المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

وفي الكرم (١) انعقاد الحصرم ، وفي البطيخ حصول النضج فيه. وفي القثاء والخيار ان ينتهي كبر بعضه.

وان كانت الثمار مختلفة أو غير مختلفة وهي في بستان واحد وبدا صلاح بعضها يصح بيع الجميع. وان كانت أجناسا مختلفة.

وإذا كانت في بساتين وظهر صلاحها في البستان الواحد ولم يظهر في الأخر لم يصح بيع شي‌ء من ثمار البستان الذي لم يبد صلاح شي‌ء من ثمرته ، ولا يضم مع ثمار البستان الأخر لأن لكل بستان حكم نفسه.

والأرض إذا كان فيها أصول القثاء والبطيخ والخيار والباذنجان وقد حملت وباع شيئا من ذلك فعلى ضربين اما ان يكون باع الحمل الظاهر منفردا أو يكون باعه مع الأصول ، وان كان باع الحمل الظاهر دون الأصول وكان قبل بدو صلاحه لم يجز بيعه الا بشرط القطع فاما مطلقا ، أو بشرط التبقية الى أو ان اللقاط والبلوغ فلا يصح ، فان كان قد بدا صلاحه جاز بيعه بشرط القطع والتبقية الى أو ان اللقاط والبلوغ ويجوز أيضا بيعه مطلقا من غير شرط.

وإذا كان قد اشتراه ولقطه فقد استوفى حقه ، فان تركه حتى اختلط بحمل حادث بعده وكان الحملان يتميزان ، كان الأول للمشتري والثاني للبائع. وان لم يكن ذلك متميزا قيل للبائع : سلم الجميع إلى المشترى ، فان فعل أجبر المشترى على قبوله ومضى البيع لأنه زيادة ، وان امتنع البائع من ذلك وفسخ البائع (٢) من ذلك فسخ البيع.

وإذا باع إنسان ثمرة بستان واستثنى من ذلك نخلات معينة ، أو أرطالا معلومة كان البيع صحيحا وان استثنى ما لم يعينه لم يصح البيع : فان قال للمشتري : بعتك هذه الصبرة إلا مكوكا (٣) كان البيع صحيحا لان ذلك معلوم وان قال بعتك هذا

__________________

(١) الكرم : العنب ، والحصرم أول العنب.

(٢) في المبسوط : فسخ الحاكم البيع.

(٣) المكوك كرسول : المد وقيل : الصاع.

٣٨١

الثوب بدينار الا درهما لم يصح البيع لان الدرهم ليس من جنس الدينار ولا معلوم كم هو منه في حال انعقاد البيع فان قال بعتك هذه الثمرة بأربعة الاف الا (١) ما يخص ألفا منها كان البيع صحيحا ، ويكون المبيع منها نصفها وربعها لأن الذي يخص ألفا منها ربعها.

وان قال بعتكها بأربعة الاف الا ما يساوي ألفا منها بسعر اليوم لم يصح ذلك ، لان ما يساوي ألف درهم من الثمرة لا يعلم قدره فيكون مجهولا.

فان باع ثمرتها على رؤس النخل بعد بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها وأصابتها جائحة (٢) نظر فيها ، فان كان قبل التسليم فان هلك الجميع بطل البيع ووجب على البائع رد الثمن على المشترى ، فان هلك البعض انفسخ البيع في الهالك دون الباقي ويأخذ بحصته من الثمرة.

وان كانت الهلاكة بعد التسليم لم ينفسخ البيع.

وإذا باع شاة واستثنى جلدها أو رأسها أو كارعها (٣) في سفر كان أو حضر لم يصح البيع وان فعل ذلك كان له مقدار الجلد والرأس وما يستثنيه من أطرافها.

وإذا هلك المبيع قبل القبض وكان ثمرة مجذوذة مقطوعة على الأرض ـ فإن القبض فيها ، النقل لأنها مما ينقل ويحول ـ فان فيها الأربعة الأقسام التي سلف ذكرها.

وان كانت على رؤس الشجرة ـ والقبض فيها التخلية بينها وبين المشتري ـ فإذا هلك قبل ذلك ، فيها أيضا الأربعة الأقسام السالف ذكرها وان كان هلاكه بعد التخلية قبل الحصاد كانت من مال المشتري لأن بالتخلية تكون مقبوضة وهلاك المبيع بعد القبض غير مؤثر في صحة البيع بغير خلاف في ذلك.

وان كان المبيع غير ثمرة بل مثل الحيوان ، أو العقار والعروض وما جرى

__________________

(١) الاستثناء راجع الى المبيع.

(٢) الجائحة : الآفة التي تهلك الثمار.

(٣) الكراع من الدواب : ما دون الكعب ، اى الساق والذراع.

٣٨٢

مجرى ذلك فهلاكه لا يخلو من ان يكون بأمر سماوي أو بإهلاك البائع ، أو أجنبي ، أو المشترى.

فان كان سماويا انفسخ البيع لأن الإقباض فيه غير متمكن ، فان كان المشترى قد سلم الثمن إلى البائع وجب رده عليه وان لم يكن سلمه إليه فقد برء منه ولم يلزمه منه شي‌ء على كل حال.

وان كان البائع أهلكه انفسخ البيع أيضا لمثل ما قدمناه من ان الإقباض فيه غير ممكن.

وان كان الأجنبي أهلكه كان المشترى مخيرا بين فسخه واسترجاع الثمن ان كان قد سلمه وبين إمضاء البيع والرجوع عليه بالقيمة ، لأن الأجنبي يصح الرجوع بذلك عليه.

فان كان المشتري أهلكه لم ينفسخ البيع وكان ماضيا ولازما له ويكون إهلاكه كذلك بمنزلة قبضه له.

