المهذّب - المقدمة

المهذّب - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

انطلاقاً من أهمية التراث الإسلامي ، ومكانته السامية في حياة الأمة ونهضتها الراهنة ، أخذت « مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم المقدسة » على عاتقها ، القيام بكل جهد ممكن في سبيل أحياء التراث الإسلامي المبارك.

فقامت ـ منذ تأسيسها وإلى الآن ـ بطبع ونشر عشرات الكتب والمصنفات الإسلامية القيمة التي ألفها القدامى من كبار العلماء وأرباب الفكر في شتى مجالات الفقه والأصول والحديث والتفسير والفلسفة والكلام ، وغير ذلك من مجالات الثقافة الإسلامية وشعبها ، وذلك بعد تحقيقها على أيدي كبار الأساتذة المحققين في الحوزة العلمية ، وإعدادها إعدادا يناسب متطلبات هذا العصر ، واحتياجات الأمة في هذه الفترة الخطيرة من تاريخها.

ولم تكتف هذه المؤسسة بإخراج ونشر هذا الصنف من المؤلفات والمصنفات بل وجهت عنايتها واهتمامها أيضا إلى ما ألف وكتب في هذا العصر في تبيين مفاهيم الإسلام والثورة الإسلامية المجيدة فطبعت ونشرت مجموعة من الدراسات الإسلامية الحديثة في مختلف شؤون الفكر الإسلامي.

ولقد وفقت هذه المؤسسة في هذا السبيل ولقيت ما أخرجته ونشرته من كنوز

٣

الفكر والمعرفة إقبالا وتقديرا كبيرين ، مما شجعها على مواصلة هذا السعي البناء ، وهذا الجهد العلمي المخلص

غير أن المؤسسة هذه ـ إحساسا منها بجسامة المسؤولية ، وخدمة للفكر الإسلامي ـ لم تكتف بنشر وبث ما يتم تحقيقه وإعداده فيها ، بل عمدت إلى تشجيع الجهود العلمية والفكرية التي يقوم بها المحققون في المؤسسات الأخرى فنشرت ما حققوه من مؤلفات مخطوطة قيمة تغني المكتبة الفقهية أو الأصولية أو الفلسفية ، أو غيرها

وهذا الكتاب القيم هو أحد تلك المصنفات القيمة التي قامت « مؤسسة النشر الإسلامي » بنشره وتوزيعه ، بعد أن حققته ثلة من الفضلاء ، وطبعت « مؤسسة سيد الشهداء العلمية » الجزء الأول منه.

وقد تعهدت « مؤسسة النشر الإسلامي » بنشر هذا الجزء المطبوع ، وطبع بقية أجزائه على نفقتها نظرا لأهمية هذا المؤلف الفقهي ، الذي يطبع لأول مرة.

وترجو أن تكون بذلك قد أسدت خدمة جديرة بالاهتمام إلى الوسط العلمي ، والله المستعان

مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية

بقم المقدسة

٢٢ جمادى الأولى ١٤٠٦ ه‍. ق

٤

تقديم : جعفر السبحاني

تطور الفقه عند الشيعة

في القرنين : الرابع والخامس

و

أضواء على حياة المؤلف :

القاضي ابن البراج

٥

في هذه المقدمة :

* شرف كل علم بشرف موضوعه ، شرف علم الفقه

* إكمال الشريعة بعامة أبعادها ، دلائل إكمال الشريعة ، بماذا تحقق الكمال؟

* القرآن تبيان لكل شئ

* مكانة السنة في الشريعة الإسلامية

* الواقعيات المتضادة لاكتمال الشريعة

* الخلافات العميقة في الأصول والفروع

* كيف يجتمع الاكتمال مع وجود الخلافات المذهبية العميقة

* توجيه الخلافات بوجهين ، وضعف التوجيه الأول

* إيداع علم الكتاب والإحاطة بالسنة لدى العترة الطاهرة

* درر مضيئة من كلمات الرسول في حق العترة الطاهرة

* تنصيص النبي على عدد العترة الطاهرة

* إحاطة العترة بالسنة ، مراحل تطور الفقه عند الإمامية ، المرحلة الثالثة والأقطاب الخمسة

