المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

وكل من كان منزله من موضعها على أكثر من فرسخين ، ويجب صلاتها على العقلاء من هؤلاء إذا دخلوا فيها ويجزيهم إذا دخلوا فيها وصلوها عن صلاة الظهر.

« آداب الجمعة »

فإذا حضر يوم الجمعة فينبغي للمكلف ان يحلق رأسه ويقص أظفاره ، ويأخذ من شاربه وينظف ، ويغتسل ، وأفضل الأوقات لهذا الغسل كلما قرب من الزوال ، ومتى زالت الشمس ولم يكن اغتسل قضاه يوم السبت ـ وإذا خاف من عدم الماء في يوم الجمعة جاز له تقديمه في يوم الخميس ـ

وإذا اغتسل ، لبس أفخر ثيابه وتطيب بما قدر عليه ، وتوجه الى المسجد بسكينة ووقار والدعاء في توجهه اليه فقال : « اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجوائزه ، ونوافله ، فإليك يا سيدي وفادتى وتهيئتي وإعدادي واستعدادي رجاء وفدك وجوائزك ونوافلك » ثم يصلى ست ركعات بتسليم كل اثنتين عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها ، وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول الشمس ـ استظهارا للزوال ثم يؤذن ، ويقيم ، ويفتتح الفرض بسبع تكبيرات ويتوجه (١) ثم يقرء الحمد ، وسورة الجمعة ، ويجهر بالقراءة أيضا (٢) فإذا قام إلى الثانية قرء الحمد وسورة المنافقين ، ويجهر بالقراءة أيضا.

فاذا فرغ من القراءة ، رفع يديه للقنوت حيال صدره وبسطهما وقنت بما تقدم ذكره في كيفية الصلاة ، ثم يركع ويتشهد ويقوم إلى الثالثة ، ويقرء الحمد وحدها أو يسبح كما ذكرناه فيما مضى ، ويفعل في الرابعة مثل ما ذكرناه ، ثم يسلم ويسبح تسبيح سيدة النساء فاطمة صلوات الله عليها ، ويقرء الحمد مرة واحدة ، وسورة الإخلاص سبع مرات ، والمعوذتين وآية الكرسي مرة واحدة ، وآية

__________________

(١) اى دعا بـ « وجهت وجهي. »

(٢) أي كما يجهر في صلاة الجمعة

١٠١

السخرة وهي : ان ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام (١) الاية ، ويقرء آخر سورة التوبة ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (٢) مرة واحدة ويرفع يديه بالدعاء فيقول :

« اللهم انى عهدت إليك بحاجتي وأنزلت بك اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي فانا لمغفرتك أرجى مني لعملي ورحمتك أوسع من ذنوبي ، فتول قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها ويتيسر ذلك عليك ولفقري إليك فإني لم أصب خيرا قط الا منك ولم يصرف عنى أحد سواء قط غيرك ولست أرجو لآخرتي ودنيائى سواك ولا ليوم فقري وتفردي من الناس في حفرتي غيرك ، فصل على محمد وآل محمد ، واجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمارها الملائكة مع نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبينا إبراهيم صلوات الله عليه فاذا فرغ مما ذكرناه فليؤذن وليقم لصلاة العصر ثم يصليها كما صلى الظهر ، فاذا سلم سبح تسبيح الزهراء عليها‌السلام واستغفر الله تعالى سبعين مرة ويقول في استغفاره : « استغفر الله ربي وأتوب اليه » وليصل على محمد وآل محمد سبع مرات.

يقول في كل مرة : « اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليهم ، وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته » فاذا كمل ذلك سبع مرات قال : « اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم » مأة مرة ، ثم ادع بما تيسر من الدعاء بعد ذلك ، وانما ذكرنا صلاة أربع ركعات هاهنا لمن صلى لنفسه بغير إمام.

__________________

(١) الأعراف ، الاية ٥٤

(٢) الاية ١٢٨

١٠٢

« كيفية صلاة الجمعة »

فاما إذا حضر الامام واجتمعت الشروط التي قدمنا ذكرها فينبغي للإمام ان يلبس العمامة في صيف كان أو في شتاء ، ويرتدي ببرد يمنى ، أو عدني فإذا قرب من الزوال صعد المنبر وأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس ، وينبغي إذا خطب هاتين الخطبتين ان يفرق بينهما بجلسة ويقرء سورة خفيفة ويحمد الله في خطبته ويصلى على النبي وآله ويدعو لأئمة المسلمين ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ويعظ ويزجر ، ويخوف ، وينذر.

فاذا نزل الامام صلى بالناس ركعتين يقرء في الأولى الحمد وسورة الجمعة يجهر فيها بالقراءة ، فاذا فرغ منها رفع يديه للقنوت قبل الركوع ، ثم تمم الركعة فإذا قام إلى الثانية قرء الحمد وسورة المنافقين ، وجهر بها أيضا ويقنت في هذه الركعة بعد الركوع ثم يتمها ويسلم.

ولا يجوز ان يصلى بالناس غير الإمام إذا كان حاضرا في البلد الا لمانع له أو من يأمره بذلك ومن لم يدرك الخطبتين وكان الامام ممن يقتدى به كانت صلاته كاملة ، فإذا أدرك الامام وقد ركع في الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه ان يصلى الظهر اربع ركعات ، وعلى من يقتدى بإمام ان يصغي الى قراءته.

