المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

بالعفو ، العفو » ، ثم يمضى حتى يصل الى المنارة ، فإذا وصل إليها هرول كالبا (١) الى حد الهرولة ـ الأخرى ـ وهو زقاق العطارين ، ثم يدعو فيقول. « اللهم اهدني للتي هي أقوم ، واغفر لى وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم » ويكرر هذا القول حتى يصل الى الزقاق.

فاذا وصل اليه قطع الهرولة ومشى إلى المروة ، وقال : « يا ذا المن والطول والكرم والجود صل على محمد وآل محمد ، واغفر لى ذنوبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم » ويكرر ذلك حتى يصل الى المروة ، فإذا وصل إليها كبر الله سبحانه وحمده وهلله سبعا وصلى على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : « لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير ، اللهم انى أسألك حسن الظن بك وصدق النية في التوكل عليك ، اللهم افعل بي ما أنت أهله فإنك ان تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني ».

ويقر بذنوبه ويقرء سورة إنا أنزلناه ، فإذا فعل ذلك فقد تم من السعي شوطا ثم ينحدر من المروة ماضيا الى الصفا ويقول فيما بين المروة والزقاق مثل ما قاله أولا في هذا الموضع ، ويقول أيضا في حال الهرولة من الزقاق إلى المنارة ومن المنارة في حال المشي إلى الصفا مثل ما قاله أولا من دعاء وغيره ، ولا يزال كذلك حتى يتم سبعة أشواط فإذا تمم ذلك قصر ، والتقصير هيهنا هو ان يأخذ من جوانب شعره ورأسه ولحيته ولا يحلق رأسه ويقلم أظفاره والأفضل له ان يبقى منها ما يأخذه عند تقصيره للحج ، فاذا اتى بذلك فقد أحل من كل ما أحرم منه الا الصيد ، وجاز له لبس ثياب المخيطة ، غير ان الأفضل ان يقيم على إحرامه إلى يوم التروية ، فإذا حضر هذا اليوم جدد الإحرام للحج فيه.

__________________

(١) لعل مناها : شديدا ، يقال : كلب الدهر على أهله إذا ألح عليهم واشتد ، وفي نسخة « طالبا »

٢٤١

« باب السهو والشك في السعي »

السهو والشك في السعي ضربان : أحدهما يجب منه إعادته ، والأخر لا يجب منه ذلك ، فاما الذي يجب منه إعادته فهو : ان يسهو فيقدم (١) على الطواف ، أو يشك وهو فيه فلا يدرى كم سعى ، أو يسعى ثماني مرات ويكون في الثامنة عند المروة أو يزيد فيه متعمدا ، أو يسهو عنه فلا يذكره حتى صار في بلده ، فعليه الرجوع لقضائه فان لم يتمكن من ذلك أمر من يسعى عنه.

واما الذي لا يجب منه إعادته فهو : ان يسهو فيزيد فيه وقد بدء بالصفا ، فليطرح الزيادة ويتم سبعين (٢) ان شاء ذلك ، أو يسعى تسع مرات ويكون في التاسع عند المروة فلا شي‌ء عليه ، أو يسهو فينقص شوطا أو أكثر ثم يذكره فعليه إتمامه ، أو يسهو عن الرمل (٣) ويذكر ذلك في حال السعي ، فليعد الى المكان الذي سهى عنه فيه ثم يأتي بالرمل ان شاء الله.

« باب التقصير بعد سعى العمرة المتمتع بها الى الحج ».

إذا فرغ المتمتع من هذا السعي فليقصر ، وذلك ان يأخذ شيئا من شعره وأظفاره ولا يلحق رأسه ، فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه الا الصيد والأفضل له البقاء على إحرامه وترك لبس المخيط من الثياب الى ان يجدد الإحرام بالحج ، فاما ما يلزمه على حلق رأسه هاهنا وما عليه أيضا إذا نسي التقصير حتى أحرم بالحج من الدم ، فقد تقدم ذكره.

__________________

(١) تحتمل النسخة أن تكون الكلمة « فيقدمه »

(٢) تثنية سبع اى أربع عشرة مرة ولكن الاصطلاح الدارج هو الأسبوع

(٣) الرمل بالتحريك : الهرولة

٢٤٢

« باب تجديد الإحرام بالحج في يوم التروية »

أحكام هذا الإحرام وشروطه ، كأحكام وشروط الإحرام المتقدم ، الا فيما نذكره الان وهو : ان هذا الإحرام ينبغي ان يعقده يوم التروية عند الزوال ، فان لم يتمكن من ذلك ففي الوقت الذي يعلم انه يلحق معه الوقوف.

ويذكر المحرم بالحج في إحرامه الحج فقط ، ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال فإن نسي وأحرم بالعمرة وقد كان التي بأركان الحج ، أجزأه ذلك بالنية ، فإن نسي الإحرام ولم يذكره حتى صار بعرفات أحرم بها ، فان لم يذكر ذلك حتى قضى مناسكه كلها لم يلزمه شي‌ء.

والمتمتع بالعمرة إلى مكة ليلة عرفة ، جاز له ان يعقد الإحرام بالحج بعد ان يطوف ويسعى ، فان دخلها يوم عرفة جاز له ذلك أيضا الى زوال الشمس ـ فاذا زالت فقد فاتته العمرة وبطل كونه متمتعا وكانت حجته مفردة ـ هذا (١) إذا علم انه يلحق عرفات ، فان لم يعلم ذلك وغلب على ظنه انه لا يلحقها ، لم يجز له ان يحل بل عليه ان يقيم على إحرامه الأول ويجعل حجته مفردة ، لأنه لا يصح مع ما ذكرناه غير ذلك.