* أضواء على حياة القاضي مؤلف المهذب ، أقوال العلماء في حقه وفيه عشرون كلمة

* ميلاده : إنه شامي لا مصري ، ابن البراج زميل للشيخ لا تلميذه

* مناقشة القاضي آراء الشيخ في كتابيه : المهذب وشرح الجمل

* استمرار الاجتهاد بعد وفاة الشيخ الطوسي ونقد ما أفاده سديد الدين الحمصي ومن تبعه

* التحام القاضي مع الشيخ الطوسي

* أساتذته وتلاميذه ومؤلفاته

* تاريخ تأليف هذا الكتاب وكلمة المحققيين فيه

٦

تقديم

بقلم : جعفر السبحاني

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

شرف الفقه :

ان شرف كل علم بشرف موضوعه ، وشرف ما يبحث فيه عن عوارضه وأحواله.

فكل علم يرتبط بالله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، أو يرجع الى التعرف على سفرائه وخلفائه وما اوحى إليهم من حقائق وتعاليم ، وأحكام وتكاليف يعد من أشرف العلوم ، وأفضلها ، وأسناها. لارتباطه به تعالى.

وقد أصبح ( علم الفقه ) ذات مكانة خاصة بين تلك المعارف والعلوم ، لأنه الراسم لمناهج الحياة في مختلف مجالاتها ، والمبين للنسك والعبادات ، ومحرم المعاملات ومحللها ، ونظام المناكح ، والمواريث ، وكيفية القضاء ، وفصل الخصومات والمنازعات ، وغيرها.

وعلى الجملة : هو المنهاج الوحيد والبرنامج الدقيق لحياة المسلم الفردية ، والاجتماعية ، كيف ويصف على أمير المؤمنين عليه‌السلام أهمية تلك التعاليم والبرامج ، من خلال الإشارة إلى آثارها في حياة الفرد والجماعة إذ يقول :

« فرض الله الايمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق. والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق ، والحج تقوية للدين : والجهاد عزا

٧

للإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهى عن المنكر ردعا للسفهاء وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، واقامة الحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وترك الزنا تحصينا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف ، والإمامة نظاما للأمة ، والطاعة تعظيما للإمامة » (١)

وإذا كان الفقه كفيلا بسعادة الإنسان في الدارين ومبينا لفرائض العباد ووظائفهم فقد اختار الله سبحانه أفضل خلائقه ، وأشرف أنبيائه لا بلاغ تلك المهمة الجسيمة ، فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته مرجع المسلمين ، في بيان وظائفهم وما كانوا يحتاجون اليه من أحكام ، كما كان قائدهم في الحكم والسياسة ، ومعلمهم في المعارف والعقائد فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله بتعليم الفرائض والواجبات والعزائم والمنهيات ، والسنن والرخص وما يتكفل سعادة الأمة ونجاحها في معترك الحياة ، وفوزها ونجاتها في عالم الآخرة.

إكمال الشريعة بتمام أبعادها.

أن الشريعة التي جاء بها خير الرسل ، وأفضلهم هي آخر الشرائع التي أنزلها الله سبحانه ، لهداية عبادة فهو ـ صلوات الله عليه ـ خاتم الأنبياء ، كما أن كتابه وشريعته خاتمة الشرائع ، وآخر الكتب.

قال سبحانه : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ، وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيماً) (الأحزاب ـ ٤٠).

وبما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء ، وشريعته خاتمة الكتب والشرائع ، يجب أن تكون شريعته ـ حتما ـ كاملة الجوانب ، جامعة الأطراف لن يفوتها بيان شي‌ء ، وتغنى المجتمع البشرى عن كل تعليم غير سماوي.

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الحكم ، الحكمة رقم ٢٥٢.

