حضر في ذلك الموضع وصام بعض ما نذره ، ثم لم يقدر على المقام به الى ان يتم ما عليه من ذلك ، جاز له الخروج الى بلده وقضائه بعد وصوله اليه على التمام.

ومن نذر صوم شهر بالإطلاق فعليه صوم شهر ـ اى شهر من السنة كان ـ ، فإن أفطر قبل ان يتم نصفه متعمدا من غير ضرورة كان عليه استئناف الصوم ، فان كان إفطاره لضرورة ، جاز له البناء على ما تقدم ، وان كان إفطاره بعد جواز نصفه تممه ولم يجب عليه استئنافه.

وإذا شرط الناذر في الصوم النذر ، الموالاة ، وجب عليه ذلك ، فان صامه متفرقا لم يجزه وكان عليه الابتداء به متواليا ، فان كان فرق ذلك لضرورة كان له ان يبنى على ما تقدم ولم يكن عليه شي‌ء.

ومن أفطر في يوم نذر صيامه ، لغير ضرورة فعليه ان يقضى ذلك اليوم. وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، وقد ذكر انه كان إفطاره لضرورة يتمكن معها من

١٩٨

الصيام بمشقة ، كان عليه مع القضاء إطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام ، وإذا لم يتمكن معها من الصيام لم يكن عليه القضاء لم أفطره.

ومن عجز عن صوم ما نذره فليتصدق عن كل يوم بمدين من طعام أو مد.

وصوم العهد يجرى هذا المجرى.

ومن نذر الاعتكاف كان الوفاء عليه بذلك واجبا.

« باب صوم الظهار وصوم كفارة القتل ، وصوم كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، وصوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان ، وصوم كفارة نقض النذر والعهد وصوم كفارة اليمين بالبراءة ، وصوم كفارة جز المرية شعرها في مصاب ، وصوم كفارة فسخ الاعتكاف »

صوم ما ذكرناه من هذه الكفارات شهران متتابعان يجب صومهما ، فإن أفطر في الأثناء لضرورة جاز له ان يبنى على ما تقدم ، وان كان لغير ضرورة : فاما ان يكون صام من الثاني شيئا ، واما ان لا يكون صام منه شيئا ، فإن كان صام منه شيئا فقد أخطأ وجاز له البناء على ما تقدم ، وان لم يكن صام منه شيئا كان عليه استئناف الصوم من اوله.

ومن وجب عليه صومهما وهو مسافر فلينتظر بذلك وصوله الى بلده ، فاذا وصل ابتدأ بصومهما ولا يبتدء بذلك في السفر ، ولا يبتدء أيضا بصومهما من أول شعبان ، لان شهر رمضان يمنع من المتابعة بين شعبان وبين شهر آخر ، فان قدم على شعبان صوم شي‌ء من الأيام جاز له ذلك ، لأنه عند آخر شعبان يكون قد زاد على الشهر ، فيكون حينئذ متتابعا بين شهرين ، ثم يبنى على ما تقدم بعد انقضاء شهر رمضان.

ولا يجوز له أيضا الابتداء بصومهما من أول شوال ، لدخول العيد في جملة الشهر وهو مما لا يجوز صومه ، فان ابتدأ بذلك بعده كان جائزا.

ولا الابتداء بصومهما من أول ذي الحجة ، لدخول يوم العيد أيضا في جملة

١٩٩

الشهر ، ولدخول أيام التشريق أيضا فيه على من كان بمنى ، فان ابتدأ بذلك بعد أيام التشريق ان كان بمنى ، أو بعد العيد ان كان في غيرها ، كان جائزا.

فاما صوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن شهر رمضان ، فان الحكم فيه انه ان كان تعمد الإفطار قبل الزوال فقد أخطأ وليس عليه غير صوم يوم بدله ، وان كان تعمد ذلك بعد الزوال ، كان عليه كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان وفي أصحابنا من أوجب عليه كفارة يمين وقد ذكرنا ذلك فيما سلف (١).

« باب صوم كفارة اليمين وأذى حلق الرأس »

صوم كفارة اليمين هو صوم ثلاثة أيام متوالية ، بعد العجز عما نذكره من هذه الكفارات في باب الكفارات ان شاء الله تعالى ، فان فرق إنسان بين صوم هذه الثلاثة أيام لغير ضرورة ، كان عليه استئناف الصوم ، فان كان لضرورة جاز له البناء على ما تقدم.

فاما صوم أذى حلق الرأس ، فهو صوم ثلاثة أيام متوالية أيضا ، يجب صومها كذلك على من كان محرما ويؤذى (٢) بشعر رأسه فحلقه.

وان فرق صومها مختارا كان عليه استئناف الصوم ، وان كان ذلك لضرورة جاز له ان يبنى على ما تقدم منه.

« باب صوم دم المتعة »

هذا الصوم هو عشرة أيام ، يلزم المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا لم يقدر على هدى التمتع ، ثلاثة منها في الحج وسبعة إذا رجع الى اهله ، والثلاثة التي في الحج هي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، ويجب صومها متواليا ، فمن فرقها لضرورة جاز له البناء على ما تقدم ، وان كان مختارا كان عليه استئناف صومها.

ومن فاته صوم اليوم الأول منها صام ما يليه ثم صام بدل اليوم الذي فاته يوما

__________________

(١) لعله سهو والصحيح « نذكر فيما سيأتي » فإنه « رحمه‌الله » يذكره في باب قضاء الفائت من الصيام.

(٢) مجهول من باب الأفعال

٢٠٠