« بيع المحاقلة والمزابنة »

ولا يجوز بيع المحاقلة ـ وهو بيع السنابل التي قد انعقد الحب فيها واشتد ، بحب من ذلك السنبل وقد ورد في بعض الاخبار جواز بيعه بحب من جنسه (١) والأحوط ما ذكرناه لأنه ان بيع بحب من جنسه كان مؤديا إلى الربا وذلك باطل.

ولا يجوز بيع المزابنة وهو بيع الثمرة على رؤس الشجر بثمر منه ، وقد ذكر جواز بيعه بثمر موضوع على الأرض ، والأحوط ما ذكرناه لمثل ما تقدم ذكره في السنبل من كونه مؤديا إلى الربا.

وإذا تبايع اثنان بطيخا أو قثاء مجموعا فقال أحدهما للآخر : عد بطيخك

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ الباب ١٢ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١ و ٢ ، ولعل الأول دل بإطلاقه.

٣٨٣

أو قثائك المجموع فان نقص عن مأة كان على تمامه ، وان زاد فهو لي ، أو قال له : اطحن حنطتك هذا فما زاد على كذا ، فلي وما نقص كان على تمامه لم يجز ذلك وكان باطلا.

وإذا قال له : أنا أضمن لك صبرتك هذه بخمسين صاعا فما زاد على ذلك فلي ، وما نقص فعلى إتمامها ، لم يجز ذلك.

« بيع العرية ».

ويجوز بيع العرايا بخرصها تمرا ، والعرايا جمع عرية وهي النخلة تكون للرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها فإن كان له نخل متفرق ، في كل بستان منه نخلة جاز بيعها واحدة واحدة بخرصهما تمرا سواء بلغ الأوساق أو لم يبلغ ، فان كان له نخلتان عليهما ثمرة فخرصاهما تمرا ، فان كانا عريتين صح بيعهما وان لم يكونا عريتين لم يجز ذلك.

ولا يجوز بيع الرطب في رؤس النخل خرصا برطب على الأرض كيلا لأنه من المزابنة.

والتقابض قبل التفرق من شرط صحة البيع لان ما فيه الربا لا يجوز التفرق فيه قبل التقابض.

والقبض في التمر الموضوع على الأرض ، النقل ، وفي الرطب التخلية بين المشترى وبينه كما قدمناه ، و (١) من شرطه ان يحضره التمر موضع النخل ، لان المتبائعين إذا تعاقدا وخلي البائع بين الثمرة وبين المشترى ، جاز ان يمضيا الى موضع التمر ويستوفي لأن التفرق انما هو بالبدن وذلك لا يحصل (٢) إذا انتقلا جميعا من مجلس البيع الى مكان أخر ، وبالجملة : فإن المراعى شرطان أحدهما المماثلة من طريق الخرص ، والأخر التقابض قبل التفرق بالبدن. والعرية لا تكون إلا في النخل دون غيرها من الشجر.

__________________

(١) الظاهر سقط كلمة « ليس » فان التعليل يناسب وجودها ، كما في المبسوط.

(٢) وفي نسختين زيادة « الا » والظاهر انها سهو.

٣٨٤

ومن باع غيره صبرة من طعام بصبرة من جنسها وكانا قد اكتالا ذلك ، وعرفا تساويهما في المقدار كان البيع جائزا وان جهلا تساويهما ولم يشترطا التساوي لم يجز ذلك لان ما يجرى فيه الربا ، لا يجوز بيعه (١) ببعض جزافا.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء فقال المشترى اشتريت ، فإنهما يكالان ، فان كانا متساويين كان البيع صحيحا ، وان كان أحدهما أكثر من الأخر كان البيع فاسدا لأنه ربا.

فان كانت الصبرتان من جنسين مختلفين فان لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء كان البيع صحيحا لان الجنسين المختلفين يجوز التفاضل فيهما ، فان شرطا كيلا بكيل ، وخرجا متساويين في ذلك كان البيع جائزا ، وان خرجت الواحدة أكثر من الأخرى وتبرع صاحب الصبرة الزائدة ، بالزيادة كان جائزا ، وان لم يتبرع صاحب الصبرة بذلك ورضي صاحب الصبرة الناقصة بأخذها بقدرها من الصبرة الزائدة ، كان البيع أيضا جائزا ، وان لم يتبرع صاحب الزيادة بها ولا رضي المشترى بأخذ الأخرى (٢) وتمانعا في ذلك كان البيع مفسوخا ، ولم يكن فسخه لأجل الربا لكن لان كل واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة الأخر (٣) على انهما متساويان في المقدار فاذا تفاضلا وتمانعا كان فسخ البيع بينهما هو الواجب.

« باب بيع ما لم يقبض »

من اشترى طعاما وأراد بيعه قبل القبض ، لم يجز ذلك. فاما ما عدا الطعام من الأموال فإنه يجوز بيعه قبل القبض.

فاما بيان كيفية القبض : فهو ان كان المبيع من الدنانير والدراهم والجواهر وما جرى مجرى ذلك مما ينقل ويحول ويتناول باليد ، فقبضه هو التناول.

__________________

(١) اى لا يجوز بيع بعضه ببعض.

(٢) اى بأخذ المقدار منها.

(٣) في نسختين زيادة « الواو ».

٣٨٥

وان كان من الأرضين والعقارات وما جرى مجرى ذلك مما لا ينقل ولا يحول فقبضه التخلية بينه وبين المشترى ، وان كان من الحيوان كالعبيد والمماليك فقبضهم ان يقيمهم من مكانهم الى موضع آخر.

وان كان من البهائم فقبضه منه ان يمشى به من موضعه الى موضع أخر فإن كان اشتراه جزافا ، فقبضه نقله من موضعه فان كان اشتراه مكائلة فقبضه ان يكيله.

