المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

ولو ان الامام أو من نصبه ، شرط ان يفادي قوما من المسلمين بمال ، لما صح ذلك وكان العقد فاسدا ولم يملك المشركون ما يأخذونه منه ، وان ظهر المسلمون على المشركين وأخذوا منهم هذا المال ، لم يكن غنيمة ووجب رده الى بيت المال.

وإذا غصب مسلم فرسا وغزا عليه وغنم وأسهم له ثلاثة أسهم ، كان الثلاثة أسهم كلها له ، ولم يكن لصاحب الفرس منها شي‌ء ، فان دخل دار الحرب بفرسه الذي يملكه وغزا ثم غصبه غيره من أهل الصف فرسه وغنم (١) وأسهم للذي غصب الفرس ثلاثة أسهم ، كان له من هذه الثلاثة أسهم ، سهم واحد والسهمان الباقيان لصاحب الفرس وانما اختلف الحكم فيما ذكرناه ، لان الغاصب في المسئلة الاولى هو الحاضر للقتال دون صاحب الفرس وقد اثر حضوره في القتال ، وفي المسئلة الثانية صاحب الفرس حضر القتال فارسا وأثر في القتال ، والغاصب لفرسه ، غصبه بعد ذلك فكان السهم دون الغاصب (٢) للفرس.

وإذا اشترى إنسان الأسارى من المسلمين لبعض التجار بإذنهم بان يشتريهم ويكفهم من العرض (٣) ، فابتاعهم وأخرجهم من دار الحرب ، كان عليهم ان يؤدوا إليه ما ابتاعهم به ، وان اشتراهم بغير إذنهم ، لم يجب عليهم ان يؤدوا المال اليه ويستحب لهم أداء ذلك ، وان أذنوا له في ابتياعهم وكانوا فقراء فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب ولم يقدروا على تعويضه (٤) عوض ذلك من بيت مال المسلمين إذا كان ثمنهم الذي وزنه (٥) هو قيمتهم ، فان كان قد دفع فضلا على ذلك ، فان الفاضل في قتاله (٦) ، ولم يجب تعويضه على ذلك من بيت مال المسلمين.

__________________

(١) في نسخة « غنموا ».

(٢) للفرس خبر لكان.

(٣) اى من المعرضية للبيع.

(٤) في نسختين « تعريضه » والظاهر انه تصحيف.

(٥) اى جعله وزنا وعدلا لهم وبحذائهم.

(٦) كذا في نسختين ولعلها تصحيف والصحيح « في ماله ».

٣٢١

فان اشترى صبيانا أو أطفالا أحرارا بإذن أو بغير اذن ، لم يجب على أوليائهم ولا عليهم إذا بلغوا رد عوض المال إليه ، فإن فعلوا ذلك كان حسنا ، وان كان أوليائهم التاجر (١) في ذلك كان عليهم ان يدفعوا ذلك اليه.

وإذا اشترى مكاتبا أو أم ولد بأمرهما له بذلك ، واشتراهما فأخرجهما من دار الحرب لم يكن له عليهما شي‌ء ، الا ان يعتقا ، فاذا أعتقا ، جاز له مطالبتهما بماله وان كان اشتراهما بغير إذنهما له في ذلك ، لم يستحق عليهما شيئا عتقا أو لم يعتقا.

فان اشترى عبيدا كان لساداتهم ان يأخذوهم بالثمن الذي ابتاعهم به ، اللهم الا ان يكونوا عند مشرك ، فدفعهم المشرك الى هذا التاجر عوضا عن هدية أو ما أشبهها فيكون قيمته ما اوفى عليه بهم.

« باب قتال أهل البغي ».

قال الله تعالى ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٢) الاية.

وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب (ع) انه خطب يوما بالكوفة ، فقام اليه رجل من الخوارج فقال ، لا حكم الا لله فسكت (ع) ثم قام آخر وآخر وآخر فلما أكثروا فقال صلوات الله عليه وآله « كلمة حق يراد بها باطل ، لكم عندنا ثلاث خصال ، فلا نمنعكم مساجد الله ان تصلوا فيها ، ولا نمنعكم الفي‌ء ما كانت أيديكم مع أيدينا ، ولا أبتدءكم بحرب حتى تبدءوا ، لقد أخبرني الصادق عن الروح الأمين عن رب العالمين : انه لا يخرج عليكم فئة قلت أو كثرت الى يوم القيامة الا جعل الله حتفها على أيدينا ، وان أفضل الجهاد جهادكم وأفضل المجاهدين من قتلكم وأفضل الشهداء من قتلتموه ، فاعملوا ما أنتم عاملون ، فيوم القيامة يخسر المبطلون ولكل

__________________

(١) « التاجر » خبر لكان.

(٢) الحجرات ـ الاية ٩.

٣٢٢

نبأ مستقر فسوف تعلمون ». (١)

وروى عنه عليه‌السلام انه حرض الناس يوم الجمل على القتال ، فقال ( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (٢) ثم قال : « هذا والله ما رمى أهل هذه الاية بسهم قبل اليوم » (٣) وروى عنه عليه‌السلام انه قال يوم الصفين « اقتلوا بقية الأحزاب وأولياء الشيطان ، اقتلوا من يقول : كذب الله ورسوله ». (٤)

وروى ـ انه لما أغارت خيل معاوية على الأنبار ، وقتلوا عامله (ع) وانتهكوا حرم المسلمين ، خرج (ع) بنفسه غضبان حتى انتهى الى النخيلة ، فمضى الناس فأدركوه فقالوا ارجع يا أمير المؤمنين فنحن نكفيك المؤنة ، فقال : والله ما تكفوننى ولا تكفون أنفسكم ، ثم قام فيهم خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال : « ان الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه ، ألبسه الله تعالى الذلة ولشمله البلاء والصغار

وقد قلت لكم وأمرتكم ان تغزوا هؤلاء القوم قبل ان يغزوكم ، فإنه ما غزى قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا ، فجعلتم تتعللون بالعلل وتسوفون ، وهذا عامل معاوية أغار على الأنبار فقتل عاملي عليها ابن حسان (٥) وانتهك أصحابه حرمات المسلمين ، لقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرية المسلمة والأخرى المعاهدة فينزع قرطها (٦) وخلخالها لا يمتنع منها ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم ، فو الله لو ان امرء مسلما مات من هذا أسفا ، ما كان عندي ملوما بل كان عندي جديرا.

