المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

السلام عليك يا خير الشهداء ، السلام عليك يا أسد الله وأسد رسوله أشهد انك قد جاهدت في الله عزوجل ، وجدت بنفسك ونصحت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت فيما عند الله سبحانه راغبا ، بأبي أنت وأمي أتيتك متقربا الى الله عزوجل بزيارتك ، ومتقربا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، راغبا إليك في الشفاعة وابتغى بزيارتك خلاص نفسي متعوذا بك من نار استحققتها بما جنيت على نفسي هاربا من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري فزعا إليك رجاء رحمة ربي ، أتيتك استشفع بك الى مولاي ، وأتقرب به (١) الى الهى ليقضى بك حوائجي ، وأتيتك من شقة بعيدة طالبا فكاك رقبتي من النار ، وقد أوقرت ظهري ذنوبي ، وأتيت ما أسخط ربي ولم أجد أحدا أفزع اليه خيرا لي منكم أهل البيت والرحمة ، وكن لي شفيعا يوم حاجتي وفاقتي ، فقد أتقرب إليك محزونا ، وأتيتك مكروبا ، وزرتك مغموما ، وسكنت عندك باكيا ، وخرجت إليك منفردا ، أنت ممن أمرني الله بصلته ، وحثني على بره ، ودلني على فضله ، وهداني بحبه ، ورغبني في الوفادة اليه وألهمني طلب حوائجي عنده ، أنتم أهل البيت لا يشقى من يتولاكم ولا يخيب من أتاكم ، ولا يخسر من يهويكم ، ولا يسعد من عاداكم » ثم يستقبل القبلة ، ولا يجعل القبر بين يديه ، ويصلى ، فاذا فرغ من صلاته فلينكب على القبر ، وليقل : « اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم انى تعرضت لرحمتك بلزومي لقبر عم نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله لتجيرني من نقمتك وسخطك وتقيلني يوم يكثر فيه الأصوات ، ويشتغل فيه كل نفس بما قدمت وتجادل عن نفسها فإن ترحمني اليوم فلا خوف على ولا حزن ولا تعاقب فمولى له القدرة على عبده.

اللهم فلا تخيبني بعد اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي فقد لصقت بقبر عم نبيك وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ورجاء رحمتك ، وتقبل منى ، وعد بحملك على جهلي ، وبرأفتك على جناية نفسي ، فقد عظم جرمي ، وما أخاف ان تظلمني

__________________

(١) في بعض النسخ « ببينة » بدل « به »

٢٨١

ولكن أخاف سوء الحساب ، فانظر اليوم تقلبي على قبر عم نبيك عليهما‌السلام ، فبهما فكني من النار ، ولا تخيب سعيي ولا يهون عليك ابتهالي ولا يحجبني (١) عنك صوتي ولا تقلبني بغير حوائجي يا غياث كل مكروب ومحزون ، يا مفرجا عن الملهوف الحيران الغريق المشرف على الهلكة ، صل على محمد وآل محمد ، وانظر الى نظرة لا أشقى بعدها ابدا ، وارحم تضرعي وعبرتي وانفرادي فقد رجوت رضاك ، وتخيرت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك فلا ترد املى.

اللهم ان تعاقب فمولى (٢) له القدرة على عبده ، وجزاء سوء عمله ، (٣) فلا أخيبن اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي ، ولا تخيبن شخوصي ووفادتي فقد أنفدت نفقتي واتبعت بدني وقطعت المفازات وخلفت الأهل والمال وما خولتني ، وأثرت ما عندك على نفسي ولذت بقبر عم نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ، فعد بحلمك على جهلي ، وبرأفتك على ذنبي ، فقد عظم جرمي برحمتك يا كريم ».

« باب زيارة قبور الشهداء بأحد بعد حمزة »

إذا اتى قبور الشهداء بأحد : فليقل « السلام عليكم يا أنصار الله وأنصار رسوله عليه وآله السلام ، ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ ) السلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط وانا بكم لاحقون ، اللهم انفعني بزيارتهم » ، ويقرء سورة إنا أنزلنا

« باب ذكر المشاهد الشريفة ».

وينبغي ان يصلى في المشاهد المعظمة ان تمكن من ذلك ، ويبتدئ منها بمسجد قباء ، وهو الذي أسس على التقوى فيصلي فيه عند الأسطوانة التي عند المحراب ويدعو الله تعالى بما أراد.

__________________

(١) في نسخة « ولا يحجبن »

(٢) في نسخة « فهو لمولى » بدل « فمولى »

(٣) وفي نسخة « سوء فعله »

٢٨٢

ومنها مشربة أم إبراهيم وهي مسكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومنها مسجد الفضيح ، فقد ذكر انه الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين عليه‌السلام لما نام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجره.

ومنها مسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ، فاذا فرغ من الصلاة فيه قال : « يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين يا مغيث المهمومين اكشف همي وكربي وغمي كما كشف ذلك عن نبيك صلواتك عليه وآله في هذا المكان ».