« باب كيفية هذا الإحرام »

قد ذكرنا فيما تقدم ان يوم التروية (٢) هو الثامن من ذي الحجة ، فإذا حضر هذا اليوم ، فينبغي لمن يريد تجديد الإحرام ان يغتسل ويلبس ثوبي إحرامه ، ويمضى

__________________

(١) إشارة إلى أصل المسئلة

(٢) في النسخ بزيادة كلمة « الواو » هنا

٢٤٣

الى المسجد الحرام فيصلي فيه ويعقد إحرامه عند المقام ، فاذا قصد المسجد فيقول « اللهم انى خرجت إليك راضيا ، ولما قلت مسلما وبمن أرسلت مصدقا ، ولما مننت شاكرا ، وبما أنعمت عارفا فصل على محمد وآل محمد ، واجعل توجهي إليك سببا لكل خير ، وجملني بلباس التقوى ، فارزقني الخضوع والخشوع وجنبني الرياء والسمعة برحمتك ».

ثم يدخل المسجد ، وإذا دخله فليكن دخوله بسكينة ووقار ، فإذا أراد ان يطوف بالبيت تطوعا جاز له ذلك ، ثم يصلى عند المقام ركعتين ويجلس الى زوال الشمس فاذا زالت صلى ست ركعات أو ركعتين كما قدمناه.

ويصلى فريضتي الظهر والعصر ان تمكن من ذلك والا صلى الظهر ، فاذا فرغ دعا الله تعالى بما أراد وصلى على النبي وآله صلى الله عليهم.

ثم عقد النية للإحرام بالحج وصار الى عند المقام وهو أفضل المواضع التي يعقد الإحرام منها ، فاذا وصل إليها دعا فقال « صدق الله الذي لا إله الا هو ، وبلغت رسله الكرام ونحن على ذلك من الشاهدين والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع كتابك وسنة نبيك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك ، اللهم انى أريد ما أمرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقوني عليه ويسره لي وسلم لي مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك وحجاج بيتك الذي رضيت عنهم وارتضيتهم اللهم ان عرض على عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على ، أحرم لك جسدي وشعري وبشرى ولحمي ودمي وعصبي وعظامي من النساء والطيب والثياب ».

ثم يأتي بالتلبيات الأربع المفروضة وقد سلف ذكرها ، ثم يقول « لبيك بحجة تمامها عليك ». ولا يرفع صوته بذلك ، فان كان نائبا عن غيره يقول « اللهم انى أريد

٢٤٤

الحج عن فلان على كتابك وسنة نبيك ، فيسره لي وسهلة على » ، ويقول بعد الإحرام « اللهم ما أصابني من تعب أو نصب ، فاجر فلانا فيه وأجرني في قضائي عنه » ، وإذا لبى قال في أخر التلبية « لبيك عن فلان بن فلان لبيك » ، ثم يخرج متوجها الى منى.

« باب الخروج إلى منى بعد الإحرام بالحج »

إذا أراد الحاج بعد إحرامه ـ كما قدمنا القول به ـ الخروج إلى منى ، فالأفضل له ان لا يخرج من مكة إليها ، حتى يصلى الظهر يوم التروية إلا الإمام خاصة فإن عليه ان يصلى الظهر والعصر بمنى ويقيم بها الى طلوع الشمس من يوم عرفة ثم يمضي الى عرفات.

فاذا توجه الحاج من مكة إلى منى فينبغي له ان يقرء سورة إنا أنزلناه ، فإذا بلغ الرقطاء دون الردم (١) وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبيات الأربع المفروضة واتبعها بالمندوبة ، وقد سلف بيان جميع ذلك ، ويقول : « اللهم إياك أرجو ولك أدعو ، فبلغني أملي وأصلح لي عملي ». حتى يصل الى منى ، فاذا وصل إليها قال : « الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا ، وبلغنيها في عافية سالما ، اللهم هذه منى وهو (٢) مما مننت به علينا ، فاسئلك ان تمن على ما مننت به على أنبيائك وأوليائك وأهل طاعتك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك فصل على محمد وآل

__________________

(١) الرقطاء : موضع دون الردم ، يسمى مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم و « الردم » اى السد ، ومنه الردم بمكة وهو حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم ويعبر عنه الان بالمدعى

(٢) كذا في النسخ وفي الوسائل « وهذه » وهو الأصح ، ج ١٠ الباب ٦ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ، الحديث ٢

٢٤٥

محمد ، واغفر لي ذنوبي واقض حوائجي » ، ثم ينزل ويصلى العشائين والفجر ، فاذا صلى الفجر غدا الى عرفات.

« باب الغدو الى عرفات والوقوف بها وما يتعلق بذلك من الأحكام »

فاذا غدا الى عرفات ، قال : « اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت ، وأمرك اتبعت وقولك صدقت ، فاسئلك ان تبارك لي في رحلتي ، وان تقضى لي حاجتي وتنجح لي (١) طلبتي ، وان تباهي بي اليوم من هو أفضل مني اللهم صل على محمد وآل محمد واعنى على تمام مناسكي ، وزك عملي واجعلها خير غدوة غدوتها ، أقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك.

