المهذّب - ج ١

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب - ج ١

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

ثم يمضي ، فإذا وصل الى باب المسجد الحرام ـ وهو باب بني شيبة ـ وقف على عتبته ـ وقد ذكرنا انها الصنم الذي يسمى هبلا ـ ثم يقول « السلام على رسول الله وعلى أهل بيته الطاهرين ، السلام على أنبياء الله ورسله وملائكته وحججه ، اللهم صلى على محمد وآله أجمعين وسلم عليهم تسليما ، يا مقيل العثرات يا مكفر السيئات ، أسألك أن تقيلني عثرتي وان ترحم عبرتي وتجاوز عن زلتى ، اللهم هذا مقام العائذ بك من النار ، فأعذني منها ووالدي وولدي وجميع أهلي وإخواني ، بقدرتك انك على كل شي‌ء قدير » ويدخل المسجد ويقدم رجله اليمنى ، ويقول : « بسم الله وبالله اللهم صلى على محمد وآل محمد ».

ثم يمضى حتى يقف عند الحجر الأسود ، فيستلمه ويدعو عنده كما دعا يوم قدم مكة ، ويبتدئ منه بطواف الزيارة ـ وهو طواف الحج كما ذكرنا ـ يفعل فيه كما فعل في طواف التمتع ، من الابتداء بالحجر الأسود والختم به والدعاء وغير ذلك ، فاذا فرغ من ذلك مضى الى الصفا وسعى سعى الحج ، يفعل فيه كما فعل في السعي الأول الذي هو سعى التمتع ، فاذا فرغ من سعى الحج طاف طواف النساء ، ويجوز له تأخيره عن هذا اليوم ، الا انه لا تحل له النساء حتى يطوف ، فاذا فرغ مما ذكر رجع الى منى لرمي الجمار الثلاث بها في أيام التشريق ، ويبيت بها ليالي هذه الأيام الثلاث.

« باب الرجوع من مكة إلى منى لرمي الجمار الثلاث بها وغير ذلك »

إذا فرغ مما قدمنا ذكره من طواف الحج أو سعيه ، خرج عائدا إلى منى ، فاذا وصل إليها بات بها ليالي التشريق ، فان بات بغيرها ليلة من هذه الليالي كان عليه شاة ، ثم يرمى الجمار الثلاث في كل يوم من هذه الأيام الثلاث بإحدى وعشرين حصاة ، ويفعل في حال الرمي مثل ما قدمنا ذكره في رمى الجمرة القصوى يوم النحر ، ويأتي من أحكام الرمي والدعاء بما ذكرناه هناك.

ويكبر في أيام التشريق بمنى عقيب خمس عشرة صلاة ـ أولها الظهر من يوم

٢٦١

النحر وآخرها صلاة الغداة من يوم الرابع منه ـ يقول : « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ، ورزقنا من بهيمة الأنعام » ثم ينفر من منى بعد ذلك.

« باب النفر »

النفر نفران ـ أول وثان ـ فاما الأول : فيومه يوم الثاني من أيام التشريق وهو الثالث من يوم النحر ، واما الثاني : فيومه يوم الثالث من أيام التشريق وهو الرابع من يوم النحر أول النهار ، واما إذا انتصبت الشمس (١) فمن أراد النفر من منى ، فليصل بمسجد الخيف ست ركعات أو ركعتين عند المنارة ، فاذا فرغ منها دعا فقال : « الحمد لله حقا حقا وقولا وصدقا ، وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما ، اللهم أنت الله لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا مضل لمن هديت ولا هادي لمن أضللت ، ولا معز لمن ذللت ، ولا مذل لمن أعززت ، ولا مقدم لمن أخرت ولا مؤخر لمن قدمت ، وأسألك يا الله يا رحمان يا رحيم ، ان تصلى على محمد وآله الطاهرين ، وان تفعل بي كذا وكذا ـ وتذكر حوائجك للدنيا والآخرة. »

ثم يخرج (٢) ما بقي عليه رمى الجمار ، وينفر بعد ذلك ، ثم يمضي إلى مكة.

وكل من أصاب النساء أو شيئا من الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول ، وعليه ان يقيم الى النفر الأخير ، ومن لم يصب ذلك فله ان ينفر في النفر الأول ، والأفضل له ان يقيم الى النفر الأخير.

وإذا أراد ان ينفر في النفر الأول فلا ينفر حتى تزول الشمس ، ومن كانت به ضرورة من خوف وغيره فإنه يجوز له تقديم ذلك قبل الزوال ، وليس له ذلك مع ارتفاع الضرورة عنه ، ومن أراد النفر بعد الزوال في النفر الأول ، فله ان ينفر

__________________

(١) انتصب : اى قام وارتفع.

(٢) اى يخرج عن ذمته.

٢٦٢

بينه وبين غروب الشمس ، فاذا غربت فلم يجز له النفر وعليه ان يبيت بمعنى الى الغد.

فاذا نفر في النفر الأخير فيجوز له ان ينفر من بعد طلوع الشمس اى وقت شاء ، وان لم ينفر وأراد المقام جاز له ذلك ، إلا الإمام وحده فان عليه ان يصلى الظهر بمكة.

ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه كلها ، جاز له ان لا يدخل مكة ، وان كان قد بقي عليه شي‌ء من المناسك لم يكن له بد من الرجوع إليها والأفضل دخول مكة على كل حال.