ومنها مسجد أمير المؤمنين عليه‌السلام المقابل لقبر حمزة والذي عنده مسجد الفتح.

ومنها دار زين العابدين على بن الحسين عليهما‌السلام.

ومنها مسجد سلمان رضي‌الله‌عنه ، فإذا أراد المجاورة بالمدينة فليجاور ففي ذلك فضل كثير.

« باب المجاورة بالمدينة ».

المجاورة بالمدينة مستحبة وبمكة مكروهة فمن جاور بالمدينة واقام بها فينبغي له ان يكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعتكف فيه ثلاثة أيام : أربعاء وخميسا وجمعة ، ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة ، ويقعد عندها يوم الأربعاء ، ويصلى ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويزور الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع ويتوجه حيث شاء ان شاء الله تعالى ويصلى ليلة الجمعة عند مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويودع الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع ويتوجه حيث شاء ان شاء الله تعالى.

« باب وداع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

ومن أراد الخروج من المدينة ووداع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فليغتسل بعد فراغه من حوائجه ، فإن كان نائبا عن غيره ذكر من هو نائب عنه عند غسله ، ودعا له.

ثم يدخل الى قبره عليه‌السلام ، ويفعل عنده مثل ما فعل عنده لزيارته وليقل « اللهم لا تجعله آخر العهد منى لزيارة قبر نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن توفيتني قبل ذلك

٢٨٣

فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي ان لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله » وان كان نائبا عن غيره دعا له ، وذكر انه نائب عنه في هذا الوداع.

« باب وداع الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع »

ومن أراد وداع الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع فليأته وإذا وقف على قبرهم جعله بين يديه وقال : « السلام عليكم أئمة الهدى ورحمة الله وبركاته ، أمنت بالله والرسول وبما جئتم به ودللتم عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللهم لا تجعله آخر العهد منى لزيارتهم ، وارزقنيها ابدا ما أحييتني ، فاذا توفيتني فاحشرني معهم وفي زمرتهم ، استودعكم الله واقرء عليكم السلام ».

وان كانت له حاجة ذكرها ، وتوجه حيث يشاء.

« باب زيارة أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات الله عليه »

ومن أراد زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام فليأت مشهده وهو على غسل ، ويقف على قبره ويستقبله بوجهه ، ويجعل القبلة بين كتفيه كما فعل في زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم يقول : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا ولى الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا حجة الله السلام عليك يا سيد الوصيين ، السلام عليك يا خليفة رسول رب العالمين ، أشهد انك قد بلغت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حملك ، وحفظت ما استودعك ، وحللت حلال الله وحرمت حرام الله ، وتلوت كتاب الله ، وصبرت على الأذى في جنب الله ، محتسبا حتى أتاك اليقين ، لعن الله من خالفك ولعن الله من قتلك (١) ولعن الله من بلغه ذلك فرضي به انا الى الله منهم بري‌ء » (٢).

ثم انكب على القبر فيقبله ويضع خده الأيمن عليه ثم الأيسر ثم يتحول الى

__________________

(١) في نسخة « قاتلك » بدل « قتلك »

(٢) في نسخة « برءآء » بدل « بري‌ء »

٢٨٤

عند الرأس فيقف عليه ويقول : « السلام عليك يا وصى الأوصياء ووارث علم الأنبياء ، أشهد لك يا ولى الله بالبلاغ والأداء ، أتيتك زائرا عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك متقربا الى الله تعالى ، بزيارتك في خلاص نفسي وفكاك رقبتي من النار وقضاء حوائجي للدنيا والآخرة ، فاشفع لي عند ربك صلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته ».

ثم يقبل القبر ويضع خده عليه ويرفع رأسه ، ويصلى ست ركعات حسب ما قدمنا ذكره.

فإذا أراد وداعه عليه‌السلام فليقف على قبره كما وقف أولا ، ثم يقول : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، استودعك الله وأسترعيك الله واقرء عليك السلام آمنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللهم لا تجعله آخر العهد لزيارة وليك ، وارزقني العود إليه أبدا ما أبقيتني ، فاذا توفيتني فاحشرني معه ومع ذريته الأئمة الراشدين عليه وعليهم‌السلام » ويدعو بعد ذلك بما شاء الله.

« باب زيارة أبي محمد الحسن بن على صلوات عليهما »

هذه الزيارة قد تقدم ذكرها في باب زيارة الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع.

« باب زيارة سيدنا ابى عبد الله الحسين بن على عليهما‌السلام. »

من أراد زيارته عليه‌السلام فليأت مشهده بعد ان يغتسل ويلبس اطهر ثيابه ، فاذا وقف على قبره استقبله بوجهه ، وجعل القبلة بين كتفيه ويقول : « السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ».

أشهد انك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في الله حق جهاده ، وصبرت

٢٨٥

على الأذى في جنبه محتسبا حتى أتاك اليقين.