٨

ولأجل ذلك نرى أنه سبحانه ينص على ذلك ويصرح بأنه زوده بشريعة اكتملت جوانبها يوم قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ( المائدة ـ ٣ )

وظاهر قوله (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أنه سبحانه أكمل دينه النازل على نبيه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله من جميع الجوانب ، وكل الجهات.

فهذا الدين كامل من حيث توضيح المعارف والعقائد ، كامل من حيث بيان الوظائف والأحكام ، كامل من جهة عناصر استمراره ، وموجبات خلوده ، ومتطلبات بقائه ، على مدى الأيام والدهور.

فلا وجه ـ اذن ـ لقصر الآية على الكمال من ناحية دون ناحية ، وجانب دون جانب فهي بإطلاقها تنبئ عن كمال الشريعة في جميع جوانبها ، ومجالاتها من غير اختصاص بالايمان ، أو بالحج ، أو بغيره.

على أن حديث الاكتمال الوارد في هذه الآية ، لا يختص بإكمال الدين من حيث بيان العقيدة وتبليغ الشريعة ، بل يعم الاكتمال من جهة بقاء الشريعة واستمرار وجودها طيلة الأعوام والحقب القادمة ، إذ ليس حديث الدين كالمناهج الفلسفية والأدبية وما يشبه ذلك ، فان الاكتمال في هذه المناهج يتحقق بمجرد بيان نظامها وتوضيح خطوطها الفكرية ، سواء أطبقت على الخارج أم لا ، وسواء استمر وجودها في مهب الحوادث أم لا ، بل الدين شريعة إلهية أنزلت للتطبيق على الخارج ابتداء واستمرارا حسب الأجل الذي أريد لها.

فتشريع الدين من دون تنظيم عوامل استمرار وجوده يعد دينا ناقصا.

ولأجل ذلك دلت السنة على نزول الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ) يوم غدير خم عند ما قام النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بنصب على ( عليه‌السلام ) للولاية والخلافة (١).

__________________

(١) راجع الغدير ج ١ ص ٢١٠ ـ ٢١٧ للوقوف على مصادر هذا الأمر.

٩

والعجب أن ابن جرير أخرج عن ابن جريح ، قال : مكث النبي (ص) بعد ما نزلت هذه الآية « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ » احدى وثمانين ليلة (١).

وبما أن الجمهور أطبقوا على أن وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت في الثاني عشر من ربيع الأول ، فينطبق أو يقارب يوم نزول هذه الآية على الثامن عشر من شهر ذي الحجة ، وهو يوم الغدير الذي قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه بنصب على عليه‌السلام للخلافة والولاية.

ولأجل هذه العظمة الموجودة في مفهوم الآية ، روى المحدثون عن طارق بن شهاب قال : قالت اليهود للمسلمين : انكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا ـ معشر اليهود ـ نزلت ، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، قال : وأي آية؟ قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي).

أخرج ابن جرير ، عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال : كنا جلوسا في الديوان ، فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام : لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم ، وتلك الساعة عيدا ما بقي اثنان ، وهي قوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ). وكما روى ابن جرير ، عن ابن جريح ، عن السدي أنه لم ينزل بعد هذه الآية حرام لا حلال ، ورجع رسول الله (ص) فمات (٢).

بماذا تحقق الكمال؟

لا شك أن الشريعة الإسلامية من جانب الأحكام والعقائد اكتملت بأمرين أحدهما : كتاب الله سبحانه ، والأخر سنة نبيه الكريم.

أما الأول فقد عرف سبحانه مكانته ، وسعة معارفه بقوله: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٧ و ٢٥٩.

(٢) الدر المنثور للعلامة جلال الدين السيوطي ( المتوفى عام ٩١١ هج ) ج ٢ ص ٢٥٧.

١٠

تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ) (النحل ـ ٨٩).

فلا شك أن المراد من لفظة « كل شي‌ء » هو كل شي‌ء أنيط بيانه إلى سفرائه وأنبيائه سبحانه من العلوم والمعارف ، والمناهج والتعاليم التي لا يصل الفكر الإنساني إلى الصحيح منها ، بلغ ما بلغ من الكمال.