فاذا مضى إلى مكة ووصل الى مسجد الحصا (١) وهو مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيدخله ويستلقي على ظهره فيه ، فاذا استراح توجه إلى مكة ، فإذا وصل إليها فليغتسل ويدخل بعد ذلك الكعبة ، فإن كان صرورة من الرجال دون النساء لم يجز له ترك ذلك مع الاختيار ، فان لم يتمكن من ذلك لضرورة فلا شي‌ء عليه.

ومن دخلها فينبغي ان يكون حافيا ، ولا يدخلها بحذاء ولا يمتخط (٢) ، ولا يبصق ، ثم يدعو عند دخولها فيقول : « بسم الله وبالله ما شاء الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السلام ، السلام على محمد بن عبد الله رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين عليه‌السلام وصي نبي الله ـ ويسلم على الأئمة عليهم‌السلام ـ ويقول : الحمد لله الذي جعلني من وفد بيته وزواره ، اللهم إني أسألك بلا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك يا أحد يا فرد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تفك رقبتي من النار ، اللهم انك قلت ومن دخله كان آمنا ، فآمني من عذابك ومن الفتنة في الدنيا والآخرة برحمتك.

ويصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين ، يقرء في الأولى الفاتحة وحم السجدة ، وفي الثانية الفاتحة وعدد آيات السجدة ، وان قرء غير ذلك كان جائزا ، ويصلى في كل زاوية من زواياها ركعتين ، بدء بالزاوية التي فيها الدرجة

__________________

(١) وفي نسخة : « الحصب ».

(٢) امتخط : اى اخرج المخاط من انفه ، والمخاط : ما يسيل من الأنف.

٢٦٣

ثم بالغربية ، ثم التي فيها الركن اليماني ، ثم التي فيها الحجر الأسود.

فاذا فرخ من ذلك دعا ، فقال : « اللهم من تهيأ أو تعبأ أو أعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجوائزه ونوافله وفواضله ، فإليك يا سيدي تهيئتي وإعدادي واستعدادي ، رجاء رفدك ونوافلك وفواضلك وجائزتك ، فلا تخيب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولكني أتيتك مقرا بالظلم والاسائة على نفسي ، لا حجة لي ولا عذر ، فأسألك يا من هو كذلك ان تعطيني مسئلتي وتقيلني عثرتي وتقبل رغبتي ، ولا تردني ممنوعا ولا خائبا ، يا عظم يا عظيم أرجوك للعظيم ، أسألك يا عظيم ان تغفر لي الذنب العظيم ، لا إله إلا أنت يا رب العالمين.

وينبغي ان يلتصق بالحائط بين الركن اليماني والغربي ، ويرفع يديه عليه ويجتهد في الدعاء عنده ، ويفعل عند كل ركن مثل ذلك ، ثم يخرج من الكعبة ويمضى إلى بئر زمزم ويشرب من مائها ، فإذا خرج منها قال عند خروجه ثلاث مرات : « اللهم لا تجهد (١) بلائي ، ولا تشمت بي أعدائي ، ولا تجعل النار مثواي (٢).

ويصلى في موضع المقام الذي كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين وان يجعل مقام إبراهيم عليه‌السلام خلف ظهره ، ويكون قريبا من حائط الكعبة ، فاذا فرغ من الصلاة مضى إلى بئر زمزم ، فاستقى بها بالدلو المقابل للحجر الأسود ان تمكن من ذلك ، وشرب منه وصب على رأسه وبدنه ان قدر على ذلك ، ودعا فقال « اللهم اجعله علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء وسقم » ويقرء إنا أنزلناه وان كان نائبا عن غيره ، ذكره بمثل ذلك.

فإن أراد المسير فليقصد البيت الحرام ليودعه ، ووداعه له هو ان يطوف به بطواف الوداع سبعة أشواط ، ويفعل فيها كما فعل في الطواف يوم قدم مكة ، فإذا

__________________

(١) جهد البلاء ـ هو بفتح الجيم مصدر اى الحالة التي يختار عليها الموت ـ وفي الخبر عنه (ص) جهد البلاء ـ هو ان يقدم الرجل فيضرب عنقه صبرا.

(٢) وفي نسخة : مأوائى.

٢٦٤

فرغ من ذلك التصق بالحطيم وهو أشرف بقعة على وجه الأرض وهو ما بين الحجر الأسود والباب ، وجعل صدره على الحائط ، ويبسط يده عليه ، حتى يكون اليمنى على جهة الباب ، واليسرى من جهة الحجر الأسود ويحمد الله سبحانه ، ويصلى على النبي عليه‌السلام.

ثم يقول : « اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، ونبيك وأمينك ، ونجيبك وخيرتك من خلقك ، كما بلغ رسالاتك وجاهد في سبيلك ، وصدع بأمرك وأذى (١) في جنبك وعبد حتى أتاه اليقين ، اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به من وفدك (٢) من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان والعافية اللهم ان أمتني فاغفر لى ، وان أحييتني فارزقنيه من قابل ، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك ، اللهم انى عبدك وابن أمتك ، حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك ، حتى أقدمتني حرمك وأمنك ، وقد كان في حسن ظني بك ان تغفر لي ذنوبي ، فازدد على رضاك وقربني إليك زلفى ، ولا تباعدني من رضاك ، فان كنت تغفر لى فمن الان فاغفر لى قبل تنائى (٣) عن بيتك داري ، فهذا أو ان انصرافي إن كنت أذنت لي ، غير راغب عنك ولا عن بيتك (٤) ولا مستبدل بك ولا به ».

« اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي فاكفني مؤنة عبادك وعيالي ، فإنك ولي ذلك من خلقك ، وامنى برحمتك ».