ثم يلبى التلبيات كلها يرفع صوته ويقرء إنا أنزلناه ، ولا يزال ملبيا حتى يصل الى عرفات ، فاذا وصل إليها ضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرفة ، ولا يقطع التلبية بها الى زوال الشمس من يوم عرفة ، فاذا زالت قطعها واغتسل ودعا عند غسله فقال : « بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا والعيوب ، حتى تتوفاني وأنت عني راض ».

ويكبر الله سبحانه ويهلله ، ثم يصلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثم يتوجه الى الموقف فيقف به ، وأفضل مواضع الوقوف بها ميسرة الجبل قريبا من الميل ، ولا يجوز ان يقف بنمرة ولا بثوية ولا ذي المجاز ، ولا يرتفع الى الجبل إلا لضرورة شديدة ، فإذا وقف توجه إلى القبلة ويسبح الله تعالى مأة مرة وحمده مأة مرة وهلله مأة مرة وكبره مأة مرة وقال ( ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللهِ ).

ثم يقول : « لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير » ، ويقرء عشر آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة من قوله : ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما

__________________

(١) في النسخ « في طلبتي »

٢٤٦

فِي الْأَرْضِ ) إلى آخرها ، ويقرء آية السخرة وهي ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ، إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (١).

ويقرء قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ويقول : « اللهم انى عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك ، وارحم مسيري إليك ، اللهم رب المشاعر الحرام كلها فك رقبتي من النار وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع على من رزقك وادرء عنى شر فسقة الجن والانس ، اللهم انى أسألك بحولك وقوتك ومجدك وكرمك ومنك وفضلك يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين ان تصلى على محمد وآل محمد وان تغفر لي وترحمني وتفعل بي كذا وكذا ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة » (٢).

ويقر بما يعرفه من ذنوبه (٣) ويعترف به ذنبا ذنبا ، ويستغفر الله تعالى في جملة لما يعرفه ولا يذكره ، ويرفع يديه الى السماء ويقول : « اللهم حاجتي ـ التي إن أعطيتنيها (٤) لم يضرني ما منعتني (٥) فان منعتنيها لم ينفعنى ما أعطيتني ـ فكاك رقبتي من النار اللهم انى عبدك ، ناصيتي بيدك واجلى بعلمك ، أسألك أن توفقني لما

__________________

(١) الأعراف ، ٥٦ ـ ٥٣ لاحظ الوسائل ، ج ١٠ ـ باب ١٤ استحباب الوقوف بعرفات على سكينة ، الحديث ٤

(٢) الوسائل ، ج ١٠ ـ الباب ١٤ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة الحديث ١

(٣) وفي بعض النسخ « من توبة »

(٤) وفي بعض النسخ « أعطيتها »

(٥) وفي بعض النسخ « منعتنيها »

٢٤٧

يرضيك عنى وان تسلم لي مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك عليه‌السلام ، ودللت عليها بنبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

اللهم اجعلني ممن رضيت عمله ، وأطلت عمره وأحييته بعد الممات حياة طيبة ، الحمد لله على نعمائه التي لا تحصى بعدد ، ولا تكافئ بعمل ، الحمد لله على عفوه بعد قدرته ، الحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه ».

ويكثر من الدعاء ويحذر ان يشغله الشيطان عن الدعاء بالنظر الى الناس ، فقد ذكر أنه ليس شي‌ء أحب إليه من ان يذهل الناس في الموقف عن ذلك ، ويدعو بعد ما ذكرناه بدعاء الموقف ان أراد ذلك.

« باب دعاء الموقف »

« لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلى العظيم ، سبحان الله رب السموات السبع ، ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك ، وعبدك الذي اصطفيته لرسالاتك ، واجعله يا إلهي أول شافع وأول مشفع ، وابرك قائل وأنجح سائل ».

« اللهم صل على محمد وآل محمد ، أفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم انك تجيب المضطر إذا دعاك ، وتكشف السوء وتغيث المكروب وتشفي السقيم ، وتغنى الفقير وتجبر الكسير ، وترحم الصغير وتعين الكبير ، وليس فوقك أمير وأنت العلي الكبير ، يا مطلق المكبل (١) والأسير يا رازق الطفل الصغير ، يا عصمة الخائف المستجير يا من لا شريك له ولا وزير ».

« اللهم إنك أعظم من دعي وأسرع من أجاب ، وأكرم من عفا وخير من اعطى ، وأوسع من سأل ورحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ليس كمثلك شي‌ء مسئول ولا معط ، دعوتك فأجبتني وسألتك فأعطيني ، وفزعت إليك فرحمتني ، وأسلمت

__________________

(١) الكبل : القيد ، تقول كبلت الأسير إذا قيدته فهو مكبل

٢٤٨

نفسي إليك فاغفر لي ولوالدي وولدي وكل سبب ونسب في الإسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ».

« اللهم انى أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك ، من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصة آلائك ، ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت على منذ أنزلتني الى الدنيا ، بركة في عصمة من ديني وخاصة نفسي وقضاء حوائجي ، وتشفيعي في مسائلي وإتمام النعمة على وصرف السوء عنى وألبسني ثوب العافية ، وان تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك ، انك جواد كريم ».

« اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد منى ، فبلغنيها (١) من قابل مع حجاج بيتك الحرام ، والزوار لقبر نبيك عليه‌السلام في اعفى عافيتك ، وأعم نعمتك وأوسع رحمتك ، وأجزل قسمك وأسبغ رزقك وأفضل الرجاء ، وانا لك على أحسن الوفاء انك سميع الدعاء ».

« اللهم صل على محمد وآل محمد ، واسمع دعائي وارحم تضرعي ، وتذللي واستكانتي وتوكلي عليك ، وانا لك سلم لا أرجو نجاحا ولا معافا ولا تشريفا الا بكرمك ، فامنن على بتبليغي هذه العشية من قابل ، وأنا معافا من كل مكروه ومحذور من جميع البوائق ، واعنى على طاعتك وطاعة أوليائك ، الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك ».

« اللهم صل على محمد وآل محمد ، وسلمني في ديني وامدد لي في أجلي ، وأصلح (٢) لي جسمي ، يا من رحمنى وأعطاني سؤلي ، واغفر لى ذنبي انك على كل شي‌ء قدير ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتمم لي نعمتك فيما بقي من عمرى ، حتى تتوفاني وأنت عني راض ، اللهم صل على محمد وآل محمد ،

__________________

(١) وفي بعض النسخ « حتى تبلغها » وفي نسخة المقنعة « حتى تبلغنيها »

(٢) وفي المقنعة « وأصح » ، ص ٦٥

٢٤٩

ولا تخرجني عن ملة الإسلام ، فإني اعتصمت بحبك ولا تكلني إلى غيرك ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعلمني ما ينفعني ، واملا قلبي علما وخوفا من سطواتك ونقماتك ، اللهم انى أسألك مسئلة المضطر إليك ، المستجير من عذابك ، الخائف من عقوبتك ان تغفر لي بعفوك وتحنن على برحمتك ، وتجود على بمغفرتك وتؤدى عنى فريضتك ، وتغنيني بفضلك عمن سواك من (١) أحد من خلقك ، وان تجيرني من النار برحمتك ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لي (٢) فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأظهر حجته بوليك واحى سنته بظهوره حتى يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك ولا يستخفى أحد بشي‌ء من الحق مخافة أحد من الخلق ».

« اللهم إني أرغب إليك في دولته الشريفة الكريمة ، التي تعز بها الإسلام واهله ، وتذل بها الشرك واهله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقائدين (٣) في سبيلك ، وارزقني كرامة الدنيا والآخرة ، اللهم ما أنكرناه من الحق فعرفناه ، وما قصرنا عنه فبلغناه ، اللهم صل على محمد وآل محمد واستجب لنا ما دعوناك وسألناك ، واجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى ، وأعطني اللهم سؤالى في الدنيا والآخرة ، انك على كل شي‌ء قدير ».

ثم يجتهد في الدعاء ، فاذا فرغ منه وغربت الشمس ، أفاض من عرفات الى المشعر الحرام.

« باب أحكام الوقوف بعرفات ».

هذه الأحكام على ضربين : واجب ، ومندوب ، فاما الواجب فهو : الوقوف بالموقف الى غروب الشمس ، والإفاضة منه الى المشعر الحرام عند غروبها ، واعادة

__________________

(١) وفي المقنعة « تغنيني بفضلك عن سؤال أحد. »

(٢) وفي المقنعة « وافتح له » وهذه تناسب ما بعدها.

(٣) وفي بعض النسخ « والعابرين » كما في المقنعة

٢٥٠

الحج من قابل إذا تركه متعمدا ، فان نسيه اعاده ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النحر ، فان لم يذكر ذلك الا بعد طلوع الفجر ، وكان قد وقف بالمشعر الحرام ، كان حجه ماضيا ولا شي‌ء عليه.

ولا يخرج أحد من منى الى عرفات الا بعد طلوع الفجر من يوم عرفة ، الا ان يكون مضطرا الى ذلك ، ولا يجوز الحاج منها وادي محسر الا بعد طلوع الشمس من هذا اليوم أيضا ، ولا يرتفع الى الجبل إلا لضرورة ولا يقف تحت الأراك ، ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في ذي المجاز.

واما المندوب فهو : الدعاء في التوجه من منى الى عرفات ، والغسل عند زوال الشمس قبل الوقوف بها ، وضرب الخباء بنمرة وهي بطن عرنة ، والجمع في عرفات بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وان لا يخرج الامام من منى إليها إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة ، ومن سواه يجوز له الخروج قبل ذلك.

« باب الإفاضة من عرفات الى المشعر الحرام ».

ينبغي لمن أراد الإفاضة من عرفات الى المشعر الحرام ان لا يفيض منها الى غيرها حتى تغرب الشمس ، فاذا غربت وأفاض منها قال : « اللهم لا تجعله أخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه ابدا ما أبقيتني واقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك عليك ، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبر والرحمة والرضوان والمغفرة ، وبارك لي فيما ارجع (١) اليه من مال أو أهل أو قليل ، أو كثير ، وبارك لهم في ».