فهذه الأمور تكفل الكتاب الكريم ببيانها وذكر خصوصياتها ، وأما العلوم التي يصل إليها البشر بفكره ، كالفنون المعمارية ، والمعادلات الرياضية والقوانين الفيزياوية والكيماوية ، فهي خارجة عن رسالة ذلك الكتاب ، وليس بيانها من مهامه ووظائفه.

نعم ربما يحتمل أن يكون للاية معنى أوسع ، حتى يكون القرآن الكريم قابلاً لتبيان تلك المعارف والعلوم ، غير أن هذا الاحتمال ـ على فرض صحته ـ لا يصحح أن يكون ( القرآن الكريم ) مصدرا لهذه المعارف ، حتى يرجع إليه كافة العلماء والاختصاصيون في هذه العلوم ، وانما يتيسر استخراج هذه العلوم والمعارف لمن له مقدرة علمية إلهية غيبية ، حتى يتسنى له استخراج هذه الحقائق والمعارف من بطون الآيات واشاراتها ، وهو ينحصر في جماعة قليلة.

وأما مكانة السنة فيكفي فيها قوله سبحانه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ( النجم ـ ٣ ) وقوله سبحانه (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ( الحشر ـ ٧ ) ، وغير ذلك من الآيات التي تنص على لزوم اقتفاء أثر النبي ، وتصرح بوجوب اتباعه ، وعدم مخالفته ومعصيته.

وعلى ذلك تكون الشريعة الإسلامية شريعة كاملة الجوانب ، كاملة الجهات والأطراف ، قد بينت معارفها ، وأحكامها بكتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم ، فلم يبق مجال للرجوع الى غير الوحي الإلهي والى غير ما صدر عن النبي الكريم.

وهذه الحقيقة التي تكشف عنها الآية ـ بوضوح ـ وأن الدين اكتمل في حياة النبي

١١

بفضل كتابه وسنته ، مما أطبقت عليه كلمة العترة الطاهرة بلا خلاف ، ولإيقاف القارئ على ملامح كلماتهم في هذا المقام ، نأتي ببعض ما ورد عنهم في ذلك المجال :

لكل شي‌ء أصل في الكتاب والسنة :

لقد صرح أئمة أهل البيت والعترة الطاهرة بأنه ما من شي‌ء في مجالي العقيدة والشريعة الا وله أصل في الكتاب والسنة وهذا هو ما يظهر من كلماتهم ونصوصهم الوافرة.

روى مرازم ، عن الصادق ( عليه‌السلام ) أنه قال : ان الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن الكريم تبيان كل شي‌ء حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج العباد اليه الا بينه للناس حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا نزل في القرآن الا وقد أنزل الله فيه (١).

وروى عمرو بن قيس ، عن الامام الباقر ( عليه‌السلام ) قال : سمعته يقول : ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة ، الا أنزله في كتابه وبينه لرسوله ، وجعل لكل شي‌ء حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه (٢).

وروى سليمان بن هارون قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه‌السلام ) يقول : ما خلق الله حلالا ولا حراما الا وله حد كحد الدار ، فما كان من الطريق فهو من الطريق وما كان من الدار فهو من الدار ، حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة (٣).

وروى حماد ، عن أبى عبد الله ( عليه‌السلام ) قال : سمعته يقول : ما من شي‌ء الا وفيه كتاب أو سنة (٤).

وعن المعلى بن خنيس قال ، قال أبو عبد الله ( عليه‌السلام ) : ما من أمر يختلف فيه

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٤٨.

(٢) الكافي ج ١ ص ٤٨ من كتاب فضل العلم

(٣) الكافي ج ١ ص ٤٨ ـ ٥٠ ـ من كتاب فضل العلم.

(٤) الكافي ج ١ ص ٤٨ ـ ٥٠ ـ من كتاب فضل العلم.

١٢

اثنان الأولة أصل في كتاب الله عزوجل ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال (١).

