المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

لسانه وكان ممن يحسن الكتابة كتبها وأمضيت بحسب ذلك فان لم يقدر على الكتابة وأومى بها وفهم مراده من ذلك ، أمضيت أيضا على حسب ما يومئ به ويفهم منه. فان قال له إنسان « تقول كذا وكذا وتأمر بكذا وكذا » فأشار برأسه كما يفيد إشارته به « نعم » كان ذلك جائزا بشرط ثبوت عقله كما قدمناه.

وأول ما يبدء به من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وإذا لم يترك الميت الا مقدار الكفن كفن به ولم يقض به دين فان تبرع إنسان بتكفينه صرف ما تركه في الدين.

وإذا غاب رجل عن اهله وترك لهم نفقة سنة ومات بعد شهر وجب على اهله رد ما فضل عن نفقة الشهر الى الميراث وكان من جملته.

« تم كتاب الإقرار »

٤٢١

« كتاب الوديعة »

قال الله سبحانه ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (١)

وقال الله تعالى ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (٢)

وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « أد الأمانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك » (٣)

وروى انه صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد الهجرة كانت عنده ودائع أودعها أم أيمن وأمر أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام بردها على مستحقها (٤)

فجواز الوديعة لا خلاف في صحتها وهي أمانة ، فمن كانت عنده وديعة فطلبها صاحبها وجب ردها عليه وليس عليه فيها ضمان الا بتفريط

وإذا أراد المقيم ان يؤدى الوديعة ردها على صاحبها أو وكيله فاذا فعل ذلك لم يكن عليه شي‌ء فان كان متمكنا من ردها على صاحبها أو وكيله ثم ردها على الحاكم أو ثقة الحاكم كان ضامنا لها وإذا لم يقدر على المودع (٥) ولا وكيله وردها على الحاكم أو ثقة من غير عذر كان

__________________

(١) النساء ، الاية ٥٨

(٢) البقرة ، الاية ٢٨٣

(٣) المستدرك ـ كتاب الوديعة ـ باب وجوب أداء الأمانة ـ الحديث ١٢

(٤) المصدر السابق.

(٥) مبني للفاعل

٤٢٢

عليه ضمانها فان كان ذلك عن عذر مثل حريق أو نهب لم يكن عليه ضمان.

ولا يجوز للمودع (١) السفر بالوديعة على حال الا ان يكون في البلد الذي هو فيه خوف من نهب أو حريق ويخاف من ذلك فيجوز له حينئذ السفر بها ومتى أراد السفر ردها على صاحبها أو وكيله ، فان لم يتمكن منهما وردها الى الحاكم أو ثقته فلا ضمان عليه فيها ، فان كان متمكنا من ردها الى صاحبها أو وكيله فردها الى الحاكم أو ثقته كان عليه ضمانها.

فإن أراد المودع السفر فدفنها كان عليه أيضا ضمانها ، لأنه تعدى بها وإذا تعدى المودع في الوديعة كان عليه ضمانها ، فإن أعادها إلى حرزها لم يزل ضمانها عنه الا ان يردها على صاحبها أو وكيله.

وإذا طولب المودع برد الوديعة فلم يردها مع تمكنه من الرد كان عليه ضمانها وكذلك ان جحدها فان اعترف بها بعد ذلك لم يزل الضمان ، وكذلك خلطها بغيرها

وإذا أودع إنسان غيره وديعة وشرط عليه ضمانها لم يصح الشرط وكانت غير مضمونة.

وإذا تعدى المودع في الوديعة فأخرجها من حرزها فقد قلنا ان عليه ضمانها. فان ردها الى صاحبها ثم أعادها صاحبها اليه على وجه الوديعة فقد زال ضمانها عنه فان عزم المودع على التعدي في الوديعة ولم يتعد فيها فلا ضمان عليه بذلك العزم ، لان الضمان يلزم بالتعدي لا بالعزم عليه والتعدي في ذلك لم يحصل.

وإذا كان عنده وديعة مشدود عليها في خرقة أو ما جرى مجراها أو كانت في كيس مختوم عليها فقطع خيطه أو حله أو كسر الختم كان عليه ضمانها لأنه قد هتك الحرز وان خرق الكيس فوق الشد والختم لم يكن عليه ضمان وعليه أرش ما نقص بالتخريق من الكيس وان كان التخريق ـ شق أو بط ـ (٢) من تحت الشد أو من تحت الكيس فان عليه

__________________

(١) مبني للمفعول وكذا ما يأتي بعده

(٢) بط بطأ الصرة : شقها والظاهر انه أخص من الشق

٤٢٣

ضمانها سواء أخذها أو لم يأخذها فإن كانت الوديعة في غير حرز مثل ان يكون دنانير أو دراهم مصبوبة في شي‌ء فيأخذ المودع منها دينارا أو درهما لم يكن عليه الا ضمان ما أخذه دون الباقي لأنه هو الذي تعدى فيه ، وغيره على ما كان عليه فان رد ما أخذه بعينه سواء تميز من الباقي أو لم يتميز منه فإنه لا ضمان عليه.

فان لم يرد ذلك بعينه بل رد بدله فان كان هذا البدل يتميز من الباقي كان عليه ضمان ما أخذه دون الباقي ، وان كان لا يتميز من ذلك كان عليه ضمان الجميع ، لأنه خلط مال صاحب الوديعة بمال غيره من غير اذن مالكه له في ذلك.

