المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

واجب ، وليس ينقسم النهى عن المنكر ، انقسام الأمر بالمعروف لما ذكرناه من قبح المنكر.

واعلم ان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يكون باليد واللسان والقلب ، فاما وجوب ذلك على المكلف باليد واللسان فإنما يصح إذا كان متمكنا منهما ، ويعلم أو يغلب في ظنه انه لا ضرر يلحقه في ذلك ولا غيره من الناس ، لا في حال الأمر والنهى ، ولا فيما بعد هذه الحال من مستقبل الأوقات.

فإن علم أو غلب في ظنه لحوق الضرر به أو بغيره سقط وجوب ذلك عنه باليد واللسان ، ووجب ذلك بالقلب وحده ، فيعتقد وجوب الأمر بالمعروف ، أو وجوب الإنكار للمنكر ، واما الأمر بالمعروف باليد فإنما يكون بان يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجه يتأسى الناس به ، واما باللسان فان يكون بالدعاء الى ذلك ، وتعريف من يؤمر وينهى ما له على ذلك من مدح وثواب ، وماله على تركه والإخلال به ان كان واجبا من ذم وعقاب. وقد يكون الأمر بالمعروف باليد أيضا على وجه أخر وهو ان يحمل الناس بالقتل والردع والتأديب والجراح والا لم على فعله الا ان هذا الوجه لا يجوز للمكلف الاقدام عليه الا بأمر الإمام العادل واذنه له في ذلك أو من نصبه الإمام ، فان لم يأذن له الإمام أو من نصبه في ذلك فلا يجوز له فعله. ويجب عليه حينئذ الاقتصار على الوجه الذي قدمنا ذكره.

وهذا الوجه أيضا لا يجوز فعله في إنكار المنكر إلا بإذن الإمام أو من نصبه.

فان لم يحصل ذلك وجب عليه ان يقتصر على الإنكار باللسان والقلب. فاما باللسان فبالوعظ أو الانذار والزجر والتعريف لفاعل المنكر ما يستحقه على فعله من ذم وعقاب ، وما له على الإخلال به من مدح وثواب. وقد يكون إنكار المنكر على وجه آخر بضرب من الفعل وهو الاعراض عن الفاعل له ، وعن تعظيمه ، وان يتعمد هجره والاستخفاف به ويستمر على ذلك ، ويفعل منه ما يرتدع به عن المنكر.

ولا يجوز لأحد من الناس اقامة حد على من وجب عليه الا الإمام العادل أو من

٣٤١

ينصبه لذلك ، وقد رخص في إقامة حد لذلك على ولده واهله دون غيرهم إذا لم يخف من وصول المضرة إليه من ظالم ، فمتى خاف ذلك ، وعلمه أو غلب في ظنه لم يجز له فعله.

إذا استخلف السلطان الجائر إنسانا من المسلمين ، وجعل إليه إقامة الحدود جاز ان يقيمها بعد ان يعتقد (١) انه من قبل الامام العادل في ذلك وانه يفعل ذلك باذنه لا بإذن السلطان الجائر ، ويجب على المؤمنين مساعدته وتمكينه من ذلك ومعاضدته عليه ، هذا إذا لم يتعدى الواجب ، فان كان في ذلك تعد له لم يجز فعله ، ولا مساعدته عليه ، ولا تمكينه منه.

فان حمله هذا السلطان على ذلك جاز له فعله ان لم يبلغ ذلك قتل النفس ، فان بلغ ذلك لم يجز له فعله وان قتل بامتناعه من ذلك.

فاما تولى القضاء والأحكام فسنورده فيما يتعلق بذلك في موضعه ما يكتفى به ، ان شاء الله.

« تم كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر »

_________________

(١) في نسخة « يتعذر » بدل « يعتقد ».

٣٤٢

« كتاب المكاسب »

قال الله عزوجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١).

وقال سبحانه ( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ، وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ‌ءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ) الاية (٢).

وأمر الله تعالى بالاكتساب من فضله ، وبين انه قد جعل لعباده (٣) من المعيشة ما يتمكنون به من التصرف فيه بما يقوم بهم ويستعينون به على صلاح أحوالهم. وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « إذا أعسر أحدكم فليخرج يضرب في الأرض يبتغى من فضل الله ولا يغم نفسه واهله » (٤) وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال لأصحابه في حجة الوداع : « انى والله لا اعلم عملا يقربكم من الجنة الا وقد نبأتكم به ، ولا اعلم عملا يقربكم من النار الا وقد نهيتكم عنه وان الروح الأمين

__________________

(١) الجمعة ، الاية ( ٩ ـ ١٠ ).

(٢) الحجر ، الاية (١٩)

(٣) في نسخة « العبادة ».

(٤) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٣ ، الحديث ١.

٣٤٣

نفث في روعي : أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب » (١). وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : « ما غدوة أحدكم في سبيل الله بأعظم من غدوته يطلب لولده وعياله ما يصلحهم (٢).

« باب ضروب المكاسب »

المكاسب على ثلاثة أضرب ، محظور على كل حال ، ومكروه ، ومباح على كل حال فاما المحظور على كل حال فهو كل محرم من المآكل والمشارب ـ وسنورد ذلك في موضعه من هذا الكتاب بمشيئة الله سبحانه وتعالى ـ وخدمة السلطان الجائر ومعونته وتولى الأمور من جهته ، واتباعه في فعل القبيح وامره (٣) بذلك والرضا بشي‌ء منه مع التمكن من ترك ذلك وارتفاع التقية فيه والإلجاء اليه ، والتعرض لبيع الأحرار ، وأكل أثمانهم ، وكذلك مملوك الغير بغير اذن مالكه ، وآلات الملاهي والزمر مثل النأي وجميع ما جرى مجراه ، والقصيب (٤).