ومن صلى لنفسه بغير امام فليقرء السورتين اللتين سلف ذكرهما ، فان سبق إلى سورة غيرهما ثم ذكر ذلك فعليه الرجوع إليها إذا لم يجز نصف السورة التي ابتدأ بها فان تجاوز النصف فالأفضل له ان يتم ويحسبها من النوافل ، ثم يستأنف الصلاة ، بالسورتين اللتين ذكرناهما ، وليس ذلك ما يجب عليه ومن صلى خلف من لا يأتم به تقية ، فينبغي له ان يقدم صلاته ان تمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من تقديمها صلى معه ركعتين فاذا سلم قام هو فتمم ركعتين فإذا أدرك الامام وقد صلى ركعة صلى معه الثانية ، فإذا سلم قام هو فصلى ركعة أخرى ، وجهر فيها بالقرائة.

١٠٣

فاذا صلى مع الإمام ركعة وركع فيها ولم يتمكن من السجود فاذا قام الامام من السجود سجد هو ولحق بالإمام فمتى لم يفعل ذلك ووقف حتى ركع الإمام في الثانية فلا يركع معه فاذا سجد الامام سجد هو وجعل سجدتيه للركعة الأولى فإذا سلم قام فأتى بركعة أخرى ، ومتى لم ينو بالسجدتين أنهما للركعة الأولى كان عليه استئناف للصلاة.

وإذا كان الزمان زمان تقية جاز للمؤمنين أن يجمعوا في مكان لا يلحقهم فيه ضرر وليصلوا جماعة بخطبتين فان لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة أربع ركعات

ومن صلى فرض الجمعة مع امام يقتدى به فليصل العصر بعد الفراغ من فرض الجمعة ولا يفصل بينهما إلا بالإقامة ، ويجوز للمسافر ان يصلى الجمعة بالمقيمين إذا تمكن من الخطبتين ، واجتمعت الشروط ، فان صلى بهم بغير خطبة كانت ظهرا

وإذا اجتمع (١) النساء لم تنعقد بهن (٢) الجمعة ، وكذلك الصبيان إذا لم يبلغوا.

وإذا خطب الامام وحده ثم حضر العدد كان عليه إعادة الخطبة ، فان لم يعدها لم تصح الجمعة ولا (٣) كان ما صلاة فريضة جمعة.

ومن وجبت عليه الجمعة ومنعه من حضورها مانع أو كان له عذرا ما في نفسه أو أهله ، أو أخ له في الدين ، مثل ان يكون مريضا فيشتغل بإعانته أو ميت يهتم (٤) بتجهيزه ودفنه لم يكن عليه شي‌ء.

فاذا اجتمعت الشرائط وزالت الشمس وأراد الإنسان السفر لم يجز له ذلك

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر ان معناه : صلى الامام بالنساء وأم بهن خاصة ، ويحتمل التصحيف وان الصحيح « اجتمعت »

(٢) في بعض النسخ « منهن » بدل « بهن »

(٣) في بعض النسخ « والا » بدل « الجمعة ولا »

(٤) في بعض النسخ « يشتغل » بدل « يهتم »

١٠٤

حتى يصلى ، وإذا كان (١) السفر من يوم الجمعة من بعد طلوع الفجر كان ذلك مكروها ، والأفضل ان يقيم حتى يصلى ويسافر بعد ذلك.

وإذا أحرم الإمام بالجمعة فعرف انه قد صلى في البلد في موضع آخر الجمعة لم تنعقد له جمعة ، ويصلى ظهرا إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال.

وإذا وجبت الجمعة على إنسان وجلس الامام على المنبر حرم عليه البيع والشراء.

« باب صلاة السفر »

روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : ان الله سبحانه اهدى الى أمتي هدية لم يهدها الى أحد من الأمم تكرمة منه عزوجل لنا ، فقيل له وما ذلك يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :الإفطار والصلاة في السفر ، فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله هديته (٢) ، وروى عن الصادق عليه‌السلام انه قال : أنا بري‌ء ممن يصلى أربعا في السفر (٣) وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : من قصر الصلاة في السفر وأفطر فقد قبل تحفة لله سبحانه وكملت صلاته (٤).

واعلم ان السفر على أربعة أوجه : أولها واجب وثانيها ندب وثالثها مباح ورابعها قبيح ، فاما الواجب فهو مثل سفر من وجب عليه حج أو عمرة واما المندوب فهو مثل سفر القاصد الى الزيارات وما أشبهها.

__________________

(١) في بعض النسخ « أراد » بدل « كان » وفي أكثرها « كان أراد »

(٢) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٢٢ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث ١١ ، والمتن مطابق لما في ( دعائم الإسلام ) ، ج ١ ، ص ١٩٥ ، الا ان في الدعائم « الإفطار وتقصير الصلاة في السفر ».

(٣) جامع الأحاديث ، ج ٧ ، الباب ١ من أبواب صلاة المسافر ، ص ٢٥ ، الحديث ٢٣ ، ودعائم الإسلام ، ج ١ ، ص ١٩٥.

(٤) جامع الأحاديث ، ج ٧ ، الباب ١ من أبواب صلاة المسافر ، ص ٢٤ ، الحديث ١٨ ، ودعائم الإسلام ، ج ١ ، ص ١٩٥ ، الا ان فيهما « فقد قبل تخفيف الله عزوجل.

