المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

ويقول عند الاستنجاء « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ، اللهم حصن فرجي وفروج أوليائي وذريتي وفروج المؤمنين من ارتكاب معاصيك حتى لا نعصيك ابدا ما أبقيتنا انك تعصم من تشاء من عبادك »

ويقول عند الفراغ منه بعد ان يمسح بيده على بطنه : « الحمد لله الذي أماط عني (١) الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى ، الحمد لله الذي رزقني ما اغتذيت به وعرفني لذته وأبقى في جسدي قوته واخرج عنى أذاه ، يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها».

وان كان قد بال فينبغي ان يجلب القضيب من أصله الى رأس الحشفة دفعتين أو ثلاثا ويعصرها ويغسله بالماء وأقل ما يجزى في غسله من الماء مثلا ما عليه.

ولا يجوز ان يستنجى باليد اليمنى مع الاختيار ، ولا يستنجى وفي يده خاتم قد نقش على فصه اسم من أسماء الله تعالى أو أحد أنبيائه والأئمة عليهم‌السلام وكذلك ان كان فصه من حجر زمزم.

وإذا كان على حال البول أو الغائط وسمع صوت المؤذن جاز ان يقول في نفسه كما يقوله.

وان ترك الاستنجاء ناسيا أو متعمدا كان عليه إعادته ، فإن كان قد صلى كذلك كان عليه مع إعادته ، إعادة الصلاة.

باب ترك استقبال القبلة واستدبارها وكذلك الشمس

والقمر في حال البول والغائط

ترك استقبال القبلة واستدبارها في هذه الحال واجب لا يجوز سواه مع التمكن فان كان الموضع الذي يتخلى المكلف فيه مبنيا على وجه يمكنه معه الانحراف عن استقبالها واستدبارها انحرف ، وان لم يتمكن من ذلك لم يكن عليه شي‌ء.

__________________

(١) أماط : اى أبعد

٤١

فاما الشمس والقمر فالأفضل ان لا يستقبلهما ولا يستدبرهما في هذه الحال ، لأنه ذكر (١) انهما خلقان عظيمان من خلق الله تعالى فينبغي ان ينزههما عن ذلك في هذه الحال.

باب في كراهة الباقي من المقدمات

اما استقبال الريح بالبول فذكر (٢) ان الوجه في كراهته ان الريح ترده اليه فينجس به.

واما الأحداث في الماء فذكر (٣) ان للماء أهلا وأمرنا ان لا نؤذى أهله في ذلك واما الطريق وأفنية الدور والمشارع وتحت الأشجار المثمرة فلان الناس يتأذون بذلك ويلعنون فاعله.

واما جحرة الحيوان فلأنه ربما كان فيه من الدبيب ما يخرج بوقوع البول عليه فيتأذى به.

واما الأرض الصلبة فلان البول إذا سقط عليها تطاير وتراجع عليه

واما طمحه بالبول في الهواء فلانة يراجع عليه.

واما الكلام والسواك والأكل والشرب فذكر انه يورث الخرس أو البخر (٤) فالأولى اجتناب ذلك للوجوه المذكورة.

« باب كيفية الطهارة »

كيفية الطهارة على ثلاثة أضرب : أولها : كيفية الوضوء ، وثانيها : كيفية

__________________

(١) وفي الحديث « انهما آيتان من آيات الله » راجع الى جامع أحاديث الشيعة ، ج ٢ ص ١٩٢ والى البحار ج ٨٠ ، ص ١٩٤ ، الحديث ٥٣.

(٢) البحار ، ج ٨٠ ص ١٩٤ ، الحديث ٥٣.

(٣) الوسائل ج ١ الباب ٢٤ من أبواب أحكام الخلوة الحديث ٣ ، والمستدرك ج ١ الباب ١٩ من أبواب أحكام الخلوة الحديث ٥

(٤) الوسائل ج ١ الباب ٢١ من أبواب أحكام الخلوة الحديث ١

٤٢

الغسل ، وثالثها : كيفية التيمم.

باب كيفية الوضوء

كيفية الوضوء هو ان يبتدء من يريده بوضع الإناء عن يمينه ، ثم يدعو فيقول « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ».

ثم يسمى الله تعالى ويغسل يده ـ لإدخالها الإناء ـ من حدث البول أو النوم مرة ومن حدث الغائط مرتين ، وينوي رفع الحدث به لوجوبه عليه ، واستباحة الصلاة به على جهة القربة الى الله تعالى.

ويأخذ بيمينه كفا من الماء فيتمضمض به ثلاثا ويقول : « اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ».

ثم يأخذ كفا آخر ويستنشق به ثلاثا ويقول : « اللهم لا تحرمني من طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها ».

ثم يأخذ كفا آخر ويغسل به وجهه من قصاص شعر رأسه الى محادر (١) شعر الذقن طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا ، فان كان ذا الحية لم يجب عليه إيصال الماء تحتها ، وكذلك ان كانت امرأة ولها لحية لم يلزمها ذلك.

ثم يأخذ كفا فيغسل به وجهه ثانيا كذلك ويقول : « اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ».

