المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

بذلك خبزا ، ولا يجزى (١) من واحد منهما قول في إيجاب ولا قبول ، وكل ما جرى هذا المجرى.

ولو ان واحدا منهم أراد الرجوع في ذلك لكان له الرجوع فيه ، لان ذلك ليس ببيع ، وقع على عقد صحيح كما ذكرناه.

« في خيار الغبن »

ومن ابتاع شيئا وظهر له فيه غبن فلا يخلو ان يكون من أهل الخبرة أو لا يكون كذلك ، فان كان من أهل الخبرة لم يكن له رده ، وان لم يكن من أهل الخبرة وكان مثله (٢) لم تجر العادة ، فسخ العقد ان أراد ، وان كانت العادة جرت بمثله لم يكن له خيار. وإذا قال البائع للمشتري بعتك هذا على ان تنقدني الثمن إلى ثلاثة ، فإن نقدتنى والا فلا بيع لك ثم جاء بالثمن في الثلاث كان البيع له وان لم يجي‌ء فيها كان البيع باطلا ، وروى أصحابنا انه إذا ابتاع شيئا معينا بثمن معلوم وقال أجيئك بالثمن فان جاء به مدة الثلاث كان البيع له ، وان لم يأت به في ذلك بطل البيع (٣).

« باب الربا وما يصح فيه ذلك وما لا يصح »

قال الله تعالى ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) (٤) وقال تعالى ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ). (٥) وقال الله جل اسمه ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ). (٦)

وروى عن أمير المؤمنين (ع) انه قال « طرق طائفة من بنى إسرائيل عذاب

__________________

(١) اى لا يكفي إيجاب البائع فقط أو قبول المشترى كذلك ، ويحتمل ان تكون الكلمة « ولا يجري » بالمهملة ، فتكون من تتمة المثال.

(٢) اى هذا الغبن.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، الحديث ١ ، ص ٣٥٦.

(٤) البقرة ، الاية ٢٧٥.

(٥) البقرة ، الاية ٢٧٦.

(٦) البقرة ، الاية ٢٧٥.

٣٦١

فأصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف من الناس الكيالين ، والمغنين ، والمحتكرين وأكلي الربا (١).

وروى عن الصادق عليه‌السلام انه قال « درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم » (٢).

والربا محرم في شرع الإسلام ، وهو الفاضل من الشيئين إذا كانا من جنس واحد من المكيلات أو الموزونات ، وليس يصح الربا الا فيما كان مكيلا أو موزونا فاما ما كان من غير ذلك فلا يدخل فيه ، ومثال ما ذكرنا دخول الربا فيه من المكيلات والموزونات إذا كان الجنس واحدا هو : بيع مثقال من الذهب بمثقال منه وزيادة عليه ، ومثل بيع درهم من فضة بدرهم منها وزيادة عليه ، وقفيز من حنطة بقفيز منها وزيادة عليه.

وكذلك الحنطة مع الشعير لان جنسهما في الربا عندنا واحد. وفي الزكاة جنسان ، فاذا بيع قفيز من حنطة بقفيزين من شعير أو بالعكس كان ربا لما ذكرناه.

وما ذكرنا دخول الربا فيه مما يكال أو يوزن ، فان ما كان منه رطبا فإنه يجوز بيعه مثلا بمثل والجنس واحد يدا بيد (٣) ، ولا يجوز ذلك متفاضلا ، وما كان منه يابسا ، جاز أيضا بيع بعضه ببعض والجنس واحد متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز متفاضلا.

واما الا هليلج والبليلج والأملج والسقمونيا وما جرى مجرى ذلك مما يدخل في الأدوية من العقاقير فان الربا يدخل فيه ، لأنه من الموزونات. واما ما يدخل في الأدوية من الطين (٤) الأرمني والخراساني فلا يجوز بيعه لأنه حرام ، فلا معنى

__________________

(١) المستدرك ، ج ٢ ، كتاب التجارة ، باب الربا ، ص ٤٧٩ عن دعائم الإسلام.

(٢) الوسائل ج ١٢ ، الباب ٨ من أبواب الريا ، الحديث ١٩ ، ص ٤٢٧.

(٣) اى نقدا.

(٤) في نسخة زيادة « الإني و » ولم يتحقق معناها ، ولعلها تصحيف.

٣٦٢

لذكر دخول الربا. واما الماء فلا يدخل فيه الربا ، لأنه مما لا يكال ولا يوزن.

واعلم ان المماثلة شرط في الربا ، والمعتبر فيها بعرف العادة فيها بالحجاز على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان كانت العادة فيه الكيل لم يجز له الا كيلا في جميع البلاد وما كان في العرف فيه الوزن لم يجز له الا وزنا في جميع البلاد.

فاما المكيال فمكيال أهل المدينة ، والميزان فميزان أهل مكة بغير خلاف في ذلك ، وما كان مما لا يعرف فيه عادة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه يحل على عادة البلد الذي هو فيه ، فما عرف منه بالكيل فلا يباع الا كيلا ، وما كان العرف فيه بالوزن فلا يباع الا وزنا.

واما الخبز فيجوز بيع اللين منه باللين ، واليابس باليابس متماثلا غير متفاضل ، فاما بيع لينه بيابسه فلا يجوز لا متماثلا ولا متفاضلا فان كانا من جنسين مثل خبز الحنطة أو الشعير بخبز الأرز (١) فيجوز بيعه متماثلا فيه ومتفاضلا.

واما بيع الحنطة بدقيقها فيجوز متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة. وقد ذكر ان الاحتياط يقتضي أن يباع بعض ذلك ببعض وزنا مثلا بمثل ، لان الكيل يقتضي التفاضل من حيث ان الدقيق أخف في الوزن من الحنطة ، وهو الصحيح.