١٠٥

واما المباح فهو مثل سفر التجارة وطلب الأرباح لذلك وطلب القوت لأنفسهم ولاهليهم ، وأما القبيح فهو مثل سفر متبع السلطان الجائر مختارا ، ومن هو باغ أو عاد ، أو يسعى في قطع الطريق ، وما أشبه ذلك ومن طلب الصيد للهو والبطر

فأما أصحاب الوجوه الثلاثة التي هي الواجب والندب والمباح فعليهم التقصير في الصلاة والصوم ، وأما أصحاب الوجه الرابع وهو القبيح فعليهم الإتمام في الصلاة والصوم ، ومن كان سفره في طلب صيد التجارة لا لقوته وقوت عياله واهله فقد ورد أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم (١).

ومن سافر سفرا يلزمه فيه التقصير فلا يجوز له ذلك حتى يخفى عليه أذان مصره أو يتوارى عنه جدران مدينته خرابا كانت أو عامرة ، فإن كان باديا فحتى تجاوز الموضع الذي يستقر فيه منزله ، وان كان مقيما في واد حتى تجاوز أرضه ، وان سار عنه طولا حتى يغيب عن موضع منزله.

ومن مر في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها ، أو كان له في طريقه أهل أو من جرى مجراهم ونزل عليهم ولم ينو المقام عندهم عشرة أيام كان عليه التقصير.

والسفر الذي يلزم فيه التقصير هو ما كان مسافته ثمانية فراسخ أو ما زاد على ذلك أو أربعة فراسخ إذا نوى العود من يومه ، وقد ذكر التخيير بين القصر والإتمام لمن كان سفره أربعة فراسخ ولم ينو الرجوع من يومه.

وجميع من كان سفره أكثر من حضره مثل الملاح ، والمكاري ، والجمال والبدوي إذا طلب القطر والنبت ، والرعاة ، والأمراء الذين يدورون في اماراتهم ، والجباة الذين يسعون في جباياتهم ، ومن يدور من سوق الى سوق في تجارته ، فإن الإتمام لازم لهم ولا يجوز لأحد منهم التقصير الا ان يقيم في بلده عشرة أيام ، فإن أقام ذلك قصر ، وان كان مقامه خمسة أيام قصر بالنهار وتمم بالليل والتقصير في

__________________

(١) جامع الأحاديث ، ج ٧ ، الباب ١٣ من أبواب صلاة المسافر ، ص ٦١ ، الحديث ٦.

١٠٦

السفر وكذلك الإفطار فيه في شهر رمضان واجبان ، فمن صلى صلاة رباعية على كما لها كان عليه الإعادة ، الا ان يكون لم يقرء الآية (١) في ذلك.

ومن خرج من بلده الى بلد آخر ، ومن قريته إلى قرية أخرى في دون المسافة التي حدت للتقصير ، لم يقصر وان خرج من ذلك البلد أو تلك القرية إلى بلد أخر ونوى المقام فيه عشرة أيام أو أكثر كان عليه الإتمام وان كان بين البلد الثاني وبين بلده الذي خرج منه أولا ، المسافة المحدودة ، وكذلك لو انتقل من مكان الى غيره ولا مكان بينهما الا وهو ينوي المقام فيه عشرة أيام أو أكثر من ذلك. والأماكن ليس بين واحد منها وبين ما يليه المسافة المحدودة لم يجز التقصير في شي‌ء من ذلك.

فان خرج من بلده الى بلد يقصر الى مثله ، الصلاة ولم يصل الى آخر المسافة المضروبة للتقصير حتى بدا له الرجوع الى بلده كان عليه الإتمام.

وإذا كان للبلد طريقان من موضع خروج الإنسان ، وأحد الطريقين دون المسافة والطريق الأخر فيه المسافة ، أو أكثر منها فسار في أحد الطريقين لغير علة لم يقصر ، فان كان الطريق الذي هو أقل مسافة مخوفا ، أو شاقا أو كان له في الطريق الأبعد حاجة تدعوه الى المسير فيه كان عليه التقصير. ومن سافر الى بلد ونوى أنه ان لقي زيدا اقام عنده عشرة أيام كان عليه التقصير حتى يلقى زيدا ، فاذا لقيه واقام عنده على نية المقام عشرة أيام كان عليه الإتمام.

والمسافر إذا نزل في موضع نوى فيه الإقامة عشرة أيام كان عليه الإتمام فإن نوى المقام أقل من ذلك قصر ، فان لم ينو شيئا أو سوف نفسه بالخروج فقال اليوم أخرج ـ أو غدا اخرج ، ولم يستقر له نية في مقام ولا مسير كان عليه ان يقصر ما بينه وبين شهر ، فان كمل الشهر كان عليه الإتمام.

__________________

(١) اى آية التقصير في السفر.

١٠٧

وإذا نسي المسافر صلاة وذكرها في الحضر قضاها صلاة مسافر ، وان نسي صلاة في الحضر وذكرها في حال السفر قضاها صلاة حاضر وإذا شك ولم يعلم هل الصلاة التي نسيها ، صلاة حضر أو سفر ، كان عليه ان يصلى صلاة حضر.

والمسافر إذا دخل بلدا ونوى المقام عشرة أيام ثم صلى وبدا له في المقام وكان قد صلى منها ركعة أو ركعتين لم يجز له قصرها ، بل عليه إتمامها لأنه دخل بنية مقيم ونوى السفر قبل إتمامها ، فإذا دخل في صلاة الظهر ونوى المقام قبل ان يصلى ركعتين أو صلى ركعتين ونوى المقام قبل ان يسلم كان عليه إتمامها أربع ركعات وليس عليه استئنافها ، وان سلم في ركعتين ونوى المقام كان عليه الإتمام فيما يستقبل ، فان نوى المقام وهو في صلاة لظهر وسلم من ركعتين كان عليه استئناف الظهر اربع ركعات ، والمسافر إذا أتم الصلاة متعمدا أو ناسيا وكان الوقت باقيا كان عليه الإعادة.