اشهد ان الذين خالفوك وحاربوك وان الذين خذلوك وان الذين قتلوك ، ملعونون على لسان النبي الأمي ، وقد خاب من افترى ، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرين وضاعف عليهم العذاب الأليم ، أتيتك يا مولاي يا بن رسول الله زائر عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك مستبصرا بالهدي الذي أنت عليه ، عارفا بضلالة من خالفك فاشفع لي عند الله ربك (١).

ثم ينكب على القبر ويضع خده عليه ويتحول الى عند الرأس ويقول : « السلام عليك يا حجة الله في أرضه وسمائه صلى الله على روحك الطيب وجسدك الطاهر وعليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته ».

ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ويتحول الى عند الرأس فيصلي ركعتين للزيارة ، ويصلى بعدهما ما تيسر ، ويتحول الى عند الرجلين فيزور على بن الحسين صلوات الله عليهما ويقول : « السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته لعن الله من ظلمك ولعن الله من قتلك ، وضاعف عليهم العذاب الأليم » ثم يدعو بما أراد. ويزور الشهداء منحرفا من عند الرجلين إلى القبلة ويقول « السلام عليكم ايها الشهداء الصابرون أشهد أنكم جاهدتم في سبيل الله وصبرتم على الأذى في جنب الله ونصحتم لله ولرسوله ولابن رسوله حتى أتاكم اليقين. اشهد انكم احياء عند ربكم ترزقون ، فجزاكم الله عن الإسلام واهله أفضل جزاء المحسنين وجمع بيننا وبينكم في محل النعيم ».

ثم يمضي إلى قبر العباس بن أمير المؤمنين عليهما‌السلام فإذا أتاه وقف عليه وقال : « السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك ايها العبد الصالح. المطيع لله ولرسوله ، أشهد انك قد جاهدت ونصحت وصبرت حتى أتاك اليقين لعن الله الظالمين من الأولين والآخرين وألحقهم بدرك الجحيم ».

__________________

(١) في نسخة « عند ربك »

٢٨٦

ثم يصلى في مسجده تطوعا ما أراد وينصرف فإذا أراد وداع سيدنا ابى عبد الله عليه‌السلام عند انصرافه من مشهده فيقف على قبره كما وقف عليه أولا ويقول : « السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله ، هذا أو ان انصرافي غير راغب عنك ولا مستبدل بك غيرك ، واستودعك الله واقرء عليك السلام ، آمنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم فاكتبنا مع الشاهدين ، اللهم لا تجعل زيارتي هذه آخر العهد من زيارته وارزقني العود إليه أبدا ما أحييتني فاذا توفيتني فاحشرني معه واجمع بيني وبينه في جنات النعيم » ، ويدعو بعد ذلك بما أراد ثم ينصرف.

« باب زيارة أبي الحسن على بن الحسين زين العابدين وابى جعفر محمد ، بن على الباقر وابى عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليهم »

هذه الزيارة تقدم ذكرها في باب زيارة الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع.

« باب زيارة أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام »

من أراد هذه الزيارة فليغتسل ثم يقف على قبره كما قدمناه ويقول : « السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض ، السلام عليك يا ولى الله ، السلام عليك يا حجة الله ، السلام عليك يا باب الله ، أشهد انك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في الله حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه ، محتسبا وعبدته مخلصا حتى أتاك اليقين ، ابرأ الى الله من أعدائك ، وأتقرب الى الله بموالاتك ، أتيتك يا مولاي زائرا عارفا بحقك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك ».

ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ، ويتحول الى عند الرأس ويقف ويقول : « السلام عليك يا بن رسول الله ، أشهد أنك صادق صديق أديت ناصحا وقلت أمينا ، ولا تؤثر عمى على هدى ولم تمل من حق الى باطل ، صلى الله عليك ورحمة وبركاته ».

ثم يقبل القبر ويصلى ركعتين ، ويصلى بعدهما ما أراد ، ويتحول الى عند

٢٨٧

الرجلين ويدعو الله بما أراد.

فإذا أحب وداعه عند انصرافه ، وقف على قبره كما وقف عليه أولا ، وقال : « السلام عليك يا مولاي يا أبا إبراهيم ورحمة الله وبركاته استودعك واقرء عليك السلام ، آمنا بالله والرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ».

« باب زيارة أبي الحسن على بن موسى عليهما‌السلام »

ومن أراد هذه الزيارة اغتسل ووقف على قبره كما قدمناه ثم يقول : « السلام عليك يا ولى الله وابن وليه ، السلام عليك يا حجة الله وابن حجته ، السلام عليك يا امام الهدى والعروة الوثقى ورحمة الله وبركاته. أشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أبوك وأجدادك الطاهرون عليهم‌السلام ، لم تؤثر عمى على هدى ، ولم تمل من حق الى باطل ، وانك نصحت لله ولرسوله وأديت الامانة ، فجزاك الله عن الإسلام واهله خير الجزاء ، أتيتك بأبي أنت وأمي زائرا عارفا بحقك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك عزوجل ».

ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ، ويتحول إلى الرأس ويقول « السلام عليك يا مولاي يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته. أشهد أنك الامام الهادي والولي المرشد ابرأ الى الله من أعدائك وأتقرب الى الله بموالاتك صلى الله عليك ورحمة الله وبركاته ».

ثم يصلى ركعتين ، ويصلى بعدهما ما أحب ، ويتحول الى عند الرجلين ويدعو عندهما بما أحب وشاء.

فإذا أراد وداعه عند الانصراف ، وقف على قبره كوقوفه عليه أولا وقال : « السلام عليك يا مولاي يا أبا الحسن ورحمة الله وبركاته استودعك الله واقرء عليك السلام ، آمنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه اللهم اكتبنا مع الشاهدين ». ثم ينكب على القبر ويقبله ويضع خديه عليه وينصرف.

٢٨٨

« باب زيارة أبي جعفر محمد بن على بن موسى عليهم‌السلام »

إذا زرت جده موسى بن جعفر (ع) فادخل عليه قبل خروجك واحداثك بشي‌ء ينقض الطهارة ، وقف على قبره وأنت مستقبل وجهك لوجهه (ع) وقل : « السلام عليك يا حجة الله ، السلام عليك يا ولى الله ، السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض ، أشهد انك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وتلوت الكتاب حق تلاوته وجاهدت في الله حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه حتى أتاك اليقين ، أتيتك زائرا عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك ».

ثم قبل القبر ، وضع خديك عليه ، وصل ركعتين ، وصل بعدهما ما تيسر لك وادع الله سبحانه.

فإذا أردت وداعه فقف على القبر كما وقفت عليه أولا حين بدأت بزيارته وقل : « السلام عليك يا مولاي يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته استودعك الله » ، واقرء عليك السلام ، أمنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين » ، ثم اسئل (١) الله سبحانه ان لا يجعله آخر العهد منك ، وادع بما أحببت وقبل القبر وضع خديك عليه ثم انصراف.

« باب زيارة أبي الحسن على بن محمد بن على بن موسى » « وابى محمد الحسن بن على عليهم‌السلام »

وإذا أتيت « سر من رأى » فاغتسل قبل دخول المسجد ، فاذا دخلته فقف على قبريهما واجعل وجهك تلقاء القبلة وقل : « السلام عليكما يا ولى الله ، السلام عليكما يا حجتي الله ، السلام عليكما يا نوري الله في ظلمات الأرض ، السلام عليكما يا أميني الله ، أتيتكما زائرا لكما عارفا بحقكما مؤمنا بما آمنتما به ، كافرا بما كفرتما به ،

__________________

(١) في بعض النسخ « يسئل » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

٢٨٩

محققا لما حققتما ، مبطلا لما أبطلتما اسأل الله ربي وربكما ان يجعل حظي من زيارتكما مغفرة ذنوبي ، واعطائى مناي ، وان يصلى على محمد وآل محمد ، وان يرزقني شفاعتكما ، ولا يفرق بيني وبينكما في الجنة ، برحمته.

ثم ارفع يديك بالدعاء وقل : « اللهم ارزقني حب محمد وآل محمد وتوفني على ولايتهم ، اللهم العن ظالمي أهل بيت نبيك ، وانتقم منهم ، اللهم عجل فرج وليك وابن وليك واجعل فرجنا مقرونا بفرجهم ».

ثم صل مكانك اربع ركعات وصل بعدها ما أحببت وادع الله كثيرا.

وإذا أردت وداعهما عند انصرافك فقف على قبريهما كما وقفت في أول دخولك وقل : « السلام عليكما يا ولى الله أستودعكما الله واقرء عليكما السلام ، آمنا بالله وبالرسول وبما جئتما به ودللتما عليه ، اللهم اكتبنا من الشاهدين ».

ثم اسئل الله تعالى العود إليهما وداع بما شئت.

« باب زيارة جامعة لسائر المشاهد على أصحابنا أفضل السلام »

إذا أردت زيارة واحد من الأئمة عليهم‌السلام أجزأك ان تقول : « السلام على أولياء الله وأصفيائه ، السلام على أنبياء الله وأحبائه ، السلام على أنصار الله وخلفائه السلام على محال معرفة الله ، السلام على معادن حكمة الله ، السلام على مساكن ذكر الله ، السلام على عباد الله المكرمين ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ، السلام على المستقرين في مرضات الله ، السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عاد الله ، ومن عرفهم فقد عرف الله ، ومن جهلهم فقد جهل الله ».

اشهد الله انى حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمكم ، مؤمن بما آمنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم. مؤمن بسركم وعلانيتكم مفوض في ذلك كله إليكم ، والحمد لله رب العالمين ، لعن الله عدوكم من الجن

٢٩٠

والانس ، وضاعف عليهم العذاب الأليم ».