ويصلى ركعتين عند المقام لطواف الوداع ، فاذا فرغ منهما رفع يديه للدعاء فقال : « اللهم انى خرجت من بيتي إلى بيتك الحرام ، قاصدا إليك أريدك لا أريد غيرك ، وأنت الذي رزقتني ذلك ومننت على به ، اللهم إني أردت اتباع كتابك

__________________

(١) كذا في بعض النسخ. ولكن الصحيح ـ أوذي ـ كما هو تعبير الإمام في الرواية راجع.

(٢) في بعض النسخ : أحد وفدك.

(٣) اى التبعد.

(٤) في بعض النسخ « نبيك » بدل « بيتك » وما أثبتناه موافق لكتب الحديث.

٢٦٥

وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله وأداء فرضك وقضاء حقك ، وانا عبدك وضيفك وفي حرمك نازل بك ، وعلى كل مأتي حق ، لمن أتاه وزاره ، وأنت أفضل مأتي ، وأكرم مزور ، وخير من طلبت اليه الحاجات ، وأكرم من سئل ، وارحم من استرحم ، وأجود من اعطى ، وارأف من عفى ، واسمع من دعي ، وأكرم من اعتمد عليه ».

« اللهم وبي فاقة إليك ، وعندي الطلبات أنا مرتهن بها ، قد أثقلت ظهري وأفقرتني الى رحمتك ، اعتمد عليك فيها ، وأسألك مسامحتها وغفرانها قديمها وحديثها ، عمدها وخطأها ، كبيرها وصغيرها ، قليلها وكثيرها ، وكل ذنب أذنبته ، مغفرة عنها يا عظيم ، فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا أنت يا عظيم ، اللهم إني أسألك رزقا واسعا وعلما نافعا وعيشا هنيئا حاصلا (١) وسرورا جامعا ».

ويجتهد في الدعاء لنفسه ولوالديه واهله وجميع المؤمنين ، ويصلى بعد ذلك عند الأركان كلها ، ويدعو أيضا عند الحطيم بما قدر عليه ، وان قدر على ان يتعلق بحلقة الباب ، فليفعل ويقول : « المسكين ببابك فتصدق عليه بالجنة » ، ثم يشرب من ماء زمزم ، ولا يصب على رأسه منه شيئا ، ثم يخرج بعد ذلك من المسجد ، ويجعل خروجه من باب الحناطين.

فاذا اتى الى هذا الباب وقف قبل خروجه منه ، ثم استقبل الكعبة وخر ساجدا ، وقال : « سجدت لك يا رب تعبدا ورقا ، لا إله إلا أنت ربي حقا حقا ، اللهم اغفر لى ذنوبي وتقبل حسناتي ، وتب على انك أنت التواب الرحيم » ، ثم يرفع رأسه ويحمد الله تعالى ، ويثنى عليه وصلى على النبي وآله عليهم‌السلام ، ويقول « اللهم انى انقلب على قول لا إله إلا الله ».

فان كان نائبا عن غيره ، قال : « اللهم أنت العالم بان فلان بن فلان قد ائتمنني على النيابة عنه في هذه الحجة ، اللهم وقد أديتها وبذلت مجهودي فيها ، ولم أشرك معه غيره فيها ، اللهم فإني أشهدك وكفى بك شهيدا انها لفلان بن فلان ، واننى

__________________

(١) وفي بعض النسخ : صالحا

٢٦٦

نائب عنه فاجعلها اللهم مكتوبة له عندك ، وأثبني في أدائي لها وقيامي بها برحمتك ».

ثم يخرج من باب المسجد وهو يقول : « آئبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون ، وله شاكرون ، والى ربنا راغبون ، والى ربنا راجعون » ، ثم يشترى بدرهم ـ أو ما قدر عليه ـ تمرا ويتصدق به قبضة قبضة ، ويتوجه إلى زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان لم يكن زاره في توجهه الى الحج ، وسنذكر زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يأتي من الزيارات ان شاء الله تعالى.

« باب ما يفعله من وجب عليه الحج ولم يتمكن من أدائه لمانع أو يفعله عنه وما يلحق بذلك »

إذا وجب الحج على المكلف ومنعه من الخروج لأدائه مانع ـ من سلطان أو مرض أو عدو ـ على وجه لا يمكنه معه الخروج لذلك بنفسه ، كان عليه إخراج نائب عنه ، فاذا ارتفع المانع وجب عليه الحج بنفسه ، فان لم يرتفع ذلك المانع حتى مات كانت حجة النيابة مجزية عنه.

ومن كان مملوكا أو طفلا فحج به وليه ، لم تجزه هذه الحج عن حجة الإسلام وكان على المملوك إذا انعتق ، والطفل إذا بلغ ، الحج بنفسه ، فان انعتق المملوك قبل الوقوف بأحد الموقفين كان ذلك مجزيا له عن إعادته.

وإذا وجب الحج على الإنسان ومنعه من الخروج بنفسه لأدائه مانع ، ولم يقم نائبا ينوب عنه في ذلك ، أو كان متمكنا من الخروج ولم يخرج ثم مات ، وجب ان يخرج من ماله قبل قسمة ميراثه ، مقدار ، ما يحج به عنه ، فان لم يخلف الا مقدار الحج ، حج عنه بذلك ، وكذلك يجب ان يفعل إذا لم يخلف الا مقدار ما يحج به عنه من بعض المواضع (١).

ومن لم يقدر على الزاد والراحلة ، وكان له ولد له مال ، جاز له ان يأخذ من ماله مقدار ما يحج به على الاقتصاد ، ومن لا يكون متمكنا من الاستطاعة ومكنه بعض

__________________

(١) في بعض النسخ : في بعض المواقيت.

