المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

من ذلك كمين ، أو مكيدة ، وتقرب الرايات وتقعقع الحجف (١) ويقدم في صدر العدو أصحاب الحديد من التجافيف (٢) والدروع والسواعد (٣) والجواشن. فان انكسر العدو لم يحمل عليهم الجيش جملة واحدة بل يحملون أولا فأولا ، فإن ثبت العدو فليثبت الناس ، وان انهزموا الهزيمة التي لا تحصل فيها شك ، فليحمل الجيش عليهم جملة واحدة وهم على حال التعانى (٤) غير متفرقين.

وينبغي إذا انصرفوا من الحرب ان ينصرفوا على حال التبعية (٥) أيضا ولا يتفرقوا ، فان زحف العدو أولا إلى المسلمين ، فينبغي لاميرهم ان يصف الناس على الخندق ويأمرهم بالترجيل وملازمة الأرض ، ويحكموا صفوفهم الى حد لا يكون فيها شي‌ء من الخلل ، ولا يعتمدوا على شي‌ء من آلات الحرب الا على السيوف ، فاذا حمل العدو عليهم جثوا (٦) على ركبهم ونظروا الى مواضعهم ولا يهولن أحدا عدوهم ، ويستتروا بالجحف ، فاذا أتموا حملتهم وعادوا حمل الناس عليهم بالسيوف.

فان ثبتوا فليثبتوا على حال التعانى فان لم يثبتوا أو استوت (٧) الهزيمة عليهم ، فليركبوا الخيل ويجد في طلبهم واستئصالهم.

فان عرض للمسلمين ـ والعياذ بالله ـ هزيمة ، فيجب ان يصيح بعضهم ببعض ويذكروا ما به توعد الله تعالى ذكره من فر من الزحف وتعنف بعضهم بعضا وتبكيته (٨)

__________________

(١) تقعقع : اضطرب وترك ـ وصوت عند التحرك ، والحجف جمع الحجفة : التروس من جلود.

(٢) التجافيف جمع التجفاف وهي آلة للحرب تلبسها الفرس والإنسان يتقي بها كأنها درع

(٣) السواعد : ما يلبس على الساعد من حديد أو نحاس أو ذهب.

(٤) كذا في نسخة ولعل معناها : « التعاون ».

(٥) في نسخة « التعبئة » بدل « التبعية » ومعناها : الاعداد والتهيؤ.

(٦) جثا جثوا : جلس على ركبتيه. أو قام على أطراف أصابعه.

(٧) في نسخة « استرت » بدل « استوت ».

(٨) التبكيت : التوبيخ.

٣٠١

ويسرع من كان مخفا في لحوق المنهزمين ، ويجتهدوا في ردهم ، فاذا اجتمعوا واستقر كل قوم مع صاحبهم المستولي عليهم ، عادوا الى حال التبعية (١) ، ثم يقاتلوا ويستعينوا بالله سبحانه في النصر على عدوهم ويقاتلونهم بكل ما أمكن قتالهم به من السلاح وغيره الا السم.

فان تحصنوا فصب عليهم المناجيق ، والعرادات (٢) وما جرى مجرى ذلك ، وقاتلوا الى ان يفتح الله سبحانه ، فان كان فيهم مسلمون ونساء وصبيان وشيوخ وذمي وأسارى ومن لا يجوز قتله وكان المشركون أكثر منهم ، جاز رميهم مع الكراهة لذلك إلا لضرورة ، فإن كان هناك ضرورة جاز رميهم.

وان كان المسلمون أكثر من المشركين لم يجز رميهم ، وإذا تعمد إنسان رمى واحد ممن ذكرناه ، كان عليه القود والكفارة وان كان خطأ كان فيه الدية.

وان كانت الحروب ملتحمة (٣) وكان المسلمون أكثر من المشركين وأصيب منهم واحد لم يلزمه فيه شي‌ء ، غير انه لا يجوز والحال هذه ان يتعمد المسلم ويقصد بالرمي.

وإذا انترس (٤) المشركون بأسارى المسلمين وكانت الحرب ملتحمة ، لم يقصد الأسير بالرمي (٥) فإن أصيب لم يكن على من رماه شي‌ء ، وان لم يكن الحرب ملتحمة يجوز رميه ، فان رماه ولم يقصده فإن أصابه ، كان ذلك خطأ وعليه ديته ، وان تعمده كان عليه القود أو الدية.

وإذا كان المسلمون مستظهرين على المشركين ، كره تبييتهم ليلا والإغارة (٦)

__________________

(١) في نسخة « التعبئه ».

(٢) العرادة : من آلات الحرب أصغر من المنجنيق ترمى بالحجارة المرمى البعيد

(٣) التحم الحرب بين القوم : اشتبكت واختلط.

(٤) في نسخة « اترس ».

(٥) في بعض النسخ ـ لا يجوز رمى الأسير.

(٦) أغار على القوم غارة وإغارة : دفع عليهم الخيل والغارة النهب.

٣٠٢

عليهم ، وان لم يكن في المسلمين قوة عليهم جاز تبييتهم والإغارة عليهم وان كان فيهم النساء ، والصبيان.

وقتال المشركين جائز في جميع الأوقات ، إلا في الأشهر الحرم لمن كان يرى منهم لها حرمة ، فان من يرى ذلك منهم لا يجوز قتاله فيها الا ان يبتدئ هو فيها بالقتال.

فاذا ابتدأ بذلك جاز قتاله فيها ، وان لم يبتدأ لم يجز قتاله حتى ينقضي.

ولا يجوز قتل النساء وان قاتلن مع أهلهن ، الا ان يدعوا الى قتلهن ضرورة ، وان دعت الى ذلك ضرورة لم يكن به بأس.

والمرابطة في حال ظهور الامام عليه‌السلام فيها فضل كثير ، وحدها من ثلاثة أيام إلى أربعين يوما ، فان زادت على ذلك كان حكم المرابط حكم المجاهد في الثواب.

ومتى نذر إنسان المرابطة والامام ظاهر وجب عليه الوفاء بذلك ، وكذلك وجب عليه الوفاء به (١) ، فان نذر ذلك في حال استتاره صرفه في وجوه البر.