فاما القبض الصحيح فعلى وجهين : أحدهما ان يسلم المبيع باختيار ، فيصح قبضه. والأخر ان يكون الثمن حالا أو مؤجلا. فإن قبضه المشترى من غير اختيار البائع لم يصح القبض ، وكان البائع مطالبا برد المبيع الى يده ، لان له حبس الحق والتوثق به حتى يستوفي الثمن.

فإما إجارته قبل القبض فإنه يصح الا فيما لا يصح بيعه قبل القبض ، لأن الإجارة ضرب من البيوع.

وكذا الكتابة يصح أيضا فيها لأنها ضرب من البيع الا فيما استثناه.

واما الرهن فيصح على كل حال لأنه ملكه فيصح منه التصرف. ويجوز تزويج الأمة قبل قبضها أيضا ، ويكون وطأ المشتري (١) ، أو الزوج قبضا صحيحا.

واما الصداق فيجوز من المرأة المستحقة له بيعه قبل قبضه. وكذلك يجوز للرجل بيع مال المخالعة قبل القبض أيضا.

واما الثمن فاذا كان معينا ، جاز بيعه قبل قبضه ، وكذلك ان كان في الذمة. فاما ان كان صرفا فليس يجوز بيعه قبل القبض.

فاذا ورث إنسان طعاما ، أو وصى له به ، ومات الموصى وقبل الوصية ، أو اغتنمه ، أو تعين عليه ملكه ، فإنه يجوز بيعه قبل قبضه.

فإن أسلم في طعام معلوم واستسلف من أخر مثله ، فلما حل الطعام عليه قال لمن أسلم إليه : احضر لي عند من أسلمت إليه فإن لي قفيزا من الطعام حل عليه حتى أكتاله

__________________

(١) في صورة بيعها قبل القبض.

٣٨٦

لك فإنه يجوز ان يكتاله لنفسه ويقبضه إياه بكيله إذا شاهده.

وان امره أن يكال له عن ذلك الغير ووكله فيه فاذا قبضه احتسب به عنه ، كان جائزا.

فإن أسلم في طعام وباعه من أخر ، لم يصح ذلك الا ان يجعله وكيله في قبضه وإذا قبض عنه كان القبض حينئذ قبضا فان اكتال هو لنفسه منه ووثق به ذلك الغير الذي له عليه ، كان جائزا.

وان قال له : امض اليه واكتل لنفسك ، لم يكن صحيحا لأنه يكون باع طعاما قبل ان يكتاله ، ويحتاج ان يرد من أخذه على صاحبه ثم يكتاله اما عن الذي أمره بقبضه ، أو يكتاله الآمر فيصح له قبضه منه اما بكيل مجدد ، أو يصدقه فيه ، فان كاله الآمر ثم كاله المشترى منه كان صحيحا والأول (١) أحوط إذا حل على إنسان طعام لعقد السلم فدفع الى المسلم دراهم وقال له : خذها بدل الطعام لم يصح ذلك لان بيع المسلم قبل قبضه لا يصح سواء ، باعه من المسلم اليه ، أو من أجنبي بغير خلاف.

فان دفع اليه الدراهم وقال له : اشتر الطعام بها لنفسك لم يصح أيضا لأن الدراهم باقية على ملك المسلم فلا يصح ان يبتاع بها لنفسه طعاما.

فان ابتاع الطعام وكان ابتياعه له بعينها لم يصح البيع ، وان كان ابتياعه في الذمة ، ملك الطعام وضمن الدراهم التي عليه لأنها مضمونة عليه فيكون للمسلم إليه في ذمته دراهم ، وعليه له الطعام الذي كان له في ذمته.

وان قال له : اشتر لي الطعام ثم أقبضه لنفسك صح الابتياع ، لأنه وكله في ابتياع الطعام ، وإذا قبضه لنفسه فهل يصح أم لا فهو على ما تقدم ذكره في المسئلة المتقدمة.

وإذا قال : اشتر لي بها طعاما وأقبضه لي ثم أقبضه لنفسك من نفسك لم يجز قبضه من نفسه لنفسه ، لأنه لا يجوز ان يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه من نفسه.

وإذا كان للإنسان قفيز من الطعام على غيره مسلما ، والذي عليه هذا الطعام له على غيره طعام قرضا ، فأحاله على من له عليه من جهة القرض كان جائزا.

__________________

(١) الأول هو القبض من البائع بكيل مجدد والثاني هو القبض منه بتصديقه فيه.

٣٨٧

فان كان الطعام الذي له (١) قرضا والذي عليه (٢) سلما جاز أيضا ، فإن كان هذان الطعامان سلمين لم يجز ذلك لان بيع السلم (٣) قبل القبض لا يجوز بغير خلاف.

وان كان هذان الطعامان قرضين كان جائزا بغير خلاف أيضا ومن كان له على إنسان طعام بكيل معين منه فقبضه من غير كيل ، كان هذا القبض فاسدا ، فان قال الإنسان الذي عليه هذا الطعام : قد كلته وهو كذا وكذا وذكر قفيزة معلومة فقبل صاحب الحق قوله صح القبض.

فان كاله بعد ذلك فوجده ناقصا عن حقه كان له مطالبته بإتمامه ، وان كان أكثر من حقه ، أعاد الزيادة اليه ، وان كان قد استهلكه ، كان القول قوله مع يمينه في مقداره.

فان باع الطعام ـ الذي قبضه من غير كيل ـ مضى البيع فيما تحقق انه حقه ، ولم يمض في الزيادة ، وان كان أقل من حقه أو هو حقه كان البيع صحيحا.

ومن كان له على غيره طعاما قرضا فدفع اليه طعاما من جنسه كان جائزا.

فإن كان الذي دفعه اليه من غير جنسه ، فاما ان يكون ما دفعه اليه طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى مجرى ذلك ، واما ان يكون من غير هذا الطعام مثل الدنانير أو الدراهم ، أو غيرهما من العروض أو الحيوان ، فان كان طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى مجرى ذلك فاما ان يكون في الذمة أو عينا ، فان كان في الذمة وعينه قبل التفرق وقبضه ، كان جائزا.