والشين (٥) وما جرى مجرى ذلك والحبال (٦) على اختلاف وجوهه وضروبه وآلاته والغناء وسائر التماثيل مجسمة كانت أو غير مجسمة ، والشطرنج والنرد وجميع ما خالف ذلك من سائر آلات القمار كالأربعة عشر ، وبيوت الروعات وما جرى مجرى ذلك واللعب باللوز والجوز وما جرى مجرى ذلك وأحاديث القصاص وأسباب (٧)

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ الباب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ١ ، والمستدرك ، ج ٢ ، ص ٤١٨ ، الحديث ١.

(٢) المصدر ، ص ١٥ ، الحديث ٩ ، والمستدرك ، ج ٢ ، ص ٤١٥. الحديث ٧.

(٣) في نسختين زيادة « ونهيه » ولعلها تصحيف.

(٤) قصب السكر معروف ويعمل منه المزامير ، وفي نسخة بالضاد المجمة ولعل المراد منهما واحد.

(٥) كذا في نسخة وفي نسخة « الستير » والظاهر انهما تصحيف ولعل أصلها « الميسر »

(٦) كذا في نسخة ولعل معناها : السحر.

(٧) في نسخة « والأسمار والفرح. ».

٣٤٤

الفرح بالأباطيل والنميمة (١) والكذب والسعي في القبيح ، ومدح من يستحق الذم ، وذم من يستحق المدح ، وغيبة المؤمنين ، والتعرض لهجوهم ، والأمر بشي‌ء من ذلك والنهى عن مدح من يستحق المدح ، أو عن الحسن ، والأمر بمدح من يستحق الذم ، أو بشي‌ء من القبائح ، والحضور في مجالس المنكر ومواضعه إلا للإنكار وما جرى مجرى ذلك.

واقتناء السباع والحيات وما خالف ذلك من المؤذيات وخصي الحيوان ، وبناء الكنائس والبيع وكل ما يكون معبدا لأهل الضلال والصلبان.

والتطفيف في الوزن والكيل ، والغش في جميع الأشياء وعمل المواشط بالتدليس بان يسمن الخدود ، ويصلن شعر النساء بشعر غيرهن من النساء وما جرى مجرى ذلك مما يلتبس به على الرجال في ذلك.

وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين وبيعه (٢) لهم والجمع بينهم وبين أهل الفسق والفجور ، والفتيا بالباطل والحكم به ولو مع العلم ، والارتشاء على ذلك ، أو ما يجرى مجرى الارتشاء.

والأذان والإقامة لأجل الأجرة عليهما ، والصلاة بالناس لمثل ذلك ، وتغسيل الموتى وتكفينهم وحملهم والصلاة عليهم ودفنهم والكهانة والشعبدة وما أشبه ذلك من القيافة والسحر والزنا والتلوط.

ونسخ كتب الضلال وحفظه وإيراد الشبهة القادحة وتخليدها في الكتب من غير نقض لها ، وتزويق المساجد وزخرفة المساجد ، وجمع تراب الصياغة لبيعه ، فان جمعه إنسان فعليه ان يتصدق به.

وإيجار العقارات والمساكن لعمل المنكر فيها مع القصد وإيجار السفن وغيرها مما يحمل عليها المحرمات مع العلم بذلك والقصد إليه أيضا.

__________________

(١) في نسخة « والتهمة » بدل « والنميمة ».

(٢) وفي نسخة « وبيعه والجمع لهم ، والجمع بين أهل الفسق والفجور ».

٣٤٥

واحتكار الغلات عند عدم الناس لها وحاجتهم الشديدة إليها وبيع المصاحف إذا كان ذلك في المكتوب وبيع السرقة وابتياعها مع العلم بها ، ونثار الأعراس إذا لم يعلم من صاحبه الإباحة له وسلوك طريق يظهر منها امارة الخوف مع ترك التحرز والكسب من ذلك.

واما المكروه فجميع ما كره من المآكل والمشارب وسنورد ذلك في موضعه أيضا من هذا الكتاب بعون الله سبحانه وتعالى ومشيئته وكسب الحجام والأجر على القضاء وتنفيذ الأحكام من قبل الامام العادل ، والأجر على تعليم القرآن ، ونسخ المصاحف مع الشرط في ذلك وأجر المغنيات في الأعراس إذا لم يغنين بالأباطيل والضرب ، وبيع الرقيق والطعام وعظام الفيل وعملها ، والأكفان والحياكة والنساجة والذباحة وكسب الصبيان وركوب البحر للتجارة.

واما المباح على كل حال فهو كل مباح من المآكل والمشارب وكل ما لم يكن من جملة ما ذكرناه في كونه محظورا ومكروها.

« باب خدمة السلطان وأخذ جوائزه »

السلطان على ضربين : أحدهما سلطان الإسلام العادل والأخر السلطان الجائر ، فاما سلطان الإسلام العادل فهو مندوب الى خدمته ، ومرغب فيها ، وربما وجب ذلك على المكلف طائفة لما فيه من وجوب اتباعه وطاعته في امره ونهيه.