ويقصد في سيره (٢) حتى يصل الى الكثيب الأحمر فإذا وصل اليه وهو عن يمين الطريق ، قال : « اللهم ارحم موقفي ، وزك عملي ، وسلم ديني ، وتقبل مناسكي »

__________________

(١) وفي بعض النسخ « فيما يرجع »

(٢) وفي بعض النسخ يقتصده في مسيره

٢٥١

ثم يمضى حتى يصير عند المأزمين (١) ، فإذا صار عنده قال : الله أكبر أربع مرات ، ثم يقول : « اللهم صل على محمد وآل محمد ، خيرتك من خلقك وآله الطاهرين ، الهى الى هاهنا دعوتني وبما عندك وعدتني ، وقد أجبتك بتوفيقك وفضلك فارحمني وتجاوز عنى بكرمك ».

ثم ينزل المشعر الحرام ، فاذا وصل اليه نزل به ان وجد فيه خللا (٢) وان لم يجد ذلك لكثرة الناس نزل قريبا منه ويصلى فيه العشائين بأذان واحد وإقامتين ، ويؤخر نوافل المغرب الى بعد الفراغ من العشاء الآخرة ، ولا يصليها الا فيه ولو مضى ربع الليل أو ثلثه ، فان لم يبلغ إليه إلى ثلث الليل جاز له ان يصلى المغرب في الطريق.

فاذا فرغ من صلاته بالمشعر ، قال : « اللهم هذه جمع (٣) فأسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تجمع لي فيها جوامع الخير الذي جمعت لانبيائك وأهل طاعتك من خلقك ، وقد أمرت عبادك بذكرك عند المشعر الحرام فصل على محمد وآل محمد ، ولا تؤيسني من خيرك ، وعرفني في هذا المكان ما عرفت أوليائك ، ولا تخيبني فيما رجوتك ، وأعتقني ولوالدي ولجميع المؤمنين من النار برحمتك ».

ثم يجتهد في الصلاة والدعاء طول ليلة (٤) ان تمكن من ذلك الى الفجر ، فاذا طلع الفجر صلى الفريضة ، وتوقف متوجها الى القبلة ودعا بما نورده الان من دعاء الموقف بالمشعر الحرام ، ويجتهد في ذلك الى طلوع الشمس ، فاذا لم يتمكن من ذلك لضرورة ، فإنه يستحب له ان يطأ المشعر برجله مع التمكن منه.

__________________

(١) المأزمان : بكسر الزاء وبالهمز ـ ويجوز التخفيف بالقلب ألفا ـ الجبلان بين عرفات والمشعر.

(٢) الخلل : الفرجة بين الشيئين.

(٣) هو اسم أخر للمشعر.

(٤) في بعض النسخ « ليلة » بالتاء ، والظاهر انها تصحيف.

٢٥٢

« باب الدعاء في الموقف بالمشعر الحرام »

ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر ان يقف منه بسفح الجبل متوجها الى القبلة ، ويجوز له ان يقف راكبا ، ثم يكبر الله سبحانه ويذكر من آلائه وبلائه ما تمكن منه ، ويتشهد الشهادتين ويصلى على النبي وآله والأئمة عليهم‌السلام وان ذكر الأئمة واحدا واحدا ودعا لهم وتبرأ من عدوهم كان أفضل.

ويقول بعد ذلك : « اللهم رب المشعر الحرام ، فك رقبتي من النار ، وأوسع على من الرزق الحلال ، وادرء عنى شر فسقة الجن والانس ، اللهم أنت خير مطلوب اليه ، وخير مدعو وخير مسئول ، ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في موطني هذا ، ان تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وتجاوز عن خطيئتي ، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي برحمتك. »

ثم يكبر الله سبحانه مأة مرة ، ويحمده مأة مرة ، ويسبحه مأة مرة ، ويهلله مأة مرة ، ويصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول : « اللهم اهدني من الضلالة ، وانقدني من الجهالة ، واجمع لي خير الدنيا والآخرة ، وخذ بناصيتي الى هداك وانقلني الى رضاك ، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته ، وذل لك فأكرمته وجعلته علما للناس ، فبلغني فيه مناي ونيل رجائي ، اللهم انى أسألك بحق المشعر الحرام ان تحرم شعري وبشرى على النار ، وان ترزقني حياة في طاعتك وبصيرة في دينك وعملا بفرائضك ، وابتاعا لاوامرك وخير الدارين جامعا ، وان تحفظني في نفسي وولدي ولوالدي وأهلي وإخواني وجيراني برحمتك.

ويجتهد في الدعاء والمسئلة والتضرع الى الله سبحانه الى حين ابتداء طلوع الشمس ، فاذا طلعت أفاض من المشعر الحرام إلى منى ، ويأخذ حصى الجمار منه ومن الطريق ، ولا يفيض قبل طلوع الشمس ، ويسير بسكينة ووقار ، ويذكر الله سبحانه ويصلى على النبي وآله عليهم‌السلام. ويجتهد في الاستغفار حتى يصل وادى محسر ، فاذا وصل الى هذا الوادي سعى فيه ، فان كان راكبا حرك دابته حتى يجوزه ، وهو يقول :

٢٥٣

« اللهم سلم عهدي ، واقبل توبتي واجب دعوتي واخلفني فيمن تركت بعدي » ثم يمضي إلى منى.

« باب أحكام الوقوف بالمشعر الحرام »

هذه الأحكام على ضربين : واجب ، ومندوب ، فالواجب : هو الوقوف به ، وذكر الله سبحانه والصلاة على النبي وإله عليهم‌السلام ، والرجوع الى منى بعد ذلك ، واعادة الحج من قابل إذا ترك هذا الوقوف متعمدا ، وكذلك يجب عليه إذا أدرك المشعر بعد طلوع الشمس ، فإن أدركه قبل ذلك كان الحج ماضيا ، ولا يرتفع الوقوف بالمشعر الحرام الى الجبل ، إلا لعائق من ضيق أو ما أشبهه.