وان فارقه قبل القبض وتعيينه لم يجز لأنه يكون حينئذ بيع دين بدين وقد نهى (٤)

__________________

(١) اى للإنسان المذكور في المسئلة المتقدمة.

(٢) اى على المحتال عليه ، فتكون عكس المسئلة المتقدمة.

(٣) أي المسلم فيه.

(٤) الوسائل ، ج ١٣ ، الباب ١٥ من أبواب الدين والقرض ، الحديث ١.

٣٨٨

عن بيع الكالي بالكالي (١) وهو الدين بالدين ، وان كان مثل الدنانير والدراهم وغيرهما من العروض أو الحيوان ، كان جائزا.

فإن كان في الذمة ثم قبضه جاز في المجلس ، فان كان في الذمة وفارقه قبل القبض ، لم يجز لأنه يكون بيع دين بدين ، وان كان معينا ثم فارقه قبل القبض ، كان جائزا وجرى مجرى بيع طعام ضمن في الذمة ، ويفترق قبل القبض فإنه يصح.

ومن كان له في ذمة غيره طعام فباع منه طعاما معينا ليقبضه من الطعام الذي له في ذمته لم يصح ، لأنه شرط ان يقبض الدين الذي في ذمته من هذا الطعام بعينه وهذا غير لازم له ، ولا يجوز ان يجب عليه.

وإذا كان كذلك كان الشرط فاسدا وفسد البيع لان الشرط إذا كان فاسدا واقترن بالبيع فسد البيع. وقد ذكر جواز ذلك ، والأحوط ما ذكرناه.

وان اشترى إنسان من غيره نخلة حائلة ، وتركها في يد البائع حتى أبرت ، كانت الثمرة للمشتري. فإن هلكت الثمرة في يد البائع وسلمت الأصول لم يجب عليه ضمان في هلاكها.

وان هلكت النخيل دون الثمرة انفسخ البيع ، وسقط الثمن عن المشترى ، وكانت الثمرة له ، لأنه ملكها بغير عوض.

وهكذا إذا كان المبيع في يد البائع واستفاد مالا ، أو وجد كنزا ، أو لقطة ، أو وهب له ، أو اوصى له بشي‌ء (٢) فان ذلك كله للمشتري. ومن ابتاع شقصا من أرض أو دار بمملوك وقبض الشقص ولم يسلم المملوك كان للشفيع (٣) أن يأخذ منه بقيمة المملوك ، وان قبض وهلك المملوك في يده بطل البيع ولم تبطل الشفعة في الشقص ، ووجب عليه ان يدفع الى البائع قيمة الشقص حين قبضه ووجب على الشفيع للمشتري

__________________

(١) من كلأ مهموزة اللام بمعنى تأخر.

(٢) فرض المسئلة فيما إذا كان المبيع عبدا.

(٣) الذي له حق الشفعة.

٣٨٩

قيمة المملوك حين وقع البيع عليه لان ثمن الشقص إذا كان لا مثل له ، وجبت قيمته حين البيع.

ومن ابتاع من غيره عبدا بثوب وقبض العبد ولم يسلم الثوب ، وباع العبد صح بيعه لأنه قبضه وانتقل ضمانه اليه وان اشترى (١) العبد وتسلمه (٢) ثم هلك الثوب الذي في يد البائع (٣) انفسخ البيع (٤) ولزمه قيمة العبد لبائعه لأنه غير قادر على رده بعينه فهو بمنزلة المستهلك.

فان اشترى العبد ولم يسلمه البائع حتى هلك العبد والثوب جميعا في يده لم يصح واحد من البيعين وبطلا جميعا. فاذا اشترى إنسان من غيره صبرة من طعام فوجدها مصبوبة على نشو (٥) من الأرض ، أو ربوة (٦) أو صخرة ، أو دكة كان البيع باطلا لان بيع ما يكال أو يوزن جزافا لا يصح.

ومن أقرض غيره بمصر طعاما ثم اجتمعا بمكة وطالبه المقرض بالطعام لم يلزمه دفعه اليه ، ولا ان يجبره الحاكم على ذلك لان قيمته تختلف.

فان طالبه المقترض بقبضه لم يجبر المقرض أيضا على ذلك لأنه يلزمه في حمله مؤنة.

فإن تراضيا على ذلك كان جائزا ، وان طالبه المقرض بقيمة الطعام ، جاز ذلك وصح ان يجبر على دفعها اليه.

ومن غصب من غيره طعاما وأتلفه كان الحكم فيه مثل ما ذكرنا.

__________________

(١) بصيغة المجهول.

(٢) اى تسلمه المشتري الثاني الذي اشتراه من المشترى الأول.

(٣) أي البائع الثاني الذي هو المشترى الأول.

(٤) أي البيع الأول.

(٥) كذا في نسخة ولعل أصلها النشأة وهي ما ارتفع أو ظهر من النبات ولم يغلظ بعد وفي نسخة اخرى « نشر ».

(٦) الربوة : ما ارتفع من الأرض.

٣٩٠

فإن أسلم إلى غيره كان الحكم فيه أيضا مثل ذلك القرض (١) لان بيع المسلم فيه قبل قبضه لا يجوز.

ومن كان له على غيره طعام فباعه طعاما بخمسة دراهم على ان يقبضه الطعام الذي له عليه أجود منه ، لم يجز ذلك ، لان الجودة بانفرادها لا يجوز ان يكون ثمنا.

وان قضاه أجود منه ليبيعه طعاما بخمسة دراهم لم يجز أيضا.

إذا باع طعاما بخمسة دراهم مؤجل وحل الأجل فأخذ بها (٢) طعاما مثل ما أعطاه كان جائزا ، وان أخذ أكثر من ذلك لم يجز.