وإذا كان الواحد منهما يباع كيلا ، والأخر وزنا مثل الحنطة والخبز فلا يباع أحدهما بالآخر الا وزنا ، ليرتفع التفاضل بينهما ، ويجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة ، ودقيق الشعير بدقيق الشعير والسويق بالسويق ، ودقيق الحنطة بالسويق ، وخل العنب بخل العنب وخل التمر وخل الزبيب بخل الزبيب وكل ذلك مثلا بمثل ولا يجوز بيعه متفاضلا يدا بيد ، ولا نسيئة. ويجوز بيع الحنطة بالسويق وبالخبز وبالفالوذق المتخذ من النشا مثلا بمثل لا متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، ويجوز بيع خل العنب والزبيب بخل التمر متفاضلا لأن أصله مختلف.

واما العصير فيجوز بيع بعضه ببعض مثلا بمثل ، ولا يجوز متفاضلا هذا إذا

__________________

(١) في نسخة « الأرزن » بزيادة النون ، ولعلها تصحيف.

٣٦٣

لم يغل الغليان المحرم ، فاما إذا بلغ ذلك حرم بيعه جملة ، ولم يكن لذكر الربا فيه معنى.

وحد الغليان الذي ذكرناه ان يصير أسفله أعلاه.

واما عصير التفاح والسفرجل والعناب والغضب والرمان فاجناس مختلفة لأن أصولها مختلفة.

فإن بيع بعض جنس ببعض منه جاز متماثلا ولم يجز متفاضلا ، مطبوخا كان أو غير مطبوخ ، فان بيع بعض من ذلك ببعض جنس آخر ، جاز ذلك متماثلا ومتفاضلا ، مطبوخا كان أو غير مطبوخ.

فاما الزيت والشيرج ودهن اللوز الحلو ودهن الجوز والفجل وما أشبه ذلك فيدخل فيه الربا ـ لأنه اما ان يكون مكيلا أو موزونا ـ إذا كان الجنس واحدا ، فان بيع بعض جنس ببعض جنس منه ، جاز ذلك مثلا بمثل يدا بيد ، ولا يجوز التفاضل فيه ، فان بيع بعض منه ببعض جنس آخر مخالف له ، جاز ذلك مماثلا ومتفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة ، واما دهن البزر والسمك وما أشبههما مما لا يعمل للأكل ولا الطيب يدخل فيه الربا لأنه أيضا اما ان يكون مكيلا ، أو موزونا.

واما دهن الجوز ودهن اللوز المر ، فيدخل فيه الربا لأنه اما ان يكون مكيلا أو موزونا.

واسم العسل إذا أطلق كان المراد به عسل النحل ، ويجوز بيع بعضه ببعض منه متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز التفاضل فيه سواء كان فيه شمع أو كان مصفى ، واما ما يتخذ من العنب والسكر وان سمى بعسل فيجوز بيع الجنس منه بعسل النحل أو بغير جنسه متماثلا ، أو متفاضلا يدا بيد.

واما الألبان فيه أجناس مختلفة ، فالبان الغنم الأهلي : الضأن منه والمعز منه ـ فهو جنس واحد ، واما جنس لبن البري مثل الظبا فهو جنس آخر.

واما ألبان البقر الأهلي جاموسيا كان أو غير جاموسى فهو جنس واحد واما لبن البقر الوحشي فهو جنس آخر.

٣٦٤

واما لبن الإبل بخاتيا كان أو غير ذلك فهو جنس واحد.

فما كان من هذه الألبان جنسه واحدا جاز بيع بعضه ببعض آخر منه مثلا بمثل يدا بيد وان كان الجنس مختلفا جاز التفاضل فيه يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، سواء كان رطبا أو يابسا. وجميع ما يعمل من الألبان مثل السمن والزبد والمصل (١) والأقط وغير ذلك فالحكم فيه كما ذكرنا في اللبن.

ويجوز بيع مد ، من حنطة ودرهم بمدين من حنطة ، أو مدين من شعير ودرهم بمدين من شعير ، ومد من تمر أو مدين من تمر.

ويجوز بيع درهم وثوب بدرهمين ، وبيع دينار وثوب بدرهمين ، وبيع دينار وثوب بدينارين وكل ما جرى هذا المجرى يجوز بيعه على ما ذكرناه.

والحنطة إذا كانت مبلولة لم يجز بيعها بالجائف منها وزنا مثلا بمثل ، لأنه يؤدى الى الربا من حيث ان المبلول ينقص إذا جف فلا سبيل إلى معرفة مقدار ما فيها من الماء. والفواكه والبقول التي تباع مكيلة أو موزونة يجوز بيع بعضها ببعض ويجوز بيع الرطب بالرطب سواء كان مما يصير تمرا أولا يصير كذلك.

والشلجم والفجل المغروس في الأرض والجزر ، يجوز بيع ورقة وأصله بشرط التبقية والقطع. ومن اشترى من غيره سلعة بدنانير معينة أو دراهم معينة لم يجز ان يدفع غير ذلك الا برضاه.

« في خيار العيب »

فان اشترى دنانير بدراهم معينة ، ودراهم بدنانير أعيانهما ، ووجد أحدهما الذي قبضه من جنس غير الجنس المعقود عليه ، كان البيع فاسدا مثال ذلك : ان يباع دنانير فتخرج نحاسا ، أو يبتاع دراهم فتخرج رصاصا.

وعلى هذا لو قال بعتك هذا الثوب على انه قز فخرج كتانا ، أو كتانا فخرج

__________________

(١) المصل من اللبن : ما يستخرج منه من الماء والأقط : اللبن اليابس.