ثم يأخذ كفا ويديره الى كفه الأيسر ويغسل به يديه اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع ، ويعم (٢) المرفق بالغسل ولا يستقبل شعر الذراع (٣) ويأخذ كفا ويأخذه ثانيا كذلك وهو يقول : « اللهم أعطني ، كتابي بيميني ، والخلد في

__________________

(١) محادر شعر الذقن : أول انحدار الشعر عن الذقن وهو طرفه « مجمع البحرين »

(٢) في بعض النسخ « يتم » بدل « يعم »

(٣) المراد بالاستقبال هنا : هو الغسل منكوسا ، قال الشيخ ره : ولا يستقبل الشعر في غسل اليدين بل يبدأ من المرفق ( النهاية ، ص ١٤ )

٤٣

الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا واجعلني ممن ينقلب إلى أهله مسرورا » ويأخذ كفين واحدا بعد واحد ويغسل بهما يده اليسرى كما غسل اليمنى ويقول « اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ».

ويكون ابتداؤه بطرح الماء على ظاهر الذراع ويختم بباطنه ان كان رجلا وان كانت أمرية بدأت في ذلك بباطن ذراعها وختمت بظاهرها.

وان كان مقطوع اليدين من المرفق غسل موضع القطع ، وان كان القطع من المرفق لم يجب عليه غسل الباقي من عضده وان كان القطع من المرفق أو دونه غسل الباقي من ذلك.

وان كان له أصابع زائدة على الخمس ، أو يدا زائدة على ذراع واحد كان عليه غسل ذلك وكذلك يلزمه فيما يكون زائدا على الذراع إذا كان من المرفق وما دون ، فان كان فوق المرفق لم يلزمه في ذلك.

وإذا كان في إصبعه خاتم ـ أو في يده حلي ان كان أمرية ـ وجب عليه تحريكه أو نزعه ليصل الماء الى تحته من ظاهر الجسد.

ثم يرفع يده اليمنى ببلل الوضوء من غير أخذ ماء جديد فيمسح بها مقدم رأسه بمقدار ثلاث أصابع مضمومة عرضا ، ولو مسح بإصبع واحدة كان جائزا.

وان مسح غير مقدم الرأس لم يكن مجزيا ، وكذلك ان مسح على عمامته ، أو كانت أمرية فمسحت فوق قناعها فان ذلك لا يكون مجزيا. ثم يقول : « اللهم غشني برحمتك وبركاتك »

ثم يمسح الأصابع إلى الكعبين وهما النابتان في وسط القدم عند معقد الشراك (١) من غير أخذ ماء جديد لذلك ، فان مسحهما من الكعبين إلى أطراف الأصابع كان جائزا ، والأفضل الأول ، ولا يمسح على خفيه ان كان ذلك عليه ويقول : « اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك

__________________

(١) شراك النعل : سيره على ظهر القدم ،

٤٤

عنى يا ذا الجلال والإكرام ».

ويقول عند (١) فراغه من الوضوء : « الحمد لله رب العالمين اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ».

فاذا كان في أرض جمد أو ثلج ولم يقدر على ما يتوضأ به وضع يديه على الجمد أو الثلج حتى تنتديا (٢) ويجرى الماء كالدهن عليها ويتوضأ به إن شاء الله تعالى.

والترتيب والموالاة يجبان في الوضوء.

فإن توضأ على خلاف الترتيب المقدم ذكره لم يكن مجزيا له.

وان ترك الموالاة حتى يجف العضو المتقدم لم يجزه أيضا ، اللهم الا ان يكون الحر شديدا أو الريح يجفف منهما العضو المتقدم بينه وبين طهارة العضو الثاني من غير إهمال لذلك فإنه يكون مجزيا.

« باب كيفية الغسل »

كيفية الغسل هي : ان يبتدأ المريد له ، بغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات.

فان كان على جسده نجاسة أزالها عنه ، ثم يجتهد في الاستبراء بالبول فان لم يجتهد في ذلك ، ووجد بعد الغسل بللا خارجا من الإحليل كان عليه اعادة الغسل فان وجد ذلك بعد الاجتهاد في الاستبراء بالبول لم يجب عليه اعادة الغسل ، الا ان يتحقق انه منى ثم يغسل فرجه ، فان كان أمرية غسلته عرضا.

وينوي به رفع الحدث لوجوبه عليه على جهة القربة الى الله سبحانه ويتمضمض

__________________

(١) في بعض النسخ « بعد » بدل « عند »

(٢) من النداوة.

٤٥

ويستنشق ثلاثا ثلاثا. ولا يتوضأ قبل هذا الغسل ، بل يغسل رأسه الى أصل عنقه بمقدار ثلث أكف من الماء ، فان استعان في إفاضة الماء عليه بإناء كان جائزا ، ويخلل عليه أذنيه ، ويميز شعر رأسه ليصل الماء إلى أصوله ، وان كانت أمرية وشعرها مشدود والماء يصل الى أصوله لم يلزمها حله ، والأفضل لها ان تحله ، وان كان الماء لا يصل الى أصوله وجب عليها حله وإيصال الماء إلى أصول الشعر.

ثم يغسل شقه الأيمن ، من أصل العنق الى تحت القدم بمقدار ثلاث أكف من الماء.

ثم الأيسر كذلك. ويميز شعر جسده ويدير يديه على سائر جسده.

