المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

على انه يفيد العموم والاستغراق : مثل قوله « لا رجل في الدار ».

٤ ـ ان هذا البيان يثبت ان الخبر المشهور المفتي به داخل في القسم الأول من التثليث الوارد في كلامه عليه‌السلام كما ان الخبر الشاذ داخل في القسم الثاني منه أخذا بحكم المقابلة لأنه إذا تبين صحة طرف واحد وصار مما لا ريب في صحته ، يصير الطرف المقابل ، مما لا ريب في بطلانه ، لا مما « فيه ريب ما وشك » إجمالا ، لأنه إذا صح كون زيد عادلا على وجه لا ريب في صحته ، يكون نقيضه مما لا ريب في بطلانه لا مما فيه ريب إجمالا بحيث يحتمل صحته وبطلانه.

ويترتب على ذلك أمران وان أشرنا إلى واحد منهما في طي البيان السابق :

الأول : ان وزان الشهرة العملية وزان بين الرشد ووزان الرواية الشاذة وزان بين الغي وان الامام عليه‌السلام لم يذكر التثليث في كلامه الا لتبيين تلك الجهة فلاحظ التثليث الذي نقلناه.

الثاني : ان الشهرة العملية من مميزات الحجة عن اللاحجة وليست من المرجحات فان المراد من المرجح هو ما يوجب تقديم احدى الحجتين على الأخرى مع كون المتعارضين حجتين في أنفسهما ككون احدى الروايتين مخالفة للعامة. وقد عرفت ان نسبة المشهور الى الشاذ ، نسبة بين الرشد الى بين الغي ومثل ذلك لا يعد من تعارض الحجة مع الحجة بل من قبيل مقابلة ما لا ريب في صحته مع ما لا ريب في بطلانه.

الشهرة الفتوائية المجردة من الرواية

الشهرة الفتوائية في مسألة مجردة من كل رواية وخبر ، هي التي طرحها الأصوليون عند البحث عن حجية الظنون ولكنهم مع الأسف لم يعطوا غالبا (١).

__________________

(١) سيدنا الأستاذ الراحل آية الله البروجردي وبعده الأستاذ الأكبر الامام الخمينى دام ظله الوارف فقد استوفيا البحث في الشهرة الفتوائية المجردة راجع ما كتبناه عن دروس الامام مد ظله في هذا المضمار في « تهذيب الأصول » الجزء الثاني ص ١٠٠ ـ ١٠٢.

١

للبحث حقه وقد استوفينا الكلام في البحث عنها في ابحاثنا الأصولية ونأت بمجمل ما حققناه في محله.

ان المسائل التي تتحقق فيها الشهرة على قسمين :

١ ـ ان تكون المسألة من المسائل التفريعية التي استنبطها العلماء من القواعد والضوابط الواردة في الكتاب والسنة من دون ورود نص خاص عليها وهذا ما سماه بعض الأجلة بالفقه المستنبط ، والشهرة في هذا القسم لا قيمة لها لأنه إذا علم مصدر الفتوى ومدركها ، فأصحاب الشهرة وغيرهم في ذاك المجال سواسية ، فان تمت الدلالة فهو والا فترفض بلا اكتراث ولأجل ذلك ترى ان الشيخ الأعظم ومن بعدهم لا يعبأون بالإجماع حتى المحصل منه إذا تبين مصدر حكم المجمعين ومدركهم.

٢ ـ ان تكون المسألة من المسائل المتلقاة عن الأئمة الذي يعبر عنه « بالفقه المنصوص » وقد عرفت في تقديمنا للجزء الأول من هذا الكتاب انه ظهر في أوائل القرن الرابع لون جديد من كتابة الفقه والفتيا وهو الإفتاء بمضمون الرواية مع حذف إسنادها وقد تعرفت على الذين كتبوا على هذا النمط وتعرفت على الكتب الموجودة بين أيدينا وان الصدوقين وشيخ الأمة : المفيد ، وتلميذه الأكبر شيخ الطائفة الطوسي يعدون من تلك الطبقة الفاضلة فأفردوا كتبا في ذلك المجال بتجريد الروايات من الأسانيد والإفتاء بمتونها.

فإذا رأينا اتفاق كلمة تلك الطبقة على مسألة من المسائل كشفنا عن وجود نص صريح وصل إليهم وأفتوا بمضمونه وان النص كان بمرحلة من التمامية من حيث السند والدلالة حتى دعاهم إلى الإفتاء بمضمونه قاطبة.

وعندئذ تدخل الشهرة الفتوائية المجردة في القسم الثاني من أقسام الشهرة اعنى الشهرة العملية لأنها إذا كانت العملية عبارة عن شهرة الرواية مع العمل والإفتاء بمضمونها ، تكون الشهرة الفتوائية في المسائل المتلقاة عن الأئمة ، نظيرة لها فإن إفتاء تلك الطبقة بشي‌ء قاطبة تلازم كلا الأمرين : وجود الرواية الواصل إليهم وان لم تصل إلينا ، والإفتاء بمضمونها.

٢

فعند ذلك تشملها المقبولة بلفظها أو بمناطها.

نعم ربما يقال ان اتفاقهم على الإفتاء بمضمون الرواية يكشف عن كمالها من حيث السند والدلالة عندهم لا عندنا إذ من المحتمل انه لو كانت وصلت الرواية إلينا لم تكن تامة عندنا من كلتا الجهتين. ولكنه احتمال ضعيف فان مكانتهم العلمية وقرب عهدهم بزمن المعصومين عليهم‌السلام وتعرفهم على رجال الحديث ، يورث الاطمئنان بصدور الحديث أولا وتمامية دلالته ثانيا ولا يكون الاطمئنان الحاصل في ذاك المورد بأقل من الحاصل من خبر الثقة أو الخبر الموثوق بصدوره أو بصدقه.