ثم يصلى صلاة الزيارة ويدعو بعدها بما أراد ان شاء الله.

« باب وداع الأئمة عليهم‌السلام ».

إذا أردت وداع واحد منهم اجزءك ان تقول : « السلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته ، استودعك الله ، واقرء عليك السلام »

ثم انصرف حيث شئت ان شاء الله تم الجزء الأول من المهذب بحمد الله ومنه ويتلوه الجزء الثاني في كتاب الجهاد ان شاء الله تعالى وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين والأئمة الأخيار والنجباء الأبرار والحمد لله رب العالمين.

« تم كتاب الزيارات »

٢٩١

« كتاب الجهاد »

بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تبارك وتعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) (١) وقال عزوجل ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٢) وقال جل اسمه ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) الاية (٣) وقال سبحانه : ـ ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (٤)

وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « ان الله وملائكته يصلون على أصحابنا الخيل من اتخذها فاتخذها في سبيل الله » (٥) وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

__________________

(١) البقرة الآية ٢١٦.

(٢) التوبة الآية ١١١.

(٣) التوبة الآية ٥.

(٤) الأنفال الآية ٦٠.

(٥) دعائم الإسلام ، كتاب الجهاد ، ص ٣٤٤ ، مع اختلاف يسير في العبارة.

٢٩٢

« ما من قطرة أحب الى الله عزوجل من قطرة دم في سبيل الله » (١) وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات الله عليه انه قال : « الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله تعالى « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ » (٢) وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « عليكم بالجهاد في سبيل الله مع كل امام عادل ، فالجهاد في سبيل الله مع كل امام عادل باب من أبواب الجنة » (٣) وروى عن ابى عبد الله « جعفر بن محمد عليهما‌السلام » انه قال : « أصل الإسلام الصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله » (٤).

والجهاد فرض على جميع المسلمين على الكفاية ، ومعنى قوله (٥) فرض على الكفاية : انه إذا أقام به من يكتفى به فيه من بعض المسلمين ، سقط فرضه عن الباقين ، والذين يمكن حصول الكفاية بهم ، هم الذين يكونون في أطراف بلاد الإسلام ، فإنهم إذا طرقهم العدو وكان فيهم كفاية لهم وقيام بكفهم ودفعهم فالفرض ساقط عن غيرهم.

فان لم يكن فيهم كفاية واحتاجوا الى عدد كان الفرض لازما لمن يليهم وعليهم ان يمدوهم ويعينوهم أولا فأولا ، فان لم ينكف العدو بذلك فاحتيج الى جميع المسلمين ، وجب ذلك على الجميع ، لوجوبه على كل رجل منهم ، حر ، بالغ ، كامل العقل ، سليم من الشيخوخة والمرض والعذر الذي لا يمكنه معه القيام بالحرب ان يكون له عذر يمنعه من ذلك ، ويكون (٦) مأمورا به من قبل الامام العادل ، أو من نصبه الامام.

وانما ذكرنا الرجل لان النساء لا يجب عليهن الجهاد ، لما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الوسائل ، ج ١١ ، الباب ١ من أبواب جهاد العدو ، ص ٨ ، الحديث ١١.

(٢) المستدرك ، ج ٢ ، الباب ١ من أبواب جهاد العدو ، الحديث ٢٣.

(٣) المستدرك ، ج ٢ ، الباب ١ من أبواب جهاد العدو ، الحديث ٣٠.

(٤) دعائم الإسلام ، كتاب الجهاد ، ص ٣٤٢.

(٥) اى قول القائل.

(٦) أي الجهاد.

٢٩٣

من انه سئل هل عليهن جهاد فقال : لا ـ وانما ذكرنا الحرية ـ لان العبيد لا يجب عليهم ، لأنهم لا يملكون شيئا ، يوضح ذلك القرآن والخبر.

فاما القرآن فقوله سبحانه ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (١) والمملوك داخل في ذلك ، لأنه لا يملك شيئا مما ذكرناه.

واما الخبر : فما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من انه كان إذا أسلم عنده رجل قال له حر أو مملوك؟ فان كان حرا بايعه على الإسلام والجهاد ، وان كان مملوكا بايعه على الإسلام دون الجهاد (٢).

وانما ذكرنا البلوغ لأن الصبي لا يجب عليه ، لما روى من ان ابن عمر عرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد وهو ابن اربع عشر ، سنة فرده ولم يره بالغا ، وانه عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجاز في المقاتلة (٣).

وانما ذكرنا كمال العقل لان المجانين لا يجب عليهم الجهاد. لأنهم غير مكلفين.

وانما ذكرنا الشيخوخة ـ التي لا يمكن معها القيام بالحرب ، لان المكلف بالشيى‌ء انما يكون مكلفا به مع الاستطاعة له وقدرته عليه ، فاما إذا لم يكن مستطيعا له ولا قادرا عليه لم يصح كونه مكلفا به.