وان كان في يده خاتم أو على جسده سير (١) أو ما أشبه ذلك ، أو كان أمرية وعليها حلي وجب تحريكه أو نزعه ليصل الماء الى ما تحته من الجسد. وان كان الماء يجرى تحت القدم ، والا غسلها.

والأفضل ان يغتسل بمقدار صاع من الماء أو أكثر ، وأقل ما يجزى من ذلك ما يجرى على الجسد بمقدار ما يسمى به غاسلا.

والترتيب واجب في الغسل ، وان كان خالف الترتيب لم يجزه ذلك.

والموالاة غير واجبة فيه ، والأفضل الموالاة.

وينبغي ان يسمى الله تعالى ويذكر الله تعالى ويسبحه ويحمده ، فاذا فرغ من ذلك قال : « اللهم طهر قلبي وزك عملي واجعل ما عندك خيرا لي ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ».

فاما كيفية غسل الميت من الناس فهو ككيفية غسل الجنب ويختص بأشياء وسيأتي ذكر جميع ذلك في كتاب الجنائز ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) السير بفتح السين : قدة من الجلد مستطيلة ومنه شراك النعل.

٤٦

« باب كيفية التيمم »

كيفية التيمم هي ان يقصد من يريده الى ما يجوز التيمم به فان كان على جسده نجاسة ابتدأ بمسحها عنه بالتراب أو بغيره ان تمكن من ذلك. ونوى بفعله استباحة الصلاة به ، لوجوب ذلك عليه على جهة القربة الى الله سبحانه.

ويضرب بباطن كفيه جميعا مفرجا من أصابعه ـ على ما تيمم به ـ ضربة واحدة.

ثم يرفعهما وينفض (١) إحداهما بالأخرى ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه الى طرف أنفه مرة واحدة.

ثم يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن كفه اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع.

ثم يمسح ظهر كفه اليسرى بباطن كفه اليمنى كذلك.

ويقتصر المتيمم على هذا القدر ان كان تيممه بدلا من الوضوء ، فان كان بدلا من الغسل ضرب ضربة أخرى وجعل الاولى لوجهه والثانية ليديه.

واعلم ان التيمم انما يجب على المكلف بان يكون محدثا ويتضيق عليه وقت الصلاة حتى يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة.

ويجتهد في طلب الماء في رحله وفي الأرض الحزنة (٢) مقدار رمية سهم وفي السهلة رمية سهمين ، امامه وخلفه ويمينه وشماله.

وإذا لم يجده في رحله أو يفقد التمكن من استعمال الماء ولا فرق في ذلك بين ان يكون فقده من التمكن له بعدم ثمن أو لأنه يكون معه منه مقدار يعده للشرب ويخاف ان توضأ به استضر بذلك في نفسه أو لأنه يكون في موضع يخاف على نفسه أو ماله من عدو أو سبع ان هو مضى اليه ، أو ما جرى مجرى ذلك أو لمرض أو جراح أو غيرهما مما يخاف على نفسه من استعمال الماء عليه أو لتزائد مرض من

__________________

(١) نفض الثوب : حركه ليزول عنه الغبار.

(٢) الحزنة بالفتح : من الأرض ما غلظ.

٤٧

استعماله أو لأنه غير موجود جملة فمتى حصلت هذه الوجوه أو بعضها سقط وجوب الوضوء ، وإذا اجتمعت هذه الوجوه وجب التيمم.

فان كان متمكنا من ابتياعه من غير مضرة تلحقه وجب عليه ابتياعه ، وان كان عليه في ابتياعه مضرة يسيرة كان كذلك أيضا.

وإذا خاف على نفسه التلف من البرد الشديد مسافرا كان أو حاضرا كان عليه التيمم بدلا من الوضوء أو من الغسل فاذا صلى وهو على هذه الصفة لم يلزمه إعادة الصلاة التي صلاها وهو كذلك.

وإذا أجنب نفسه مختارا كان عليه الغسل وان لحقته منه مشقة شديدة لا تبلغ الى تلف النفس ، فان خاف على نفسه التلف كان عليه التيمم ويصلى ، فاذا زال الخوف اغتسل وأعاد الصلاة.

وان كان مريضا أو كبيرا أو مجدورا (١) أو به جروح أو قروح يخاف على نفسه لأجلها من استعمال الماء تيمم وصلى ولم يلزمه اعادة ما صلى بتيممه.

ومتى عرضت له جنابة من غير اختياره وكان في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يخرج منه حتى يتيمم من مكانه.

وان كان في بعض المساجد في يوم جمعة وانتقض وضوئه فلم يتمكن من الخروج تيمم من موضعه وصلى فاذا خرج توضأ وأعاد الصلاة.

وإذا كان في رحله شي‌ء من الماء ونسيه ثم تيمم وصلى وعلم بعد ذلك والوقت باق توضأ وأعاد الصلاة ، وان كان الوقت قد انقضى لم يلزمه ذلك.

وإذا دخل في صلاة ثم وجد الماء فان كان قد ركع مضى في صلاته وان لم يكن ركع قطعها وتوضأ ثم استأنف الصلاة ، وقد ذكر انه لا يقطعها وهو الأقوى عندي.

وإذا عرض له بول أو غائط فلا يتيمم حتى يستنجى ويستنشف بالخرق أو ما جرى مجراها ثم يتيمم ، فان كان جنبا استبرء بالبول وتنشف ثم يتيمم بعد ذلك.