وإذا أخذا إنسان شيئا من غيره لينوب عنه في المرابطة ، وكان الامام عليه‌السلام مستترا ، كان عليه رد ذلك ، فان لم يجده رده على وارثه ، فان لم يكن له وارث كان عليه الوفاء به فاذا كان أخذه في حال ظهور الامام عليه‌السلام وجب عليه الوفاء به ، ومن لم يتمكن عن المرابطة بنفسه وأعان المرابطين من ماله بشي‌ء أو رابط (٢) دابة ، كان له في ذلك فضل كثير.

ولا يجوز التمثيل بالعدو ولا الغدر به.

ومن كان من المسلمين في دار العدو فحاربهم غيرهم من الكفار ، جاز له قتاله ويقصد بذلك الدفع عن نفسه دون القصد إلى معونة العدو.

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر ان في العبارة سقطا بنحو « ان نذر صرف شي‌ء في المرابطين »

(٢) وفي نسخة « ربط ».

٣٠٣

وإذا كان عسكر المسلمين مثل نصف عسكر المشركين ، لم يجز لأحد ان يولى الدبر بل وجب عليه الثبات ، الا ان يكون متحرفا لقتال أو يكون في مضيق فينحرف عنه الى موضع يتسع فيه للقتال أو يعين على مجال (١) فرسه ، أو يكون موضعه معطشا فيتحول الى موضع الماء ، أو يكون الريح والشمس في وجوههم يستدبرونها أو يكون متحيزا الى فئة فيتحيز إليها ، وسواء كانت فئة بعيدة أو قريبة ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فاذا انحرف بغير ما ذكرناه كان فارا واستحق العقاب العظيم لقوله سبحانه ( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) (٢).

وإذا لقي واحدا من المشركين وعلم أو غلب على ظنه انه يقتله ، فقد ذكر انه يجوز له الانصراف ، والأقوى عندي خلافه ، وتعويل من خالف في ذلك على قوله سبحانه ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) يصح تناوله لغير هذا الموضع ، لأنه متعبد في جهاد الكفار بالثبات لقوله سبحانه ( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٤).

فإذا كان عسكر المشركين أكثر من ضعف عسكر المسلمين ، لم يجب الثبات ، أو يغلب في ظنه انه ان ثبت قتل ، فالأفضل له الثبات فان لم يثبت وأراد الانصراف كان له ذلك ، وقد ذكر ان الجيش إذا بلع اثنى عشر ألفا لم يجز لاحد أن يولى.

ومن كانت له دعوة قد بلغته ، وعلم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو الى الايمان وشرائع الإسلام ، ولم يقبلوا ذلك مثل الترك والروم والهند والخزر (٥) ومن جرى مجراهم فإنه يجوز للإمام أو من نصبه ان ينفذ الجند لقتالهم من غير ان يقدم النذارة (٦) إليهم ويجوز ان يغير (٧) عليهم.

__________________

(١) اى جولانه.

(٢) الأنفال ، الاية ١٦.

(٣) البقرة ، الاية ١٩٥.

(٤) الأنفال ، الاية ٤٥.

(٥) الخزر : بضم معجمة وسكون زاء وفتحها : جنس من الأمم خزر العيون من ولد يافث بن نوح على نبينا وآله (ع) من خزرت العين إذا صغرت وضاقت.

(٦) النذارة ، الانذار.

(٧) من الإغارة.

٣٠٤

ومن لم تبلغه الدعوة فلا يجوز له قتاله ، الا بعد الانذار والتعريف بما يتضمنه الدعوة مما قدمنا ذكره ، فاذا علم ما ذكرناه ولم يقبل ذلك قوتلوا وقتلوا ، فان كانوا من أهل الجزية وأجابوا إلى دفعها لم يقاتلوا ولم يقتلوا وقبل ذلك منهم ، وتركوا على ما هم عليه من دينهم ، فان لم يكونوا من أهل الجزية فعل بهم من القتل وغيره ما قدمناه

« باب الأمان وأحكامه »

الأمان جائز في شريعة الإسلام ، لقوله سبحانه وتعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ) (١) الاية ، ولأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ذلك عام الحديبية ، ولأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا أمضاه لأم هاني بنت ابى طالب في فتح مكة لما أجارت رجلا ، فقال « عليه وآله السلام أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ».

فإن كان العاقد للأمان الإمام (ع) جاز ان يعقده لجميع المشركين في سائر الأماكن والأقاليم كلها ، لأن إليه النظر في جميع أمور الدنيا والدين ومصالح الإسلام والمسلمين كافة. وان عقد واحد من خلفائه وولاته على صقع من الأصقاع أو إقليم من الأقاليم ، جاز له مع من (٢) يليه من المشركين ، ولا يتجاوز ذلك الى غيره الى ما يلي جهة لم يجعل اليه النظر فيها ولا تدبير مصالحها وسياستها.

فان كان العاقد واحدا من المسلمين ، جاز له ذلك من الواحد والعشرة ، ولا يجوز فعله لذلك مع جميع أهل بلد أو صقع ، لأنه ليس له النظر في ذلك ، فاذا كان ذلك جائزا للواحد من المسلمين ، لا يخلو من ان يكون هذا الواحد كامل العقل أو غير كامل العقل ، فان كان كامل العقل لم يخل من ان يكون رجلا أو أمرية ، فإن كان رجلا لم يخل من ان يكون حرا أو عبدا ، فان كان عبدا جاز له ذلك على خلاف فيه ، وان كان حرا جاز له ذلك بلا خلاف فيه ، وان كانت امرأة ، جاز لها ذلك لما ذكرناها من فعل « أم هاني ».

__________________

(١) التوبة ـ الاية ٦.

(٢) في نسخة : « ولمن » بدل « مع من ».

٣٠٥

وان كان غير كامل العقل رجلا أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، فان ذلك لا يجوز له لأنه غير مكلف. والصبي إذا كان كبيرا ولم يبلغ الحلم ، فاغتر به بعض المشركين (١) وأمنه هذا الصبي لم يصح امانه ، ولا يجوز التعرض له بسوء حتى يرد إلى مأمنه ، فإذا حصل إلى مأمنه أو في الموضع الذي يأمن فيه على نفسه بعد ذلك ، صار حربيا لأنه دخل علينا بشبهته ، فلا يجوز مع ذلك الغرر به.