وانما ذكرنا المرض ـ الذي لا يمكن المريض معه القيام بالحرب ـ لمثل ما تقدم ، ولان المرض اما ان يكون ثقيلا ، أو خفيفا.

فان كان ثقيلا كالحمى اللازمة المطبقة أو البرسام (٤) وما أشبه ذلك فلا يجب الجهاد عليه ، لقوله سبحانه ( وَلا عَلَى الْمَرِيضِ ) (٥).

__________________

(١) التوبة ، الاية ٩١.

(٢) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٥.

(٣) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٥.

(٤) البرسام : التهاب في الحجاب الحاجز الذي بين الكبد والقلب

(٥) الفتح ، الاية ١٧.

٢٩٤

فان كان خفيفا ، كالحمى التي ليست لازمة ولا مطبقة ، بل يكون بالنوبة في وقت دون وقت ، أو وجع الفرس والصداع (١).

وما أشبه ذلك ، فذلك لازم له لأنه كالصحيح ، فاما الحمى الثانية (٢) فإنما يسقط وجوب ذلك عليه في حال النوبة ـ ان كان فيها غير قادر ولا يتمكن من القيام بالحرب ـ فان لم يكن كذلك ، فحاله كحال الصحيح السليم كما قدمنا.

فاما العذر فان كان مرضا أو غيره مما قدمنا ذكره ، فقد مر ما فيه ، وان كان غير ذلك مثل ان يكون معسرا فينبغي تأمل حاله ، فان كان الجهاد وموضع الحرب قريبا من البلد الذي هو فيه وحوله ، فالجهاد واجب عليه ، ولا معتبر في سقوط ذلك عنه باعتباره (٣).

وان كان موضع ذلك بعيدا فينبغي النظر في حال هذه المسافة ، فإن كانت مما لا توجب قصر الصلاة فالجهاد واجب عليه ، وان كانت توجب القصر لم يجب عليه جهاده ، لان من شرط ذلك الزاد ونفقة الطريق ونفقة من تجب عليه نفقته الى حين رجوعه وثمن سلاحه ، فان لم يجد ذلك لم يجب الجهاد عليه لقوله سبحانه وتعالى ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (٤).

فان كانت المسافة أكثر من ذلك فليس يجب الجهاد عليه أيضا ، لأنه يحتاج في ذلك الى ما ليس بقادر عليه ، من زيادة على ما ذكرناه من النفقة والراحلة من الواجد ، لقوله : سبحانه ( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) (٥).

__________________

(١) الصداع : وجع الرأس عموما.

(٢) اى غير اللازمة.

(٣) وفي نسخة : « والمعتبر في سقوط ذلك عنه باعتباره » والظاهر ان الصحيح ما أثبتناه والمعنى : انه لا اعتبار في سقوط الجهاد عنه بالعسر ، لأنه قريب.

(٤) التوبة ، الاية ٩١.

(٥) التوبة ، الاية ٩٢.

٢٩٥

ومن كان له أبوان مسلمان وهما مفتقران إليه في القيام بهما أو النفقة عليهما فليس يلزمه الخروج ، وان كان أبواه كافرين كان الخروج واجبا عليه.

وان كان من يجب عليه الجهاد (١) عليه دين حال ولم يكن له من يوفيه عنه ولا يمكنه قضائه ، فلصاحب الدين منعه من الخروج حتى يقضيه دينه ، فان كان في يد صاحب الحق رهن فيه وفاء ، بالدين ، فاذن له صاحب الحق بالخروج ، خرج

فان كان الدين مؤجلا وعليه رهن أو لم يكن عليه رهن ، وكان إذا خرج ترك وفائه (٢) فإن له الخروج ، اذن له صاحب الحق أو لم يأذن فيه ، فان لم يترك وفائه فقد ذكر ان له الخروج على كل حال ، وليس لصاحب الدين المؤجل منعه من ذلك ، لأنه بالتأجيل بمنزلة من لا دين عليه.

وإذا أحاط (٣) الحرب بالبلد وجب على كل من ذكرناه الخروج. وليس له الامتناع من ذلك بشي‌ء من الأعذار التي وصفناها ولا غيرها ، ولا يجوز لصاحب الدين ولا غيره المنع عن ذلك على كل حال.

ومن خرج الى الجهاد ولم يكن له عذر ثم تجدد العذر ، بان يكون صاحب الدين اذن له في الخروج ثم بدا له من ذلك ، أو كان أبواه كافرين فأسلما فإن كان ذلك قبل التقاء الجمعين جاز له الرجوع ، فان كان التقى الجمعان لم يجز له الرجوع

ويجوز له الخروج بالصبيان (٤) للانتفاع بهم ، والنساء يجوز خروجهن ليعالجن الجرحى والمرضى ، والمرية إذا كان له زوج لم يجز لها الخروج الى الجهاد إلا باذنه.