٢٦٧

إخوانه من ذلك وجب عليه الحج فإن أيسر بعد ذلك كان عليه اعادة الحج استحبابا.

ومن وجب عليه واقام في النيابة عنه من هو صرورة وهو الذي لم يحج قط ، كانت نيابته عنه صحيحة ، الا انها لا يجزى هذا النائب عن حجة الإسلام ، ويجب عليه إذا تمكن من الاستطاعة ، الحج عن نفسه.

ومن نذر حجة وجب ذلك عليه ، وان كانت حجة الإسلام قد وجبت عليه وجب ان يحجها أيضا ، وليس يجزى احدى هاتين الحجتين ، عن الأخرى.

وإذا كان الإنسان مخالفا للحق واتى بجميع أركان الحج لم يجزه هذه الحجة عن حجة الإسلام ، وعليه الإعادة لذلك إذا صار من أهل الحق ، وقد ذكر أنها مجزية.

« باب ما يتعلق بمن حج عن غيره على وجه النيابة وغير ذلك »

ومن أراد ان يحج عن غيره ، لم يجز له ذلك حتى يقضى ما يجب عليه منه ان كان ذلك قد وجب عليه ، ومن لم يكن له مال فإنه يجوز له الحج من غيره ، فاذا تمكن من المال بعد ذلك ، كان عليه ان يحج عن نفسه.

ومن أمر غيره ان يحج عنه متمتعا ، وكان هذا المأمور نائبا بأجرة ، لم يجز له ان يحج عنه الا كذلك ، فان حج عنه قارنا أو مفردا لم يجز له ذلك وكان عليه الحج عنه متمتعا فإن أمره أن يحج عنه قارنا أو مفردا فحج عنه متمتعا ، كان ذلك جائزا ولم يكن عليه شي‌ء.

فإن أمره أن يحج عنه من طريق بعينه ، جاز له المسير في غيرها ، وان امره أن يحج عنه بنفسه ، لزمه الحج كذلك ولم يجز له ان يستنيب غيره في ذلك ، الا ان يأذن له المستنيب فيه ، فإذا اذن له فيه كان جائزا.

وإذا أخذ إنسان حجة من غيره لم يجز له ان يأخذ حجة أخرى حتى يقضى الاولى ، ومن كان نائبا عن غيره فصد عن بعض الطريق ، فعليه ان يرد من اجرة النيابة بقدر ما بقي عليه الا ان يضمن الحج في المستقبل ، ومن كان نائبا عن غيره ومات قبل الإحرام ودخول الحرم وترك موروثا ، كان على وارثه ان يرد من تركته مقدار

٢٦٨

ما بقي عليه من نفقة الطريق الى من استنابه في الحج عنه ، وان كان مات بعد الإحرام ودخل الحرم فقد بري‌ء من الحج ، ولم يجب على ورثته شي‌ء ، وكانت حجته مجزية عمن استنابه.

وإذا أخذ إنسان حجة وأنفق على نفسه في طريقه نفقة على وجه الاقتصاد ، ثم فضل له شي‌ء كان له ، وان لم يفضل له شي‌ء واحتاج الى زيادة ، يستحب لصاحب الحجة ان يدفع ذلك اليه ، وان لم يدفعه اليه ، لم يجب عليه شي‌ء ، وإذا تطوع الإنسان بالحج عن ميت ، وقد كان هذا الميت ، وجب الحج عليه ، فقد سقط عنه فرض الحج بحجة التطوع.

وإذا ترك إنسان عند غيره وديعة ثم مات ، فعلى المودع أن يأخذ منها مقدار ما يحج به عنه فيصرفه الى من ينوب عنه في الحج ، هذا من (١) علم أو غلب على ظنه ان وارثه لا يقضى عنه ، فاما ان لم يعلم ولا غلب على ظنه ذلك ، فان الواجب عليه ان لا يتعرض لأخذ شي‌ء من الوديعة على حال ، وان يعيدها على وارثه على حالها ،

ومن كان مخالفا في الاعتقاد فلا يجوز الحج عنه ، قريبا كان في النسب أو بعيدا إلا الأب خاصة ، فقد ذكر جواز ذلك عنه وان كان مخالفا وذلك عندي لا يصح.

وليس يجوز للمرأة الحج عن غيرها الا ان تكون عارفة وقد حجت حجة الإسلام فان لم تكن كذلك لم يجز لها الحج عن غيرها ، والنائب عن غيره في الحج ، ينبغي ان يذكره في ادعيته ومواقفه وما يتعلق به ، وان لم يذكره واعتقد ذلك في نفسه كان جائزا ، ولم يفسد بترك ذلك حجه.

« باب ما يتعلق بالنساء في الحج ».

إذا كان للمرأة زوج وعزمت على الحج ، فينبغي لها ان لا تخرج الا معه ، فان منعها من ذلك لم يجز لها مخالفته ، الا ان يكون الحجة التي تريد الخروج إليها هي حجة الإسلام وقد وجبت عليها فإنه لا يجوز لزوجها منعها من ذلك ، فان منعها

__________________

(١) في نسخة « ان » بدل « من ».

٢٦٩

جاز لها مخالفته في ذلك فان كان الحج تطوعا ومنعها من الخروج لم يجز لها مخالفته ، وإذا لم يخرج زوجها معها أو لم يكن لها زوج ، فينبغي لها ان لا تخرج الا مع ذي رحم محرم مثل الأب أو الأخ أو العم أو الخال ، فان لم يكن لها ذلك ، جاز لها الخروج مع من يثق بدينه وأمانته من المؤمنين.