يا عجبا عجبت لبث (٧) القلوب وتشعب الأحزاب من اجتماع هؤلاء القوم

__________________

(١) المستدرك ، ج ٢ ، الباب ٢٤ من أبواب جهاد العدو ، ص ٢٥٤ ، الحديث ٩.

(٢) التوبة ، الاية ١٢.

(٣) المستدرك ، ج ٢ ، الباب ٢٤ من أبواب جهاد العدو ، ص ٢٥٤ ، الحديث ٥

(٤) المصدر ، الحديث ١٥.

(٥) في نسخة « ابن حسام ».

(٦) القرط : ما يعلق في شحمة الأذن.

(٧) البث : النشر والإذاعة والتفرق.

٣٢٣

على باطلهم وفشلكم عن حقكم ، حتى صرتم غرضا تغزون ولا تغزون ويغار عليكم ولا تغيرون ويعصى الله وترضون ، إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم هذه أيام حارة القيظ (١) امهلنا حتى ينسلخ الحر وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم هذه أيام صر (٢) وقر ، وأنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أفر.

يا أشباه الرجال ولا رجال ، يا طغام (٣) الأحلام ويا عقول ربات الحجال (٤) ، قد ملأتم قلبي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : ان على بن ابى طالب لرجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ، فمن اعلم بالحرب منى؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها انا قد عاقبت (٥) على الستين ولكن لا رأى لمن لا يطاع ، أبدلني الله بكم من هو خير لي منكم وأبدلكم من هو شر لكم مني.

أصبحت والله لا أرجو نفعكم ولا أصدق قولكم ، وما سهم من كنتم من سهمه الأسهم الاخيب ، فقام اليه جندب (٦) بن عبد الله فقال : يا أمير المؤمنين ها انا وأخي أقول كما قال موسى : رب انى لا أملك الا نفسى وأخي ، فمرنا بأمرك ، والله لنضربن دونك وان حال دون ما نريده جمر الغضا (٧) وشوك القتاد ، فاثنى عليهما وقال : أين تبلغان رحمكما الله مما أريد (٨).

__________________

(١) القيظ : صميم الصيف.

(٢) الصر : البارد والقر بالضم : ضد الحر.

(٣) الطغام : الضعيف العقل ، والأحلام جمع حلم وفسر بالعقل ، وفي نسختين « طعام بالمهملة » ولعلها تصحيف.

(٤) الحجال : جمع حجلة وربات الحجال : النساء.

(٥) في نسخة « عافيت ».

(٦) هو المعروف والمسمى بجندب الخير الأزدي من أصحاب أمير المؤمنين (ع) وشهد معه عليه‌السلام بصفين واحد الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة وهم أويس القرني وزيد بن صوحان وجندب الخير الأزدي رحمة الله عليهم.

(٧) الجمر : النار والغضا : شجر عظيم ، خشبه من أصلب الخشب ولهذا يكون في فحمة صلابة.

(٨) دعائم الإسلام : ج ـ ١ ، ص ـ ٣٩٠. وأيضا نهج البلاغة عبده : الخطبة ـ ٢٦

٣٢٤

فقد دل ما أوردناه ـ من القران والخبر ـ على ان الله سبحانه فرض قتال أهل البغي ، وقد ذكرنا في باب من يجب جهاده من المراد بأهل البغي وقسمتهم ، فاذا اقتتلت طائفتان بكلام أو ما يجرى مجراه ولم يشهروا سلاحا أصلح بينهما بما يدعو إلى الألفة وما يعم النفع به وان بغت إحداهما على الأخرى وشهرت الظالمة السلاح على المظلومة ، وجب قتال الطائفة الباغية حتى تفي‌ء إلى أمر الله سبحانه ، ووجب على المؤمنين إذا دعاهم الإمام الى ذلك واستعان بهم معاونته ومساعدته والخروج معه الى حربهم ، ولم يجز لأحد منهم التأخر عنه في ذلك

ولا فرق في وجوب قتال الباغية بين ان يكون باغية على طائفة من المؤمنين ، وبين ان يكون بغت على الامام اما في خلع طاعته أو منعه مما يجب له التصرف فيه من اقامة حدا وغيره أو ما جرى مجرى ذلك ، فان في كل ذلك يجب قتال هذه الباغية ، ولا يجوز لمن دعاه الإمام الى ذلك واستعان به في حربهم ، التخلف عنه كما قدمناه.

ولا ينبغي ان يبدوا بالحرب حتى يبدوهم بها ، ويجوز ان يدعوا قبل القتال إلى الحق وينذروا ، فان لم يجيبوا قوتلوا وان كانوا عارفين بما يدعوهم الإمام اليه ولم يدخلوا فيه ، جاز قتالهم من غير دعاء ولا إنذار.