فاذا استذم (٢) قوم من المشركين قوما من المسلمين ، فأشار المسلمون إليهم انكم لا أمان لكم عندنا ، فظنوا انهم قد أمنوا لهم فدخلوا إليهم لم يجز التعرض لهم بل يردون إلى مأمنهم فاذا حصلوا به صاروا حربيا.

وإذا كان مسلم في دار الحرب أسيرا أو مطلقا ، فاعطى الأمان لبعض المشركين لم يجز امانه ، وكذلك لو أمن بعض المسلمين بعض المشركين من بعد الهزيمة وفي حال التمكن منهم والظفر بهم ، لم يجز هذا الأمان أيضا.

والأمان جائز بكل لسان ـ عبارة أو إشارة ـ إذا فهم المخاطب به معناه ، ولفظ الأمان هو : « أجرتك ، أو أمنتك ، أو ذممت لك » فان قال : لا بأس عليك ، أو لا تخفف أو لا تذهل (٣) ، أو ما عليك خوف ، أو ما أشبهه ، أو كلمه (٤) أو قال ما معناه بلغة أخرى فإن علم من قصده انه أراد الأمان كان ذلك أمانا ، لأن المراعي هاهنا القصد لا اللفظ ، فان لم يقصد ذلك ودخل اليه لم يجز التعرض له بسوء لأنه دخل على شبهته ، ويجب ان يرد إلى مأمنه ، فإذا حصل به صار حربا كما ذكرنا في غيره فيما تقدم.

وإذا كان بعض المشركين في حصن ، فقال : واحد منهم للمسلمين : أعطوني أمانا على ان افتح لكم الحصن ، فأعطوه الأمان ، فقال لأصحابه : قد أخذت الأمان

__________________

(١) فزعم الصحة ، وفي نسخة « فاعتبر » بدل « فاغتر ».

(٢) في نسختين « استندم » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الذهول : هو الذهاب عن الأمر بدهشة.

(٤) كذا في نسخة وفي أخرى تحتمل الكلمة أن تكون « كله » والظاهر انها هو الصحيح والمراد انه قال كل هذه الألفاظ.

٣٠٦

لكم ، ففتحوا الحصن ، نظر في أمرهم ، فإن كان المسلمون علموا (١) بما فعل صاحبهم معهم لم يجز لهم ان يفعلوا معهم ما يجوز فعله بهم لو فتحوا الحصن عنوة من سبى وغيره ، وان لم يكونوا علموا ذلك ، فعلوا بهم ما يجوز لهم لو فتحوه عنوة ، لم يكن عليهم شي‌ء لان ذلك غرر من صاحبهم لا من المسلمين ، الا انه إذا علموا ذلك استحب لهم ان لا يسبوهم ، ويجزونهم في ان يكونوا ذمة في دار الإسلام ، أو يمضوا حيث شاءوا بأنفسهم وذراريهم ، من غير شي‌ء يستعينون به على قتال المسلمين من سلاح وما أشبهه.

وإذا دخل الحربي دار الإسلام في تجارة ، بأمان رجل من المسلمين على نفسه وجميع أسبابه ، كان أمنا على نفسه وماله وعلى من يكون في صحبة من قرابة وغيرها ، سواء خرجوا مجتمعين في دفعة واحدة أو متفرقين.

وإذا دخل المشرك دار الإسلام بأمان ، ثم خرج الى دار الشرك بغير أمر الامام ولا من نصبه الامام ولا في حاجة ولا في تجارة بل للاستئطان فقط ، انتقض الأمان على نفسه ولم ينتقض عن ماله إذا كان قد ترك ما لا في دار الإسلام ، والأمان قائم في ماله ما دام حيا ، فان مات انتقل ميراثه الى ورثته من أهل الحرب ان لم يكن له وارث مسلم يحجبهم عنه ، وينتقض الأمان في المال لأنه مال كافر ليس بيننا وبينه أمان ـ لا في نفسه ولا في ماله ـ ويكون فيئا للإمام خاصة ، لأنه لم يؤخذ بالسيف فهو مثل ميراث من لا وارث له.

وإذا أخذ أمانا لنفسه ودخل دار الإسلام ، ثم مات وترك بها مالا وكان له وارث في دار الحرب فالحكم فيه كالحكم في المسئلة المتقدمة ، وقد ذكر انه يرد الى ورثته الكفار ، وهذا فاسد لأنه حينئذ مال من لا أمان بيننا وبينه لا في نفسه ولا في ماله.

وإذا اعطى المسلمون الأمان لرجل من المشركين في حصن وفتح الحصن ولم يعرف الرجل المذكور بعينه ، نظر في ذلك ، فان كان الجيش الذي فتحوا

__________________

(١) في نسخة « عملوا » بدل « علموا ».

٣٠٧

الحصن غزوا بغير اذن الامام (ع) ولا من نصبه ، كان عليهم ان يكفوا عن قتل من في الحصن حتى يخبرهم أميرهم ، اما ان يقرع بينهم ـ فمن خرج اسمه كان أمنا أو (١) يجرى على الناس الحكم ، فاما (٢) ان يؤمن الجميع على نفوسهم ويصيروا ذمية ويستسعى كل واحد منهم في قيمته ، الا قدر واحد معهم من جملتهم قيمة وسطا ، والقرعة أولى.

وإذا حضر (٣) المسلمون المشركين ، فائتمن (٤) واحد من المشركين لجماعة معينين كان الأمان صحيحا فيهم دون غيرهم ، ولو استأمن لعدد غير معين (٥) كان ذلك جائزا في هذا العدد ، دون غيرهم مما زاد عليه فان قال : أعطوني الأمان لألف رجل أو مأة رجل وافعلوا في الباقي ما أردتم ، كان ذلك جائزا ويختار من أراد منهم الالف والمائة فان قال : آمنوا جميع أهل الحصن ولكم منهم ألف أو مأة صح ذلك وتدفع الالف والمائة من رقيقهم أو من احرارهم.