ولو سلمنا ذاك الاحتمال ولكن الشهرة على هذا النمط ، يصد الفقيه المتورع عن الإفتاء على خلاف الشهرة المحققة عند القدماء على البيان الذي عرفته.

تسعون مسألة ليس لها دليل سوى الشهرة

كان سيدنا آية الله البروجردي أعلى الله مقامه يقيم وزنا كبيرا للشهرة الفتوائية ويرى مخالفتها امرا خاطئا غير جائز وكان يقول ان في الفقه الإمامي فتاوى مسلمة تلقاها الأصحاب قديما وحديثا بالقبول ينوف عددها على تسعين مسألة ليس لها دليل إلا الشهرة الفتوائية بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلة لأصبحت تلك المسائل فتاوى فارغة مجردة عن الدليل.

ومن المؤسف جدا انه رضوان الله عليه لم يعين موارد هذه الفتاوى ولم يسمها غير ان المظنون ان قسما وافرا منها يرجع الى باب المواريث والفرائض ففي ذاك الباب فتاوى ليس لها دليل إلا الشهرة.

الشهرة الفتوائية وأصحاب الأئمة

ومما يؤيد المقصود ما يستفاد من بعض الروايات من أن بعض أصحابهم عليهم‌السلام كان يرجح ويقدم الفتوى المشهورة عند أصحاب الأئمة « الذين كانوا بطانة علومهم وخزانة أسرارهم » على نفس النص الذي كان سمعه من نفس الامام وقد أقرها الامام على ذلك التقديم بعد ما اطلع عليه من دون اعتراض وهذا

٣

ان دل على شي‌ء ، فإنما يدل قبل كل شي‌ء على ان الفتوى المشهورة بين خيار صحابتهم ( الذين استأمنهم الأئمة على غامض أسرارهم وأخذهم خزنة لعلومهم ) كانت حجة بلا كلام أولا ومقدمة على النص الذي القوة على السائل ثانيا وما هذا الا لتعرفهم على الحكم الواقعي الاولى وتميزه عن الحكم الثانوي وان شئت قلت : كانوا يعرفون جهات الصدور والحكم الجدي الصادر لبيان الواقع عن الحكم الصادر لغيره.

وعندئذ يمكن تسرية الحكم من خيار صحابتهم إلى الطبقة التي تليهم من مقاربي عصرهم وعهدهم ولأجل أن يقف القارئ على متون هذه النصوص نأتي ببعضها :

روى سلمة بن محرز قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان رجلا مات واوصى الى بتركته وترك ابنته قال : فقال لي : أعطها النصف قال : فأخبرت زرارة بذلك فقال لي اتقاك انما المال لها ، قال : فدخلت بعد ، فقلت : أصلحك الله ان أصحابنا زعموا أنك اتقيتني فقال : لا والله ما اتقيتك ولكني اتقيت عليك ان تضمن فهل علم بذلك أحد؟ قلت : لا قال : فأعطها ما بقي (١).

ويظهر من روايته الأخرى انه لم يلق زرارة وحده بل لقي عدة من أصحاب الإمام القاطنين في الكوفة حيث يقول : فرجعت فقال أصحابنا : لا والله. (٢).

ترى ان الشهرة الفتوائية بلغت من حيث القدر والمنزلة عند الراوي إلى درجة منعته عن العمل بنفس الكلام الذي سمعه من الامام فتوقف حتى رجع الى الامام ثانيا. بل كانوا لا يتوقفون ويقدمون الفتوى المشهورة على المسموع من نفس الامام شخصيا

روى عبد الله بن محرز بياع القلانص قال : اوصى الى رجل وترك خمس مائة درهم اوست مائة درهم وترك ابنته وقال لي عصبة بالشام فسألت أبا عبد الله عن ذلك فقال : أعط الابنة النصف والعصبة النصف الأخر ، فلما قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا فقالوا : اتقاك فأعطيت ابنته ، النصف الأخر ثم حججت فلقيت أبا عبد الله فأخبرته بما قال

__________________

(١) الوسائل الجزء ١٧ ـ الباب ٤ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد الحديث ٣

(٢) المصدر نفسه الباب ٥ ـ الحديث ٧

٤

أصحابنا وأخبرته انى دفعت النصف الأخر للابن فقال : أحسنت إنما أفتيتك مخافة العصبة عليك (١).

وهذه الأحاديث تعرف مكانه الشهرة الفتوائية عند أصحاب الأئمة ومعه لا يصح لفقيه ، الاعراض عن الشهرة والإفتاء بالأصل أو الرواية الشاذة.

فتبين ان الشهرة الفتوائية في المسائل المتلقاة داخلة في مفاد المقبولة أو مناطها وان سيرة أصحاب الأئمة جرت على الاعتناء بها فمثل هذه الشهرة ان لم تكن مصدرا للفتيا فلا محالة تكون موجبا للاحتياط وعدم الإفتاء بشي‌ء أو الإفتاء بالاحتياط.

مناقشة نظرية بعض المحققين

ثم انه يترتب على ما ذكرناه أمران :

١ ـ كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف الرواية.

٢ ـ إعراض المشهور موهن مسقط لحجيتها.

ولكن لبعض المحققين من الأعاظم نظرية أخرى في كلا المقامين نأتي به في الموردين.

قال : إذا كان الخبر الضعيف غير حجة في نفسه على الفرض وكذلك فتوى المشهور غير حجة على الفرض يكون المقام من قبيل انضمام غير الحجة الى غير الحجة فلا يوجب الحجية فان انضمام العدم الى العدم لا ينتج الا العدم.

ودعوى ان عمل المشهور بخبر ضعيف توثيق عملي للمخبر به فيثبت به كونه ثقة ، فيدخل في موضوع الحجية ، مدفوعة بأن العمل مجمل لا يعلم وجهه فيحتمل ان يكون عملهم به لما ظهر لهم من صدق الخبر ومطابقته للواقع بحسب نظرهم واجتهادهم لا لكون المخبر ثقة عندهم فالعمل بخبر ضعيف لا يدل على توثيق المخبر به ولا سيما انها لم يعملوا بخبر آخر لنفس هذا المخبر.