ومن أبق له عبد فخرج في طلبه وقصد بلدا ـ يقصر في مثله الصلاة ـ وقال : ان وجدته قبل ذلك البلد رجعت لم يجز له التقصير لأنه لم ينو سفرا يقصر الصلاة فيه ، وان لم يقصد بلدا ونوى انه يطلبه حيث بلغ لم يكن له القصر لأنه شاك في المسافة المحدودة للتقصير وان نوى قصد ذلك البلد سواء وجد عبده قبل الوصول اليه أو لم يجده ، كان عليه التقصير لأنه نوى سفرا يجب التقصير فيه.

فاذا خرج وهذه نيته ثم رجع عن هذه النية وعزم على العود الى وطنه وترك القصد الى تلك البلدة ، يقطع سفره هاهنا وكان في رجوعه مستأنفا للسفر فان كان بين هذا المكان وبين بلده مسافة يقصر فيها الصلاة ، كان عليه التقصير ، وان لم يكن كذلك كان عليه الإتمام.

والمسافر في البر والبحر والأنهار و (١) في جميع أحكام السفر من تقصير وإتمام على حد سواء لا يختلف الحال في ذلك ، وإذا دخل المركب في البحر إلى جزيرة من جزائره أو موضع يقف فيه فالحكم فيه كالحكم في دخوله الى بلد وكل موضع

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعل كلمة « واو » زائدة

١٠٨

يجب فيه التقصير أو الإتمام. فإن خرج الى مسافة يقصر في مثلها وردته الريح كان له التقصير لأنه ما رجع ولا نوى مقاما.

فاما صاحب السفينة فإنه يجب عليه التمام لأنه ممن يجب عليه الإتمام مع (١) جملة المسافرين.

ومن سافر إلى مكة حاجا وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى المقام بها عشرة أيام كان عليه التقصير في الطريق والإتمام إذا وصل إليها.

فإن خرج منها الى عرفات ، ليقضى مناسكه بها ـ ولا ينوي المقام بمكة عشرة أيام إذا رجع إليها ـ كان عليه التقصير لأنه قد نقص مقامه بسفر ـ بينه وبين بلده ـ قصر في مثله ، وان نوى ـ إذا قضى مناسكه بعرفات ـ المقام بمكة عشرا إذا عاد إليها ، كان عليه التمام إذا عاد إليها. فإن كان يريد ـ إذا قضى مناسكه ـ المقام عشرة أيام بمكة أو بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فعليه الإتمام بمكة والتقصير في منى وعرفات الى ان ينوي المقام بها عشرا فعليه حينئذ التمام ، وقد ذكر ان عليه التقصير والأحوط ما ذكرناه أولا.

ومن سافر الى موضع فخرج من بلده الى مكان ـ بينه وبينه مسافة دون المسافة المحدودة للتقصير ، ونوى ان ينتظر فيه والمقام عشرة أيام أو أكثر ، فإذا اجتمعوا سافروا منه سفرا يجب فيه التقصير عليهم ـ لم يجز له التقصير حتى يسيروا من ذلك المكان الذي يجتمعون فيه ، لأنه لم ينو بالخروج الى هذا المكان سفرا يقتضي التقصير. وان لم ينو المقام عشرة أيام ، وانما خرج بنية انه إذا اجتمعوا ساروا ، كان عليه التقصير ما بينه وبين شهر ، ثم يتم بعد ذلك.

والمسافر إذا صلى خلف المقيم لم يلزمه الإتمام معه ، وإذا أم المسافر بمسافرين ومقيمين وأحدث ثم استخلف مقيما صلى المقيم على التمام ولم يلزم المسافرين ذلك

__________________

(١) كذا في النسخ ولعله تصحيف والصحيح « من جملة المسافرين » كما في المبسوط ، ج ١ ، ص ١٣٨.

١٠٩

ومن شيع مؤمنا وكان مسافة سفره معه ثمانية فراسخ ـ أو أربعة إذا عزم على الرجوع من يومه ـ كان عليه التقصير. ويجوز للمسافر الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين العشائين ، وليس عليه شي‌ء من نوافل النهار ، والذي عليه من النوافل قدمناه حين ذكرنا أعداد نوافل السفر في ما تقدم ، وليس يجب على المسافر صلاة الجمعة ولا العيدين.

ويستحب له ان يقول عقيب كل صلاة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فان في ذلك جبرا لصلاته ، وقد روى انه يستحب له الإتمام في أربعة مواضع : وهي مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر ، (١) ووردت رواية أخرى انه يستحب الإتمام في حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرم أمير المؤمنين عليه‌السلام وحرم الحسين عليه‌السلام (٢) والتقصير هو الأصل ، والعمل به عندي في هذه المواضع وغيرها أحوط. فأما ما يوجب إعادة صلاة السفر فسنذكره في ما يوجب إعادة الصلاة بعون الله ومشيئته.

واما معنى التقصير فهو ان يصلى كل صلاة رباعية ، ركعتين فاما ما عدا الرباعيات من الصلاة فالمسافر يصليها كما يصليها في الحضر سواء.

