المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

من الذهب (١) ، ولا يجوز رده على البائع لحدوث العيب عنده ، ويكون جاريا مجرى التالف ، وذكر أيضا ان البيع ينفسخ ورد الإبريق على البائع مع أرش النقصان الذي حصل في يد المبتاع ، ويكون ذلك جاريا مجرى المأخوذ على طريق السوم وإذا حدث النقص فيه فإنه يجب رده مع أرش النقصان وان كان الإبريق تالفا فسخ البيع ، ورد قيمته من الذهب وتلفه غير مانع من فسخ البيع.

وإذا اختلف المتبائعان في العيب وكان مما يمكن حدوثه عند البائع وعند المشترى ، كان على المشترى البينة ، فان لم يكن بينة كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل السلامة ، من العيب ، والأصل لزوم العقد ، والمشترى يدعي حدوث العيب في يد البائع ، ويدعى ما يفسخ البيع به فيكون البينة عليه. وان كان العيب مما لا يجوز ان يكون حادثا في يد المشترى مثل ان يكون إصبعا زائدة ، أو قطع إصبع قد اندمل موضعه وقد ابتاعه من يومه أو من أمسه (٢) ولا يكون الجراحة تبرأ في مثله فيكون القول قول المشترى من غير يمين ، فان كانت الجراحة طرية وقد اشتراه من سنة ولا يجوز ان تكون الجراحة من سنة فان القول قول البائع من غير يمين.

وإذا ابتاع ثوبا فنشرة فظهر له فيه عيب وكان النشر لا ينقصه من الثمن كان له رده بالعيب ، وان كان ينقصه مثل ما ينطوى على طاقين ويلتصق أحدهما بالآخر فيكسره بالنشر فيه الأرش ولا يجوز رده بالعيب.

وإذا جنى العبد جناية توجب القصاص وباعه سيده من غير اذن المجني عليه كان البيع باطلا ، وان كانت الجناية توجب الأرش كان البيع صحيحا إذا تطوع السيد بالتزام أمر الجناية فإن كان العبد مرهونا وجنى العبد بيع في الجناية فإن كانت موجبة للأرش يبطل الرهن وينتقل ما على الرهن إلى الذمة وإذا بطل بيعه في القصاص على ما ذكرناه فإنه يرد ، ويسترجع الثمن ويصير الحكومة بين سيده وبين المجني عليه

__________________

(١) لئلا يتحقق الربا.

(٢) في النسختين « فاما ان » بدل « ولا » والظاهر انها تصحيف.

٤٠١

وان كانت الجناية عمدا توجب القصاص اقتص منه وقد استوفى حقه ، وان عفى على مال ، أو كانت الجناية توجب مالا كان المال متعلقا برقبة العبد ، ويكون السيد مخيرا بين ان يسلمه وان يفديه من ماله ، فإن سلمه فبيع وكان الثمن مثل أرش الجناية دفع الى المجني عليه ، وان كان أقل منه لم يلزم سيده غيره لان الأرش لم يثبت في ذمة السيد ولا يتعلق بماله ، ولو كان أكثر من الأرش كان الفاضل مردود الى السيد ، وان أراد يفديه فان كانت الجناية أقل من قيمته لزمه أرش الجناية ، وان كانت أكثر من رقبته لم يلزمه الزائد على ذلك.

فان غصب غيره عبدا فجنى العبد في يد الغاصب جناية توجب قصاصا ، ثم رد الغاصب العبد على سيده فقتل قصاصا كان لسيده الرجوع بقيمة العبد على الغاصب لأنه قتل بجناية حدثت في يده.

وإذا ابتاع جارية حاملا ولم يعلم بذلك وكان بها عيب فماتت في الطلق (١) كان له الرجوع بأرش العيب على البائع لأنها ماتت من آلام الطلق وهي حادثة في يد المشترى.

والعبد إذا كان مرتدا فقتل بردته رجع على البائع لأنه قتل بردة كانت عند البائع هذا إذا كان غير عالم بالخيار بعد الشراء ، فان كان عالما قبل الشراء لم يكن له رده لان ذلك رضا منه.

وإذا ابتاع عبدا وقد استحق قطع يده ـ في يد البائع ـ كان ، بالخيار ، ان شاء رده وفسخ البيع لان القطع وجب في ملكه ، فان علم بذلك قبل الشراء لم يكن له الرجوع على البائع بشي‌ء لأنه رضا بالعيب.

والعبد لا يملك شيئا فإن ملكه سيده مالا لم يملك رقبته وانما يملك التصرف فيه فان باعه وله مال والسيد عالم به كان المال للمشتري وان لم يكن عالما به كان المال للسيد.

__________________

(١) الطلق : وضع الحمل.

٤٠٢

فان شرط المشترى ان يكون المال له كان له ، فان لم يشترط ذلك كان للسيد.

وإذا ابتاع إنسان عبدا له مال بشرط ان يكون المال للمبتاع فقبضه وظهر به عيب فان كان علم بالعيب بعد ان حدث به عنده نقص وعيب لم يكن له الرد وكان له الأرش الذي يرجع به هاهنا وهو ان يقوم عبد ذو مال لا عيب فيه وعبد ذو مال به العيب الأول (١)

« تم كتاب المكاسب »

__________________

(١) وفي حواشي نسخة مكتبة آيت الله البروجردي ( رحمه‌الله ) في المقام هكذا : وقد سقطت من هذه النسخة ، الكتب التالية : التفليس ، الحجر ، الصلح ، الديون ، الحوالة ، الضمان ، الكفالة ، الشركة والوكالة أقول : ليس في ما بأيدينا من النسخ من هذه الكتب اثر ولا عين عسى الله ان يوفق أصحاب الهمم العالية للعثور عليها وطبعها منضمة الى هذه النسخة.