__________________

(١) المجدور : المصاب بالجدري ، والجدري : بثور وقروح ممتلئة ماء.

٤٨

وإذا اجتمع ثلاثة من الناس في موضع فمنهم اثنان : أحدهما محدث حدثا يوجب الغسل ، والأخر محدث حدثا يوجب الوضوء ، ومات الذي ليس بمحدث ولم يكن معهم من الماء الا مقدار ما يكفى واحدا منهم ، فينبغي ان يتوضأ به الذي وجب عليه الوضوء.

ويجمع ثم يغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الميت ويدفن فان كان لا يتمكن من جمع الماء. إذا توضأ به من ذكرناه أو لا ـ أو لا يبقى منه ما يكون فيه كفاية الطهارة واحد منهما اغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الذي وجب عليه الوضوء ويتيمم الميت ويدفن.

وكل من تيمم تيمما صحيحا جاز له ان يصلى به ما شاء من الصلوات ما لم يحدث ، أو يتمكن من استعمال الماء.

فاما من ينبغي ان يتيمم من موتى الناس فسنذكر في كتاب الجنائز بمشيئة الله وعونه.

« باب ما يوجب إعادة الطهارة »

الذي يوجب إعادة الطهارة على ضربين : أحدهما ينقضها والأخر لا ينقضها ، والناقض لها على ضربين : أحدهما ينقض الطهارة الصغرى ويوجبها ، والأخر ينقض الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى.

فأما الذي ينقض الصغرى ويوجبها فهو : خروج الريح من الدبر ، والبول ، والغائط والنوم الغالب على السمع والبصر ، وكل ما أزال العقل من مرض وغيره

واما الذي ينقض الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى فهو خروج المنى على كل حال.

٤٩

والجماع في الفرج ، وان لم يكن معه إنزال ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل غسله.

واما ما ليس بناقض لها فهو : ان يتطهر المكلف بغير نية ، أو يطهره غيره مع تمكنه من الطهارة بنفسه ، أو يتطهر بما يعلم نجاسته ، أو يتعمد ترك عضو من أعضاء الطهارة ، أو يشك في طهارة عضو ولا يعلمه على التعيين وهو على حال الطهارة (١). أو يشك فلا يدرى ما فعل وهو على حال الطهارة أيضا ـ لأنه إن شك في ذلك بعد الانصراف لم يكن عليه شي‌ء ـ أو شك في الحدث وهو على حال الطهارة ، أو شك في الطهارة وهو متيقن الحدث ، أو تيقن الطهارة والحدث جميعا ولا يعلم المتقدم منهما على الأخر ، أو يخل بالترتيب فيقدم ما يجب تأخيره ويؤخر ما يجب تقديمه ، فعليه ان يطهر ما يجب تقديمه ثم يعيد الطهارة على ما يجب تأخيره.

ومثال هذا في الوضوء ، ان يغسل يده اليمنى قبل وجهه ، فيغسل وجهه ثم يغسل يده اليمنى. أو يغسل يده اليسرى قبل اليمنى فيغسل اليمنى ثم يغسل اليسرى ، أو يمسح رجليه قبل رأسه فيمسح رأسه ثم يمسح رجليه.

ومثال ذلك في الغسل : ان يغسل شقه الأيمن قبل رأسه فيغسل رأسه ثم يغسل شقه الأيمن أو يغسل شقه الأيسر قبل الأيمن فيغسل الأيمن ثم يغسل الأيسر.

ومثال ذلك في التيمم ان يمسح يده اليمنى قبل وجهه ، فيمسح وجهه ثم يمسح يده اليمنى ، أو يمسح يده اليسرى قبل اليمنى فيمسح اليمنى ثم يمسح اليسرى.

وان يتطهر بما يعلم مغصوبا ، أو يخل بالموالاة في الوضوء والتيمم.

ويراعى في إعادة الوضوء وحده مع هذا الإخلال ان لم يجف العضو المقدم على غيره ، فان كان ذلك لعوز (٢) الماء وكان ما يجف عضوا من أعضاء المسح مسحه بنداوة يده ، وان لم يكن في يده نداوة أخذ من نداوة حاجبيه أو لحيته ومسح

__________________

(١) اى حال الاشتغال بفعل الطهارة

(٢) أعوز الشي‌ء : أقل مع الحاجة إليه ( راجع اللسان )

٥٠

ذلك ، فان لم يكن في شي‌ء من ذلك نداوة أعاد على كل حال.

أو تيمم بما لا يجوز التيمم به ، أو تيمم قبل تضيق الوقت أو تيمم وهو متمكن من استعمال الماء ، أو تيمم بنية التيمم للطهارة الصغرى وهو جنب وينسى الجنابة ، فليعد التيمم بنية الطهارة الكبرى

« باب فيما يتبع الطهارة ويلحق بها »

الذي يتبع ذلك ويلحق به هو ازالة النجاسات من الأبدان والثياب ، وغير ذلك مما سيأتي ذكره

والنجاسة على ثلاثة أضرب :

أولها : يجب إزالته قليلا كان أو كثيرا. وثانيها : يجب إزالته إذا بلغ مقدارا معينا ، فان نقص عنه لم يجب إزالته. وثالثها : لا يجب إزالته.

