المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

بعد أيام التشريق ، فان صام (١) يوم التروية فلا يصم يوم عرفة ، بل يصوم الثلاثة بعد أيام التشريق يوم الحصبة وهو يوم النفر ويومين بعده ، فان فاته ذلك فليصم في بقية ذي الحجة ، فان لم يصمها حتى دخل الحرم (٢) كان عليه دم سنذكره في كتاب الحج من هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

وقد رويت رخصة في تقديم صوم هذه الثلاثة الأيام من أول العشر (٣) وكذلك في تأخيرها الى بعد أيام التشريق لمن ظن ان صوم يوم التروية ويوم عرفة يضعفه عن القيام للمناسك (٤) ، ومن لم يصمها عقيب أيام التشريق ثم خرج الى بلده فليصمها في طريقه فان لم يتمكن من ذلك ، صامها مع السبعة الأيام إذا رجع الى اهله.

والسبعة ينبغي ان تصام متوالية ، وقد ورد جواز تفريقها (٥) وما ذكرناه أحوط ، فان لم يعد من وجب عليه صيامها الى بلده واقام بمكة ، فلينظر مضى المدة التي في مثلها يصل الى بلده ثم يصومها.

« باب صوم جزاء الصيد ومن فاتته صلاة العشاء الآخرة »

صوم جزاء الصيد على ضروب : منها ستون يوما ـ ومنها ثمانية عشر يوما ـ ومنها ثلاثون يوما ـ ومنها تسعة أيام ـ ومنها عشرة أيام ـ ومنها ثلاثة أيام ـ ومنها يوم واحد ـ ومنها ما يتضاعف.

__________________

(١) كذا في النسخ والصحيح « فان فاته » كما في النهاية ، ص ٥٥٢

(٢) كذا في النسخ ولعله تصحيف والصحيح « المحرم » كما سيذكره في أحكام المهدى

(٣) الوسائل ، ج ١٠ ، الباب ٥٤ من أبواب الذبح من كتاب الحج ، الحديث ١ و ٣ ، ص ١٦٩ والباب ٤٦ منها ، الحديث ٢ و ٨ ، ص ١٥٥

(٤) الوسائل ، ج ١٠ ، الباب ٤٦ من أبواب الذبح من كتاب الحج ، الحديث ١ و ٤ و ١٤ وغيرها الا انها مقيدة بمن فاته الصوم قبل أيام التشريق.

(٥) الوسائل ، ج ١٠ ، الباب ٥٥ من أبواب الذبح من كتاب الحج ، الحديث ١ ص ١٨٠

٢٠١

فاما الستون فيجب على من أصاب نعامة ولم يتمكن من الإطعام على ما سنذكره في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

واما الثمانية عشر فيجب إذا لم يقدر على صيام هذه الستين يوما.

واما الثلاثون فيجب على من أصاب بقرة وحش أو حمار وحش إذا لم يتمكن من الإطعام على ما يأتي ذكره أيضا في كتاب الحج بعون الله سبحانه :

واما التسعة فيجب إذا لم يقدر على صوم هذه الثلثين يوما.

واما العشرة فيجب على من أصاب غزالا وما أشبه مما سنذكره هناك أيضا إذا لم يقدر على الإطعام حسب ما نبينه في موضعه من كتاب الحج.

واما الثلاثة فيجب على من لا يتمكن من صوم هذه العشرة.

واما اليوم الواحد فيجب على كل نصف صاع من البر مما لا مثل له من النعم ، على ما نذكره (١) في كتاب الحج ان شاء الله تعالى أيضا.

واما الذي يتضاعف فيجب على المحرم إذا أصاب صيدا في الحرم ، وهذا الصوم لا يلزم فيه التتابع ، بل المكلف مخير بين المتابعة والتفريق والأفضل المتابعة.

فاما صوم من فاتته عشاء الأخيرة فهو صوم اليوم الذي يصبح فيه من فرط في هذه الصلاة حتى جاز النصف الأول من الليل.

« باب قضاء الفائت من الصيام لمرض أو غير مرض ».

إذا فات الإنسان شي‌ء من صيام شهر رمضان أو غيره من الصوم الواجب ، فإنه يجب عليه قضائه ، فإن صامه جاز له التطوع بالصوم ، ويجب عليه الفور بالقضاء مع التمكن من ذلك ، فإذا اراده فلينو به القضاء.

وان كان فإنه شي‌ء من شهر رمضان ، جاز له قضائه في أي شهر كان الا ان يكون مسافرا ، فإنه لا يجوز له حينئذ القضاء حتى يرجع الى بلده أو يعزم على المقام في

__________________

(١) في باب ما يتعلق بذلك البدنة قال « رحمه‌الله » : إذا وجبت على إنسان ولم يقدر عليها .. فان لم يقدر على إطعام ستين مسكينا صام عن كل نصف صاع يوما.

٢٠٢

غيره عشرة أيام أو أكثر ، فإذا عزم على ذلك كان عليه القضاء في ذلك الموضع.

والفائت من الصيام يجوز قضائه متتابعا ومتفرقا والأفضل التتابع ، فان لم يرد قضائه متتابعا وكان عليه عشرة أيام أو أكثر ، فليتابع بين ستة أيام ويفرق الباقي.