٤٠٣

« كتاب الإقرار »

إذا أقر الحر البالغ الكامل العقل الذي ليس بمولى عليه ، المطلق التصرف على نفسه بشي‌ء ، كان إقراره ماضيا وحكم عليه به فان لم يكن مطلق التصرف كالمحجور عليه فنحن نبين حكمه : ان أقر وهو محجور عليه لسفه بمال لم يصح وان أقر بحد صح وان أقر بخلع أو طلاق صح

وان كان محجورا عليه للرق وأقر على نفسه بشي‌ء كان حكمه حكم المحجور عليه للسفه إلا في موضع واحد وهو ان إقرار العبد لازم له في ذمته ، فإذا أعتق صحت مطالبته بما أقر به فإن أقر بحد لم يقبل إقراره به ، لأن في ذلك إتلاف مال الغير الذي هو مولاه.

وان كان محجورا عليه لتفليس كان إقراره مقبولا عليه على كل حال

وان كان محجورا عليه لمرض كان إقراره مقبولا على ما نبينه في موضعه في ما بعد بمشيئة الله تعالى فهذه جملة القول في من كان تصرفه غير مطلق

« في الإقرار المصرح والمبهم وتفسيره »

وإذا أقر إنسان لغيره بشي‌ء إقرارا مصرحا غير مبهم مثل ان يقول « له على مأة دينار أو مأة درهم أو دينار أو درهم أو ما أشبه ذلك » كان إقراره بذلك صحيحا وحكم عليه للمقر له بما أقر له به

٤٠٤

فإن أقربه إقرارا مبهما مثل ان يقول : « له على (١) شي‌ء » كان إقراره أيضا بذلك صحيحا ثم يرجع في تفسير الذي أقربه إليه دون المقر له. فان فسره بما يصح تملكه ويتمول في العادة مثل دينار أو درهم أو أقل من ذلك أو أكثر أو بجنس غير ذلك مما يتمول ، كان تفسيره مقبولا فان صدقه المقر له على تفسيره وجب عليه الخروج اليه منه ، وان كذبه وكان تكذيبه له في الجنس مثل ان يكون المقر قد فسر ما أقربه بثوب أو كتاب أو درهم أو دراهم فيقول المقر له : « لي عليه دنانير » فإذا جرى الأمر بينهما على هذا بطل إقرار المقر بالثياب أو الدراهم لأنه يكون قد أقر بما لم يدعه عليه خصمه وهو مدع للدنانير عليه فيكون القول قوله مع يمينه فان حلف سقطت الدعوى وان نكل ردت اليمين على المدعى فإذا حلف استحق ما ادعاه

وان كان تكذيبه له في المقدار مثل ان يفسر بدرهم فيقول المقر له : « لي عليه درهمان أو أكثر من ذلك » فيكون مدعيا لما زاد على الدرهم ، فاذا كان ذلك كان القول قول المقر مع يمينه فاذا حلف سقطت دعوى خصمه وان لم يحلف ردت اليمين على المقر له ، فاذا حلف وجب له ما ادعاه.

فان فسر المقر إقراره بما لا يتملك مثل الخمر أو لحم الخنزير أو ما أشبه ذلك لم يقبل منه هذا التفسير لأنه مما لا يتملك ولا ينتفع به ، ولفظ الإقرار لفظ الالتزام والخمر وما أشبهه غير لازم لأحد

وإذا أقر إنسان لغيره فقال : « له على مال » قبل إقراره ورجع إليه في التفسير لذلك فان فسره بقليل من المال أو كثير سمع منه ذلك وان فسره بجلد ميتة أو سرجين أو ما جرى مجرى ذلك لم يلتفت الى هذا التفسير ولم يقبل منه شي‌ء من ذلك ، لأنه لا يسمى مالا ولا يجرى مجرى ذلك الإقرار بشي‌ء لان الشي‌ء يتناول المال وغيره والمال اسم لما يتمول دون ما لا يتمول.

فإن أقر لغيره فقال : « له على مال كثير » حكم عليه بثمانين فان قال : « له على

__________________

(١) في نسختين زيادة « كل » والظاهر انها سهو ، كما في المبسوط.

٤٠٥

مال خطير أو عظيم أو ما جرى مجرى ذلك » لم يكن لذلك مقدار يقال به فأي شي‌ء فسره به قبل ذلك منه.

فان قال : « له على مال أكثر من مال زيد » لزمه مثل مال زيد » ويرجع إليه في تفسير الزائد على ذلك فما فسره به قبل ذلك منه قليلا كان أو كثيرا وإذا أقر بأنه غصب زيدا شيئا وفسره بما يتمول ، لزمه ذلك وان فسره بما لا يتمول ، لم يقبل ذلك منه.

فإن أقر بمأة وخمسين درهما لزمه ، لان قوله « درهما » يميز العددين جميعا (١)

فان قال : « له على الف دينار أو درهم أو ما أشبه ذلك » لزمه القيام بما أقربه. فإن قال : « له على الف (٢) ودينار » وجب عليه دينار ورجع إليه في تفسير الألف فبأي شي‌ء فسره سمع ذلك منه وهكذا الحكم سواء إذا قال : « له على الف ودرهم أو ألف وثوب أو ألف ودابة ، أو ألف ودور ، أو ألف وعبد ، وما أشبه ذلك »

« الاستثناء من الجمل واقسامه »

وإذا (٣) حملنا الاستثناء على حقيقته وأقر بأن لزيد عنده مأة درهم الا درهما ، كان صحيحا ويكون مقرا بتسعة وتسعين درهما ويلزمه ذلك فان استثنى مجهولا من معلوم مثل ان يقول : « له عندي مأة درهم الا ثوبا » أو يقول : « له عندي مأة دينار الا سيفا » فإنه تلزم المائة درهم أو المائة دينار وعليه تفسير الثوب والسيف بالقيمة فإن قوم ذلك بما يبقى بعده من المائة شي‌ء قبل ذلك منه وان قومه بما يستغرق المائة لم يقبل منه ذلك ، لأنه يكون كمن أقر بشي‌ء واستثنى جميعه وذلك لا يصح

__________________

(١) قال الشيخ ره في المبسوط : وفي الناس من قال انه تفسير للخمسين والمائة على إبهامها والصحيح الأول لأنا لو جعلناه تفسيرا للثاني بقي الأول بلا تفسير وذلك لا يجوز

(٢) في نسختين زيادة « درهم » والظاهر انها سهو

(٣) في نسخة « فاذن حملنا الاستثناء على حقيقته ، وإذا أقر بأن لزيد إلخ وعليه يكون في الكلام قبل هذا سقط وهو جواز الاستثناء في الإقرار وان حقيقته ان يكون من جنس المستثنى منه وغير ذلك من أحكامه كما صرح بذلك كله في المبسوط.

