المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

ولباس ما يستر ظاهر القدم مثل الجورب وما أشبهه مع الاختيار ، فاما عند الضرورة فجائز.

والتختم للزينة ، والرفث وهو الجماع ، والفسوق وهو الكذب على الله أو على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو على أحد الأئمة عليهم‌السلام ، والجدال وهو قول « لا والله وبلى والله » وقص شي‌ء من شعره وأظفاره ، وازالة القمل عن نفسه ، ويجوز نقل ذلك من موضع إلى أخر ، واما إزالته عن نفسه جملة فلا يجوز.

وقتل البراغيث ، والبق ، وما أشبه ذلك إذا كان في الحرم ، فان كان في غيره جاز له ذلك.

وسد انفه من الرائحة الكريهة ، وادماء جسده أو فمه بحك أو سواك ، ودلك رأسه أو وجهه في وضوء أو غسل لئلا يسقط شي‌ء من شعره.

ولبس السلاح إلا لضرورة ، وقتل جراد أو زنابير مع تمكنه من ان لا يفعل ذلك ، وإخراج حمام الحرم منه ، والإمساك له أيضا ، فإن أخرجه رده اليه ، وإمساك شي‌ء من الطير أيضا إذا دخل الحرم وهو معه ، بل يخليه يمضى حيث شاء الا ان يكون مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه.

ولا يشم شيئا من الطيب المخالف للخمسة الأجناس المتقدم ذكرها ، ولا يستعمل الحناء للزينة ، والكحل بما فيه طيب.

والنظر في المرأة ، ولا يخرج القماري وما أشبهها من الحرم ، ويجوز إخراج الفهود منه على كل حال ، ولا يستعمل الأدهان الطيبة قبل الإحرام الا ان يكون مما لا تبقى رائحته ، والصلاة بالبيداء وذات الصلاصل ووادي ضجنان ، ووادي الشقرة ، وتأديب الغلام ، فإن أدبه فلا يزيد على عشرة أسواط ، وتلبية من دعاه ، فان كان أراد اجابته فليقل : يا سعد.

واجتناب المحرم لجميع ما ذكرناه على ضربين ، أحدهما واجب والأخر مندوب ، فاما الواجب فهو الاجتناب عن جميع ما ذكرناه من أول الفصل الى قولنا : « الا ان يكون مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه ».

٢٢١

واما المندوب فهو الاجتناب عن كل ما يتلو ذلك من قولنا : « ولا يشم شيئا من الطيب المخالف للخمسة الأجناس » الى آخره ، فليتأمل ذلك ان شاء الله.

« باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة »

الذي يلزم المحرم على جناياته من الكفارة على ضربين. أحدهما تجب فيه الكفارة بحيوان والأخر بغير حيوان.

فالذي يجب فيه بحيوان ستة أضرب ، « أولها » تجب فيه بدنة ، و « ثانيها » بقرة ، و « ثالثها » شاة ، و « رابعها » كبش ، و « خامسها » حمل ، و « سادسها » جدي.

فاما ما يجب فيه بغير حيوان فهو أربعة أضرب ، أولها يجب فيه مقدار الطعام ، وثانيها القيمة ، وثالثها مقدار من التمر ، ورابعها صدقة غير معينة؟

فاما ما يجب فيه بدنة ، فهو ان يصيب المحرم نعامة أو يصيب شيئا من بيضها ويكون قد تحرك فيه فرخ ، فان لم يكن تحرك فيها فرخ ، أرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيضة ، فما ينتج كان هديا لبيت الله تعالى ، أو يجامع في الفرج متعمدا أو فيما دونه قبل الوقوف بالمزدلفة وعليه زائدا على البدنة ، إعادة الحج من قابل.

وعلى المرأة مثل ذلك إذا كانت محرمة وطاوعته ، فان كان أكرهها على ذلك كان عليه كفارتان ، ولم يكن عليها شي‌ء ، أو يجامع في الفرج متعمدا بعد الوقوف بالمشعر الحرام ، أو يجامع مملوكة له محرمة باذنه وهو محل ، لأنه ان كان إحرامها بغير اذنه لم يكن عليه شي‌ء ، أو يجامع قبل طواف الزيارة وهو قادر على البدنة.

وكذلك يلزمه إذا جامع قبل التقصير وهو موسر ، أو جامع بعد المناسك قبل طواف النساء ، أو يجامع وهو محرم بعمرة مبتولة (١) قبل الفراغ من مناسكها وعليه مع ذلك ، المقام بمكة إلى الشهر الداخل ليعيد العمرة. أو يعبث بذكره فيمني وحكمه فيما زاد على البدنة حكم المجامع قبل الوقوف بالمزدلفة أو بعده في اعادة

__________________

(١) في نسخة « متمتعة » بدل « مبتولة » وما في المتن متفق عليها ، واما ما في النسخة وفيها خلاف.

٢٢٢

الحج من قابل ، أو سقوط ذلك عنه.

أو ينظر الى غير أهله فيمني ويكون قادرا على البدنة. أو ينظر إلى أهله بشهوة أو يلاعبهم بشهوة فيمني أيضا ، أو يعقد المحرم على امرأة ويدخل بها المعقود عليها (١) أو يجادل ثلاث مرات كاذبا ، أو ينسى طواف الزيارة ولا يذكره حتى يرجع الى اهله وعليه مع البدنة ، الرجوع ان تمكن ليقضيه بنفسه.

أو يفيض من عرفات إلى المزدلفة قبل غروب الشمس متعمدا وهو جاهل بذلك أو يجامع وهو في طواف ولم يتمه وعليه مع البدنة إعادته ، أو يجامع وهو في طواف النساء ولم يجز نصفه وعليه مع البدنة إعادته أيضا ، فإن كان جاز نصفه بنى على ما تقدم ولم يعده ، أو ينذر الحج ماشيا ويعجز عن المشي فيركب وعليه مع البدنة ان يكون قائماً مواضع العبور (٢) ، أو يجامع وقد سعى بعض السعي وعليه مع البدنة إتمامه ، فإن كان قد ظن انه تممه وجامع بعد ذلك ، تمم السعي ولم يلزمه غير ذلك.