ولا يخرج أحد من المشعر قبل طلوع الفجر ، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس أيضا ، ولا يخرج الامام من المشعر الا بعد طلوع الشمس مع التمكن من ذلك.

واما المندوب : فهو الدعاء عند الإفاضة إلى المشعر الحرام ، والاقتصاد في السير اليه ، والدعاء عند الكثيب الأحمر ، والسعي عند وادي محسر حتى يجوزه ، والدعاء عند هذا الوادي ، ويجمع بين العشائين بأذان واحد وإقامتين ، وان لا يصلى بين العشائين نوافل ، بل يؤخر ذلك الى بعد صلاة عشاء الآخرة.

« باب الرجوع من المشعر الحرام إلى منى ليقضى المناسك بها »

ينبغي للحاج إذا فرغ من الوقوف بالمشعر الحرام الرجوع الى منى ويقضى مناسكه بها ، وهذه المناسك ثلاثة أشياء ، وهي رمى الجمار ، والذبح ، والحلق.

« باب رمى الجمار »

إذا أردنا أن نبين رمى الجمار ، فينبغي ان نبين ما يجوز الرمي به من هذا الحصا ، فهو الذي يأخذ من جمع أو من مني أو من الطريق إذا عاد الحاج من المشعر

٢٥٤

الحرام إلى منى ولم يتمكن من أخذها من جمع ولا من منى ، و (١) يجوز أخذها من جميع الحرم الا ما سنذكره.

وينبغي ان يكون برشا (٢) منقطة ، كحلية ، ولا يكسرها ، ويكره ان يكون صما ، ولا يأخذ الحصى للرمي من خارج الحرم ، ولا حصى المسجد الحرام ، ولا مسجد الخيف ، وينبغي للعائد من المشعر الحرام إلى منى يوم النحر ان يرمى الجمرة القصوى وحدها بسبع حصيات ، ولا يرمى غيرها في هذا الوقت ، بل يرمى الجمار الثلاث بعد رجوعه من مكة وفراغة من طواف الحج وسعيه في أيام التشريق ، وهي ـ الثاني والثالث والرابع من يوم النحر ، في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة كل واحدة بسبع حصيات ، فتكون جملة الحصى سبعين حصاة ، يرمي منها يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات ، ويبقى منها ثلاث وستون حصاة ، يرمى في أيام التشريق الجمار الثلاث ، في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة ، لكل واحدة سبع حصيات.

فإذا أراد الحاج رمى الجمار بهذه الحصيات ، فينبغي ان يكون على طهر ، ويقف متوجها الى القبلة ، ويجعل الجمرة عن يمينه ، ويكون بينه وبينها مقدار عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا من بطن الميل ، ويأخذ الحصاة فيضعها على باطن إبهامه ويدفعها بالمسبحة ، وقيل بل يضعها على ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبحة.

ويقول : « اللهم هذه حصياتي ، فأحصهن لي وارفعهن في عملي ، بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، الله أكبر اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا ، وعملا مقبولا وذنبا مغفورا » ويقول ذلك مع كل حصاة ، ويجزيه ان يذكر ذلك مع الاولى ، ويكبر مع كل واحدة ، أو يكبر مع الكل ، لكل واحدة تكبيرة ، ويفعل ذلك حتى يتم رمى السبع حصيات ،

__________________

(١) في بعض النسخ بزيادة كلمة « لا » هنا ، والظاهر انها تصحيف بقرينة قوله بعد أسطر « ولا حصى المسجد الحرام. » وعدم نقل الخلاف في المسألة.

(٢) البرش بالضم : المشتملة على ألوان مختلفة.

٢٥٥

فاذا ثم ذلك رجع الى رحله بمنى ، وهو يقول : « اللهم بك وثقت ، وعليك توكلت فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير »

فان كان نائبا من غيره قال عند رمى الجمرة : « اللهم ان هذه الحصيات عن فلان بن فلان ، فأحصهن له وارفعهن في عمله ، واجعله له حجا مقبولا وسعيا مشكورا وعملا مبرورا ، وأثبني على أدائي عنه » ويدعو له ولنفسه بما أراد ، ثم يبتاع الهدى

« باب السهو في رمى الجمار وغيره »

إذا لم يرم الحاج الجمار الى ان غابت الشمس ، لم يجز له الرمي الا من الغد بكرة ، ولا يرمى ليلا إلا لضرورة من خوف أو غيره الا ان يكون امرأة أو عبدا فإنه يجوز لهما ذلك.

وينبغى ان يرمى من (١) يحج به من صبي ومن لا يقدر على ذلك لمرض أو غيره ، فإذا نسي الرمي حتى اتى مكة كان عليه ان يرجع ليقضى ذلك ، وان لم يذكره حتى عاد إلى أهله لم يكن عليه شي‌ء ، فان عاد حاجا قضاه ، فان لم يحج ، أمر من يقضى عنه ، وإذا بدء بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ، أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.