وانما ذكرنا ان يكون مأمورا بالجهاد من قبل الإمام أو من نصبه ، لأنه متى لم يكن واحدا منهما لم يجز له الخروج الى الجهاد.

__________________

(١) في نسختين زيادة كلمة « الواو » ولعلها تصحيف.

(٢) المراد انه ترك ما لا يفي بدينه عند حلوله.

(٣) في نسخة « إذا صار الحرب » وفي أخرى « إذا جار ».

(٤) وفي نسخة « ويجوز خروج الصبيان ».

٢٩٦

فان دهم المسلمين العدو وهجم عليهم في بلدهم جاز لجميع من في البلد قتاله على وجه الدفع عن النفس والمال.

والجهاد مع أئمة الكفر ومع غير إمام أصلي (١) أو من نصبه قبيح ، يستحق فاعله العقاب ، فإن أصاب كان مأثوما ، وان أصيب لم يكن على ذلك أجر.

ومتى غنم المسلمون غنيمة وهذه حالهم ، كان جميع الغنيمة للإمام خاصة وليس يستحقون منها شيئا بالجملة.

ومعاونة المجاهدين فيها فضل كثير ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من جهز غازيا أو حاجا أو معتمرا أو خلفه في أهله فله مثل اجره (٢) ويجوز للإمام ان يستعين بالمشركين على قتال المشركين بان يكون في المسلمين قلة ، أو يكون في المستعان جيد الرأي حسن السياسة.

وإذا عرف الامام من رجل الإرجاف والتحوين (٣) ومعاونة المشركين كان له ان يمنعه من الغزو. واما الإرجاف فهو مثل ان يقول : بلغني أن للقوم كمينا ، أو لهم مددا يلحقهم وما جرى هذا المجرى ، واما التحويل فهو ان يقول : ان الصواب ان يرجع عنهم فانا لا نطيق قتالهم ولا يثبت لهم ويضعف أنفسهم بذلك وما أشبهه ، والإعانة ان يرى (٤) عينا منهم يطلعهم على عورات المسلمين أو يكاتبهم بأخبارهم ومن كان على واحد من هذه الصفات كان للإمام منعه من الخروج مع المسلمين ، فان لم يمنعه وخرج ، لم يعط من الغنيمة ولم يسهم له سهم منها ، لأنه ليس من المجاهدين بل هو بفعله عاص.

__________________

(١) وفي نسخة « أصل « بدل » أصلي ».

(٢) المبسوط ج ٢ ، ص ٧.

(٣) كذا في نسختين وفي المبسوط « التجديل » وفي بعض نسخ منه « التحديل » ويحتمل ان يكون الأصل « التخديل » والمراد منه صرف المسلمين عن الحرب ، كما ان المراد من الإرجاف : إيجاد الاضطراب فيهم.

(٤) من الاراءة اى يرى عينا منهم اسرار المسلمين ومن المحتمل قريبا ان تكون « يؤوى » من الإيواء.

٢٩٧

ومن يجب عليه الجهاد على ضربين : أحدهما يجب عليه بنفسه ، والأخر يجب عليه إقامة نائب عنه فيه ، فأما الذي يجب عليه بنفسه فهو كل من وجب عليه وعلم من نفسه القيام والتمكن منه ، واما الذي يجب عليه إقامة نائب عنه فيه ، فهو كل من وجب عليه وعلم من نفسه انه لا يتمكن منه.

ومن وجب عليه الجهاد فلا يجوز له ان يغزو عن غيره ، ومن لم يجب عليه جاز له ذلك ، ويجوز أخذ النائب الأجرة ممن يستنيبه فيه.

« باب فيمن يجب جهاده »

من يجب جهاده على ثلاثة أضرب : أحدها ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام حسب ، فان لم يجيبوا الى الدخول قتلوا وسبى ذراريهم وصار أموالهم غنيمة وثانيها ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام أو أداء الجزية ( عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) والقيام بشرائط الذمة ، فان لم يجيبوا الى ذلك (١) ولم يثبتوا عليه ثم فعلوا شيئا منه خرجوا من الذمة ، وأجريت عليهم الأحكام التي تقدم ذكرها من القتل وغنيمة الأموال وسبى الذراري.

وثالثها على ضربين : أحدهما له فئة يرجع إليها ، والأخر لا فئة له ، والذي له فئة يرجع إليها ، يجاز (٢) على جريحهم ويتبع مدبرهم ويقتل أسيرهم ويغنم أموالهم التي يحويها العسكر فقط ، ولا يجوز ، سبى ذراريهم ولا أخذ شي‌ء من أموالهم التي لا يحويها العسكر.

والذي لا فئة له لا يجاز على جريحهم ولا يتبع مدبرهم ولا يسبى ذراريهم ، بل يغنم أموالهم التي في العسكر دون غيرها.

والضرب الأول ـ من القسمة المتقدمة ـ هم جميع من خالف الإسلام وليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب ، كعباد الأوثان والكواكب ومن جرى مجراهم ،

__________________

(١) الأنسب « أو » بدل « الواو ».

