المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

مننت على بمعرفتهم (١) فاختم لي بها السعادة انك على كل شي‌ء قدير.

اللهم لا تبطل عملي ، وطمعي ، ورجائي ، يا الهى ومالكي وارحم (٢) بالسعادة والسلامة والإسلام ، والأمن ، والايمان ، والمغفرة ، والرضوان ، والشهادة والحفظ ، يا الله يا الله أنت لكل حاجة ، فتول عاقبتها ، ولا تسلط علينا أحدا من خلقك بشي‌ء لا طاقة لنا به من أمر الدنيا ، وفرغنا لأمر الآخرة ، يا ذا الجلال والإكرام صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد ، وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت وتحننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد »

فاذا فرغ من هذا الدعاء ، وأراد الخروج الى المصلى ، فالأفضل له ان لا يخرج الا وهو على غسل ، ووقت هذا الغسل طلوع الفجر ، ويلبس أجمل ثيابه والامام يلبس الرداء والعمامة شاتيا كان أم قائظا ، وان كان عيد الفطر فالأفضل ان لا يخرج من بيته حتى يفطر على شي‌ء من الحلاوة ، وان كان عيد الأضحى فالأفضل له ان لا يأكل مما يذبحه أو ينحره الا بعد عوده من الصلاة ولا يأكل شيئا قبل خروجه ، فاذا توجه الى المصلى فيستحب له ان يكون ماشيا وعليه سكينة ووقار ، فان كان اماما كان كذلك حافيا وكلما مشى قليلا وقف وكبر حتى يصل اليه.

ويستحب له أيضا ان يدعو في توجهه الى المصلى فيقول : « اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد ، واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب جوائزه وفواضله ، ونوافله فإليك يا سيدي وفادتى وتهيأتى ، وإعدادي ، واستعدادي ، رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك ، فلا تخيب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، انى لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته لكنني أتيتك مقرا بالظلم والاسائة ، لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب ان تعطيني سؤلي ومسئلتي وتقلبني

__________________

(١) في بعض النسخ زيادة « فاختم بمعرفتهم »

(٢) كذا في النسخ ولعل الصحيح « واختم لي » كما في إقبال السيد

١٢١

برغبتي ، ولا تردني مجبوها ، ولا خائبا يا عظيم ، يا عظيم ، يا عظيم أرجوك بالعظيم أسألك يا عظيم ان تغفر لي العظيم ، لا إله إلا أنت صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته واغسلني من جميع ذنوبي وخطاياي ، وزدني من فضلك انك أنت الوهاب.

فاذا وصل الى المصلى فالأفضل له ان يجلس على الأرض ، فإذا قام إلى الصلاة برز تحت السماء ولا يؤذن لصلاة العيد ، ولا يقام لها ، بل يقول المؤذن ثلاث مرات الصلاة.

ثم يفتتح الصلاة بتكبيرة ويقرء : الحمد والشمس وضحيها ، فاذا فرغ من القراءة كبر ثانية ورفع بها يديه وقنت فقال : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ذخرا ومزيدا ان تصلى على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك ، وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

اللهم إني أسألك خير ما سئلك به عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المرسلون ، ثم يكبر الثالثة ويقنت ـ بهذا القنوت أيضا ، ثم يكبر رابعة ويقنت ، ثم يكبر خامسة ، ويقنت به ثم يكبر سادسة ويقنت ، ثم يكبر سابعة ويركع بها ، ويسجد سجدتين ، فاذا رفع رأسه من السجود قام إلى الركعة الثانية بغير تكبيرة (١) ثم يكبر تكبيرة واحدة ويقرء الحمد وهل أتاك حديث الغاشية ، فاذا فرغ من القراءة كبر ثانية ورفع بها يديه وقنت كما قنت فيما تقدم ثم كبر ثالثة وقنت ثم كبر رابعة وقنت ثم كبر خامسة وركع بها وسجد وتشهد وسلم فيكون جملة هذه الصلاة ركعتين باثنتي عشرة تكبيرة سبع في الاولى ، وخمس في الثانية ، من

__________________

(١) هذه التكبيرة تسمى بـ « تكبيرة القيام » التي نفاها المصنف

١٢٢

جملتها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع. فاذا فرغ الامام من الصلاة خطب بالناس ويكون قيامه للخطبة على منبر مبني من طين.

ويستحب للإنسان أن يكبر ليلة عيد الفطر عقيب اربع صلوات أولها صلاة المغرب وآخرها صلاة العيد يقول : « الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا » ، ويكبر في عيد الأضحى ان كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من يوم العيد ، وان كان في غير منى من سائر الأمصار كبر عقيب عشر صلوات أولها الظهر أيضا من يوم العيد ويزيد في التكبير بعد قوله : « وله الشكر على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الانعام » ولا ينبغي ان يخرج إلى صلاة العيد بسلاح إلا لضرورة تدعو الى ذلك.

ومن أراد الخروج يوم العيد من بلد بعد طلوع الفجر فلا يخرج حتى يحضر صلاة العيد ، فان كان قبل الفجر جاز له الخروج ، ولا يجوز أن يصلى شيئا من النوافل ابتداء ولا قضاء قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس إلا بمدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه إذا كان بها صلى في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين قبل صلاة العيد استحبابا ومن صلى صلاة العيد كان مخيرا في استماع الخطبة ، والأفضل له أن يسمعها ، ومن لم يحضر صلاة العيد مع الإمام فالأفضل له أن يقضيها في بيته كما كان يصليها مع الامام ، وليس ذلك بواجب عليه.