٤٠٦

« الاستثناء من الاستثناء »

فان استثنى مرتين وعطف الثاني على الأول بواو العطف فإنهما يكونان جميعا من الجملة الأولى المستثنى منها وان لم يعطف الثاني على الأول بواو العطف كان الاستثناء الثاني عائدا الى ما يليه من الاستثناء. فاما ما يكون بينهما واو العطف فمثل ان يقول : « له على عشرة إلا ثلاثة والا اثنين » فيكون ذلك استثناء الخمسة من العشرة ، فان لم يعطف الثاني على الأول فمثل ان يقول « له على عشرة الا خمسة إلا اثنين » فإنه يكون استثناء الاثنين من الخمسة فبقي ثلاثة فيكون قد استثنى ثلاثة من العشرة فيلزمه سبعة.

فإذا أقر فقال : « لزيد هذه الدار الا هذا البيت منها » كان ذلك استثناء البيت وكذلك استثناء الفص من الخاتم ، وذلك صحيح فان قال : هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لي » أو قال : « هذا الخاتم له والفص منه لي » فإن ذلك يكون بمنزلة الاستثناء ، لأنه في معناه وأوضح منه لأنه صرح بمعنى الاستثناء هذا إذا وصل الاستثناء.

فاما ان فصل بينهما بسكتة طويلة فإن الاستثناء لا يصح ويكون جميع الدار والخاتم مع فصه للمقر له.

وإذا قال : « له على مأة الا درهمين » كان مقرا بثمانية وتسعين درهما. فان قال : « عندي مأة الا درهمان » كان مقرا بمأة ، لان المعنى عندي مأة غير درهمين. وهكذا لو قال : « له على مأة مثل درهمين » جاز ان يكون المعنى المائة مثل درهمين. وهكذا « له على مأة مثل ألف » كان عليه ألف لأن غيرا نقض (١) مثلا.

وإذا قلت : « ماله عندي مأة الا درهمين » وأردت أن تقر بما بعد الا ، رفعته لأنك إذا قلت : ماله عندي مأة الا درهمان ، فإنما رفعت درهمين بان جعلته بدلا من مأة فكأنك قلت : « ما له عندي إلا درهمان ». وإذا نصبت فقلت : « ما له عندي مأة الا درهمين » فما أقررت بشي‌ء لان « عندي » لم ترفع شيئا فثبت له عندك ، وكأنك

__________________

(١) في نسخة « نقص » والظاهر انها تصحيف.

٤٠٧

قلت ماله عندي ثمانية وتسعون درهما.

« الإقرار بالمظروف ليس إقرارا بالظرف »

وإذا قال : « له ثوب في منديل » أو قال : « له عندي تمر في جراب (١) أو حنطة في غرارة (٢) ، أو عسل في مكة » (٣) أو ما أشبه ذلك ، لم يلزمه الا اليقين وهو الثوب أو التمر أو الحنطة أو العسل فاما المنديل أو الجراب أو الغرارة أو العكة فلا يلزمه شي‌ء من ذلك لما قلناه من انه لما يلزمه (٤) اليقين ، ويطرح الشك لأن الأصل براءة الذمة.

وإذا قال : « له عندي عبد عليه عمامة دخلت العمامة في الإقرار. ولو قال : له عندي دابة عليها سرج » لم يدخل السرج في الإقرار ، والفرق بين ذلك ان يد العبد تثبت على ما هو عليه فيكون لسيده المقر له ، والدابة لا يثبت لها يد على ما عليها فلا يكون ما عليها لصاحبها إلا بالإقرار ، وقوله عليها سرج ليس إقرارا بالسرج.

ومن كان صحيحا من المرض وأقر بدين أخر ، نظر في ماله ، فان كان فيه وفاء بجميع الدينين استوفى منه (٥) ، وان لم يكن فيه وفاء لجميعهما قسم الحاصل منه على قدر الدينين.

« الإقرار بالحمل »

وإذا كان لرجل جارية ولها ولد ، فأقر بان ذلك الولد ، ولده منها كان إقراره صحيحا بين كيفية الاستيلاء منها أو لم يبين ذلك.

وإذا أقر الإنسان لحمل بدين في ذمته أو غيره في يده وبين لذلك سببا صحيحا

__________________

(١) الجراب : وعاء من جلد

(٢) الغرارة : الجوالق.

(٣) العكة : زقيق للسمن أصغر من القربة.

(٤) كلمة « ل » جارة و « ما » موصولة.

(٥) كذا في نسخة : وفي أخرى : استوفى. والصحيح « استوفيا »

٤٠٨

مثل ان يقول : « لحمل هذه المرية على دين من جهة وصية أو ميراث » كان إقراره صحيحا. وان بين له سببا غير صحيح ، فغير صحيح مثل ان يقول : « له ذلك على من جناية جنيتها عليه من قلع عين أو ما جرى مجراها ، أو « هو له على من معاملته » كان ذلك باطلا.