فإذا ولى السلطان إنسانا امارة وحكما أو غير ذلك من الولاة عليه وجب عليه طاعته في ذلك وترك الخلاف له فيه ، وجاز قبول جوائزه وصلاته والتصرف في الجميع على كل حال.

واما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد ان يتولى شيئا من الأمور من قبله الا ان يعلم أو يغلب على ظنه انه إذا تولى ولاية من جهته ، تمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وقسمة الأخماس والصدقات على مستحقها ، وصلة الاخوان ، ولا يكون في شي‌ء من ذلك تاركا لواجب ولا مخلا به ولا فاعلا بشي‌ء من القبائح فإنه حينئذ

٣٤٦

مستحب له التعرض لتولى الأمور من جهته وان علم أو غلب على ظنه انه لا يتمكن من ذلك وانه لا يخلو من تفريط يلحقه في الواجبات ، ويحتاج الى ارتكاب بعض المقبحات ، لم يجز له تولى ذلك.

فإن ألزمه السلطان الجائر بالولاية إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة الى ذلك الخوف على النفس وسلب المال وان كان ربما لحقه بعض الضرر ، أو لحقه في ذلك مشقة فالأولى ان يتحمل تلك المشقة ويتكلف مضرتها ، ولا يتعرض للولاية من جهته.

وان خاف على نفسه أو على أحد من أهله ، أو بعض المؤمنين ، أو على ماله جاز له أن يتولى ذلك ، ويجرى على وضع الأمور في مواضعها ، وان لم يتمكن من فعل ذلك ، اجتهد فيما يتمكن منه وان لم يتمكن من فعل ذلك ظاهرا فعله سرا لا سيما حقوق الاخوان والتخفيف عنهم من جور السلاطين الجور من خراج أو غيره.

وإذا لم يتمكن من القيام بحق من الحقوق والحال في التقية على ما ذكرناه جاز له ان يتقى في سائر الأمور والأحكام التي لا يبلغ الى سفك دم محرم ، لان هذا الدم ليس في سفكه تقية. وإذا تولى إنسان من قبل السلطان الجائر ولاية ، جاز له على جهة الرخصة قبول الأرزاق والجوائز منه ، لان له قسطا من بيت مال المسلمين.

وينبغي له ان يجتهد ويحرص في إخراج الخمس من كل ما يحصل له من ذلك ويوصله الى مستحقه ، ويصل إخوانه من الباقي.

ويتصرف هو في منافعه بالبعض الذي يبقى من ذلك ، وليس يجوز لأحد ان يقبل صلات سلاطين الجور وجوائزهم ما يعلم انه بعينه غصب وظلم ، فان لم يتعين جاز له قبوله وان علم ان السلطان المجيز له بذلك ، ظالم ويكون الإثم على الظالم دونه.

وإذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين بالبيع والشراء وغير ذلك فالأولى تركها ولا يتعرض لشي‌ء منها جملة وان لم يتمكن من ترك ذلك معهم كانت معاملته له في ذلك جائزة الا انه لا يشترى منه شيئا يعلم انه مغصوب ، ولا يقبل منهم ما هو محرم في الشرع.

٣٤٧

فان خاف من رد جوائزهم وصلاتهم على نفسه وماله ، جاز له قبولها ، ثم يردها على أصحابها.

ويجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه السلطان الجور من الصدقات والخراج وان كانوا غير مستحقين لأخذ شي‌ء من ذلك ، الا ان يتعين له في شي‌ء منه معين انه غصب فإنه لا يجوز له ان يبتاعه.

وكذلك يجوز له ان يبتاع منهم ما أراد من الغلات على اختلافها وان كان يعلم انهم يغصبون أموال الناس ويأخذون ما لا يستحقون ، الا ان يعلم أيضا في شي‌ء منه معين انه غصب فلا يجوز له ان يبتاعه منهم.

وإذا غصب الظالم إنسانا وتمكن المظلوم من أخذه أو أخذ عوضه ، كان ذلك جائزا له ، وتركه أفضل.

فإن أودعه الظالم وديعة لم يجز له ان يأخذ منها عوض ماله ولا يتعرض لها بذلك ولغيره ، بل يردها عليه على حالها ولا يخونه فيها.

فإن أودعه وديعة يعلم انها بعينها غصب وعرف صاحبها فلا يجوز له ردها على بذلك ولغيره ، بل يردهما عليه على حالها ولا يخونه فيها. الغاصب لها ، بل يعيدها على صاحبها.

فان علم انها غصب ولم يعرف لها صاحبا أبقاها عنده ، الى ان يعرفه فاذا عرفه ردها عليه ، وان لم يعرفه لم يجز ردها على غاصبها بل ينبغي ان يتصدق بها عمن هي له.

« باب ما يجوز للوالد أخذه من مال ولده »

« والولد من مال والده والمرأة من مال زوجها »

إذا كان الوالد مستغنيا عن مال ولده بان يكون له مال ينفق منه على نفسه أو يكون ولده ينفق عليه ، لم يجز له أخذ شي‌ء من مال ولده الا برضاء الولد.

فان احتاج الوالد إلى أخذ شي‌ء من مال ولده أخذ منه مقدار حاجته على وجه القصد (١) من غير إسراف في الأخذ.

__________________

(١) اى الاقتصاد والتوسط.

٣٤٨

وإذا لم يكن للوالد مال ، جاز ان يأخذ من مال ولده ما ينفقه على نفسه في حجة الإسلام ، ولا يجوز له ان يأخذ ذلك في حجة التطوع وكذلك ان كان على الوالد دين لم يجز له ان يأخذ من مال ولده ما يقضى به ذلك الدين. وإذا كان للوالد أولاد صغار ، لم يجز له أخذ شي‌ء من مالهم الأعلى جهة القرض على نفسه دون غيره.