فاما الأول ، فهو : دم الحيض والاستحاضة ، وبول الإنسان كبيرا كان أو صغيرا والغائط ، والمنى من الناس وغيرهم ، والخمر ، وكل شراب مسكر ، والفقاع وبول وروث كل ما لا يؤكل لحمه ، وذرق الدجاج الجلال والإبل الجلالة ، وعرق الجنب من حرام.

وكل ماء غسلت به نجاسة أو ولغ فيها كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب وما جرى مجرى ذلك ، وكل ماء أو مائع غير الماء لاقته نجاسة أو ماسة جسم نجس وطين المطر إذا مضى عليه ثلاثة أيام.

واما الثاني ، فهو : ما بلغ مقداره مقدار الدرهم المضروب من درهم (١) وثلث ، مجتمعا كان فيما اصابه أو متفرقا فان لم يبلغ ذلك لم يجب إزالته وهو : كل دم كان مخالفا لما قدمناه من الدماء.

واما الثالث ، فهو : بول وذرق جميع الطيور التي لا يؤكل لحمها.

__________________

(١) المراد من الدرهم الأول هو المساحة المستفادة من قيد المضروب ومن الدرهم الثاني هو الوزن وهو ( ٦ ر ١٢ ) حمصة

٥١

فأما ما عدا ذلك من بول وروث وذرق مما يؤكل لحمه فهو مكروه ـ الا الدجاج الجلال والإبل إذا كانت كذلك ـ وجميعه مما لا يجب إزالته ، وانما الأفضل فيه ذلك.

وإذا كانت المرأة تربى طفلا ولم يكن لها من الثياب الا واحد ولا يمكنها التحرز من بوله فعليها غسله في كل يوم مرة واحدة ، وتصلى فيه ان شاءت بعد ذلك

والثوب أو الجسد إذا ماسة جسم محكوم عليه بالكفر وكان رطبا أو كان المماس له رطبا ولم يكن هو كذلك فإنه يجب غسله ، وكان الثوب والجسد يابسا وكان المماس له من جسد الكافر يابسا لم يجب غسله بل يرش الموضع ـ الذي اصابه ـ الماء.

والقول في الكلب والخنزير إذا ماسا شيئا كالقول في ذلك وإذا ماس الإنسان شيئا من ذلك بيده وكان يابسا ويده يابسة مسحها بالحائط أو التراب فان غسلها كان أفضل.

وإذا كان الماء المطر جاريا من ميزاب ولاقته نجاسة ولم يتغير بها أحد أوصافه وأصاب شيئا كان طاهرا ، وان تغير بذلك أحد أوصافه وجب غسل ما اصابه.

والنجاسة إذا أصابت موضعا من ثوب أو جسم وعرف موضعه ، غسل الموضع بعينه ، فان لم يعلم ذلك غسل جميعه.

وإذا أصابت النجاسة موضعا من ثوب وقطع ذلك الموضع لم يجب غسله بعد القطع ، فان كان قطع ولم يعلم هل هو الموضع الذي أصابته النجاسة أم لا. وجب غسل الباقي منه.

والحصر والبواري إذا أصابها بول أو نجاسة مايعة وجففتها الشمس فقد طهرت فان لم يجف بذلك وجب غسلها.

وما جففته الشمس من غير البواري والحصر فهو على حال النجاسة ويجب غسله

والفأرة إذا أكل من طعام أو مشى عليه فهو معفو عليه ، والأفضل إزالة ما اصابه

٥٢

وأكل الباقي. فإن أصاب ذلك وزغ أو عقرب فهو نجس.

والقي‌ء ، والمذي ، والوذي (١) ليس بنجس والأفضل غسل ما اصابه ذلك

وكل ما لا نفس له سائلة إذا وقع في شي‌ء من المطعومات والمشروبات ومات فيها فإنه لا ينجسه وهو على حكم الطهارة الا ان يكون ذلك من المياه فيسلبه ذلك إطلاق اسم الماء فإنه حينئذ لا يجوز استعماله في شي‌ء.

وجلود الميتة كلها نجسة ، دبغت أو لم تدبغ وقد أشرنا إلى طرف من ذلك فيما تقدم.

كتاب الجنائز

إذا أردنا بيان أحكام الجنائز ينبغي ان نذكر أشياء :

منها الأحكام المتعلقة بحال الاحتضار ، ومنها ما يغسل من موتى الناس وابعاضهم ، ومنها ما لا يغسل من ذلك ، ومنها كيفية غسل الميت ، ومنها الأكفان والتكفين ، ومنها الصلاة على الجنائز ، ومنها الدفن والقبور.

« باب الأحكام المتعلقة بحال الاحتضار »

إذا حضر الإنسان الوفاة فيجب ان يوجه إلى القبلة بأن يجعل على ظهره وباطن رجليه تلقاها ووجهه مستقبلا لها لو وقف لكان متوجها إليها ، كما لو استقبلها للصلاة قائماً لكان كذلك.

ويستحب ان يحضر بالقرآن :

وإذا تصعب عليه خروج نفسه نقل الى المكان الذي كان يصلى فيه.

ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم‌السلام وكلمات الفرج وهي : لا إله إلا الله

__________________

(١) في بعض النسخ « الودي » بالمهملة بدل « الوذي » بالمعجمة.