فإن أطلق الإقرار ولم يبين شيئا مما ذكرناه كان صحيحا فان بينه بعد ذلك بشي‌ء مما ذكرناه فالقول فيه على ما تقدم. وان كان حكم الإقرار للحمل صحيحا على ما قدمناه فيجب ان ينظر فيه ، فان انفصل من حين الإقرار حيا لأقل من ستة أشهر كان الإقرار صحيحا ، لان وجوده حين الإقرار كان متيقنا ، فصح بذلك انه إقرار لموجود وان انفصل لأكثر من تسعة أشهر لم يصح الإقرار لأنا نتيقن بذلك انه لم يكن موجودا والإقرار انما يصح لموجود فاما المعدوم فلا يصح الإقرار له. فان انفصل لستة أشهر وأكثر وتسعة أشهر وأقل نظر في حال المرية فإن كان لها زوج يطؤها أو مولى كان الإقرار باطلا ، لأنه يجوز ان يكون حدث بعد الإقرار له فلا يلزمه الإقرار وإذا احتمل لم يلزمه شي‌ء بالشك. وان لم يكن لها زوج يطؤها ولا مولى كان الإقرار صحيحا لأنا نعلم بذلك ان الولد من ذلك الوقت.

ثم ينظر في الحمل فان كان واحدا وانفصل حيا فالاقرار له صحيح كما قدمناه وان كان اثنين أحدهما ذكر والأخر أنثى وكان الإقرار عن وصية تساويا في قسمته بينهما وان كان عن ميراث كان للذكر مثل حظ الأنثيين وان كان الحمل الذكرين أو الأنثيين كان ذلك بينهما بالسوية. فإن كان ذكرا وأنثى ولدي أم (١) كان بينهما أيضا بالسوية لأن كلالة الأم تساوى في الميراث. وهذا الحكم في الحمل إذا انفصل حيا ، فان انفصل ميتا كان الإقرار له باطلا لأنه انما يكون له حكم إذا انفصل حيا ، فان انفصل ميتا فإنه يكون في معنى المعدوم وذلك مما لا يصح الإقرار له.

__________________

(١) أي أخ الميت وأخته لأمة لا لأبيه.

٤٠٩

وإذا كان عند إنسان عشرة من العبيد فأقر لغيره بهم فقال : « هؤلاء العبيد لزيد الا واحدا » كان الإقرار صحيحا ويرجع في تبين الواحد إليه. فإن بين التسعة المقر بهم كان كافيا في بيان الواحد ، وان بين الواحد كان كافيا في ذلك لأنه إذا بين أحد الوجهين وعينه تبين الأخر وتعين. فاذا اختلفا في الواحد فكذب المقر له للمقر كان القول قول المقر مع يمينه ، لأنه اعلم بما أقربه وبما استثناه ، ولأنه أيضا في يده.

وإذا أقر إنسان بغصب فقال : ( غصبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو ) لزمه الإقرار وكان عليه تسليم الدار الى زيد الذي أقرانه غصبه إياها ، لأنه أقر له باليد وقد تكون في يده بإجارة أو رهن. فاما إقراره بأنها ملك لعمرو فلا يصح الإقرار بما هو في يد غيره ، ويجرى ذلك مجرى قوله : « الدار التي في يد فلان لفلان » فان ذلك لا يصح وشهادته بذلك لا يقبل ، لأنه غاصب ، وإذا كان كذلك وجب عليه تسليم الدار الى زيد وتكون الخصومة فيها بين زيد وبين عمرو الذي أقر بأنها ملكه ، وليس على هذا الغاصب ضمان في الدار لعمرو بإقراره بأنها ملكه ، لأنه ما أقر له بشي‌ء ثم حال بينه وبينه وانما أقر لواحد منهما باليد وللآخر بالملك ، وقد يجوز ان يكون في يد أحدهما بإجارة أو رهن كما قدمناه ويكون ملكا للآخر.

« الاعراض بعد الإقرار »

وإذا قال إنسان : « هذه الدار لزيد ، لإبل لعمر » أو قال : « غصبتها من زيد لإبل من عمرو » فإن إقراره بها للأول لازم وعليه غرامتها للثاني ، لأنه حال بينه وبين ما أقربه له ويجرى ذلك مجرى ان يتلف له ما لا ثم يقر به لغيره في لزوم غرامته له.

وإذا كان العبد مأذونا له في التجارة وأقر بما يوجب حقا على سيده (١) لم يقبل إقراره وان أقر بما يوجب مالا وكان ذلك لا تعلق له بما اذن له فيه من التجارة مثل ان يقول : « أهلكت مال زيد » أو « غصبته مالا » لم يقبل إقراره بذلك.

__________________

(١) في نسخة « على بدنه » بدل « على سيده ».

٤١٠

فان قال : « اقترضت منه مالا » كان ذلك في ذمته الى ان يعتق ويطالب به. وان كان إقراره بما يتعلق بمال التجارة مثل أرش المعيب أو ثمن مبيع أو ما جرى مجرى ذلك فإن إقراره بذلك مقبول ، لان المالك لشي‌ء يملك الإقرار به فان كان الإقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل وقضى منه ، وان كان أكثر من ذلك كان الفاضل (١) في يده يطالب به إذا أعتق.

وإذا قال رجل : « لزيد عندي ألف درهم وديعة شرط على ضمانها » ثبت إقراره بالوديعة ولم يجب عليه ضمانها (٢).

وإذا قال : « لزيد على الف درهم في ذمتي » ثم جاء بألف وقال : « كان الألف الذي أقررت به لك وديعة عندي وهذا بدلها » كان ذلك جائزا لأنه يجوز ان يكون قد هلكت بتفريط منه فاحضرا العوض عنها.

وإذا قال زيد لعمرو : لك على الف درهم » ثم قال : « كانت لك عندي وديعة وكان عندي انها باقية فأقررت بها لك فاذا بها تالفة في ذلك الوقت (٣) لم يقبل ذلك منه ، لأنه تكذيب إقراره بعده ، ولو ادعى هلاكها بعد الإقرار قبل منه لأنه ما فسره إقرار بوديعة ولم يكذب إقراره وانما ادعى هلاك ما أقربه بعد ثبوته بإقراره.