٣٦٥

قزا ، أو قال بعتك هذا البغل فخرج حمارا ، أو الفرس فخرج بغلا ، فإنه إذا كان من الجنس الأخر بطل البيع ، فان كان الكل من غير جنسه ، بطل البيع في الجميع وان كان البعض من غير جنسه بطل البيع فيه ولا يبطل في الباقي كما ذكرناه في تبعيض الصفقة ، ويأخذ من الثمن بحصته ويكون مخيرا بين رده وفسخ البيع وبين ان يرضى بحصته من الثمن. هذا إذا كان العيب من غير جنسه ، فاذا كان العيب من جنسه مثل ان يكون فضة خشنة أو ذهبا خشنا ، أو يكون السكة فيه مضطربة ، مخالفة لسكة السلطان فذلك عيب وهو مخير بين الرد واسترجاع الثمن وبين الرضا به ، وليس له المطالبة ببدل ، لان العقد تناول عينه ووقع عليها ولا يجوز له إبداله ، وان كان العيب في الجميع كان مخيرا بين رد الجميع وبين الرضا به.

وان كان العيب في البعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة وليس له رد البعض المعيب وأخذ البعض الأخر.

وإذا باع دنانير بدنانير أو دراهم بدراهم ووجد عيبا في بعضها من جنسها كان للمشتري رد المعيب بالعيب أو يفسخ العقد ، وكل هذا إذا كان قد تبايعا دراهم معينة بدنانير معينة ، فان لم يكونا تبايعا كذلك بل تبايعا في الذمة ، فإنه إذا كان تبايعهما كذلك فاما ان تقع مطلقا مثل ان يبيع دينارا بعشر دراهم ، أو يقع موصوفا مثل ان يبيع دينارا قاسانيا ، بعشر دراهم راضية فإن كانا تبايعا على الوجه الأول المطلق فاما ان يكون نقد البلد الذي تبايعا فيه واحدا غير مختلف ، أو يكون مختلفا ، فان كان واحدا غير مختلف يرجع الإطلاق إليه دون غيره ووجب فيه ذلك ، وان كان النقد مختلفا وليس البعض منه بأغلب من بعض ، كان البيع فاسدا.

وان كان تبايعا على الوجه الثاني الموصوف كان البيع صحيحا. وإذا كان كما ذكرناه صحيحا لم يجز ان يفترقا حتى يتقابضا ، فان تقابضا ووجد أحدهما فيما قبضه عيبا وكان وجوده لذلك قبل التفرق من المجلس ، كان له إبداله سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه ، لان العقد وقع في الذمة صحيحا بلا عيب فاذا دفع اليه معيبا كان له مطالبته بما في ذمته مما تناوله العقد.

٣٦٦

وان كان وجوده لذلك بعد التفرق فاما ان يكون العيب من جنسه أو من غير جنسه فان كانت من غير جنسه كان الصرف باطلا لان المتبائعين تفرقا من غير قبض فيما تناوله العقد ثم ينظر فيه ، فان كان ذلك في الجميع بطل عقد الصرف رأسا ، وان كان في البعض بطل في ذلك البعض دون الباقي كما ذكرناه في تبعض الصفقة.

وان كان العيب من جنسه فاما ان يكون في الجميع أو في البعض ، فان كان في الجميع كان له الرد واسترجاع الثمن ، والرضا لأنه من جنس ما تناوله العقد وان اختار ان يبدله بغير معيب كان له ذلك.

وان كان في البعض فله ابدال ذلك البعض ، أو فسخ العقد في الكل.

يجوز للإنسان ان يبيع عشرين دينارا : عشرة منها جيدة وعشرة ردية بعشرين دينارا وسطا من غير تداخل (١) في ذلك : وكذلك يجوز بيع دينارين أحدهما صحيح والأخر قراضة بدينارين صحيحين أو رديين.

ويجوز أيضا بيع درهمين أحدهما صحيح والأخر مكسور بدرهمين صحيحين أو معا مكسورين ، فان باع دينارا جيدا بدينار روى ، كان ذلك جائزا بغير خلاف.

ولا يجوز بيع السيوف المحلاة واللجم المحلاة وما جرى مجرى ذلك بما يخالطه فيه الفضة من العروض وبالذهب نسيئة.

فإن اشترى شيئا من ذلك بالدراهم نقدا (٢) استحب له ان يجعل فيها عرضا فان كان المتبائعان عالمين بمقدار الفضة التي فيه وكانت الدراهم أكثر منها لم يكن بذلك بأس.

فإن جعل المشترى ثمن ما كانت حلية فضة (٣) ذهبا ، وما كانت حلية ذهب فضة كان جيدا.

__________________

(١) كذا في نسختين ولعل المراد : من غير دخول شي‌ء على أحد العوضين ، ويحتمل التصحيف وان يكون أصلها « من غير تفاضل » كما في المبسوط.

(٢) في نسخة « فقد استحب » بدل « نقدا استحب ».

(٣) الإضافة بيانية وكذا ما بعدها.

٣٦٧

فان كان الشي‌ء من جنسه وكان أكثر من الحلية ، كان الذهب بالذهب الذي في الحلية والفضة بالفضة سواء والفاضل عن ذلك من الثمن يكون ثمنا للعروض.

وكذلك ان جعل في الثمن عروضا وكان ما في الحلية من الفضة أكثر من الثمن كان الفضة بالفضة والفاضل من الحلية من العروض (١) التي مع الدراهم.

ويجوز ان يبتاع الإنسان (٢) فضة بيضاء جيدة بفضة سوداء أكثر منها إذا كان مع السوداء (٣) شي‌ء من الفلوس وما جرى مجراها.

وكذلك الذهب بالذهب ومع أقلها شي‌ء آخر.

وإذا كان الشي‌ء من الحلي المذهب فيه لؤلؤ وشي‌ء من الجوهر ولا يمكن تخليصه الا بضرر يلحق ماله في ذلك ، فاشتراه إنسان آخر منه بدينار وهو لا يعلم ان الدينار أكثر من الذهب ، لم يصح بيعه ، ولا يجوز بيعه بالدراهم نسيئة.

ولا يجوز ابتياع الذهب بالذهب ، ولا الفضة بالفضة مجازفا يدا بيد ولا نسيئة.