ولا يجوز قتالهم الا مع الإمام أو مع من ينصبه لذلك ، وإذا بلغ ـ بعض خلفاء الامام على بعض المواضع ـ اجتماع قوم (١) على الخلاف والخروج على شق عصا المؤمنين (٢) لا يقاتلهم حتى يطلع الامام على أحوالهم ، وينتظر امره فيهم فمهما أمروا به (٣) انتهى اليه.

ويقاتل أهل البغي بكل ما يقاتل به المشركون ، وإذا انهزم عسكرهم وكان لهم فئة يرجعون إليها جاز اتباع مدبرهم وان يجهز على جريحهم ، وتغنم أموالهم التي في العسكر دون غيرها من أموالهم ولا تسبى ذراريهم.

وان لم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، لم يتبع مدبرهم ولا يجهز جريهم ، فاما

__________________

(١) فاعل بلغ

(٢) في نسخة « المسلمين »

(٣) كذا في النسختين ولعلها تصحيف والصحيح « أمر به »

٣٢٥

أموالهم فلا يغنم منها الا ما حواه العسكر دون ما سواه مما لم يحوه ، ولا تسبى ذراريهم ، وقد ذكرنا هذا التفصيل في باب من يجب جهاده عند قسمة أهل البغي.

وإذا أدرك المؤمن الباغي وظهر عليه وغشيه بسلاحه فسئل الأمان وأظهر التوبة والرجوع ، أو أقر بامامة الإمام الحق ، أو أظهر ما يكون بإظهاره مفارقا لما هو عليه ، لم يجز للمؤمن الذي ظهر عليه طعنة ولا ضربه ، وان كان جريحا لم يجهز عليه كما قدمناه.

وإذا عدل أهل البغي عند الظهور عليهم الى رفع المصاحف والدعاء الى حكم الله سبحانه وتعالى ، بعد ان كانوا دعوا الى ذلك ولم يجيبوا اليه لم يلتفت الى هذا الفعل منهم ولم يرفع الحرب عنهم الا برجوعهم إلى الحق.

وإذا أعانهم قوم من أهل الذمة على قتال أهل العدل لبرئت الذمة منهم ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون لمن أعانوه من أهل البغي فئة وبين ان لا يكون لهم ذلك وقتلوا مقبلين ومدبرين (١) ، فان ادعوا الجهل بما جرى معهم وانهم أكرهوا على ذلك وأظهروا التوبة مما فعلوا ، عفى عنهم ولم يقتل لهم أسير ولا يسبى لهم ذرية.

وان كان ما ادعوه انما هو على وجه المدافعة وعرف منهم خلافه لم يلتفت الى قولهم في ذلك ومن أصاب منهم دم إنسان من أهل العدل أو ماله طولب بذلك ، ولا يجب على واحد من أهل العدل إذا أصاب شيئا من ذلك لأحد منهم.

وإذا كان رجل من أهل البغي قد استحق على رجل من أهل العدل قبل (٢) الفرقة ، حقا من قصاص أو أرش وطلب الحكم بينه وبينه من صاحب عسكر أهل العدل ، حكم بينهم في ذلك وامضى ما يجب لكل واحد منهما على الأخر ، فإن كان ما حكم به للباغي على العادل ما لا ينبغي ان يحكم له ولا يسلم اليه ، بل يجس

__________________

(١) يعنى لا يجري في حق أهل الذمة حكم البغاة وهو « قتل المقبل لا المدبر فيما إذا لم يكن لهم فئة » بل يقتلون مقبلين أو مدبرين.

(٢) اى قبل افتراقهم عن المؤمنين وعن الطريق الحق. وفي نسختين « قتل الفرقة » والظاهر انها تصحيف.

٣٢٦

عنده الى ان يرجع الى الحق ، لئلا ينفقه على حرب أهل العدل.

« باب أقسام الغزاة »

الغزاة على ضربين : مطوعة وغير مطوعة ، والمطوعة هم الذين يكونون مشغولين بمعاشهم لم ينشطوا للغزو ، فاذا غزوا وعادوا رجعوا الى معاشهم ، والذين هم غير مطوعة ، هم الذين يكونون قد راصدوا (١) نفوسهم للجهاد ووقفوها عليه.

والقسم الأول إذا غنموا في دار الحرب ، شاركوا الغانمين وأسهم لهم ، واما القسم الثاني فيجوز ان يعطوا من الغنيمة ويجوز ان يعطوا من الصدقة من سهم ابن السبيل. والاعراب ليس لهم من الغنيمة شي‌ء ، ويجوز للإمام ان يرضخ (٢) لهم ويعطيهم من الصدقة من سهم ابن السبيل ، لان الاسم يتناولهم.

ومن يعطى من الغنيمة فلا يفضل أحد منهم في كل ذلك على أحد بل يسوى بينهم ، ومن يعطى من سهم ابن السبيل ، يجوز للإمام تفضيل بعضهم في ذلك على بعض على قدر مؤنتهم وكفايتهم بحسب ما يراه.

ولا يجوز لأحد من الغزاة ان يغزو بغير أمر الإمام ، فإن غزا بغير أمر الامام كان مخطئا ، فان غنم ، كان جميع ما يغنمه للإمام دون كل أحد من الناس.

وجميع ما يحتاج اليه من آلات الحرب والكراع (٣) من بيت المال من أموال المصالح ، وهكذا أرزاق ولاة الأحداث والحكام والصلاة والأذان وما أشبه ذلك ، فإنهم يعطون من المصالح ، والمصالح تخرج من (٤) ارتفاع أراضي ما فتح عنوة ومن سهم سبيل الله.

__________________

(١) راصده : راقبه وراصد الشي‌ء له : أعد له.

(٢) رضخت له رضخا أعطيته شيئا ليس بالكثير.