وان كان لولده جارية ولم يكن ولده وطأها أو لامسها بشهوة فإنه يجوز له أخذها ووطأها بعد ان يقومها على نفسه ، ويضمن القيمة لولده.

وإذا كان الولد في منزل أبيه ، وتنازعا في شي‌ء من متاع البيت لم يكن للولد إلا ببينة ، لأن الظاهر انه للأب ، لأنه في منزله ويده عليه فان ثبت للابن ببينة فإنه سلم اليه ولم يسلم إلى الأب.

ولا يجوز للوالدة أخذ شي‌ء من مال ولدها الا على جهة القرض لا غير.

ولا يجوز للولد ان يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذنه ، أو من ضرورة شديدة يخاف على تلف النفس معها ، فإنه إذا كان ذلك ، جاز ان يأخذ ما يمسك به رمقه كما يتناول من الدم والميتة عند الضرورة التي يخاف فيها من تلف النفس.

ولا يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها ولا من بيته شيئا إلا ما يكون أدما ، فإن لها ان تأخذ منه وتطعم من غير إسراف في ذلك أو إضرار بالزوج ، فإن ادى الى ذلك لم يجز لها أخذ شي‌ء منه الا ما تأكله هي ، دون غيرها.

وان وهبت الزوجة شيئا لزوجها كانت الهبة ماضية فان دفعت إليه شيئا وشرطت له الانتفاع به كان جائزا.

وان ربح كان الربح له ، ويكره له ان يشترى بذلك جارية يطأها لأنها يعود بالغم على الزوجة. فان فعل ذلك بإذنها كان جائزا على كل حال.

« تم كتاب المكاسب »

٣٤٩

« كتاب البيوع وعقودها وأحكامها »

عقد البيع لا تصح الا بشرط وهي ثبوت الولاية في المبيعين اما بملك ، أو اذن ، أو ما يقوم مقامه ، وإمكان التسليم ورفع الحظر ، وتعيين الأجل فيما يكون مؤجلا والتعيين بالمبلغ ، أو الصفة ، أو هما جميعا. والقول المقتضي للإيجاب من البائع والقبول من المبتاع. والافتراق بالأبدان من مجلس البيع ، ووقوع ذلك على إيثار واختيار المتبايعين ، وحصول ذلك منها أيضا على وجه يحل.

وإذا باع إنسان ما ليس بملك له من غير اذن أو ما يقوم مقام الاذن ، أو ما لا يمكن تسليمه ولا رفع الحظر عنه ، أو باع شيئا الى أجل ولم يعين الأجل ، أو باعه ولم يعينه بالمبلغ ، أو الصفة ، أو بهما جميعا كان جميع ذلك باطلا والبيع فاسدا.

فان باع من غيره شيئا ولم يجر بينهما من القول ما يقتضي الإيجاب والقبول ، « مثل أن يقول البائع للمشتري قد بعتك هذا ويقول المشترى قد اشتريته أو قد قبلت ذلك أو أوجبت على نفسي ، أو يقول المشتري بعتني هذا فيقول البائع قد بعتك إياه » لم يصح البيع وكان فاسدا.

وإذا باع من غيره شيئا ولم يفترقا من المجلس على وجه التراضي لم ينعقد البيع ، لان الخيار بينهما لم يرتفع بكونهما مغيبين عن مجلس العقد ، فإنما يرتفع إذا افترقا على ما ذكرناه ، ومتى لم يفترقا كان لكل واحد منهما الرجوع في البيع.

وإذا باع ، من غيره شيئا على وجه الإكراه لم يصح البيع وكان البيع مفسوخا

٣٥٠

لأنه لا بد فيه من الرضا.

ولا يحل لأحد أخذ مال مسلم من غير إيثاره واختياره وإذا باع شيئا على وجه حرام لم يصح ذلك.

والبيع على ثلاثة أقسام.

أولها بيع عين مرئية ، وثانيها بيع عين موصوفة في الذمة وثالثها بيع خيار الرؤية.

فأما بيع الأعيان المرئية فمثل ان يبيع إنسان عبدا حاضرا أو غير ذلك من الأعيان الحاضرة ، فيشاهد البائع والمشترى ذلك فيكون بيعا صحيحا لا شبهة في صحته.

واما بيع الموصوف في الذمة مثل ان يسلم في شي‌ء موصوف إلى أجل معلوم ويذكر الصفات المقصودة وهذا أيضا بيع صحيح.

وأما بيع خيار الرؤية فهو بيع الأعيان الغائبة ، وهو ان يبيع شيئا لم يره ، مثل أن يقول بعتك هذا الثوب الذي في الصندوق أو في كمي أو ما جرى مجرى ذلك ، فيذكر جنس المبيع ، ويذكر الصفة ،

ولا فرق بين أن يكون البائع رآه والمشترى لم يره ، أو يكون المشترى رآه والبائع لم يره ، أو لم يره ، هذا ولا هذا.

فاذا عقد البيع فرأى المبيع بعد ذلك فوجده على ما وصفه كان البيع ماضيا ، وان وجده بخلاف ذلك. كان له رده وفسخ العقد ولا بد من ذكر الجنس والصفة ، وإذا لم يذكرهما ، أو واحدا منهما كان البيع باطلا.