فان كان الجيش غزا بغير اذن الامام أو من نصبه كان للإمام أو من نصبه ان يفعل مع أهل الحصن ما اختار من الوجهين المذكورين ، وإذا انهزم المشركون وادعى بعد ذلك واحد من المسلمين انه كان أمن بعضهم ، لا يقبل ذلك أيضا منه الا ببينة ، ولو ادعى بعد الهزيمة اثنان انهما كانا (٦) أمنا رجلا أو أكثر منه لم يقبل ذلك منهما أيضا إلا ببينة. وإذا طلب صاحب جيش المشركين الأمان ، على ان يدخل في جملة الذمة (٧) ببلدان

__________________

(١) كذا في نسختين ولعلها تصحيف والصحيح « الواو » بدل « أو » وفي نسخة « أو يجرى على تأثير الحكم ».

(٢) كذا في نسختين ولعلها وتصحيف والصحيح « واما » بدل « فاما ».

(٣) كذا في نسختين ولعل أصلها « حصر » بالمهملة.

(٤) في نسخة « فاستأمن » بدل « فأتمن ».

(٥) اى غير معين معدودة.

(٦) في نسختين « كان » ولكن الظاهر انها تصحيف.

(٧) في نسخة « في جملة ذمية بلدان ».

٣٠٨

الإسلام على الجزية جاز ولم يكن له الرجوع الى دار الحرب ، فإن أراد ذلك أو هم به لم يكن بحبسه بأس ، ولا يقتل الا ان يحارب ، وان طلب الأمان على ان يقيم بغير جزية لم يجز ذلك.

ويكره تمكين من دخل من دار الحرب الى دار الإسلام ـ من رسول أو غيره بأمان ـ من المقام أكثر من أربعة أشهر ، فإن كان الداخل كتابيا واقام سنة كان عليه الجزية أو على من حبسه حتى كمل عليه الحول.

وإذا أراد الإمام أو أحد من خلفائه ، جعل الجعائل لمن يدل على مصلحة أو على حصن أو غيره كان جائزا ، وليس يخلو ذلك من ان يكون ماله أو ملك أهل الحرب ، فان جعله من ملكه وماله لم يصح حتى يكون معلوما موصوفا في الذمة أو معينا مشاهدا ، لأنه عقد في ملكه فلا يجوز ان يكون مجهولا ، فان كان من ملك أهل الحرب ، جاز ان يكون مجهولا ومعلوما وإذا كان كذلك ، صح ان يقول : « من دلنا على كذا فله كذا » على ما ذكرناه من القسمين.

فان قال « من دلنا على القلعة الفلانية فله جارية فيها » وشوهدت القلعة لم يكن له شي‌ء حتى ينفتح ، فاذا انفتحت فليس يخلو من ان يفتح عنوة أو صلحا ، فان كان عنوة وكانت الجارية على الشرك سلمت اليه ، وان كانت قد أسلمت قبل الظفر بها فهي حرة ، فلا تدفع اليه الا قيمتها ، (١) وان كانت قد أسلمت بعد الظفر نظر الى الدليل ، فان كان مسلما سلمت إليه لأنها عين مملوكة ، وان كان مشركا لم تسلم إليه ، لأن الكافر لا يملك مسلما بل يدفع قيمتها إليه ، فإن ماتت الجارية قبل الظفر بها أو بعده لم يكن له شي‌ء ، لأن أصل العقد حصل بشرط ان يكون له مع وجودها

وان كانت فتحت صلحا ، وشرط ان لصاحب القلعة اهله وكانت الجارية من اهله ، عرض على الدليل الأخذ لقيمتها ليتم الصلح ، فإن أجاب الى ذلك ، جاز ان

__________________

(١) في نسختين « قبل الظفر به أو هي حرة فلا تدفع اليه قيمتها » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن كما في المبسوط.

٣٠٩

يعرض قيمتها على صاحب القلعة ويسلمها الى الدليل ، فإن أجاب الى ذلك جاز ، وان امتنع كل واحد منهما من ذلك ، قيل لصاحب القلعة « ارجع الى قلعتك بأهلك » ويزول الصلح ، لأنه قد اجتمع هاهنا شيئان متنافيان ، فلا يمكن الجمع بينهما ، وحق الدليل سابق وجب تقديمه ، وإذا كان المشرك ممتنعا وهو أسير فجعل له جعل على ان يدل على المشركين فدل عليهم ، وجب الوفاء بما ضمن له.

ولو جعل له جعل على ان يدل على مأة فدل على خمسين ، أو عشرة فدل على خمسة ، كان النصف مما جعل له ، فان كان أسيرا فجعل له أسيرا يقتل لم يقبل (١) لان القتل لا يتبعض ، فان لم يؤخذ في الموضوع الذي دل عليه أحد ، لم يكن له من الجعل شي‌ء.

وإذا ضل مسلم عن الطريق ومعه أسير من المشركين ، فجعل له الأمان إن دله على الطريق ، فلما دله عليها (٢) ولاح له الجيش خاف المسلم من ان لا يطلقه صاحب الجيش ، كان عليه إطلاقه قبل وصوله الى الجيش ، فإن أدركه المسلمون قبل إطلاقه كان على صاحب الجيش إطلاقه له ، فان اتهمه في ذلك استحلفه عليه ثم أطلقه ، وان لم يفعل صاحب الجيش ذلك ، على المسلم ان يأخذه في سهمه ثم يطلقه بعد ذلك.

وإذا دخل إنسان من المشركين الى دار الإسلام أمنا ، (٣) ثم أراد الرجوع الى دار الحرب ، لم يمكن له ان يخرج بشي‌ء من السلاح وما جرى مجراها مما

__________________

(١) كذا في نسخة ويحتمل ان تكون الكلمة « لم يقتل » فتكون المسئلة من شقوق الفرع السابق ، والمراد : انه لو جعل أسير ـ يجوز قتله ـ جعلا للمشرك الأسير بإزاء أن يدل على المائة مثلا فدل على خمسين لم يقتل الأسير المجعول ، لان نصفه حق للمجعول له والقتل لا يتبعض وفي نسخة اخرى « فجعل له ان يدل بقتل » بدل « فجعل له أسيرا يقتل ».

(٢) كان تأنيث الضمير باعتبار تأنيث « الطريق » في بعض اللغات ، أو باعتبار « الطريقة »

(٣) وفي نسخة : « مستأمنا ».