(٣) الكراع : اسم يطلق على الخيل والبقال والحمير وقيل لخصوص الخيل خاصة

(٤) في نسخة زيادة « إخراج » ولعلها تصحيف.

٣٢٧

ومن جمله ذلك ، ما يلزم فيما يخصه من الأنفال والفي‌ء ، وهو جنايات من لا عقل له ، ودية من لا يعرف القاتل له وما جرى مجرى ذلك مما يأتي ذكره في مواضعه.

وإذا أراد الإمام القسمة ، فينبغي ان يبتدئ أولا بقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبمن هو أقرب فالأقرب ، فإن تساووا في القرابة بدأ ، بمن هو أقدمهم هجرة فان تساووا في ذلك فأقدمهم في السن ، وإذا فرغ من إعطاء أقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدأ بعد ذلك بالأنصار وأقدمهم على العرب ، فاذا فرغ منهم رجع الى العجم ، ولم يقدم أحدا منهم ممن ذكرنا تأخيره على أحد ممن ذكرنا تقديمه.

« تم كتاب الجهاد »

٣٢٨

« كتاب السبق والرماية »

قد ذكرنا في أول كتاب الجهاد قوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ) الاية. (١) وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « الا ان القوة في الرمي » ثلاث دفعات (٢) ، وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه مر بقوم من الأنصار يترامون فقال : « انا مع الحزب الذي فيه ابن الادرع ، فأمسك الحزب الأخر » وقالوا : لن يغلب حزب فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ارموا فانى أرمي معكم ، فرمى مع كل واحد منهم رشقا فلم يسبق بعضهم بعضا ، فلم يزالوا يترامون وأولادهم وأولاد أولادهم لا يسبق بعضهم بعضا ». (٣)

وروى أيضا انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسابق على ناقته العضباء ، وان أعرابيا جاءه على بكر (٤) فسابقه ، فسبقها فاغتم المسلمون ، فقيل يا رسول الله سبقت العضباء فقال حق على الله ان لا يرفع شيئا في الأرض الا قد وضعه. (٥)

وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « تناصلوا ، واحتفوا ، واخشوا شنواء وتمعددوا » (٦)

__________________

(١) الأنفال ، الاية ٦٠.

(٢) المبسوط ، ج ٦ ص ٢٨٩.

(٣) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٥١٦ ، الحديث ٣.

(٤) البكر بالفتح : الفتى من الإبل.

(٥) المستدرك ، ج ٢ ص ٥١٧ ، الحديث ٤.

(٦) المبسوط ، ج ٦ ، ص ٢٩٠.

٣٢٩

فقوله : تناصلوا فمعناه تراموا بالنصال (١) وقوله : « احتفوا » معناه امشوا حفاة ، وقوله « اخشوا شنوا » يعنى البسوا الخشن من الثياب ، وقوله : « تمعددوا » يعنى تكلموا بلغة معد بن عدنان فإنها أفصح اللغات وروى ـ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال « لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر » (٢).

« باب ما يجوز المسابقة عليه وما لا يجوز »

« وما يتعلق بذلك من أحكام النضال »

النصل ضربان : نشابة وهي للعجم ، والأخر سهم وهو للعرب ، والمزاريق (٣) وهي الردينيات (٤) والسيوف والرماح كل ذلك من النصل ويجوز المسابقة عليه بعوض ، لقوله سبحانه وتعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ) الاية (٥) ، ولقوله (ع) : « لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (٦) ، وجميع ذلك يتناوله اسم النصل.

واما الخف فضربان : إبل وفيل ، فالإبل تجوز المسابقة عليها لقوله تعالى : ( مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (٧) والركاب الإبل ، ولما قدمنا ذكره من انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسابق بناقته العضباء.

واما الفيل : ففيه خلاف ، والأظهر جواز ذلك فيه ، لعموم الخبر فيما تضمنه من ذكر الخف.

__________________

(١) جمع نصل ، وهو حديدة السهم والرمح والسكين والسيف.

(٢) المستدرك ، ج ٢ ص ٥١٧ ، الحديث ٨ ، والوسائل ، ج ١٣ ، الباب ٣ من أبواب السبق والرماية ، الحديث ٤.

(٣) المزراق جمعه المزاريق : الرمح القصير.

(٤) الرديني : الرمح ، نسبته الى ردينية وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح.

(٥) الأنفال ، الاية ٦٠.

(٦) مر آنفا.

(٧) الحشر ، الاية ٦.

٣٣٠

واما المسابقة على الخيل فلا خلاف فيه ولقوله (ع) أو حافر ، واما البغال والحمير ففيها خلاف ، والأظهر جواز ذلك لعموم الخبر ، فاما ما عدا ما يتناوله الخبر فلا يجوز عندنا المسابقة عليه ، لان الخبر (١) تضمن نفى ذلك فيما لا يتناوله.

فان كانت المسابقة فيما ذكرناه جائزة ، فمن شرط صحتها ان تكون الغاية (٢) التي تجري المسابقات إليها ، والانتهاء الذي يجريان اليه معلوما ، لما روى ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « سابق الخيل المضمرة من الحفيا الى ثنية الوداع ، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع الى مسجد بنى زريق » (٣) ، وان تكون الغاية التي تجريان إليها واحدة لا تختلف الغايتان فتكون إحداهما أبعد من الأخرى.

وأما في المناضلة : فاذا تناضلا على الإصابة جاز ، وان تناضلا على أيهما (٤) أصاب ، جاز عندنا ، وعند غيرنا لا يجوز.