هذا كله من حيث الكبرى ، واما الصغرى وهي استناد المشهور الى الخبر

__________________

(١) المصدر نفسه الباب ـ ٥ ـ الحديث ٤

٥

الضعيف في مقام العمل والفتوى فإثباتها أشكل من إثبات الكبرى لان مراد القائلين بالانجبار هو الانجبار بعمل قدماء الأصحاب باعتبار قرب عهدهم بزمان المعصوم. والقدماء لم يتعرضوا للاستدلال في كتبهم ليعلم استنادهم الى الخبر الضعيف وانما المذكور في كتبهم مجرد الفتوى والمتعرض للاستدلال انما هو الشيخ الطوسي دون من تقدمه فمن أين يستكشف عمل قدماء الأصحاب بخبر ضعيف ومجرد المطابقة لا يدل على انهم استندوا في هذه الفتوى الى هذا الخبر إذ يحتمل كون الدليل عندهم غيره فانجبار الخبر الضعيف بعمل المشهور غير تام صغرى وكبرى (١).

وفيما افاده مجال للبحث :

أما أولا : فلان ما هو الحجة من الخبر حسب بناء العقلاء الذي هو الدليل الوحيد في المقام هو الخبر الموثوق بصدوره أو الموثوق بصدقه ، وحجية قول الثقة لأجل كون وثاقته امارة على صدوره من الامام وصدقه في كلامه ، وعلى ذلك فلو كان عمل الأصحاب مورثا للوثوق الشخصي بالصدور ، وان لم يكن مورثا لوثاقة المخبر كفى في كون الخبر حجة ، اللهم الا ان يمنع من كونه مورثا للاطمئنان به وهو كما ترى هذا حول ما ذكر من منع الكبرى.

واما ثانيا : فلان ما ذكره من منع الصغرى قائلاً بأن إثبات استناد المشهور الى الخبر الضعيف أمر مشكل من إثبات الكبرى ، فغير تام لما عرفت من ان للقدماء من الفقهاء لونين من التأليف أحدهما بصورة الفقه المنصوص والأخر بصورة الفقه المستنبط ، وكان أساس الأول هو تجريد الأسانيد والأخذ بنفس المتون ( لا المضامين ) فاذا تضافرت فتاوى تلك الطبقة في مسألة ، على عبارة موجودة في الخبر الضعيف يستكشف اعتمادهم في مقام الإفتاء على ذاك الحديث واحتمال كون الدليل عندهم غيره مع وحدة التعابير ، ومع العلم بعدم خروجهم في مقام التأليف عن اطار النصوص كما ترى

__________________

(١) مصباح الأصول ج ٢ ص ٢٠٢

٦

كلام آخر له في إعراض المشهور

ثم : ان له دام ظله كلاما في كون إعراض المشهور موهنا قال : إذا كان الخبر الصحيح أو الموثق موردا لقيام السيرة ومشمولا لإطلاق الأدلة ، فلا وجه لرفع اليد عنه لإعراض المشهور عنه. نعم : إذا تسالم جميع الفقهاء على حكم مخالف للخبر الصحيح أو الموثق في نفسه يحصل العلم أو الاطمئنان بسبب ذلك بان هذا الخبر لم يصدر من المعصوم أو صدر عن تقية فيسقط الخبر المذكور عن الحجية.

واما إذا اختلف العلماء على قولين وذهب المشهور منهم الى ما يخالف الخبر الصحيح أو الموثق وأعرضوا عنه واختار غير المشهور منهم ما هو مطابق للخبر المذكور فلا وجه لرفع اليد عن الخبر الذي يكون حجة في نفسه لمجرد أعراض المشهور عنه (١).

ان القائل بكون الاعراض موهنا ومسقطا للحجية إنما يستند الى قوله عليه‌السلام في مقبولة عمر بن حنظلة : « فإن المجمع عليه لا ريب » ولا ينطبق ذلك الا على ما إذا بلغت الشهرة إلى حد جعل الخبر المشهور مما لا ريب في صحته ، والخبر الشاذ مما لا ريب في بطلانه ، ولا ينطبق ذلك الأعلى القسم الأول المذكور في كلامه لا القسم الثاني ، فيصير النزاع لفظيا.

احياء الدوارس أو نشر مآثر القدماء الفقهية

كل ذلك يوجب سعى الفضلاء الى الحصول على آثار القدماء ومآثرهم ورسائلهم وكتبهم سواء ألفت على نمط الفقه المنصوص أو على نمط الفقه المستنبط ولهذه الغاية قامت مؤسسة سيد الشهداء بتحقيق كتاب الجامع للشرائع للفقيه يحيى بن سعيد الحلي ( ٦٠٠ ـ ٦٨١ ) كما قامت بتحقيق كتاب المهذب للفقيه الأقدم عبد العزيز بن البراج.

وهذا الجزء الذي يزفه الطبع الى القراء الكرام هو الجزء الثاني منه

__________________

(١) مصباح الأصول ج ٢ ص ٢٠٣

٧

وقد تعرفت على المؤلف في التقديم الذي قدمناه للجزء الأول منه ، وقد تصدى نسخه وتصحيحه ومقابلته مع النسخ التي المحنا إليه في مقدمة الجزء الأول لفيف من الفضلاء وثلة من رواد العلم والحقيقة أعني بهم أصحاب الفضيلة :

١ ـ الشيخ أحمد خدائى

٢ ـ الشيخ إبراهيم بهادرى

٣ ـ الشيخ حسين الأميني

٤ ـ السيد محمد على الرجائي الأصفهاني

٥ ـ الشيخ محمد الرضائي الأصفهاني

شكر الله جهودهم المباركة حيث قاموا بهذه المهمة العلمية الشاقة.

