المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

« باب زكاة الإبل »

ليس تجب زكاة الإبل إلا بشروط ، وهي الملك ، والسوم ، والنصاب ، وحلول الحول ، فاذا اجتمعت هذه الشروط لم يكن فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا ، فاذا بلغت ذلك كان فيها شاة ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرا ، فيكون فيها شاتان ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمس عشرة ، فيكون فيها ثلاث شياه.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ، ففيها اربع شياه.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وعشرين فيكون فيها خمس شياه. فاذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض أو لبون ذكر.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستا وثلاثين فيكون فيها بنت لبون.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستا وأربعين فيكون فيها حقة.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ احدى وستين فيكون فيها جذعة.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستا وسبعين فيكون فيها بنتا لبون.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ احدى وتسعين فيكون فيها حقتان.

ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين فيطرح هذا الاعتبار الذي قدمناه ، وتخرج من كل خمسين ، حقة ، ومن كل أربعين ، بنت لبون بالغا ما بلغت.

وبنت المخاض : هي التي مضت لها سنة ودخلت في الثانية وسميت بذلك لأن أمها تكون قد حملت ، وهي تمخض بولدها.

واما ابن اللبون : فهو الذي قد مضى له سنتان ، ودخل في الثالثة ، وسمى بذلك لأن امه قد وضعت وصار لها لبن ، وكذلك بنت اللبون.

واما الحقة ، فهي التي قد مضى لها ثلاث سنين ، ودخلت في الرابعة ، وسميت بذلك لأنها قد استحقت ان يحمل عليها.

واما الجذعة ، فهي التي قد مضى لها اربع سنين ، ودخلت في الخامسة ، ولذلك سميت جذعة.

١٦١

وما يتعلق به زكاة الإبل منها تسمى فريضة ، وما لا يجب تسمى شنقا (١).

ومن وجبت زكاة الإبل عليه ، ولم يكن عنده عين ما وجب عليه ، وتمكن من دونها ، أخذ منه ذلك ، ودفع معه ما يكون تماما لما وجب عليه. وان كان عنده أزيد مما وجب عليه ، أخذ منه ورد عليه الفاضل له ، مثال ذلك ، ان يجب عليه بنت لبون ، وليس عنده ، ويكون عنده بنت مخاض.

فليأخذ منه ، ويدفع معها شاتين ، أو عشرين درهما جيادا. أو يجب عليه بنت لبون ، وليست عنده ، ويكون عنده حقة ، فليؤخذ منه ، ويرد عليه شاتان ، أو عشرون درهما.

وان وجب عليه بنت مخاض وليست عنده ، وعنده ابن لبون ذكر ، فإنه يؤخذ منه ، ولا يرد عليه شي‌ء ، ولا يدفع هو أيضا شيئا. لأنه لا فضل بين بنت مخاض وابن لبون الذكر.

وإذا كان عند الإنسان خمس من الإبل ، ومر به ثلاث سنين ، لم يجب عليه في ذلك غير شاة واحدة ، لأن الشاة استحقت بها ، وما يبقى منها أقل من خمس ، فلا يجب عليه غير ما ذكرناه.

فان كان عنده منها ست وعشرون ، ومر ثلاث سنين ، وجب عليه بنت مخاض للسنة الاولى ، ثم ينقص النصاب الذي يجب فيه بنت مخاض ، فيجب عليه خمس شياه للسنة الثانية والسنة الثالثة ينقص عن النصاب الذي فيه خمس شياة.

فيجب عليه اربع شياة ، فيجتمع عليه بنت مخاض ، وتسع شياة.

__________________

(١) الشنق بالتحريك في الصدقة ما بين الفريضتين مما لا تتعلق به زكاة لاحظ مجمع البحرين.

١٦٢

« باب زكاة البقر »

الشروط التي يجب الزكاة في البقر باجتماعها هي : الشروط التي ذكرناها في الإبل ، فإذا اجتمعت فليس يجب عليها زكاة حتى يبلغ ثلاثين ، فاذا بلغت ذلك كان فيها تبيع ، أو تبيعة ، وقد ذكر ان التبيع هو الذي له سنتان ، وذكر ان هذا الاسم لا يدل على شي‌ء ، ذكر ذلك عن ابى عبيد ، وذكر غيره انه انما سمى بهذا الاسم لأنه يتبع امه في المرعى ، وذكر غير من ذكرناه انه الذي يتبع قرنه اذنه.

وإذا لم تستقر من جهة اللغة في حقيقة التبيع ، ما يعتمد عليه في هذا الباب فان المعول على ما ورد في الشرع. وقد ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انه قال تبيع ، أو تبيعة ، جذع ، أو جذعة (١) وفسر ذلك الباقر ، والصادق عليهما‌السلام بالحول (٢).

وليس بعد الثلاثين شي‌ء حتى يبلغ أربعين ، فيكون فيها مسنة ، وذكر انها التي لها اربع سنين ، وذكر انها التي لها سنتان وهي الثني في اللغة ، وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : المسنة هي الثنية فصاعدا (٣).