وإذا شرط البائع خيار الرؤية لنفسه كان ذلك جائزا ، فإذا رآه على الصفة لم يكن له الخيار ، وان كان على غير الصفة كان الخيار له ، هذا ان لم يكن رآه ، فان كان قد رآه لم يكن لشرط الرؤية وجه لأنه عالم قبل ذلك.

وإذا باع عينا بصفة مضمونة مثل ان يقول بعتك هذا الثوب على ان طوله كذا وعرضه كذا ، أو غيره من العقار على أنه متى كان بهذه الصفة ، والا فعلى بدله

٣٥١

على هذه الصفة لم يصح البيع لان العقد وقع على شي‌ء بعينه فاذا لم يصح فيه كان ثبوته في بدله يفتقر الى استئناف عقد مجدد.

ويجوز ان يبتاع الإنسان شيئا ويشترط تسليمه الى المشتري بعد مدة مثل شهر ، أو أكثر منه.

وإذا باع إنسان عينا حاضرة بعين حاضرة أو بدين في الذمة كان البيع صحيحا

وإذا كان الثوب على آلة النساج وقد نسج بعضه فباعه على ان ينسج ما بقي منه ويدفعه اليه لم يصح بيعه ، لان ما شاهده من المنسوخ ، البيع فيه لازم من غير خيار الرؤية ، وما لم يشاهده مما لم (١) يتمم نسجه يقف الأمر فيه على خيار الرؤية وهذا فاسد لأنه شي‌ء واحد يجتمع فيه خيار الرؤية وانتفائها وذلك باطل لا شبهة فيه.

وإذا ابتاع إنسان شيئا قد شاهده قبل العقد ولم يره في حال العقد كان ذلك جائزا ، فإن كان هذا المبيع من الأشياء التي لا يسرع التلف والهلاك إليها ولا يتغير في العادة مثل النحاس والصفر والأراضي وما جرى مجرى ذلك كان البيع صحيحا إذا شاهده على صفة لم يتغير عنها ، وان وجده قد تغير عن صفته كان له رده على البائع.

وان اختلفا في ذلك كان القول قول المبتاع مع يمينه.

وان كان مما يسرع اليه التلف مثل الفاكهة والبقول والخضر وما جرى مجرى ذلك فإنه ان كان ابتاعه بعده بزمان يعلم انه قد تلف فيه ، مثل ان يراه ويبتاعه بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة ، كان البيع فاسدا ، وان كان ابتاعه بعد مدة ـ يجوز ان يكون تالفا فيها وغير تالف ـ كان البيع صحيحا إذا رآه على الصفة لم يتغير عنها ، وكذلك الحكم فيما قد يتلف ولا يتلف مثل الحيوان وما جرى مجرى ذلك.

« باب خيار المتبائعين وما يدخل فيه الخيار وما لا يدخل من العقود »

بيع الخيار ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، أولها خيار المجلس وهو ان ينعقد بين

__________________

(١) في نسخة « يتمم » بدون حرف الجزم ، وكلاهما صحيح.

٣٥٢

المتبائعين العقد بالإيجاب والقبول فيثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا من المكان بأبدانهما فإذا ثبت العقد بينهما وأرادا أن يوجباه ويبطل الخيار ، جاز لهما ان يقول أحدهما ويرضى الأخر به ، أو يتولاه معا : « قد أوجبنا العقد وأبطلنا خيار المجلس » فاذا فعل ذلك بطل هذا الخيار.

وثانيها : ان يشترطا في حال العقد ان لا يثبت بينهما خيار المجلس فيكون ذلك جائزا.

وثالثها : ان يشترطه مدة معينة ، قليلة كانت أو كثيرة (١) ، هذا فيما عدا الحيوان وأما الحيوان فيثبت الخيار فيه ثلاثا للمشتري دون البائع اشترط المشترى ذلك ، أو لم يشترطه ، وان زاد الشرط على ذلك كان بحسب ما يستقر بينهما للواحد منهما أو لجميعهما.

ومتى أوجب البيع بعد أن يشترطا مدة معينة ، ثبت العقد وبطل الشرط الذي تقدم على هذا في العقد.

ومن أراد ان يبتاع من نفسه لولده وأراد الانعقاد ، فينبغي له ان يختار لزوم العقد عند انعقاد العقد ، أو يختار بشرط بطلان الخيار. وقد ذكر انه إذا أراد ذلك انتقل من الموضع الذي ينعقد ، العقد فيه الى غيره ، فيجري ذلك مجرى افتراق المتبائعين ونحن بعد هذا نذكر فيما يدخله الخيار وما لا يدخله فيه من العقود.

إذا كان عقد البيع على عين حاضرة مشاهدة دخله خيار المجلس بحصول العقد مطلقا ، ويدخله خيار المدة بحسب ما استقر الشرط عليه.

وإذا كانت العين حيوانا ، دخل فيه خيار المجلس ، وخيار الثلاث فان زاد على هذه المدة شيئا ، كان بحسب ما استقر الشرط أيضا عليه ، وان كان بيع فيه خيار الرؤية ، دخله خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية إذا رآه ، وان كان

__________________

(١) في النسختين تشويش من حيث السقط في إحداهما والتكرار في الأخرى ، والصحيح المستفاد منهما ما أثبتناه.

٣٥٣

الصرف ، دخله خيار المجلس فقط ، لان خيار الشرط لا يدخله من حيث ان القبض من شرط صحة هذا العقد. وان كان مع السلم ، دخله خيار المجلس ، وخيار الشرط.