وان كانت المرأة في عدة من طلاق فلها أيضا الخروج فيها ـ إذا كانت الحجة التي تريد الخروج إليها حجة الإسلام ـ سواء كان للزوج عليها في العدة رجعة أو لم يكن له عليها ذلك ، فان كان له عليها فيها رجعة وكانت الحجة التي تريد الخروج إليها تطوعا ، لم يجز لها الخروج إلا باذنه ، وان كانت العدة من وفاة ، جاز لها الخروج الى الحج واجبا كان أو تطوعا.

« باب الصد والإحصار ».

الحاج انما يكون مصدودا بان يمنعه العدو ويصده عن الدخول إلى مكة ، فإذا كان كذلك كان عليه ان يذبح هديه في الموضع الذي صده العدو فيه ، ويحل من جميع ما أحرم منه.

والمحصور هو الذي يلحقه من المرض ما لا يتمكن معه من الوصول إلى مكة ، فإذا لحقه ذلك على هذا الحد فينبغي له ان كان قد ساق هديا ان يبعث به الى مكة ، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى يبلغ الهدى محله ، ومحله منى يوم النحر ان كان حاجا ، أو كان معتمرا فمحله مكة بفناء الكعبة ، وإذا بلغ هديه محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شي‌ء اجتنبه الا النساء.

فان كان صرورة وجب عليه الحج من قابل ، فان لم يكن صرورة لم يكن عليه ذلك ، ويستحب له إعادته ، فان لم يعده فليس عليه شي‌ء ، ولا يحل له النساء الى ان يحج من قابل ان كان ممن يجب عليه الحج ، أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء ان كان متطوعا ، وان وجد من نفسه خفة (١) بعد إنفاذه الهدي ، فعليه ان يلحق

__________________

(١) عن المرض.

٢٧٠

أصحابه ، فإن أدركه مكة قبل ان ينحر ، هديه ، فليقض (١) مناسكه كلها ، وليس عليه حج في القابل ان لحق أحد الموقفين ، وان لم يلحقه كان عليه الحج من قابل.

فان لم يدرك أصحابه الا بعد ان ينحروا هديه ، فقد فاته الحج ووجب عليه إعادته في العام المقبل ، فان كان هذا المحصور لم يسق هديا فليبعث ثمنه مع أصحابه ويواعدهم ان يشتروه في وقت معين ويذبحوه عنه ثم يحل هو بعد ذلك ، وإذا عاد أصحابه ولم يجدوا هديا يشترونه له به ويذبحونه عنه ، وكان قد أحل ، لم يكن عليه شي‌ء الا إنفاذ الثمن في العام المقبل يشترى به ، ويجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يذبح وينحر عنه.

والمحصور إذا كان معتمرا فعلى ما قدمنا ذكره ، (٢) وجب عليه ان يعتمر في الشهر الداخل ان (٣) كان اعتمر عمرة مفروضة ، وان كان متطوعا كان عليه ان يتطوع في الشهر الداخل أيضا.

ومن أحصر وكان قد أحرم بالحج قارنا فلا يجوز له ان يحج في المستقبل متمتعا ، بل يجب عليه الدخول في مثل ما خرج عنه ، وإذا أراد ان يبعث هديا تطوعا وأعد أصحابه على يوم معين واجتنب ما يجتنبه المحرم الا انه لا يلبى ، ومتى فعل شيئا مما يحرم على المحرم ، كان عليه الكفارة كما يكون المحرم ، وإذا حضر اليوم الذي واعد أصحابه عليه ، أحرم منه.

وإذا بعث الهدى من بعض الافاق وأعدهم أيضا على يوم معين ليشعروه ويقلدوه وإذا حضر ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يبلغ الهدى محله ، فاذا بلغ ذلك ، أحل من كل شي‌ء أحرم منه.

« باب ما يتعلق بالعمرة ».

إذا حج الإنسان متمتعا بالعمرة إلى الحج سقط فرض العمرة بعد ذلك عنه ،

__________________

(١) في بعض النسخ « فليفرض » بدل « فليقض ».

(٢) في بعض النسخ زيادة « الواو ».

(٣) في بعض النسخ « انه » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن

٢٧١

فان حج قارنا أو مفردا لم يسقط فرضها عنه وكان عليه القضاء (١) لها بعد أيام التشريق وفي استقبال المحرم.

ومن اعتمر عمرة ـ غير متمتع بها الى الحج ـ في شهور الحج ثم أقام بمكة إلى ان أدرك يوم التروية كان عليه ان يحرم بالحج ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاج ويصير بعد ذلك متمتعا فان اعتمر في أشهر الحج لم يلزمه ذلك (٢).

ومن دخل مكة بعمرة مفردة في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها الى الحج ، فإن أراد التمتع فعليه تجديدها في أشهر الحج ومن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له ان يقضيها ويخرج الى اى موضع أراد ، ما لم يدركه يوم التروية ، والأفضل له ان يقيم حتى يحج ويجعلها متعة.

ومن دخل مكة بنية التمتع لم يجز له ان يجعلها مفردة ، ولا ان يخرج من مكة حتى يحج ، لأنه قد صار بذلك مرتبطا بالحج.

فاذا كان الإنسان معتمرا وساق هديا ذبحه أو نحره في الموضع الذي قدمنا ذكره ، وقد قدمنا أيضا ذكر أفضل العمرة (٣) والمستحب منها فلا حاجة الى ذكر ذلك هاهنا.

« باب أحكام الحرم ».