وتجديد النية للقضاء ممن يصبح بنية الإفطار يصح الى قبل الزوال ، فاذا زالت لم يجز له تجديدها ، وكذلك الحكم فيمن أراد تجديدها (١) لصوم التطوع ، ومن طلع عليه الفجر وأجنب ـ متعمدا لذلك أو غير متعمد ـ لم يجز له صوم ذلك لا على جهة القضاء ولا غيره بل يفرط (٢) ثم يصوم يوما غيره قضاء له.

ومن أجنب في شهر رمضان ، ولم يغتسل متعمدا أو غير متعمد ، ثم صام الشهر كله وصلى ، كان عليه الغسل وقضاء الصوم والصلاة.

ومن أفطر من يوم ـ يقضيه عن يوم من شهر رمضان ، ناسيا ـ تمم صيامه ولا شي‌ء عليه ، وان أفطر متعمدا وكان ذلك قبل زوال الشمس لم يكن عليه شي‌ء غير صوم يوم بدله ، وان كان ذلك بعد زوال الشمس كان عليه مع القضاء الكفارة وهي كفارة يمين وذكر ان عليه كفارة من أفطر من يوم من شهر رمضان ، وهو الذي يقتضيه الاحتياط.

والمستحاضة إذا لم تفعل في أيام استحاضتها مما يجب فعله في الاستحاضة فإن عليها القضاء ، وكذلك يجب عليها إذا فعلت ذلك وصامت ، في الأيام التي كان يعتاد فيها الحيض.

فاما ما يتعلق بالحائض والنفساء فقد تقدم ذكره.

__________________

(١) في النسخ بزيادة « الواو » هنا.

(٢) كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « يفطر »

٢٠٣

« باب الاعتكاف وصيامه ».

الاعتكاف في الشرع لبث متطاول في مسجد معين لعبادة معينة ، لا تثبت صحته الا بصوم ، فإذا أراد الإنسان الاعتكاف فينبغي ان يقصد النية كذلك ويصوم ، لأنه لا يصح الا بصوم كما ذكرناه ويجتنب ما يجتنبه المحرم ، ويعتكف في أحد أربعة مساجد وهي : مسجد الحرام ، أو مسجد المدينة ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد البصرة ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد.

وأقل الاعتكاف ثلاثة أيام ، فإن اعتكف يومين وأراد ان يفسخ الاعتكاف لم يكن له ذلك وعليه ان يتم ثلاثة أيام ، لأنه إنما يجوز له الفسخ إذا لم يتمم يومين.

ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا لضرورة تدعوه الى ذلك ، من عيادة مريض من المؤمنين ، أو تشييع جنازة لهم ، أو ما جرى مجرى ذلك.

ولا يصلى الا في المسجد الذي يعتكف فيه الا ان يكون بمكة خاصة ، فإنه ان كان بها جاز له ذلك في أي موضع شاء منها وإذا عرض له مرض وخرج من المسجد لأجله ، فعليه ان يقضى الاعتكاف والصوم بعد برئه من المرض.

وان كان المعتكف امرأة وحاضت فعليها مثل ذلك بعد طهرها من حيضها.

وإذا وطأ المعتكف ليلا ، كان عليه كفارة من تعمد الإفطار في يوم من شهر رمضان ، ويجب على المرية إذا كانت معتكفة وطاوعته مثل ذلك.

وإذا وطأ نهارا كان عليه كفارتان ، وكذلك يجب على المرية إذا طاوعته الى ذلك وهي معتكفة ، فان لم تطاوعه الى ذلك انقلبت كفارتها اليه ولم يجب عليها شي‌ء ، فإن وطأها نهارا وهي معتكفة مكرها لها على ذلك ، كان عليه اربع كفارات فإن وطأها على هذا الوجه ليلا كان عليه كفارتان.

ويستحب للمعتكف ان يشترط على الله سبحانه ، الرجوع ان عرض له مرض فمتى لم يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له الرجوع عن الاعتكاف الا ان يكون لم يتمم يومين كما ذكرناه فيما سلف.

وأفضل الاعتكاف ما كان في العشرة الأخيرة من شهر رمضان ، وإذا مات

٢٠٤

المعتكف قبل ان يقضى مدة اعتكافه فقد ذكر بعض أصحابنا ان وليه يقضى عنه ذلك أو يخرج من ماله ما يكون فيه كفاية لمن ينوب عنه ، فان عمل على ذلك لم يكن به بأس.

والاعتكاف ينقسم الى الواجب والمندوب ، والمندوب يجب بالدخول فيه ولا يجوز فسخه له كما لا يجوز فسخ الواجب منه ، وقد ذكرنا ان المعتكف لا يجوز ان يخرج من المسجد لغير ضرورة ، فمتى فعل ذلك أفسد الاعتكاف وكان عليه استئنافه ويفسده أيضا السكر ، والارتداد ، وإذا رجع المرتد على حال ارتداده لم يجز له البناء عليه

ولا يصح الاعتكاف ممن عليه ولاية إلا بإذن من يلي أمره ، كالزوجة مع زوجها ، والعبد مع سيده ، والمكاتب قبل حال حريته ، والمدبر ، والضعيف ، والأجير ومن وجب عليه قضاء شي‌ء من الاعتكاف وجب عليه ذلك على الفور دون التراخي

والمرأة إذا طلقها زوجها وهي معتكفة ، أو مات عنها وهي كذلك فخرجت واعتدت في بيتها ، كان عليها استئناف الاعتكاف ، وإذا أذن الوالي المعتكف بالصلاة. فقال له : الصلاة أيها الأمير وما جرى مجرى هذا اللفظ بطل اعتكافه (١)

ومن كان معتكفا وعليه دين يقدر على قضائه وأخرجه الحاكم لأجله بطل اعتكافه (٢). وان كان لا يقدر على ذلك لم يبطل اعتكافه.