« باب بيع المصراة وأحكامها »

المصراة هي الناقة ، أو البقرة ، أو الشاة يجمع لبنها في ضرعها يوما ، أو أكثر من ذلك. فاذا عرضت للبيع رآها من يريد ابتياعه كبيرة الضرع يوما ، فظن انها تحلب في كل يوم مثل ما هو في ضرعها من اللبن ، فاذا حلبت نقص لبنها ورجعت الى عادتها فقد دلس بجمع اللبن في ضرعها على من يريد ابتياعها ، وذلك لا يجوز.

وانما سمى بهذا الاسم لجمع اللبن في ضرعها ، ولا فرق في تناول ذلك بما ذكرناه بين ناقة أو بقرة أو شاة ، فأما ما عدا ذلك من الحيوان فمختلف فيه ، وليس في صحة أجرته عليه دليل فيقال به. ومدة الخيار في بيع ذلك ثلاثة أيام كسائر الحيوان

فمن ابتاع مصراة وهو عالم بالتصرية لم يكن له خيار في ردها ، فان ابتاعها وهو غير عالم بذلك من حالها فدر لبنها وصار لبن العادة بتغيير المرعى ثم علم بأنها كانت وقت البيع مصراة ، وأراد ردها لم يكن له ذلك لان العيب قد زال عنها.

فان حلبها ورضي بها ثم وجد بها عيبا جاز له الرد بالعيب لا بالتصرية.

وإذا ابتاعها وأراد ردها وكان قد حلبها ردها مع صاع من تمر أو صاع من بر

__________________

(١) الظاهر ان في العبارة سقطا والصحيح « إلا في أخذ البدل ، فإنه لا يجوز » كما في المبسوط.

(٢) يعنى بدلها اى الدراهم.

٣٩١

فان كان لبنها باقيا وأراد رده معها ، لم يجبر البائع لها على أخذه ، فان لم يرض بأخذ اللبن كان له الصاع الذي ذكرناه من التمر ، أو البر. فان لم يجد ذلك كان عليه القيمة ولو بلغت فيه القيمة قيمة الشاة.

وإذا اشتراها غير مصراة ثم حلبها يوما ، أو أكثر منه ووجد بها عيبا وأراد ردها وكانت وقت ابتياعها محلوبة ليس في ضرعها لبن ، كان له ردها ، وكان ما في ضرعها من اللبن له ، ولم يلزمه شي‌ء لان ذلك حدث في ملكه ، وان كانت وقت ابتياعها غير محلوبة وفي ضرعها لبن فان استهلك لم يكن له الرد لان بعض المبيع قد هلك ولم يكن له المطالبة بالأرش ، وان كان قائماً لم يستهلك كان له الرد.

« باب بيع المعيوب »

لا يجوز لأحد ان يبع غيره شيئا معيبا حتى يبين العيب للمشتري ، ويطلعه عليه وقد ذكرنا في كتابنا « الكامل » انه إذا تبرأ البائع إلى المشترى من جميع العيوب لم يكن له الرد ، فكان ذلك كافيا ومغنيا عن ذكر العيوب على التفصيل ، والذي ذكرناه هاهنا من تبيين العيب للمشتري واطلاعه عليه على التفصيل أحوط والذي ينبغي ان يكون العمل عليه.

وعلى هذا إذا باع إنسان غيره سلعة أو بهيمة وقال له : برأت إليك من جميع العيوب لم يبرأ من ذلك حتى يخبر بالعيب الذي تبرأ منه ، ولا تصح البراءة من عيب غير معلوم للمشتري.

والتبري من العيب انما يكون عند عقد البيع ، وما كان قبل ذلك فان علم المشترى بالعيب ثم اشترى وأحدث في المبيع حدثا لزمه البيع ، و (١) ان لم يحدث شيئا ثم وجد به عيبا لم يخبر به البائع كان مخيرا بين الرضا به وبين رده واسترجاع الثمن ان كان قد قبضه.

__________________

(١) في نسخة « من اشترى شيئا ثم وجد به عيبا لم ينبه له البائع كان مخيرا. »

٣٩٢

فان اختلفا فقال البائع للمشتري : هذا العيب حدث عندك وقال المشترى للبائع : لم يحدث عندي بل بعتنيه معيبا ولم يكن لواحد منهما بينة كان على البائع اليمين بأنه باعه سالما. فان حلف لم يكن للمشتري عليه سبيل. وان لم يحلف كان الدرك عليه في ذلك.

ومن اشترى جارية ووطأها ووجد بها عيبا لزمته وله قيمة العيب ، وكذلك الحكم لو زوجها. فان كان لها زوج عند البائع وأقره المشترى على النكاح ، ووطأها زوجها عند المشترى كان له ردها بالعيب ، وان كانت بكرا ولم يكن دخل بها عند البائع ودخل بها عند المشترى ثم وجد بها عيبا لم يكن له ردها.

فان اشترى بهيمة حائلا ثم حملت عند المشترى وولدت ، ووجد بها عيبا ـ كان عند البائع ـ لم يكن له ردها ، وكان له أرش العيب فان ابتاعها حاملا ثم ولدت ووجد بها عيبا ـ كان عند البائع ـ فله ردها ويرد الولد معها لان الولد له قسطا من الثمن.

فان اشترى جارية ووطأها ثم بان له فيها بعد وطئه لها عيب لم يكن له ردها وكان له الأرش سواء كان ثيبا ، أو بكرا فان غصب جارية وافتضها ، كان عليه ما نقص من قيمتها.

إذا عفى الشفيع عند الشفعة بعوض يشترط على المشترى كان جائزا ، وقد ذكر انه لا يملك العوض وان قبضه ، والاولى ما قلناه لأن الشفعة حق الشفيع وإذا عفى عن حقه وأسقطه سقط.