« باب صلاة المضطر »

إذا اضطر المكلف في صلاته إلى الإخلال بشي‌ء من أحكامها ـ التي بينا انها لازمة للمختار ـ كان عليه الاجتهاد في إيقاعها على غاية ما يمكنه الإيقاع لها عليه ، وكيفية صلاة المضطر تختلف بحسب اختلاف الضرورة ، فمن ذلك صلاة المريض وصلاة الخوف وصلاة العريان وصلاة السابح وصلاة الغريق والموتحل وصلاة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٢٥ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث ٢٦ و ٢٩

(٢) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٢٥ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث ٢٤

١١٠

المضطر إلى المشي وصلاة المقيد والمشدود بالرباط وما أشبه ذلك ، والصلاة في السفينة ، ونحن نذكر هذه الفصول واحدا واحدا بمشيئة الله وعونه.

« باب صلاة المريض »

اعلم ان المريض لا يسقط عنه فرض الصلاة ما دام عقله ثابتا الا ان يكون امرأة حائضا ، وانما يتغير صفاتها بحسب اختلاف حاله في المرض ، فاذا كان قادرا على الصلاة قائماً وجبت عليه كذلك ، فان لم يتمكن من ذلك وكان متمكنا من أدائها بأن يعتمد على حائط أو عصا أو ما أشبه ذلك وجبت عليه كذلك أيضا ، فان لم يقدر على ذلك وقدر على أدائها جالسا ، أداها كذلك ، فان لم يقدر عليها جالسا وقدر عليها مضطجعا على جنبه وجبت عليه كذلك ، فان لم يقدر على ذلك وقدر عليها مستلقيا على ظهره صلاها مستلقيا عليه والمريض إذا صلى جالسا كان عليه ان يقرء فإذا أراد الركوع وكان قادرا على القيام فليقم ويركع فان لم يقدر على ذلك ركع وهو جالس فان لم يقدر على السجود رفع بيده شيئا يجوز السجود عليه وسجد عليه فان لم يقدر على الصلاة جالسا جملة صلى على جنبه الأيمن ويسجد ، فان لم يتمكن من السجود أو أومأ به إيماء.

واما إذا لم يقدر على الاضطجاع استلقى على ظهره وصلى إيماء ، وصفة ذلك ان يفتتح الصلاة بالتكبير ويقرء ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه فإذا أراد رفع رأسه من الركوع فتحهما فإن أراد السجود غمضهما فإذا أراد رفع رأسه منه فتحهما ، يفعل ذلك الى ان يتم الصلاة. والمريض إذا صلى جالسا فينبغي ان يجلس مربعا في حال القراءة ، فإذا أراد الركوع فليثني رجليه ، فان لم يقدر على ذلك جلس بحسب تمكنه

فان كان مبطونا وأحدث بما ينقض الطهارة فعليه إعادتها والبناء على ما مضى من صلاته ، فان كان به سلس البول جاز له الصلاة بعد ان يستبرء ، ويستحب ان

١١١

يلف على ذكره ، خرقة تمنع من تعدى ما يخرج منه الى بدنه وثيابه.

وإذا كان المريض مسافرا وهو راكب جاز له الصلاة على ظهر دابته ويسجد على ما يتمكن من السجود عليه ، وان صلى نافلة جاز له ان يومي بها إيماء وان لم يسجد ، والأحوط ان يسجد ان قدر على ذلك.

وحد المرض المبيح للصلاة جالسا ان يعلم من حال نفسه انه لا يقدر على الصلاة قائماً ولا على الوقوف أو المشي بمقدار زمان الصلاة.

« باب صلاة الخوف والمطاردة والمسايفة »

كل قتال كان واجبا مثل قتال المشركين وأهل البغي ، أو مباحا مثل الدفع عن المال والنفس فإن صلاة الخوف فيه جائزة وتقصيرها صحيح.

وهي ان يصلى كل رباعية ركعتين كما قدمناه في صلاة السفر ، وصلاة الخوف بالتقصير أحق واولى بالقصر من صلاة المسافر لان هذه معها خوف وتلك لا خوف معها فهذه أحق بذلك.

واعلم ان هذه الصلاة لا تجب الا عند شروطها وهي ان يكون العدو في غير جهة القبلة ، ولا يتمكن المقابل (١) له الا بان يستدبر القبلة ، ويكون عن يمينه أو شماله ، أو يخاف من العدو عند اشتغالهم بالصلاة من الغدر بهم والارتكاب لهم (٢) والانكباب عليهم ، وان يكون في المسلمين كثرة متى افترقوا طائفتين كان كل طائفة مقاومة للعدو حتى يفرغ الطائفة الأخرى من الصلاة فإذا حصلت هذه الشروط صحت صلاتها جماعة إذا أرادوها كذلك.

وقد يجوز ان يصليها الواحد منفردا ، غير انهم إذا أرادوا صلاتها جماعة

__________________

(١) في بعض النسخ « المقاتل » بدل « المقابل ».

(٢) ارتكب الأمر : اقتحمه متهورا.

١١٢

كما ذكرناه كان أقل ما يكون الطائفة معه طائفة ثلاثة (١) وقد ذكر ان هذا الاسم يصح تناوله الواحد. ولا فرق في وجوب التقصير فيها بين ان يكون الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك.

فان كان الأمر على ذلك فهي على ضربين : أحدهما صلاة خوف والأخر صلاة شدة الخوف وهي التي يقول (٢) فيها صلاة المطاردة والمسايفة.