وإذا كانت الوديعة حيوانا وامره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك فان لم يفعل حتى هلكت من تركه لذلك كان عليه ضمانها. فان سقاها بنفسه في بيته كان ذلك منه غاية في حفظه لها ولا ضمان عليه وكذلك إذا أمر غلامه بسقيها في بيته لأن العادة جارية بأن يأمر الإنسان غلامه بذلك ولا يتولاه بنفسه.

فان كان في داره نهر أو بئر تسقى دوابه منه ويمكنه سقى الوديعة منه فأخرجها إلى بئر ليسقيها كان عليه الضمان لأنه أخرجها من غير حاجة الى إخراجها ولا عذر له في ذلك وان لم يكن في داره بئر ولا نهر فأخرجها إلى موضع جرت العادة في بلده بإخراج الدواب اليه ليسقي منه من بئر أو نهر فحدث بها حادث لم يكن عليه ضمان.

فان كان المودع أطلق الأمر ولم يذكر للمودع سقيا ولا علفا لزمه ذلك ، لان العادة جارية بأن السقي والعلف لا بد منه. فإن أمره بان لا يعلفها ولا يسقيها فهلكت من تركه لذلك لم يكن عليه ضمانها ، وان كان هو آثما في تركه القيام بها وقبول أمر صاحبها بترك ذلك ، ويجرى ذلك مجرى امره له بأن يقتل عبده فقتله في انه يكون آثما بقبول امره بقتله وسقوط ضمانه له.

وإذا كانت الوديعة من الإبل والبقر والغنم أو غير ذلك من الحيوان وصاحبها غائب ، فأنفق المستودع بغير أمر الحاكم كان ، متطوعا فان رفع امره الى الحاكم واثبت عنده ان الوديعة وديعة لزيد الغائب ، أمره الحاكم بالنفقة عليها فتكون هذه

٤٢٤

النفقة دينا له على صاحب الوديعة ويجوز له مطالبته ، فاذا حضر وطالب ، الزمه الحاكم الخروج اليه منها.

فان اجتمع عنده من ألبانها شي‌ء وخاف فساده ، أو كانت نخلا فاجتمع عنده من ثمرها شي‌ء فباع ذلك بغير أمر صاحب الوديعة وهو في البلد كان ذلك ضامنا لذلك وان باع بأمر الحاكم وهلك الثمن لم يكن عليه ضمان.

وإذا ادعى المستودع أنه أنفق الوديعة على أهل المودع بامره وصدقه أهله في ذلك وأنكر صاحب الوديعة ذلك وقال : « لم آمرك بإنفاقها على عيالي » كان القول قول صاحب الوديعة مع يمينه. وكذلك الحكم إذا ادعى المستودع ان صاحب الوديعة امره بالصدقة.

وإذا أودع إنسان عند غيره وديعة وشرط عليه ان لا يخرجها من موضع عينه ، ولا فرق في ان يكون الموضع مكانا أو بلدا أو قرية ، فنقلها من ذلك الموضع فان كان نقلها لضرورة مثل الخوف عليها من حريق أو نهب أو غرق ، لم يكن عليه ضمانها. وان كان نقلها لغير ضرورة كان عليه ضمانها. فان نقلها وادعى انه لم ينقلها إلا لأجل الخوف من النهب والحريق لم يقبل قوله الا ببينة تشهد له بذلك

فان ادعى هلاكها ـ بسرقة أو غصب أو إتلاف ـ من يده كان القول قوله مع يمينه من غير بينة والفرق بين الموضعين ان الحريق والنهب والغرق لا يخفى ويمكن إقامة البينة عليها.

وإذا أودع وديعة وادعى المودع ردها على صاحبها وأنكر المودع ذلك كان القول قول المودع مع يمينه لأنه أمينه.

وإذا ادعى إنسان وديعة فقال المودع « ما أودعتني » كان القول قول المودع مع يمينه ، لان اليمين على المنكر والبينة على المدعى. وإذا قال : « أمرتني بان ادفعها الى زيد ودفعتها إليه » فأنكر وقال : « ما أمرتك بذلك » كان القول قول صاحبها مع يمينه لأن الأصل ان لا دفع.

٤٢٥

وإذا أودعها في كيس فأخرجها منه كان ضامنا لها لأنه هتك حرز صاحبها ، ويجرى ذلك مجرى إيداعها في صندوق فيخرجها منه ، في انه يلزمه ضمانها لأنه هتك الحرز.

وإذا أودعها صاحبها وهي في كيس فتركها المودع مع مال له في صندوق فيحرق الكيس لم يلزمه ضمان فان هلك منه شي‌ء هلك من مالهما جميعا على مقدار ما كان لكل واحد منهما وإذا أودعه صندوقا وشرط ان لا يرقد عليه فرقد أو نام أو زاده قفلا آخر لم يكن عليه ضمان ويجرى ذلك مجرى ان يقول له : « اتركها في صحن دارك » فيدخلها بيتا ويغلقه عليها في انه لا ضمان عليه لأنه زاده حرزا ، ولا يصح قول من يقول بأنه بالزيادة قد نبه على ان فيه مالا وبضاعة فيلزم لذلك الضمان ، لأنه لو قال بان فيه مالا لا يضمن فبالتنبيه اولى.

وإذا أودعه خاتما وامره أن يجعله في إصبعه البنصر (١) فجعله في الخنصر كان عليه ضمانه لان البنصر أقوى في الحرز من الخنصر. فإن أمره بأن يجعله في الخنصر فجعله في البنصر لم يكن عليه ضمان لأنه بجعله في زاده حرزا فإن أمره بأن يجعله في الخنصر فجعله في البنصر فانكسر كان عليه ضمان الأرش ، لأنه تحامل عليه وتعدى فيه فيلزمه ضمان الأرش لذلك.