واما الرهن : فان كان رهنا بدين ويقول هذا المملوك أو هذا الشي‌ء رهن به ، ويقبل ذلك ، صح العقد ويكون الخيار الى الراهن بين ان يقبض أو لا يقبض ، فان قبض لزم من جهته وكان جائزا من جهة المرتهن ، ان أراد الإمساك أمسك وان أراد الفسخ فسخ.

وان كان رهنا في بيع مثل ان يقول البائع للمشتري بعتك هذا الدار بمأة دينار على ان ترهن عندي هذا الشي‌ء ، فان استقر بينهما البيع على هذا الشرط وكان ذلك في مدة خيار المجلس أو الشرط ، فالراهن مخير بين قبض الرهن أو تركه.

فان قبضه لزم من جهة كونه رهنا ، ويكون البيع على حاله في مدة الخيار ، لكل واحد من المتبائعين الفسخ.

فان لزم بالافتراق ، أو ينقضي خيار الشرط ، فالرهن على ما هو عليه من اللزوم وان فسخ البيع أحدهما أو هما جميعا ، بطل الرهن وان لم يقبض الرهن الى ان لزم البيع بالافتراق ، أو تنقضي مدة الخيار ، كان الراهن مخيرا بين ان يقبض ، أو لا يقبض ، وان قبض لزم الرهن من جهة الراهن ، وان لم يقبض لم يجبر عليه ، ويكون البائع المرتهن حينئذ مخيرا بين ان يقيم على البيع ويمضيه بغير رهن وبين فسخه.

واما الصلح فان كان إبراء أو حطيطة (١) مثل ان يقول أحدهما للآخر « لي عندك مأة دينار وقد أبرأتك من خمسين دينارا أو حططتها عندك وادفع الى الباقي » فليس له الخيار فيما أبرأه منه ، أو حطه عنه من ذلك وله المطالبة بالباقي.

وان كان معاوضة مثل ان يقول « أقر له بدين أو عين » ثم يصالحه على ذلك فليس له الرجوع فيما وقع الصلح عليه.

واما الضمان فإنه ان كان له دين على غيره فبدل له ضمان غيره له فهو مخير بين ان يضمن أو لا يضمن ، فان ضمن لزم من جهته دون المضمون عنه.

__________________

(١) أي إسقاط بعض الدين.

٣٥٤

وان كان في بيع ـ مثل ان يقول بعتك على ان يضمن لي زيد ، أو تقيم لي ضامنا ، فان استقر ذلك بينهما وكان في مدة الخيار في البيع لزم من جهة الضمان ، فان فسخه أحدهما ، أو جميعهما زال الضمان.

وان لم يضمن حتى لزم البيع كان مخيرا بين ان يضمن أو لا يضمن ، فان ضمن صح على كل حال ، وان لم يضمن كان البائع مخيرا بين إمضائه بغير ضمان وبين فسخه.

وإذا حال الواجد غيره بمال على غيره وقبل الحوالة ، صح دخول خيار الشرط فيه ، فاما خيار المجلس فلا يدخله لأنه مخصوص بالبيع.

واما خيار الشفيع على الفور فان بادر إلى الأخذ لم يكن للمشتري خيار لان المبيع يؤخذ منه بالقهر ، فلا خيار له مع ذلك ، واما الشفيع فقد ملك البيع بالثمن وليس له خيار المجلس لان هذا الخيار كما قدمناه مخصوص بالبيع وهذا انما يؤخذ ذلك بالشفعة لا بغيرها.

واما الإجارة فقد تكون في معين مثل ان يقول الموجر أجرتك داري هذه أو دابتي هذه أو مملوكي هذا ، شهرا أو سنة أو من وقتي هذا أو يومي هذا ، وإذا ذكر هذه المدة المعينة لم يدخل عقد هذه الإجارة خيار المجلس ، فاما خيار الشرط فيجوز فيه.

وان كانت الإجارة ، اجارة في الذمة مثل ان يقول المستأجر لغيره « استأجرتك لتبني لي حائطا أو تخيط لي ثوبا أو ما أشبه ذلك » فيصح دخول خيار الشرط فيه ، فاما خيار المجلس فلا يصح دخوله فيه لأنه ليس ببيع ، لأنه مخصوص بالبيع كما قدمناه

واما المساقاة فيصح دخول خيار الشرط فيها لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : المؤمنون عند شروطهم (١) ، فاما خيار المجلس فلا يدخل في ذلك.

واما الوقف فلا يدخله خيار المجلس ، ولا خيار الشرط جملة فاما خيار المجلس لأنه ليس بيعا كما قدمناه ، واما الشرط فلانة متى دخل فيه بطل الوقف ، وأيضا فإن

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٢ ، كتاب التجارة ، ص ٤٧٤ باب الشروط.

٣٥٥

هذين الخيارين خيار مجلس أو خيار شرط لا يدخلان فيه لان دخول الخيار فيه يبطل كونه وقفا سواء كان الخيار خيار المجلس أو خيار الشرط.

واما عقد النكاح فلا يدخل فيه الخيار جميعا لمثل ما قدمناه ولأن الإجماع حاصل ، (١) فاذا دخل فيه كان على حسب ما يستقر الشرط فيه ، ولا يبطل به عقد النكاح فان تعلق الشرط بالعقد وبالصداق بطل النكاح.