« كيفية صلاة الخوف »

فأما الأولى فصفتها ان يفترق الجماعة فرقتين فتقف فرقة بحذاء العدو وتقوم الفرقة الأخرى فتقف خلف الامام فصلى بهم ركعة ، فإذا قام إلى الثانية وقف قائماً وصلوا ـ هم ـ (٣) الركعة الثانية وتشهدوا ثم سلموا ثم قاموا فوقفوا بحذاء العدو وتقدمت الفرقة الأخرى فوقفت خلف الامام وافتتحوا الصلاة بالتكبير فصلى بهم الإمام الركعة الثانية له وهي لهم اوله ، فاذا جلس للتشهد قاموا ـ هم ـ إلى الركعة الثانية لهم فصلوها فاذا فرغوا منها تشهدوا ثم يسلم الامام بهم وقد تمت صلاتهم.

وان كانت الصلاة صلاة المغرب فينبغي ان يفترقوا كما ذكرناه ، ويتقدم فرقة فتقف بحذاء العدو وتتقدم الفرقة الأخرى فتقف خلف الإمام فيصلي بهم ركعة ويقف في الثانية ، ويصلوا هم (٤) الركعتين الباقيتين ويخففوا فيها ، فاذا سلموا وقفوا بحذاء العدو وتقدمت الفرقة الأخرى فوقفت خلف الامام وافتتحوا الصلاة بالتكبير وصلى بهم الثانية له وهي لهم اوله فاذا جلس للتشهد جلسوا معه وذكروا الله تعالى

__________________

(١) معناه : ان أقل عدد تصدق عليه الطائفة ، ثلاثة.

(٢) كذا في النسخ والظاهر « يقال ».

(٣) الضمير ضمير الفصل.

(٤) في النسخ « يصلوا بهم » والظاهر انه تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

١١٣

فإذا قام إلى الثالثة له قاموا معه وهي لهم ثانية فيصليها ، فاذا جلس للتشهد الثاني جلسوا معه وتشهدوا وهو أول تشهد لهم وخففوا في تشهدهم ثم قاموا الى الثالثة لهم فصلوها فاذا جلسوا للتشهد الثاني وتشهدوا ، سلم الامام بهم وانصرفوا.

ومن كان في حال هذه الحرب راكبا صلى على ظهر دابته بعد ان يستقبل بتكبيرة الإحرام القبلة ، فصلى كيف ما دارت به الدابة ويسجد على قربوس سرجه فان لم يتمكن من السجود صلى إيماء وانحنى للركوع والسجود ، وجعل سجوده اخفض من ركوعه ان تمكن من ذلك.

« صلاة المطاردة »

فاما صفة صلاة شدة الخوف وهي المطاردة والمسايفة وهي إذا كانت الحال ما ذكرناه كبر المصلى لكل ركعة تكبيرة. والتكبيرة أن يقول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ». فاما حكم السهو في هذه الصلاة فسنذكره في باب السهو بمشيئة الله سبحانه.

واعلم ان أخذ السلاح يجب على الطائفة ويجب ان يكون خاليا من نجاسة فإن كان على شي‌ء منه ريش مما لا يؤكل لحمه كالعقاب والنسر لم يكن بأس. فإن كان ثقيلا لم يمكن معه الركوع والسجود مثل الجوشن ، والكواعد (١) والمغافر السابغة (٢) وما جرى مجرى ذلك كان مكروها. والذي ينبغي أخذه من ذلك ما كان مثل السكين والسيف والقوس وغيره والرمح إذا لم يتأذ به أهل الصف فان كان عليه نجاسة لم يكن به بأس. فإذا كان على السيف الصيقل نجاسة ومسح بخرقة كانت الصلاة فيه جائزة. وفي أصحابنا من قال بان ذلك جائزة على كل حال

__________________

(١) الظاهر انه السواعد ذكره الجاحظ في البيان والتبيين ج ٣ ص ٤٢ وقال « ولا الجواشن ولا السواعد » وهي ما يلبس على الساعد من حديد أو ذهب.

(٢) مغفر سابغ : طويل يستر الجبهة.

١١٤

لأنه إذا مسح بالخرقة فقد طهر ، وعندي انه لا يطهر بذلك ، لكن الصلاة فيه جائزة كما قدمناه لأنه مما لا يتم الصلاة فيه منفردا.

ومن صلى مع شدة الخوف ركعة وهو راكب ثم أمن فينبغي ان ينزل عن دابته ويتم ما بقي من صلاته على الأرض فإن كان آمنا وصلى ركعة على الأرض ثم لحقته شدة الخوف فليركب ويتم ما بقي عليه من الصلاة راكبا ، هذا جائز ما لم يستدبر القبلة ، فإن استدبرها كان عليه استئناف الصلاة.

وإذا كان بين المقاتلة حائط أو خندق وخافوا ان ينقب العدو عليهم الحائط أو يطم الخندق إذا تشاغلوا بالصلاة ، جاز لهم ان يصلوا إيماء ، هذا إذا ظنوا ذلك قبل ان يصلوا وان ظنوا انهم لا يفعلون ذلك الا بعد فراغهم من الصلاة لم يجز لهم ان يصلوا صلاة شدة الخوف.

وإذا رأوا سوادا فظنوه عدوا جاز ان يصلوا صلاة شدة الخوف إيماء ، فان لم يكن ما رأوا صحيحا لم يكن عليهم اعادة ، وإذا شاهدوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ، ثم بان لهم ان بينهم نهرا كبيرا أو خندقا لا يصلون إليهم معه ، فليس عليهم اعادة.

والعدو إذا كان في جهة القبلة والناس في مستو من الأرض لا يسترهم شي‌ء ولا يمكنهم أمر يخاف منه وكان المسلمون كثيرين لم يجب عليهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف.

وإذا كان المسلمون كثيرين ويصح ان يفترقوا طائفتين وكل طائفة منهما يقوم بالعدو ، جاز للإمام ان يصلى بالطائفة الواحدة ، الركعتين ثم يصلى بالطائفة الأخرى ركعتين آخرتين ، ويكون هاتان الركعتان له نافلة ولهم فريضة.