وإذا أودع إنسان وديعة وقال للمودع : اجعلها في كمك فجعلها في يده كان ضامنا لها لأنه خالف صاحبها فيما شرط عليه وليس لأحد ان يسقط ضمانه لها بان اليد أحرز من الحكم لأنه يعلم ذلك ومع علمه به فقد شرط عليه جعلها في كمه ولا يمتنع ان يكون له غرض في ذلك ليس بحاصل في جعلها في اليد.

وإذا أودعه شيئا وقال له اجعله في جيبك فطرحه في كمه كان عليه الضمان فان قال له : « اربطه في كمك » فطرحه في جيبه لم يكن عليه ضمان لان الجيب أحرز من الكم فان قال له « اجعله في جيبك » فجعله في فمه كان عليه الضمان ، لأنه جعله فيما هو دون ما

__________________

(١) البنصر بالكسر : الإصبع بين الوسطى والخنصر

٤٢٦

أمره بأن يجعله فيه لأنه ربما سقط من فيه أو بلعه لان الجيب لا يسقط منه شي‌ء الا ان يبط (١)

وإذا أودعه شيئا وهو في طريق أو سوق وقال له : « اجعله في بيتك » وجب عليه حمله الى بيته في الحال فإن أخر ذلك لغير ضرورة كان عليه الضمان ولذلك يلزمه ان يمضي في الحال الى بيته فقصر في المشي (٢) عادته فان مشى على عادته ووصل الى بابه ووقف يدق مقدار ما جرت العادة بأنه يفتح فيه فهلكت الوديعة لم يكن عليه شي‌ء

وإذا أودع رجل عند صبي وديعة فهلكت لم يلزم فيها ضمان فإن أودع صبي عند رجل وديعة وجب على الرجل ضمانها لأن إيداع الصبي وان لم يكن له حكم فقد أخذها الرجل ممن ليس له الأخذ منه فان ردها على الصبي لم يزل الضمان ، لأن بالأخذ لها قد وجب عليه ذلك فليس يسقط بهذا الرد ، لأنه رد على من ليس له ان يرد عليه فان ردها على ولى الصبي زال الضمان عنه بذلك.

وإذا مات إنسان ووجد في « روزنامجة » مكتوب « لزيد عندي كذا وكذا » أو وجد في خزانته شي‌ء مكتوب عليه « لفلان بن فلان » لم يجب على الورثة رد ذلك الى من وجد اسمه مكتوبا عليه لأنه يجوز ان يكون الميت رد عليه ذلك ولم تزل الكتابة التي باسمه ولأضرب عليها ويجوز ان يكون (٣) عنده وديعة فابتاعها من صاحبها ولم يزل اسمه ولأضرب عليه.

« الخلط في الوديعة »

وإذا كان عنده دراهم جيادا فخلطها بدراهم سود أو كان عنده دنانير فخلطها

__________________

(١) يبط اى يشق وتستعمل في الصرة ونحوها

(٢) في نسخة زيادة « بخلاف » وعلى هذا فكلمة « أن » شرطية وفاعل « يلزمه » هو « الضمان »

(٣) في نسخة زيادة « كان »

٤٢٧

بدراهم فخلص بعضها من بعض واحتفظ (١) به لم يكن عليه ضمان فان كانت الوديعة التي خلطها مما لا يتميز بعد الخلط بعض ذلك من بعض كان عليه الضمان. وإذا كانت الوديعة دنانير أو دراهم فأنفقها ثم ورد (٢) في موضعها غيرها لم يزل الضمان عنه بذلك

« دعوى الشخصين في الوديعة »

وإذ كانت الوديعة عند إنسان فادعاها اثنان كل واحد منهما يدعيها لنفسه فقال المودع « هي لأحدكما ولست أدري أيكما هو » طولبا بالبينة فإن أثبتا بينة أو لم يثبتاها (٣) استحلفا ، فان حلفا أقرع بينهما فيها ، فمن خرجت القرعة له دفعت اليه وان اصطلحا عليها كان جائزا وان أراد استحلاف المودع على انه لا يدرى من صاحب الوديعة منهما كان لهما ذلك فإن أثبت أحدهما البينة بأنها له دون الأخر دفعت اليه ، وكذلك ان حلف أحدهما على انها له ونكل الأخر عن اليمين كانت للذي حلف عليها ولم يكن للناكل عن اليمين فيها شي‌ء.

وإذا اختلف اثنان في مال فقال أحدهما : « هو وديعة لك عندي » وقال الأخر « هو دين لي عليك » كان القول في ذلك قول صاحب المال مع يمينه ، وكان على الذي عنده المال البينة بأنه وديعة ، فان لم يكن له بينة وجب عليه اعادة المال الى صاحبه فإن أراد اليمين من صاحب المال بأنه لم يودعه ذلك المال كان له ذلك.

« إيداع الوديعة عند الغير »

وإذا كانت عند إنسان وديعة فأودعها الذي هي عنده عند أخر بغير أمر صاحبها كان عليه ضمانها.

وإذا كانت عنده وديعة وغاب صاحبها ولم يعلم هل هو حي أو ميت وجب عليه إمساكها وحفظها ابدا حتى يحقق حاله فان كان مفقودا كان سبيلها كسبيل سائر أمواله.