وذكر أنه إذا اتفق أن يكون يوم العيد يوم الجمعة كان الذي يصلى صلاة العيد مخيرا بين حضور الجمعة وبين ان لا يحضرها ، والظاهر وجوب حضورها في الصلاتين وانعقادهما مع تكامل الشروط التي ذكر أنها لا تنعقد الا بكمالها.

ومن صلى صلاة العيد قبل طلوع الشمس كان عليه الإعادة لها. ومن خرج الى صلاة العيد في طريق فليرجع في غيرها استحبابا ومن كان لا هيئة لها من النساء من العجائز جاز خروجها لصلاة العيد ومن كان لها منهن هيئة وجمال صلتها في بيتها

١٢٣

« باب كيفية صلاة الكسوف »

صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح السود المظلمة والآيات العظيمة واحدة ، وهي واجبة لا يجوز تركها ، فمن تركها فليس يخلو من ان يكون تركها متعمدا أو ناسيا ، فان تركها متعمدا وكان قرص الشمس أو القمر قد احترق جميعه كان عليه قضاؤها مع الغسل ، وان كان قد احترق بعض القرص كان عليه القضاء دون الغسل ، وان كان ناسيا وكان قد احترق جميع القرص ، كان عليه القضاء ، وان لم يكن قد احترق جميع القرص ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإذا فاتته ولم يكن علم ، فليصلها إذا علم ذلك.

واما وقتها فقد ذكرناه في باب أوقات الصلاة.

ويستحب صلاتها جماعة ، ومن لم يصلها كذلك ، جاز له ان يصليها منفردا.

وجعلتها عشر ركعات بأربع سجدات يبتدء بها بتكبيرة الإحرام ، ثم يتوجه (١) فيقرء الحمد وسورة ، والأفضل أن يقرء فيها من السور الطوال : مثل الكهف والأنبياء وما أشبه ذلك ، فاذا فرغ من القراءة ركع وأطال في ركوعه بمقدار زمان قراءته ، ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يقول « سمع الله لمن حمده » ، ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة ، فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ، ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يقول « سمع الله لمن حمده » ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ، ولا يقول « سمع الله لمن حمده » ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة ، فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ثم يرفع رأسه ويقول في الخامسة مثل ما قدمناه ، ثم يركع الخامسة ويرفع رأسه بغير تكبير ، بل يقول سمع الله لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين ، ويسجد سجدتين ، ويطيل في كل واحدة منهما

__________________

(١) اى دعا بـ « وجهت وجهي. »

١٢٤

مثل زمان ركوعه ، ثم ينهض ويستوي قائماً ويركع خمس ركعات على الصفة المقدمة ، ويسجد في الخامسة ، ويتشهد ويسلم ، ومن صلى هذه الصلاة وفرغ منها قبل أن ينجلي القرص أو تزول الآية ، فيستحب له إعادتها ، فان لم يعدها جلس في موضعه يذكر الله سبحانه الى ان ينجلي القرص أو تزول الآية ومن شك في شي‌ء من هذه الصلاة ، كان عليه استئنافها.

ومن صلاها لزلزلة فليسجد بعد فراغه منها وليقل في سجوده « يا من ( يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ) ، يا من ( يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ) أمسك عنا السوء ».

ومتى انكسفت الشمس أو خسف القمر أو حدثت آية مما ذكرناه في وقت صلاة حاضرة ، بدء بالحاضرة ، ثم رجع إليها ، وان بدء بصلاتها ودخل وقت فريضة قطعها وصلى الفريضة ورجع إليها وتمم صلاتها ، وان دخل وقت صلاة الليل ، صلى أولا صلاة الكسوف ثم عاد إلى صلاة ، الليل فان فاتت صلاة الليل قضاها بعد ذلك ، ولا يجوز ترك صلاة الكسوف لأجلها على حال من الأحوال.

« باب قضاء الفائت من الصلاة »

اعلم ان جميع الأوقات أوقات لقضاء ما فات من الصلاة إلا ما يعرض فيه شغل لا بد منه مما يقوم بالنفس ـ على الاقتصاد ـ (١) أو يتضيق وقت فريضة حاضرة ، وحد تضيق الوقت ان يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة.

وكل صلاة واجبة فاتت فأن قضاءها واجب من غير تراخ ، الا ان يكون قد تضيق وقت صلاة حاضرة ، فإنه متى كان ذلك وجب صلاة الحاضرة ثم يقضى

__________________

(١) مراده «ره» : ان الاشتغال بتحصيل المعاش ـ لمن عليه القضاء ـ لا بد ان يكون بمقدار الاقتصاد وحد الوسط ، لا بمقدار التوسعة ، لأنه «ره» قائل بالمضايقة في القضاء

١٢٥

الفائتة بعد ذلك ، فأن صلى الحاضرة والوقت متسع وهو عالم بذلك لم ينعقد وكان عليه قضاء ، الفائتة ثم يصلى الحاضرة ، وان لم يكن عالما وذكرها وهو في الحاضرة نقل نيته إليها ثم صلى الحاضرة.

ويقضى الفائتة ولا يصلى الحاضرة الا ان يتضيق الوقت إذا كان قد فاته صلوات عدة (١) ، فاذا تضيق الوقت صلى الحاضرة ثم عاد الى القضاء.