وإذا كان يوم الجمعة وكان عددهم العدد الذي تنعقد به الجمعة جاز للإمام ان يصلى بهم الركعتين بان يخطب بالطائفة الاولى ويصلى بهم ركعة ، ثم يصلوا ـ هم ـ الركعة الأخرى ، ثم يقوم مقام أصحابهم فيصلي بهم الركعة الأخرى على ما قدمناه ، وان لم يبلغوا العدد الذي ذكرناه لم ينعقد لهم هذه الصلاة صلاة جمعة بل يصلوها

١١٥

ظهرا وان بلغت الطائفة الأولى العدد المذكور وخطب بهم (١) وكان في الطائفة الأخرى العدد أيضا كاملا لم يصح ان يصلى بهم جماعة إلا بعد ان يعيد الخطبة لأن الجمعة لا تنعقد مع تمام العدد إلا بخطبة فإن صلى بالأولى صلاة الجمعة كاملة لم يجز ان يصلى الأخرى صلاة جمعة بل يصلى بهم ظهرا.

وإذا انهزم المشركون وطلبهم المسلمون لم يجز ان يصلوا صلاة الخوف لان الخوف قد ارتفع وليس مشاهدتهم بأمارة لحصول الخوف. ومن فر من الزحف وصلى صلاة شدة الخوف كان عليه الإعادة إذا كان عاصيا بفراره فان كان متحيزا الى فئة أو متحرفا لقتال لم يلزمه الإعادة ، وانما يكون عاصيا بفراره من الزحف إذا فر من اثنين أو أقل منهما فاما ان كان من أكثر من اثنين فإنه لا يكون عاصيا وكانت صلاته جائزة.

« باب صلاة العراة »

من كان عريانا وليس له لباس يستتر به وتمكن من الاستتار بحشيش أو غيره كان عليه ان يستر عورته به ويصلى قائماً فان لم يقدر على ما يستتر به جملة وكان وحده بحيث لا يراه أحد صلى قائماً وان كان معه إنسان أو كان موضع يخشى فيه ان يراه غيره كان عليه ان يصلى جالسا. وإذا اجتمع عراة ولم يتمكنوا مما يستترون به وأرادوا أن يصلوا جماعة كان عليهم أن يجلسوا صفا واحدا ويجلس إمامهم في وسطهم ولا يتقدمهم الا بركبتيه ثم يصلى بهم وهو ، وهم جلوس ، ويومئ الإمام بركوعه

__________________

(١) اى من غير ان يصلى بهم ، قال في المنتهى ج ١ ، ص ٤٠٦ : لو خطب بالطائفة الاولى ولم يصل بهم ثم مضوا الى العدو وجاءت الطائفة الثانية قال الشيخ لا يجوز ان يصلى بهم الجمعة الا ان يعيد الخطبة.

١١٦

وسجوده إيماء ويجعل سجوده اخفض من ركوعه ، ويركع الذين خلفه ويسجدون.

وقد ذكر أن العريان يؤخر الصلاة الى أن يتضيق وقتها رجاء أن يجد ما يستتر به فان لم يجد شيئا صلى ، فمن عمل على ذلك كان جائزا.

« باب صلاة السابح والغريق والموتحل »

السابح والغريق والموتحل إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكنوا من الحصول في موضع يصلون فيه ، استقبلوا القبلة بتكبيرة الإحرام وصلوا إيماء ، فان لم يتمكنوا من استقبال القبلة صلوا ولم يكن عليهم شي‌ء ، ويكون ركوعهم وسجودهم إيماء ويجعلون سجودهم اخفض من ركوعهم.

« باب صلاة المضطر إلى المشي والمقيد والمشدود بالرباط »

« وما أشبه ذلك »

إذا اضطر الإنسان إلى المشي ولم يتمكن من الوقوف صلى ماشيا بعد التوجه إلى القبلة ان تمكن من ذلك ويومئ بركوعه وسجوده إيماء.

فاما المقيد والمشدود بالرباط ومن جرى مجرى ذلك فإنه يجب عليه الاجتهاد في أداء الصلاة على غاية ما يتمكن منه ومتى أمكنه أن يبلغ بالصلاة إلى غاية هي نهاية ما يقدر عليه فأوقعها دون ذلك كان عليه استئنافها ، وإذا لم يتمكن واحد مما ذكرناه من أن يصلى الا إيماء صلى كذلك وكانت صلاته مجزية.

١١٧

« باب الصلاة في السفينة »

إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وهو في سفينة ، وكان متمكنا من الخروج منها الى البركان الأفضل له الخروج والصلاة على الأرض ، فإذا لم يخرج منها وصلى في السفينة كانت صلاته مجزية ومن صلى في السفينة كان عليه ان يصلى قائماً ويستقبل القبلة مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من ذلك صلى جالسا متوجها الى القبلة ، وإذا دارت السفينة دار معها كيف ما دارت ، ويستقبل القبلة ، فان لم يتمكن من ذلك استقبل القبلة بتكبيرة الإحرام وصلى كيف ما دارت. فاذا صلى فيها شيئا من النوافل صلى قائماً إلى رأسها إذا لم يتمكن من التوجه إلى القبلة ومتى لم يجد في السفينة ما يسجد عليه ، سجد على خشبتها ، فان كان عليه قير القى عليه شيئا مما يصح السجود عليه ، وسجد عليه ، فان لم يقدر على ذلك سجد على القير وكان صلاته ماضية.