٣١٠

يستعان به على قتال المسلمين ، الا ان يكون دخل ومعه شي‌ء فيجوز تمكينه من ذلك دون ما سواه.

فاذا دخل مسلم دار الحرب بأمان ، ثم أخذ منهم مالا قرضا أو سرقة ثم عاد إلينا ودخل صاحب المال إلينا بأمان ، كان على المسلم رد ماله إليه لأن الأمان يقتضي الكف عن ماله.

وإذا دخلت المرأة إلى دار الإسلام مستأمنة وكان لها زوج مشرك ، انقطعت العصمة (١) بينهما ولم يحتج في ذلك الى طلاق بل يكون ذلك فسخا للنكاح ، وليس لها ان تتزوج حتى تنقضي عدتها ، وإذا خرجت من دار الحرب حاملا و (٢) تزوجت ، كان النكاح مفسوخا.

وإذا تزوج الحربي حربية لها زوج ، ثم أسلما وخرجا من دار الحرب لم تحل له الا بنكاح جديد وإذا تزوج الحربي حربية ودخل بها ثم ماتت ، وأسلم زوجها في دار الإسلام وجاء وارثها طالبا لزوجها بمهرها ، لم يجب عليه دفع ذلك إليه لأن الوارث من أهل (٣) الحرب ولا أمان له على هذا الوجه ، فان كان لها ورثة مسلمون كان لهم مطالبة الزوج بالمهر ، ولا يحكم من المستأمنين (٤) فيما كان بينهم في دار الحرب إذا تحاكموا فيه الى المسلمين ، ويحكم بينهم فيما كان بينهم في دار الإسلام.

والحربي إذا أسلم في دار الحرب عصم بذلك دمه وجميع ماله مما يمكن نقله الى دار الإسلام ، واما أولاده إلا صاغر انه كان له ذلك ، وهذا حكمه إذا أسلم وهو في دار الإسلام ، فأما أولاده البلغ فلهم حكم أنفسهم ، واما أملاكه التي لا يمكن

__________________

(١) وفي نسخة « العقد » بدل « العصمة ».

(٢) الواو حالية.

(٣) في نسخة « دار الحرب ».

(٤) في نسخة زيادة « ويحكم » ولعلها سهو.

٣١١

نقلها الى دار الإسلام مثل العقارات والأرضين فهو غنيمة.

وإذا أسلم وله حمل كان الحمل مسلما ، وإذا غنمت زوجته هذه واسترقت لم يسترق ولده لان إسلامه محكوم به منذ أسلم أبوه وإذ تزوج مسلم حربية فحملت منه بمسلم ثم سبيت وهي حامل واسترقت لم يسترق ولدها أيضا ، وإذا (١) استرقت الزوجة انفسخ النكاح.

وإذا استأجر مسلم دارا في دار الحرب ثم غنمها المسلمون ، فقد ملكوا رقبتها بالغنيمة دون منفعتها ، وعقد الإجارة ثابت لا ينفسخ الى ان ينقضي هذه الإجارة وإذا أعتق المسلم عبدا وثبت له الولاء عليه ، ولحق بدار الحرب ثم حصل في الأسر ، لم يحز استرقاقه لان ولاء مولاه المسلم قد ثبت عليه فلا يجوز إبطاله ، وقد ذكر انه يجوز إبطال الولاء فيه.

وان كان الولاء للذمي ثم لحق المعتق بدار الحرب ، يصح استرقاقه لان مولاه لو لحق بداء الحرب وظفر به لاسترق ، وإذا غلب المشركون على المسلمين وظفروا ـ والعياذ بالله ـ بهم وحازوا أموالهم فليس يملكون منها شيئا ، ولا فرق بين ان يكونوا حازوها (٢) الى دار الحرب أو لم يكونوا حازوها إليها ، وآخذها يكون غاصبا لها.

وإذا ظفر به وغنم وعرفه صاحبه ، كان له أخذه واسترجاعه قبل القسمة ، ووجب تسليمه إليه إذا ثبت له البينة ، وان كان بعد القسمة كان ذلك له أيضا ، لكن يدفع الإمام الى من حصل في سهمه قيمته.

وإذا أسلم من هو في يده أخذه بغير قيمة ، وقد ذكر ان صاحبها يكون اولى بها بالقيمة إذا قسمت.

وإذا أخذ مشرك جارية مسلم فوطأها وولدت منه وظفر المسلمون بها ،

__________________

(١) في نسختين زيادة « تزوج » والظاهر انها سهو.

(٢) في نسخة زيادة « إليها » والظاهر انها سهو ، وفي نسخة اخرى « جازوها » بالمعجمة

٣١٢

كانت هي وأولادها لمالكها ، فإن أسلم الواطى لها لم يزل ملك مالكها عن ذلك بإسلامه ، فإن وطأها بعد إسلامه وهو يظن انها ملكه ثم ولدت منه ، فان ولده أيضا يكون لسيد الجارية الا انه يقوم على الأب ويؤخذ منه قيمته ، ويلزم الواطئ عقرها (١) لسيدها.

« باب ما يجوز ان يغنم وما لا يجوز ذلك فيه »

قد تقدم القول في أحكام الأرضين (٢) ، فلا حاجة الى إعادة بذلك هاهنا ، ونحن نذكر ما يزيد على ذلك مما يجوز ان يغنم وما لا يجوز ذلك فيه.

وإذا أخذ المسلمون من دار الحرب طعاما فأخرجوه الى دار الإسلام أو بعضه ، وجب رده الى الغنيمة قليلا كان أو كثيرا لأن الحاجة قد زالت ، فان كان على قدر الكفاية ، موسرين كانوا أو معسرين ، معهم طعام أو ليس معهم طعام ، لا يلزمهم في ذلك شي‌ء (٣).

والحيوان المأكول إذا احتاج الغانمون الى ذبحه وأكل لحمه ، كان لهم ذلك وليس عليهم ضمان شي‌ء من ذلك ، فاذا اتخذوا من جلوده ما يكون سقاء (٤) أو روايا (٥) أو ركوة (٦) أو ما أشبه ذلك ، أو أحرزوا الجلود ليعملوا منها ما جرى هذا المجرى وجب عليهم رد ذلك في المغنم.