ثم قام بعدهم العلامة الحجة المحقق السيد عبد الرسول الجهرمى الشيرازي بتحقيق نصوص الكتاب والتعليق عليه وتخريج مصادره ورفع معضلاته فشكر الله مساعيه الجميلة.

وقد اتخذ نسخة المكتبة الرضوية أصلا في التصحيح والتعليق ورمز إليها بعلامة « ألف » كما رمز الى نسخة مكتبة آية الله البروجردي بعلامة « ب » والى نسخة مكتبة آية الله الخادمى بعلامة « خ ».

ونضيف في خاتمة المطاف : انه كان للسيد المحقق تعاليق على كتاب الإجارة وقد فاتنا طبعها في محلها ونعتذر اليه والعذر عند كرام الناس مقبول.

وآخر دعوانا عن الحمد الله رب العالمين

جعفر السبحاني

في ٢٠ جمادى الآخرة من شهور عام ١٤٠٦ ه‍. ق

٨

« باب المزارعة والمساقاة »

قولنا « مزارعة » اسم لعقد واحد ، وهو استئجار الأرض ببعض ما يخرج منها ، (١) وهي جائزة بالنصف أو الثلث ، أو أقل من ذلك أو أكثر ، ولا يجوز ان يجعل لأحد المتزارعين شي‌ء معين ولا يكون مشاعا ، مثل ان يكون لأحدهما ما بذره (٢) أولا وللآخر ما يتأخر ، أو يكون لأحدهما ما ينبت على الجداول والماذيانات ، (٣) وللآخر ما على الأبواب أو يكون لأحدهما الصيفي ، وللآخر الشتوي ، فجميع ذلك لا يجوز عقد المزارعة عليه لأنه قد ينمي أحدهما ، ويهلك

__________________

(١) يظهر منه ان حقيقة المزارعة شرعا إجارة الأرض بحصة من حاصلها وهو الظاهر من النصوص الواردة فيها وفيه خلاف بين المتأخرين وقد تعرض المصنف وغيره أيضا في هذا الباب لمسائل إجارة الأرض للزرع بالنقدين ونحوهما لصدق المزارعة عليها أيضا عرفا.

(٢) في نسخة ( ب ) « ما يدرك أولا ».

(٣) في المسالك الجدول هنا النهر الصغير وقد يطلق على قطعة من الأرض يجمع حولها التراب وكلاهما مشتركان في عدم جواز اشتراطه انتهى والماذيانات بكسر الذال ويفتح كما في اللغة مسائل الماء وكأنها هنا أواخر الأرض المزروعة التي يسيل الماء إليها وفي نسخة ( ب ) على هذه الكلمة بعلامة نسخة البدل « المادريات » تارة و « الاديابات » اخرى وكأنهما تصحيف.

٩

الأخر ، ولا يجوز لصاحب الأرض ان يأخذ المزارع الا بما تخرجه الأرض المعقود عليها ، ولا يجوز على كيل معين (١) من جنس ما زرع الأرض ، مثل ان يستأجر بحنطة ، ويزرع فيها حنطة ، ويجوز ان يشترك في المعاملة على ذلك الشركاء على ان يجعل كل واحد منهم من عنده في ذلك شيئا معلوما ، (٢) ولا يجوز ان يجعل للبقر نصيب ولا للبذر نصيب ، (٣) ويجوز استئجار الأرض بالدنانير والدراهم وغير ذلك من المعروض مدة معلومة.

وهي على ما تشترطه المتزارعون من العمل والقيام بالحرث والبقر وما ينفقون عليه ، كانت الأرض لهم أو لواحد منهم جائزة.

وإذا شرط مالك الأرض على المزارع نصف غلتها ، أو أقل من ذلك أو أكثر وجب له ذلك ان سلمت الغلة من الهلاك ، فان لم يسلم من ذلك ، وكان هلاكها بشي‌ء من الآفات السماوية أو الأرضية لم يجب له شي‌ء.

__________________

(١) ظاهره منع إجارة الأرض بجنس ما يزرع فيها مطلقا سواء كان من حاصلها أم غيره وسواء كان نقدا أم نسيئة كما حكاه الشهيد رحمه. في المسالك عن المصنف وقال لا يخلو قوله من قوة للرواية الصحيحة الا ان المشهور على خلافه ومراده بالرواية خبر الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة ويؤيده بعض المطلقات الناهية عن إجارتها بالطعام لكن الظاهر من بعض آخر اختصاصه بما إذا كان من حاصلها ويمكن حمل الخبر على ذلك كما عن الشيخ فوجه المنع اشتراط كون الحاصل مشاعا بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما ويحتمل حمل كلام المصنف أيضا عليه.

(٢) اى يجعل على نفسه شيئا معلوما من العمل أو المئونة وزاد هنا في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) « ويزرع الإنسان في أرض غيره ببقرة وبذره على ان يدفع إليه شيئا معينا ».

(٣) ورد ذلك في الاخبار وحملها بعض على الكراهة وما في المتن أظهر.

١٠

فإن جعل المالك للمزارع أجرة معينة اما من العين أو الرزق (١) أو المكيل أو الموزون من غير غلتها. كان له ذلك إذا وفى بما شرط عليه المالك في العقد ، هلكت الغلة أو لم تهلك فان خالف في شي‌ء مما شرط عليه بطل ما شرطه له ، وكان له اجرة المثل ، ان كان فيما خالف فيه صلاح ، فان كان فيه فساد كان عليه ضمان ما فسد بتعديه.

ويفتقر في صحة المزارعة إلى تعيين المدة والوصف لما هي متعلقة به.