(٢) اى يجهز.

٢٩٨

والضرب الثاني ـ هم اليهود والنصارى والمجوس. والضرب الثالث ـ الذي هو على ضربين ، هو جميع من انتمى الى الإسلام من البغاة ، وهم الذين يبغون على الامام العادل وينكثون بيعته (١) ويفعلون ذلك مع نصبه الامام للنظر في أمور المسلمين ويجرى مجرى أصحاب الجمل وصفين.

« باب سيرة الحرب وما يفعل قبل القتال وبعده »

إذا عزم المجاهدون على الزحف ، فينبغي لصاحب الجيش ان يعقد الألوية ويسلم الرايات الى من ينبغي تسليمها اليه ممن يختاره ويصلح له ذلك ، ثم يقدم إليهم الانذار والأفضل تقديمه ، ثم يبعث الطوالع (٢) والعيون ، ويقرر الشعار بين الناس وأفضل الشعار ما كان فيه اسم الله تعالى.

ولا يجوز لأحد ان يفر من الزحف ، ولا يفر من واحد أو اثنين ، ويجوز الفرار من ثلاثة أو أكثر ، ولا يقطع الأشجار المثمرة ولا تحرق الا ان يدعو الى ذلك ضرورة ، ولا يلقى السم في ديارهم ، وقد أجاز ذلك قوم من أصحابنا والأفضل تركه.

ولا ينبغي ان يفارق الإنسان سلاحه عند القتال. ويستحب حفر الخندق عند دعاء الحاجة الى ذلك ، وينبغي ان يبتدء بالقتال بعد الزوال وبعد صلاة الظهر ، ويدعو عند اللقاء بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويدعو بدعاء أمير المؤمنين على عليه‌السلام فاما دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الذي دعا يوم أحد ، وهو : « اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان » واما دعاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فهو : « اللهم أنت عصمتي وناصري وبغيتي ، اللهم بك أصول وبك أقاتل ».

وإذا أراد صاحب الجيش الزحف عبأ الرجالة (٣) وقدم الرماة ، ثم الخيل ،

__________________

(١) يحتمل ان يكون أصلها « أو ».

(٢) لعل أصلها « طلائع ».

(٣) عبأ الجيش للحرب : جهزه وهيأه ، والراجل : خلاف الفارس يجمع على الرجال والرجالة : من يمشى على رجليه.

٢٩٩

ثم الإبل ، وجعل ذلك كتائب (١) ففرق القبائل وقدم على كل قوم رجلا ، وصف الصفوف وكردس الكراديس (٢) وجعل للعسكر ميمنة وميسرة وقلبا ـ يكون هو فيه ـ مع العدو (٣).

ويزحف ويأمر حينئذ بالدعاء وخفض الأصوات واجتماع النيات وإظهار العدد ، وآلات الحرب وإشهار السيوف ورفع الرماح ، وان يلزم كل قوم مركزهم ومكانهم ، ولا يبادر أحد غيره الا بأمر صاحب الجيش ، ومن حمل فليرجع الى مركزه ومكانه.

ويأمر الرماة بالرمي ، والمقدمة ان يتقدم ، ومن رأى من العدو ، فرصة فينبغي ان ينهزها (٤) بعد أحكام مركزه حتى إذا بلغ مراده رجع اليه ، فاذا أرادوا الحملة ـ فليبدء بذلك صاحب المقدمة ـ فإن كان ممن معه كفاية في دفع العدو وهزيمته فليثبت الناس في مراكزهم ، وان تضعضعت (٥) المقدمة وشقت (٦) الرماة وحملت المنجيد (٧) وافتقدت (٨) الأطراف والأدوية والآكام (٩) لئلا يكون في شي‌ء

__________________

(١) الكتيبة ، تجمع على كتاب : القطعة من الجيش أو الجماعة من الخيل.

(٢) كردس الخيل : جمعها وجعلها كتيبة كتيبة ، والكرادس جمع كردوسة : طائفة عظيمة من الخيل.

(٣) في نسخة « العدد » بدل « العدو » ولعل معناها : ان هذا التسليم فيما إذا كان المعسكر عدد قابل لهذه القسمة.

(٤) في نسختين بالراء المهملة ولكنها تصحيف والصحيح « ينهز » بالمعجمة ، ونهز نهزا اى نهض لتناول شي‌ء « وانتهزا الفرصة » اى « بادر وقتها واغتنمها ».

(٥) تضعضع : اى ضعف.

(٦) وشق : اى طعن وخدش.

(٧) كذا في النسخ لعل أصلها « النجيد » وهو الشجاع الماضي في ما يعجز غيره ، أو المسحة وهي آلة معروفة ويحتمل ان يكون أصلها « المنجنيق » وهو معروف.

(٨) اى تفقدت ومعناها : الطلب

(٩) في نسخة « الآجام » بدل « الآكام »

٣٠٠