ثم ليس فيها بعد الأربعين شي‌ء حتى يبلغ ستين ، فيكون فيها تبيعان ، فاذا زادت على ذلك ، اخرج من كل ثلاثين تبيع ، أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ثم كذلك بالغا ما بلغت.

ومن كان عنده من البقر ثلاثون ، بعضها سوسي (٤) أو حبشي ، وبعضها جواميس

__________________

(١) المبسوط ، ج ١ ص ١٩٨ ، والخلاف ، ج ١ ، ص ٢٧٥ ، وفي السنن الكبرى للبيهقي ، ج ٤ ، ص ٩٩.

(٢) كذا في نسخة وفي نسخة اخرى « بالحولين » وفي الخبر « الحولي » الوسائل ، ج ٦ ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) المبسوط ، ج ١ ص ١٩٨.

(٤) قال في مراصد الاطلاع : السوس بالضم ثم السكون وسين اخرى : بلدة بخوزستان وجد فيها جسد دانيال ، فدفن في نهرها تحت الماء وعمر قبره وموضعه ظاهر يزار. قلت وهو معرب « شوش » والسوس أيضا بلد بالمغرب :

١٦٣

وبعضها نبطي ، كان الذي يؤخذ منه تبيع أو تبيعة من أوسط ذلك على قدر المال وما لا يجب الزكاة فيه من البقر يسمى وقصا.

« باب زكاة الغنم »

الغنم لا يجب فيها الزكاة الا بشروط ، وهي الشروط التي ذكرناها في الإبل ، والبقر.

فاذا حصلت ، لم يجب فيها شي‌ء حتى يبلغ أربعين ، فإذا بلغت ، كان فيها شاة وليس فيها بعد ذلك شي‌ء حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين ، فيكون فيها شاتان. وليس فيها بعد ذلك شي‌ء حتى تبلغ مأتين وواحدة ، فيكون فيها ثلاث شياه وليس فيها بعد ذلك شي‌ء حتى تبلغ ثلاث مائة وواحدة ، فيكون فيها اربع شياه ، فاذا زادت على ذلك ، تركت هذه العبرة واخرج عن كل مأة شاة ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغت.

ومن كان له من المواشي متفرقا في مواضع مختلفة ما إذا اجتمع كان نصابا ، فإن الزكاة واجبة فيه. وان كان لاشتراك جماعة في موضع واحد مقدار نصاب ، أو أكثر منه وكان ما يختص به كل واحد منهم أقل من نصاب ، لم يجب في شي‌ء من ذلك زكاة.

ومن أنكر حلول الحول على ماشيته ، وشهد شاهدان عدلان على ان الحول قد حال عليها ، قبلت شهادتهما ، وأخذت منه الزكاة.

ومن كان عنده من جنس واحد نصاب ، وهو من أنواع مختلفة مثل ان يكون عنده أربعون شاة ، بعضها ضأن ، وبعضها معز وبعضها شامية ، وبعضها عربية ، وبعضها مكية فليؤخذ منها شاة ، لأن الاسم يتناوله ، ولا ينبغي ان يؤخذ الأجود ، ولا الا دون بل يؤخذ الأوسط ، أو ما يكون قيمته على قدر المال.

ومن كان له في بلدين نصاب واحد ، وجب عليه زكاته ، فان كانت أقل من

١٦٤

نصاب واحد متفرقة في بلدين لم يجب عليه الزكاة في شي‌ء فان كان له في بلدين أو أكثر منها ثمانون شاة ، أو مأة وعشرون شاة ، لم يجب عليه غير شاة واحدة لأنها في ملك واحد.

فان كان في كل بلد منها نصاب ، وحضره الساعي في طلب الزكاة من المال فقال له المطلوب منه ذلك. هذه عندي وديعة ، قبل قوله ، ولم يطالبه على ذلك بينة وكذلك ان ادعى حلول الحول ، الا ان يثبت عليه ببينة بخلاف ما قاله في الحول ، كما قدمناه.

وإذا كان عنده أربعون شاة فحال الحول عليها وولدت شاة منها ، ثم حال عليها الحول الثاني ، ثم ولدت شاة ثانية ، ثم حال عليها الحول الثالث ، وجب عليها ثلاث شياه ، لان الحول الأول حال عليها ، وهي أربعون فوجبت فيها شاة ، فلما ولدت تمت أربعين فلما حال عليها الحول وجب منها ثلاث شياة.

ومن كان عنده من الغنم أربعون ، ولم يكن ولد منها شي‌ء ، وحال عليها حول ثان ، وثالث لم يجب عليه فيها غير شاة واحدة.

ومن كان له مأتا شاة وواحدة ، ومرت ثلاث سنين وجب عليه سبع شياه ، لان الواجب عليه في السنة الأولى ثلاث شياه وفي كل سنة شاتان ، لان المال الثاني ، والثالث قد نقص عن المائتين وواحدة فلم يجب غير شاتين.

وهذا على قولنا في ان الزكاة تتعلق بالمال ، فاما من قال بأنها تتعلق بالذمة ، فقوله في ذلك يخالف ما ذكرناه.