فاذا زارع رجل أرضا على ان يتولى زراعتها بنفسه وجب عليه ذلك ، ولم يجز له ان يعطيها غيره ، وان شرط عليه زراعة شي‌ء بعينه ، وجب ذلك أيضا عليه.

وإذا شارك المزارع غيره من الناس ، كان له ذلك ولم يكن لصاحب الأرض خلافه في ذلك.

وإذا استأجر الأرض وأراد ان يقيم نائبا عنه فيها كان له ذلك. وإذا استأجر الأرض بالثلث أو الربع أو بأقل من ذلك أو بأكثر ، جاز له ان يوجرها بأكثر من ذلك أو أقل.

فإن استأجر بعين أو ورق ، (٢) وأراد ان يوجرها بأكثر من ذلك ، وكان

__________________

(١) في نسخة ( ب ) « الورق » كما يأتي.

(٢) حكاه أيضا في المختلف عن المصنف في كامله وزاد بعد قوله لم يجز لان الذهب والفضة مضمونان وحاصل ما ذكره هنا ان استئجار الأرض ان كان بالمزارعة بحصة مشاعة من حاصلها جاز للمزارع ان يدفعها الى غيره من مزارعة بالأكثر وان كان بمال معين فان كان بالنقدين لم يجز ان يوجرها كذلك بالأكثر ولو بغير نوعهما الا ان يحدث في الأرض شيئا وان كان بمال آخر جاز إيجارها بالأكثر إذا اختلف نوعهما وان لم يحدث فيها شيئا وفي المسئلة أقوال منشأها اختلاف النصوص وما ذكره المصنف أولى الا ان جواز الأخير مع اختلاف النوع خلاف الظاهر وقد تقدم من المصنف في أوائل الإجارة جواز استئجار الأرض بالدينار ثم يدفعها الى غيره مزارعة بالنصف أو أقل أو أكثر كما تقدم أيضا انه إذا استأجر دابة أو دارا

١١

قد أحدث فيها حدثا ، مثل كرى نهر ، أو حفر ساقية ، أو ما أشبه ذلك كان جائزا ، وان لم يكن أحدث فيها حدثا ، لم يجز له ذلك. فان كان استأجرها بغير العين والورق من حنطة أو شعير أو غيرهما ، كان له ان يوجرها بأكثر من ذلك إذا اختلف النوع.

وإذا شرط صاحب الأرض على المزارع ان يكون عليه جميع مؤنة الأرض ، من كرى نهر أو حفر ساقية وبذر وغير ذلك من العمارة ، كان ذلك لازما له ويكون المقاسمة على ما يتفقان عليه فان شرط المزارع على صاحب الأرض أخذ البذر قبل القسمة ، كان له ذلك ، وان لم يشرطه كان البذر عليه (١) على ما شرط ، وإذا شرط عليه خراج الأرض ومؤنة السلطان كان ذلك عليه دون المالك ، فان شرط ذلك وكان مقدارا معينا وزاد السلطان المؤنة على الأرض ، كانت هذه الزيادة على صاحب الأرض دون المزارع ، وإذا شرط المزارع على صاحب الأرض جميع المؤنة من حفر ساقية وبذر وكرى نهر وغير ذلك من العمارة ، ويقوم المزارع بالأرض ومزارعتها وعمارتها كان ذلك على ما شرط ولم يلزمه من خراج الأرض شي‌ء ، ولا من مؤنة السلطان ولا غير ذلك ، وتجري المقاسمة بينهما على ما يتفقان عليه.

وإذا استأجر رجل أرضا مدة معينة ، كانت له المدة المعينة وعليه مال الإجارة زرع فيها أو لم يزرع ، فان منعه المالك منها وانقضت المدة لم يلزمه شي‌ء ، وان منعه منها ظالم ، لم يكن على المالك شي‌ء. (٢)

__________________

أو نحوهما بدينار جاز ان يوجرها بعشرين درهما أو أكثر والفرق بينها وبين المقام غير واضح والتفصيل لا يسعه المقام.

(١) أي لم يجز له أخذ مقداره قبل القسمة.

(٢) اى كان له مال الإجارة ولم ينقص منها شي‌ء لأن الظلم انما وقع على المستأجر ولكن تقدم في باب الإجارة انه إذا استأجر أرضا فلحقها أمر لا يقدر معه على زرعها أو افتقر أو مرض كان له نقض الإجارة وظاهره مناف لما هنا وما هنا أظهر كما أشرنا إليه هناك.

١٢

وإذا استأجر أرضا مدة معلومة ، وغرقت وكان قد تصرف فيها بعض المدة كان عليه من مال الإجارة بمقدار ما تصرف فيه ، ولم يلزمه الباقي ، وان كان لم يتمكن من التصرف فيها لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا غصب إنسان غيره أرضا ، وبنى فيها ، أو زرع بغير اذنه ، كان لصاحب الأرض قلع زرعه ان لم يكن بلغ ، وهدم بنائه ، وأخذ أرضه فإن كان الزرع قد بلغ كان له ، وكان للمالك طسق الأرض.

وإذا استأجر إنسان دارا ليسكنها ، وفيها بستان فزرع فيها ، وغرس ، ثم أراد النقلة منها وكان قد فعل ذلك بأمر صاحبها ، كان على صاحبها ان يقوم ما فيها من ذلك (١) ويدفع اليه قيمته ، وان كان فعل ذلك بغير امره ، كان لصاحب الدار قلع ذلك ، وتسليمه اليه.

وإذا مات المستأجر أو المؤجر بطلت الإجارة بينهما في الحال.

وان هلكت الغلة ببعض الآفات السماوية ، كان مال الإجارة لازما للمستأجر.