وإذا نسي شيئا قضاه وقت الذكر له وإذا دخل في صلاة نافلة ثم ذكر ان عليه صلاة أخرى عدل نيته إلى الفائتة ثم يعود الى تلك الصلاة بعد الفراغ من الفائتة ، وهكذا يفعل إذا دخل في صلاة فريضة لم يتضيق وقتها ثم ذكر ان عليه صلاة أخرى ، ومثال ما ذكرناه ان يدخل في صلاة العصر ، ويذكر ان عليه صلاة الظهر فيعدل نيته إليها ، فاذا فرغ منها عاد فصلى العصر ، فان تضيق الوقت كمل صلاة العصر ثم صلى الظهر.

ويجب ان يقضى حتى يغلب في ظنه الوفاء إذا كان قد فاته من الصلاة ما لا يتحقق جملته وكذلك يصلى اثنتين وثلاثا وأربعا إذا فاتته صلاة ولم يعلم ما هي : نوى بالاثنتين الغداة وبالثلاث المغرب وبالأربع الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ، فاذا فاتته صلاة وهو مسافر ولم يعلم ما هي صلى اثنتين وثلاثا ، ويفعل في النية لها مثل ما ذكرناه.

ومن فاتته صلاة معينة دفعات عدة ، ولم يعلم عدد الدفعات صلى من هذه الصلاة بعينها حتى يغلب في ظنه الوفاء.

والمرتد يجب عليه القضاء بجميع ما فاته في أيام ردته ، ومن صلى صلاة نذر على غير الوجه الذي شرطه والشروط التي نذر لإيقاعها ، عليه القضاء لها على ذلك الوجه والشرط.

وإذا بلغ إنسان في وقت يتسع لأداء الصلاة ، وفرط في أدائها حتى خرج الوقت كان عليه القضاء والولي عليه ان يقضى عمن يلي أمره ركعتي الطواف إذا

__________________

(١) أي كثيرة

١٢٦

كان قد نسيها ، ومات قبل ان يقضيها ، والمغمى عليه إذا أفاق في وقت يتسع لأداء الصلاة وفرط في أدائها حتى خرج الوقت كان عليه القضاء.

ومن كان مسافرا ونسي صلاة ـ وجبت عليه في الحضر ـ كان عليه (١) قضائها على التمام ، فان كان حاضرا وكان قد نسي صلاة سفر كان عليه قضاؤها على التقصير. وعليه أيضا يقضي الصلاة على التقصير ، إذا كان قد أتمها في السفر وكانت آية التقصير قد تليت عليه ، أو علم وجوب التقصير عليه ، فان لم يكن الآية تليت عليه ولا علم وجوب التقصير لم يكن عليه شي‌ء. وكل ذلك واجب على المكلف

ومن بلغ الحلم في وقت لا يتسع لأدائها كان عليه القضاء ندبا واستحبابا ، وكذلك من أغمي عليه بجنون أو مرض غير الجنون وأفاق في وقت غير متسع لأداء الصلاة ، وكذلك يقضى جميع ما فاته في حال الإغماء ، فإن كان كثيرا ولم يتمكن من قضاء جميعه قضى صلاة اليوم الذي يفيق فيه ، وكذلك يقضى النوافل ـ إذا فاته منها صلوات عدة ، ولم يعلم كمية ذلك ـ الى ان يغلب في ظنه الوفاء ، فان لم يتمكن من ذلك استحب له ان يتصدق عن كل ركعتين بمد من طعام فان لم يقدر على ذلك فعن كل يوم بمد من طعام فان لم يقدر على ذلك لم يكن عليه شي‌ء وكذلك يقضي النافلة المنسية أي وقت ذكرها ، الا ان يكون قد حضر وقت فريضة فينبغي ان يصلى الفريضة ، ثم يقضى النافلة بعد ذلك إذا أراد ، وكذلك يقضى نوافل الليل بالنهار ، ونوافل النهار بالليل ندبا ، واستحبابا كما قدمناه ، فأما الحائض فقد ذكرنا في باب الحيض ما يتعلق بها من ذلك.

« باب كيفية صلاة النذر »

يجب على الناذر للصلاة أداؤها على الوجه والشرط الذي نذرها عليه ، فان

__________________

(١) كذا في نسخة وليست في بقيتها جملة « كان عليه »

١٢٧

نذر منها عددا مخصوصا أو شيئا من التسبيح أو قراءة سورة معينة ، أو صلاتها في زمان أو مكان مخصوص أو إيقاعها على وجه مخصوص وجب عليه إيقاعها وأداؤها على العدد ، والوجه والشرط الذي عقد نذره ، فان لم يقض ذلك أو شيئا معه وصلاها كذلك لم يجزه ، وكان عليه قضاؤها مع الكفارة ، وسيأتي ذكر هذه الكفارة في باب الكفارات بعون الله تعالى.

« باب ركعتي الطواف »

ركعتا الطواف واجبتان كما ذكرناه في قسمة المفروض من الصلوات ، ويجب ان يفعل المكلف فيهما مثل ما يفعله في غيرهما من أحكام الصلاة ومن وجبتا عليه صلاهما عند مقام إبراهيم عليه‌السلام بان يجعله بين يديه ثم يصلى ، فإن نسي صلاتهما عند هذا المقام كان عليه إعادتهما عنده ، فان لم يذكرهما حتى سار رجع فصلاهما عنده ، فان لم يتمكن من ذلك صلاهما حيث يذكرهما ، والأفضل ان يقرء في الركعة الأولى بعد الحمد سورة الإخلاص وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون ، فاما وقتها فقد ذكرناه في بابا أوقات الصلاة.