وعن سماعة ، عن أبى الحسن موسى عليه‌السلام قال قلت له : أكل شي‌ء في كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو تقولون فيه؟ قال : بل كل شي‌ء في كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

هذا هو حال الكتاب والسنة عند أئمة العترة الطاهرة ، فلو لم نجد حكم كثير من الموضوعات والحوادث ، في الكتاب والسنة ولا وقفنا على جملة من المعارف والعقائد فيهما ، فما ذلك إلا لأجل قصور فهمنا وقلة بضاعتنا ، لأن في الكتاب رموزا وإشارات ، وتنبيهات وتلويحات منها تستنبط أحكام الحوادث والموضوعات ، ويهتدى بها الإنسان إلى المعارف والعقائد والعقائد وقد اختص علمها بهم دون غيرهم.

كما أن عندهم سنة النبي التي لم تصل كثير منها إلى أيدي الناس ، هذه هي حقيقة الحال عن أئمة العترة الطاهرة ، وعلى ذلك اقتفت شيعتهم أثرهم في تشييد صرح المعارف والعقائد ، وإرساء فقههم ، وفروعهم وأصولهم.

إن القارئ الكريم لو راجع الجوامع الحديثية والتفسيرية ، ووقف على كيفية استدلال الأئمة الطاهرين ، بالآيات والسنة النبوية على كثير من المعارف والأحكام يقف على صحة ما قلناه ، وهو أن عندهم علم الكتاب بالمعنى الجامع الوسيع ، كما أن عندهم السنة النبوية بعامتها.

وهذا لا ينافي أن يكون الكتاب هاديا للأمة جمعاء ، ويكون طائفة من السنة في أيدي الناس ، غير أن الاكتناه بموز الكتاب وإشاراته ، والإحاطة بعامة سننه ، من خصائص العترة الطاهرة.

وقد قام بعض الأفاضل من طلاب مدرستنا بجمع الأحاديث ، التي استدل فيها الأئمة الطاهرون بالكتاب والسنة على أمور وأحكام ، مما لم تصل إليه أفهام الناس ، وانما خص علم ذلك بهم.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٤٨ ـ ٥٠ ـ من كتاب فضل العلم

(٢) الكافي ج ١ ص ٤٨ ـ ٥٠ ـ من كتاب فضل العلم

١٣

الواقعيات المتضادة للكمال :

فاذا كان الشارع قد أعلن عن خاتمية الرسالة وكمال الشريعة الإسلامية ، وجب أن تتقارب الخطى والمواقف بين المسلمين ، ويقل الخلاف والنقاش بينهم ، ويجتمع الكل على مائدة القرآن والسنة من دون أن يختلفوا في عقائدهم ، ولا أن يتشاجروا في تكاليفهم ووظائفهم.

ولكننا ـ مع الأسف ـ نشاهد في حياة المسلمين أمرا لا يجتمع مع هذا الكمال ، بل يضاده ، ويخالفه بل وينادى بظاهره بعدم كماله من حيث الأصول والفروع ، وينادى بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكل شي‌ء.

وتلك الحقيقة المضادة لحديث الكمال هي الاختلافات الكبيرة والخلافات العريقة التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بل قبيلها أيضا.

فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها الى اليمين واليسار ، وافترقوا فرقتين أو فرقا حتى انتهوا الى سبعين فرقة ، بل الى سبع مائة فرقة.

فهذا هو التأريخ يحدثنا أن أول تنازع وقع في مرضه ( عليه الصلاة والسلام ) هو ما رواه البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس ، قال : لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه ، قال : ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي ، فقال عمر ( رضي‌الله‌عنه ) : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوموا عنى لا ينبغي عندي التنازع ، قال ابن عباس : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين رسول الله (١).

ولم ينحصر الخلاف في أخريات حياته ، بل ظهر الخلاف في تجهيز جيش

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ باب كتابة العلم ص ٢٩ وأيضا ج ٤ كتاب الجهاد باب جوائز الوفد ص ٦٩ ، وصحيح مسلم ج ٥ كتاب الوصية ، باب ترك الوصية ص ٧٦.