وإذا استأجر رجل أرضا وباعها مالكها بعد ذلك ، لم يفسخ البيع الإجارة وان كان ذلك بحضرة المستأجر ، كان على المشترى الصبر الى ان تنقضي مدة الإجارة ،

__________________

(١) روى الشيخ رحمه‌الله في التهذيب بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) في رجل اكترى دارا وفيها بستان فزرع في البستان وغرس نخلا وأشجارا وفواكه وغير ذلك ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك فقال عليه الكرى ويقوم صاحب الدار الزرع والغرس قيمة عدل فيعطيه الغارس ان كان استأمره في ذلك وان لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكرى وله الغرس والزرع ويقلعه ويذهب به حيث شاء ونحوه في الفقيه ولكن رواه في الكافي أيضا وذكر بعد قوله فيعطيه الغارس وان كان استأمر فعليه الكرى وله الغرس إلخ وهذا بعكس الأول والمصنف رحمه‌الله تبع الأول الا انه أهمل ذكر الكرى ولا يخفى ان لفظ الأول غير خال من الاضطراب إذ المفروض في السؤال عدم الاستيمار فلا يناسبه تقييد الجواب بالاستيمار لكن الحكم المذكور فيه أظهر والله العالم.

١٣

فان مات المشترى لها ولم تكن مدة الإجارة انقضت لم تبطل الإجارة أيضا بموته ، ووجب على وارثه الصبر الى ان تنقضي مدة الإجارة.

وإذا زارع إنسان في أرض على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز للمالك ان يخرص الغلة على المزارع ثمرة كانت أو غير ثمرة ، فإن رضي المزارع بذلك الخرص أخذها ، وكان عليه حصة المالك ، سواء زاد الخرص ، أو نقص ، وكان الباقي له ، فان هلكت الغلة بإحدى الآفات السماوية لم يجب للمالك على المزارع شي‌ء.

وإذا اشترك اثنان في ضيعة ، وزرعاها ونبت الزرع ، ومات الواحد منهما بعد ذلك ، فقام أخر مقامه في الزرع ومراعاته ، فلما بلغ الحصار حضر وارث الميت وادعى ان السهم من الزرع له ، دون القيم المراعى له ، ودفعه عنه نظر في ذلك فان كان الزرع ، زرع ببذر الشريكين ، كان ذلك السهم للوارث الذي طلبه ، وللذي قام بمراعاته اجرة المثل.

وإذا زارع إنسان غيره في أرضه على ان يزرعها ببذره ، ويقوم عليها بنفسه بسهم معلوم ، فزرعها ولم تنبت الأرض الا في العام المقبل ، فلما بلغ الزرع الحصاد قال المزارع انا شريكك في الغلة ، وقال صاحب الأرض بل هي لي دونك ، كانت الغلة للمزارع ان كان البذر له ، وعليه للأرض أجرة المثل ، وان كان البذر لصاحب الأرض كانت الغلة له وعليه اجرة المثل للمزارع.

١٤

المساقاة

فاما المساقاة فالشرط فيها كالشرط في صحة المزارعة

والمساقاة في النخل والشجر كرما أو غير كرم بالنصف أو الثلث أو بأقل من ذلك ، لو أكثر جائزة. وتكون المئونة فيها على المساقى دون صاحب الأرض ، فإن ساقى الإنسان غيره على نخل أو شجر ، فلم يذكر ما له من القسمة ، كانت المساقاة فاسدة ، وكان لصاحب النخل والشجر ما يخرج من الثمرة ، وعليه اجرة المثل للمساقي.

ويكره لصاحب الأرض ان يشترط على المساقى مع المقاسمة شيئا من العين أو الورق ، فإن جرى ذلك بينهما ، وكان الشرط فيه على المساقي ، أو على المالك كان جائزا ، والأحوط تركه.

فان هلكت الثمرة ببعض الآفات السماوية لم يلزمه شي‌ء من ذلك ، وخراج الثمرة على صاحب الأرض ، فإن شرط ذلك على المساقى ، لزمه ذلك دون المالك.

وإذا أخذ إنسان أرضا ميتا (١) ولها مالك معروف فشرط المالك عليه إحيائها ويكون له ارتفاعها (٢) مدة من الزمان ثم يعيدها الى مالكها كان جائزا.

__________________

(١) أي صارت ميتا بعد الأحياء والا فلا يملكها أحد كما يأتي.

(٢) اى فوائدها.

١٥

ومن أخذ أرضا ميتا فأحياها ، ولم يعرف لها مالك ، كان اولى بالتصرف فيها من سائر الناس ، وكان عليه للسلطان طسقها. ومن أخذ أرضا ميتا ولها صاحب معروف ، وشرط عليه صاحبها أحياها وله ارتفاعها ، وشرط المحيى لها على صاحبها ان يكون مؤنة السلطان عليه كان جائزا ، ولصاحب الأرض أخذها متى شاء ذلك (١).

وإذا استأجر إنسان أرضا بأجرة معلومة ، وأراد ان يوجر بعضها بأكثر مال الإجارة ويتصرف هو في الباقي بما يبقى كان جائزا ، ويكره له ان يوجرها بأكثر مما استأجرها به ، الا ان يكون قد أحدث فيها حدثا ، وقد تقدم ذكر ذلك (٢).