( باب الصلاة على الموتى )

إذا أردنا أن نذكر كيفية الصلاة على الموتى من الناس فينبغي ان نبين من يجوز هذه الصلاة عليه ومن لا يجوز.

فأما الذي يجوز عليه فهو كل من كان على ظاهر الايمان من رجل أو أمرية ، حر أو عبد ومن بلغ عمره من هؤلاء الذين ذكرناهم ست سنين أو أكثر ، وقد يصلى هذه الصلاة على جهة الندب والاستحباب على كل طفل يقصر عمره عن ست سنين

١٢٨

من أولاد المسلمين ، وعلى من خالف مذهب أهل الحق مع حصول التقية المرتفعة (١) في ترك ذلك ، فلا يجوز الصلاة على الناصب للعداوة لأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كانت التقية مرتفعة في ترك الصلاة عليه ، وكذلك لا يجوز على غير الناصب ممن ظاهره ظاهر الكفر والشرك على حال ، ومن مات ممن ذكرنا جواز الصلاة عليه من الرجل ، والمرية أو الحر ، والعبد كانت الصلاة عليه واجبة.

وينبغي ان يؤذن المؤمنين بذلك ليجتمعوا ، ويكثروا للصلاة (٢) عليه ، وهي فرض على الكفاية ، ومتى قام بها بعض المكلفين سقط فرضها عن الباقين ، والأفضل للإنسان ان لا يصليها الا وهو على طهارة ، فان لم يكن على ذلك وفاجأته تيمم وصلى عليها ، فان لم يتمكن من ذلك أيضا جاز ان يصليها على غير طهارة ومن كان من النساء على حال حيض أو جنابة وأرادت الصلاة على الجنازة ، فالأفضل لها ان لا تصليها الا بعد الاغتسال فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ذلك بالتيمم فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ان تصلى عليها بغير طهارة.

وإذا حضر الناس للصلاة على الجنازة وقفوا صفوفا خلف من يؤم بهم فان حضر معهم نساء وقفن خلف الرجال من غير ان يختلطن بهم ، فان كان فيهن حائض وقفت منفردة منهن ، فان كان الذي حضر للصلاة على الجنازة نساء ليس معهن أحد من الرجال وقفت التي تؤم بهن في وسطهن من الصف ، والباقون عن يمينها وشمالها فان كان جميع من يحضر للصلاة عليها عراة ففعلوا كما ذكرنا فعله للنساء سواء. والجنازة تجعل وقت الصلاة عليها مما يلي القبلة ، فإن حضر معها جنازة أمرية جعلت مما يلي القبلة والرجل مما يلي الامام ، وإذا اجتمع جنازة رجل وأمرية وصبي جعل الصبي مما يلي القبلة ثم المرأة إليه ثم الرجل.

فان اجتمع معهم عبد قدم الصبي أولا إلى القبلة ، ثم المرأة ، ثم العبد ، ثم

__________________

(١) أي التقية غير الواجبة.

(٢) في بعض النسخ « الصلاة » بدل « للصلاة »

١٢٩

الرجل فان اجتمع معهم خنثى جعل الصبي مما يلي القبلة أولا ، ثم المرأة بعده ، ثم الخنثى بعدها ثم العبد ثم الرجل ، وهؤلاء الذين صلى على جميعهم صلاة واحدة ، كانت مجزية ، ولم يحتج المصلون ان يصلوا على كل واحد منهم صلاة على حدة والامام العادل إذا حضر للصلاة على الجنازة كان اولى بالتقدم عليها في ذلك من غيره ، فان لم يكن حاضرا وحضر رجل من بنى هاشم يعتقد الحق كان اولى بذلك إذا اذن له الولي ، فان لم يأذن له لم يجز له التقدم ، والأفضل للولي أن يقدمه والمرأة إذا كان لها زوج كان أولى بالصلاة عليها وإذا كان للميت ابنان مؤمنان كانا مخيرين في التقدم للصلاة ما لم يتنازعا في التقدم ، فان تنازعا في ذلك أقرع بينهما.

والصلاة على الجنازة جائزة في المساجد والأفضل في ذلك ان يصلى عليها في المواضع المخصوصة بها ، فإذا أراد الإمام التقدم للصلاة على الجنازة ، فينبغي ان يتحفي ويكون بينه وبينها عند وقوعه عليها شي‌ء يسير ، فان كان الميت رجلا وقف محاذيا لوسطه ، وان كان امرأة وقف محاذيا لصدرها.

« كيفية الصلاة على الميت »

وليس في هذه الصلاة قراءة ، ولا ركوع ، ولا سجود ، بل دعاء واستغفار وهي خمس تكبيرات يبدأ بها بتكبيرة الإحرام ويقرن النية كذلك بها ، فيرفع المصلى مع هذه التكبيرة يديه ثم يرسلهما ، ويقول : « اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا حيا قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، لا إله إلا الله الواحد القهار ربنا ورب آبائنا الأولين » والاختصار على الشهادتين في ذلك مجز ، ويكبر « ثانية » ولا يرفع يديه معها.