واما ما يجب فيه بقرة فهو ان يصيب حمار وحش أو بقرة وحش أو يجادل مرتين كاذبا أو يقلع (٣) شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه هو في ملكه ، ولا نبت في داره بعد بنائه لها ، أو لا يكون قادرا على البدنة ـ التي تجب عليه في الجماع قبل طواف الزيارة ـ ، أو (٤) يكون قادرا على البدنة أيضا التي تجب عليه ـ متى نظر الى غير أهله فأمنى ـ ان (٥) لا يكون موسرا.

فأما الذي يجب فيه شاة ، فهو ان يصيب طائرا من حمام الحرم ، أو يخرج شيئا من هذا الحمام منه ، أو ينفر ذلك فيرجع ، فان لم يرجع كان عليه لكل طائر

__________________

(١) لعلها عطف بيان لضمير « بها » ويحتمل التصحيف والصحيح « المعقود له »

(٢) المراد بها السفينة ونحوها مما يضطر إليها في طي الطريق

(٣) في نسخة « يقطع » بدل « يقلع »

(٤) الظاهر سقوط كلمة « لا » هنا

(٥) كذا في النسخ ولعل كلمة « إذ » انسب

٢٢٣

شاة ، أو يصيب ظبيا أو ما جرى مجراه وهو محرم في الحل ، أو يأكل جرادا كثيرا أو يصيبه وهو يتمكن من ان لا يصيب ، أو يذبح طائرا من الصيد في الحرم وهو محل ، أو يصيب حجلة (١) ، أو حمامة ، أو شيئا من بيضها ويكون قد تحرك فيه الفرخ فان لم يكن تحرك فيها ذلك ، أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما ينتج كان هديا لبيت الله تعالى ، أو يغلق على حمام الحرم بابا وداخله فراخ ، وبيض فيهلكن ، فيكون عليه عن كل طائر ، شاة.

واما الفراخ ، والبيض فسنذكرهما فيما بعد بمشيئة الله سبحانه.

أو يأكل بيضة نعامة اشتراها له غيره فإن أكل أكثر من ذلك والمشترى له غيره كان عليه لكل بيضة شاة ، فاما المشتري فسيأتي ذكر ما يلزمه في ذلك. أو لا يقدر على البقرة التي تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تلزمه على الجماع و (٢) قبل طواف الزيارة ، أو لا يقدر على البقرة التي أيضا تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تجب عليه إذا نظر الى غير أهله فأمنى ، أو يجادل ثلاث مرات صادقا ، أو جادل مرة واحدة كاذبا ، أو قبل زوجته من غير شهوة.

فاما تقبيل الولد والوالدة فلا شي‌ء عليه.

أو قلم أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد ، أو قلم أظفار يديه في مجلس واحد ، أو قلم أظفار رجليه في مجلس واحد ، فان قلم شيئا من الأظفار ناسيا ، لم يلزمه على ذلك شي‌ء ، أو أفتاه غيره بتقليم ظفره فأدمى إصبعه فالشاة على المفتي ، أو يحلق رأسه لأذى ، أو يظلل على نفسه ، أو يستعمل دهنا فيه طيب ، أو يلبس مالا يحل له لبسه ، أو يأكل ما لا يحل له أكله ، أو ينطف (٣) إبطيه جميعا ، أو يقلع ضرسا له ، أو يخرج من المشعر قبل طلوع الفجر ، أو يلبس قميصا ، أو يلبس ثيابا جماعة في مجلس واحد

__________________

(١) الحجل : طائر في حجم الحمام ، احمر المنقار والرجلين.

(٢) كذا في النسخ والظاهر زيادة « الواو »

(٣) كذا في بعض النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « ينتف » بالتاء ، ويحتمل ان تكون « ينظف » بالظاء المعجمة

٢٢٤

فان لبسها متفرقة كان عليه لكل واحد شاة ، أو يحلق متعمدا قبل يوم النحر أو ينسى التقصير حتى يهل (١) بحج ، أو يقبل زوجته قبل التقصير ، أو يترك الحلق أو التقصير بمنى حتى يزور البيت ، أو يحل عليه المحرم ولم يكن صوم (٢) الثلاثة الأيام المتعلقة بدم المتعة ولا عوضها في النفر ويومين بعده ، ولا في بقية ذي الحجة ، أو يبيت ليلة من ليالي التشريق بغير مني ، أو يضرب بطائر الأرض في الحرم فيقتله ، فعليه مع الشاة قيمتان (٣) والتعزير لاستصغاره الحرم ، أو يوقد جماعة نارا فيقع فيها طائر فإن كان قصدهم ذلك ، كان على كل واحد منهم الفداء ، وان لم يكن قصدهم ذلك ، كان على جميعهم فداء واحد.

واما ما يجب فيه كبش فهو ان يصيب أسدا لم يرده ، لأنه ان اراده ودفعه عن نفسه فأصابه لم يكن عليه شي‌ء.

فاما ما يجب فيه حمل : فهو ان يغلق على حمام الحرم بابا ومعها فرخ فيهلك الفرخ فان كان معها من الفراخ أكثر من واحد فهلكن ، كان عليه لكل فرخ حمل ، فاما ما ليس بفرخ فقد تقدم ذكر ما تجب فيه ، أو يصيب قطاة وما أشبهها.

وينبغي ان يكون الحمل ـ في كل ما ذكرناه ـ قد فطم ، ورعى من الشجر.