فاذا كان كذلك وقيل لاثنين أيكما سبق الى كفين (٥) فله عشرة دراهم صح ، لان كل واحد منهما يجتهد في السبق وحده ، فان قال لاثنين فمن سبق فله عشرة دراهم ومن صلى (٦) فله مثل ذلك ، فان لم يدخل بينهما ثالث فان ذلك لا يصح لان كل واحد منهما لا يجتهد ولا يكد نفسه ، لأنه ان سبق كانت العشرة له وان صلى فكذلك له العشرة.

__________________

(١) أي قوله (ص) : « لا سبق. ».

(٢) لعل معناها : المسير والمسافة وتحتمل ان يراد بها غاية الزمان ، ولعل في العبارة سقطا وصحيحها « ابتداء الغاية التي تجري المسابقات منها » كما في المبسوط

(٣) المبسوط ، ج ٦ ، ص ٢٩٦.

(٤) لعل في العبارة سقطا ، وفي المبسوط : وان تناضلا على أيهما أبعد رميا ، ج ٦ ، ص ٢٩٦.

(٥) كذا في نسخة وفي أخرى « كفى » ولعلهما تصحيف والصحيح « أيكما سبق الى كذا » كما في المبسوط.

(٦) صلى : يعنى حاذى رأس فرسه صلوى فرس السابق ، والصلوان : الحقوان.

٣٣١

فاذا دخل بينهما ثالث ، وقال (١) الثلاثة سبق أو صلى فله عشرون صح ذلك ، لان كل واحد منهما يجتهد ويكد ، خوفا من ان يكون ثالثا غير سابق ولا مصلى ، فان لم يستو بينهما وجعل في العطية فاضلا ، فقال ، للسابق عشرة وللمصلي خمسة جاز ، فان دخل بينهما ثالث صح ، لان كل واحد منهم يخشى من ان يكون ثالثا لا يأخذ شيئا ، فان لم يدخل بينهما ثالث قال قوم لا يصح والصحيح جوازه ، لان كل واحد منهما يكد ويجتهد في تحصيل الأكثر.

هذا إذا كان المسبق (٢) غيرهما ، فان كان هو أحدهما فقال : أينا سبق فله عشرة ، ان سبقت أنت فلك عشرة وان سبقت انا فلا شي‌ء عليك كان جائزا ، وفي الناس من قال : لا يجوز

فإن أخرج كل واحد من المستبقين عشرة ، ويقول : من سبق فله عشرون ، فان لم يدخلا بينهما محللا ، لم يجز ذلك لأنه يكون قمارا ، وان أدخلا بينهما محللا فسبقهما المحلل ، أحرز السبقين ، وان سبق أحدهما الأخر والمحلل ، أحرز سبقه وسبق صاحبه ولم يكن على المحلل شي‌ء في ماله ، وكذلك لو سبق (٣) المحلل وتساوى المستبقان ، رجع إليهما سبقاهما ولم يكن على المحلل أيضا في ماله شي‌ء.

ولا يجوز ان يدخلا بينهما ، الا ان يكون ليس بمأمون ان يسبق فرسيهما ، فان أدخلا فرسا دون فرسيهما يأمنان عليه ان يسبقهما ، كان ذلك حيلة وقمارا ، وينبغي ان يخط في النهاية خط معترض ، فأي الفرسين أو الأكثر خرج فيها طرف اذنه قبل الأخر ، حكم بالسبق له.

فأما المناضلة في الرمي فلا يصح الا بشروط ، كل واحد منها يجب ان يكون معلوما ، وهي : الرشق ، وعدد الإصابة ، والمسافة ، وقدر العوض والسبق ، وشرط المبادرة والمحاطة.

__________________

(١) الظاهر سقط كلمة « اى » كما في المبسوط.

(٢) المسبق اى معطي السبق وهو العوض.

(٣) فاعل « سبق » ضمير التثنية الراجع الى « المستبقان » ، وقد تنازع فيه الفعلان : « سبق وتساوى ».

٣٣٢

واما الرشق بكسر الراء فهو عدد الرمي ، واما الرشق بفتحها فهو الرمي ، واما عدد الإصابة : فمثل ان يقال. الرشق عشرون والإصابة خمسة وما جرى هذا المجرى

واما صفة الإصابة : فمثل ان يقال : حوابي ، أو خواصر ، أو خوارق ، أو خواسق ، فالحوابى : ما وضع بين يدي الغرض ، والخواصر : ما كان في جانبي الغرض ، والخوارق : ما أخذ من الغرض ولم يثبت فيه ، والخواسق : ما وقع في الغرض وثبت فيه.

واما المسافة : فهي ما بين الهدفين (١) ، مثل ان يقول : مأتا ذراع أو ثلاث مأة ذراع وما أشبه ذلك.

واما الغرض : فهو الذي ينصب في الهدف ويقصد إصابته بالرمي ، وقد يكون من جلد ، أو قرطاس ، أو ورق ، أو خشب ، أو من شف (٢) ، وقيل انه الرقعة (٣) ، واما قدر الغرض : فهو مثل ان يقال : شبر في شبر ، أو أربع أصابع في مثل ذلك.

واما السبق : فهو المال الذي يخرج في المناضلة : واما المبادرة : فإن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي. واما المحاطة : فان يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي ، بعد إسقاط ما تساويا في الإصابة ، فجميع هذه يجب في كل واحد منهما ان يكون معلوما ، ومتى لم يكن كذلك لم يصح ، والهدف هو التراب الذي يجمع وينصب الغرض فيه ، وقد يجوز ان يعمل من لبن وما أشبهه.