والسلطان إذا أخرج المعتكف من المسجد ظلما له لم يبطل اعتكافه ، ومن كان عليه قضاء شي‌ء من الاعتكاف وجب عليه ذلك على الفور والبدار دون التراخي. واما ما يتعلق به الاعتكاف بالنذر ، فسنذكره فيما يأتي من باب النذر بعون الله سبحانه.

« تم كتاب الصوم والاعتكاف »

__________________

(١) ان العبارة قاصرة عن افادة المطلوب وعبارة المبسوط وافية به قال فيه : يجوز للمعتكف صعود المنارة والأذان فيها سواء كانت داخلة المسجد أو خارجه لأنه من القربات ، وإذا خرج دار الوالي وقال : حي على الصلاة أيها الأمير أو قال : الصلاة أيها الأمير بطل اعتكافه « راجع المبسوط ، ج ١ ، ص ٢٩٤ » و « الجواهر ، ج ١٧ ، ص ١٨٣ »

(٢) لعل وجه البطلان انه في صورة القدرة وطلب الحاكم وجب خروجه عن المسجد لأداء دينه فيحرم لبثه فيه واما في الصورة الثانية حيث لا يقدر على أداء دينه فلا يجب عليه الخروج

٢٠٥

« كتاب الحج »

قال الله عزوجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » (١) وقال تبارك وتعالى « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٢).

وقال سبحانه ، ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ، فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ ، وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ ، أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (٣). وقال الله تعالى ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) (٤) وقال الله تعالى

__________________

(١) آل عمران ، الاية ٩٧

(٢) البقرة ، الاية ١٩٧

(٣) البقرة الآية ١٩٨ إلى ٢٠٠

(٤) البقرة ، الاية ١٥٨

٢٠٦

( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ، فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ، فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ، ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١).

وقال عز اسمه ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢).

وقال سبحانه ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ، لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ، فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٣).

وقال الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ ) (٤).

وروى عن سيدنا ابى عبد الله جعفر بن محمد (ع) انه قال : من مات ولم يحج حجة الإسلام ان لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا (٥).

« باب ضروب الحج واقسامه »

الحج على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب على ضربين : مطلق ، والأخر غير مطلق والمطلق هو ما يجب منه من غير سبب ، وما ليس بمطلق هو ما يجب منه عند سبب

__________________

(١) البقرة ، الاية ١٩٦

(٢) الحج ، الاية ٢٧ الى ٢٩

(٣) الحج ، الاية ٣٦

(٤) المائدة : الاية ٩٥

(٥) الوسائل ، ج ٨ ، الباب ٧ من أبواب وجوب الحج ، الحديث ١ ، ص ٢٠

٢٠٧

فالذي يجب من غير سبب هو حجة الإسلام ، ويجب في العمرة مرة واحدة.

وما يجب عند سبب هو ما يتعلق منه بنذر أو ما أشبهه.

واما المندوب ، فهو ما ندب المكلف الى فعله منه بعد حجة الإسلام.

وضروبه ثلاثة ، تمتع بالعمرة إلى الحج ، وقران ، وإفراد وفرائض هذه الضروب على قسمين ، أركان وغير أركان ، والأركان على ضربين ، أركان التمتع والأخر أركان القرآن والإفراد.

فاما أركان التمتع ، فهي النية للتمتع بالعمرة إلى الحج ، والإحرام ، والطواف لها ، والسعي بين الصفا والمروة لها ، والنية للحج ، والإحرام له ، والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام ، وطواف الحج والسعي له.

واما أركان القران والإفراد فهي النية للحج ، والإحرام والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام وطواف الحج ، والسعي له.

واما ما ليس بركن ، فهو التلبيات الأربع مع التمكن منها ، أو ما قام مقامها مع العجز عنها وركعتا طواف العمرة ، والتقصير بعد السعي ، والتلبية عند الإحرام بالحج ، أو ما قام مقامها ، والهدى أو ما قام مقامه من الصوم مع العجز عنه وركعتا طواف الزيارة ، وطواف النساء وركعتا طواف النساء.

« باب صفة التمتع بالعمرة إلى الحج ».

التمتع بالعمرة إلى الحج فرض كل نأى عن مكة ولم يكن من أهلها وحاضريها ، وينبغي لمن أراد ذلك ان يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة الحرام ، ولا يمس شيئا منه ، فاذا وصل الى ميقات أهله أحرم منه بالحج متمتعا ، وعقد نية لذلك في حال الإحرام وعقد إحرامه بالتلبية ، ومضى بعد ذلك الى مكة ، فإذا شاهد بيوتها قطع التلبية ، ثم دخلها ، فاذا وصل الى المسجد الحرام ، دخله من باب نبي شيبة ، فطاف بالكعبة سبعة أشواط للعمرة المتمتع بها. وصلى ركعتين عند فراغه من الطواف خلف مقام إبراهيم (ع) ، ثم خرج الى الصفا فيسعى بينه وبين المروة

٢٠٨

سبعا ، ثم قصر من شعر رأسه ، وقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه الا الصيد ، فإنه في الحرم.