وإذا اشترى اثنان مملوكا صفقة واحدة ، ووجدا به عيبا كانا مخيرين بين رده وبين إمساكه ، فإن أراد أحدهما رده وأراد الأخر إمساكه ، لم يكن للذي أراد الرد ان يرده حتى يتفقا. فان كان أحدهما اشترى نصفه بعقد ، واشترى الأخر النصف الأخر بعقد ، ووجدا به عيبا كان لكل واحد منهما رد نصيبه بالعيب بغير خلاف.

فان ابتاع عبدين صفقة واحدة ووجد فيهما عيبا وأراد الرد ، ردهما جميعا ، وليس له رد المعيب وإمساك الصحيح.

وإذا قال رجل لرجلين : بعتكما هذا العبد ، فقال الواحد منهما قبلت نصفه

٣٩٣

بنصف ما قال من الثمن لم ينعقد البيع لأنه ليس مطابقا لا يجابه ، فان قال : بعتكما هذين العبدين بألف فقبل (١) أحد العبدين بخمس مأة لم يجز بغير خلاف وفي الناس من خالف في المسئلة الاولى ، والفرق بينهما انه إذا قال بعتكما هذين العبدين فإنما أوجب لكل واحد منها نصف كل واحد من العبدين ، وإذا قبل أحد العبدين فقد قبل ما لم يوجبه وبثمن لا يقتضيه إيجابه لأن الثمن ينقسم على قدر قيمة العبدين ، ولا يقابل بنصف الثمن أحدهما (٢).

فإن قال قبلت نصف كل واحد منهما بنصف الثمن كان مثل المسئلة الأولى فإن قال قبلت نصف أحد العبدين بحصة من الثمن لم يصح أيضا لأن حصته مجهولة

وإذا قال واحد لاثنين : بعتكما هذين العبدين بألف درهم ، هذا العبد منك وهذا العبد منك فقبله أحدهما بخمس مأة لم يصح لأنه قبله بالثمن الذي لم يوجب لأن الألف مقسومة على قدر القيمتين لأعلى عددهما إجماعا.

وان قال لرجل : بعتك هذين بألف درهم فقال قبلت البيع صح وان جهل ما يقابل كل واحد من العبدين من الألف لأن ذلك صفقة واحدة والثمن معلوم في الجملة فإن باعهما لاثنين كان ذلك صفقتين ويجب ان يكون الثمن معلوما في كل واحد منهما.

فان قال : بعتكما هذين العبدين هذا العبد منك بخمس مأة وهذا الأخر منك بخمس مأة كان البيع صحيحا لان الثمن على كل واحد منهما قد حصل معلوما ، فان قال : بعتك هذين العبدين بألف فقال : قبلت نصفي هذين العبدين بخمس مأة لم يصح ذلك لمثل ما قدمناه.

وإذا وكل اثنان إنسانا في ابتياع عبد فاشتراه من رجل وكان هذا المشترى قد بين للبائع انه يشترى العبد لموكليه ، صح الشراء لهما ، وانتقل الملك إليهما ولم يجز

__________________

(١) اى الواحد منهما.

(٢) لإمكان عدم تساوى قيمة العبدين بخلاف المسئلة الاولى.

٣٩٤

للواحد منهما رد نصيبه منه كما قدمناه في الاثنين إذا ابتاعا عبدا.

وان كان اشترى العبد مطلقا ولم يبين للبائع ما ذكرناه ووجد به عيبا وأراد واحد منهما رد نصيبه ، لم يجز له ذلك بغير خلاف لان الظاهر انه اشتراه له صفقة واحدة ، وقوله لا يقبل بعد البيع بأنه اشتراه لهما.

وإذا ابتاع إنسان جارية جعدة (١) فخرجت سبطة كان له الرد إذا اختار ذلك فاذا ابتاعها سبطة وخرجت جعدة لم يكن له الرد لأنها خير مما شرط ، وقد ذكر انه له الرد لأنها خلاف ما شرط والأول أقوى لما ذكرناه.

وان اشتراها وقد بيض وجهها بطلاء (٢) ثم أسمر ، أو أحمر خدها بالكلكون ثم اصفر ، كان مخيرا بين ردها وإمساكها.

فإن أسلم في جارية سبطة فسلم اليه جعدة فعلى ما قدمناه. وإذا اشترى جارية ولم يشترط انها بكرا وثيب فخرجت ثيبا أو بكرا لم يكن له خيار ، (٣) وكان له الأرش

ومن ابتاع عبدا مطلقا فخرج مسلما ، أو كافرا لم يكن له خيار ، لأنه لم يشترط واحدا من الأمرين ، فإن شرط كونه مسلما فخرج كافرا كان له الخيار لأنه بخلاف ما شرط.

وان شرط كافرا فخرج مسلما لم يكن له خيار ، وقال بعض الناس له الخيار لأنه بخلاف ما شرط.

والذي ذكرناه أصح لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

فان ابتاع عبدا مطلقا فخرج فحلا (٤) لم يكن له خيار ، وان خرج خصيا كان له الخيار لان مطلق العبد يتضمن سلامة الأعضاء ، وان شرط كونه خصيا فخرج فحلا

__________________

(١) الجعود هي الالتواء في الشعر ، ضد السبوطة.

(٢) الطلاء : ما يطلى به الشي‌ء كالدهن.

(٣) الظاهر سقط العبارة بنحو « وان اشترط انها بكر فخرجت ثيبا لم يكن له خيار » كما في المبسوط.

(٤) في نسخة « صحيحا » بدل « فحلا » وكذا فيما بعدها « مريضا » بدل « خصيا ».

٣٩٥

كان له الخيار فان خرج العبد مخنثا كان له الخيار ، وكذلك له الخيار إذا خرج آبقا ، أو سارقا.