واما الهبة فيدخلها الخيار ان كانت بغير عوض ، أو لم يتصرف الموهوب له فيها ، أو لا يكون لولده الأصاغر ، فان لم يكن لشي‌ء من ذلك صح دخوله فيها قبل القبض وبعده.

واما الخلع فمثل ان تقول له طلقني طلقة بمأة فيقول لها طلقتك بها طلقة فلا يكون له خيار في قبض المائة ليكون الطلاق رجعيا.

واما الطلاق والعتق فلا يدخل في واحد منهما الخيار.

واما السبق والنضال (٢) فيصح دخول خيار الشرط فيهما فاما خيار المجلس فلا يدخلهما على ما قدمناه.

واما القراض فيصح دخول خيارين فيه.

واما العارية والوديعة فيصح دخول ذلك أيضا فيهما.

واما الوكالة والجعالة فيصح أيضا دخوله فيهما.

واما القسمة فيصح دخول خيار الشرط فيها سواء كانت القسمة فيها رد (٣) ، أو كانت لأرد فيها ، وسواء كان القاسم الحاكم (٤) الشريكين أو غيرهما ،

واما خيار المجلس فلا يدخل فيها على جميع الوجوه التي ذكرناها.

__________________

(١) الظاهر سقط نحو « اما في الصداق وحده ».

(٢) النضال الغلبة في الرمي ، وفي نسخة « النصال » بالصاد المهملة والمراد واحد

(٣) بان لا ينقسم المال متساويين بل متفاضلين فيرد الى صاحب المفضول ما يتساوى معه سهمهما.

(٣) لعل كلمة « أو » ساقطة.

٣٥٦

واما الكتابة إذا كانت مشروطة لم يكن للسيد فيها خيار المجلس ، فاما خيار الشرط فيصح في ذلك ، واما العبد فله الخيار ان شاء لأنه متى عجز نفسه كان الفسخ حاصلا.

وان كانت الكتابة مطلقة وادى شيئا من مكاتبته انعتق منه بحساب ذلك ولا خيار لواحد منهما فيها لأنه لا يرد حرفي الرق.

وإذا كنا قد بينا صحة ثبوت خيار المجلس فليس ينقطع الا بتفرق أو خيار (١) فاما التفرق الذي يلزم البيع به ، وينقطع عنده الخيار فهو مفارقة المجلس بخطوة أو أكثر منها.

فإن أقام المتبائعان في مكانهما وثبتا فيه ولو كان زمانا طويلا وبنى بينهما حائط فإن ذلك لا يبطل به خيار المجلس (٢). فان كان بعد العقد فمثل ان يقول أحدهما للآخر بعد العقد وقبل ان يفترقا : اختر الإمضاء به ، وان قال الأخر : اخترت إمضاء البيع لزم العقد وانقطع الخيار ، فان سكت ولم يختر الفسخ ولا الإمضاء فخيار الساكت باق بحاله ولم يبطل خيار الأول ، لأنه إذا ثبت الخيار للواحد منهما ثبت الخيار للآخر لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الخيار لهما جميعا (٣).

وان كان في نفس العقد فمثل ان يقول : بعتك بشرط ان لا يثبت خيار المجلس بيننا فاذا قال المشترى قبلت ثبت العقد ولم يكن لهما خيار على وجه.

فان قال بعتك بشرط ولم يعين مقدار الشرط كان البيع فاسدا.

وإذا ثبت لزوم البيع اما بوقوعه مطلقا أو تنقضي المدة ان كان مشروطا ، أو تصرف المشترى فيه بتمليك أو عتق أو هبة ، أو ما أشبه ذلك ، لزم العقد من جهته ونفذ تصرفه وبطل اختياره ولم يبطل خيار البائع بل هو باق بحاله.

__________________

(١) اى تخاير.

(٢) الظاهر سقوط نحو « واما الخيار ».

(٣) الوسائل ، ج ١٢ ، الباب ١ من أبواب الخيار ، الحديث ٢ و ١ ، ص ٣٤٥.

٣٥٧

فان تصرف البائع فيه بتمليك أو عتق أو هبة أو ما أشبه ذلك كان هذا التصرف منه فسخا للعقد.

وإذا كان المبيع في يد البائع وهلك في مدة الخيار كان من ماله دون مال المشتري إذا لم يكن المشترى تصرف فيه ، وإذا اختلف البائع والمشترى في حصول إيجاده (١) كان على المشترى البينة بأنها حدثت في مدة الخيار ، وهكذا يلزمه إذا اختلفا في حصول إيجاده في العيب الموجب للرد.

فإن وطأ المشترى في مدة الخيار لزم البيع ولم يجب عليه (٢) فان أتت الموطوئة بولد لحق به (٣) ان لم يفسخ البائع العقد ، فان فسخه كان عليه قيمته ويلحق به ، وان لم تأت هذه الموطوئة بولد وكانت بكرا وجب عليه عشر قيمتها ، وان لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها ويبطل مع ذلك خياره.

واما خيار البيع فليس يبطل بوطء المشترى كان ذلك بعلمه أو بغير علمه الا ان يثبت رضاه به ، وإذا ثبت ذلك وعلم بطل خياره. وان وطي البائع في مدة الخيار كان ذلك فسخا للبيع ، وقد ذكرنا فيما تقدم ان ما يقع من البائع من التصرف في مدة الخيار ، يكون فسخا للعقد ، وما يقع منه من المشترى يلزم العقد به من جهته ويبطل خياره ، فان رضيا على إمضاء شي‌ء من ذلك ، أو اتفقا عليه في مدة الخيار مثل بيع المشترى ما اشتراه أو عتقه ان كان مما يصح عتقه ، أو ما جرى مجرى ذلك بطل خيارهما جميعا ومضى البيع والعتق أو ما أشبه ذلك مما يتفقان عليه ، أو يتراضيان به أو يأذن البيع للمشتري فيه.