ويقول : « اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد » ويكبر « ثالثة » ولا يرفع يديه معها.

ويقول : « اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم

١٣٠

والأموات ، وادخل على موتاهم رأفتك ، ورحمتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك ، انك على كل شي‌ء قدير ، ويكبر « رابعة » ، ولا يرفع يديه معها ، ويقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا وأنت اعلم به منا ، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه ، (١) وان كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له واجعله عندك في عليين ، واخلف على أهله في الغابرين ، وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين.

فان كان الميت أمرية ، قال بعد هذه التكبيرة : اللهم أمتك وابنة أمتك نزلت بك وأنت خير منزول به ، اللهم ان تك محسنة فزد في إحسانها ، وان تك مسيئة فاغفر لها وتجاوز عنها وارحمها يا رب العالمين » وان كان الميت طفلا فقل : « اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا وقبضته ظاهرا ، فاجعله لأبويه فرطا (٢) ونورا وارزقنا اجره ولا تفتنا بعده.

وان كان مستضعفا قال : « اللهم اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ).

وان كان غريبا لا يعرف له قولا فقل : « اللهم هذه النفس أنت أحييتها ، وأنت أمتها تعلم سرها وعلانيتها ، فولها ما تولت واحشرها مع من أحبت » وان كان الميت ناصبا (٣) فقل : « عبدك ابن عبديك لا نعلم منه الا شرا فأخذه من عبادك وبلادك وأصله أشد نارك ، اللهم انه كان يوالي أعدائك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك فاحش قبره نارا ومن بين يديه نارا وعن شماله نارا وسلط عليه في قبره الحيات والعقارب » ويكبر الخامسة ، ولا يرفع اليدين معها ، ويقول : عفوك عفوك ، ولا يبرح من موضعه حتى ترى الجنازة قد رفعت على أيدي الرجال والذي ذكرناه في ترك

__________________

(١) في بعض النسخ « حسناته » بدل « إحسانه »

(٢) الفرط بفتح الراء : هو من يتقدم القوم ليصلح لها ما يحتاجون اليه مما يتعلق بالمراد ، كما في الحدائق

(٣) في بعض النسخ « ناصبيا » بدل « ناصبا »

١٣١

رفع اليدين مع التكبيرة الأولى مستحب ، ولو رفعها مع جميع التكبيرات لكان جائزا الا ان الأفضل ما قدمناه.

ومن حضر الصلاة على الجنازة وقد فاته شي‌ء من التكبيرات فليتمه إذا فرغ الامام من الصلاة عليها متتابعا ، وان رفعت كبر عليها ، وهي مرفوعة ، ومن لحق الجنازة عند وصولها الى القبر كان له ان يكبر ما بقي له من ذلك ومن سبق الامام بشي‌ء من التكبير عليها كان عليه الإعادة لذلك ومن فاتته الصلاة على الجنازة جاز له ان يصليها على القبر بعد دفن الميت ما بينه وبين يوم وليلة ، وليس تجوز الصلاة عليه بعد ذلك على حال.

والصلاة على الجنازة الواحدة دفعتين مكروه ، فاذا حضرت الجنازة في وقت صلاة فريضة ، فالأولى الابتداء بالفريضة ، ثم الرجوع الى الصلاة على الجنازة الا ان يخاف من حدوث أمر بالميت ، فان كان ذلك قدمت الصلاة عليه ، ورجع الى الفريضة.

وإذا كانت الجنازة في وقت الصلاة عليها مقلوبة ، ولم يعلم المصلى عليها ذلك من حالها أديرت عما كانت عليه وهويت (١) وأعاد الصلاة عليها ، فان لم يعلم ذلك حتى دفنت كانت الصلاة ماضية ، وإذا حضرت الجنازة وكبر المصلى عليها تكبيرة أو تكبيرتين ، ثم حضرت جنازة اخرى كان مخيرا بين ان يتم التكبيرات على الاولى ، وبين ان يبتدء بالتكبير من التكبيرة التي انتهى إليها وان كان الميت عريانا ولا كفن عليه فليترك في قبره ويستر عورته ويصلى عليه ويدفن.

__________________

(١) كذا في النسخ ولعل المراد : ان الجنازة رفعت من الأرض فاديرت ووضعت ويحتمل التصحيف فيكون الصحيح « سويت » كما في النهاية والمبسوط.

١٣٢

« باب المندوب من الصلوات »

« باب سنن اليوم والليلة »