وإذا اشترى عبدا وجارية مطلقا فخرجا غير مختونين لم يكن له خيار ، فان شرط كونهما مختونين فلم يكونا كذلك كان له الخيار. فان اشترى عبدا أو جارية فظهر بهما جذام أو برص أو جنون ، كان مخيرا في الرد إلى سنة.

ومن اشترى من غيره وباعه ثم وجد به عيبا فان كان عالما بالعيب قبل بيعه ، كان ذلك رضي منه بالعيب لأنه تصرف فيه ، والعلقة فيه بينه وبين من ابتاعه منه منقطعة لا سبيل له عليه بوجه من الوجوه ، وان كان المشتري الثاني علم بالعيب ورده عليه لم يكن له رده على الذي اشتراه فان حدث عنده عيب ورجع بأرش المعيب عليه ، لم يكن له رجوع على بائعه بأرش العيب لأنه قد رضي به.

فان كان لم يعلم بالعيب الا بعد بيعه له ، لم يكن له رده لان ملكه قد زال ولم يجب له الأرش أيضا لأنه لم ييأس من الرد (١) على البائع.

فإن كان كذلك لم يخل المشتري الثاني من ان يرده بالعيب على المشترى الأول ، أو يجد من عنده عيب ويرجع بأرشه على المشترى الأول فإن رده ، رده هذا أيضا (٢) على الذي ابتاعه منه ويسترجع منه الثمن ، وان رجع عليه بأرش العيب رجع هذا على بائعه بأرش العيب ، وان رضي بالعيب سقط رده والرجوع بأرش.

واما المشتري الأول فإنه لا يرجع بأرش العيب إجماعا (٣) ثم لا يخلو المبيع من ان يرجع الى المشتري الأول بإرث أو بيع أو هبة أو لا يرجع اليه بذلك بل يعرض فيه ما يسقط الرد بالعيب فان رجع إليه بأحد الوجوه التي ذكرناه كان له الرد على بائعه. فإن عرض ما يسقط الرد وهو ان يهلك في يد المشتري الثاني أو يحدث به

__________________

(١) فان من المحتمل رد المشترى الثاني إليه.

(٢) في العبارة سقط ولكن أضفنا إليها ما يكملها.

(٣) في الفرض الأخير.

٣٩٦

عيب ، أو يعتقه ان كان مملوكا ، أو يوقفه ان كان مما يصح ان يوقف ، فإنه يرجع بأرش العيب لأنه آيس من الرد ، هذا إذا باعه.

فاما ان وهبه ثم علم بالعيب فليس له الرجوع (١) لأنه مما لم ييأس من الرد لأنه يمكن رجوعه فيه فيرده على بائعه.

وإذا ابتاع إنسان من غيره عبدا ، فأبق منه ، فان كان الإباق كان به قبل البيع فهو عيب يوجب الرد الا ان يكون المشترى لا يمكنه رد العبد ما دام آبقا ، وليس له الرجوع أيضا مع هذه الحال بأرش العيب لأنه لم ييأس من الرد ، فان رجع الآبق رده على بائعه. وان لم يرجع وهلك في الإباق كان له الرجوع عليه بأرش العيب. وإذا لم يكن الإباق ثابتا قبل البيع فهو حادث عند المشترى فلا يجب له الرد ، ولا الرجوع بالأرش.

وان اشترى عبدا ثم وجد به عيبا مثل برص ، أو جذام أو غير ذلك ثم أبق العبد قبل ان يرده ، فان كان الإباق عند البائع فرده غير ممكن في الحال ، ولا يرجع بأرش العيب ، وان كان الإباق حادثا فقد حدث به عيب عنده فلا يجوز له رده ، وله ان يرجع بأرش العيب في الحال.

ومن اشترى شيئا وقبضه ثم وجد به عيبا كان عند البائع ، وحدث به عنده عيب أخر ، لم يجز له الرد الا برضاء البائع ، فإن رضي ورده لم يكن له مطالبته بالأرش.

فإن ابتاع عبدا وأعتقه أو قتله أو مات حتف أنفه أو وقف ثم وجد به عيبا كان له الرجوع بأرش العيب على البائع وكذلك الحكم إذا ابتاع طعاما فأكله ثم علم انه كان به عيب في ان له الرجوع بالأرش. وكذلك الحكم إذا ابتاع ثوبا فصبغه ، أو قطعه ثم وجد به عيبا فان له الرجوع بالأرش.

فإن اشترى دابة ، أو ثوبا فركب الدابة. أو لبس الثوب بعد علمه بالعيب لزمه فان ركب الدابة لسقيها أو ليردها لم يلزمه على ذلك الركوب شي‌ء.

__________________

(١) أي بالأرش.

٣٩٧

وإذا اشترى إنسان جارية وولدت عنده ، أو وطأها وباعها ولم يعلم الذي اشتراه منه بذلك ، لم يكن عيبا الا ان تنقصها الولادة أو الوطأ. ومن ابتاع نعلين ، أو زوجي خف ، أو مصراعي باب ثم وجد بأحدهما عيبا ، فله ردهما جميعا ، لأنهما يجريان مجرى الشي‌ء الواحد ، وليس له رد المعيب منهما وإمساك ما لا عيب فيه منهما.

فان كان قد باع السالم من العيب لم يكن له رد الباقي ، ولا الرجوع بشي‌ء من الأرش.

وكذلك إذا اشترى كرين (١) من طعام ، أو سائر ما يتساوى.

وإذا ابتاع عبدا ورده على بائعه بعيب من غير حكم الحاكم لم يكن له رده على الأول لأن ذلك بمنزلة الصلح.

ومن اشترى ناقة أو بقرة أو شاة فحلبها وشرب لبنها لم يكن له ردها بعيب يظهر فيها وله الأرش إلا بالتصرية وقد تقدم ذكرها. فان اشترى عبدا فوجده مخنثا أو كافرا أو سارقا كان ذلك عيبا وله الرد به ، فان وجده ولد الزنا ، أو شارب خمر لم يكن ذلك عيبا يوجب ردا ولا غيره. فان اشترى جارية فوجدها زانية كانت ذلك عيبا ، وله ان يردها بذلك.