والأفضل له ان يبقى على إحرامه إلى يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، فإذا حضر هذا اليوم ، وزالت الشمس صلى الظهر ، وأحرم بعد ذلك بالحج ، ومضى إلى منى ملبيا ، ثم غدا منها الى عرفات ، فاذا كان وقت الزوال من يوم عرفة قطع التلبية ، وجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ووقف الى غروب الشمس ، فاذا غربت أفاض منها الى المشعر الحرام ، فاذا وصل اليه ، جمع فيه بين العشائين بأذان وإقامتين ، ووقف به تلك الليلة ، فإذا أصبح يوم النحر صلى الغداة ووقف على المشعر الحرام الى طلوع الشمس ، فاذا طلعت أفاض عنه إلى منى فاذا وصلها ، رمى جمرة العقبة بسبع حصاة ، ثم ينحر أو يذبح ، ويلحق بمنى ثم يمضي إلى مكة من يومه ، أو من الغد ولا يؤخر ذلك فيطوف بالبيت سبعة أشواط وهو طواف الحج ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعا وهو سعى الحج ، فاذا تمم ذلك فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه الا النساء والصيد ، واما الصيد فإنه لا يجوز له ـ فإنه في الحرم ـ حتى يخرج منه ، واما النساء فلطوافهن الذي بقي عليه ، فاذا طافه حللن له.

ثم يخرج من يومه إلى منى ، فيقيم بها ليالي التشريق ، ويرمى في كل يوم من أيام التشريق ، الجمار الثلاث بإحدى وعشرين حصاة لكل واحدة سبع حصيات ثم ينفر بعد ذلك ، فإذا أوصل ما ذكرناه فقد قضى حجة متمتعا ، وقضى مناسكه كذلك.

« باب صفة القران في الحج »

فاما القران فهو فرض من كان من أهل مكة وحاضريها وصفة ذلك ان يحرم من يريده من ميقات اهله ، ويعقد نيته لذلك في حال الإحرام ، ويسوق هديه بعد ان يشعره أو يقلده وذلك ان يشق سنامه ويلطخه بالدم ويقلده بنعل ، والأفضل ان يكون قد صلى فيه فان كان معه بدن كثيرة ، صفها صفين ووقف بينها ، وأشعرها عن يمينه

٢٠٩

ويساره ، ثم يسوقه من موضع الإحرام إلى منى ، ولا يحمل عليه ، ولا يجحف به بالكد في طريقه ، ويمضى ملبيا ، فاذا وصل الى مكة وأراد دخولها جاز له ذلك الا انه لا تقطع التلبية بها (١) ، ولا يقطعها الى زوال الشمس من يوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة ، وان أراد ان يطوف بالبيت تطوعا جاز له ذلك الا انه كلما طاف جدد التلبية ليعقد بها إحرامه لأنه لو ترك ذلك لدخل في كونه محلا وبطلت حجته ، وصارت عمرة ، ثم يقف بالموقفين ، وينحر هديه بمنى ، فان صد أو أحصر فسيأتي ذكر ذلك « ان شاء الله ».

ويرمى الجمار كما يرميها المتمتع سواء ، ويدخل إلى مكة ، ويطوف بالبيت طواف الحج سبعة أشواط ، ويسعى سعيه بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضا. ثم يطوف طواف النساء ، فاذا فعل ذلك فقد تم حجه قارنا ، وقضى مناسكه كذلك ، وعليه بعد هذا العمرة ، وسيأتي ذكرها فيما بعد بمشيئة الله تعالى.

والمتمتع لا يجب قضائها لان تمتعه بها الى الحج سقط عنه فرضها. والقارن انما سمى قارنا ، لسياقه الهدى (٢).

« باب صفة الإفراد »

ومن أراد الحج مفردا فليس عليه هدى ، وعليه ان يفعل مثل ما ذكرناه في صفة القرآن. لان مناسك القرآن والمفرد على حد سواء ، وانما يفصل (٣) القارن من المفرد بسياق الهدى ، ويستحب للمفرد تجديد التلبية عند كل طواف.

__________________

(١) واما في حج التمتع فيقطعها بالوصول إلى مكة

(٢) قال الشيخ « رحمه‌الله » في المسبوط « ج ١ ، ص ٣١١ » : والقارن هو الذي يقرن بإحرامه بالحج مفردا سياق الهدى.

(٣) وفي نسخة « ينفصل »

٢١٠

« باب ضروب العمرة وصفتها »

العمرة واجبة كالحج ، والمطلق منها كالمطلق منه ، وما ليس بمطلق منها مثل ما ليس بمطلق منه.

وهي على ضربين ، عمرة متمتع بها الى الحج ، والأخر عمرة مفردة منه ، وفرائض ذلك على ضربين ، أركان وغير أركان ، فالاركان هي النية ، والإحرام ، والطواف ، والسعي ، واما ما ليس بركن ، فهي التلبية ، وركعتا الطواف ، والتقصير ، وطواف النساء ، وركعتا هذا الطواف.

والعمرة المتمتع بها لا تصح إلا في أشهر الحج ، والتي لا يتمتع بها يجوز فعلها في شهور الحج وغيرها.

وسيأتي فيما بعد ذكر شهور الحج بعون الله سبحانه.