اعلم ان أول ذلك نوافل الظهر ، وينبغي إذا زالت الشمس ان يصلى ، وهي ثمان ركعات يفتتح الركعتين الأولتين بسبع تكبيرات ، أو خمس أو ثلاث أو واحدة إلا أن الإتيان بأكثر من التكبيرة الواحدة أفضل ، فاذا فرغ من التكبير الذي ذكرناه توجه (١) وقرء في الأولى بعد الحمد ، قل هو الله أحد ، وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون ويخافت بالقراءة ، فان جهر كان جائزا ، والأفضل الإخفات نوافل النهار والجهر في نوافل الليل ، فاذا فرغ من القراءة فعل في الركوع والسجود والتسبيح مثل ما سلف ذكره في كيفية صلاة المختار ، فاذا سلم من هاتين الركعتين قام ثم اتى بست ركعات يتشهد ويسلم في كل اثنتين ، فاذا تمم الثمان ركعات ، حمد الله سبحانه وأثنى عليه وصلى على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يقول : « الحمد لله الواحد الأحد المتوحد في الأمور كلها الرحمن الرحيم الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله » ويدعو بما شاء ، ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة الظهر فاذا فرغ منها صلى بعدها نوافل العصر ثماني ركعات وفعل كما فعل في نوافل الظهر ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة العصر فاذا غربت الشمس وصلى فريضة المغرب صلى بعدها نوافلها وهي أربع ركعات من غير ان يفصل بين هذه النافلة وبين الفريضة بتعفير ولا كلام ، يفتتح الاولى بسبع تكبيرات ، وفعل فيها من القراءة والتسبيح وغيره من أفعال الصلاة مثل ما قدمناه ويتشهد بعد كل ركعتين ، ويسلم ، فاذا فرغ كما ذكرناه سبح ، وعفر ودعا بما أراد ، فإذا غاب الشفق وصلى فريضة العشاء الآخرة ، صلى الوتيرة وهي : ركعتان من جلوس تحسبان بواحدة يقرء فيهما مثل ما قدمناه ، فاذا فرغ من ذلك فيأوى الى فراشه ويضطجع فيه على جانبه الأيمن ، ويقول : بسم الله وبالله

__________________

(١) اى دعا بـ « وجهت. ».

١٣٣

وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله وخير الأسماء كلها لله ، اللهم إني أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكل كتاب أنزلته وبكل رسول أرسلته « ثم يقرء سورة الإخلاص والمعوذتين ، وآية الكرسي ، ويسبح تسبيحة السيدة فاطمة صلوات الله عليها وهي ان يكبر أربعا وثلثين تكبيرة ويحمد ثلاثا وثلثين تحميدة ويسبح ثلاثا وثلثين تسبيحة ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك وله الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير ، أعوذ بالله بالذي يمسك السماء ان تقع على الأرض الا بإذنه من شر ما خلق ، وذرأ وبرء وأنشأ وصور ، ومن شر الشيطان الرجيم ، أعوذ بكلمات الله التامة من شر الدابة (١) والهامة ، واللامة ومن شر الشيطان الرجيم وما ذرأ في الأرض وما اخرج منها ومن شر طوارق الليل والنهار الا طارقا يطرق بخير ، استعنت بالله وأتوكل على الله وحسبي الله ونعم الوكيل ».

فاذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل وقال عند قيامه الى ذلك : « الحمد لله الذي رد على روحي لأعبده واحمده اللهم انه لا يوارى منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج ، ولا ارض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض ولا بحر لجي ، ( يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ) غارت النجوم ، ونامت العيون ، وأنت الحي القيوم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، سبحان الله رب العالمين » ، ويقرء خمس آيات من آخر سورة آل عمران ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) ، إلى قوله ( إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) ».

وإذا سمع صوت الديكة قال « سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك ، سبحانك وبحمدك ، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لى انه لا يغفر

__________________

(١) في بعض النسخ « الندامة » بدل « الدابة ».

١٣٤

الذنوب إلا أنت » فاذا فرغ من ذلك استاك ، ثم يتطهر ويفتتح الصلاة بسبع تكبيرات ويتوجه ويقرء الحمد وسورة الإخلاص ثلاثين مرة ، ويقرء في الثانية الحمد وقل يا ايها الكافرون ثلاثين مرة وان قرء ذلك مرة واحدة كان جائزا ، ثم يصلى ست ركعات بما شاء من القرآن ، ويطيل في قراءته وركوعه وسجوده الا ان يخشى من طلوع فحينئذ يخفف ، فاذا فرغ من الثمان ركعات كما ذكرناه صلى الشفع والوتر ثلاث ركعات ، يقرء في الأولى بعد الحمد قل هو الله أحد وفي الثانية مثل ذلك ، ويتشهد ويسلم ، ويقوم بعد ذلك الى الثالثة فيتوجه ويقرء بعد الحمد سورة الإخلاص ، فاذا فرغ من القراءة قنت بقنوت الوتر ان شاء ذلك وان شاء ان يقتصر بكلمات الفرج ويدعو بما أحب كان جائزا ، وقنوت الوتر هو : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلى العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

اللهم لا إله إلا أنت نور السموات والأرض لا إله إلا أنت زين السماوات والأرض لا إله إلا أنت جمال السماوات والأرض لا إله إلا أنت رب العالمين لا إله إلا أنت الغفور الرحيم لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم لا الله الا أنت مالك يوم الدين لا إله إلا أنت إليك يبتدئ كل شي‌ء وإليك يعود ، لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال لا إله إلا أنت الملك القدوس لا إله إلا أنت السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء ردائك سبحان الذي ليس كمثله شي‌ء وهو السميع البصير والحمد لله الذي تواضع كل شي‌ء لعظمته وذلك كل شي‌ء لعزته واستسلم كل شي‌ء لقدرته وخضع كل شي‌ء لملكته واتضع كل شي‌ء لربوبيته فأنت يا رب صريخ المستصرخين وغياث المستغيثين والمفرج عن المكروبين والمروح عن المغمومين ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء وكهف المضطهدين وعماد المؤمنين ، إليك ملجأهم ومفزعهم ومنك رجاؤهم وبك استعانتهم وحولهم وقوتهم ، إياك يدعون وإليك يطلبون ويتضرعون ويبتهلون

١٣٥

وبك يلوذون وإليك يفزعون وفيك يرغبون وفي مننك ينقلبون وبعفوك والى رحمتك يسكنون ومنك يخافون ويرهبون ، لك الأمر من قبل ومن بعد حتى لا يحصى نعمك ولا تعد ، أنت جميل العادة والبلاء ومستحق للشكر والثناء ندبت الى فضلك وأمرت بدعائك وضمنت الإجابة لعبادك وأنت صادق الوعد وفي العهد ، قريب الرحمة.