من ظفر في الحرم بلقطة فعليه ان يعرف بها سنة فان ظفر بصاحبها دفعها اليه وان لم يظفر به تصدق بها عنه ، وان حضر صاحبها بعد ذلك ورضي بالصدقة لم يكن عليه شي‌ء ، فان لم يرض بها ، كان عليه ضمانها.

فاذا دخل إنسان الحرم بسلاح فلا يشهره ولا يحمله ظاهرا بل يستره.

ومن جنى جناية ـ يجب بها اقامة الحد عليه ـ وكان خارج الحرم ثم هرب

__________________

(١) أي الإتيان بها.

(٢) اى لم يلزمه ادراك يوم التروية بمكة.

(٣) وهي ما كانت في رجب.

٢٧٢

الى الحرم خوفا من إقامته عليه ، لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه وينبغي في مدة مقامه ان لا يبايع ولا يعامل ويضيق عليه في المنع من الطعام والشراب حتى يخرج ، فاذا خرج ، أقيم الحد عليه.

وإذا جنى في الحرم جناية يجب فيها الحد ، أقيم عليه فيه ، وليس يكون حكمه حكم من جنى في غيره.

ومن أراد ان يبنى شيئا بمكة فلا يرفعه فوق الكعبة.

وليس لأحد ان يمنع الحاج موضعا من دور مكة ومنازلها ، لقول الله تعالى عزوجل ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (١).

واما ما يتعلق بالحرم من أحكام الطير الذي لا يجوز صيده فيه ولا يجوز قتله فيه من السباع والهوام وما يجوز ، وأحكام الشجر النابت فيه وما يجوز فعله (٢) وما لا يجوز ، فقد تقدم ذكر جميعه ما يغني عن إعادتها هاهنا.

« باب حد الحرم ومكة وعرفات والمشعر الحرام ».

حد الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال (٣) ، ومن طريق اليمن على سبعة أميال ، ومن طريق العراق على سبعة أميال ، ومن طريق جده على عشرة أميال ومن طريق الطائف على عرفة ، أحد عشر ميلا من بطن نمرة.

وحد مكة من عقبة المدنيين الى عقبة ذي طوى ، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وحد المشعر الحرام هو ما بين المأزمين (٤) إلى الحياض إلى وادي محسر.

« تم كتاب الحج »

__________________

(١) الحج ـ ٢٥.

(٢) كذا في بعض النسخ ولعل أصلها « قلعه ».

(٣) الميل ثلث الفرسخ.

(٤) المأزمان : الموضع الذي بين عرفة والمشعر.

٢٧٣

« كتاب الزيارات »

« باب زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله »

الحاج إذا لم يكن زار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسيره إلى الحج ، كان عليه ان يزوره بعد الفراغ من الحج ، وكذلك من لم يزره وان (١) لم يكن حاجا مع تمكنه من ذلك. فمن توجه الى زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة بعد حجه فينبغي له إذا اتى مسجد الغدير ـ وهو على يسار المتوجه من مكة إلى المدينة دون الجحفة قليلا ، وقد ذكر ان بينه وبينها ثلاثة أميال ـ (٢) فليدخله ، ويصلى من ميسرته ما تيسر له ، ثم يمضي إلى المدينة ، وإذا اتى في طريقه معرس (٣) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلينزل به ، وان كان وقت صلاة مكتوبة أو نافلة صلاها فيه ، واضطجع به يسيرا ، وان لم يكن وقت صلاة نزل به ولا يترك ذلك ليلا كان أو نهارا ، ثم يمضى حتى يصل الى المدينة ، فإذا قاربها فليغتسل لدخولها. فان لم يتمكن من ذلك اغتسل بعد دخولها ، ثم يجر (٤) رجله ويلبس أنظف ثيابه ،

__________________

(١) في بعض النسخ « وان يكن حاجا » والصحيح ما في المتن.

(٢) في بعض النسخ زيادة « قليلا ».

(٣) المعرس موضع كان يعرس فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على فرسخ من المدينة بقرب مسجد الشجرة.

(٣) في بعض النسخ « يجرد » الا ان « الدال » المضروب عليها ولكن من المحتمل قريبا لزومها والمعنى : يجرد اى « يخلع » رجله عن النعل ، ويحتمل ان يكون ما في المتن صحيحا والمراد حينئذ ان يقرب بين الخطوات ويقصرها ، فإنه عند قصرها يشبه جر الرجل.

٢٧٤

ويدخل ، فاذا وصل اليه دخل من باب جبرئيل عليه‌السلام ، فاذا صار بالباب وقف به ، ثم قال : « بسم الله وبالله السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله » صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم يقدم رجله اليمنى ، ويدخل الى قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاذا صار عنده زاره عليه وآله السلام.

« باب كيفية زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله »

إذا صار عند قبره عليه وآله السلام ، وقف عند الاستوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند زاويته من رأسه ، فيكون منكبه الأيمن مما يلي موضع المنبر ، والأيسر إلى جانب القبر ، فاذا استقر في وقوفه كما ذكرناه ، قال : « اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأشهد أنك رسول الله ، وانك محمد بن عبد الله ، وأشهد انك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده ، داعيا إلى طاعة الله ، وزاجرا عن معصيته ، وانك لم تزل بالمؤمنين رؤفا رحيما ، وعلى الكافرين غليظا حتى أتاك اليقين ، فبلغ الله بك أشرف محل المكرمين. الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلال ، اللهم فاجعل صلواتك وصلاة ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ممن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك ، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم امنحه أشرف محله ومرتبته ، وارفعه إلى أسنى درجة ومنزلة ، وأعطه الوسيلة والفضيلة والرتبة العالية الجليلة كما بلغ ناصحا ، وجاهد في سبيلك ، وصبر على الأذى في جنبك وأوضح دينك ، واقام حججك ، وهدى الى طاعتك ، وأرشد إلى مرضاتك ، اللهم صل عليه وعلى الأئمة الأبرار من ذريته ، والصفوة الأخيار من عترته ، وسلم عليهم أجمعين تسليما ».