وإذا أقام ذلك في يده مدة ما ، لم يجب عليه في ذلك اجرة مثله وعليه ضمان

__________________

(١) العقر : ما يعطى بإزاء وطأ المرية.

(٢) لاحظ ص ١٨١.

(٣) الفرع الثاني في طعام لم يخرجوه الى دار الإسلام بل تناولوه في دار الحرب راجع المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢٩ وفي نسختين زيادة « الواو » قبل قوله : « لا يلزمهم ... » ولعلها تصحيف وكان في العبارة سقطا ولكن المراد معلوم وهو ما ذكرناه.

(٤) السقاء ككتاب : جلد السخلة إذا جذع يتخذ للماء واللبن.

(٥) الروايا جمع الراوية وهي المزادة ، يوضع فيها الزاد.

(٦) الركوة بالفتح : دلو صغير من جلد.

٣١٣

ما نقص منها ، فان زاد بصنعة فيها ، لم يكن له بذلك حق ، لأنه تعدى فيها ، فاما إذا كان في يده ثياب ، فعليه ردها الى المغنم ، فاما لبسها فلا يجوز له ذلك على كل حال

ولا يجوز له أيضا ان يدهن ولا يتداوى لنفسه ولا لدابته بشي‌ء من ادهان الغنيمة ولا ادويتها ، الا بان يضمن ذلك ، لأنه ليس بقوت ، وكذلك لا يجوز له ان يطعمها (١) بشي‌ء من الجوارح (٢) والبزاة (٣) وغيرها ان كان معه شي‌ء من ذلك ، لأنه ليس ذلك ضرورة فيفعل ذلك لأجلها.

وإذا أقرض بعض الغانمين غيره شيئا من الغنيمة من علف دابة أو غير ذلك كان جائزا ، الا انه لا يكون قرضا في الحقيقة ، من حيث انه لا يملكه فيقرضه ، لان يده عليه فاذا سلمه الى غيره وصارت يد الغير عليه يكون يد الثاني عليه وهو أحق به من الأول ، ولا يجب عليه رده الى الأول ، فإن رد ، كان المردود عليه أحق به ، لثبوت اليد عليه ، فاذا خرج المقرض (٤) من دار الحرب ، والطعام أو العلف كان في يده كان عليه رده في المغنم ولا يرده الى المقرض ، لأنه ليس بملك له.

وإذا باع بعض الغانمين لغيره طعاما ، لم يجز له ذلك ولم يكن هذا البيع بيعا صحيحا ، وانما يكون منتقلا من يدل إلى أخرى ، فإذا حصل في يد واحد منهما كان أحق بالتصرف فيه فقط.

وكل ما يؤخذ في المغنم من مصاحف أو كتب فقه أو شي‌ء من علوم الشريعة (٥) أو نحو أو لغة أو شعر أو من كتب الحديث والروايات وما لحق بذلك فهو مما يجوز بيعه وشرائه والجميع يكون غنيمة.

وكل ما يؤخذ من ذلك من كتب الكفر والزندقة والسحر وما أشبه ذلك فهو

__________________

(١) أي البهائم.

(٢) الجوارح من الطير : المفترسة.

(٣) البزاة جمع البازي : طير من الجوارح يصاد به.

(٤) بفتح الراء.

(٥) في نسخة « الشرعية ».

٣١٤

مما لا يجوز بيعه ولا شرائه فإن كان له لبد (١) أو ظروف ينتفع بها وجلود كذلك غسلت وكان ذلك غنيمة ، فاما أوراقها فإنها تمزق ولا تحرق لأنه لا شي‌ء من الكاغذ الأولة قيمة ، وكذلك الحكم فيما نذكر انه من التوراة والإنجيل لأن ذلك قد غير وبدل

وكل ما لا يكون عليه اثر ملك ، كالشجر والحجر والصيد ، فلا يكون ملكا لهم ، فلا يكون غنيمة ، لأنه انما يكون كذلك ما كان ملكا للكفار ، فاما ما لا يكون ملكا لهم فلا يكون غنيمة وإذا كان عليه اثر ملك كالصيد المشدود والحجر المنحوت والخشب المنجور ، فجميع ذلك يكون غنيمة ، وعلى ما أصلناه ينبغي ان يكون الصيد إذا كان في دور المشركين ، أو كان واقعا في حبائلهم واشراكهم (٢) وحوائطهم وفخاخهم (٣) وما جرى مجرى ذلك فجميعه يكون غنيمة لأن عليه اثر الملك لهم ، وما لم يكن كذلك فلا يكون غنيمة.

وإذا صادهم في بلادهم المسلمون ، كان ذلك لمن أخذه ولا يلزمه رده الى المغنم ، وكذلك الحكم في الشجر والحجر وما جرى مجرى ذلك سواء ، فان وجد ما يجوز ان يكون ملكا للمشركين أو المسلمين ، مثل الخيمة والخرج (٤) والأوتاد وما أشبه ذلك ، ولم يعرف له صاحب ، عرف سنة ، فان لم يظفر له بصاحب رد الى المغنم وإذا كان في المغنم بهيمة وأراد المسلمون ذبحها ليأخذوا جلدها ، ليستعملونه في النعال وما أشبهها في السيور (٥) والركب (٦) لم يجز ذلك ، لان ذبح منهي عنه الا للأكل.

وإذا كان في بيوت المشركين فهودة (٧) أو صقورة أو جوارح معلمة أو سنانير

__________________

(١) وفي نسخة « أوعية ».

(٢) الإشراك جمع شرك محركة : حبائل الصيد وما ينصب للطير.

(٣) الفخاخ جمع الفخ بالفتح : آلة يصاد بها.

(٤) الخرج كقفل وعاء معروف يجعل على ظهر الدابة لوضع شي‌ء فيه والجمع خرجة.

(٥) السير جمعه سيور : قدة من الجلد مستطيلة.

(٦) الركب من السرج : هو الركاب.