١٤

أسامة ، حيث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أسامة بأن يسير إلى النقطة التي سار إليها أبوه من قبل ، وجهز له جيشا وعقد له راية فتثاقل أكابر الصحابة عن المسير معه لما رأوا مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصر على مسيرهم ، حتى أنه خرج معصب الجبين ، وقال جهزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلف عنه (١)

وأما اتساع رقعة الخلاف ، ودائرة الاختلاف بعد لحوقه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى فحدث عنه ولا حرج.

فقد اختلفوا في يوم وفاته في موته ( عليه الصلاة والسلام ) قال عمر بن الخطاب من قال ان محمدا قد مات قتلته بسيفي هذا ، وانما رفع الى السماء كما رفع عيسى عليه‌السلام ولما جاء أبو بكر بن أبي قحافة من السلع ، وقرأ قول الله سبحانه (وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ) رجع عمر عن قوله ، وقال كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر (٢).

وأخطر الخلافات وأعظمها هو الاختلاف في الإمامة ، وادارة شئون الأمة الإسلامية ، فمنهم من قال بتعدد الأمراء فأمير من الأنصار وأمير من المهاجرين ، ومن قائل بلزوم انتخابه من طريق الشورى ، ومن قائل ثالث بالتنصيص بالولاية والامارة فقد أحدث ذلك الخلاف خرقا عظيما لا يسد بسهولة.

ولأجل ذلك يقول الشهرستاني في « ملله ونحلة » : ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كلّ زمان (٣).

__________________

(١) الملل والنحل للشهرستانى المقدمة الرابعة ج ١ ص ٢٣ ، وشرح النهج لابن ابى الحديد ج ٢ ص ٢٠.

(٢) الملل والنحل ج ١ ص ٢٣.

(٣) الملل والنحل ج ١ ص ٢٤.

١٥

ولم يقف الخلاف والاختلاف عند هذا الحد ، فقد اتسع نطاقه بعد الاختلاف في الزعامة السياسية ، حتى شمل القيادة الفكرية ، فحدثت مذاهب واتجاهات ، ووجدت مناهج متباينة في المعارف الاعتقادية ، التي تشكل أعمدة الدين وأصوله وجذور الإسلام وأسسه.

فاختلف المسلمون ـ في هذا المجال ـ الى معتزلة وجبرية ، وانقسمت الاولى الى واصلية ، هذلية. نظامية ، خابطية ، بشرية ، معمرية ، مردارية ، ثمامية ، هشامية ، جاحظية ، خياطية.

كما انقسم منافسوا المعتزلة ( أعنى الجبرية ) الى : جهمية ، نجادية ، ضرارية وقد كان هذا الاختلاف في اطار خاص ، أي في معنى الإسلام والايمان وما يرجع الى فعل الله سبحانه ، وإذا أضفنا اليه الاختلاف سائر النواحي ، فنرى أنهم اختلفوا في صفاته سبحانه الى : أشعرية ، ومشبهة وكرامية.

وقد أوجبت هذه الاختلافات والنقاشات الى وقوع حروب دامية ، وصراعات مدمرة أريقت فيها الدماء البريئة ـ من المسلمين ، وسحقت الكرامات.

غير أن اطار الاختلاف لم يقف عند ذلك ، فقد حدث اختلاف في مصير الإنسان وما يؤول إليه بعد موته من البرزخ ومواقفه ، ويوم القيامة وخصوصياته ، الى غيرها من الاختلافات والمنازعات الفكرية العقيدية ، التي فرقت شمل المسلمين ، ومزقت وحدتهم وكأنهم نسوا قول الله تعالى (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ( الأنبياء ٩٢ )

فصارت الأمة الواحدة امما متعددة ، وأصبحت اليد الواحدة أيدي متشتتة.