٥٣

الحليم الكريم لا إله إلا الله العلى العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ويغمض عيناه.

فاذا قضى أطبق فوه ، ومدت يداه وساقاه إن أمكن ذلك ، وشد لحيته ، ويغطى بثوب أو ما أشبه ، ويسرج عنده في الليل مصباح ، ويهتم بالأخذ في امره وإنجازه ولا يتشاغل عن ذلك بشي‌ء ، ويمنع الجنب والحائض من الدخول عليه ، ولا يترك وحده ، ولا يجعل على بطنه شي‌ء من الحديد.

« باب ما يغسل من موتى الناس وابعاضهم وما لا يغسل من ذلك »

الموتى من الناس وابعاضهم على ضربين أحدهما : يغسل ، والأخر لا يغسل

والذي يغسل هو : كل من مات منهم حتف انفه ويمكن من غسله بالماء ـ ولم يمنع مانع من ذلك من علة ، أو ضرورة ، أو برد شديد وما جرى مجرى ذلك.

وكل ميت منهم حدثت بجسده وجلده علة محللة للحمه أو جلده ولم يخف في صب الماء عليه من تخلل ذلك وتقطيعه.

وكل قتيل ـ الا ان يكون شهيدا مات بين يدي الإمام أو من نصبه الإمام في المعركة ولم ينقل منها وفيه حياة لأنه متى لحق ونقل وفيه حياة وجب غسله ـ

وكل سقط له أربعة أشهر فصاعدا

وكل مخالف للحق من ملة الإسلام مات مع مؤمن واضطرته التقية إلى غسله ـ وإذا كانت الحال هذه غسله هذا المؤمن غسل أهل الخلاف ـ

وكل رجل مات بين نساء مسلمات له فيهن محرم من النساء ـ هذا يغسله من كان ذا محرم منه ، فان كان معهن رجل مسلم غسله الرجل المسلم ، كذلك الحكم مع المرية إذا ماتت بين رجال مسلمين لها فيهم محرم ، أو معهم امرأة مسلمة.

وكل ولد مات في بطن أمرية وهي حية ، وهذا إذا مات في بطنها ولم يخرج

٥٤

أدخلت القابلة أو غيرها من النساء يدها في فرجها وأخرجته ، فان لم يخرج صحيحا قطعته وأخرجته قطعا ثم غسل وكفن ودفن ، فان ماتت المرأة والولد في بطنها حي شق جانبها الأيسر واخرج الولد ثم يخاط الموضع وتغسل المرأة بعد ذلك ، وكذلك الولد.

وكل طفل ذكر مات بين نساء وله مدة العمر ثلاث سنين أو دونها وليس معهن رجل ، وهذا يغسله النساء ويجوز لهن غسله مجردا من ثيابه ، فان كان له أكثر من ثلاث سنين غسله من فوق القميص يصب الماء عليه ، وكذلك الحكم في الصبية إذا ماتت بين رجال.

وكل بعض أو قطعة فيها عظم أو كانت موضع الصدر. ولا فرق في ذلك بين ان يكون أكيل السبع أو لا يكون كذلك.

واما من لا يغسل فهو : كل شهيد يقتل بين يدي الإمام العادل أو من نصبه الإمام ـ في نفس المعركة ـ ولم يلحق وبه رمق (١) لا شي‌ء من الحياة ، وهذا يدفن معه كل ما اصابه دمه من لباسه الا الخفين ، وقد ورد (٢) انهما إذا أصابهما شي‌ء من دمه دفنا معه.

وكل كافر من أهل البغي كان أو غيره.

وكل مرجوم أو مقتول قودا وهذان يؤمران بالاغتسال والتحنيط والتكفين

__________________

(١) كذا في النسخ التي بأيدينا ولعل كلمة « و » العاطفة محذوفة هنا ، ويحتمل ان يكون المراد من الرمق القوة كما قد يطلق عليها ( راجع المصباح ) فيكون أخص من الحياة ، فحينئذ يكون المعنى : ان الشرط في وجوب غسل الشهيد إدراكه وبه قوة لا إدراكه بدونها وان كان به شي‌ء من الحياة. وهذا يكون وجها ثالثا في المسئلة.

وينافيه ما في الجواهر من حكاية القول الثاني عن المؤلف «ره» ( الجواهر ، ج ٤ ، ص ٩٠ ) ( القول الأول سقوط الغسل ان مات في المعركة مطلقا والقول الثاني اشتراط عدم اداركه حيا في سقوطه ).

(٢) المبسوط ، ج ١ ، ص ١٨١ ، والنهاية ، ص ٤٠

٥٥

ثم يقام الحد عليهما بعد ذلك ، فإذا أقيم عليهما دفنا من غير غسل ولا تيمم.

وكل سقط له أقل من أربعة أشهر وهذا انما يلف بخرقة ويدفن بدمه.

وكل رجل مات بين نساء مسلمات ليس فيهن له محرم ، ولا يحضرهن رجل مسلم وهذا تدفنه النساء بثيابه ، وكل أمرية مسلمة ماتت بين رجال مسلمين وليس فيهم لها محرم ، ولا معهم امرأة مسلمة وهذه يدفنها الرجال بثيابها.

وكل بعض أو قطعة من إنسان ليس فيها عظم ولا هي موضع الصدر ، ولا فرق بين ان يكون أكيل السبع أو غيره.