وإذا اشترى جارية ، أو عبدا ووجد بأحدهما من الثآليل (٢) ما ينقص الثمن كان ذلك عيبا ، وان كان لا ينقص الثمن فليس بعيب.

والأدرة (٣) عيب والسمط والبخر والعشا (٤) والسن السوداء والسن الساقطة والضرس الساقط كل ذلك عيب.

__________________

(١) الكر جمعه أكرار : ستون قفيزا ، والقفيز ثمانية مكاليل ، والمكول صاع ونصف

(٢) الثؤلول جمعه ثآليل : ما يخرج على البدن كالدمل ، ويكون صلبا مستديرا.

(٣) الأدرة : انتفاخ البيضة ، اى الفتق.

(٤) السمط : الخفة في الجسم والبخر : نتن ريح الفم. والعشا : سوء البصر بالليل والنهار أو عدم البصر بالليل دون النهار.

٣٩٨

والظفر الأسود القبيح إذا كان ينقص الثمن عيب ، وكذلك القرن وكل ما ينقص من الرقيق فهو عيب ، والسلع (١) والفتق عيب ، والكي (٢) والقروح والقرع (٣) والفحج والقدم (٤) عيوب كلها ، وكذلك الشتر (٥) في الرقيق والحول والخرس والظفر والشعرة في العين والجرب (٦) فيها وفي غيرها من الجسم ، والماء في العين والسبل (٧) والاستحاضة والسعال القديم ، وكل ما ينقص الايمان من العيوب ، والعيوب التي في الدواب والإبل والبقر والغنم تجري مجرى العيوب التي في الرقيق ، والحبل في الجارية عيب. وليس كذلك في البهائم وعيوب البهائم مثل الخنف (٨) والصدف(٩) والصكك (١٠) والشدق(١١) والحدس(١٢) والجرد والنطح والزوائد

__________________

(١) السلع آثار النار في الجلد.

(٢) كوى ، يكوى ، كيا : أحرق ووسم جلده بحديدة ونحوها.

(٣) القرع : مرض جلدي يسقط شعر الرأس ، والفحج : تداني صدور القدمين وتباعد عقبيهما.

(٤) يحتمل ان يكون معناه : القدمة وبالفارسي « فرسودگى » ويحتمل زيادة الواو ويكون القدم مضافا اليه للفحج.

(٥) الشتر : انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل ، وقيل انشقاقه.

(٦) الجرب : داء يحدث في الجلد بثورا صغارا لها حكة شديدة.

(٧) السبل : شبه غشاوة تعرض في العين.

(٨) الخنف : أماله الفرس وشبهه رأسه الى راكبه في عدوه ، وفي نسخة « الحنف » بالمهملة وهو اعوجاج الرجل الى داخله.

(٩) الصدف في الخيل : هو تداني الفخذين وتباعد الحافرين.

(١٠) الصكك : اضطراب الركبتين والعرقوبين عند المشي.

(١١) الشدق بالتحريك : سعة الشدق وهو جانب الفم.

(١٢) الدحس : ورم حار في طرف الإصبع ، والجرد : عدم الشعر على البدن. والنطح : الضرب بالقرن والمراد اعتياده.

٣٩٩

والمشش (١) والقمع والجمع والخرق ومنع السرج واللجام ، وحل الرسن وبل (٢) المخلاة والقعاص (٣) والانتشار (٤) ، وما يعرفه النخاسون (٥) عيبا زائدة على ما ذكرناه وينقص من أثمان البهائم ، فإن اشترى جارية محرمة لم يكن ذلك عيبا لان له ان يحللها. فان اشترى عبدا وعليه دين لم يعلم به ثم علم كان له رده الا ان يقضى عنه بائعه الدين.

وإذا ابتاع عبدا وقطع عنده طرف من بعض أطرافه وظهر له فيه عيب ـ كان عند البائع ـ سقط حكم الرد وكان له الأرش.

وإذا اشترى إنسان بيضا أو جوزا ، أو بطيخا ، أو ما جرى مجرى ذلك من الفواكه فوجد جميعه فاسدا وقد كسره ، كان له رده ، وأخذ جميع الثمن ، ولم يكن للبائع مطالبة المشتري برد ذلك كما كان لأنه سلطه على ذلك فان اشترى عبدا قد حل دمه لقصاص أو ردة وهو غير عالم بذلك فقتل عند المشترى كان له الرجوع على البائع بجميع الثمن.

وإذا اشترى إنسان من غيره إبريق فضة بمأة درهم فوزنه بمأة درهم فظهر به عيب ثم حدث به عنده عيب آخر لم يجز له رده لحدوث العيب عنده ، ولم يجز له أيضا الرجوع بالأرش لأنه ينقص الثمن عند وزنه فيصير ربا (٦) وإسقاط حكم العيب لا يجوز ، وإذا كان كذلك فقد ذكر ان البيع ينفسخ ، ويغرم المشتري قيمة الإبريق

__________________

(١) المشش : بياض يعتري الإبل في عيونها والقمع : غلظ في ركبة الفرس أو في رأس عرقوبه. والجمح : غلبة الدابة وتمرده على راكبه. والحزق : ضرطة الدابة اى اعتيادها.

(٢) بله : اى نداه والمخلاة : ما يجعل فيه العلف ويعلق على عنق الدابة.

(٣) القعاص : داء يأخذ الغنم لا يلبثها ان تموت ، وداء في الصدر كأنه يكسر العنق.

(٤) الانتشار : هو انتفاخ في عصب الدابة يكون من التعب ونشر المتاع وغيره.

(٥) النخاس : دلال الدابة والرقيق وبائعهما.

(٦) في العبارة تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

٤٠٠