ولو أضفنا الى ذلك ما حدث بين المسلمين من الاختلاف في المناهج الفقهية التي أرساها الصحابة والتابعون وتابعوا التابعين ، الى أن وصل الدور إلى الأئمة الأربعة يقف الإنسان على اختلاف واسع مروع ، وعند ذلك يتسائل الإنسان ويسأل

١٦

المرء نفسه : ترى أي الأمرين أحق وأصح؟

١ ـ ما نص به القرآن الكريم ، وحدث عنه سيد المرسلين عن كمال الدين بأصوله وجذوره ، وشعبه وفروعه بحيث لم يبق للمسلم حاجة الا رفعها ، ولا حادثة إلا بين حكمها ، ومقتضى ذلك أن يتقلل الخلاف والنقاش إلى أقل حد ممكن.

٢ ـ ما نلمسه ونراه ـ بوضوح ـ من الخلاف والتشاجر في أبسط الأمور وأعمقها من دقيقها وجليلها ، بحيث لم يبق أصل ولا فرع الا وفيه رأيان بل آراء.

ان حديث الاختلاف الكبير هذا لا يمكن أن يعد امرا بسيطا ، كيف والامام على عليه‌السلام يعتبره دليلا على نقصان الدين ان كان المختلفون على حق ، والا كان اختلافهم أمرا باطلا ، لان كمال الشريعة يستلزم أن يكون كل شي‌ء فيها مبينا ، فلا مبرر ولا مصحح للاختلاف.

يقول الامام عليه‌السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا :

ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا. وإلههم واحد ، ونبيهم واحد ، وكتابهم واحد أفأمرهم الله ـ سبحانه ـ بالاختلاف فأطاعوه! أم نهاهم عنه فعصوه! أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟! أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ) وفيه تبيان لكل شي‌ء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً(١)

أترى أنه ( صلوات الله عليه ) بعد ما يندد بالاختلاف ، يقول أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه.

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الخطب ، الخطبة رقم ١٨.

١٧

فاكتمال الدين بعامة أبعاده ينفي وجود الثاني ، كما أن وجود الخلاف في عامة المسائل لا يجتمع مع إكمال الدين ، فما هو الحل لهذين الأمرين المتخالفين؟!

الإجابة على هذا السؤال :

ان هناك تحليلين يمكن أن يستند إليها الباحث في حل هذه المعضلة :

الأول : ان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وان أكمل دينه في أصوله وفروعه غير ان المسلمين في القرون الغابرة وقفوا أمام النصوص الإسلامية ، فأوجدوا مناهج ومذاهب لا تلائم القرآن الكريم ولا السنة النبوية.

الا ان هذه الإجابة لا تتفق مع الواقع ، بل تعتبر قسوة على الحق وأصحابه ، لما نعلم من حياة المسلمين في الصدر الأول وبعده من أن الدين كان عندهم من أعز الأشياء وأنفسها ، فكانوا يضحون بأنفسهم وأموالهم في سبيله.

فعند ذلك كيف يمكن أن ينسب إلى هؤلاء الجماعة بأنهم قد وقفوا في وجه النصوص الإسلامية ، وقابلوها بآرائهم ، ورجحوا أفكارهم ونظرياتهم على الوحي؟

كيف والقرآن الكريم يصف تلك الثلاثة بقوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ( الفتح ـ ٢٩ ).

الثاني : ان الشريعة الإسلامية قد جاءت بدقائق الأمور وجلائلها في كتاب الله وسنة نبيه ، غير أن الشارع الحكيم قد أودع علم كتابه والإحاطة بسنة نبيه ـ اللذين اكتملت بهما الشريعة ، وتمت بهما النعمة. واستغنت الأمة بهما عن اتخاذ أي شي‌ء في عداد كتاب الله وسنة نبيه ـ عند أناس متطهرين من الإثم والذنب ، مصونين

١٨

عن الزلل والخطأ ، قد أحاطوا بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومجمله ، ومفصله وناسخه ومنسوخه ، وعامه وخاصه ، ومطلقة ومقيده ، بل بدلالاته وتنبيهاته ، ورموزه وإشاراته التي لا يهتدى إليها الا من شملته العناية الإلهية ، وعمته الفيوض الربانية.