وأفضل العمرة ما كان في رجب ، وقد ورد في شهر رمضان (١) ويستحب للإنسان أن يعتمر في كل شهر ، أو في كل عشر (٢) أيام ان تمكن من ذلك.

وصفتها ان يحرم المعتمر من خارج الحرم ، ويعقد إحرامه بالتلبية فإذا دخل الحرم قطعها ، فان كان قد خرج من مكة ليعتمر ، قطعهما إذا شاهد الكعبة ، ثم يطوف بالبيت سبعا ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعا ، إذا فعل ذلك فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه وعليه لحلية النساء طوافهن ، فاذا طافه حللن له.

« باب الإحرام وأحكامه »

أحكام الإحرام تتبين بذكر أشياء ، منها ما يجوز الإحرام فيه وما لا يجوز ، ومنها ذكر الزمان الذي يصح الإحرام فيه ، ومنها ما ينعقد الإحرام به ، ومنها كيفيته ، ومنها ما ينبغي للمحرم اجتنابه ، ومنها ذكر ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة.

__________________

(١) الوسائل ج ١٠ ، الباب ٤ من أبواب العمرة ، الحديث ٢ ، ص ٢٤٢

(٢) لعل الصحيح « عشرة »

٢١١

« باب ما يجوز الإحرام فيه على كل حال وما لا يجوز »

الذي يجوز فيه الإحرام على كل حال هو الثياب البياض من القطن والكتان المحض إذا لم يكن مختلطا ولا (١) مما لا يجوز الإحرام فيه ، وسيأتي بيان ذلك فيما بعد ذلك ان شاء الله ، وكل ما جازت فيه الصلاة على ما سنذكره ، والقطن والبياض أفضل ثياب الإحرام.

واما ما لا يجوز الإحرام فيه ، فهو ما نقص عن ثوبين إلا في حال الضرورة ، فإنه يجوز له في هذه الحال الإحرام في واحد ، والثياب المخيطة الا السراويل فإنه يجوز لبسه للرجال والنساء إذا لم يقدر على غيره ، والثوب المصبوغ بالزعفران أو نسي (٢) فيه ذلك : وكل ثوب فيه طيب لم تذهب رائحته ، والعمامة للرجال وما قام مقامها في ستر الرأس ، والطيلسان (٣) إذا كان له أزرار ، وزره المحرم على نفسه ، والقبا الا ان لا يكون له غيره فيلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في أكمامه ، والخفان الا ان تدعوه الضرورة إلى لباسها ، والقفازان (٤) ، والحلي الذي لم تجر عادة المرأة بلبسه أو جرت بذلك مع القصد به الزينة ، والخاتم إذا لبسه للزينة أيضا ، فإن كان ذلك للسنة كان جائزا.

وقد ذكر جواز لبس المخيط من الثياب للنساء دون الرجال. والأصل ان الذي يحرم لباسه على الرجال في الإحرام يحرم لباسه على النساء الا السراويل كما قدمنا القول به.

وجميع ما لا يجوز فيه الصلاة ، لا يجوز فيه الإحرام.

__________________

(١) كذا في النسخ ولعلها تصحيف والصحيح : إذا لم يكن مختلطا بما لا يجوز الإحرام فيه

(٢) كذا في النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « بشي‌ء » بدل « نسي »

(٣) الطيلسان بالفتح وتثليث اللام : كساء مدور اخضر لا أسفل له ، لحمته ـ وقيل سداه ـ من صوف ، يلبسه الخواص من العلماء والمشايخ ، وهو من لباس العجم

(٤) القفاز بضم القاف وتشديد الفاء : لباس الكف وهو شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ويكون له أزرار تزر على الساعدين.

٢١٢

ويكره في ذلك كل ثوب كان معلما ، (١) أو أسود مقدما ، (٢) أو كان من مصبغات النساء (٣) لهن ، والطيلسان الذي له أزرار إذا لم يزره على نفسه ، وكل ثوب اصابه طيب وذهبت رائحته الا ان يغسل ، والحلي للمرأة التي لم تجر عادتها بلبسه إذا لم تقصد به الزينة ، وما تكره الصلاة فيه أيضا ،

وكل ما ذكرنا الان انه مكروه فإنه يجوز لباسه غير ان الأفضل ما ذكرناه.

« باب الزمان الذي يصح الإحرام فيه »

الزمان الذي يصح الإحرام فيه للتمتع بالعمرة إلى الحج ، والقران فيه ، والإفراد له ، هو شهور الحج ، وهي شوال وذو القعدة ، والتسعة الأيام الأول من ذي الحجة.

فأما أحكام ذلك فمفروضة وهي إعادة الحج إذا أحرم في غير هذه الأشهر ، وتجديد الإحرام في هذه الأشهر إذا كان قد أحرم في غيرها ، وان لا يحرم إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج ، أو قارنا ، أو مفردا إلا في هذه الأشهر.

« باب المكان الذي يصح الإحرام منه ، وأحكامه »

الأمكنة التي يجب الإحرام فيها هي التي وقتها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي :

ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة ، وذلك ميقات أهل المدينة ، ومن حج على طريقهم.

والجحفة وهي المهيعة ، وذلك ميقات أهل الشام ومن حج على طريقهم.

والعقيق واوله المسلخ وأوسطه الغمرة وآخره ذات عرق ، وذلك ميقات أهل العراق ومن حج على طريقهم.

ويلملم وذلك ميقات أهل اليمن ومن حج على طريقهم.