فإذا كان في يد إنسان عبد فأقر انه لزيد وصدقه العبد وعلى ذلك صح إقرار السيد ولم يصح إقرار العبد ، لان يد السيد ثابتة على العبد لأنه يملكه ويد العبد غير ثابتة على نفسه لأنه لا يملكها ، ولأن إقرار العبد أيضا إقرار بمال السيد عليه وانما يقبل إقراره في الجنايات التي تتعلق برقبته أو إتلاف المال فان كذب (٤) السيد في إقراره فالصحيح ان العبد ينعتق ، لأن الذي كان في يده أقر بأنه ليس له والذي أقر له به

__________________

(١) الظاهر سقوط « مما » أو تكون « في يده » تصحيف ويكون الصحيح « في ذمته ».

(٢) لان شرط الضمان في الوديعة باطل.

(٣) اى وقت الإقرار

(٤) أي كذب زيد المقر له

٤١١

أنكره وإقرار العبد لم يصح فلم يثبت (١) عليه لأحد ملك فينبغي ان ينعتق كما قدمناه

وإذا التقط إنسان لقيطا ورباه ثم أقر الملتقط بأنه عبد لزيد لم يقبل إقراره ، لأن الظاهر في اللقيط الحرية.

وإذا ادعى إنسان على غيره انه مملوكه وأنكر العبد ذلك كان القول قول المدعى عليه مع يمينه لان الظاهر من الحال ، الحرية. فان لم ينكر دعواه وأقر بما ادعاه من الرق ثم ادعى انه أعتقه وأنكر سيده ذلك كان القول قول السيد. لأن الأصل هي نفى العتق.

وإذا أقر فقال : « لزيد عندي درهم ودرهم » لزمه درهمان وكذلك لو قال : « لزيد عندي درهم ودرهم ودرهم » لزمه ثلاثة دراهم ، وكذلك إذا عطف درهما على درهم بلفظ « ثم » فان قال : « له عندي درهم فدرهم » لزمه درهمان ، لان الفاء من حروف العطف فهي وان أفادت التعقيب فليس له هاهنا فائدة.

وإذا أقر فقال : « لفلان عندي قفيز لإبل قفيزان » لزمه قفيزان وكذلك لو قال : « درهم لإبل درهمان » لان « بل » للإضراب عن الأول والاقتصار على الثاني. فإن قال : درهم لإبل أكثر منه لزمه درهم وزيادة عليه فان قال « له على قفيز حنطة لإبل قفيز شعير » لزمه قفيز حنطة وقفيز شعير لأنه أقر بجنس آخر فلا يقبل منه النفي للأول.

وإذا قال إنسان يوم الخميس : « لزيد على درهم » ثم قال يوم الجمعة : « له على درهم » وجب عليه درهم واحد ويرجع في التفسير إليه. فإن قال يوم الخميس : « لزيد على درهم من ثمن مملوك » وقال يوم الجمعة : « له على درهم من ثمن ثوب » وجب عليه درهمان ، لان ثمن المملوك غير ثمن الثوب وكذلك الحكم في كل إقرارين أضيف كل واحد منهما الى سبب غير السبب الذي يضاف الأخر اليه.

وإذا قال : « لزيد على درهم لإبل درهم » وجب عليه درهم واحد ، لأنه أمسك ليستدرك ولم يذكر فليس عليه غير ذلك. ولو قال : « لزيد على عشرة لا بل تسعة »

__________________

(١) في نسختين « فلو ثبت » والظاهر انها تصحيف.

٤١٢

وجب عليه عشرة لأنه نفى درهما من العشرة على غير وجه الاستثناء فلم يقبل منه ولا يجرى ذلك مجرى قوله : « له على عشرة إلا درهم » في انه يقبل ذلك منه ، لأن للتسعة عبارتين : الواحدة بلفظ التسعة ، والأخرى بلفظ العشرة واستثناء الواحد فبأيهما اتى فقد اتى بعبارة التسعة ، فليس كذلك قوله : « على عشرة لا بل تسعة » لأنه أقر بالعشرة ورجع عن بعضها فلم يصح رجوعه.

وإذا أقر رجل لميت بحق وقال : « هذه امرأته وهذا ابنه ولا وارث له غيرهما » وجب عليه دفع المال إليهما ، لأنه أقر بأنه لا يستحق المال غيرهما. فان قال : « هذا المال لزيد الميت » أو قال : « لزيد الميت على مال وهذا الصبي ولده وهذا وصيه » لم يجب عليه دفع المال إلى الوصي : لأنه لا يأمن من ان يبلغ الصبي فينكر وصية الوصي وإذا أنكر سمع ذلك منه. ويجوز تسليم المال الى الحاكم ، لان له على الصبي ولاية ولا يتمكن من إنكارها ولا تثبت ولاية للطفل إلا ببينة.

وإذا ادعى إنسان على غيره مالا في مجلس الحاكم فقال المدعى عليه : « لا أقر ولا أنكر » ألزمه الحاكم أن يأتي بجواب صحيح ويقول : « هذا ليس بجواب صحيح ، فإن أجبت بصحيح والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك » فان لم يأت بجواب صحيح استحب للحاكم ان يكرر ذلك عليه ثلاث مرات فان لم يجب بجواب صحيح جعله ناكلا ورد اليمين على خصمه. فان قال : « لا أدرى ما يقول » لم يكن جوابا صحيحا مع علمه بما يقول.