وإذا ابتاع إنسان مراعى بثمن معلوم ، جاز له ان يبيع بعضها بأكثر الثمن ، ويرعى هو الباقي بما يبقى ، وليس له ان يبيع ذلك (٣) بمثل ما اشترى أو أكثر

__________________

(١) الظاهر ان هذا إذا لم يقيده بمدة معينة والا لم يجز له أخذها قبل تمامها كما يشير اليه ما تقدم آنفا من قوله مدة من الزمان كما ان ما في بعض الاخبار أيضا من جواز أخذها إذا شاء محمول على ذلك لظاهر ما ورد فيه جواز تقبلها مدة معينة

(٢) أي في باب المزارعة لكن المذكور هناك عدم الجواز على تفصيل بين النقدين وغيرهما واما جواز ان يوجر بعضها بأكثر مال الإجارة فقد ورد في صحيح محمد بن مسلم بل تقدم في أوائل الإجارة انه يجوز ان يستأجر دارا ثم يوجر بعضها بمثل ما استأجرها لكن يمكن اختصاص ذلك عند المصنف بالدار للنص كما ذكرناه

(٣) المراد بالابتياع والبيع في هذه المسئلة هو الاستئجار والإيجار لكونهما بيعا لمنافع المرعى من العلف والكلاء وانما عبر بذلك تبعا للنص وهو موثق سماعة سأله (ع) عن رجل اشترى مرعى يرعى فيه بخمسين درهما أو أقل أو أكثر فأراد أن يدخل معه ويأخذ منهم الثمن قال فليدخل معه من شاء ببعض ما اعطى وان ادخل معه بتسعة وأربعين درهما وكان غنمه ترعى بدرهم فلا بأس وليس له ان يبيعه بخمسين درهما ويرعى معهم الا ان يكون قد عمل في المرعى عملا حفر بئرا أو شق نهرا برضا أصحاب المرعى فلا بأس بأن يبيعه بأكثر مما اشتراه به لأنه قد عمل فيه عملا رواه في الفقيه ونحوه في الكافي والتهذيب وظاهر الخبر اشتراط كون العمل في المرعى برضا صاحبه والمصنف اشترط ذلك في الإيجار الثاني وكأنه حمل الخبر عليه ووجهه غير واضح مع انه لم يشترط ذلك في غير المرعى.

١٦

ويرعى مع المشترى منه الا بعد ان يكون قد أحدث في ذلك حدثا ، ويكون ذلك برضا صاحب الأرض أيضا فان لم يرض المالك ببيعه من غيره ، لم يجز له ذلك وليس له ان يرعى الا وحده.

وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا معلومة هذه السنة بالنصف ، وقال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل ذلك ، فدفعه العامل الى آخر معاملة بعشرين وسقا مما يخرج من الثمرة ، فعمل على هذا ، كان الخارج بين الأول ومالك النخل نصفين وللآخر على الأول أجر مثله ولو كان الشرط في المعاملة الأولى عشرين وسقا لأحدهما بعينه ، وفي الثانية النصف كان الخارج لمالك النخل وللآخر على الأول أجرة عمله وللأول على صاحب النخل اجرة ما عمل الأخر ، ولا ضمان عليه في ذلك ، وكذلك (١) إذا دفع الى غيره أرضا بالنصف أو الثلث ثم ارتد مالكها ، وخرج الزرع. فإن أسلم كان ذلك بينهما (٢) على ما اشترطاه وان هلك على ردته وكان في الأرض نقصان كان النقصان (٣) عليه والخارج بين العامل ووارث المرتد على الشرط ، وهكذا لو كان العامل هو المرتد ولو كانا جميعا مرتدين كان الخارج بينهما على الشرط في جميع ذلك فان قتلا أو لحقا بدار الحرب قام ورثتهما مقامهما فإن أسلما فهما على ما كانا عليه ولو عقدا المعاملة والمزارعة فيما ذكرناه

__________________

(١) الظاهر زيادة لفظة « كذلك » وصوابه : وإذا دفع الى غيره أرضا إلخ وفي نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل مكان هذه العبارة. وإذا دفع المرتد أرضه وبذره الى إنسان مزارعة بالنصف فعمل على ذلك وخرج الزرع إلخ ولعله كانت العبارتان مذكورتين في نسخة المصنف وكانت العبارة الثانية مقدمة على الاولى فحينئذ لفظة « كذلك » ليست بزائدة.

(٢) ظاهره عدم الفرق في ذلك بين المرتد الفطري والملي لكن يأتي في الفرائض ان الفطري يقسم أمواله بين ورثته ويقتل في الحال ولا يستتاب.

(٣) في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح هكذا : كان نقصان الأرض عليه والزرع له وان لم يكن في الأرض نقصان كان الخارج بين العامل إلخ فتأمل

١٧

وهما مسلمان ثم ارتد أحدهما وقتل على الردة أو لحق بدار الحرب فالخارج على الشرط بينهما ولم يبطل العقل بردته.

فان كان من أهل الحرب ودخل دار الإسلام بأمان فدفع إليه إنسان أرضا وبذرا مزارعة هذه السنة بالنصف كان جائزا ، وما يخرج يكون بينهما على ما اشترطاه وليس ينبغي للوالي أن يتركه في دار الإسلام هذه المدة.

وإذا ابتاع الحربي المستأمن أرضا عشرية ، أو خراجية فسلمها الى مسلم مزارعة كان جائزا ، ويكون ما يخرج بينهما على ما اشترطاه ، ويوضع عليه الخراج في أرضه ، ويجعل ذميا (١) ، ولا يمكن من الرجوع الى دار الحرب. وإذا دخل مسلم دار الحرب بأمان واشترى أرضا من أراضي الحرب ودفعها الى حربي مزارعة كان ما يخرج بينهما على ما يشترطانه ، وهكذا القول ان أخذ مسلم ارض حربي بالنصف. والمزارعة بين التاجرين المسلمين في دار الحرب بمنزلتها في دار الإسلام ، وهكذا هي بين مسلم تاجر ، وبين حربي أسلم هناك.

وإذا ابتاع مسلم تاجر في دار الحرب أرضا ودفعها الى حربي مزارعة بالنصف فزرعها فلما استحصد الزرع لم يحصد حتى ظفر المسلمون بدار الحرب فافتتحوها عنوة فإن الأرض والزرع لمن افتتحها ، (٢) وان كان الزرع حصد ولم يحمل من

__________________

(١) اى يصير بذلك في حكم الذمي وذكر العلامة رحمه‌الله في المختلف ان الوجه انه لا يصير كذلك ويجوز تمكينه من الرجوع الى مأمنه وتكون أرضه بحكم مال المستأمن قلت ما ذكره المصنف هنا حكاه الشيخ أيضا في المبسوط في إحياء الموات عن بعض ولم نعثر بعد على دليله.