كما وأحاطوا بسنة نبيهم ، وشوارد أقواله ، ووجوه أفعاله. وألوان تقريره وإقراره.

فالتحق ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالرفيق الأعلى والحال هذه ، أى أن العلم بحقائق الكتاب ومتون سنته مخزون عند جماعة خاصة ، قد عرفهم بصفاتهم وخصوصياتهم تارة ، وأسمائهم وأعدادهم تارة أخرى كما سيوافيك.

ولو أن الأمة الإسلامية رجعوا في مجال العقائد والمعارف ، وموارد الأحكام والوظائف الى هذه الثلاثة ، لأوقفوهم على كل غرة لائحة ، وحجة واضحة ، وقول مبين ، وبرهان متين ، واستغنوا بذلك عن كل قول ليس له أصل في كتاب الله وسنة رسوله ، ولمسوا اكتمال الدين في مجالي العقيدة والشريعة بأوضح شكل.

فحديث اكتمال الدين وكمال الشريعة في جميع مجالاتها أمر لا غبار عليه ، ولكن الخلاف والنقاش حدث في أسس الإسلام وفروعه لأجل الاستقلال في فهم الذكر الحكيم ، وجمع سنة الرسول من دون أن يرجعوا الى من عنده رموز الكتاب وإشاراته ، ودلائله وتنبيهاته ، فهم وراث الكتاب (١) وترجمان السنة ، فافترقوا ـ لأجل هذا الإعراض ـ إلى فرق كثيرة ومناهج متكثرة.

أن الاستقلال في فهم المعارف والأصول واستنباط الفروع ، ألجأ القوم الى القول بالقياس والاستحسان ، وتشييد قواعد ومقاييس ظنية كسد الذرائع والمصالح المرسلة ، وغيرها من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك لأنهم واجهوا من جانب اكتمال الدين من حيث الفروع والأصول ، بحيث لا يمكن إنكاره حسب

__________________

(١) إشارة إلى قوله سبحانه (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) الفاطر ـ ٣٢.

١٩

الآيات والأحاديث ، ومن جانب آخر واجهوا الحاجات والحوادث المتجددة التي لم يجدوا لها دليلا ، لا في الكتاب ولا في السنة ، فلا ذوا الى العمل بهذه المقاييس حتى يسدوا الفراغ ، ويبرئوا الشريعة الإسلامية عن وصمة النقص.

قال ابن رشد مستدلا على حجية القياس : ان الوقائع بين أشخاص الأناس غير متناهية ، والنصوص والأفعال والإقرارات ( أى تقرير النبي ) متناهية ، ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى (١).

وكأنه يريد أن يقول انه لو لا القول بحجية القياس لأصبحت الشريعة ناقصة غير متكاملة.

وهذا الجواب ( وهو إيداع علم الكتاب عند العترة والإحاطة بالسنة ) مما يلوح من الغور في غضون السنة ، ولعل القارئ الكريم يزعم ـ بادئ بدء ـ أن هذه الجواب نظرية غير مدعمة بالبرهان ، غير أن من راجع السنة يرى النبي الأكرم ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يصرح في خطبة حجة الوداع بأن عترته أعدال الكتاب العزيز وقرناؤه ، وهم يصونون الأمة عن الانحراف والضلال ، ولا يفارقون الكتاب قدر شعرة ، ومع الرجوع إليهم لا يبقى لقائل شك ولا ترديد.

روى الترمذي ، عن جابر قال : رأيت رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في حجه يوم عرفة ، وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول :

« يا أيها الناس انى قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (٢).

وروى مسلم في صحيحة : « أن رسول الله قام خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة. ثم قال : ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب

__________________

(١) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج ١ ص ٢ راجع أيضا المدخل الفقهي العام ج ١ ص ٧٧.

(٢) صحيح الترمذي ج ٣ ص ١٩٩ باب مناقب أهل بيت النبي.

٢٠