فاما ما يجب فيه مقدار من طعام : فهو ان يصيب عصفورا أو قنبرة ، أو ما جرى مجرى ذلك فعليه الصدقة بمد من طعام أو ينطف (٤) إبطه فعليه إطعام ثلاثة مساكين ،

__________________

(١) الا هلال كناية عن الإحرام

(٢) كذا في بعض النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « صام » ويحتمل ان تكون تامة

(٣) والأصل فيه خبر معاوية بن عمار « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم ، فضرب به الأرض فقتله ، قال : عليه ثلاث قيمات ، قيمة لإحرامه وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إياه » الوسائل ، ج ٩ ، الباب ٤٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١. والظاهر ان المصنف «ره» حمل القيمة الأولى على الدم ، خصوصا بعد ملاحظة التعليل في الخبر بأن إحدى القيم للإحرام ، راجع الجواهر ، ج ٢٠ ، ص ٢٧٠

(٤) كذا في النسخ وقد مر احتمال التصحيف فيها ، فيكون الصحيح « ينتف »

٢٢٥

أو يمس رأسه أو لحيته لغير طهارة فيسقط شي‌ء من شعرهما بذلك ، فعليه كفان من طعام فان كان مسهما لطهارة لم يكن عليه شي‌ء ، وقد ذكر انه ان سقط ذلك في حال وضوء ، كان عليه كف من طعام ، وان كان كثيرا فدم شاة. أو يصيب زنبورا متعمدا فعليه كف من طعام ، أو يرمي عن نفسه قملة أو يقتلها فعليه كف من طعام ، أو يقلم ظفرا من أظفاره أو أكثر منه ، فعليه مد من طعام الا ان يكون ناسيا فلا يكون عليه شي‌ء.

واما ما يجب فيه القيمة : فهو ان يصيب بيض حمام وهو محرم في الحل فعليه لكل بيضة درهم. أو يصيب ذلك وهو محل في الحرم فعليه لكل بيضة ربع درهم ، ولا فرق بين ان يكون أهليا أو من حمام الحرم ، الا ان حمام الحرم يشترى لها بذلك علف ، وقيمة بيض الأهلي يتصدق بها على المساكين ، أو يخرج طائر من الحرم فليرده ، فمتى لم يفعل ومات فيه كان عليه القيمة ، أو يشترى محل المحرم (١) بيض نعام فيأكله المحرم ، وقد تقدم ذكر ما عليه (٢) في ذلك فيما وجب فيه شاة.

أو يقتل اثنان صيدا أحدهما محرم والأخر محل في الحرم ، فعلى المحل القيمة ، واما المحرم فيتضاعف عليه الجزاء والقيمة ، وسيأتي ذكر ذلك ان شاء الله تعالى : أو يفقى عين (٣) غزال فعليه قيمته وفي الواحدة منها نصف القيمة ، أو يكسر يديه جميعا فعليه القيمة وفي الواحدة منها نصف القيمة ، وهكذا الحكم في كسر رجليه ، أو يكسر قرنيه جميعا فعليه نصف القيمة ، وفي الواحد منهما ربع القيمة ، وليس في قتله أكثر من قيمة واحدة.

أو يغلق بابا وهو محرم على حمام الحرم حتى هلكت ومعها بيض ، فعليه لكل بيض درهم ، فاما ما عدا البيض فقد سلف ذكره.

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « يشترى محلا لمحرم » ليكون « محلا » حالا للفاعل فيفيد ان القيمة على المحل.

(٢) اى على المحرم

(٣) اى عينيه

٢٢٦

وان كان أغلق عليها بابا قبل ان يحرم ، كان عليه لكل طائر درهم ، ولكل فرخ ، نصف درهم ولكل بيضة ربع درهم.

ولو قتل المحل فرخا في الحرم على غير هذا الوجه لوجب عليه نصف درهم.

فاما ما يجب فيه مقدار من تمر فهو ان يصيب جرادة أو يأكلها فعليه تمرة يتصدق بها.

فاما ما يجب فيه صدقة غير معينة فهو ان ينتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة يتصدق بها باليد التي نتف الريشة بها ، أو يصيب صيدا وهو محل فيما بين البريد (١) الى الحرم بان يكسر قرنه أو يفقى عينه ، فاما ان اصابه على بريد فسنذكر فيما بعد ان شاء الله تعالى.

« باب ما يتعلق بذلك البدنة »

إذا وجبت على إنسان ولم يقدر عليها ، قوم الجزاء وفض ثمنه على البر واطعم ستين مسكينا ، كل مسكين نصف صاع ، فان نقص عن ذلك فقد أجزأه وان زاد عليه لم يجب عليه أكثر من ذلك ، فان لم يقدر على إطعام ستين مسكينا ، صام عن كل نصف صاع يوما ، فان لم يقدر على ذلك ، صام ثمانية عشر يوما.

ومن وجبت عليه بقرة ولم يقدر عليها ، قومها وفض ثمنها على الطعام واطعم ثلاثين مسكينا ، كل مسكين نصف صاع ، فان زاد على ذلك لم يكن عليه أكثر من ذلك ، وان نقص فقد أجزأه ، فان لم يقدر على ذلك صام تسعة أيام ، وإذا وجبت عليه شاة ولم يقدر عليها ، قومها وفض ثمنها على الطعام وأطعم عشرة مساكين كل مسكين ، نصف صاع ، فان زاد على ذلك لم يلزمه غيره وان نقص لم يجب عليه أكثر منه ، فان لم يقدر صام ثلاثة أيام.

وحكم الحمل والجدي يجري هذا المجرى.

وكل من تكرر منها الصيد ناسيا تكررت عليه الكفارة ، فإن تعمد ذلك مرة

__________________

(١) البريد : هو بمعنى الرسول ثم استعمل في المسافة التي يقطعها المسافر وهي اثنا عشر ميلا

٢٢٧

لزمته الكفارة مرة واحدة ، فإن تعمد مرتين لم يلزمه كفارة بل ينتقم الله منه كما قال الله تعالى (١).