« تم كتاب الوديعة »

__________________

(١) في نسخته اختفض بدل « اختفظ » يقال : اختفض السعر : اى انحط ، ولعلها أصح

(٢) كذا في النسخة ولعل أصلها « رد »

(٣) في نسخة « هما » بدل « ها »

٤٢٨

« كتاب العارية »

قال الله تعالى « وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » (١)

والعارية من البر ولا خلاف بين الأمة في جوازها. وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال في خطبة حجة الوداع : العارية مؤداة والمنحة (٢) مردودة ، والدين مقضي والزعيم غارم (٣)

وروى انه صلى‌الله‌عليه‌وآله استعار من صفوان بن أمية يوم خيبر درعا ، فقال اغصبا يا محمد فقال بل عارية مضمونة مؤداة (٤)

فاذا كان جوازها في الشريعة ثابتا فهي أمانة غير مضمونة مؤداة ، الا ان يشترط صاحبها ضمانها ، فان شرط ذلك ثبت ضمانها وان لم يشترط ذلك كانت غير مضمونة على ما ذكرناه.

__________________

(١) المائدة ، الاية ٦

(٢) المنحة بالكسر : في الأصل شاة أو ناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن ، ثم استعملت في مطلق العطية والمراد هنا معناها الأصلي وفي نسخة « منحمة » ولعلها تصحيف.

(٣) المستدرك ج ٢ ، ص ٤٨٩ ، الباب ٤ من أبواب الدين ، الحديث ٤ على اختلاف مع المتن.

(٤) الوسائل ، ج ١٣ ، الباب ١ من أبواب العارية ، الحديث ٤ و ٥ ، ص ٢٣٦ ، على اختلاف مع المتن.

٤٢٩

فاذا استعار إنسان شيئا وقبضه كان له الانتفاع به بمقدار ما اباحه المعير الانتفاع به ، فان تعدى أو شرط عليه الضمان لما ينقص من الاجزاء ، لزمه ذلك.

ومن استعار منشفة (١) فذهب حملها باستعماله لها لم يكن عليه في ذلك ضمان لأن إذن المعير للمستعير في استعمالها اذن في ذلك بمجرى العادة ، وكذلك حكم جميع الثياب التي تذهب جدتها (٢) بالاستعمال في انه ليس على مستعيرها في ذلك ضمان الا ان يكون متعديا في ذلك فيلزمه الضمان

والعارية على ضربين : مضمونة وغير مضمونة فاما المضمونة فهي ما كانت ذهبا أو فضة واما التي ليست مضمونة فكل ما عدا ذلك ، الا ان يشترط الضمان فيها على ما قدمناه.

وإذا كان عند إنسان عارية وردها الى صاحبها أو وكيله برأ من ضمانها ، فان ردها الى ملكه مثل ان يكون دابة فيردها إلى إصطبل صاحبها ويشدها فيه لم يبرأ من ضمانها.

وإذا اختلف صاحب دابة وراكبها فقال صاحبها « أكريتكها » وقال الراكب « أعرتنيها مضمونة » كان القول قول الراكب مع يمينه وعلى صاحبها البينة لأنه يدعي أجرة الركوب. وكذلك الحكم في الأرض المستعارة للزراعة إذا اختلف صاحبها والزارع ، فادعى الزارع العارية وادعى صاحب الأرض الإيجار ، فإن القول قول الزارع مع يمينه.

« التعدي في العارية »

وإذا استعار دابة إلى موضع معين فجاوزه كان عليه الضمان وكذلك إذا استعارها يوما أو شهرا فزاد على ذلك.

وإذا استعار إنسان من غيره أرضا لبناء أو غرس واذن له في ذلك كان جائزا

__________________

(١) منديل يتمسح به والخمل اى الوبر

(٢) اى جودتها وحسنها.

٤٣٠

فاذا كان المعير اذن له في البناء والغرس فزرع كان جائزا ، لأن ضرر الزرع أقل من ضرر البناء والغرس ، فان اذن له في الزرع فبنى أو غرس لم يجز ذلك ، لان ضرر البناء والغرس أعظم ، وليس يكون الاذن في القليل إذنا في الكثير ، فان اذن له في زرع الحنطة فزرع ذرة (١) أو ما جرى مجراها لم يجز ذلك ، لان ضرر الذرة أعظم من ضرر الحنطة. فان اذن له في البناء فغرس أو في الغرس فبنى لم يجز له ذلك لان ضرر أحدهما مخالف لضرر الأخر

واعلم انه ليس من شرط العارية تقدير المدة. فإن قدر ذلك كان جائزا فإن أطلق له واذن في البناء والغرس كان له ذلك ما لم يمنعه فان منعه لم يكن له بعد المنع فعل شي‌ء من ذلك فاذا منعه سقط الإذن فإن كانت المدة مقدرة كان له البناء والغرس ما لم ينقض المدة ، فإذا انقضت لم يكن له احداث شي‌ء بعد ذلك فان غرس أو بنى أو انتفع بشي‌ء من وجوه الانتفاع الذي ليس له ، كان متعديا وله المطالبة بقلعه من غير شي‌ء يضمنه فاذا كان له (٢) قلعها فان عليه (٣) اجرة المثل ان كان تعدى بذلك فاذا قلعها كان عليه تعديل الأرض وتسوية الحفر وطمها ، لأنه أحدثها من غير اذن صاحب الأرض ولا رضاه.