ومن كان عنده نصاب فغصب غاصب ذلك النصاب ثم عاد اليه قبل حلول الحول ، لم يجب عليه زكاة ، لأن إمكان التصرف في جميع الحول يراعى في ذلك وكذلك القول في غير هذا الوجه من وجوه الزكاة.

وإذا وقف على إنسان نصاب من الغنم ، وحال عليه الحول لم يجب عليه في ذلك زكاة ، لأنها غير مملوكة.

فان ولدت وحال على أولادها ، وكان الواقف لها لم يشترط كون أولادها

١٦٥

وقفا معها ، كان فيها الزكاة وان كان شرط ذلك ، لم يكن فيها الزكاة.

ومن ابتاع من الغنم نصابا ولم يقبضها حتى حال الحول عليها نظر ، فان كان متمكنا من قبضها كان عليه فيها الزكاة ، وان لم يكن متمكنا من قبضها ، لم يكن عليه فيها زكاة.

وما يجب فيه زكاة الغنم ، يسمى فريضة وما لا يجب فيه يسمى عفوا.

« باب زكاة الغلات الأربع »

التي هي الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.

ليس تجب الزكاة في الغلات الا بشرطين ، وهما الملك والنصاب.

فاذا حصل في أحدها هذان الشرطان ، لم يكن فيه زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق ، بعد إخراج المؤن ، وحق السلطان من مقاسمة ، وغيرها.

فاذا بلغ ذلك بعد ما ذكرناه ، فان كان سقيه سيحا أو بعلا ، أو عذيا (١) كان فيه العشر ، وان كان سقيه بالقرب ، أو الدوالي. كان فيه نصف العشر.

فان زاد على الأوسق شيئا ، اخرج من الزائد بحساب ذلك.

وما كان سقيه سيحا وغير سيح ، فيجب ان يعتبر في ذلك الأغلب.

فإن كان سقيه سيحا هو الأكثر ، أخرج منه العشر ، وان كان سقيه بالقرب والدوالي أكثر من السيح ، اخرج منه نصف العشر ، وان تساويا ، ولم يغلب أحدهما على الأخر ، اخرج من نصفه بحساب العشر ، ومن نصفه الأخر بحساب نصف العشر.

والوسق : ستون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمدر طلان وربع بالعراقي. ووزنه بالدراهم الف مأة وسبعون درهما.

والدرهم ستة دوانيق ، والدانق ثماني حبات من أوسط حبات الشعير ،

__________________

(١) المراد بالسيح : الجريان على وجه الأرض وبالبعل : ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء وبالعذى : ما سقته السماء ، لاحظ الجواهر ، ج ١٥ ، ص ٢٣٧ :

١٦٦

وهو تسعة أرطال بالعراقي ، وستة أرطال بالمدني.

وما لا يجب فيه الزكاة من هذه الغلات يسمى عفوا ،

وإذا وقف إنسان على غيره ضيعة ، وبلغت غلتها نصابا. فان كانت وقفا على واحد كان عليه الزكاة في ذلك وان كانت وقفا على جماعة ، وبلغ نصيب كل واحد منهم النصاب ، كان على كل واحد منهم الزكاة.

واعلم ان الاعتبار فيما تخرجه الأرض مما يكال أو يوزن ، مما عدا هذه الغلات الأربع يجري مجرى الاعتبار فيما تقدم مما الزكاة فيه مفروضة. وانما ذكرنا ذلك ، لان هذه الغلات يستحب إخراج الزكاة عنها ، وأردنا أن نبين ، ان الاعتبار فيها كالاعتبار في الغلات الأربع التي الزكاة واجبة فيها.

وأموال التجارة يجرى الاعتبار فيها مجرى الاعتبار في الأموال (١) التي يجب فيها الزكاة ، لأن إخراج ذلك عنها مستحب أيضا.

ويزيد مال التجارة على ذلك ، بان يطلب برأس المال أو الربح.

فاذا اجتمعت الشروط المقدم ذكرها ، وطلب رأس المال أو الربح صح إخراج الزكاة عنها. وان طلب تجارة (٢) لم يكن فيها زكاة جملة.

واما الخيل ، ففيها أيضا الزكاة مستحبة ، ولها شروط ، وهي الملك ، والسوم وحلول الحول عليها ، وليس بها نصاب يراعى في ذلك ، فاذا حصلت فيها الشروط التي ذكرناها كان على كل رأس من العتاق منها ديناران ، وكل رأس من البرازين دينار واحد.

والمال الذي يغيب عن صاحبه سنين ، ثم يعود اليه ولم يكن متمكنا في حال غيبته من التصرف فيه ، فإنه يستحب ان بزكى لسنة واحدة.

واما مال الأطفال ، والمجانين الصامت (٣) ففيه الزكاة أيضا مندوبة إذا

__________________

(١) اى النقدين :

(٢) كذا في النسخة ويحتمل التصحيف ويكون الصحيح « بخسارة » :

(٣) اى المال الصامت الذهب والفضة

١٦٧

اتجر الولي به نظرا لهم فعليه إخراجها عنهم.

ويجوز ان يأخذ لنفسه من الربح مقدار ما يحتاج اليه على قدر الكفاية ، والأفضل له ترك ذلك.