وكل محرم أصاب صيدا في الحرم ، وجب عليه الجمع بين الجزاء والقيمة ، الا من ضرب بطائر الأرض فقتله فعليه مع الجزاء قيمتان والتعزير وقد تقدم ذكر ذلك ، فاما ان أصاب وهو محل في الحرم أو هو محرم في الحل فقد بيناه فيما تقدم ذكره ، والمحل إذا قتل صيدا في الحرم كان عليه الفداء وكذلك يجب عليه إذا ذبحه

ومن دل على صيد ، فعليه الفداء ، والجماعة المحرمون إذا قتلوا صيدا وجب على كل واحد منهم الفداء ، والمحرم يلزمه فداء الصيد كما قدمناه فإن أكله كان عليه فداء آخر وان لم يصده هو.

وإذا رمى صيدا بشي‌ء ومضى الصيد لوجهه ولم يؤثر فيه شيئا لم يكن عليه شي‌ء ، فإن أثر فيه فأدماه بان كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك وقد صلح ، كان عليه ربع ، فان لم يعلم اصابه أم لم يصبه ، فعليه الفداء. وإذا كان محلا أو محرما وأصاب صيدا ماضيا الى الحرم برمي أو غيره ثم دخل الصيد الحرم ومات ، كان عليه الفداء وكان لحم الصيد حراما ، وإذا أصاب صيدا وهو محل فيما بينه وبين الحرم على بريد ، فعليه الفداء ، وكذلك يجب عليه إذا كان في الحرم ورمى صيدا في الحل.

وإذا أحرم الغلام بإذن سيده وأصاب صيدا كان على السيد ، الفداء ، وكذلك يجب عليه إذا أمره بالصيد وهو محرم وان كان الغلام محلا ، ومن يلي أمر صبي فعليه الكفارة فيما يجنيه الصبي إذا كان قد حج به ، صيدا كان ما جناه أو غير صيد ومن رمى طائرا وهو على شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فعليه الفداء ، ولا فرق بين ان يكون الطير على فرع من فروعها التي في الحل أو في الحرم.

وكل ما يخافه الإنسان مثل السباع والحيات والعقارب وما يجرى مجرى ذلك ، فإنه يجوز للمحرم قتله وان كان في الحرم إلا الأسد إذا لم يرده وقد سلف

__________________

(١) المائدة ـ الاية ٩٥

٢٢٨

ذكره ، ويجوز أيضا قتل القراد (١) ورميه عن نفسه وإزالته عن بعيره ، وكل ما أخذ من السباع مثل الفهود وما يجرى مجراها بابتياع أو غيره ودخل به في الحرم ، فإنه يجوز للمحرم إخراجه منه ولا فرق بين ان يكون الذي دخل الى الحرم ، محرما أو محلا

ومن ربط صيدا خارج الحرم فدخل الحرم ، كان ثمنه ولحمه حراما ولم يجز إخراجه إلا ما قدمنا ذكره من الفهود وما أشبهها وما قدمنا ذكره في باب الكفارات.

« نبذة من لزوم اعادة الحج من قابل ».

من تعمد ووطأ في الفرج أو استمنى قبل الوقوف بمشعر الحرام فذلك لازم له سواء كان الحج الذي فعل ذلك فيه واجبا أو تطوعا ، وقد قيل ان الحجة ، الاولى ، والثانية عقوبة على ما جناه ، وينبغي لمن فعل ذلك إذا عاد الى الحج والمرأة معه ان يفترقا إذا وصلا الى الموضع الذي كان وطأها فيه ، وقد ذكر ان حد الافتراق هو ان لا يخلو بأنفسهما بل يكون معهما غيرهما من الناس.

وكل من تجسس أو استمع على من يجامع من غير ان ينظر إلى الذي يفعل فأمنى فليس عليه شي‌ء.

وإذا كان أصل شجرة في الحل وفرعها في الحرم ، أو يكون أصلها في الحرم وفرعها في الحل فلا يجوز قلعها الا ما يكون الإنسان أنبته ، وغيره مما ذكرناه فيما مضى ، وقد ذكرنا أيضا فيما تقدم انه لا يجوز قلع الحشيش في الحرم ، وان كان له إبل جاز له تركها لترعى فيه ولم يجز له ـ هو ـ قلعه.

وكل ما يجوز للمحل ذبحه أو نحره في الحرم مثل الإبل والبقر والغنم والدجاج الحبشي وغير الحبشي فإنه يجوز أيضا للمحرم. وكل صيد يكون في البحر والبر معا

__________________

(١) القراد بالضم : دويبة تتعلق بالبعير ونحوه وهي كالقمل للإنسان ، والجمع قردان.

٢٢٩

وهو يبيض ويفرخ في البحر والبر ـ فلا بأس للمحرم ان يأكل طريه ومملوحه (١) وان كان يبيض ويفرخ في البر لم يجزأ كله ولا صيده.

وإذا ذبح المحرم صيدا في الحل أو الحرم ، كان ميتة لم يجز أكله لأحد ، وكذلك الحكم إذا ذبحه المحل في الحرم. والضعيف (٢) عن الفداء والقيمة انما يكون فيما لا يبلغ بدنة ، ويلحق بذلك من شرب لبن ظبية في الحرم ، فعليه دم وقيمة اللبن معا.

وكل ما لا يجب فيه دم مثل العصفور وما جرى مجراه إذا أصابه المحرم في الحرم كان عليه قيمتان ، وفي صغار النعام مثل ما في كبارها ، وقد ذكر أن الصغير منها يجب فيه الصغير من الإبل في ستة ، وكذلك القول في البقر والغنم ، والكبار أفضل ، وفي جميع ما تقدم ذكره من الصيد ، يجب الكفارة متعمدا كان ما يصيبه أو ناسيا أو عالما أو جاهلا.

وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة وكان قادرا على فداء الصيد ، فليأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة ، فان لم يكن قادرا على ذلك جاز له أكل الميتة ، وكل من كان محرما بحج ووجب عليه جزاء صيد اصابه ، وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى ، وان كان معتمرا ، فعل ذلك بمكة أي موضع شاء منها ، والأفضل ان يكون فعله لذلك بالحزورة مقابل الكعبة ، والذي يجب على المحرم بعمرة مفردة ـ من كفارة ليست من كفارة الصيد ـ فله يجوز نحرها وذبحها بمنى.

« باب الطواف وما يتعلق به من الأحكام »

الطواف على ضربين : واجب ومندوب فالواجب ، ثلاثة أطواف وهي :

__________________

(١) الطري : اللين ، من الطراوة ، والمملوح ضده ، وهو ما يطرح عليه الملح لئلا يفسد.

(٢) كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف ، والصحيح « التضعيف » اى تضاعف فداء الصيد على المحرم في الحرم

٢٣٠

طواف العمرة وطواف الزيارة وطواف النساء واما المندوب : فهو ما ندب المكلف الى فعله منه ، وقد ذكر في ذلك ثلاث مأة وستون أسبوعا (١) ، أو ثلاث مأة وستون شوطا فان لم يتمكن من ذلك فما تيسر منها.

وأحكام الطواف على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب « إيقاعه على طهارة » و « الابتداء به من الحجر الأسود والختم به » ، « ويكمله سبعة أشواط » و « صلاة ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم عليه‌السلام » و « طواف أسبوعين » (٢) إذا نذر الناذر الطواف على اربع.

والطواف على المريض إذا كان غير قادر عليه ـ وكذلك من جرى مجراه ممن يحج به ـ فان كان المرض عرض له بعد ان طاف أربعة أشواط ، انتظر به يوم أو يومان فإن صح تمم طوافه لنفسه (٣) وان لم يصح ، أمر من يطوف عنه وصلى هو ركعتي الطواف ، وان كان طوافه أقل من أربعة وبرأ من مرضه أعاد الطواف من أوله ، فان لم يصح ولم يبرئ من مرضه أمر من يطوف عنه أسبوعا ، والطواف أيضا إذا كان قادرا على إمساك الطهارة ، فان لم يقدر على ذلك انتظر به صلاحه فاذا صح طاف بنفسه وان لم يصلح ، طيف عنه وصلى هو ركعتي الطواف.

و « إعادته » إذا زاد فيه متعمدا أو جامع متعمدا قبل إتمامه وهو طواف الزيارة ، وكذلك ان كان طواف النساء وجامع قبل نصفه ، فان كان ذلك بعد جواز نصفه جاز له البناء بعد ان يتطهر ، وقد ذكرنا ما يلزم على الجماع في الطواف من الكفارة فيما تقدم.

و « إعادته » إذا حدث ما ينقض الوضوء قبل نصفه ، وان كان بعد النصف جاز له البناء على ما تقدم منه ، أو قطعه ـ لغرض ـ قبل نصفه أو طاف وعلى ثوبه نجاسة وهو عالم بها ، فان لم يكن عالما بها قبل الابتداء به وعلم ، أزالها وتمم ما بقي ، أو قطعه

__________________

(١) والمراد من الأسبوع : سبقه أشواط.

(٢) أسبوع ليديه وأسبوع لرجليه.

(٣) كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « بنفسه »

٢٣١

لغرض من دخول البيت أو غيره ، فان كان ذلك بعد نصفه ، بنى على ما تقدم منه.

وان يقطعه إذا حضر وقت صلاة واجبة وليصل ثم يبنى بعد الفراغ من الصلاة على ما مضى ، وان يقطعه إذا كانت امرأة وحاضت بعد جواز نصفه ، وتقضى الباقي بعد السعي والتقصير ، وان تجعل ما هي فيه حجة مفردة إذا حاضت في أقل من نصفه وكذلك يجب عليها إذا حاضت قبله وكان طواف العمرة وعليها بعد الحج قضاء (١) العمرة.

وان يقضى المولى (٢) ما فرط فيه وليه ، ويلحق بذلك اعادة الحج من قابل إذا ترك طواف الزيارة متعمدا ، وان كان طواف النساء لم يفسد الحج بتركه. ولا يطوف وهو غير مختتن الا ان تكون امرأة فإنه يجوز لها ذلك ، ولا يطوف الا ما بين المقام والبيت فان خرج عن المقام لم يصح ، ولا يطوف وعلى رأسه برطلة (٣) ولا يقرن بين طوافين في فريضة ويجوز له ذلك في التطوع ، ولا يطوف إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر منى والموقفين الا ان يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها (٤) تقديمه على ذلك.

والقارن والمفرد يجوز لهما تقديم الطواف قبل عرفات ، ولا يطوف طواف النساء متمتعا كان أو قارنا أو مفردا الا بعد الرجوع من منى والموقفين ، إلا لضرورة تمنع من ذلك أو يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها التقديم قبل الموقفين.

ولا يقرب النساء إذا ترك طوافهن حتى يقضيه ، ولا يقدم طواف النساء على السعي.

__________________

(١) أي الإتيان بها

(٢) اى المولى عليه فيكون المراد قضائه بعد البلوغ ، وفي نسخة « الولي » بدل « المولى » أي يأتي الولي ما فرط فيه المولى عليه ، ولعل هذا أظهر.

(٣) البرطلة وربما يشدد اللام : القلنسوة

(٤) كذا في النسخ ، ولعل أصلها « لهما » ، وكذا ما يأتي بعد أسطر

٢٣٢

فاما المندوب : فهو الاغتسال إذا أراد الطواف ، والمشي حافيا بسكينة ووقار والدخول لأجله الى المسجد من باب بني شيبة ، والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويطيب الفم بالاذخر (١) أو غيره ، واستلام الحجر الأسود في كل شوط والإيماء إليه إذا لم يتمكن من تقبيله والدعاء عند استلامه ، والدعاء أيضا في الطواف ، وذكر الله تعالى وقراءة القرآن ، والتزام المستجار ووضع البطن والخد عليه ، والدعاء عند المستجار أيضا.