(٢) قال العلامة في المختلف بعد نقل هذا الكلام عن المصنف : الوجه ان الأرض للمسلم لا يصير فيئا وكذا الزرع الذي يخصه.

قلت قد يدل على قول المصنف في الأرض ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن حفص بن غياث قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب وظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال : إسلامه إسلام لنفسه

١٨

الأرض حتى افتتح المسلمون الأرض ، كانت الأرض ونصيب الحربي فيئا للمسلمين ، وكان للمسلم نصيب من الزرع ولا فرق في البذر من أيهما كان ، وإذا كان مالك الأرض والمزارع مستأمنين في أرض الحرب وظهر المسلمون على الأرض ، والزرع قائم لم يحصد كانت الأرض والزرع فيئا للمسلمين ، وإذا كان قد حصد ، كانت الأرض فيئا والزرع بينهما على ما اشترطاه.

وإذا دفعها مسلم إلى حربي مزارعة هذه السنة بالنصف ، والبذر من أحدهما بعينه والعمل عليهما جميعا فعملا وأخرجت الأرض الزرع ثم أسلم أهل تلك الدار وقد استحصد ذلك الزرع ولم يحصل (١) كان فاسدا ، وما يخرج فهو لصاحب البذر وللآخر الأجر ، فان لم يسلم أهل تلك الدار ، وظهر المسلمون عليها كانت الأرض وما فيها فيئا ولم يكن لأحدهما على الأرض (٢) شي‌ء من اجرة ولا غيرها.

ومزارعة الصبي والعبد المأذون لهما في التجارة ، بمنزلة الحر في المزارعة فاذا زارع العبد إنسانا فلم يزرع حتى حجر عليه سيده فنظر فيه بحيث ما كان (٣)

__________________

ولولده الصغار وماله ومتاعه ورقيقه له. واما الدور والأرضون فهي في‌ء ولا يكون له لأن الأرض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم أهل الإسلام إلخ فإن كونها أرض جزية كما يمنع عن تملك من أسلم فيها ، يمنع أيضا تملك مسلم اشتراها من أهلها واما جواز مزارعة المسلم لها فلجواز تصرفه فيها بالاشتراء أو لحدوث الملكية له موقتا ما لم يظهر عليها المسلمون وبهذا يظهر وجه قوله في الزرع أيضا بالنسبة إلى حصة المسلم فإنه قبل الحصاد تابع للأرض كما يظهر من التعليل في آخر الخبر المذكور بان ذلك أي الأموال غير الأرض يمكن احتيازه وإخراجه إلى دار الإسلام والله العالم.

(١) كذا في الأصل وفي نسخة ( ب ) « ولم يحمل » والصواب « ولم يحصد » كما تقدم ولعل وجه الفساد هنا ما ذكرنا من عدم تملك المسلم لأرض الحرب بالاشتراء بضميمة انه ثبت ان الأرض إذا أسلم أهلها طوعا صارت ملكا لهم فيترتب عليه ان الحاصل لصاحب البذر وللآخر الأجر.

(٢) في نسخة ( ب ) « على الأخر » وهو أصح.

(٣) الصواب « فحيثما كان ».

١٩

للحران يمنع من المضي على المزارع ، كان للسيد ان يمنع عبده منه ويحجر عليه ، وحيث ما لم يكن للحر ذلك ، لم يكن لسيد العبد منع العبد منه ، ولا يبطل مزارعة العبد بحجر السيد عليه وكذلك الصبي بحجر أبيه عليه أو وصيه بعد إذنهما له ، وكذلك المعاملة في الشجر.

وإذا اشترى الصبي التاجر أرضا ، وحجر أبوه عليه فدفعها مزارعة بالنصف الى غيره يزرعها ببذره وعمله فعمل على ذلك ، كان الخارج للعامل وعليه نقصان الأرض ، فان لم يكن في الأرض نقصان كان الخارج بينهما على شرطهما ، فان كان البذر من جهة الدافع كان الخارج بينهما (١) وله عليه عوض البذر في جميع الوجهين ويغرم نقصان الأرض ، وهكذا لو لم يخرج الأرض شيئا.

وإذا دفع الحر الى العبد المحجور عليه أو الصبي الحر المحجور عليه أرضا وبذرا مزارعة بالنصف هذه السنة فزرعها وخرج الزرع وسلم العامل كان ما خرج بينهما على ما اشترطاه ، فان مات العبد وهو في عمل الزرع بعد ما استحصد الزرع كان صاحب الأرض ضامنا لقيمته ، والزرع كله له ، فان مات الصبي في عمل ذلك بعد استحصاد الزرع كان الزرع بينهما على شرطهما ، وعلى عاقلة صاحب الأرض دية الصبي ، وهكذا الحكم في المعاملة في الشجر.

وإذا دفع العبد المحجور عليه أرضا في يديه الى إنسان يزرعها ببذره وعمله هذه السنة ، فما خرج منها كان بينهما نصفين ، فزرعها العامل فأخرجت طعاما

__________________

(١) كذا في الأصل ونسخة ( ب ) ولكن في نسخة ( م ) وفي المختلف عن المصنف كان الخارج للعامل وعليه غرم البذر إلخ والمراد بجميع الوجهين ان يكون في الأرض نقصان أم لا في مقابل الفرق المذكور بينهما إذا كان البذر من العامل وعلى كل حال ما ذكره المصنف لم نعرف وجهه لان الظاهر فساد مزارعة الصبي بعد حجر أبيه عليه وذكر العلامة في المختلف ان الحاصل للزارع إذا كان البذر منه وعليه أجرة الأرض وأرش النقصان ان نقصت سواء خرج أولا ولو كان البذر من الصبي كان الحاصل له.

٢٠