فان اتجر لنفسه ، وكان في تلك له ذمة (١) تفي بالمال ، كان عليه ضمانه ، وكان الربح له ، وان كان لا ذمة له تفي بذلك ، وتصرف فيه من غير ولاية ولا وصية ، كان عليه ضمان المال ، ويكون الربح لأصحابه ، وليس له فيه شي‌ء ، ويخرج الزكاة عنه.

فاما ما عدا أموالهم الصامتة ـ من المواشي والغلات ـ فان (٢) كان الزكاة واجبة فيها ، وعلى وليهم إخراجها إلى مستحقها.

وسبائك الذهب والفضة ، قد ذكرنا انها متى سبكت فرارا من الزكاة ، كانت الزكاة واجبة عليها ، فان كان لم يسبكها فرارا من ذلك ، فالزكاة مستحبة فيها.

وما كان حليا ، كانت زكاة إعارته.

وكل ما خالف ما ذكرناه « ان الزكاة يتعلق به » من الخضر كالبقول ، وو الباذنجان والبطيخ ، وما أشبه ذلك وليس يتعلق بشي‌ء من الزكاة.

« باب المقدار الذي ينبغي إخراجه من الزكاة ».

المقدار الذي ينبغي إخراجه منها هو ما يجب في النصاب ، وقد تقدم في ما سلف ذكر ذلك.

__________________

(١) اى متمكنا من الضمان كما في المبسوط ، ج ١ ، ص ٢٣٤ والظاهر ان المراد ان يكون متمكنا من مال يفي بمال الصغير :

(٢) الظاهر زيادة « ان » :

١٦٨

« باب في « من المستحق » للزكاة ».

الذي يستحق الزكاة ، هو من ذكره الله تعالى في القرآن (١) من الأصناف الثمانية ، وهم : الفقراء والمساكين ، والعاملون عليها.

والمؤلفة قلوبهم ، ( وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون ( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السبيل.

فاما الفقراء فهم الذين لا شي‌ء لهم ، واما المساكين فهم الذين يكون لهم مقدار من القوت لا يكفيهم ، واما العاملون عليها فهم عمال الصدقات ، والسعادة فيها.

واما المؤلفة قلوبهم الذين يستمالون الى الجهاد ، واما الرقاب فهم العبيد ، والمكاتبون منهم إذا كانوا في ضر وشدة ، فإنه يجوز ابتياعهم من الزكاة ، ويستنقذون ذلك (٢) مما يكونون فيه من الضر ، والشدة.

فاما الغارمون فهم الذين قد ركبتهم الديون في غير معصية الله تعالى ، لأنه متى كان عليهم دين أنفقوه في ذلك ، فلا يجوز ان يقضى ذلك عنهم من الزكاة.

واما سبيل الله فهو الجهاد ، وما فيه صلاح للمسلمين مثل عمارة الجسور ، والقناطر ، وما جرى مجرى ذلك.

فاما ابن السبيل فهو المنقطع به وان كان غنيا في بلده ، وقد ذكر انه الضيف الذي ينزل بالإنسان وان كان أيضا غنيا في بلده.

ويجب ان يعتبر في سائر ما ذكرناه من هؤلاء إلا المؤلفة قلوبهم شروط ثلاثة.

أولها : ان يكونوا من أهل العدالة والايمان المعتقدين له ، لان من لا يكون كذلك بان يكون ليس من أهل الايمان ، والمعرفة به ، ولا من المعتقدين له ، ولا هو على ظاهر العدالة ، والصلاح ، أو كان فاسقا يشرب الخمر أو غيره من أنواع الفسق وهو من أهل الإيمان ، فإنه لا يستحق شيئا من الزكاة. ولا يجزى دفع شي‌ء منها اليه عمن وجبت عليه.

__________________

(١) التوبة الآية ٦٠ :

(٢) هكذا في النسخة ، ولعل الصحيح « بذلك » بدل « ذلك » :

١٦٩

وثانيها : ان لا يكون من بنى هاشم المستحقين للخمس المتمكنين من أخذه ، لان من يتمكن منهم من أخذه لم يجز له أخذ الزكاة.

وان كانت حالهم حال ضرورة ، وهم غير متمكنين من أخذ ذلك معها ، جاز لهم أخذ الزكاة ، والاستعانة بها على أحوالهم رخصة لهم عند عدمهم لأخذ ما يستحقونه من الأخماس وكانت مجزية عمن أخرجها إليهم ، وهم على هذه الحال. وسيأتي في باب الخمس ذكر من يستحق من بنى هاشم بعون الله سبحانه.

وثالثها : ان يكونوا ممن لا يجب على المكلف الإنفاق عليه مثل الوالدين ، والولد ، والجد والجدة ، والزوجة ، والمملوك. فاما من خالف هؤلاء من الأقارب فإنه يجوز دفع الزكاة إليه إذا كان على الشروط التي تقدم ذكرها.

والأفضل ان لا يعدل (١) الإنسان بالزكاة غير هؤلاء بل يفرقها عليهم ، فان جعل لهم قسطا وللأجنبي المستحق بها قسطا كان جائزا.