فإن شرط أحد المتناضلين ان يرمى بجنس من القسي (٤) ويرمى الأخر بجنس غيره كان جائزا ، ولكل واحد منهما ان يتخير من الجنس ونصاله ما أراد ، فإن رمى

__________________

(١) الهدف بالتحريك : هو الحائط أو التراب المجموع الذي ينصب فيه الغرض ، وتثنيته باعتبار ان موضع الرامي يصير هدفا في المرة الثانية وسيأتي ما يوضحه.

(٢) الشف : الثوب ، الستر الرقيق ، والشي‌ء اليسير.

(٣) رقعة الغرض : قرطاسه اى أديمه المنصوب للنضال.

(٤) القسي جمع قوس وهو إله منحنية ترمى بها السهام.

٣٣٣

لم يكن له إبداله ، من غير ذلك الجنس.

وينبغي ان ينصب الرماة بينهم عدلا ، يخط لهم خطا في مقام الرمي ، يقفونه دونه.

وللرامي الوقوف حيث أراد من ذلك الخط من مقابلة المسبق أو يمينه أو يساره ولا يجوز لصاحب السبق ان يبتدئ بالرمي ، ولا ان يبتدئ به من يريد هو ان يبتدئ ان لم يشترط ذلك ، فان شرطه جاز ، وان لم يشترطه ووقعت المشاحة في ذلك بين الرماة ، أقرع بينهما فمن أصابه القرعة كان هو المبتدئ بالرمي ، مثل العدد (١) الذي رمى البادي به.

ولا ينبغي للمسبق ان يقطع الرمي الا من عذر يمنع من ذلك لعلة تناله في يده أو بصره أو أمر يضر بالرمي ، أو غير ذلك مما يكون العذر واضحا فيه.

وليس لأحد المتناضلين ان يقول للآخر : اجعل الاختيار الى فيمن أريد من الرماة ان يكون في حزبي ويكون السبق على ، ولا له أيضا ان يقول : ارم (٢) انا وأنت ، فأينا نضل صاحبه ، سبقه.

والسبق يلزم الباذل له ، دون من معه في حزبه ، فان دخلوا معه في الضمان لزمهم منه ما يذكره ، ويفض ذلك عليهم على الرؤس.

فان قال أحد المتناضلين لصاحبه : سبقتك عشرة على انك ان نضلتني فلك العشرة ، ولا أرمي شهرا أولا أرمي أبدا لم يجز ذلك ، لأنه شرط (٣) ما ندب ورغب فيه ، فان قال : ان نضلتني فلك دينار حال وقفيز من بر بعد شهر ، صح ذلك.

فان قال : ان نضلتني كان ذلك على عشرة وتعطيني قفيزا من بر ، لم يجز ذلك

__________________

(١) الظاهر ان المراد : لو وقعت المشاحة في عدد رمى البادي أيضا أقرع فيه كما أقرع فيما إذا تشاحا في تعيين البادي.

(٢) الظاهر انها فعل المتكلم بحذف الياء من آخره.

(٣) الظاهر سقط كلمة « ترك » كما في المبسوط.

٣٣٤

إذ من حق الناضل ان يأخذوا لا يعطى ، فاذا اشترط ذلك فقد شرط على الناضل ان يعطيه وذلك فاسد.

فان قال : ان نضلتني فلك عشرة إلا أربعا كان صحيحا لان قوله « الا أربعا » استثناء معلوم من جملة معلومة ، فإن قال : ان نضلتني فلك عشرة إلا قفيزا من بر ، كان ذلك فاسدا ، لأن قيمة القفيز مجهولة وإذا حذفت من المعلوم كان مجموعه مجهولا فلم يجز النضال.

فان سبق أحد المتناضلين الأخر وشرط ان يطعم السبق أصحابه ، كانت المناضلة صحيحة وكان مخيرا في أخذه وإطعامه ، وإذا خرج أحد المتناضلين السبق ، كان له ان يبتدئ بالرمي ، وقال : بعض الناس ليس له ذلك الا ان يشترطه ، فان شرطه كان جائزا ، وهذا هو الأقوى لان من النضال ان لا يكون للسبق مزية على الأخر وان كان هو المخرج للعوض.

وينبغي ان لا يقتصر أهل النضال على هدف واحد ، بل يرتبوا لهم هدفين يبدؤن بالرمي من أحدهما ويمشون على الأخر ، فإذا وصلوا اليه وقفوا عنده ، ورموا منه الى الذي بدءوا بالرمي منه ، فاذا بدأ واحد بالرمي من الهدف الأول ، فليس له ان يبتدئ بالرمي من الأخر بل يبدء غيره ، لان موضع المناضلة على المساواة بين أهلها

واعلم ان من عادة الرماة ان يرمى المتناضلان سهما وسهما (١) حتى ينفد الرشق ، فينبغي ان يكون رميهما كذلك ، فان شرطا من عشرة وعشرة (٢) رشقا ورشقا كان ذلك جائزا ، وقد ذكرنا فيما تقدم انه ليس لأحدهما إذا بدء بالرمي أن يقطعه الا لعذر واضح ، فان حصل هذا العذر ورمى فأخطأ لم يعد عليه بذلك من الخطاء (٣) لان الخطاء ما كان لسوء منه ، وان أصاب وحاله ما ذكرناه لم يعد له بذلك.

__________________

(١) أي يرمي أحدهما سهما ثم يرمى الأخر سهما وهكذا ، فان شرطا ان يرمى أحدهما عشرا ثم يرمى الأخر كذلك كان جائزا.

(٢) في نسختين زيادة « أو ».

(٣) أي لم يحسب هذا الرمي من الخطأ ، لأنه لأجل العذر ، لا لسوء حذاقته.

٣٣٥

وقد ذكرنا فيما تقدم الفرق بين الخاسق والخارق فاذا شرط الإصابة خواسق ورمى فأصاب الغرض ، وثقبه وثبت فيه نصله ، حسب خاسقا لان صفته قد حصلت وهي ما ذكرناه.