ومن اشترى خاتما فضة بفضة وكان الثمن أكثر مما فيه من الفضة كان البيع صحيحا ، فان كان مثله أو أقل كان باطلا.

وإذا كان مع إنسان ألف درهم صحاحا يريد ان يشترى بها أكثر منها مكسرة وزنا فاشترى بالصحاح ذهبا ثم اشترى بالذهب مكسرة أكثر من الصحاح كان جائزا إذا تقابضا وافترقا بالأبدان ، ولا فرق بين ان يكون ذلك مرة أو أكثر منها.

والتفرق بالأبدان لا بد منه ، فان لم يفترقا وخير أحدهما الأخر في إمضاء البيع أو فسخه ، فان اختار الإمضاء لزم البيع وبطل الخيار ، وقام التخاير مقام التفرق الا انه ينبغي ان يكون التخاير بعد التقابض ، فان افترقا قبل التقابض بطل الصرف وان تقابضا ولم يفترقا ولم يتخايرا ثم اشترى منه بالذهب الذي قبضه ، دراهم مكسرة

__________________

(١) اى الفاضل من الحلية كان مقابل العروض.

(٢) في نسختين « الألبان » بدل « الإنسان » والظاهر انها تصحيف.

(٣) كذا في نسختين ، والظاهر انها تصحيف والصحيح « البيضاء » بدل « السوداء ».

٣٦٨

كان الشراء صحيحا ، لأنهما إنما شرعا في البيع فانقطع خيارهما ، الا ترى انا قد بينا انه إذا تصرف فيه أو أحدث المشتري فيه حدثا ، فقد بطل خياره ، وقد حصل التصرف هاهنا فيها فبطل خيارهما وكان الشراء الثاني صحيحا.

وإذا باعه قبل التخاير أو التصرف من غير بائعه لم يصح ذلك ، لان حق الخيار للبائع ، هذا إذا كان المشترى قد اشترى من البائع دراهم.

فاما إذا لم يكن ذلك ، وأقرضه الصحاح التي معه واقترض (١) منه مكسرة أكثر منهما ، ثم ابرأ كل منهما صاحبه كان ذلك جائزا. وهكذا إذا وهب كل واحد منهما لصاحبه ما معه وأقبضه ، فإنه أيضا يكون جائزا ، وهكذا إذا باع الصحاح بوزنها مكسرة ووهب له الفضل من المكسرة كان جائزا.

وإذا كان للإنسان على غيره خمسة دنانير ، فدفع اليه خمسة عددا فوزنها القابض لها فكانت ستة دنانير. فان الدينار الزائد للقابض مشاعا فيها ، ولا يكون مغصوبا على القابض من أجل أنه أخذه عوضا ، بل يكون بمنزلة الأمانة في يده ، فاذا كان كذلك فإن أراد ، استرجع منه دينارا وان أراد هبة وهبها له ، وان أراد اشترى منه عوضا به ، وان أراد أخذ به دراهم ويكون ذلك صرفا.

ولا يجوز ان يفارقه قبل ان يقبض الدراهم ، فإن أراد ، جعله ثمنا لموصوف في ذمته إلى أجل سلما اثنان ، مع أحدهما دينار قيمته عشرون درهما ، والأخر معه عشرة دراهم ، فإن أراد ان يشترى الدينار منه بعشرين درهما ، فاشترى نصف دينار بعشرة وسلم العشرة اليه وقبض الدينار منه فيكون نصفه عن بيع ونصفه وديعة في يده ، ان تلف لم يضمن. ثم استقرض منه العشرة التي سلمها اليه واشترى منه بها النصف الباقي من الدينار صح ذلك ، ويصير جميع الدينار للمشتري ، والبائع قد استوفى جميع الثمن وله على المشترى عشرة دراهم قرضا.

__________________

(١) في نسختين « أقرض » ولعلها تصحيف.

٣٦٩

فان لم يفعل ما ذكرنا واشترى جميع الدينار بعشرين درهما ودفع إليه العشرة التي معه ، ثم استقرضها منه وقضاه بها (١) له من العشرة في ذلك المجلس كان ذلك أيضا جائزا. إذا كان مع إنسان تسعة عشر درهما واشترى دينارا بعشرين درهما ولم يقرضه الأخر فالعمل في ذلك ان يفاسخه الصرف ثم يشترى منه بقدرها (٢) فيكون جزء من عشرين جزءا من الدينار في يده مقبوضا عن وديعة ، والباقي عن الصرف وإذا كان هذا ، عمل في الجزء الزائد بمثل ما قدمناه من العمل في الدينار (٣) في المسئلة المتقدمة سواء.

فان لم يفاسخه غير انه قبض الدينار ثم فارقه ليوفيه الدرهم الباقي من التسعة عشر ، فان الصرف ينفسخ في قدر الدرهم ولا ينفسخ في الباقي.

وإذا اشترى إنسان من غيره عشرين درهما نقرة بدينار فقال له إنسان أخر : ولني نصفها بنصف الثمن صح ذلك والتولية بيع.

ولو قال له : اشتر عشرين درهما نقرة بدينار لنفسك وولني نصفها بنصف الثمن لما جاز ذلك لأنه إذا ابتاعها لنفسه وولاه ذلك ، كانت التولية بيعا من الغائب وذلك فاسد.

إذا قال إنسان لصائغ صغ لي خاتما من فضة ، وانا أعطيك وزنه فضة ، واجرة صياغتك وعمل الصائغ الخاتم لم يجز ان يفعلا ذلك ، وكان الخاتم باقيا على ملك الصائغ لأنه شراء فضة مجهولة بفضة مجهولة ، وافترقا قبل التقابض وذلك مفسد للبيع ، وإذا أراد بعد صياغة الخاتم ان يشترى اشتراه شراء مستأنفا بغير جنسه كيف أراد ، أو بجنسه مثل وزنه.