وكل مخالف للحق من ملة الإسلام ليس في ترك غسله تقية.

وكل ميت حدث بجسمه شي‌ء من الآفات التي تحلل جسمه أو جلده ويخاف إذا صب الماء عليه من تخلل ذلك وتقطعه منه ، فان هذا يؤمم (١) ولا يغسل.

وكل ميت لم يتمكن من الماء لغسله أو تمكن منه ومنع من غسله مانع من علة كما قدمنا أو ضرورة أو برد شديد ولم يتمكن من إسخان الماء لغسله.

وإذا كان الميت خنثى وكان موته بعد بلوغه ـ وقبل تبين حاله في انه هل هو ذكر أو أنثى؟ فيلحق بالرجال أو النساء ـ لم يغسله رجل ولا امرأة ويؤمم (٢) بالصعيد

« كيفية غسل الميت »

اعلم انه ينبغي ان يستعد لغسل الميت ـ قبل ان يأخذ الغاسل فيه ـ من السدر مقدار رطل واحد ونصف بالعراقي ، ومن القطن مقدار رطل ، ويجوز ان يزاد على ذلك ليسد به منافذه (٣) ـ وان كان يخرج منها شي‌ء يحتاج فيه الى ذلك ـ

ويستعد أيضا شي‌ء من الأشنان (٤) ليسحق (٥) به

__________________

(١) اى ييمم

(٢) اى ييمم

(٣) في بعض النسخ « منافسة » ومعناهما واحد.

(٤) معروف ، الذي يغسل به الأيدي.

(٥) في بعض النسخ « ليستنجى » بدل « ليسحق »

٥٦

ويحفر لماء غسله حفيرة ينزل فيها ، ولا يترك ان ينزل في بالوعة أو خلاء مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن مما ذكرناه كان ترك نزوله في ذلك جائزا.

ويصب ماء الغسل من الأواني النظيفة ما يكون كفاية لذلك.

ولا يغسل بماء مسخن الا ان تدعو الضرورة إليه من برد شديد ، أو لتليين أعضائه وأصابعه.

ولا يجوز غسله بالماء الحارة كما ذكرناه.

فاذا حصل ما تقدم ذكره ابتدأ وليه بغسله ، أو من ينصبه الولي لذلك ، ويكون معه من يعينه في تقلبه وصب الماء عليه.

ويضعه على ساجة تحت سقف مع القدرة على ذلك ، ثم يمل الميت فيضعه عليها ممدودا على ظهره ، وباطن رجليه تلقاء القبلة كما كان في حال الاحتضار

وشق جيب قميصه الذي هو عليه وينزعه عنه بأن يأخذه من جهة رجليه بعد ان يستر عورته بشي‌ء ولا يقص الغاسل له شيئا من أظفاره ، ولا شيئا من شعره ولا لحيته.

وان سقط في ذلك الغسل من ذلك أو من جسده شي‌ء جعله في كفنه (١) عند تكفينه له.

ويأخذ السدر فيلقيه على الماء ويضربه في إجابة حتى يرغو وينقل رغوته (٢) إلى إناء آخر ، ويقف على جانبه الأيمن ، ولا يتخطاه في شي‌ء من أحوال الغسل جملة.

ثم يلين أصابعه وأطرافه ويمددها ، فان تصعب عليه من ذلك شي‌ء تركه على ما هو عليه.

ثم يمسح بطنه مسحا رقيقا فان خرج منه شي‌ء صب الماء عليه ليزول من تحته فان كان الميت امرأة وكانت حبلى لم يمسح لها بطنا في شي‌ء من غسلها.

ويعقد الغاسل النية لغسل الميت ثم ينظر ، فان كان على شي‌ء من جسده

__________________

(١) في بعض النسخ « كنفه » بدل « كفنه » ومعناه « الجانب »

(٢) رغوة السدر : زبدة الذي يعلوه عند ضربه في الماء.

٥٧

نجاسة أزالها بالماء ، ويأخذ بعد ذلك خرقة لينجيه بها فيلفها على يده من الزند إلى أطراف الأصابع ، ويلقى عليها شي‌ء من الأشنان وينجيه بذلك ، ويصب الأخر عليه من السدر ثلاث صبات.

ويكون الإناء الذي يصب الماء ، كبيرا مثل الإبريق الحميدي أو غيره مما يجرى مجراه.

ويكون صب الماء متصلا ولا يقطع الى ان يفرغ الإناء ، وإذا أصاب هذا الإناء جسد الميت غسل قبل إنزاله في الماء.

ثم يلقى الغاسل الخرقة عن يده ويغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ويوضأ الميت كما يتوضأ الحي للصلاة فيغسل وجهه ، ويغسل بعد ذلك يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ويمسح بمقدم رأسه ، وظاهر قدميه.

ثم يتقدم فيقف عند رأسه من الجانب الأيمن ، ويأخذ من رغوة السدر التي كان أعدها ، ويبتدى فيغسل رأسه بها ولحيته من الجانب الأيمن إلى أصل عنقه ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر.

ثم يميله على الجانب الأيسر ليبدو له الأيمن ، فيغسله بماء السدر من قرنه الى تحت قدمه ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر أيضا ، ويكون صب الماء من غير تقطيع من رأسه الى تحت قدمه.