واستلام الأركان كلها ، والانصراف على وتر ، إذا كان في طواف نافلة وزاد على طواف بان ابتدئ طوافا ثانيا (٢) ولا يتكلم في الطواف بغير ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والدعاء ، ولا يعول على غيره في ضبط عدد الطواف ، فان فعل ذلك وشكا جميعا وجب الإعادة له من اوله.

« باب كيفية الطواف ».

قد ذكرنا فيما سلف ان المريد للطواف ينبغي ان يكون على الطهارة ، وينبغي ان يبتدأ بالحجر الأسود ويختم به ، وكلما فعل ذلك مرة فقد طاف شوطا ولا يزال كذلك حتى يتم سبعة أشواط ، ويجب ان يكون طوافه بين المقام والبيت ولا يطوف من داخل الحجر (٣) بل يطوف من خارجه ، ولا يشتغل عن الدعاء فيه بالنظر الى الناس فإذا ابتدأ به من الحجر الأسود وصار مقابل باب الكعبة دعا فقال : « سائلك ببابك ، مسكينك ببابك ، فقيرك ببابك فتصدق عليه بالجنة ، اللهم صل على محمد وآل محمد وأدخلني الجنة برحمتك وعافني من السقم وأوسع على من الرزق الحلال وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم وشر فسقة الجن والانس » وان كان نائبا من غيره ذكره

__________________

(١) الإذخر بكسر الهمزة والخاء : نبات معروفة عريض الأوراق ، طيب الرائحة

(٢) فيتم على ثلاثة أطواف أو خمسة وهكذا

(٣) اى حجر إسماعيل

٢٣٣

ودعا له ومضى حتى يقابل المقام فاذا جاز باب الكعبة وصار محاذيا للمقام قال « السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك الطاهرين من الأنام ، السلام على إبراهيم الداعي الى البيت الحرام ومسمع من في الأصلاب والأرحام ، السلام على أنبياء الله وملائكته الكرام ».

ثم يقول في طوافه بين كل موضعين ـ يقف بينهما (١) للدعاء ـ « اللهم انى أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء (٢) كما يمشى به على وجه (٣) الأرض وباسمك المخزون المكنون عندك ، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به ، أجبت وان سئلت به ، أعطيت ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة ».

ويكثر من قراءة سورة « إنا أنزلناه في ليلة القدر » في طوافه حتى يقابل الركن الشامي ، فاذا قابله وصار محاذيا لطرف الحجر قال : السلام عليك غير مقلو (٤) ولا مهجور ، اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك.

ثم يتقدم حتى يصير محاذيا للميزاب ، فاذا صار محاذيا لذلك من خارج الحجر في ظهره نظر اليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : اللهم أعتقني من النار وأوسع على من رزقك الحلال الطيب ، وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم والجن والانس ، وأدخلني الجنة برحمتك يا ارحم الراحمين.

ويدور حوالي الحجر حتى يسير عند طوافه الأخر محاذيا للركن الغربي ،

__________________

(١) يحتمل ان تكون الكلمة « فيهما » بدل « بينهما » وهو الأصح

(٢) طلل الماء : ظهره وسطحه ، وفي النسخ « ظلل » بالمعجمة ولعلها تصحيف لعدم تناسب معناها في الدعاء مضافا الى موافقة المتن للكافي والفقيه والتهذيب نعم في الوسائل « ظلل » بالمعجمة ولعلها أيضا تصحيف

(٣) في نسخة « جدد الأرض » بدل « وجه الأرض » والجدد : الأرض الصلبة التي يسهل المشي عليها

(٤) في نسخة « غير مغلوب » بدل « غير مقلو »

٢٣٤

فاذا صار محاذيا في ذلك قال : « اللهم رب إبراهيم وإسماعيل اللذين امرتهما برفع أركان بيتك ، وان يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود فيما سألاك (١) ان تتقبل منهما ، فتقبل ذلك مني انك أنت السميع العليم » ، ثم يقول بعد ان يجاوز الركن الغربي قبل وصوله الى الركن اليماني « اللهم اغفر لى وارحمني واهدني وعافني واعف عنى وارزقني ووفقني ».

ثم يتقدم حتى يصل الى المستجار وهو دون الركن اليماني قليلا فاذا صار كذلك فليقل. ( اللهم هذا مقام من أساء واغترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم ، هذا مكان المستغيث المستجير من النار ، مكان من لا يدفع عن نفسه سوء ولا يجر إليها نفعا ، هذا مقام من لاذ ببيتك الحرام ، راغبا وراهبا ، بك أستعيذ من عذاب يوم لا ينفع فيه شفاعة الشافعين الا من أذنت له يا رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد الطاهرين وسلمني من هول ذلك اليوم برحمتك يا ارحم الراحمين.

ثم يتقدم الى الركن اليماني ، فإذا صار عنده التزمه ووضع خده عليه ، فان لم يتمكن ، مسحه بيده ثم يمسح بها وجهه وقال : يا سيدي الى من يطلب العبد الا الى مولاه ، ولمن يرجو الا سيده ، فاسئلك ان تصلى على محمد نبيك وعلى آله الطاهرين وان تتقبل مناسكي وتنجح حوائجي ، أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، أمنت بما جاء به واتبعت النور الذي أنزل معه.