__________________

(١) قيل ، المراد بالمعلمة ـ بالبناء للمجهول ـ المشتملة على لون يخالف لونها حال عملها كالثوب المحوك من لونين أو بعده بالطرز والصبغ.

(٢) اى مشبعا

(٣) كذا في النسخ ولعل الصحيح « مصبغات الثياب » كما في الخبر.

٢١٣

وقرن المنازل وذلك ميقات أهل الطائف ومن حج على طريقهم.

فاما أحكام ذلك ، فهي أن يحرم من الميقات الذي هو ميقات اهله ، ولا يجوز ان يحرم من غيره الا ما نذكره فيما بعد ، ويجب عليه الرجوع الى الميقات ليحرم منه إذا كان قد ترك ذلك ناسيا ولم يذكر حتى سار من الميقات وان وصل الى مكة

ويجب عليه الإحرام من المكان الذي وصل إليه إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات ليحرم منه اما للخوف ، أو لضيق الوقت.

وكذلك تجب عليه اعادة الحج إذا ترك الإحرام من الميقات متعمدا ، أو الخروج الى خارج الحرم ليحرم منه إذا كان وصل الى مكة وامكنه الخروج الى ذلك ، لأنه ان لم يتمكن من ذلك ، أحرم من موضعه.

والإحرام من المنزل إذا كان منزله دون ميقات إلى مكة ، وكذلك خروج المجاور بمكة ـ إذا أراد الحج ـ الى ميقات اهله ليحرم منه مع التمكن من ذلك.

وكذلك إحرامه من خارج الحرم إذا لم يتمكن من ذلك ، أو من المسجد الحرام إذا لم يتمكن من الخروج الى خارج الحرم.

والإحرام من ولى المريض عنه إذا لم يستطع هو الإحرام وان (١) يجنبه ما يجتنبه المحرم.

ولا يترك الإحرام من الميقات ، ولا يجوز ذات عرق الا وهو محرم ، والأفضل ان يحرم من المسلخ ، فان لم يتم ذلك له فليحرم من غمرة.

« باب ما يقارن حال الإحرام من الأحكام »

الأحكام التي تقارن هذه الحال على ضربين ، واجب ومندوب.

فالواجب هو النية ، واستمرار حكمها الى حين الإحلال ، ولبس ثوبين مع التمكن ، أو واحد مع الضرورة ، وعقد الإحرام بالتلبية ، أو ما قام مقامها من الإيماء

__________________

(١) في بعض النسخ زيادة « لم » ، والصحيح ما أثبتناه كما نقله كشف اللثام على ما في الجواهر ( ج ١٨ ، ص ١٢٨ )

٢١٤

ممن لا يستطيع الكلام ، أو الاشعار والتقليد من القارن والمفرد ، وتجريد الصبيان من فخ (١) إذا أراد أهلوهم (٢) الحج بهم.

وان لا يعقد الإحرام بأقل من اربع مرات من التلبية.

ولا يلبس سلاحا في هذه الحال إلا الضرورة.

ولا تصلى المرأة صلاة الإحرام إذا عرض لها الحيض في وقته حتى تطهر ، بل تفعل ما تفعله الحائض ، وتمضى.

ويستحب له توفير شعر الرأس واللحية من أول ذي القعدة ، وتنظيف الجسد من الشعر بالحلق ، والإطلاء ، وأخذ شي‌ء من الشارب والأظفار دون الرأس ، والغسل ، وصلاة ست ركعات أو ركعتين بعد فريضة ، وأفضل ذلك فريضة الظهر.

والذكر للفظ التمتع ان كان المحرم متمتعا والقران والإفراد ان كان قارنا أو مفردا ، والاشتراط على الله سبحانه ان يحله حيث حبسه لأنه ان لم يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له الإحلال.

وان لا يمس شعر رأسه بعد توفيره من أول ذي القعدة الى هذه الحال.

ولا يمس أيضا شيئا من لحيته الا ما ذكرناه من الأخذ بشي‌ء من الشارب.

« باب ما ينعقد به الإحرام »

ينعقد بالتلبية أو ما قام مقامها من الإيماء ممن لا يستطيع الكلام والتقليد ، والاشعار.

وهي على ضربين ، واجب ومندوب ، واما الواجب فهو : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك.

واما المندوب فهو : لبيك ذا المعارج ، لبيك لبيك داعيا الى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب ، لبيك لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ، لبيك لبيك تبدى والمعاد

__________________

(١) وهو بئر معروف على فرسخ من مكة.

(٢) اهلون جمع أهل : حذفت نونها لأجل الإضافة

٢١٥

إليك ، لبيك لبيك تستغني ويفتقر إليك ، لبيك لبيك أهل التلبية ، لبيك لبيك ذا الجلال والإكرام ، لبيك لبيك له الحق ، لبيك لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبيك لبيك كاشف الكرب العظيم ، لبيك لبيك عبدك وابن عبديك ، لبيك لبيك يا كريم ، لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآله ، لبيك لبيك بحجة وعمرة معا ، لبيك لبيك تمامهما وبلاغهما عليك.

فان كان قارنا أو مفردا قال عوض قوله « بحجة وعمرة معا » : لبيك لبيك بحجة ، لبيك لبيك الى آخر التلبية.