فعلى هذا لا يصح إذا اشترى ثوبا أو ما جرى مجراه بمأة دينار الا درهما ، أو

__________________

(١) كذا في النسختين ولعلها تصحيف والصحيح « بماله ».

(٢) في نسخة « بغيرها » وفي أخرى « بعشرين » بدل « بقدرها » والظاهر تصحيفهما والصحيح ما أثبتناه كما في المبسوط.

(٣) في نسخة زيادة « الزائدة ».

٣٧٠

بمأة درهم الا دينارا وكان باطلا ، لان الثمن مجهول من حيث انه لا يعلم كم الدرهم من الدنانير ولا حصة الدينار من الدراهم الا بالتقويم والرجوع الى أهل الخبرة.

فإن استثنى من الجنس فباع بمأة دينار الا دينارا أو مأة درهم الا درهما كان البيع صحيحا ، لان الثمن حينئذ يكون معلوما وهو الباقي بعد الاستثناء.

إذا باع ثوبا بمأة درهم صرف عشرين درهما بدينار كان الشراء باطلا لان الثمن غير معين ولا موصوف بصفة يصير معلوما بها.

وإذا اشترى إنسان من غيره ثوبا بنصف دينار وجب عليه شق دينار ، ولا يلزمه ذلك من دينار صحيح.

وهكذا إذا اشترى منه ثوبا أخر بنصف دينار لزمه نصف أخر مكسور ولا يلزمه دينار صحيح لان نصف دينار يقتضي ذلك مفردا فان دفع اليه دينارا صحيحا كان جائزا لأنه يكون قد زاده جزاء.

فان شرط في البيع الثاني ان يدفع اليه عن البيع الأول والثاني دينارا صحيحا حتى يزيد في ثمن الثوب الأول فيجعل المسكور من دينار صحيح فهذه الزيادة لا تلحق بالأول لثبوته وإبرامه ، ولأن الزيادة مجهولة وإذا لم تلحق بالأول لم تثبت في الثوب الثاني لأن ذلك مجهول فكان باطلا. وان لم يكن البيع الأول قد لزمه ولا انقطع الخيار ، فالخيار باق بينهما فقد بطل الأول ، ولم يصح الثاني لأن زيادة الصفة منفردة عن العين مجهولة لم يصح ولا يلحق بالثمن فلم يثبت وإذا لم يثبت هذه الزيادة معه ولم يرض بان يكون نصف دينار ثمنا للواحد ، حتى يكون هذه الزيادة معه في ثمن الثوب الأخر فكان الثمن مجهولا فلا يصح.

وإذا ابتاع إنسان من غيره ثوبا بعشرين درهما وأحضره عشرين درهما صحاحا وزنها عشرون درهما ونصف ، فقبض وأخذ بنصف درهم فضة ، كان جائزا.

فإن كان قد شرط ذلك في أصل بيع الثوب كان البيع فاسدا ، لأنه شرط عليه

٣٧١

بيع نصف درهم وهذه بيعتان (١) وذلك غير صحيح.

واعلم ان الربا لا ينعقد بين الوالد وولده ، والسيد وعبده ، والحربي والمسلم ، والمرأة وزوجها.

وينعقد بين من خالف هؤلاء ، وعلى ما ذكرنا يجوز أن يعطى كل من ذكرنا من صاحبه الدرهم بدرهمين والدينار بدينارين وكذلك في كل موزون ومكيل.

واللحوم فيها أجناس مختلفة فلحم الغنم ـ الضأن منها والماعز ـ فهو جنس واحد ، ولحم البقر الانسى ـ جواميسها وغير جواميسها ـ جنس واحد ، ولحم البقر الوحشي جنس واحد. ولحم الإبل ـ عرابها وبخاتيها وغير ذلك منها ـ فهو جنس واحد. ولحم القطا جنس واحد ، ولحم الكراكي (٢) جنس واحد ، ولحم الحبارى (٣) جنس واحد ، ولحم الحمام جنس واحد ، ولحم القماري (٤) جنس واحد. ولحم الحجل (٥) جنس واحد ، ولحم الدراج جنس واحد ، ولحم الطيهوج (٦) جنس واحد ، ولحم الدجاج الحبشي وغير الحبشي جنس واحد ، ولحم العصافير جنس واحد.

واما السمك فكل ما اختص منه باسم فهو جنس واحد.

وكل جنس مما ذكرنا من اللحوم فإنه يجوز بيعه بجنس آخر مثلا بمثل ومتفاضلا رطبين كانا ، أو يابسين ، أو كان أحدهما رطبا والأخر يابسا.

__________________

(١) اى صار هذا البيع بيعين ، وقد نهى عن بيعين في بيع راجع الوسائل ، ج ١٢ ، الباب ٢ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤ و ٥.

(٢) الكراكي : طائر كبير من فصيلة الكركيات قليل اللحم طويل العنق والرجلين

(٣) الحبارى : طائر أكبر من الدجاج الأهلي يضرب به المثل في البلاهة.

(٤) القماري بالفتح ضرب من الحمام حسن الصوت.

(٥) الحجل بالفتحتين طائر في حجم الحمام احمر المنقار والرجلين ، يستطاب لحمه

(٦) الطيهوج : طائر اخضر ، طويل الرجلين والرقبة ، أبيض البطن والصدر ، من طيور الماء.

٣٧٢

فاما بيع بعض جنس الواحد ببعض الأخر منه فيجوز مثلا بمثل.

ويجوز بيع المطبوخ بعضه ببعض ، وكذلك ما كان مشويا.

ويجوز بيع المشوي بالمطبوخ ، والمطبوخ بالني (١) ، والني بالمشوي.

ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان الجنس واحدا ، مثل ان باع شاة بلحم شاة ، أو بقرة بلحم بقرة ، أو جملا بلحم جمل أو لحم جمل (٢) بلحم شاة أو لحم شاة بلحم غنم وهكذا جميع ما يجرى هذا المجرى لأنه لا يؤمن الربا فيه.