ثم يجوز حتى يصير بينه وبين الركن الذي فيه الحجر الأسود ويقول : اللهم انى حللت بفنائك ، واجعل قراي (٢) مغفرتك ، وارض عنى خلقك اللهم ( آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ثم ينفد (٣) الى الحجر الأسود ، فإذا وصل اليه فقد

__________________

(١) في نسخة : يسئلانك

(٢) قرى الضيف قرأ وقراء : اضافه ضيافة

(٣) معناها : يتمم اى الشوط ، وفي نسخة « يتقدم » بدل « ينفد »

٢٣٥

تمم شوطا فيستلمه ، فان لم يتمكن أشار إليه بيده فقبلها وقال : « اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا رب العالمين ، وأهلك أعدائهم أجمعين ، اللهم تب على توبة نصوحا واعصمني فيما بقي من عمرى ، وارزقني من رزقك الحلال وأدخلني الجنة برحمتك ، وأعذني من عذاب النار ».

ويتم سبعة أشواط على هذا الترتيب ، ويقف في الشوط السابع عند المستجار ويلصق خده وبطنه عليه ويدعو فيقول : « اللهم رب البيت العتيق واللطف الرفيق صل على محمد وآل محمد المنتجبين ، وألطف لي في الدين والدنيا بلطف من عندك يا رب العالمين ، اللهم هذا مقام العائذ بكرمك ، اللائذ ببيتك وحرمك ، رب ان البيت بيتك والعبد عبدك ، فاجعل قراي مغفرتك وهب لي ما بيني و (١) بينك ، وارض عنى خلقك ».

ويتعلق هنا بأستار الكعبة ويقول : « اللهم بك أستجير فأجرني وبك أستغيث فأغثنى يا رسول الله يا أمير المؤمنين يا فاطمة بنت رسول الله يا حسن بن على يا حسين بن على ـ ويذكر الأئمة عليهم‌السلام واحدا واحدا الى المهدى عليه‌السلام ، فان لم يتمكن من ذكرهم للتقية أسر ذلك في نفسه ـ وقال : بالله ربي أستغيث وبكم اليه تشفعت ، أنتم محمدتى (٢) وإياكم اقدكم بين يدي حوائجي ، فكونوا شفعائي الى الله تعالى في إجابة دعائي ، وتبليغى في الدين والدنيا مناي ، اللهم ارحم بهم عبرتي (٣) واغفر بشفاعتهم خطيئتي ، واقبل مني مناسكي واغفر لى ولوالدي ، واحفظني في نفسي وأهلي وولدي ، وجميع إخواني ، اشركهم في صالح دعائي انك على كل شي‌ء قدير ».

ثم يمضي إلى الركن اليماني فإذا صار عنده استلمه والتزمه وسأل حوائجه ،

__________________

(١) في النسخ زيادة « بين » هنا والظاهر انها زائدة.

(٢) في نسخ : « عمدتى »

(٣) العبرة : الدمعة قبل ان تفيض

٢٣٦

ثم يكثر من التضرع الى الله تعالى في ذلك ويقول : « اللهم صل على محمد وآل محمد وقنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيما آتيتني وارحمني إذا توفيتني ».

ثم يمضي إلى الحجر الأسود فإذا صار في الشوط السابع عنده فقد تم طوافه ، وينبغي ان يفعل في تقبيله كما تقدم القول به ، ثم يقول « اللهم أعنى على تمام مناسكي ، ووفقني لما يرضيك عنى وتقبل منى صالح عملي ، واغفر لى انه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وصل على محمد وآله الطاهرين ».

فان كان نائبا عن غيره ذكره في طوافه ، فقال : « اللهم هذا الطواف عن فلان بن فلان ، فتقبله منى وأجرني على أدائي له وعنه » ، ثم يصلى ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ثم يقف متوجها اليه من ورائه حتى تكون الكعبة امامه ، ويكون متوجها اليه ويفتح (١) صلاة ركعتين ويقرء فيهما بما قدمنا ذكره في كتاب الصلاة (٢) فإذا سلم منهما رفع يديه وقال : الهى قد مد (٣) إليك الخاطى‌ء المذنب يديه لحسن ظنه بك ، الهى قد جلس المسي‌ء بين يديك مقرا لك بسوء عمله وراجيا منك الصفح عن زلله ، الهى قد رفع الظالم كفيه إليك راجيا فيما لديك (٤) فلا تخيبه برحمتك من فضلك ، الهى قد جثا العائد إلى المعاصي بين يديك خوفا من يوم يجثو فيه الخلائق بين يديك ، الهى قد جائك العبد الخاطى‌ء فزعا مشفقا ، ورفع إليك طرفه حذرا راجيا ، وفاضت عبرته مستغفرا نادما الهى فصل على محمد وآل محمد واغفر لى برحمتك يا خير الغافرين ويقرأ سورة « إنا أنزلناه ».

وان كان نائبا عن غيره ، قال : « اللهم ان طوافي هذا وصلاتي هذه من فلان بن فلان ، فاقبل منه وأثبه وإياي في نيابتي عنه في ذلك » ، فاذا فعل ذلك فقد تم

__________________

(١) في النسخ « يفتتح »

(٢) ص ١٢٨

(٣) في النسخ « قد جثا » بدل « قد مد » والظاهر ان الصحيح ما في المتن ، لان الجثور عبارة عن الجلوس على الركبتين وأطراف الأصابع وهذا المعنى لا يناسب هنا.

(٤) في النسخ « يديك » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن

٢٣٧

طوافه للتمتع وعليه بعد ذلك الخروج الى الصفا والسعي.

« باب السهو والشك في الطواف »

السهو والشك في الطواف على ضربين : أحدهما يوجب إعادته ، والأخر لا يوجب إعادته.

والذي يوجب إعادته أن يسهو في طواف فريضة ويذكر انه طاف أقل من أربعة أشواط ، أو يشك فيه فلا يعلم هل طاف أم لم يطف ، أو يشك في حال الطواف ولا يدرى كم طاف جملة ، أو يشك بين ستة وسبعة وثمانية فلا يدرى كم طاف من ذلك وهو في حال الطواف أيضا ، أو يشك بين ستة وسبعة ولا يدرى كم طاف منهما وهو في حال الطواف.