فإن كان نائبا من غيره قال : لبيك عن فلان بن فلان ، لبيك لبيك بكذا وكذا لبيك ، ثم يذكر ما هو فيه من تمتع بالعمرة إلى الحج ، أو القران ، أو الإفراد ، ثم يأتي بباقي التلبية.

فاما التقليد والاشعار فقد سلف ذكرهما.

واما أحكام التلبية فهو على ضربين واجب ومندوب ، فالواجب التلفظ بالتلبيات الأربع المفروضة حين عقد الإحرام ، وتحريك اللسان أو الإشارة ممن لا يقدر على الكلام.

وان يقيد المحرم بحجة مفردة إذا كان قد لبى بالتمتع بالعمرة إلى الحج ، ودخل مكة وطاف وسعى ، ثم لبى بالحج متعمدا قبل ان يقصر لان متعته تبطل هذه التلبية ، وان يمضي في حجه متمتعا إذا وقع منه مثل هذه التلبية ناسيا ، لأنه لا شي‌ء عليه في ذلك.

وان لبى أولياء الصبيان أو من لا يحسن التلبية عنهم إذا أرادوا الحج بهم ، وان يلبى المحرم إذا كان حاجا على طريق المدينة من الموضع الذي فيه يصلى فيه (١) للإحرام ، أو إذا اتى البيداء ، وهذا هو الأفضل.

وان لا يجعل ما هو فيه عمرة إذا كان لبى بحجة مفردة ودخل مكة وطاف ثم

__________________

(١) الظاهر زيادة « فيه » في أحد الموضعين.

٢١٦

لبى بعد الطواف ، فإنه إنما يجوز له ان يجعل ذلك عمرة إذا قصر بعد السعي ، فإذا لم يكن ذلك ولبى بعد الطواف فلا يصح له ان يجعل ما هو فيه عمرة ، وان لا يترك شيئا من التلبيات الأربع الواجبة ، إذا كان قد أحرم بالحج يوم التروية.

ولا يقطع التلبية حتى يشاهد بيوت مكة ، وحد هذه البيوت من « عقبة المدنيين » إلى « ذي طوى » إذا كان قد لبى متمتعا ، ولا يقطعها إذا كان معتمرا حتى تقع الإبل أخفافها في الحرم ولا يقطعها أيضا إذا كان قد خرج من مكة ليعتمر حتى يشاهد الكعبة.

واما المندوب فهو التلفظ بالمندوب من التلبية والإكثار من قول : لبيك ذا المعارج ، ومن قول : لبيك بحجة وعمرة ان كان متمتعا ورفع الصوت بذلك ان تمكن منه ولم يكن عليه تقية ، فان لم يتمكن نواه في نفسه ، والجهر بالتلبية من الرجال دون النساء ، والإكثار من التلبية في كل حال من الأوقات ، وبالأسحار ، وعند هبوط الأودية ، وصعود التلال (١) ولا يلبى المحرم الا وهو على طهارة.

« باب كيفية الإحرام ».

وهي ان يأخذ من يريده ، ثوبي إحرامه بعد الفراغ من الاغتسال ، فليأتزر كما قدمناه بأحدهما ، ويتشح (٢) بالآخر ، فان لحقه برد جاز ، ان يزيده على الذي اتشح به ما يقي نفسه به من البرد.

والأفضل له ان يلبس ثوبي الإحرام بعد صلاة فريضة ، فان لم يتمكن صلى ست ركعات ، أو ركعتين ان لم يتمكن من الست ويقرء في الأولى بعد الحمد « قل هو الله أحد » وفي الثانية بعد الحمد أيضا « قل يا ايها الكافرون » وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الصلاة.

فاذا فرغ من صلاته ، حمد الله تعالى ، واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر الأئمة عليهم‌السلام ، وقرء سورة إنا أنزلناه ، ودعا بعدها فقال : « اللهم انى أسألك أن تجعلني

__________________

(١) التلال جميع التل من الأرض : قطعة ارفع قليلا مما حولها.

(٢) اتشح بثربه : ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر.

٢١٧

ممن استجاب لك ، وآمن بوعدك ، واتبع أمرك ، اللهم انى عبدك ، وفي قبضتك ، لا أوقى الا ما وقيت ولا أخذ إلا ما أعطيت ، وقد عزمت على التمتع بالعمرة إلى الحج ، ـ ان كان متمتعا ، فان لم يكن متمتعا ذكر ما عزم عليه ان كان قارنا قال : وقد عزمت على الحج قارنا وان كان مفردا ذكر ذلك ـ ثم يقول : فاسئلك ان تعينني عليه وعلى ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك الذين رضيتهم ، وارتضيتهم ، وسميتهم وكفيتهم ، اللهم فتمم لي ما قصدت له ـ فان كان متمتعا قال عقيب ذلك : اللهم انى أسألك ، أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان عرض لي عارض يحبسني ، فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت ، اللهم ان لم يكن حجة فعمرة ، أحرم لك جسدي وشعري وبشرى من النساء والطيب والثياب ، ابتغى بذلك وجهك والدار الآخرة ، فأعني وتقبل منى.

وان كان قارنا قال بدل قوله « التمتع بالعمرة إلى الحج » : قارنا فسلم لي هديي واعنى على مناسكي ، أحرم لك جسدي ، وشعري وبشرى الى آخر الكلام ».