« باب كيفية صلاة ما عدا صلاة اليوم والليلة »

ما عدا صلاة اليوم والليلة من مفروض الصلوات ست صلوات قد تقدم ذكرها في جملة أعداد الصلوات. وهي صلاة العيدين ، وصلاة كسوف الشمس والقمر والزلازل والرياح السود والآيات العظيمة ، وقضاء الفائت من الصلاة ، وصلاة النذر ، وركعتا الطواف ، والصلاة على الموتى ، ونحن نأتي بذكر كيفية كل واحدة منها بمشيئة الله تعالى.

« باب كيفية صلاة العيدين »

هذه الصلاة تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة وتسقط عن من تسقط

١١٨

عنه صلاة الجمعة ، وشروطها شروطها ، فاذا كان يوم العيد بعد صلاة الفجر فإنه يستحب للإنسان أن يدعوا بهذا الدعاء فيقول :

« اللهم انى توجهت إليك بمحمد امامى وعلى من خلفي وأئمتي عن يميني وشمالي ، استتر بهم من عذابك وأتقرب إليك زلفى لا أجد أحدا أقرب إليك منهم فهم أئمتي ، فآمن بهم خوفي من عذابك وسخطك وأدخلني برحمتك الجنة في عبادك الصالحين ، أصبحت بالله مؤمنا موقنا مخلصا على دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وسنته وعلى دين الأوصياء وسنتهم آمنت بسرهم وعلانيتهم وارغب الى الله فيما رغبوا فيه وأعوذ بالله من شر ما استعاذوا منه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم توكلت على الله حسبي الله ، ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) ، اللهم أريدك فأردني واطلب ما عندك فيسره لي.

اللهم انك قلت في محكم كتابك المنزل وقولك الحق ووعدك الصدق : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فعظمت شهر رمضان بما أنزلت فيه من القرآن الكريم وخصصته بان جعلت فيه ليلة القدر.

اللهم وقد انقضت أيامه ولياليه وقد صرت منه يا إلهي الى ما أنت اعلم به مني فأسألك بما سألك به ملائكتك المقربون وأنبياؤك المرسلون وعبادك الصالحون ان تصلى على محمد وآل محمد وان تقبل منى كلما تقربت إليك به وتتفضل على بتضعيف عملي وقبول تقربي وقرباتي واستجابة دعائي وهب لي منك عتق رقبتي من النار والأمن يوم الخوف من كل فزع ومن كل هول أعددته ليوم القيامة أعوذ بحرمة وجهك الكريم وبحرمة نبيك وبحرمة أوصيائه ان يتصرم هذا اليوم ولك قبلي تبعة تريد ان تقتصها منى لم تغفرها لي أسألك بحرمة وجهك الكريم بلا إله إلا أنت ان ترضى عنى وان كنت قد رضيت عنى فزد فيما بقي من عمرى رضا ، وان كنت لم ترض عنى فمن الان فارض عنى يا سيدي ومولاي الساعة الساعة واجعلني في هذه الساعة وفي هذا اليوم وفي هذا المجلس من عتقائك من النار عتقا لا رق معه.

١١٩

اللهم إني أسألك بحرمة وجهك الكريم ان تجعل يومي هذا خير يوم عبدتك فيه منذ أسكنتني الأرض وأعظمه أجرا وأعمه نعمة وعافية وأوسعه رزقا وأبتله عتقا من النار وأوجبه مغفرة وأكمله رضوانا وأقربه الى ما تحب وترضى اللهم لا تجعله آخر زمان صمته لك وارزقني العود فيه حتى ترضى وترضى كل من له قبلي تبعة ، ولا تخرجني من الدنيا الا وأنت عني راض.

اللهم واجعلني من حجاج بيتك الحرام في هذا العام وفي كل عام المبرور حجهم المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المستجاب دعاؤهم المحفوظين في أنفسهم وأديانهم وذراريهم وأموالهم وجميع ما أنعمت به عليهم ، اللهم اجعل قلبي في مجلسي هذا وفي يومي هذا وفي ساعتي هذه مفلحا منجحا مستجابا دعائي مرحوما موتى ومغفورا ذنبي.

اللهم واجعل فيما شئت وأردت وقضيت وحتمت وأنفذت ان تطيل عمرى وان تقوى ضعفي وان تغني فقري وان تجبر فاقتي وان ترحم مسكنتي وان تعز ذلي (١) وان تونس وحشتي وان تكثر قلتي وان تدر رزقي في عافية ويسر وخفض وعيش وتكفيني كل ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي ولا تكلني الى نفسي طرفة عين فأعجز عنها ولا الى الناس فيرفضوني وعافني في بدني وديني وأهلي ومالي وولدي وأهل مودتي وجيراني وإخواني وان تمن على بالأمن أبدا ما أبقيتني فإنك وليي ومولاي وسيدي والهى وثقتى ورجائي ومعدن مسألتي وموضع شكواي ومنتهى رغبتي فلا تخيبن (٢) عليك دعائي يا سيدي ومولاي ولا تبطل ظني ورجائي لديك فقد توجهت إليك بمحمد وآل محمد صلواتك عليهم وقد قدمتهم إليك إمامي وامام حاجتي وطلبتي و (٣) تضرعي ومسألتي فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة فإنك

__________________

(١) في بعض النسخ زيادة « ان تغفر لي »

(٢) في بعض النسخ « فلا تخيبني »

(٣) في بعض النسخ « ولا تبطل » بدل « وطلبتي ».

١٢٠