٢٧٥

اللهم انى لا أجد سبيلا إليك سواهم ، ولا ارى شفيعا مقبول الشفاعة عندك غيرهم ، فبهم أتقرب إلى رحمتك ، وبولايتهم أرجو جنتك ، وبالبراءة من أعدائهم آمل الخلاص من عذابك.

اللهم فاجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، وارحمني يا ارحم الراحمين » ، ثم يستقبل (١) بوجهه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويجعل القبلة خلف ظهره ، والقبر امامه ، ويقول « السلام عليك يا نبي الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، السلام عليك يا صفوة الله وخيرته من خلقه ، (٢) السلام عليك يا أمين الله وحجته ، السلام عليك يا خاتم النبيين وسيد المرسلين ، السلام عليك ايها البشير النذير ، السلام عليك أيها الداعي الى الله باذنه والسراج المنير.

السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أشهد انك يا رسول الله آتيت بالحق ، وقلت الصدق ، والحمد لله الذي وفقني للايمان بك والتصديق بنبوتك ، ومن على بطاعتك واتباع سبيلك ، وجعلني الله من أمتك والمجيبين لدعوتك ، هداني الى معرفتك ومعرفة الأئمة من ذريتك ، أتقرب الى الله بما يرضيك ، وأبرئ الى الله مما يسخطك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك ، جئتك يا رسول الله زائرا ، وقصدتك راغبا ، متوسلا الى الله سبحانه وأنت صاحب الوسيلة والمنزلة الجليلة والشفاعة المقبولة والدعوة المسموعة ، فاشفع لي الى الله تعالى في الغفران والرحمة والتوفيق والعصمة ، فقد غمرت الذنوب ، وشملت العيوب ، وأثقل الظهر ، وتضاعف الوزر ، وقد أخبرتنا ـ وخبرك الصدق ـ انه تعالى قال ـ وقوله الحق ـ ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً ) (٣).

وقد جئتك يا رسول الله مستغفرا من ذنوبي تائبا من معاصي وسيئاتي ، وإنني

__________________

(١) في بعض النسخ « تستقبل وجه النبي (ص) ».

(٢) وفي بعض النسخ ابتدأ من « السلام عليك يا أمين الله ».

(٣) النساء : ٦٤.

٢٧٦

أتوجه بك الى الله ربي وربك ، ليغفر لي ذنوبي ، فاشفع لي يا شفيع الأمة ، وأجرني (١) يا نبي الرحمة صلى الله عليك وعلى آلك الطاهرين ».

ويجتهد في المسئلة ، ثم يستقبل القبلة بعد ذلك بوجهه وهو في موضعه ، ويجعل القبر من خلفه ، ويقول : اللهم إليك ألجأت أمري ، والى قبر نبيك ورسولك أسندت ظهري ، والى القبلة التي ارتضيتها استقبلت بوجهي ، اللهم انى لا أملك لنفسي خير ما أرجو ، ولا ادفع عنها سوء ما أحذر ، والأمور كلها بيدك ، فاسئلك بحق محمد وعترته وقبره الطيب المبارك وحرمته ان تصلى عليه وآله ، وان تغفر لي ما سلف من جرمي وتعصمني من المعاصي في مستقبل عمرى ، وتثبت على الإيمان قلبي ، وتوسع على رزقي ، وتسبغ على النعم ، وتجعل قسمي من العافية أو فر القسم ، وتحفظني في أهلي ومالي وولدي وتكلانى من الأعداء ، وتحسن لي العافية (٢) في الدنيا ومنقلبي في الآخرة اللهم اغفر لى ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك على كل شي‌ء قدير ».

ويقرء سورة « إنا أنزلناه في ليلة القدر » احدى وعشرين مرة. ثم يزور في الروضة مولاتنا السيدة فاطمة صلوات الله عليها.

« باب زيارة مولاتنا السيدة فاطمة صلوات الله عليها »

الروضة هي مما بين القبر والمنبر إلى الأساطين التي تلي صحن المسجد ، وليس في الصحن من الروضة شي‌ء فاذا صار بالروضة فليقل : « السلام على البتول الشهيدة بنت نبي الرحمة ، وزوج الوصي الحجة ، وأم السادة الأئمة ، السلام عليك يا فاطمة الزهراء بنت النبي المصطفى ، السلام عليك وعلى أبيك وبعلك ونبيك ، السلام عليك أيتها الممتحنة ، السلام عليك أيتها المظلومة الصابرة ، لعن الله من

__________________

(١) وفي بعض النسخ « واجزنى ».

(٢) كذا في بعض النسخ ولعل أصلها « العاقبة ».

٢٧٧

منعك حقك ودفعك عن إرثك ، ولعن الله من كذبك واغمك (١) وغصك بريقك (٢) وادخل بيتك.

ولعن الله من رضي بذلك ، وشائع فيه واختاره وأعان عليه ، وألحقهم بدرك الجحيم ، أتقرب الى الله سبحانه بولايتكم أهل البيت ، وبالبراءة من أعدائكم من الجن والانس وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ».