فان فرغ من ذلك وكان متمتعا ، عقد إحرامه بالتلبيات الواجبة ، وهو جالس في مكانه فيقول عقيب الكلام الذي تقدم ذكره : « لبيك لبيك ، اللهم لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك » ولا يعلن بها ، ثم يستوي على مركوبه ، ويعلن بالمفروض ، والمندوب من التلبية ، وقد تقدم ذكر ذلك.

فان كان قارنا عقد الإحرام بالتلبية كما ذكرناه ، والاشعار والتقليد ، وقد بيناهما أيضا فيما سلف.

وان كان المحرم امرأة وقد حاضت أو نفست وقت الإحرام ، فعلت ما تفعله الحائض ، وتترك الصلاة والقرآن ، وأحرمت وقضت مناسكها الا الطواف بالبيت ودخول المسجد حتى تطهر ، وتقضى ذلك.

وينبغي للمحرم إذا حصل في ميقات اهله ، ان يتنظف ويقص أظفاره ، ويأخذ

٢١٨

من شاربه ، ولا يمس شعر رأسه ، ويزيل الشعر من جسده ، وان تنظف واطلأ قبل ذلك بيوم إلى خمسة عشر لم يكن به بأس ، والأفضل إعادة ذلك عند الإحرام. وان عدم الماء تيمم ، ولبس ثوبي إحرامه ، يأتزر بأحدهما ، ويتشح بالآخر كما قدمناه ، أو يرتدي به.

ومن اغتسل بالغداة أجزأه ذلك ليومه اى وقت أحرم فيه ، وان اغتسل أول الليل أجزأه ذلك الى آخر الليل ما لم ينم ، فان نام اعاده استحبابا الا ان يكون عقد الإحرام بعد الغسل.

ومن اغتسل وأكل بعد ذلك طعاما ـ لا يجوز للمحرم أكله ـ أو لبس ثوبا ـ لا يجوز للمحرم لبسه ـ اعاده استحبابا.

ويجوز للمحرم ان يصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق ، فان كان قد تضيق بدء بالفرض الحاضر ، ثم يصلى صلاة الإحرام بعد ذلك ، فان كان أول الوقت بدء بصلاة الإحرام ، ثم صلاة الفرض. ويستحب له ان يشترط ، ان يحله حيث حبسه كما ذكرناه.

ويجوز لمن أحرم ان يأكل لحم الصيد وينال النساء ويشم الطيب ما لم يعقد الإحرام بالتلبية أو بسياق الهدى وإشعاره أو تقليده ، فان عقد بشي‌ء من ذلك ، عليه سائر ما ذكرنا.

والاشعار : هو ان يشق سنام البعير من الجانب الأيمن ـ فإن كان له بدن كثيرة جاز ان يدخل بين بدنتين ، فيشعر إحديهما من الجانب الأيمن ، والأخرى من الأيسر ـ وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة والتقليد يكون بنعل قد صلى فيه.

ومن أحرم ولم ينو حجا ولا عمرة ، وكان إحرامه في أشهر الحج ، كان مخيرا بين الحج والعمرة ، أي واحد منهما أراد كان له فعله ، وان كان إحرامه في غير أشهر الحج ، لم ينعقد إحرامه إلا بالعمرة.

٢١٩

« باب ما ينبغي للمحرم اجتنابه »

ما ينبغي للمحرم اجتنابه لباس الثياب المخيطة ، والملامسة بشهوة ، والتقبيل بشهوة أيضا.

والجماع ، والاستمتاع ، والتزويج ، وعقد ذلك لنفسه ولغيره ، ـ فان فعل ذلك كان العقد باطلا ـ ولا يشهد عقدا ، والمقام على عقد امرأة عقد عليها ، بل يفرق بينهما (١) ـ ولا تحل له ابدا إذا كان عالما وقت العقد لتحريم ذلك عليه ، فان لم يكن عالما بذلك جاز له الرجوع إليها بعد إحلاله من إحرامه.

والصيد ، والذبح بشي‌ء منه ، والدلالة عليه ، والإشارة اليه ، وأكل لحم الصيد وان كان من صيد غيره وكسر بيضة ، وذبح فراخ شي‌ء من الطيور ، والتظليل على نفسه ، أو محمله وتغطية رأسه الا ان يكون امرأة فإنها تغطي رأسها ، وتكشف وجهها.

وقطع شي‌ء من الحشيش ، والشجر النابت في الحرم ـ إلا (٢) الفاكهة والإذخر ـ الا ان يكون هو الذي غرس ذلك في ملكه أو نبت ـ في داره بعد ان بناها ، فإنه ان كان كذلك جاز له قطعه.

وحد الحرم الذي لا يجوز قطع الشجر منه هو بريد في بريد (٣) ، والادهان بما فيه طيب ، وكل ما فيه ذلك أيضا ، واستعمال المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران ، والقرب من شي‌ء من هذه الأجناس على ثيابه ، وان كان أصابها ازاله في الحال.

__________________

(١) يعنى لا يجوز له تحمل الشهادة ، ولا إقامتها عند الحاكم ، فإن أقامها لم تثبت بها الزوجية المدعاة بين الرجل والمرأة ، لأنه خرج بإقامتها عن العدالة ، بل يفرق بينهما لاحظ المبسوط ج ١ ص ٣١٧

(٢) في نسخة « ولا » بدل « الا » والصحيح ما في المتن ،

(٣) البريد : هو اثنا عشر ميلا والميل ثلث الفرسخ

٢٢٠