ومن كان له مملوك يخدمه ودار يسكنها وليس دار غلة ، فإنه يجوز له أخذ الزكاة ، وهكذا إذا كانت دار غلة غير ان غلتها ليست تقوم بحاله وحال عياله ، فإنه يجوز أخذها ، وان كان في غلتها كفاية لذلك لم يجز دفع الزكاة.

ومن كان له صناعة أو معيشة لا تقوم بحاله وحال عياله فإنه يجوز له أخذها. وان كان ما يكسبه منها يقوم بحاله ، أو حالهم ، لم يجز دفعها اليه.

ومن لا يحسن ان يعيش ، ويكسب ما يقوم بحاله ، فإنه يجوز له أخذها ولو كان معه سبع مأة درهم كما ورد الخبر (٢) بذلك.

ولو كان معه خمسون درهما ، ويحسن ان يتعيش بها ، ويكسب ما يقوم بحاله ، وحال عياله ، فليس يجوز له أخذها.

__________________

(١) من العدول :

(٢) جامع أحاديث الشيعة ج ٨ ص ١٧١ باب من يستحق الزكاة ومن لا يستحق ، الوسائل ج ٦ ، الباب ٨ الحديث ١ ، والباب ١٢ ، الحديث ٢ :

١٧٠

ومن كان عليه دين أنفقه في غير معصية كما ذكرناه فيما سلف ، فإنه يجوز قضائه عنه من الزكاة ، وكذلك العبد ، والمكاتب يجوز له ابتياعهما على ما قدمناه من الزكاة والميت إذا كان عليه دين فإنه يجوز ان يحتسب به من الزكاة ، فإن كان على ميت من المؤمنين دين جاز ان يقضى عنه ذلك ، ويجوز للولد قضاء الدين من والديه ، أو ولده من الزكاة إذا كان عليهم شي‌ء من ذلك.

ويجب حمل الزكاة الى الامام « عليه‌السلام » إذا كان ظاهرا. ليفرقها على مستحقيها ، وان كان غائبا ، فإنه يجوز لمن وجبت عليه ، ان يفرقها في خمسة أصناف وهم : الفقراء ، والمساكين ، والرقاب ، والغارمون ، وابن السبيل.

ويسقط من الأصناف الثانية ـ التي ذكرنا انهم يستحقون الزكاة ، ويصح دفعها إليهم ـ من لا يتم الا مع ظهور الامام « عليه‌السلام » أو من نصبه ، الثلاثة (١) الأصناف الباقية ، وهم العاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، وفي سبيل الله ، لان وجودها لا على الوجه الذي معه يستحقون الزكاة.

وإذا عرف الإنسان مستحق الزكاة ، وهو يستحيى من أخذها ، والتعرض لها جاز دفعها اليه ، من غير ان يعلم انها من الزكاة.

وإذا دفع إنسان إلى غيره زكاة ليفرقها في مستحقيها ، وكان الذي دفع اليه من المستحقين لأخذها ، جاز له ان يأخذ منها. مثل ما يدفعه منها الى غيره.

فان عين له على أقوام يدفع ذلك إليهم لم يجز له أخذ شي‌ء منها ، بل يدفعها إلى الذي عين له دفعها إليهم ، دون غيرهم.

ومن وجب إخراج الزكاة عليه ، أخرجها إلى مستحقها على الفور والبدار دون التراخي.

فإن مطل بإخراجها مع تمكنه من ذلك ، وإيصالها إلى مستحقها وهلكت كان عليه ضمانها ، وإخراجها ثانيا. ومن وجبت عليه الزكاة ، وكان في بلده مستحق

__________________

(١) عطف بيان لقوله « من لا يتم » :

١٧١

لها ، وهو عالم به ، فلم يدفعها اليه ، وأخرجها إلى مستحقها في بلد آخر ، فهلكت في الطريق ، فعليه ضمانها ، وإخراجها ثانيا أيضا الى مستحقها. وان لم يعلم في بلده مستحقا لها ، وإخراجها الى من يستحقها في بلد آخر ، فهلكت ، لم يكن عليه شي‌ء.

وكذلك الحكم إذا لم يجد من يستحقها في بلده ، ولا في غيره ، ثم عزلها الى ان يجد لها مستحقها ، أو كان يجد مستحقها في غير بلده ، ولا يقدر على إنفاذها ، إليه ثم هلكت ، فإنه لا شي‌ء عليه في شي‌ء من ذلك ، ولا يلزمه ضمانها ولا إخراجها دفعة أخرى.

فإذا لم يجد من وجبت عليه الزكاة مستحقا لها ، وعزلها ، ثم مات ، وهي باقية ، فيجب عليه ان يوصى الى من يثق به ليدفعها الى مستحقها إذا تمكن من ذلك ، فاذا فعل ما ذكرناه ، برأت ذمته منها.

وان حضره مستحق للزكاة قبل دخول وقتها فإنه يجوز ان يدفع إليه بنية القرض ثم يعتبر حاله إذا دخل الوقت.