أو يسهو فيطوف على غير طهارة ثم يذكر ذلك ، أو يسهو فيطوف من خارج المقام حيث هو الان ، أو يزيد فيه متعمدا ، أو يسهو عنه وهو في طواف الزيارة ولا يذكره حتى عاد إلى أهله فيرجع ويقضيه مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من الرجوع أمر من يطوف عنه ، أو يتعمد تقديم طواف النساء على السعي فليعده ، أو يستعين بغيره في حصر عدد الأشواط فشكا جميعا في ذلك.

واما الذي لا يوجب إعادته فهو : ان يسهو عن الشوط السابع ثم يذكر بعد الانصراف فعليه ان يعيد شوطا بدله فان لم يكن ذكر ذلك حتى اتى بلده أمر من يطوف عنه ، أو يسهو فيطوف ثمانية أشواط فليضف الى ذلك ستة أشواط أخر ، ويصلى اربع ركعات ، ركعتين فيما بعد الطواف ثم يسعى ويصلى الركعتين الأخيرتين بعد السعي.

أو يسهو ويذكر في الشوط الثامن انه طاف سبعا ، فان ذكر ذلك قبل بلوغه الحجر الأسود قطعه ، وان كان ذكر ذلك بعد ان جاوزه تمم أربعة عشر أشواطا ، أو شك فلا يعلم هل طاف سبعة أو ثمانية فليقطعه ويصلى ركعتين ، أو يسهو فيقطعه ويصلى ركعتين أو يسهو فيقطعه ويمضى إلى السعي ثم يذكر ذلك فان ذكره قبل ان يسعى ستا يتمم الطواف ، وان كان قد سعى ستا (١) قطع السعي وعاد الى الطواف

__________________

(١) في النسخ بزيادة كلمة « الواو » هنا ، والظاهر انها سهو

٢٣٨

فتممه ورجع فتمم السعي.

وإتمامه الطواف انما يصح إذا كان قطعه له أزيد من النصف ، فاما ان كان في أقل من النصف أعاد كما قدمناه ، أو يسهو فيقدم طواف النساء على السعي فلا شي‌ء عليه الا ان يتعمد ذلك فقد تقدم ذكره ، أو يشك بين ستة وسبعة بعد الانصراف من الطواف فلا شي‌ء عليه ، أو يشك فيما دون السبعة في طواف النافلة ، فليبن فيه على الأقل إذا كان شكه في حال الطواف ، فان ذكر بعد انصرافه لم يكن عليه شي‌ء.

« باب السعي وأحكامه ».

أحكام السعي على ضربين واجب ، ومندوب فاما الواجب فهو : السعي بين الصفا والمروة سبع مرات ، والابتداء به من الصفا والختم بالمروة ، وقطعه إذا تضيق وقت فريضة حاضرة ، ـ وذكر (١) انه يقطعه إذا دخل وقتها ويصلى ثم يعود فيتممه ـ وإتمامه بعد الفراغ من الصلاة التي قطعه لأجلها.

وان يعيد الحج من قابل إذا تركه متعمدا ، ولا يسعى إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر منى والموقفين ، الا ان يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها (٢) تقديمه ، ولا يتمه ، إذا كان فيه وحضر وقت فريضة حاضرة بل يقطعه ويصلى كما قدمنا القول به.

واما المندوب : وهو الطهارة للسعي بغسل ، أو وضوء ، واستلام الحجر الأسود إذا أراد السعي ، والحضور عند بئر زمزم للشرب من مائها والغسل منه والصب منه على الجسد إذا لم يتمكن من الغسل ، وينبغي ان يكون ذلك من الدلو المقابل للحجر الأسود ، والخروج اليه من الباب المقابل للحجر أيضا. والإسراع في موضع

__________________

(١) بصيغة المجهول والقائل هو الشيخ « قده » كما في النهاية وغيرها.

(٢) كذا في النسخ ولعل أصلها « لهما »

٢٣٩

السعي إذا كان الذي يسعى رجلا ماشيا وراكبا ، والدعاء عند الصفا والمروة وفيما بينهما ، والدعاء في حال السعي ، ولا يكون راكبا في حال سعيه مع تمكنه من ذلك ولا يقطعه إذا عرضت له حاجة بل يؤخرها حتى يفرغ منه ان تمكن من تأخيرها ، وإذا قطعه لحاجة ، تممه بعد ذلك.

« باب كيفية السعي ».

ينبغي لمن قصد إلى السعي بعد الفراغ من الطواف ان يأتي زمزم فيشرب من مائها ويصب منه على جسده من الدلو المقابل للحجر الأسود كما قدمناه ، ويخرج إلى السعي من « باب الصفا » وعليه السكينة والوقار حتى يأتي « الصفا » فيصعد عليها ويستقبل الكعبة بوجهه ويكبر الله تعالى ويحمده ويهلله سبعا سبعا ، ويقول : بعد ذلك « لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير » ثلاث مرات ويصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة صلوات الله عليهم كذلك ، ويقرء سورة إنا أنزلناه ، ويقول بعد ذلك « اللهم (١) العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) برحمتك ، اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته وان عدت فعد على بمغفرتك (٢) انك أنت الغفور الرحيم ، اللهم أظلني بظل عرشك يوم لا ظل الا ظلك ، اللهم استعملني بطاعتك وسنة رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوفني على ملته واحشرني في زمرته ، اللهم انك تكفلت بأرزاقنا ورزق كل دابة فآتنا من فضلك وأوسع علينا من رزقك وبارك لنا في الأهل والمال والولد ، اللهم ارحم مسيرنا إليك من الفج العميق وارزقنا منك رحمة نستغني بها من رحمة من سواك اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لى ولوالدي ولجميع المؤمنين ».

ثم ينحدر إلى المروة ويقول في انحداره « يا رب العفو يا من أمر بالعفو واولى

__________________

(١) لعله سقط هنا « إني أسألك » كما في الوسائل.

(٢) في النسخ « بالمغفرة »

٢٤٠