« فروع في إعارة الأرض »

وإذا استعار إنسان من غيره أرضا على ان يبنى فيها دارا أو يغرس فيها نخلا فاذن له في ذلك ثم بدا له في إخراجه كان عليه للمستعير قيمة البناء ، والغرس بعد ذلك (٤) فان قال له أعيرك هذه الأرض عشر سنين تبنى فيها وتغرس وعليك عند انقضاء المدة إن تقلع بناك وغرسك وتسلم إلى ارضى كما أخذتها ، فأجابها الى ذلك ، وجب عليه

__________________

(١) الذرة بضم المعجمة : حب معروف

(٢) اى لصاحب الأرض

(٣) اى على المستعير

(٤) في نسختين زيادة « للمعير » هنا

٤٣١

عند انقضاء المدة رد أرضه اليه ونقض ما بناه وقلع ما غرسه. فان أعاره الأرض وقتا معلوما للزرع فزرعها فلما قارب حصاده أراد إخراجه وقد انقضى الأجل ، لم يخرج حتى يستحصد الزرع ويكون له أجر مثل الأرض في زيادة الأجل.

فان أعاره أرضا على ان يبنى فيها ويسكن ما بدا له فإذا أراد ان يخرج كان البناء لصاحب الأرض ، لم يجز ذلك وهذا يجرى مجرى الإجارة الفاسدة وعلى الساكن اجرة مثل الأرض فيما سكن له والبناء له.

« عارية الدابة »

وإذا أنفذ إنسان رسولا الى غيره يستعير منه دابة يركبها إلى قرية ـ سماها له شرقي البلد ـ فمضى الرسول الى صاحب الدابة فقال : له « فلان يقول لك أعرني دابتك أركبها إلى قرية » ـ سماها غربي البلد بموضع غير الذي ذكره المرسل له ـ فدفع الدابة اليه فركبها المستعير الى الموضع الذي ذكره الرسول لأمر عرض له وليس يعلم بما كان من رسوله فهلكت الدابة لم يكن عليه ضمان ، لان صاحبها أعاره الى ذلك المكان ولو ركبها الى المكان الذي ذكره لرسوله فهلكت ، كان عليه ضمانها ، لان صاحبها لم يعرها الى ذلك المكان ولا يرجع على الرسول في ذلك شي‌ء

وإذا استعار إنسان دابة واستأجرها أيضا فنزل عنها في بعض السكك في المدينة ودخل مسجدا يصلى فيه وخلي عنها فهلكت كان ضامنا لها

وإذا استعار من غيره سلاحا ليجاهد به عارية غير مضمونة فضرب بالسيف أو طعن بالرمح فانكسر السيف أو الرمح لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا استعار أرضا من غيره واذن له المعير في غرس شجرة فيها فغرسها ثم قلعها كان له ان يعيد غيرها ان كان الاذن من المعير قائماً ، فإن رجع عن ذلك لم يكن له اعادة غيرها وكذلك الحكم إذا أعاره حائطا يضع عليه جذعا فوضعه عليه ثم انكسر ، فإنه ليس له اعادة غيره الا ان يكون الاذن في المعير قائماً فإن رجع عن ذلك لم يجز له اعادة غيره مكانه

وإذا كان لإنسان حبوب فجرها السيل إلى أرض إنسان آخر ونبتت فيها ، كان

٤٣٢

الزرع لصاحب الحب ، لأنه عين ماله فاذا كان كذلك لم يجز لصاحب الأرض مطالبته بقلعه ، لأنه لم يتعد في ذلك.

ويجوز اعارة الفحل ، واعارة المملوك للخدمة. فإن كان امرأة لها هيئة كره ذلك فيها ، وان كانت عجوزا لم يكن فيه كراهة ولا تجوز إعارتها للاستمتاع بها ، لان البضع لا يستباح بالعارية. ويكره استعارة الأبوين للخدمة لأن استخدامهما من ولديهما مكروه له.

فان استعارهما ليخفف عنهما ويرفههما من خدمتهما سيدهما كان ذلك حسنا وفيه فضل.

« اجارة العارية وإعارتها »

والعارية لا تجوز إعارتها ولا إجارتها أيضا ، لأن المستعير لها لا يملك منافعها فلا يصح منه إعارتها ولا عقد إجارتها.

وإذا كان مع رجل محل ، صيد لم يجز للمحرم ان يستعيره منه ، لأنه لا يجوز له إمساكه. فإن استعاره منه بشرط الضمان ضمنه. فان تلف في يده لزمه قيمته لصاحبه والجزاء لله سبحانه. وإذا استعار المحل من المحرم مثل ذلك مثل ان يحرم وفي يده صيد فإذا أخذه منه كان ذلك له. فان تلف لم يلزمه ضمانه ، لان ملك المحرم له قد زال عنه وتخليته له عند إحرامه واجبة عليه فاذا أخذه المحل وتلف من يده لم يلزمه شي‌ء ، لأنه ليس بملك له أخذه منه ولا استعارة.

٤٣٣

« كتاب حظر الغصب والتعدي »

وتحريم ذلك معلوم من جهة العقل والشرع. فاما من جهة العقل فهو معلوم من استحقاق الذم لمن غصب مال غيره وتصرف فيه بغير اذنه وتعدى عليه فيه. وهذا (١) وغيره مما يدل على ذلك ، قد تضمنه كتب الأصول ولا معنى لا يراد كل ذلك هاهنا ، لان ذكره في كتب الأصول أولى من ذكره في كتاب من كتب الفروع

واما من جهة الشرع فإجماع المسلمين منعقد على حظره وتحريمه. وقول الله سبحانه :

( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٢) والغصب لا يكون عن تراض من صاحب المال المغصوب منه والغاصب له.

وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه (٣) وروى أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : حرمة مال المسلم كحرمة دمه (٤) وروى

__________________

(١) في نسخة « وهكذا غيره » بدل « وهذا وغيره »

(٢) النساء ، الاية ٢٨

(٣) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٥٩ ، وروى مضمونه في الوسائل ، ج ١٩ ، الباب ١ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٣.

(٤) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٥٩ ، وفي الوسائل ، ج ٨ ، الباب ١٥٨ ، من أبواب العشرة ، الحديث ٣ ، الا ان فيه : حرمة ماله. ومرجع الضمير هو المؤمن.

٤٣٤

أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه ، طوقه الله يوم القيمة من سبع أرضين. (١)

فإذا كان حظر ذلك وتحريمه ثابتا بما ذكرناه فكل من كان له مال فهو أحق به وبالتصرف فيه من غيره ، ولا يحل لغيره ان يأخذ منه الا ما أعطاه صاحبه عن طيب نفس منه ومن أخذ مال غيره بغير طيب نفس منه وجب رده عليه ان كان باقيا. فان كان تالفا كان عليه عوضه أو قيمته على ما يأتي تفصيله.

فان لم يعرف صاحبه أودعه في بيت مال المسلمين الى ان يحضر صاحبه أو وارثه ويأخذه. فإن كان زمانه زمان سلاطين الجور وولاته ، تصدق به عنه ، وكان عليه القيام لصاحبه بالعوض ان حضر ولم يرض بالصدقة ، وعليه مع ذلك النقل اليه من جنسه لذلك عنه (٢) والتوبة الى الله سبحانه منه.

فاما تفصيل أحكام ذلك فعلى ما نذكره : إذا غصب إنسان غيره شيئا من الادهان والاقطان والتمور والحبوب والثمار والجلود التي ليس فيها ماء وما يجرى مجرى ذلك وجب عليه رده على صاحبه ان كان باقيا على ما قدمناه. وان كان تالفا وجب عليه المثل لان ذلك مما له مثل. فإن أعوز المثل ولم يقدر عليه كان عليه القيمة ، فان لم يقبض القيمة حتى مضت مدة اختلف القيمة فيها ـ كان له القيمة في وقت القبض لا وقت الإعواز.

فان لم تكن العين تالفة ـ فيحكم فيها بما ذكرناه وكانت موجودة ـ فجنى عليها جناية نقصت منها شيئا ، أو غصب تمرا أو طعاما فتسوس (٣) وجب عليه أرش ما نقص ، وليس يجب عليه هاهنا مثل. لان ما نقص ليس له مثل وكان الضمان عليه بالأرش دون غيره فان غصب ما لا مثل له وكان من جنس الأثمان ولا صنعة فيه ، مثل

__________________

(١) المستدرك ، ج ٣ ، الباب ٣ من أبواب الغصب ، ص ٤١٦ ، الحديث ٢

(٢) كذا في نسخة ولعل معناها : ان عليه من جنس المغصوب ، والنقل الى المغصوب منه لأجل انه غاصب عنه وفي بعض النسخ « التفصيل » بدل « النقل » وفي أخرى « التصل ».

(٣) اى وقع فيه السوس ، وهو الدود الذي يأكل الحب وشبهه.

٤٣٥

النقرة (١) ، كان عليه قيمة ما أتلف من غالب نقد المصر ، ثم نقد المصر اما ان يكون من جنسه أو من غير جنسه وان كان من غير جنسه وذلك مثل ان يتلف فضة وغالب نقد المصر دنانير أو يتلف ذهبا وغالب النقد دراهم ، فعليه قيمته من غالب النقد ، فان كان غالب النقد من جنسه ، وذلك مثل ان يتلف فضة وغالب النقد دراهم.

فان كان الوزن والقيمة سواء ، أخذ وزنها من غالب. وان اختلفا وكانت القيمة أكثر من وزنها من غالب نقد المصر أو أقل من وزنها كان له قيمتها ، الا انه لا يتمكن من أخذ ذلك من غالب نقد المصر ، لأنه ربا ، لكن يقوم بغير جنسه ويأخذ قيمته ليسلم من ذلك ويأخذ تمام حقه.

وان كان فيه صنعة وكان مما استعماله مباح مثل حلي النساء والخواتيم الفضة للرجال ، وما أشبه ذلك وكان وزنها مثلا مأة وقيمتها لأجل الصنعة مأة وعشرون فان كان نقد المصر من غير جنسها قومت به ، لأنه لا ربا فيه. وان كان غالب هذا النقد من جنسها مثل ان يكون ذهبا وغالب النقد نصف قيمتها ، قومت بغير جنسها ليسلم من الربا فيكون الوزن بحد الوزن والفضل في مقابلة الصنعة لأن للصنعة قيمة الا ترى انه يصح الاستئجار على تحصيلها ، ولأنه لو كسره إنسان فعادت قيمته الى مأة كان عليه أرش النقص.

وان كان مما استعماله حرام مثل أواني الذهب والفضة ، فإن الصنعة تسقط وتكون كالتي لا صنعة فيها وقد تقدم ذكر ذلك.