اللهم انى اشهد على حين غفلة من خلقك انك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك المرتضى ونبيك المصطفى وأسبغت عليه نعمتك وأتممت له كرامتك ، وفضلت لكرامته منه آله فجعلتهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأكملت بحبهم وطاعتهم الايمان ، وقبلت بمعرفتهم والإقرار بولايتهم ، الأعمال واستعبدت بالصلاة عليهم عبادك وجعلتهم مفتاحا للدعاء وسببا للإجابة.

اللهم فصل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم انهم الفضل والوسيلة وأعطهم من كل كرامة ونعمة وعطاء أفضله حتى لا يكون أحد من خلقك أقرب مجلسا ولا أحظى عندك منزلة ولا أقرب منك وسيلة ولا أعظم شفاعة منهم.

اللهم واجعلني من أعوانهم وأنصارهم واتباعهم وثبتني على محبتهم وطاعتهم والتسليم لهم والرضا بقضائهم واجعلني بمحبتهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين فانى أتقرب إليك بهم وأقدمهم بين يدي حوائجي ومسألتي ، فإن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك وحجبت دعائي عنك فاستجب يا رب بهم دعائي وأعطني بهم سؤلي وتقبل بهم يا رب توبتي واغفر بهم يا رب ذنوبي يا محمد أتقرب بك الى الله ربي وربك ليسمع دعائي ويعطيني سؤلي ويغفر ذنبي يا رب أنت أجود من سئل وأكرم من اعطى وارحم من استرحم يا الله يا الله يا الله يا رب يا رب يا رب يا رحمان يا رحمان يا رحمان قلت : ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون نعم والله المجيب أنت ولنعم المدعو أنت ولنعم المسئول أنت أسألك بنور وجهك وعز ملكوتك وأسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وبكل اسم سميت به نفسك وعلمته

١٣٦

أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ان تغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت وما أنت اعلم به مني مغفرة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة ولا تسألني عن شي‌ء من ذنوبي بعدها أبدا أبدا وأعطني عصمة لا أعصيك بعدها أبدا أبدا وخذ بناصيتي الى محبتك ورضاك ووفقني لذلك واستعملني به ابدا ما أبقيتني ، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقى ومن تحت قدمي وامنعني من ان يوصل الى بسوء واصرف عنى شر كل شيطان مريد وشر كل جبار عنيد وشر كل ضعيف من خلقك وشديد ومن شر السامة والهامة والعامة ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بالليل والنهار ومن شر فساق العرب والعجم ومن شر فسقة الجن والانس.

اللهم من كان ثقته ورجاؤه غيرك فأنت يا رب ثقتي ورجائي ، أعوذ بدرعك الحصينة ان لا تميتني هرما ولا ردما ولا غرقا ولا عطشا ولا حرقا ولا غما ولا موت الفجأة ولا أكيل السبع ، وأمتني في عافية على فراشي أو في الصف الأول الذين نعتهم في كتابك فقلت ( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) ، مقبلين غير مدبرين على طاعتك وطاعة رسولك اللهم صل على محمد وآل محمد واهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت انك تقضى ولا يقضى عليك ، سبحانك وتعاليت سبحانك رب البيت ، أستغفرك وأتوب إليك وأو من بك وأتوكل عليك ، ولا حول ولا قوة إلا بك.

اللهم تولني وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، يا الله يا الله ليس يرد غضبك الا حلمك ولا يجير من نقمتك الا رحمتك ولا ينجيني منك الا التضرع إليك ، فهب لي من لدنك رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك بالقدرة التي أحييت بها جميع من في البلاد وبها تنشر ميت العباد ، ولا تهلكني غما حتى تغفر لي وترحمني وتعرفني الإجابة في دعائي وأذقني طعم العافية إلى منتهى اجلى ، ولا تشمت بي عدوى ولا تملكه رقبتي.

اللهم ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وان وضعتني فمن ذا الذي يرفعني

١٣٧

وان أهلكتني فمن ذا الذي يحول بينك وبيني ، أو يتعرض لك بشي‌ء من امرى ، وقد علمت انه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة ، فإنما يعجل من يخاف الفوت ، وانما يحتاج الى الظلم الضعيف ، وقد تعاليت يا الهى عن ذلك ، فلا تجعلني للبلاء غرضا (١) ، ولا لنقمتك نصبا ، ومهلني ونفسني وأقلني عثرتي فقد ترى ضعفي وقلة حيلتي ، وأنت أحق من أصلح من عبده فاسدا ، وأقوم منه أودا (٢).

اللهم جامع الخلق لليوم العظيم ، اجعل في ذلك اليوم مع أوليائك موقفي وفي أحبائك محشري ، وحوض محمد نبيك صلواتك عليه وآله موردي ومع الملائكة الكرام مصدري ، ثم لقني برهانا افوز بحجته واجعل لي نورا أستضي‌ء بقبسه ، ثم أعطني كتابي بيميني أقر بحسناته (٣) وتبيض بها وجهي ، وترجح بها ميزاني ، وامضى بها في المغفورين لهم من عبادك الى رحمتك ، وامنن على بالجنة برحمتك وأجرني من النار بعفوك.