« في إرث خياري المجلس والشرط »

واعلم : ان خيار المجلس أو الشرط يصح كونهما موروثين ، فان مات المتبائعان

__________________

(١) اى حدوث الحادثة

(٢) شي‌ء ، وفي نسخة « لم يحسب عليه ».

(٣) في نسختين زيادة كلمة « الواو » هنا والظاهر انها تصحيف

٣٥٨

أو واحد منهما كان (١) يتعلق بهما من ذلك موروثا عنه ، ولا فرق في ذلك بين ان يكونان حرين ، أو مملوكين مأذونا لهما في التجارة ، أو أحدهما حرا والأخر مملوكا أو مكاتبا فان وليه أو سيده يقوم مقامه فيه.

فان عرض له جنون أو إغماء أو خرس في مدة الخيار ، وكان الأخرس مما لا يعرف إشارته ولا يحسن شيئا من الكتابة ، قام وليه مقامه وفعل ما يكون له فيه الحظ (٢) والصلاح في ذلك.

وان كان ممن يفهم إشارته ، أو يحسن شيئا من الكتابة كان خياره باقيا ، وفعل في ذلك بحسب ما يشير اليه أو يكتب به وإذا تصرف ولى هؤلاء القوم فيما ذكرنا عنهم ، ثم زال المرض العارض لهم عنهم ، لم يجز لهم الاعتراض عليه ، ولا خيار لهم فيه بحال.

وإذا أكره المتبائعان على الافتراق من المجلس ، ومنعا من الخيار والفسخ لم يؤثر ذلك في خيارهما ، ولا يبطله بل يكون ثابتا بحاله ، وإذا زال ذلك عنهما كان الخيار لهما في مجلس زواله إذا لم يفترقا منه. وان لم يمنعا من ذلك ووقع التفرق من غير أن يختار شيئا فقد بطل خيارهما.

وإذا كان الوارث لخيار الشرط حاضرا عند موت صاحبه ، قام مقامه كما قدمناه ، فان كان قد مضى بعض ذلك (٣) كان الباقي له. وان كان ولده غائبا وبلغه موت صاحبه بعد انقضاء مدة الخيار بطل خياره.

ومن باع شيئا بشرط الخيار متى أراد ، كان فاسدا ، لأنه كان مجهولا.

إذا تقابض المتبائعان الثمن والمبيع في مدة خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية كان ذلك جائزا ، ويكون الخيار باقيا على حاله.

__________________

(١) الظاهران كلمة « ما » الموصولة ساقطة هنا.

(٢) في نسخة « الخبط » والظاهر انها تصحيف.

(٣) اى بعض زمان الشرط.

٣٥٩

وإذا باع شيئا معينا وهلك بعد العقد ، فان كان ذلك قبل القبض بطل البيع ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون هلاكه في مدة الخيار ، أو بعد تقضيها ، وان كان البائع قد قبض الثمن كان عليه رده ، وان لم يكن قبضه فقد سقط ذلك عن المشترى. وان كان هلاكه بعد القبض لم يبطل البيع في يد المشتري أو البائع مثل ان يكون قبضه المشترى ورده الى البائع وديعة أو عارية.

وإذا لم يبطل البيع بما ذكرناه وكان هلاكه في مدة الخيار لم ينقطع الخيار ، وإذا لم ينقطع الخيار فلا يخلو من ان يكون المتبائعان يجيزان البيع أو يفسخان أو أحدهما ، فإن فسخا سقط الثمن ووجب القيمة على المشترى ، وان اختار (١) إمضاء البيع أو سكتا حتى انقضت مدة الخيار لزمه الثمن دون القيمة ، لأن الثمن المسمى ، لا يسقط مع بقاء العقد.

وان كان هلاكه بعد تقضى مدة الخيار كان ماضيا على المشترى وعقد النكاح ينعقد ويصح بالإيجاب والقبول ، ولا اعتبار في ذلك بتقدم الإيجاب ولا تأخره

فاما البيعان فتصح عقودهما بتقدم الإيجاب ، فلو قال البائع : قد بعتك هذا الشي‌ء وقال المشترى : قد قبلت. لصح ذلك بغير خلاف ، فاما في التأخير فإذا قال المشتري : بعني هذا الشي‌ء بمأة وقال البائع : قد بعتك ، فلا يتم انعقاد العقد حتى يقول المشترى بعد ذلك : اشتريت.

فاذا علم بما ذكرنا كيفية انعقاد العقد في البيوع ، فجميع ما يقع من الناس على غير هذا الوجه فليس ببيع في الحقيقة ، ويجوز الرجوع في كل ما وقع منه كذلك ، وانما يكون واقعا منهم على وجه الإباحة والتراضي ، لا على انه بيع في الحقيقة ، ومثال ما ذكرنا ان يدفع الإنسان قطعه الى بقلي فيعطيه بها بقلا ، أو على سقاء فيدفع بها اليه شربة من ماء ، أو يدفع درهما أو أقل منه أو أكثر إلى خباز فيعطيه

__________________

(١) كذا في نسختين ولعل أصلها بصيغة التثنية.

٣٦٠