ويجوز بيع دجاجة فيها بيض ببيض ، وبيع سمكة حية بلحم بقرة أو شاة ، أو ما أشبه ذلك.

« باب أحكام العقود »

كل عقد انعقد في نخل من بيع أو إجارة أو نكاح أو مخالعة أو مصالحة وكان النخل قد أبر (٣) فإن الثمرة تكون للمالك الأول دون الذي انتقل ملك النخل اليه وان لم يكن ابره كانت الثمرة للذي انتقل ملك النخل اليه دون المالك.

فان انتقل ملك النخل من غير عقد معاوضة ومثاله ان يبتاع الإنسان من غيره نخلة حائلا (٤) فتطلع في ملك المشترى ثم تفلس (٥) بالثمن ويرجع البائع بالنخلة فليس له الرجوع عليه بالطلع.

وإذا طلعت النخلة في يد زوجة رجل وطلقها قبل الدخول بها رجع إليها بنصف النخلة دون الطلع.

__________________

(١) الني‌ء من اللحم : الذي لم تمسه النار أو لم ينضج.

(٢) كذا في نسختين والظاهر انها تصحيف ، ولعل أصلها « حمل » بالإهمال والتحريك وهو الخروف إذا بلغ ستة أشهر.

(٣) تأبير النخل هو تلقيحه.

(٤) في نسختين « حاملا » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما اثبتناه كما في المبسوط وكذا فيما تأتي بعد أسطر. وتطلع النخلة : أي صارت ذات طلع.

(٥) اى صار المشترى مفلسا في أداء الثمن.

٣٧٣

فان رهن إنسان نخلة (١) قبل التأبير لم يدخل الطلع في الرهن لان عقد الرهن لم يتناول الطلع ، وانما يتناول غيره ومن وهب نخلة مطلعة قبل تأبيرها ، وسلمها لم يدخل الطلع في الهبة.

وان وهب نخلة حائلة وكان ممن له الرجوع في هذه الهبة ، واطلعت في يد الموهوب له ورجع الواهب فيها لم يكن له الرجوع في الطلع لأنه حصل في يد الموهوب له.

والنخل إذا كان في بستان وفيه ما قد أبر وفيه ما لم يؤبر وباع المؤبر لإنسان ، والثاني لغير ذلك الإنسان ، كانت ثمرة المؤبر للبائع ، وثمرة ما لم يؤبر للمشتري.

فإذا طلع نخل البستان وأبر منه نخلة واحدة فليس يصير الباقي بذلك في معنى المؤبر ، فإن باع هذه النخلة المؤبرة ، كانت ثمرتها للبائع ، فإن باع غير المؤبرة كانت ثمرتها للمشتري ، ولم يتعد حكم المؤبر الى ما لم يؤبر.

وإذا تشقق طلع النخلة وظهرت الثمرة بالرياح الواقح ، وهو ان يكون فحول النخلة في جهة الصبا في وقت الايار (٢) فان الإناث تتأبر بذلك (٣).

وإذا باع نخلة من الفحول مطلعة كان طلعها للبائع دون المشترى سواء تشقق أو لم يتشقق.

واعلم ان القطن يختلف ففيه ما يكون له أصل يبقى سنين يحمل في كل سنة ، وذلك يكون بأرض الحجاز والبصرة ، وفيه ما لا يكون كذلك ، فاذا باع إنسان شيئا مما ذكرنا أن أصله يكون ثابتا وكانت جوزقة (٤) قد خرجت وتشققت كان القطن للبائع

__________________

(١) في نسخة زيادة « مطلعة ».

(٢) أيار بفتح الهمزة والتشديد : شهر قبل حزيران وهو أحد فصول السنة بعد نيسان. والصبا هو الريح.

(٣) الظاهر سقوط الجواب وهو كما في المبسوط : « فان كان فيها فحول نخل بعد ان تؤبر الإناث منها فثمرتها للبائع ».

(٤) المراد بها حمل القطن الشبيه بالجواز.

٣٧٤

الا ان يشترط المبتاع ذلك لنفسه ، فان لم يكن جوزقة خرجت ، أو خرجت ولم تتشقق فإنه يكون للمشتري.

واما يكون من القطن زرعا وهو الذي لا يكون له أصل ثابت مثل ما يكون منه بخراسان والعراق وغير ذلك من البلدان المخالفة للحجاز والبصرة ، فإنه إذا باع الأرض وفيها شي‌ء من هذا القطن وكان زرعا أو جوزقا لم يشد فهو للبائع الا ان يشترطه ، وان كان قد قوى وتشقق وظهر القطن كان للبائع أيضا الا ان يشترطه المشترى فيكون له ، وان كان جوزقا قد قوى واشتد ولم يتشقق ولم يظهر القطن كان للبائع. وكانت الأرض للمشتري. فإن شرط المشترى ان يكون القطن له كان هذا الشرط باطلا.

وكذلك إذا باع أرضا وفيها حنطة قد أخرجت سنابل واشتدت وشرط السنابل للمشتري كان هذا الشرط في الحنطة باطلا ، وغير باطل فيما عداه (١) من الأرض.

فأما ما يخالف النخل والقطن من الأشجار الثابتة التي تحمل في كل سنة ، فمنها ما يخرج ثمرته في غير ورود وأكمام ، وفيها ما يخرج في ذلك ، فاما الأول فهو مثل التين والعنب فان باع إنسان أصل شي‌ء من ذلك وكانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع الا ان يشترطها المشتري فإنها تكون للمشتري فيكون له بالشرط فان كانت لم تخرج وقد خرج في ملك المشترى فإنها تكون للمشتري دون البائع.