ثم يعود الى المنبر ، ويمسح رمانتيه بيده ، ويمسح بهما وجهه وعينيه ، ويقف مستقبل القبلة ـ فيحمد الله تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبي وآله عليهم‌السلام ويقول « لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلى العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين » ثم يقف عند المقام.

« باب الوقوف عند مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

وما يفعل ويقال فيه »

فاذا صار عند مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بين القبر والمنبر في الروضة وقف عند الأسطوانة المحلقة (٣) التي تلي المنبر وجعله ما بين يديه ، وصلى اربع ركعات ، وان لم يتمكن فركعتين للزيارة ، فإذا سلم منهما قال : « اللهم هذا مقام نبيك وخيرتك من خلقك ، جعلته روضة من رياض جنتك وشرفته على بقاع أرضك ، وقد أقمتني فيه بلا حول كان منى في ذلك الا رحمتك ، فأسألك في هذا المقام الطاهر ان تصلى على محمد وعلى آل محمد وان تعيذني من النار ، وتمن على بالجنة وترحم موقفي وتغفر زلتى وتزكى عملي ، وتوسع لي رزقي ، وتديم عافيتي ، وتسبغ نعمتك على ، وتحرسني من كل متعد على وظالم لي ، وتطيل عمرى ، وتوفقني لما يرضيك عنى ،

__________________

(١) في نسخة « أعنتك » بدل « اغمك »

(٢) في نسخة « بريتك » بدل « بريقك ».

(٣) أي كثيرة الحلوق

٢٧٨

وتعصمني عما يسخطك على ، اللهم إني أتوسل إليك بنبيك وأهل بيته حججك على خلقك ، (١) وأمنائك في أرضك ان تستجيب دعائي وتبلغني من الدين والدنيا املى ورجائي ، يا سيدي ومولاي قد سألتك فلا تخيبني ، ورجوت فضلك فلا تحرمني وانا الفقير الى رحمتك الذي ليس له غير إحسانك ، وبفضلك أسألك أن تحرم شعري وبشرى على النار ، وتأتيني من الخير ما علمته منه وما لم اعلم ، وادفع عنى من الشر ما علمت منه وما لم اعلم ، اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ثم يقف عند مقام جبرئيل (ع) ويدعو ويقول : « اى جواد ، اى كريم ، اى قريب اى بعيد أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان توفقني لطاعتك ولا تزيل عنى نعمتك ، وان ترزقني الجنة برحمتك ، وتوسع على من فضلك ، وتغنيني عن شرار خلقك ، وتلهمني شكرك وذكرك ، ولا تخيب يا رب دعائي ولا تقطع رجائي بحق محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين ».

« باب زيارة الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع »

فإذا أراد المضي إلى البقيع فليغتسل ويزور الأئمة عليهم‌السلام بزيارة واحدة والذين بالبقيع من الأئمة عليهم‌السلام هم : أبو محمد الحسن بن على وأبو محمد على بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد بن على الباقر وأبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليهم أجمعين.

وجميعهم في موضع واحد وقبر واحد ، وإذا اتى هذا القبر جعله من بين يديه وقال : « السلام عليكم أئمة الهدى ، السلام عليكم ايها الحجج على أهل الدنيا ، السلام عليكم ايها القوامون في البرية بالقسط ، السلام عليكم أهل الصفوة ، السلام عليكم أهل النجوى ، اشهد انكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله ، وكذبتم واسيى‌ء إليكم فغفرتم ، واشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون ، وان طاعتكم مفروضة ،

__________________

(١) وفي نسخة « وآياتك في أرضك »

٢٧٩

وان قولكم الصدق ، وانكم دعوتم فلم تجابوا ، وأمرتم فلم تطاعوا ، وانكم دعائم الحق وأركان الأرض ، لم تزالوا بعين الله عزوجل ينسخكم في أصلاب كل مطهر ، وينقلكم في الأرحام الطاهرات ، لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ، ولم يستوفيكم (١) فتن الأهواء ، طبتم وطهرتم ، فمن الله بكم علينا ديان يوم الدين ، فجعلكم ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) ، وجعل صلواتنا (٢) عليكم رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ، فاختاركم لنا فطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم ، وكنا عنده مسلمين ، وهذا مقام من أسرف وأخطأ ، واستكان وأقر بما جنى ، يرجو بمقامه الخلاص ، وان يستنقذه الله بكم مستنقذ الهالكين ، فكونوا شفعائي (٣) فقد وفدت إليكم إذ رغب مخالفوكم عنكم من أهل الدنيا ، واتخذوا آيات الله هزوا ، واستكبروا عنها. يا من هو قائم لا يسهو ، ودائم لا يلهو ومحيط بكل شي‌ء لك المن بما وفقتني ، وعرفتني بما أعنتني عليه إذ صد عنه عبادك ، وجهلوا معرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا (٤) الى سواهم ، وكانت المنة لك على ومنك الى ، فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مذكورا مكتوبا ، فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني فيما دعوت » وليدع لنفسه بما أراد ، ثم يزور الشهداء بأحد بعد ذلك.

« باب زيارة الشهداء بأحد »

ينبغي لمن أراد ذلك مع التمكن ان يبتدئ في زيارة الشهداء بأحد بزيارة حمزة (ع).

« باب زيارة قبر حمزة عليه‌السلام »

إذا اتى قبر حمزة عليه‌السلام فليقل : « السلام عليك يا عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) في نسخة « لم يسر » وفي أخرى « لم يستر » وفي البحار « لم تشرك »

(٢) في نسخة « صلاتنا »

(٣) في نسخة « فكونوا له شفعاء »

(٤) في نسخة « ماتوا » بدل « مالوا »

٢٨٠