فاذا سهى فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ، ورمى الجمرتين الأخيرتين على التمام ، أعاد عليها كلها ، فان كان قد رمى الاولى بأربع ، ثم تمم الرمي على الأخيرتين ، أعاد على الاولى بثلاث حصيات ولم يعد على الباقي ، وكذلك إذا رمى الوسطى بأقل من أربع ، أعاد عليها وعلى ما بعدها ، فان كان رماها بأربع تممها ولا اعادة عليه الثالثة.

وإذا علم انه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي الجمار هي ، أعاد على كل واحدة منهن بحصاة ، ومن كان عليه رمى يومين ، رماها كلها يوم النفر ، وإذا فاته رمى لأمسه رمى ما فاته من ذلك من الغد بكرة ، وما كان مخصوصا بيومه رماه عند الزوال ،

__________________

(١) الصحيح « عن من ».

٢٥٦

وإذا رمى جمرة بحصاة فوقعت في محله (١) أعاد مكانها غيرها ، فإن أصابت شيئا (٢) ووقعت على الجمرة فلا اعادة عليها.

« باب أحكام الهدى وذبحه أو نحره ».

الهدى لا يكون الا من الإبل أو البقر أو الغنم ، فان كان من الإبل فيجب ان يكون ثنيا من الإناث ، وهو الذي تمت له خمس سنين ودخل في السادسة ، وان كان من البقر ، فيكون ثنيا من الإناث أيضا فما فوق ذلك ، والثني منها هو الذي تمت له سنة ودخل في الثانية ، وان كان من الضأن فجذعا فما فوقه وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية.

ويجب ان لا يكون ناقص الخلقة ، ولا أعور بين العور ، ولا أعرج بين العرج ، ولا عجفاء (٣) ولا أجذم ، ولا أجذع (٤) وهو المقطوع الاذن ، ولا خصيا ، الا ان لا يقدر على غيره ، ولا اعضب وهو المكسور القرن ، الا ان يكون الداخل صحيحا والخارج مقطوعا ، فإنه يجوز إذا كان كذلك ويحضر به عرفات ، ولا يجزى الهدى الواحد عن أكثر من واحد ، إلا في حال الضرورة فإنه يجزى عن أكثر من ذلك.

وإذا ضل الهدى عن صاحبه ، فوجده غيره فذبحه بغير منى ، كان على صاحبه العوض لأنه انما يجزى عنه إذا ذبحه بمنى.

__________________

(١) كذا في بعض النسخ ، وفي الرواية «. فوقعت في محمل. » راجع الوسائل ، ج ١٠ ، الباب ٦ من أبواب رمى جمرة العقبة ، ص ٧٢.

(٢) في بعض النسخ « ستا » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن.

(٣) العجفاء : الضعيفة المهزولة.

(٤) كذا في بعض النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « اجدع » بالدال بالمهملة وفي دعائم الإسلام ، ص ٣٢٧ « نهى عن الجدعاء » وفي الفقيه ، باب الأضاحي ، ح ٣٠٤٨ « لا يضحى. ولا بالجدعاء. والجدعاء المقطوعة الاذن » وفي التهذيب ، ج ٥ ، ص ٢١٣ ، ح ٧١٦ « ولا بالجذاء. والجذاء مقطوعة الاذن » نعم في الوسائل المطبوعة حديثا ج ١٠ ، ص ١١٩ « ولا بالجذعاء. » بالمعجمة ولكنها أيضا تصحيف بقرينة كونها مهملة في المطبوعة قديما

٢٥٧

وينبغي لصاحب الهدى ان لا يأكل منه إذا كان قد وجب عليه في نذر أو كفارة ، فإن أكله من غير ضرورة كان عليه الفداء ،

ولا ابتياعه مهزولا (١) ـ وهو عالم بذلك ـ وحد الهزال الذي لا يجوز معه ذلك هو ان لا يكون على كليتيه شحم وان اشتراه على انه سمين فخرج مهزولا كان مجزيا ، ولا يجزى المهزول الا بان لا يقدر على غيره.

وينبغي ان يجعل حكم ما ينتج من الهدى حكم امه في وجوب النحر أو الذبح وإذا ضاع الهدى بعد تقليده وإشعاره واشترى عليه ، ثم وجد الأول وأراد ذبح (٢) الثاني فعليه ذبح الأول معه ، لأنه إنما يجوز له بيع الثاني إذا اختار ذبح الأول ، فان لم يكن أشعر الأول ولا قلده ، كان مخيرا في ذبح أيهما شاء والأفضل ذبحهما جميعا

ولا ينبغي تأخير الذبح بمنى الى بعد الحلق الا ان يكون ناسيا ، وإذا لم يقدر على ابتياع الهدى ، فينبغي ان يترك ثمنه عند ثقة يشتريه به ويذبحه عنه في العام المقبل ، وإذا لم يقدر المتمتع على هدى التمتع كان عليه صوم عشرة أيام ، سبعة منها إذا رجع الى اهله ، وثلاثة في الحج وهي يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، فان لم يتمكن من ذلك صام ثلاثة أيام بعد التشريق ، فان لم يقدر صام باقي ذي الحجة

فإن دخل عليه المحرم ولم يكن صام من ذلك شيئا كان عليه دم. والسيد إذا أمر عبده بالحج متمتعا ، كان عليه ان يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، فإن أعتق العبد قبل الوقوف بالموقفين ، كان عليه الهدى ، والحاج يصوم صوم الهدى عمن يلي أمره إذا مات قبل ان يصومه.