(٧) الفهد : سبع يصاد به ، ضيق الخلق شديد الغضب ، وكذا الصقر والجارحة من الطيور

٣١٥

أو كلاب صيد وما أشبه ذلك ، فذلك مما تباع وتشترى وجميعه غنيمة ، وان وجد شي‌ء منهم في أرضهم وليس عليه اثر ملك ، فاصطاده المسلمون كان ذلك لمن أخذه كما ذكرناه في الصيد كما تقدم ولا يلزم رده في المغنم.

واما الخنازير فينبغي للمسلمين قتلها ، فان اعجلهم المسير ولم يتمكنوا من ذلك لم يكن عليهم شي‌ء ، والخمور ينبغي ان تراق ، فان كانوا على المسير كسروها ، فان كان المسلمون قد صالحوهم لم يكسروها.

وإذا غنم المسلمون شيئا من خيول المشركين ومواشيهم ، ثم أدركهم المشركون وخافوا ان يأخذوها منهم ، لم يجز لهم عقرها (١) ولا قتلها ، وان كانوا (٢) رجالة أو على خيل قد وقفت وكلت (٣) وخافوا (٤) ان يسترد الخيل فيركبوها ويظفروا بهم ، جاز لهم عقرها وقتلها لمكان الضرورة التي ذكرناها ، وان كانت خيولهم قد كلت ووقفت ، فلا ضرورة حينئذ هاهنا ولم يجز قتلها ولا عقرها ويجوز عقر الخيل التي يقاتلون عليها وقتلها ، والأفضل ترك ذلك مع الظهور (٥) عليهم وارتفاع الضرورة الى ذلك.

« باب الأسارى »

الأسارى على ضربين : أحدهما ما يجوز استبقائه ـ والأخر لا يستبقي ، فالذي يجوز استبقائه ، كل أسير أخذ بعد تقضى الحرب والفراغ منها ، والذي لا يستبقي : هو كل أسير أخذ قبل تقضى الحرب والفراغ منها.

والضرب الأول يكون الامام ومن نصبه الامام مخيرا فيهم ، ان شاء قتلهم وان

__________________

(١) عقر الفرس والإبل : قطع قوائمها بالسيف.

(٢) اى المشركون.

(٣) كل الرجل وغيره من المشي وغيره : تعب وأعيا.

(٤) اى المسلمون.

(٥) أي الغلبة.

٣١٦

شاء فاداهم (١) وان شاء من عليهم وان شاء استرقهم ، ويفعل في ذلك ما يراه صلاحا في التدبير (٢) والنفع للمسلمين.

واما الضرب الثاني فحكمه الى الامام أو من نصبه أيضا ، وهو مخير في قتلهم بأي نوع اراده من أنواع القتل.

فاذا أسر مسلم مشركا فعجز الأسير عن المشي ولم يكن مع المسلم ما يحمل عليه فان عليه إطلاقه.

ومن كان أسيرا عند الكفار من المسلمين فلم يجز له ان يتزوج إليهم ، فإن كان به ضرورة تزوج يهودية أو نصرانية ، ولا يجوز له التزويج بغير ذلك من المشركين والمشرك إذا أسر وله زوجة كانا على الزوجية ان لم يجز الامام استرقاقه ، فإن فادى به أو من عليه عاد الى زوجته ، فان استرقه انفسخ نكاحه. وإذا كان الأسير صبيا أو امرأة لها زوج ، كان النكاح مفسوخا بنفس الأسر لأنهما صارا رقيقين.

وإذا أسر رجل بالغ كتابيا أو من له شبهة كتاب ، كان الامام مخيرا فيه على ما قدمنا من الوجوه ، فإن أسر وثنيا كان مخيرا فيه بين المن عليه أو المفاداة ، ويسقط هاهنا استرقاقه لأنه ممن لا يقر على الجزية. وإذا فادى رجلا وقبض مال المفاداة كان هذا المال غنيمة.

وإذا أسلموا قبل الأسر كانوا أحرارا وعصموا بذلك دمائهم وأموالهم إلا بحقها (٣) ، وسواء احيط بهم في حصن أو في مضيق ، وإذا حدث الرق في الزوجين أو في أحدهما انفسخ النكاح في الحال لأن الزوجة صارت مملوكة بنفس الحيازة ، وإذا كان المسبي الرجل لم ينفسخ النكاح في الحال الا ان يسترقه الامام ، وإذا كان المسبي المرأة ، انفسخ أيضا النكاح في الحال لما ذكرناه فاذا كان الزوجان جميعا

__________________

(١) اى أطلقهم وأخذ فديتهم ، وفي نسخة « ادرئهم » بدل « فاداهم ».

(٢) تدبرت الأمر : نظرت في دبره وهو عاقبته وآخره.

(٣) لعل المراد انه لا يجوز قتلهم وأخذ أموالهم إلا إذا تعلق بهما حق مثل ما إذا كانوا سرقوا مال مسلم.

٣١٧

مملوكين لم ينفسخ النكاح لأنه لم يحدث بهما هاهنا رق لأنهما قبل ذلك رقيقان.

وإذا سبيت المرأة وولدها لم يجز للإمام ان يفرق بينهما فيعطى الام لرجل ويعطى ولدها الأخر ، بل ينظر فان كان في الغانمين ، من يبلغ سهمه الام والولد دفعهما اليه وأخذ فضل القيمة ، أو يجعلهما في الخمس ، فان لم يبلغهما باعهما ورد ثمنهما في المغنم (١) والأمة إذا كان لها ولد لم يكن لسيدها ان يفرق بينهما ببيع ولا غيره من وجوه التمليكات.

وإذا بلغ الصبي سبع سنين أو ثماني سنين كان ذلك هو السن الذي يخير بين الأب والام فيجور ان يفرق بينهما فيه ، وقد ذكر ان ذلك لا يصح الا ان يبلغ ، ولا يفرق بينه وبين الجدة من قبل الأم ، لأنها في الحضانة بمنزلة ابنتها ـ أم الولد ـ واما الفرقة بين الوالد والولد فجائز لا محالة وان باع كان البيع جائزا. وقد قيل ان البيع فاسد لما روى عن أمير المؤمنين (ع) : انه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ورد البيع (٢) ، وهذا هو الأقوى.