ويدخل الغاسل يده تحت منكبه كلما غسله ، ويكون وقوفه على جانبه الأيمن ويكثر من قوله : عفوك اللهم عفوك وذكر الله تعالى.

ثم يرده على جانبه الأيمن ليبدو له الجانب الأيسر ، فيغسله على هذه الصفة بماء السدر.

ثم يعود الغاسل عنه ، ويغسل الأواني كلها من ماء السدر غسلا نظيفا ، ويغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع.

ويصب في الأواني ماء أخر ويأخذ شيئا من الكافور ، فيسحقه بيديه ويلقيه في الماء ويضربه به.

٥٨

ثم يرجع الى الميت فيقف على جانبه الأيمن كما وقف أولا ، ويمسح بطنه مسحا رقيقا ، فان خرج منه شي‌ء صب الماء عليه ليزول من تحته.

ثم يلف على يده خرقة مثل الاولى وينجيه بها ويغسله بماء الكافور كما غسله بماء السدر سواء.

فاذا فرغ من ذلك تحول عنه ، ثم غسل الأواني من ماء الكافور وملاءها ماء قراحا ، وغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ثم عاد اليه ، فوقف على جانبه الأيمن ، ولا يمسح بطنه في هذه الغسلة جملة. ثم يلف على يده خرقة لينجيه بها ، ويفعل في غسله مثل ما فعله في الغسلتين الأوليين بالماء القراح فقط.

فاذا فرغ من ذلك القى عليه ثوبا نظيفا وينشفه به.

ثم يحول عنه واغتسل ، فان لم يتمكن من الاغتسال توضأ وضوء الصلاة ، ولا يمسه ولا يمس أكفانه شيئا إلا بعد ان يغتسل أو يتوضأ.

فإذا فعل ذلك ، نقله إلى أكفانه ، فوضعه فيها ، موجها إلى القبلة ـ كما ذكرناه في حال الاحتضار والغسل ـ ثم يأخذ قطعة من قطن فيحشوا بها دبره حشوا جيدا ، لئلا يخرج منه شي‌ء بعد الغسل ـ ومتى خرج ذلك منه وأصاب شيئا من بدنه ، غسل المكان الذي اصابه ، وان أصاب شيئا من كفنه قطع بمقراض فاذا فعل ذلك فقد كمل غسله ويأخذ بعد ذلك في تكفينه ونحن نذكره بمشية الله تعالى سبحانه

« باب الأكفان والتكفين »

الثياب التي يجوز التكفين بها ، هي : الثياب القطن البياض ـ وهذه أفضل ثياب الأكفان ـ

وثياب الكتان البياض ، وكل ثوب من ذلك مخيط لم يكن خياطته ابتدأت للتكفين ، وثياب الصوف.

ولا يجوز التكفين بشي‌ء يخالف ما ذكرناه ، ولا بشي‌ء من جميع الثياب إذا

٥٩

كان فيه أو في طرازه ذهب ، وجميع الثياب المصبغات. وقد ذكر ان السواد من القطن والكتان مكروه.

والمفروض من الأكفان ثلاث قطع وهي : قميص ، ومئزر ، وإزار ،

والندب ان يزاد على ذلك قطعتان وهما لفافتان ـ ولا يجوز الزيادة على هذه الخمس قطع ، وما يتبع ذلك فليس هو من جملة الكفن ، لان الكفن هو ما يلف به جسد الميت ، خرقة يشد بها فخذاه وعمامة يعمم بها وان كان أمرية زيدت خرقة يشد بها ثدياها الى صدرها.

وإذا لم يوجد حبرة (١) ولا نمط (٢) جاز ان يتخذ بدل كل واحد منهما إزار.

وكفن الميت يجب إخراجه ابتداء من تركته قبل قضاء الديون والوصايا وكل شي‌ء.

وان كان الميت أمرية كان كفنها على زوجها لا في تركتها ، ولا مالها.

واما التكفين فهو : ان يبتدأ بالحبرة أو ما قام مقامها ، فيفرش على شي‌ء نظيف وينشر عليها شي‌ء من القمحة (٣) ، ثم يفرش على ذلك الإزار الثاني وينشر القمحة أيضا عليه ويفرش الثالث فوقه وينشر عليه من القمحة شي‌ء آخر.

ويكتب على الأكفان بتربة سيدنا ابى عبد الله الحسين عليه‌السلام ان تمكن منها ، أو بالإصبع ان لم يجدها : فلان يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات الله عليه والأئمة ـ فلان وفلانا الى آخرهم ـ أئمته أئمة الهدى الأبرار ثم يلف الكفن.

__________________

(١) الحبرة : بكسر الحاء وفتح الباء وهو ثوب يمنى وهو من الاجزاء المستحبة للكفن

(٢) النمط : هو ثوب من صوف ، فيه خطط تخالف لونه شامل لجميع البدن فوق الجميع وهو مخصوص بالمرئة.

(٣) القمحة بالفتح فالسكون : قيل حنطة ردية ( راجع المجمع ) وفي الجواهر : قيل انها ( اى الذريرة ) حبوب تشبه حب الحنطة التي تسمى بالقمح ، تدق تلك الحبوب كالدقيق لها ريح طيبة ـ الجواهر ج ٤ ص ٢٢٢.

٦٠