وان كان من غير جنس الأثمان كالثياب والحديد والرصاص والخشب والعقار وما جرى مجرى ذلك من الأواني كالصحاف (٢) وغيرها كان ذلك مضمونا بالقيمة. فإن أتلف شيئا من ذلك كان عليه قيمته. فإن تراخى وقت القبض لم يجب عليه الا القيمة

__________________

(١) في النسخ « البقرة » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن كما في المبسوط ج ٣ ، ص ٦١ ، والنقرة : هي القطعة المذابة من الذهب والفضة.

(٢) الصحاف جمع صحفة : إناء كالقصعة.

٤٣٦

التي تثبت في ذمته في حال الإتلاف اختلف القيمة أم لم تختلف ، وسواء كان اختلافها متساويا (١) أو متباينا ، فان جنى على شي‌ء من ذلك جناية أتلفت بعضه مثل ان يكون آنية كسرها أو ثوبا خرقه كان عليه القيمة فيما نقص لا غير.

وإذا غصب حيوانا فاما ان يكون آدميا أو غير آدمي ، فإن كان غير آدمي فهو كالدواب ومالا مثل له. فإن أتلفها فكمال القيمة. وان جنى عليها ففيه قيمة ما نقص بعد اندمالها فيكون عليه قيمة ما بين قيمته صحيحا قبل الاندمال وجريحا بعد الاندمال. وهو جار مجرى الثياب سواء إلا في ان الجناية على الثوب لا تسرى الى ما فيه والجناية على البهيمة تسرى الى نفسها.

وان كان الحيوان آدميا وكان حرا فقتله كان عليه ديته. وان جنى عليه جناية وكان فيها مقدر فذلك المقدر. وان لم يكن فيها مقدر كان فيها حكومة وهي ان يقوم لو كان عبدا ليس به جناية ، ثم يقوم وبه جناية فيلزمه بحساب ذلك.

وان كان عبدا فقتله كان عليه قيمته. فان زادت هذه القيمة على دية الحر لم يجب عليه هذه الزيادة. فإن مثل به كان عليه قيمته وانعتق عليه. وان جنى عليه جناية دون التمثيل وكان لهذه الجناية في الحر أرش مقدر كالأطراف والعينين والموضحة (٢) وما أشبه ذلك ففيه مقدار أيضا من أصل قيمته بحساب قيمته كما تضمن من الحر ديته. فاما الحارصة (٣) والباضعة (٤) ففيها بحساب ذلك من دية الحر أيضا ، لأن هذه عندنا في الحر مقدرة.

وان لم يكن لها في الحر أرش مقدر كان فيه أرش غير مقدر ، وهو الفصل بين قيمته صحيحا من غير جناية وقيمته بعد الجناية واندمالها.

__________________

(١) لعل المراد بالمتساوي هو المتقارب وبالمتباين هو المتباعد.

(٢) الموضحة : من باب وضح فيقال : أوضحت الشجة بالرأس كشف العظم.

(٣) الحارصة : من حرص اى شق الجلد.

(٤) الباضغة : الشجة التي تشق اللحم ولا تبلغ العظم ولا يسيل منها دم فان سال فهي دامية.

٤٣٧

وإذا جنى إنسان على عبد غيره جناية يحيط أرشها بقيمته مثل ان يقطع يديه أو رجليه أو يقلع عينيه أو ما جرى مجرى ذلك كان سيده مخيرا بين ان يمسكه ولا شي‌ء له ، وبين ان يسلمه ويأخذ قيمته على كمالها فان جنى عليه جناية لا تبلغ قيمته كان لسيده المطالبة بالأرش مقدرا كان أو غير مقدر ـ وقد تقدم ذكر ذلك ـ وتمسكه (١) فان غصب جارية وزادت في يده بصنعة أو قرآن أو علم أو سمن أو ما أشبه ذلك وزاد لذلك ثمنها ثم ذهب ذلك عنها في يده وعادت الى صفتها التي كانت عليها في وقت غصبها ، وجب عليه ضمان ما نقص في يده. وكذلك عليه ضمان ما ينقص منها لو غصبها وهي حامل ، أو هي غير حامل ثم حملت في يده ، أو أسقطت فنقص بذلك ثمنها.

وإذا غصب جارية قيمتها مأة فزادت زيادة السوق وبلغت ألفا ثم رجعت الى مأة لم يكن عليه ضمان هذا النقص ، لأن زيادة السوق غير مضمونة بلا خلاف. وإذا غصبها وقيمتها مأة فسمنت وبغلت ألفا ثم هزلت حتى رجعت الى المائة كان عليه ردها مع ما نقصت وهو تسع مأة ، لأن الزيادة حدثت مضمونة. وكذلك لو غصبها وقيمتها مأة فتعلمت القرآن وبلغت ألفا ثم نسيته ورجعت الى مأة كان عليه ردها وتسع مأة ، لأن الزيادة حصلت مضمونة. فان هلكت في يده كان عليه ضمانها.

وإذا غصب جارية سمينة مفرطه السمن ، قيمتها لذلك مأة فهزلت وحسنت فصارت قيمتها ألفا أو لم ينقص من قيمتها شي‌ء كان عليه ردها ولا شي‌ء عليه وكذلك لو غصبها وقيمتها الف فسمنت وعادت الى مأة ثم هزلت فرجعت الى ألف ردها ولم يكن عليه شي‌ء لأنه ما نقص منها ماله قيمة فلم يلزمه ضمان. فاذا غصب عبدا قيمته مأة فخصاه فبلغ مأتين كان عليه رده وقيمة الخصيتين ، لان ضمان ذلك مقدر وإذا غصب إنسان غيره جارية وباعها من آخر فحدث بها عند المشترى لها عيب وحضر المغصوب فاستحقها (٢) أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها من

__________________

(١) أي إمساكه ، وفي بعض النسخ « وتمثيله » بدل « وتمسكه ».