فاما ما يخرج ثمرته في ورد ، فان كان باع شيئا من أصول ذلك وقد خرج الورد وتناثر وظهرت الثمرة كانت للبائع الا ان يشترطها المشترى. فان لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشتري. واما ما يخرج في كمام مثل الجوز وغيره مما دونه قشر يستره إذا ظهرت ثمرته ، فإن الثمرة للبائع الا ان يشترطها المشتري.

فأما ما يكون وردا بغير ثمرة مثل شجر الياسمن والنسترن والبنفسج والورد والنرجس وما جرى مجرى ذلك مما يبقى أصله في الأرض ويحمل حملا بعد حمل فإنه إذا باع شيئا من أصله وكان ورده قد تفتح كان للبائع ، وان لم يكن قد تفتح فهو للمشتري.

__________________

(١) الظاهر ان الضمير يرجع الى الشرط اى ان البيع في نفس الأرض صحيح.

٣٧٥

وإذا باع شيئا من شجر التوت وكان ورقه قد خرج فهو للمشتري ولا شي‌ء للبائع لأن الورق يجرى مجرى الأغصان.

ومن باع أرضا وكان فيها زرع له عروق يبقى ، ويجز مرة بعد مرة ، نظر فيه فان كان مجزوزا كان للمشتري وما ينبت (١) في ملكه ، وان لم يكن مجزوزا وكان ظاهرا كانت الجزة الأولى للبائع والثانية للمشتري لأنها نبتت في ملكه.

وإذا عطشت أصول الشجرة كان للمشتري سقيها ومؤنة السقي عليه ولا يجوز للبائع لهذه الشجرة منعه من ذلك.

فان عطشت الثمرة على ملك البائع كان له سقيها ، ومؤنة السقي عليه دون المشترى وليس للمشتري منعه من ذلك.

فان كان سقي الأصول يضر بالثمرة ، أو سقى الثمرة يضر بالأصول ووقعت المشاحة بينهما في ذلك ، فسخ العقد بينهما وقد ذكر ان الممتنع من ذلك يجبر عليه.

ومن باع أرضا وفيها شجر وبناء وقال للمشتري بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل البناء والشجر في البيع. وان لم يقل بحقوقها لم يدخل ذلك في البيع.

وقولنا « بستان » بالإطلاق اسم للأرض والشجر ، فان قال بعتك هذا البستان دخل في ذلك الشجر مع الأرض.

وقولنا « قرية » اسم يقع على البيوت دون مزارعها. فان قال بعتك هذه القرية بحقوقها لم يدخل المزارع في البيع إلا بالتسمية مثل ان يقول : ومزارعها ، فان لم يقل ذلك لم يدخل المزارع في البيع.

فان كان في بيوت القرية شجر وقال بعتك هذه القرية بحقوقها دخلت الأشجار التي من البيوت في البيع لأنها من حقوق القرية.

__________________

(١) أي ما ينبت فيما بعد يكون في ملكه ، وفي نسختين « ما يثبت » ولعلها تصحيف ، أو يكون « ما » نافية ، فيكون المراد ان المجزوز لا يثبت ولا يبقى في ملك البائع بعد ان كان في ملكه قبل البيع.

٣٧٦

وقولنا « دار » اسم للأرض والبنيان ، فمن باع دارا قال بعتك هذه الدار بحقوقها وكان فيها شجر ، كان الشجر داخلا في البيع لان الشجر من حقوقها.

فاما البنيان فيدخل في البيع جميع ما كان من الحيطان والسقوف والدرج المعقودة والأبواب المنصوبة.

وما كان فيها من سلم ينقل من مكان الى آخر لم يدخل في البيع وان كان مسمرا (١) دخل فيه.

وإذا كان فيها خوابي (٢) مدفونة دخلت في البيع لأنها تجري مجرى الخزائن

فإن كان فيها من الحجارة أو الأجر أو اللبن ما هو مدفون ويخرج للبناء لم يدخل في البيع ، والأغلاق والمفاتيح والبئر وما فيها من الحجر والأجر (٣) يدخلا في البيع

والبئر والماء الذي فيها مملوكان الا ان هذا الماء وان كان مملوكا فإنه لا يصح بيعه ، وإذا لم يصح بيعه لم يدخل في البيع وان كان مملوكا.

والمياه التي تجري في الأنهار مثل النيل والفرات والدجلة وما جرى مجرى ذلك غير مملوكة ولا يصح بيع شي‌ء منها الا بالحيازة فإذا حاز الإنسان منها شيئا جاز وصح بيعه ، واما قبل الحيازة فلا يصح ذلك وهكذا الحكم فيما يجرى منها الى ملك الإنسان في انه لا يملكه إلا بالحيازة.

وما كان من معادن الذهب ، أو الفضة أو ما جرى مجرى ذلك فان الجامد من اجزاء الأرض المملوكة ، مملوك ويصح بيعه معها ، والنخل إذا لم يؤبر وباع مالكه منه شيئا فقد قلنا فيما تقدم ان ثمرته للمشتري ، فإن هلكت هذه في يد البائع قبل التسليم كان المشترى مخيرا بين فسخ البيع لهلاك المبيع وبين إمضائه في الأصول

__________________

(١) بالمسمار.

(٢) الخابية جمعها الخوابي : الجرة وهي إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.

(٣) في نسخة زيادة « لم » الجازمة.

٣٧٧

بجميع الثمن أو بجنسه (١).

وإذا باع السيد عبده وقطعت يد العبد قبل تسليمه وقبض المشترى له ، كان المشترى مخيرا بين فسخ البيع لنقصان المبيع وبين إمضائه بجميع الثمن لان الثمن لا يصح انقسامه على هذه الأطراف.

وإذا باع إنسان أرضا وفيها زرع ظاهر بيعا مطلقا وكان الزرع مما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير وما جرى مجرى ذلك فقد ذكرنا ان الزرع يكون للبائع ، فإذا كان كذلك فله ان يبقيه في الأرض إلى أو ان الحصاد ، ولا يلزمه اجرة المثل للمشتري ، فإن حصده قصيلا (٢) وأراد ان ينتفع بالأرض الى أو ان الحصاد لم يكن له ذلك.