فان كانت على ما كانت عليه ـ ولم يتغير ، ولا صار بصفة من لا يستحقها ، ولا يجوز له أخذها ـ جاز ان يحتسب بها منها وان كانت حاله قد تغيرت ، وصار بصفة من لا يستحقها لم يجز الاحتساب بها ، فان احتسب لم يجز عنه ، ووجب عليه إخراجها ودفعها الى مستحقها.

« باب المقدار الذي ينبغي دفعه الى مستحق الزكاة منها »

أقل ما ينبغي دفعه من الزكاة إلى مستحقها هو ما يجب في نصاب واحد ، ويجوز ان يدفع إليه أكثر من ذلك ، ويجوز أيضا ان يدفع من وجبت عليه الزكاة ، زكاة ماله بمجموعها الى واحد ممن يستحقها ، وينبغي ان يدفع زكاة الذهب والفضة إلى الفقراء المعروفين بأخذ ذلك ، ويدفع زكاة المواشي إلى المتحملين ممن يستحقها ،

١٧٢

« باب الوقت الذي ينبغي إخراج الزكاة فيه »

الوقت الذي ينبغي إخراج الزكاة فيه ، هو دخول أول يوم من الشهر الثاني عشر ، من السنة التي حالت على المال ، ويتضيق الوجوب في ذلك الى آخره ، فاذا خرج الثاني عشر كان قاضيا لها إذا أخرجها هذا إذا كان المال حاصلا في جميع الحول ، من أوله إلى اليوم الذي ذكرناه ، ولم يكن من الغلات ، لان الغلات لا يراعى فيها الحول على ما قدمناه وانما يراعى فيها الملك وحصول النصاب.

واليوم الذي هو أول يوم من الشهر الثاني عشر ، هو أول وقت الوجوب ثم كلما مضى من الشهر شي‌ء ازداد تضييق الوجوب الى آخره ، وان لم يخرجها من وجبت عليه الى مستحقها مع تمكنه من ذلك ، أو (١) عزلها من ماله مع عدم تمكنه من إخراجها إليه ، إلى ان ينقضي الشهر الثاني عشر من الحول كان مخطئا وكانت في ذمته الى ان يوصلها الى المستحق لها.

ولا يجوز تقديم إخراجها على وقت الإخراج لها إلا بنية القرض وقد وردت اخبار (٢) تتضمن جواز تأخيرها عن وقتها ، وتقديمها عليه ، والوجه في تقديمها ما ذكرناه من الإخراج لها بنية القرض ، واما التأخير لها ، فهو محمول على انتظار من يستحقها.

« باب زكاة الرؤس »

زكاة الرؤس هي زكاة الفطرة ، وينبغي ان يبين من يجب عليه ، وما يجب فيه ، ومن يستحقها ، وما أقل ما يدفع عليه منها ، وما الوقت الذي يجب إخراجها فيه

__________________

(١) الظاهر انها عطف على « ذلك » :

(٢) الوسائل ج ٦ ، الباب ٤٩ ، من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١١ و ١٣.

١٧٣

« باب فيمن يجب عليه زكاة الفطرة ، وما يتعلق به من ذلك »

الذي يجب عليه الفطرة هو كل من يجب عليه زكاة أول نصاب من الأموال ومن لا يملك ذلك فليست الفطرة واجبة عليه.

ويستحب له ان يخرجها عن نفسه ، وعمن يعول ان كان له عيال ، فان لم يكن له ذلك أخرجها عن نفسه استحبابا.

فان كان ممن يستحق أخذها ، فليأخذها ويخرجها عن نفسه وعمن يعوله ان كان له ذلك ، وعن نفسه ان لم يكن له عيال.

فان كان محتاجا إليها أدارها على عياله الى ان ينتهي إلى آخرهم ثم يخرج منهم الى غيرهم مما ينبغي إخراجه عن رأس كل واحد.

وإذا كان عند إنسان ضيف ، يفطر عنده في شهر رمضان ، أو كان لزوجه مملوك في عياله أو ولد له فيه مولود ، كان عليه إخراج الفطرة عنه وجوبا.

اللهم الا ان يكون المولود يولد ليلة الفطر ، أو في يومه التي قبل صلاة العيد ، فيكون إخراج ذلك عنه استحبابا.

والمكاتب إذا لم يكن مشروطا عليه لم يجب على مكاتبه إخراج الفطرة عنه ، فان كان مشروطا عليه كان على سيده إخراجها عنه.

والكافر إذا أسلم في شهر رمضان قبل ليلة الفطر وجب عليه إخراجها ، وان كان أسلم ليلة الفطر ، أو في يومه قبل صلاة العيد لم يجب عليه ذلك ، وكان عليه ان يخرجها استحبابا. وإذا ملك عبد عبدا ، كان على السيد إخراج الفطرة عنهما جميعا.

« باب ما تجب فيه الفطرة »

تجب في الحنطة ، والشعير على أهل الموصل ، والجزيرة ، والجبال ، وباقي خراسان.

١٧٤

والتمر على أهل مكة ، والمدينة ، واليمن ، واليمامة ، والبحرين ، وأطراف الشام ، والعراقين ، وفارس ، والأهواز وكرمان. والزبيب على أهل أوساط الشام و « مرو » من خراسان ، والري ، والأرز على أهل طبرستان ، والبر على أهل مصر ، والأقط (١) على الاعراب ، وسكان البوادي ، ومن لم يجد منهم الا قط اخرج عنه اللبن والتمر ، والزبيب ، وهو أفضل ما يخرج في الفطرة لمن وجبت عليه.