ومن نذر ذبح هدي في مكان معين ، وجب عليه ذبحه في ذلك المكان ، فان ولم يعين ذلك ذبحه بفناء الكعبة (٣) وهدي المتعة ينبغي ان يذبح في أيام ذي الحجة

__________________

(١) في بعض النسخ هنا اضافة « كان مجزيا » الا انها مضروبة عليها بالقلم ولكن الظاهر لزومها

(٢) كذا في بعض النسخ والظاهر انها تصحيف ، والصحيح « بيع الثاني »

(٣) بفناء الكعبته : سعة أمامها ـ وقيل ما امتد من جوانبها دورا وهو حريمها خارج المملوك منها ومثله فناء الدار

٢٥٨

ولا يتجاوز به ذلك ، وان كان أحرم بالحج ذبحه بمنى ، وان كان للعمرة المفردة ذبحه بالحزورة مقابل الكعبة ، وأيام الذبح بمنى أربعة وهي ـ يوم النحر وثلاثة بعدها وفي سائر الأمصار ثلاثة أيام أولها يوم النحر ويومان بعدها.

ويستحب له ان يتطوع بالهدي ، إذا لم يكن متمتعا ، وإذا صام ثلاثة الأيام بمكة ثم تمكن من الهدى فليهده ، وينبغي ان ينحر ما يجب نحره ، قائماً مربوط اليدين بين الخف والركبة ، ولا يأخذ من جلده شيئا بل يتصدق به ، والذابح ينبغي ان يتولى الذبح بنفسه ، فان لم يستطع ذلك وضع يده مع الذابح

ويسمى بسم الله عند الذبح ، ولا يترك التسمية فإنها واجبه ، ومتى تعمد تركها لم يجز أكل ما ينحره أو يذبحه فان كان ناسيا جاز له ذلك ، ويدعو عند الذبح وان جمع بين الهدى والأضحية كان أفضل ، وان كان نائبا عن غيره ذكره عند الذبح

وينبغي ان يقسم ذلك ثلاثة أقسام : يأكل الواحد ـ الا ان يكون هدى نذرا أو كفارة ، فإنه ان كان كذلك لم يجز أكل شي‌ء منه ـ ويهدى قسما آخر ، ويتصدق بالثالث.

فاما الأضحية فهي مندوبة وشروطها شروط ذبح الهدى سواء ، والأيام التي ينبغي نحرها أو ذبحها فيها هي الأيام التي ينبغي نحر الهدى أو ذبحه فيها ، وقد سلف ذكر ذلك.

« باب الحلق »

إذا ذبح الحاج هديه أو نحره اغتسل وقصر من شعره أو حلق ، والتقصير هو الواجب والحلق مندوب ، فان كان الحاج صرورة (١) فقد ذكر انه لا يجزيه الا الحلق ، ومن لم يكن صرورة ، فالتقصير يجزيه الا ان الحلق أفضل.

والحلق يجب ان يكون بمنى ، فإن نسي حتى خرج منها رجع إليها ليقصر أو يحلق بها ، فان لم يتمكن من ذلك حلق في موضع الذكر له وينفذ شعره ليدفن

__________________

(١) الصرورة هو الذي لم يحج بعد.

٢٥٩

بها ، وليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير وينبغي لمن أراد التقصير أو الحلق ان يغتسل ويستقبل القبلة ، ويقصر من شعر رأسه ولحيته وأظفاره وان شاء حلق ، ويكون الابتداء بالحق من الناصية من القرن الأيمن إلى الأذنين ، فان لم يكن على رأسه شعر أمر الموسى عليه.

ويدعو عند ذلك ويقول : « اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفة » فإن كان نائبا عن غيره قال : « اللهم هذا عن فلان ، اللهم حرم شعره وبشره من النار » فاذا فرغ من ذلك فينبغي ان يدخل مكة لزيارة البيت ويرجع الى منى.

« باب الدخول إلى مكة من منى لزيارة البيت والرجوع الى منى »

من فرغ من التقصير أو الحلق ، فينبغي ان يتوجه إلى مكة من يومه أو من الغدوة (١) ولا يؤخر ذلك ، ليزور البيت بطواف الزيارة وهو طواف الحج ويسعى سعيه ، وينبغي ان يغتسل ان توجه إلى زيارة البيت في اليوم الثاني من يوم النحر ، فان كان توجهه الى ذلك يوم النحر كان الغسل الذي فعله عند الحلق مجزيا له عن ذلك

ويذكر الله سبحانه في توجهه إلى مكة ، ويأتي من حمده والثناء عليه بما امكنه ويصلى على النبي وإله عليهم‌السلام بما أمكن أيضا ، ويدعو فيقول : « اللهم انى أريد بتوجهي هذا زيارة بيتك الحرام غير راغب عن مشاعرك العظام ، فأسألك أن تعينني على نسكي ولا تجعله آخر العهد منى يا ذا الجلال والإكرام » ويقرء سورة « إنا أنزلناه ».

فإذا وصل الى مكة قال : « الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما ، اللهم انى عبدك والبلد بلدك ، والبيت بيتك ، حيث اطلب رحمتك ، متبعا لأمرك راضيا بقدرك ، فأسألك المضطر الخائف المشفق من عذابك ان تلبسني عفوك وتجيرني من النار بحرمتك » (٢)

__________________

(١) وفي بعض النسخ : الغد.

(٢) الوسائل ج ـ ١٠ ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث : ١.

٢٦٠