فان قال : « انا مقر أو منكر » لم يكن أيضا جوابا صحيحا. فاذا قال : « انا مقر بما يدعيه ومنكر لما يدعيه » كان ذلك جوابا صحيحا وحكم الحاكم عليه (١). وإذا قال إنسان : « لزيد على الف درهم » وسكت ثم قال : « من ثمن مبيع لم أقبضه » وجب عليه الالف ولم يسمع منه ما ادعاه من المبيع ، لأنه أقر بالألف ثم فسره بما يسقط ولا يقبل إقراره به. فان قال : لزيد على ألف درهم وسكت ثم قال قد قبضها كان جاريا مجرى

__________________

(١) في نسخة زيادة « بحبسه »

٤١٣

الأول ، فإن قال « لزيد على ألف درهم من ثمن مبيع » وسكت ثم قال : « لم أقبضه » سمع منه ذلك لان قوله بعد سكوته لم أقبضه غير مناف لإقراره المتقدم لأنه يجوز أن يكون عليه ألف درهم ثمنا ولا يجب عليه تسليمها حتى يقبض المبيع ، وأيضا فإن الأصل أن لا قبض.

فان قال « لزيد على ألف درهم مؤجلا إلى الوقت الفلاني » وجب عليه ذلك في الأجل المذكور.

وإذا شهد شهود على إنسان بإقراره ولم يقولوا « وهو صحيح العقل » كانت الشهادة صحيحة بذلك الإقرار ، لأن الظاهر أن الشهود لا يتحملون الشهادة على من ليس بعاقل ولان الظاهر صحة إقراره أيضا. فإن شهدوا وقالوا : « وهو صحيح العقل » كان ذلك منهم تأكيدا وإذا كان الأمر في الشهادة بالإقرار على ما ذكرناه وادعى المشهود عليه انه أقر وهو مجنون وأنكر المقر له ذلك كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل فقد الجنون وعدمه.

فان ادعى أنه أكره على الإقرار لم يسمع منه ذلك لان الأصل فقد الإكراه. فإن أتيت بينة على أنه كان مقيدا أو محبوسا وادعى الإكراه قبل ذلك منه ، لان الظاهر من حال المقيد والمحبوس انه كان مكرها على التصرف والإقرار.

وإذا قال إنسان : « لزيد على دينار في عشرة ، أو درهم في عشرة » وكان يريد بذلك ضرب الحساب ، وجب عليه عشرة دنانير أو عشرة دراهم ، لان الواحد في عشرة ، عشرة. وان لم يرد ضرب الحساب وجب عليه دينار واحد أو درهم واحد ، لأنه يكون المعنى فيه « له دينار في عشرة لي » ويجرى ذلك مجرى القول بان له على عمامة في صندوق ، أو قميص في منديل ، وما أشبه ذلك.

وإذا ادعى إنسان على صبي البلوغ وقال الصبي : « لم أبلغ » كان على المدعى البينة فيما ادعاه من بلوغ الصبي : اما بان (١) شهد شهود بأنه ولد في سنة معينة ثم

__________________

(١) في نسخة « فان » وفي أخرى « وان » والظاهر انهما تصحيف

٤١٤

ينظر فيه من هذه السنة إلى السنة التي ادعى عليه فيها البلوغ فيكون خمسة عشرة سنة أو يقر الصبي بالبلوغ ، أو شاهد (١) منه الإنزال ، فإن عدم المدعي البينة على ما ادعاه من ذلك وطلب يمين الصبي على انه لم يبلغ ، لم يجب له ذلك ، وكان القول قول الصبي بغير يمين ، لأن إثبات يمينه يقتضي إبطالها ونفيها ، لأن الصبي إذا حلف على انه صبي وحكمنا بصباه أبطلنا يمينه لان يمين الصبي غير صحيحة.

فإن أقر الصبي بالبلوغ ووجد لم يبلغ القدر الذي يمكن البلوغ فيه لم يلتفت الى إقراره. وان كان قد بلغ ذلك القدر كان إقراره صحيحا وحكم عليه بالبلوغ ، لأنه أقر بما يمكن كونه صادقا فيه ولا يجوز المطالبة له بيمين على ما أقر به ، لأنه لا يتعلق بذلك حق لغيره وانما يتعلق به حق لنفسه.

والصبية إذا أقرت بأنها قد حاضت كان الحكم فيما أقرت به من ذلك كالحكم الذي ذكرناه في إقرار الصبي بالبلوغ.

وإذا قال إنسان : « لزيد على درهم ودرهمان ، أو دينار وديناران » وجب عليه ثلاثة دراهم أو ثلاثة دنانير لأنه عطف الدرهمين على الدرهم ، وكذلك الدينارين على الدينار والمعطوف غير المعطوف عليه.

وإذا قال الإنسان : « تملكت هذه الدار من زيد » كان ذلك إقرارا منه بالدار لزيد وفيه الدعوى منه بان ملك زيد قد زال عنها وملكها هو ، فاذا كان كذلك وخالفه زيد في ذلك كان القول قول زيد المقر له مع يمينه. فان قال : « هذه الدار قبضتها من يد زيد فإنه يكون مقرا لزيد باليد ويجب عليه تسليم الدار اليه وعليه البينة فيما ادعاه من سقوط حق اليد وانتقاله إليه ، فان لم يكن له بينة كان القول قول المقر له مع يمينه.

فان قال : « هذه الدار قبضتها على يد زيد ، أو ملكتها على يد زيد » لم يكن ذلك إقرارا بيده ولا ملكه لان ظاهر هذا اللفظ انه قبضها أو ابتاعها بوساطته أو معونته.

__________________

(١) لعلها تصحيف ، والصحيح « شاهدوا » أو يكون هو الحاكم.

٤١٥

وإذا قال إنسان : « على لبهيمة زيد مأة درهم ، أو عشرة دنانير ، أو ما أشبه ذلك كان هذا الإقرار باطلا ، لأن البهيمة لا يثبت لها مال. ولو قال : « على بسبب هذه البهيمة مأة درهم » وما أشبه ذلك كان هذا الإقرار صحيحا لان معنى السبب ان يكون ذلك المال ثبت عليه من اجرة منافعها أو من جناية عليها أو ما جرى مجرى ذلك. فان قال : « لعبد زيد على مال » كان ذلك صحيحا ويكون إقرارا لسيد العبد لان العبد يصح له ان يثبت له مال من اكتساب أو غيره فاذا ثبت له ذلك ثبت لسيده.