(٢) وفي نسخة : « وشخصها » يعنى عرفها بشخصها.

٤٣٨

العيب الحادث في يد المشترى ، من الغاصب ، فإن أخذه منه لم يرجع على المشترى بشي‌ء إذا كان ذلك العيب ليس من فعله. وان رجع على المشترى بالعيب وأخذ ما نقصها منه رجع المشترى بذلك على الغاصب. فان كان العيب بجناية المشترى عليها كان ما نقصها عليه. وان كان بجناية أجنبي كان ذلك على الجاني ، وان شاء ، على الغاصب فان رجع على الغاصب رجع الغاصب على الجاني ، وان شاء رجع على المشترى ويرجع المشترى على الجاني.

وإذا غصب غيره جارية وباعها من آخر ثم حضر سيد الجارية فأجاز بيعها بالثمن كان ذلك جائزا وهو بمنزلة بيع مجدد ويستحق سيد الجارية الثمن. فان كان الغاصب قبضه رجع به عليه. وان كان لم يقبضه كان لمالك الجارية في ذمة المشترى وكل ما حدث ـ بعد اجازة البيع ـ عند المشتري للجارية من ولد أو أرش جناية أو كسب ، كان ذلك للمشتري. لأن صاحبها قد سلم المبيع اليه. وان كان لم يسلم ذلك كان جميع ما حدث بها ـ من ولد ، أو كسب ، أو أرش ، أو وهب لها أو تصدق عليها به ـ للمغصوب منه.

فان كانت الجارية ماتت ثم سلم مالكها المبيع لم يجز. فان لم تمت ولم يسلم مالكها المبيع ، الا ان الغاصب اشتراها منه ، لم يجز البيع الأول (١) وهكذا لو وهبها سيدها له ، أو تصدق عليه بها أو مات فورثها منه.

وكل منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنها تضمن بالغصب مثل منافع الثياب والعبيد والدور والدواب.

وكل مقبوض عن بيع فاسد لا يملك بالبيع الفاسد ولا ينقل به الملك بالعقد فان وقع القبض لم يملك أيضا به ، وإذا لم يملك كان مضمونا فاذا كان كذلك وكان المبيع قائماً وجب رده. فان كان تالفا رد بدله ان كان له مثل ، وان لم يكن له مثل رد قيمته إلى البائع ، لأن البائع دخل على ان سلم له الثمن المسمى في مقابلة ملكه ،

__________________

(١) في نسخة « للأول » بدل « الأول ».

٤٣٩

فإذا لم يسلم له المسمى وجب الرجوع الى عين ماله ، فان هلكت كان له بدلها. وهكذا عقد النكاح إذا كان فاسدا يضمن مع الدخول المهر. وكذلك الإجارة الفاسدة. فإذا كان الأمر على ما ذكرناه فالكلام في الأجرة والزيادة في العين.

فاما الأجرة ، فإن المبيع إذا لم يكن له منافع تستباح بالإجارة مثل الأشجار والطيور والغنم ، لم يضمن الأجرة ، لأنه ليس لها منافع. وان كان له منافع تستباح بالإجارة مثل الثياب والعقار والحيوان وما أشبه ذلك كان عليه اجرة المثل مدة بقائها عنده ، لأن المشتري دخل على ان يكون له ملك الرقبة ، والمنافع حادثة في ملكه بغير عوض. فاذا كان العقد فاسدا كانت المنافع حادثة في ملك البائع ، لأن المشتري لم يملك الرقبة فإذا كانت في ملك البائع والمشترى فقد استوفاها بغير اذن المالك لها بغير حق ، كان ضامنا لها.

واما الزيادة فمثل تعليم القرآن والصنعة والسمن ، وتلك يضمنها القابض. والحكم فيها كالحكم في الغصب وقد تقدم ذكر جملة منه كافية في هذا الباب.

من غصب جارية حاملا كان ضامنا لها ولحملها وكذلك الحكم في ولد المشتراة شراء فاسدا ، فاذا غصب جارية ووطأها وهما جميعا غير عالمين بالتحريم اما لبعد دارهما من دار الإسلام ، أو لأن عهدهما بالإسلام قريب وهما يعتقد ان الملك بالغصب فان الوطأ ليس حراما ولا يجب عليهما فيه حد ، لأنه وطأ شبهة.

فان كانت الموطوئة ثيبا لم يلزمه شي‌ء غير المهر ، وان كانت بكرا كان عليه عشر قيمتها وهو أرش البكارة عندنا. وكذلك يلزمه ان اذهب بكارتها بإصبعه. فإن جمع بينهما وجبا معا وعليه اجرة مثلها من حين القبض الى حين الرد ، لان المنافع كما قدمناه تضمن بالغصب. فإن أحبلها كان الحكم في المهر والحد والأرش على ما سلف ذكره. فاما الولد فهو حر ولا حق بالواطى‌ء لأنه أحبلها بوطء شبهة. فان وضعت كان ضامنا لما نقصت بالوضع ، لأنها مضمونة باليد الغاصبة ، ولان سبب النقص منه فوجب عليه لذلك الضمان. فان وضعته حيا كان عليه قيمته ، لان من حقه ان يكون مملوكا لمولاها فان حررناه لزمه قيمته. ووقت التقويم يوم وضعته حيا

٤٤٠