« باب فيمن المستحق للفطرة ، وكم أقل ما يدفع منها إليه »

الذي يستحق أخذ زكاة الفطرة هو كل من يستحق أخذ زكاة الأموال ، وقد ذكرناه في ما تقدم.

وإذا كان الامام « عليه‌السلام » ظاهرا وجب على من وجبت عليه الفطرة حملها اليه ليدفعها الى مستحقها ، ولا يتولى هو ذلك بنفسه ، فان لم يكن الامام «ع» ظاهرا كان عليه حملها الى فقهاء الشيعة ، ليضعها في مواضعها ، لأنهم أعرف بذلك ولا يجوز ان يدفع الا الى أهل الايمان ، والمعرفة ، كما ذكرناه فيمن يستحق أخذ زكاة الأموال. ولا يجوز دفعها الى من لا يجوز دفع زكاة الأموال اليه الا في حال التقية ، والأفضل له في هذه الحال ان لا يدفعها الى من ذكرناه ، بل يدفع اليه عن غيرها.

والحكم في حملها من بلد الى آخر ، كالحكم فيما ذكرناه في زكاة الأموال ، وكذلك الحكم في عزلها.

والأفضل لمخرج الفطرة ان لا يتعدى أقاربه إذا كانوا من المستحقين لها. وكذلك الأفضل ان لا يتعدى الى من يستحقها من جيرانه إذا كانوا على الشروط التي قدمنا ذكرها ، فان تعدى بها من ذكرناه من الأقارب ، والجيران ، ودفعها الى

__________________

(١) الأقط بفتح الهمزة وكسر القاف : الجبن المتخذ من اللبن الحامض.

١٧٥

من يستحقها من غيرهم ، لم يكن عليه شي‌ء ، بل يكون تاركا للأفضل.

فاما أقل ما ينبغي دفعه الى المستحق لها منها فهو ان يدفع الى الواحد ممن ذكرناه ما يجب إخراجه عن رأس واحد.

فاما ما كان أكثر من ذلك فيجوز دفعه اليه.

« باب في ذكر الوقت الذي يجب إخراج الفطرة فيه »

هذا الوقت هو من طلوع الفجر من يوم العيد الى قبل صلاة العيد ، وكل ما قرب وقت هذه الصلاة تضيق الوجوب. فمن لم يخرجها حتى قضيت الصلاة كان تاركا لما وجب عليه ، ومخطئا في ذلك ، فإن أخرجها بعد هذه الصلاة لم تكن واجبة ، وجرى مجرى الصدقة المتطوع [ بها ] ، وقد ورد (١) جواز تقديم إخراجها في شهر رمضان ، والأفضل إخراجها في الوقت المضروب لوجوبها.

« تم كتاب الزكاة »

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ٣ و ٤

١٧٦

« باب الخمس وأحكامه »

أحكام الخمس تتبين بذكر أشياء :

منها ما الذي يجب الخمس فيه ، ومنها ما يراعى فيه مقدار ، وما لا يراعى فيه ذلك ، ومنها متى يجب ، ومنها من المستحق له ، ومنها كيفية قسمته.

« باب في ذكر ما يجب الخمس فيه »

الخمس يجب في « كنوز » الذهب والفضة والدنانير والدراهم ، « والغنائم الحربية » ، و « جميع المعادن » من الذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والرصاص والزيبق والكحل والزرنيخ والنفط والقير ، « والنوص » والموميا والكبريت والزبرجد والياقوت والفيروزج والبلخش (١) والعنبر والعقيق « وأرباح التجارات والمكاسب كلها » و « المال الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز » و « الأرض إذا ابتاعها الذمي من المسلم ».

فاما الكنز إذا وجد فليس يخلو اما في دار الحرب ، أو في دار الإسلام ، فإن كان في دار الحرب ، كان فيه الخمس على كل حال.

فان كان في دار الإسلام ، فلا يخلو من ان يكون وجد في ملك الإنسان أو في أرض ليس لها مالك ، فان كان في ملك الإنسان ، أو في أرض ليس لها مالك ، كان

__________________

(١) البلخش معرب بلخچ وهو الزاج الأسود :

١٧٧

عليه ان يعرف به ، فان عرف ، كان لمن عرفه.

وان لم يعرفه ، فليس يخلو من ان يكون عليه أثر الإسلام ، مثل سكة الإسلام ، أو لا يكون عليه اثر لذلك ، فان كان عليه أثر الإسلام ، كان بمنزلة اللقطة ، وسيجي‌ء أحكام اللقطة بعون الله سبحانه.

وان لم يكن عليه أثر الإسلام ، فإنه يخرج منه الخمس ، ويكون الباقي لمن وجده.