وإذا أقر إنسان بأن غيره والده أو والدته وصدقه ذلك الغير فيما أقربه كان إقراره مقبولا وتوارثا ، فان لم يصدقه في ذلك كان إقراره باطلا.

فإن أقر بأن غيره ولده وكان المقر به مشهورا بالنسبة الى غير المقر به كان إقراره أيضا باطلا وان لم يكن مشهورا بذلك قبل إقراره والحق الوالد (١) به سواء صدقه الولد في ذلك أو لم يصدقه وتوارث (٢).

فإن أقر بزوجة وصدقته في ذلك قبل إقراره وتوارث ، وان لم تصدقه كان إقراره باطلا.

فإن أثبت بينة بما أقربه حكم له بها ، وان لم يثبت له بينة بذلك لم يلتفت الى إقراره فإن أقرت المرأة بزوج كان الحكم فيها كالحكم في الرجل سواء.

فإن أقر بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك من ذوي الأرحام قريبا كان أو بعيدا وكان للمقر ورثة مشهوري النسب لم يقبل إقراره إلا ببينة ولم يتوارثا ، سواء صدقه المقر به أو لم يصدقه. وان لم يكن له ورثة غير الذي أقربه وصدقه في ذلك ، قبل إقراره وتوارثا. وان لم يصدقه كان إقراره باطلا.

فان هلك إنسان وخلف وارثا فأقر بعضهم بوارث آخر وكان المقر به اولى من المقر بالميراث سلم اليه المقر جميع ما حصل في يده من الميراث. وان كان مثله دفع

__________________

(١) لعلها تصحيف والصحيح « الولد »

(٢) لعل أصلها « توارثا ».

٤١٦

اليه مقدار ما كان نصيبه من سهمه بغير زيادة ولا نقص.

فإن أقر بوارث جماعة كان الحكم فيهم مثل ما تقدم. فإن أقر بوارثين هما جميعا اولى منه بالميراث والواحد منهما اولى من الأخر بذلك ، دفع المقر إلى الأولى منهما ما في يده من الميراث ولم يكن للآخر شي‌ء. فان أقر بأكثر من وارث وكان المقر لهم متساوين في الميراث وتناكروهم فيما بينهم ذلك النسب لم يلتفت الى إنكارهم وقبل إقراره لهم ، فإذا أنكروا إقراره لم يكن لهم من الميراث شي‌ء وان أقروا له بمثل ما أقر لهم به توارثوا (١) بينهم ان كان المقر له (٢) والدا أو ولدا فان كان غيرهما من ذوي الأرحام لم يتوارثوهم وان صدق بعضهم بعضا ولا يتعدى الحكم (٣) فيه الى مال الميت.

فإن أقر بوارث هو اولى منه بالميراث كان عليه ان يدفع المال اليه كما قدمناه. فإن أقر بوارث ـ بعد ذلك ـ هو اولى منهما كان عليه ان يغرم للثاني مثل الذي دفعه الى الأول وهكذا يجب عليه ان أقر بوارث ثالث أو رابع أو خامس أو أكثر من ذلك بالغا ما بلغ إقراره به. فإن أقر بوارث اولى منه بالميراث وسلم اليه ما في يده منه (٤) ثم أقر بعد ذلك بوارث مسا وللمقر له في الميراث كان عليه ان يغرم له مثل ما كان يستحقه من أصل الميراث.

فإن أقر بوارث يساويه في الميراث وقاسمه إياه ثم أقر بوارث هو اولى منهما وجب عليه ان يغرم له مثل جميع المال. فان كانت الميت امرأة وأقر هذا المقر بزوج لها ، وجب عليه ان يدفع الى الزوج ما كان نصيبه من سهمه وان أقر بزوج آخر كان إقراره باطلا. فإن أكذب نفسه في الإقرار بالزوج الأول وجب عليه ان يغرم للزوج الثاني ما يستحقه من الميراث ، ولم يكن له على الأول سبيل.

__________________

(١) اى الذين يقر لهم أولا وكانوا أكثر من وارث

(٢) أي الذي أقر أولا

(٣) أي عدم التوارث

(٤) اى من الميراث ، وكلمة « من » بيانية

٤١٧

فإن كان المقر ولدا فأقر بزوجة للميت وجب عليه ان يدفع الى الزوجة ثمن ما كان في يده من الميراث فإن أقر بزوجة ثالثة دفع إليها ثلث ثمن ما في يده من الميراث أيضا. فإن أقر برابعة دفع إليها (١) ثمن ذلك ، فإن أقر بخامسة ، وقال بأن واحدة ممن كان أقر منهن ليست زوجة ، لم يلتفت الى نفيه لها ووجب عليه ان يغرم للتي أقربها قبل ذلك (٢) فان لم ينكر واحدة من الأربع لم يلتفت الى إقراره بالخامسة. فإن أقر في دفعة واحدة للأربع نسوة لم يكن لهن أكثر من الثمن يقسم بينهن بالسوية.

فإن أقر اثنان من الوراث بوارث وكانا مرضيي العدالة قبلت شهادتهما للمقر له والحق بنسب الميت وقاسم (٣) الوارث الا ان يكون مشهورا بالنسب للآخر فإنه حينئذ لا يلتفت الى شهادتهما. فان لم يكونا مرضيي العدالة لم يثبت له النسب ولم يلحق بالميت ولزمهما في نصيبهما مقدار ما كان نصيبه من سهمهما من غير زيادة ولا نقص في ذلك. فان خلف الميت زوجة وأخا وأقرت الزوجة بابن للأخ (٤) وأنكره الأخ لم يثبت نسبه الا انه يقاسمها والمرأة تدعى ان لها الثمن ، لان لمورثها ابنا فان كان في يدها لم يأخذ الأخ إلا ثلاثة أرباعه لأنه هو القدر الذي يدعيه فيقول « لها الربع » لأنه ليس لمورثها ابن فبقي في يدها الربع وهي تدعي نصفه فيكون لها والباقي ترده على الابن.