فان كان له فيها زرع من غير الحنطة وحصده في أوان الحصاد وكان له عروق يضر بقائها بالأرض ، وجب عليه نقلها ، فان نقلها وصارت الأرض بذلك حفرا وجب عليه إصلاحها وتعديلها ، وان لم يبق له عروق يضر بها لم يلزمه ذلك.

ومن باع دارا وله فيها رحل أو متاع أو قماش وجب عليه نقله منها وتفريغها له من ذلك ، فان كان فيها ما لا يخرج من بابها مثل الخابية والحب وما أشبه ذلك فإنه يجب عليه هدم الباب وإخراجه وبناء الباب كما كان ، ولا يلزم المشترى في ذلك شي‌ء. فان غصب غيره بهيمة صغيرا أو فصيلا (٣) وادخله داره وبقي فيها حتى كبر وطلبه مالكه ولم يخرج من بابها وجب عليه هدم الباب وإخراجه ، ولم يلزم مالك البهيمة ولا الفصيل في ذلك شي‌ء لأنه متعد.

فان لم يكن البيع مطلقا أو باع الأرض مع الزرع وكان الزرع لم يسنبل ، ويشتد ، فهما في المبيع سواء ، والشرط في ذلك صحيح ، ويكون الأرض والزرع جميعا للمشتري.

__________________

(١) كذا في نسختين ولعلها تصحيف وأصلها « بحصته » كما في المبسوط.

(٢) القصيل : ما يجز اخضر لعلف الدواب.

(٣) الفصيل : ولد الناقة أو البقرة إذا فصل عن امه.

٣٧٨

وان كان الزرع قد سنبل واشتد الحب جاز بيعه منفردا.

وإذا كان الزرع مما لا يحصد مرة واحدة ، بل هو مما يحصد مرة بعد اخرى مثل الكرفس (١) والهندباء (٢) والنعناع وما أشبه ذلك من البقول وكان قد جز جزة اولى ، كانت العروق داخلة في بيع الأرض لأنها من حقوقها ، وان كانت لم تجز الجزة الأولى كانت هذه الجزة للبائع ، والباقي للمشتري. وإذا كانت الجزة الأولى للبائع وجب عليه جزها في وقت البيع ، وليس له تركها الى ان يبلغ أو ان الجزاز لان ذلك يؤدى الى اختلاط حق البائع بحق المشتري لأن الزيادة التي تحصل للمشتري تنبت مع أصوله التي ملكها بالبيع.

فان باع أرضا قد غرس فيها غرسا ، أو بذر فيها بذرا لما يبقى أصوله حملا بعد حمل ـ مثل نوى الشجر وبذر القت ، (٣) وما جرى مجرى ذلك مما يجز دفعة بعد اخرى كان ذلك داخلا في البيع لأنه من حقوقه.

فان باع الأرض بيعا مطلقا وفيها بذر لما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير لم يدخل ذلك في البيع وإذا لم يدخل في البيع وكان المشترى عالما بهذا البذر ، كان البيع ماضيا عليه ولم يكن له خيار فيه لأنه قد رضي بضرره ، ووجب عليه تركه الى وقت الحصاد ، وإذا لم يكن عالما به كان مخيرا بين فسخ البيع وبين إمضائه بجميع الثمن لان النقص الذي في الأرض ـ بترك الزرع الى أو ان الحصاد ـ ليس مما يتقسط الثمن عليه ، وانما هو عيب محض فله الخيار فيما ذكرناه.

وان شرط البائع نقل ذلك في مدة يسيرة لم يكن للمشتري خيار في ذلك لزوال العيب بهذا النقل.

وان لم يبع الأرض بيعا صحيحا مطلقا وباعها مع البذر كان البيع صحيحا.

__________________

(١) بفتحتين فالسكون.

(٢) الهندباء يقال بالفارسي كاسنى.

(٣) القت : الرطب من علف الدواب.

٣٧٩

« باب بيع الثمار »

بيع الثمرة على ضربين ، اما ان يكون بيعا لسنة واحدة ، أو سنتين فصاعدا ، فان كان لسنة واحدة فهو على ثلاثة أضرب ، اما ان يكون لما بدا صلاحه ، أو لما بدا صلاح بعضه ، أو لما لم يبد صلاح شي‌ء منه جملة ، فإن كان لما بدا (١) بعضه أيضا كان البيع صحيحا ، وان كان لما لم يبد صلاح شي‌ء منه جملة فاما ان يكون المبيع يضم مع الثمرة غيرها من الخضر من تلك الأرض أو غيرها ، أو لا يكون يضم مع ذلك شي‌ء ، فان كان يضم معها غيرها كان البيع صحيحا فان كان لم يضم مع ذلك شيئا كان البيع فاسدا.

وان كان البيع لسنتين أو أكثر فهو على ثلاثة أضرب اما ان يكون بدا صلاح ذلك ، أو بدا صلاح بعضه ، أو لم يبد صلاح شي‌ء منه وعلى الثلاثة الأضرب يكون البيع صحيحا. بخلاف البيع في السنة الواحدة لأنها إن خاست (٢) في سنة زكت في الأخرى على الأكثر في مجرى العادة.

وحد بدو صلاح الثمرة في النخل احمرار (٣) البسر ، أو تغيره وفي الفاكهة انعقادها بعد شموط (٤) وردها عنه.

__________________

(١) الظاهر ان في العبارة سقطا والصحيح « صلاح جميعه كان البيع صحيحا ، وكذا إذا كان لما بدا صلاح ».

(٢) خاست : اى فسدت وتغيرت.

(٣) في نسخة « اصفرار ».

(٤) شمط الشجر : انتثر ورقه ، وفي نسخة « سقوط » بدل « شمول »

٣٨٠