فإن أصاب الغرض وخدشه ولم يثقبه وثبت فيه ، لم يحسب إصابة لأنه شرط خواسق وهذا خارق ليس بخاسق ، فان ثقب الغرض ثقبا يصلح للخسق ، الا ان السهم لم يثبت فيه وسقط ، لم يحسب خاسقا لأن صفة الخاسق لم يحصل فيه ، فان شرط الإصابة مطلقة فأصاب الغرض فان خرق أو خرم أو خسق ، أو مرق ، أو حبي (١) كان كل ذلك اصابة ينبغي ان يحتسب بها لأنه شرط الإصابة بالإطلاق.

وإذا كانت الإصابة خواسق ورمى أحدهما فأصاب الغرض وسقط السهم ، ثم ادعى الرامي أنه خسق الا انه سقط ولم يثبت في الغرض لبعض علل فيه ، من حصاة أو غلظ أو ما جرى هذا المجرى ، وأنكر الأخر ذلك ولم يعلم موضع الإصابة كان القول قول المصاب عليه بغير يمين ، فان لم يكن فيه مانع يمنع من الثبات فيه كان القول قول المصاب عليه ، وان كان فيه مانع يمنع من ذلك ولم يكن السهم خرق ، كان القول قول المصاب عليه أيضا.

وان كان فيه شي‌ء من ذلك كان القول قوله مع يمينه ، لان ما يدعيه الرامي ممكن.

وإذا عرف موضع الإصابة ولم يكن في الغرض ما يمنع السهم من الثبوت كان القول قول المصاب عليه أيضا ، وان كان في الغرض شي‌ء من ذلك ولم يكن السهم خرق ، كان القول قول المصاب (٢) ، لأن الأمر لو كان على ما ذكر الرامي لكان السهم قد خرق ففتح الموضع ، وظهر ما ورائه من المانع.

وان كان السهم قد خرق ما هو في وجه المانع ، وبلغ النصل الى المانع فالأولى ان يعد له فإنه خاسق.

__________________

(١) في نسخة « جنى » وفي أخرى « جر » والظاهر انهما تصحيف والصحيح ما أثبتناه

(٢) اى المصاب عليه.

٣٣٦

وإذا كانت الإصابة خواسق ورمى أحد المتناضلين ، فوقع السهم في ثقب كان في الغرض ، أو في موضع خلق منه فثقب الموضع وثبت السهم في الهدف ، وكان الغرض ملتصقا بالهدف وكان الهدف قويا لقوة الغرض مثل ان يكون حائطا أو طينا يابسا فهو خاسق ، وان كان الهدف ضعيفا ولم يكن بقوة الغرض مثل الطين الرطب والتراب ، لم يحتسب به ـ لا له ولا عليه.

وإذا شرط الخواسق فخرم ـ والخرم هو ان يقع السهم في حاشية الغرض فخرمه ـ وثبت فيه مثل ان يقطع من حاشيته قطعة ، وثبت فيه ، أو يسبق (١) الحاشية وثبت فيه وكان الغرض محيطا ببعض السهم وغير محيط ببعض آخر منه ، لم يحسب خاسقا لان الخاسق ما ثبت فيه ، ويكون الغرض محيطا يدور السهم وليس ما ذكر في هذا الخرم كذلك.

وان شرط الخواسق ورمى أحدهما فمرق سهمه ـ والمارق هو ان يصيب الغرض ويثقبه وينفذ السهم من ورائه ـ حسب خاسقا.

وإذا شرط اصابة الغرض فأصاب الشن (٢) أو اليسير المحيط به ، أو العرى (٣) حسب ذلك إصابة ، لأنه غرض كله ، فإن أصاب العلاقة لم يكن ذلك اصابة لان العلاقة غير الغرض.

وإذا تناضلا وعقدا ذلك على ان الرشق عشرون والإصابة خمسة ، ثم أراد أحدهما الزيادة في عدد الرشق أو عدد الإصابة ولم يجبه الأخر الى ذلك وكان بعد الابتداء بالرمي ، لم يجز ذلك وان كان قبل ذلك جاز إذا اتفقا عليه.

وإذا قال أحدهما لصاحبه ارم عشرين فان كان اصابتك أكثر من خطاك ، فلك على

__________________

(١) كذا في بعض النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « يثقب ».

(٢) الشن : الجلد اليابس البالي ، والسير قطعة من الجلد ولعلها تصحيف وأصلها « الشنبر ».

(٣) العرى معناها : الناحية وهي التي حول الشن والعلاقة هي التي يعلق عليها الشن

٣٣٧

دينار صح ذلك ، فان قال له ارم عشرين وناضل نفسك فان كانت اصابتك أكثر فلك على دينار ، لم يجز ذلك لان الإنسان إنما يناضل غيره فاما ان يناضل نفسه فلا يصح.

فاذا رمى أحدهما فأصاب فوق سهم في الغرض وكان السهم الذي في الغرض قد ثبت نصله فيه وثقبه بطوله الى جانب الرمي لم يحتسب له ولا عليه ، لان بينه وبين الغرض مقدار طول السهم فليس يعلم ، ما يكون منه لو لم يقع ، في فوق السهم فان كان السهم الذي في الغرض قد أنفذ الغرض الى فوقه ، فوقع الثاني في فوقه فان كان الشرط في الإصابة حسب ذلك اصابة ، لأنا نعلم انه لو لا الأول أصاب الغرض ، فان كان خواسق لم يحتسب ذلك له ولا عليه ، لأنا لا نعلم هل يخسق أم لا.