فان ترك الميت ابنين أحدهما عاقل ، والأخر مجنون فإن أقر العاقل بنسب أخ لم يثبت النسب بإقراره ، لأنه واحد فإن أفاق المجنون ووافق أخاه على إقراره بالأخ الأخر ثبت النسب والميراث وان خالفه في ذلك لم يثبت نسبه وشاركه في مقدار ما يخصه فان مات وهو مجنون فان ورثه المقر جميع ماله قاسم المقر به فان ترك الميت ابنين أحدهما كافر والأخر مسلم فأقر أحدهما بأخ وكان الميت كافرا ، فميراثه للمسلم

__________________

(١) الظاهر سقوط كلمة « ربع »

(٢) اى قبل الإنكار والنفي

(٣) أي صار قسيما للوارث

(٤) اى الميت

٤١٨

فإن أقر بنسب قاسم المقر به ان كان مسلما وان لم يكن مسلما أخذ بجميع الميراث ولم يكن لجحود الكافر لذلك اعتبار ، لأنه لا يرث شيئا وجميع المال للمسلم.

وإذا خلف الميت ابنين أحدهما قاتل كان المال كله للذي ليس بقاتل وان أقر بنسب أخ شاركه في الميراث وان أقر القاتل لم يثبت له لأنه ليس يستحق شيئا من الميراث.

وإذا أقر الإنسان وهو مريض ـ وكان في حال إقراره كامل العقل موثقا بعدالته مأمونا غير متهم ـ للوارث أو الأجنبي بشي‌ء ، كان إقراره ماضيا ويكون ما أقربه من أصل ماله فان كان متهما وغير موثق به ، طولب للمقر له ببينة تشهد له بذلك فإن أثبت بينة به سلم اليه ذلك من أصل المال وان لم تكن له بينة دفع ذلك اليه من الثلث ان بلغ ذلك ، فان لم يبلغه لم يدفع إليه أكثر منه.

وإذا كان على إنسان دين فأقر بأن جميع ما يملكه لبعض وراثه لم يقبل منه ذلك إلا ببينة تثبت للمقر له بذلك فان لم تكن له بينة به دفع الى صاحب الدين ماله وكان الباقي ميراثا بين وارثه.

وإذا أقر بشي‌ء وقال لوصيه ادفعه الى زيد فهو له ، وطالب الوارث الوصي بذلك فان كان المقر عنده مرضيا مأمونا جاز له ان ينكر ذلك ويحلف عليه ويسلمه الى المقر له وان كان عنده غير مرضى ولا مأمون لم يجز له ذلك ويجب عليه إظهاره ويلزم المقر له إثباته ببينة فإن أثبت له بينة سلم اليه ، وان لم تثبت له بينة كان ميراثا

وإذا قال « لفلان ولفلان أحدهما على مأة دينار » طولبا بالبينة على ذلك فمن ثبت له البينة سلمت المائة اليه وان لم تثبت لأحدهما بينة قسمت بينهما نصفين

وإذا أقر بعض الوارث على الميت بدين كان إقراره جائزا على نفسه ولزمه من ذلك بمقدار ما يخصه من الميراث بغير زيادة على ذلك. فإن أقر بالدين اثنان من الوارث وكانا مرضيي العدالة موثوقا بهما قبلت شهادتهما وأمضيت على باقي الوراث وان لم يكونا مرضيين وجب عليهما من الدين الذي اقرا به بمقدار ما يصيبهما من الميراث.

٤١٩

فان كان على الميت دين وترك مالا دون الدين قضى به الدين ولم يكن هناك وصية ولا ميراث وتقسم ما تركه على أصحاب الدين بحسب حصصهم ان كانوا أكثر من واحد وان كان واحدا سلم اليه ذلك فان وجد متاع بعض أصحاب الدين بعينه وكان فيما بقي من التركة وفاء لدين الباقي من الديان سلم المتاع الى صاحبه وقضى دين الباقين مما بقي من التركة.

وان لم يترك الميت غير ذلك المتاع كان صاحبه وغيره من الديان فيه سواء ، يقتسمونه فيما بينهم على حسب حصصهم.

وإذا أقر المريض بان بعض مماليكه ولده ولم يعينه ولا ميزه من غيره بصفة ومات اخرج منهم واحد بالقرعة والحق به وورث ماله.

وإذا أقر إنسان بان عليه زكاة لعدة سنين وأمر بإخراجها عنه ، وجب إخراجها من أصل المال لأنها بمنزلة الدين ويكون الباقي ميراثا. فان كان عليه شي‌ء من الزكاة وكانت حجة الإسلام قد وجبت عليه وفرط فيها وخلف دون ما يقضى به الحجة والزكاة حج عنه من أقرب المواضع وصرف ما بقي في أرباب الزكاة.

ومن قتل وعليه دين وجب على وليه ان يقضى دينه من ديته سواء كان قتله عمدا أو خطأ فإن كان قتله عمدا وأراد أوليائه القود أو العفو ، لم يجز لهم ذلك الا بعد ان يرضوا أصحاب الدين فان ارضوهم كان لهم بعد ذلك القود أو العفو.

« في منجزات المريض »

وإذا وهب المريض في حال مرضه شيئا وأقبضه كانت الهبة صحيحة ولم يكن للوارث الرجوع فيها. وان لم يكن قبضها ومات ، كانت ميراثا وكذلك حكم ما يتصدق به في حال حياته.

وبيعه في حال مرضه صحيح إذا كان ثابت العقل مالكا لرأيه فان كان المرض قد غلب على عقله كان ذلك باطلا.

وإذا تلفظ الموصى بالوصية وكان ثابت العقل كانت وصيته ماضية فان اعتقل

٤٢٠