ومن خرج عن الإباء وان علوا ، والأبناء وان نزلوا ـ من الاخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم ـ فإن التفرقة جائزة بينهم. وإذا سبي طفل مع والديه أو أحدهما كان دينه على دينهما ولم يجز بيعه منفردا عن امه ، فان باعهما جميعا من المشركين أو المسلمين جاز ذلك.

وان مات أبواه لم يتغير عن حكم دينه ، ويجوز بيعه إذا مات أبواه من المسلم فان بيع من مشرك كان بيعه مكروها ، وقد حكى عن بعض الناس تحريم بيعه. فإذا سبى الولد منفردا عن أبويه ، كان تابعا للسابي في الإسلام ، فإن بيع من مشرك كان البيع باطلا ، وان بيع من مسلم كان البيع صحيحا.

__________________

(١) والمراد : « اما ان يعطيهما أحد الغانمين ان بلغهما سهمه والا أخذ منه فضل القيمة واما ان يجعلهما في الخمس وان لم يفعلهما باعهما ورد ثمنهما في المغنم » هذا وليست العبارة وافية تمام المراد.

(٢) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢١.

٣١٨

وإذا جنى الأسير جناية تحيط بنفسه قبل القسمة ، سلم الى مستحق ذلك بنفسه وخرج عن القسمة ، وان كانت الجناية دون النفس بيع في الجناية ، ودفع الى المجني عليه قيمة الجناية وترك الباقي في المغنم.

فان كان الجاني امرأة ومعها ولدها وكانت جنايتها تحيط بنفسها ، بيعت هي وولدها ولم يفرق بينهما في بيع وقسم ثمنهما ، فما أصابها عن نفسها سلم إلى المجني عليه ، وما أصاب من ولدها رد الى المغنم.

والمسلم إذا أسره المشركون ثم أسلموا عليه ، كان حرا على ما كان عليه. وأم الولد والمكاتب والمدبر إذا لم يكن سيده رجع عن تدبيره (١) يكونون على ما هم عليه. وكل ملك لا يجوز فيه البيع فإن أهل الحرب لا يملكونه. وإذا أسر مسلم رجلا فادعى الأسير انه كان مسلما لم يقبل منه ذلك إلا ببينة.

وإذا كان قوم من المسلمين أسارى في دار الحرب ، وقتل بعضهم بعضا أو تجارحوا ثم صاروا الى دار الإسلام ، أقيمت عليهم الأحكام في ذلك. فإذا أسر مشرك امرأة حرة مسلمة ، ووطأها بغير نكاح ثم ظفر المسلمون بها ، لم يسترق أولادها وكانوا مسلمين بإسلامها ، وكذلك الحكم ان كان لها زوج في دار الإسلام ، الا ان أولادها من المشرك لا يلحقون بزوجها المسلم. وانما يلحقون بالمشرك وان كان نكاحها فاسدا ، للشبهة.

والحربي إذا أسلم في دار الإسلام وله زوجة في دار الحرب ، وسبيت وهي حامل منه لم يسترق ما في بطنها ، وإذا ولدته كان مسلما بإسلام أبيه ، واى الوالدين أسلم ، كان الولد تبعا له.

وإذا سبي المسلمون الوثنيات ومن اشبههن لم توطأ واحدة منهن الا بعد إسلامها وان أسر المشركون مسلما وشرطوا عليه ان يكونوا منه في أمان إن أطلقوه ، ثم أطلقوه على هذا الشرط فعليه (٢) ان يخرج من عندهم إلينا ولا يلزمه الإقامة بالشرط لأنه

__________________

(١) في نسختين زيادة « ولا » والظاهر انها تصحيف.

(٢) في نسختين « فعليهم » بدل « فعليه » والظاهر انها تصحيف.

٣١٩

حرام ، وان كانوا قد استرقوه ثم أطلقوه على انه مملوك ، جاز له ان يسرق وينهب ويهرب لان استرقاقه باطل.

وإذا أسر المشركون المسلم وأطلقوه في ديارهم وشرطوا عليه ان لا يخرج منها كان هذا الشرط فاسدا وعليه الخروج منها. ومن أسره المشركون وصار في دار الحرب وكان مستضعفا (١) وهو متمكن من الخروج فعليه الخروج ، وان كان غير متمكن من ذلك ، جاز ان يقيم لأنه مضطر الى ذلك.

وإذا أسر المشركون مسلما وأطلقوه في دار الحرب على انه في أمان منهم وشرطوا عليه المقام بها أو لم يشرطوا ذلك ، كانوا منه في أمان ولم يكن له قتالهم في مال ولا نفس ، والحكم في خروجه من دار الحرب مع تمكنه من ذلك ومقامه بها على ما قدمناه ، فان خرج هاربا فأدركوه كان له الدفاع عن نفسه ، فإن أدى دفعه الى قتل طالبه ، لم يكن عليه شي‌ء لأنه الذي نقض عهده وزوال امانه (٢)

وان أطلقوه بغير أمان ، كان له ان يأخذ من أموالهم وأولادهم ونسائهم وغير ذلك ما يمكن منه ، ويخرج هاربا أو غير هارب لأنهم لم يشترطوا الأمان ، وإذا شرطوا عليه المقام في دار الحرب ولم يحلفوا على ذلك حرم عليه المقام ولم يجب عليه الوفاء بالشرط ، وان حلفوه على ذلك لم يخل من ان يكون مكرها على اليمين أو يكون مختارا ، فان كان مكرها لم ينعقد يمينه لأنه مكره في (٣) خروجه ، وان كان مختارا كان له الخروج ولم يلزمه كفارة.

فإن أطلقوه وشرطوا عليه يحمل مالا من دار الإسلام والا رجع إليهم لم يلزمه شي‌ء من ذلك ، فان قرروا بينهم وبينه فداء ، فان كان مكرها على ذلك لم يلزمه الوفاء به ، وان كان متطوعا لم يلزمه أيضا لأنه عقد عقدا فاسدا.

__________________

(١) والمراد من المستضعف : من لا رهط ولا عشيرة له ولا يتمكن من إظهار دين الإسلام

(٢) في نسخة « لأن الذي نقض عنه. » وفي أخرى «. نقص عنده. » والظاهر تصحيفهما.

(٣) لعل كلمة « عدم » محذوفة هنا.

٣٢٠