اللهم تولني واحفظني اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك وعلى آله الطاهرين أفضل ما صليت على أحد من خلقك ، اللهم صل على أمير المؤمنين ووصى رسول رب العالمين ، اللهم صل على الحسن والحسين سبطي الرحمة وامامى الهدى ، وصل على الأئمة من ولد الحسين على بن الحسين ومحمد بن على وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلى بن موسى ومحمد بن على وعلى بن محمد والحسن بن على والخلف الحجة عليه‌السلام.

اللهم اجعله الامام المنتظر والقائم المهدي اللهم انصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.

اللهم اجعلني من أصحابه وأعوانه وأنصاره والذابين عنه إله الحق (٤) آمين رب العالمين.

__________________

(١) في بعض النسخ « عرضا » مهملة.

(٢) « الأود » الاعوجاج.

(٣) في بعض النسخ « بحسناتي »

(٤) في بعض النسخ « الخلق » بدل « الحق »

١٣٨

اللهم تم نورك فهديت فلك الحمد ربنا وعظم حلمك فعفوت ، فلك الحمد ربنا وبسطت يدك فأعطيت ، فلك الحمد ربنا ، وجهك أكرم الوجوه ، وجهتك أكرم الجهات وعطيتك أفضل العطايا وأهنأها ، « يطاع (١) ربنا ويشكر ويعصى ربنا فيغفر لمن يشاء يجيب المضطر ويكشف الضر ويشف السقيم وينجي من الكرب العظيم » لا يجزى بالائك أحد ولا يحصى بعلمك قول قائل.

اللهم إليك رفعت الأيدي ونقلت الاقدام ومدت الأعناق ودعيت بالألسن وتقرب إليك بالأعمال ورفعت الأبصار ، ربنا اغفر لنا وارحمنا وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.

اللهم انا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة إمامنا ، وشدة الزمان علينا ، ووقوع الفتن بنا ، وتظاهر أعدائنا وكثرة عددهم وقلة عددنا ، ففرج يا رب ذلك عنا بفتح منك تعجله ونصر منك تعزه وامام حق تظهره إله الحق رب العالمين.

اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا ، واجزهما بالإحسان إحسانا وبالسيئات غفرانا ، ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم.

اللهم اغفر لفلان ـ وتسمى من أردت من إخوانك.

اللهم انى أسألك جميع ما سئلتك لنفسي ولوالدي ولإخواني جميعا من المؤمنين والمؤمنات ، وأسألك اليقين لي ولهم والعفو والعافية في الدنيا والآخرة

اللهم وقد شملنا زيغ الفتن واستولت علينا غشاوة الخير ، وقارعنا الذل والصغار وحكم علينا غير (٢) المأمون على دينك ،

__________________

(١) في بعض النسخ بصيغة الخطاب وكذا ما بعده إلى « ينجي من الكرب ».

(٢) في النسخ التي بأيدينا « خير المأمون » والصحيح ما أثبتناه كما في مصباح المتهجد ص ١٣٨.

١٣٩

اللهم وقد بلغ الباطل نهايته واستجمع طريده ووسق (١) وضرب بجرانه (٢) اللهم فأتح (٣) له من الحق يدا (٤) حاصدة تصرع قائمة وتجد (٥) سنامه حتى يظهر الحق بحسن صورته.

اللهم أسفر لنا عن نهار العدل فأرناه سرمدا (٦) لا ليل فيه واهطل (٧) علينا بركاته ، وأدل له ممن عاداه وناواه (٨) واحى به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة ، وأقم به الحدود المبطلة (٩) والأحكام المهملة.

اللهم لا تدع للجور دعامة الا قصمتها ، ولا كلمة مجتمعة الا فرقتها ، ولا قائمة إلا حفظتها (١٠).

اللهم أرنا أنصاره عباديد بعد الألفة وشتى بعد اجتماع الكلمة ومقنعي (١١) الرؤس بعد الظهور على الأمة (١٢).

__________________

(١) أي جمع وحمل ، وفي بعض النسخ « وسغ » وفي مصباح المتهجد « بسق ».

(٢) في النسخ التي بأيدينا وجران البعير : مقدم عنقه من مذبحه اى منحره ، وضرب بجرانه : اى ثبت واستقر وهو مجاز منقول عن الكناية من قولهم « القى البعير جرانه » إذا برك ، راجع أقرب الموارد

(٣) أتاح الله له الشي‌ء : قدره له وأنزله به.

(٤) في النسخ التي بأيدينا « ندا » والصحيح ما أثبتناه كما في مصباح المتهجد

(٥) يقال جد الثمرة يجدها جدا من باب قتل : قطعها لاحظ مجمع البحرين وفي مصباح المتهجد « تجد سنامه »

(٦) في بعض النسخ « سديدا »

(٧) الهطل : تتابع المطر والدمع وسيلانه.

(٨) ناوأت الرجل : عاديته

(٩) وفي المصباح المتهجد « المعطلة »

(١٠) كذا في النسخ وهو تصحيف والصحيح « خفضتها » أو « أخفقتها »

(١١) في بعض النسخ « مقتضى » بدل « مقنعي »

(١٢) في بعض النسخ « الأئمة » بدل « الأمة »

١٤٠