فان كان نصل الأول ثبت في الغرض وبقية طوله خارجا منه فأصاب فوقه وسبح (١) عليه فأصاب الغرض حسب ذلك إصابة لأنه إنما أصاب بجودة رميه.

إذا شرطا حوالي (٢) على ان ما كان منها الى الشن أقرب ، أسقط الذي كان منه أبعد ، صح ذلك ، فاذا رمى أحدهما سهما ، فوقع في الهدف ويقرب الغرض ورمى الأخر خمسة أسهم ، فوقعت أبعد ، ورمى الأول سهما فوقع أبعد من الخمسة ، سقطت الخمسة بالأول الذي هو أقرب ، وسقط الذي بعد الخمسة ، لأن الخمسة أقرب الى الغرض ، فان رمى أحدهما خمسة الى الهدف بعضها أقرب الى الغرض من بعض ثم رمى الثاني كلها أبعد من الخمسة الأول ، سقطت الخمسة الثانية بالأول لأنها أقرب الى الغرض وبقيت الخمسة الأول لا يسقط (٣) ما هو أقرب منها الى الغرض ما كان منها من الغرض أبعد.

فإن رمى أحدهما الغرض ، والأخر الهدف فالذي في الغرض يسقط الذي في الهدف. فإن أصاب أحدهما الغرض وأصاب الأخر العظم وهو الذي في وسط الغرض

__________________

(١) سبح عليه : اى مر عليه مماسا به ، نظير السباحة على الماء.

(٢) كذا في نسخة ولعلها تصحيف والصحيح « حوابي ».

(٣) في نسخة « يسقط » بدل « لا يسقط » والمتن موافق للمبسوط.

٣٣٨

لم يسقط الذي في العظم ما هو أبعد منه لان جميع الشن موضع اصابة وقد ذكر بعض الناس انه يسقط بذلك.

وقد بينا فيما سلف معنى المبادرة والمحاطة.

فإذا اشترطا الرشق عشرين ، والإصابة خمسا ، فرمى كل واحد منهما عشرة وأصاب كل واحد منهما خمسة فقد تساويا في عدد الرمي والإصابة ، فلم يفضل أحدهما عن صاحبه ولا يرميان الباقي من الرشق لأنه يخرج عن المبادرة.

فإن رمى أحدهما عشرة فأصاب خمسة ، ورمى الأخر أربعة فقد فضل صاحب الخمسة. فإن رمى كل واحد منهما خمسة عشر ، فأصاب كل واحد منهما خمسة فما فضل أحدهما الأخر ولا يرميان ما بقي ، وان أصاب أحدهما خمسة وصاحبه أربعة فقد فضل صاحب الخمسة وعلى هذا ابدا.

واما المحاطة فأن يكون الرشق عشرين والإصابة خمسة ، ورمى أحدهما عشرة فأصاب خمسة ، ورمى الأخر عشرة فأصاب خمسة فتحاطا خمسة بخمسة ونضل (١) الأخر بكمال الرشق وعلى هذا ابدا. فان بادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ، لم يخل من أحد أمرين اما ان يكون هذا بإكمال الرشق فقد فضل المنفرد بالإصابة. مثال ذلك : رمى كل واحد منهما العشرين فأصاب الواحد كلها ، وأصاب الأخر خمسة عشر تحاطا خمسة عشر وانفرد الواحد بخمسة فقد فضله ، فاما ان حصل ذلك قبل إكمال العشرين بان يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ، فطالب صاحب الأقل صاحب الأكثر بتكميل الرشق فليس يخلو صاحب الأقل من ان يكون له فائدة في تكميل الرشق ، أو لا فائدة له فيه ، فان لم يكن له في ذلك فائدة فقد فضله صاحب الأكثر ولا يجب إكمال الرشق ، وان كان له فائدة فقد ذكر جواز ذلك ، وذكر انه لا فائدة فيه.

« تم كتاب السبق والرماية »

__________________

(١) اى ناضل.

٣٣٩

« كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر »

واعلم ان من جملة فرائض الإسلام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وربما كان ذلك فرضا على الكفاية ، وربما تعلق بالأعيان. فاما كونه فرضا على الكفاية فمثل أن يأمر بعض المكلفين بمعروف ، أو ينهى عن منكر فيؤثر أمره ، أو نهيه في ذلك فيقع المعروف ، أو يرتفع المنكر فسقط الوجوب عن الباقين.

فاما ما يتعلق بالأعيان فأن يأمر بمعروف ، أو ينهى عن المنكر ، فلا يؤثر أمره ولا نهيه فيما أمر به ونهى عنه ولا غيره على الوجه الانفراد والوحدة دون الباقين فيكون فرضا على الأعيان فيجب على كل واحد من المكلفين كما يجب على غيره منهم الى ان يحصل المعروف ، أو يرتفع المنكر ، فاذا كان كذلك ، سقط الفرض عن الجميع هذا مع تمكن الجماعة من ذلك ان اختص التمكن ببعض المكلفين دون بعض آخر منهم ، فان فرض ذلك لازم للمتمكنين دون من ليس بمتمكن.

والأمر بالمعروف يصح ان يكون واجبا ، ويكون ندبا ، فاما الواجب فبان يكون أمر المعروف واجبا ، واما الندب فبان يكون أمر بالمعروف ندبا ، لان كل واحد منهما يتبع في كونه ندبا أو واجبا حكم ما هو أمر به منهما.

فان كان واجبا كان الأمر به واجبا ، وان كان ندبا كان الأمر به ندبا كما ذكرنا.

واما النهي عن المنكر فجميعه واجب لان المنكر كله قبيح والنهى عن القبيح

٣٤٠