فأما الغنائم الحربية ، فهي كل ما يغتنمه المسلم في دار الحرب مما يحويه العسكر ، ومما لا يحويه ومما يمكن نقله الى دار (١) الإسلام ، وما لا يمكن ذلك فيه من الأموال ، والأرضين ، والذراري (٢) ، والعقار والكراع (٣) ، والسلاح ، وغير ذلك مما يصح تملكه ، وكان في يد أهل الحرب على جهة الإباحة أو الملك ، ولم يكن غصبا لمسلم. ففي ذلك كله الخمس في كل شي‌ء منها.

واما المعادن التي ذكرناها ، فإنه يجب الخمس في كل شي‌ء منها.

واما الغلات والأرباح والمكاسب ففيها الخمس كما ذكرناه بعد إخراج حق السلطان ، وقوت الرجل لنفسه وعياله على الاقتصاد (٤) في ذلك.

ويجب الخمس في العسل الذي يؤخذ من رؤس الجبال ، وكذلك في المعدن إذا كان لمكاتب ، والعامل في المعدن إذا كان مملوكا ، كان فيه الخمس ، لان كسبه لسيده.

واما المال الحرام ، إذا اختلط بالحلال ، فإنه ينبغي ان يحكم فيه بالأغلب. فإن كان الحرام الغالب ، احتاط من هو في يده في إخراج الحرام منه. فان لم يتميز له ذلك اخرج منه الخمس ، ويصح تصرفه في الباقي على وجه الحلال.

__________________

(١) في نسخة « ديار » بدل « دار » :

(٢) اى الأولاد الصغار :

(٣) الكراع اسم لجماعة الخيل.

(٤) اى مقتصدا :

١٧٨

ومن ورث من المال ما يعلم ان صاحبه جمعه من وجوه محرمة مثل الربا والمغصوب وغير ذلك ـ ولم يتحقق مقداره فليخرج منه الخمس ويتصرف في الباقي ، فإن غلب في ظنه أو علم ان الأكثر حرام احتاط في إخراجه قليلا كان أو كثيرا ، أورده الى من هو له ان تميز له ذلك ، فان لم يتميز ذلك له ، تصدق به عنهم.

واما الأرض إذا ابتاعها ذمي من مسلم ، ففيه الخمس. كما ذكرناه.

« باب ذكر ما يراعى فيه مقدار ، وما لا يراعى فيه ذلك »

ما يراعى فيه مقدار : شيئان ، أحدهما يراعى فيه بلوغ النصاب الذي تجب الزكاة فيه ، والأخر يراعى في بلوغه مقدار دينار فصاعدا.

واما الأول فهو في جميع الكنوز ، واما الثاني فهو الغوص ، فليس يراعى مقدار في شي‌ء يجب الخمس فيه الا في هذين الجنسين.

فاما ما خالفهما ، فلا يراعى فيه ذلك على وجه من الوجوه.

« باب ذكر الوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه »

الوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه ، هو حين حصول المال من غير مراعاة لحلول الحول عليه ، ولا غير ذلك.

« باب ذكر مستحق الخمس »

الذي يستحق الخمس ستة ، وهم : الله سبحانه وتعالى ، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذوو القربى وهو الامام عليه‌السلام واليتامى والمساكين وابن السبيل ممن ينتهي الى أمير المؤمنين عليه‌السلام على ابن ابى طالب عليه‌السلام بالولادة وجعفر وعقيل والعباس بن عبد المطلب عليهم‌السلام.

١٧٩

« باب ذكر قسمة الخمس »

قال الله سبحانه ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ). (١)

فعلى هذا يقسم الخمس ستة أسهم ، ثلاثة منها وهي سهم الله تعالى ، وسهم رسوله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » وسهم ذي القربى للإمام « عليه‌السلام » والثلاثة أسهم الباقية. يفرقها الامام عليه‌السلام على يتامى آل محمد « صلى‌الله‌عليه‌وآله » ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، لكل صنف منهم سهم.

وعلى الامام عليه‌السلام تسليم (٢) ذلك على قدر كفايتهم. ومؤنتهم للسنة على جهة الاقتصاد.

فإن فضل من ذلك شي‌ء كان له ، وان نقص فعليه ان يتمه مما يختصه ، وليس لغير من تقدم ذكره في الخمس حق ، بل هو لمن يحرم عليه الزكاة ذكرا كان أو أنثى ممن ذكرناه فيما تقدم.

وكل ما يختص من الخمس بالمساكين ، أو المناكح ، أو المتاجر فإنه يجوز التصرف فيه في زمان غيبة الإمام (ع) ، لأن الرخصة قد وردت (٣) في ذلك لشيعة آل محمد عليهم‌السلام ، دون من خالفهم.

واما ما يختص به من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة التصرف في شي‌ء منه ، ويجب على من وجب عليه حمله الى الامام (ع) ليفعل فيه ما يراه ، فان كان (ع) غائبا ، فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس ان يقسمه ستة أسهم على ما بيناه ،

__________________

(١) الأنفال الآية ٤١

(٢) في نسخة : تقسيم

(٣) المستدرك ـ الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٣ وفي جامع أحاديث الشيعة ج ٨ ، الباب ٧ من أبواب فيمن يستحق الخمس ، الحديث ١٢ ، ص ٥٩٥ :

١٨٠