أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٤٤
عمرو» من قولك : «قام زيد وقعد عمرو» (١) ، بخلاف (٢)) (٣) نحو : «إن قام زيد فقعد عمرو» ، ونحو : «ضربني (٤) وضربت زيدا» ، لصحّة وقوع الجملة الثّانية في هذه المثل صلة ، بخلاف المثال الأوّل (٥).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأخبروا هنا بأل عن بعض ما |
|
يكون فيه الفعل قد تقدّما |
إن صحّ صوغ صلة منه لأل |
|
كصوغ (٦) واق من وقى الله البطل |
لا يخبر هنا بشيء من الموصولات غير «الّذي» وفروعه ـ كما تقدّم ـ ، إلا «أل» فإنّ الإخبار بها جائز ، لكن بالشروط السّبعة (٧) المتقدّمة في الإخبار بـ «الّذي» ، وتزيد عليها بثلاثة شروط أخر :
أحدها : أن يكون المخبر عنه واقعا في جملة فعليّة.
الثّاني : أن يكون الفعل فيها (٨) مقدّما.
الثّالث : أن يكون الفعل متصرّفا ، بحيث يصحّ أن / يصاغ منه وصف (٩) يكون صلة لـ «أل».
فتقول في الإخبار عن الفاعل من قولك : «وقى الله البطل» : «الواقي البطل الله» ، والضّمير الواقع في محلّ المخبر عنه مستتر في الوصف ، وهو العائد على «أل».
__________________
(١) فلا يقال : «الذي قام وقعد عمرو وزيد» لأن جمل «قعد عمرو» ليس فيها ضمير يعود على الموصول ، ولا هي معطوفة بالفاء ، فلا تصلح أن تكون معطوفة على جملة الصلة. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٧.
(٢) أي : بخلاف ما إذا كان من إحدى جملتين غير مستقلتين كالشرط والجزاء ، أو كان العطف بين الجملتين بالفاء ، أو كان في الأخرى ضمير الاسم المخبر عنه ، وذلك كالأمثلة الآتية التي ذكرها المؤلف. انظر شرح الأشموني : ٤ / ٥٧ ، انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٧.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر أوضح المسالك : ٢٤٦ ، انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٧.
(٤) في الأصل : ضربني وضربني.
(٥) وذلك لأن المخبر عنه في إحدى جملتين ليس في الأخرى منهما ضميره ولا بين الجملتين عطف بالفاء. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٧.
(٦) في الأصل : لصوغ. انظر الألفية : ١٥٦.
(٧) في الأصل : الستة. راجع ص ٢٥٨ ـ ٢٦٠ / ٢ من هذا الكتاب.
(٨) في الأصل : فيه.
(٩) في الأصل : وصفى.
وفي الإخبار عن المفعول : «الواقيه الله البطل» ، فتقدّم الضمير على الفاعل ليتّصل ، ولا يجوز حذفه ، وإن كان منصوبا بوصف ، لأنّ عائد الألف والّلام (لا) (١) يحذف إلا في الضرورة (٢).
ولا يخبر بـ «أل» عن «زيد» من قولك : «زيد أخوك» ، ولا من «زيد ضرب أخاه» ، ولا من «عسى زيد أن يقوم» ، لانتفاء الفعلّية في الأوّل ، وانتفاء التّقدّم في الثّاني ، وانتفاء التّصرّف في الثالث.
ثمّ قال :
وإن يكن ما رفعت صلة أل |
|
ضمير غيرها أبين (٣) وانفصل |
قد تقدّم أنّ الضّمير المرفوع بصلة الألف والّلام ـ يكون مستترا ، إذا عاد عليها ، نحو : «الواقي البطل الله».
فأمّا إن رفعت صلة «أل» ضمير غيرها وجب (٤) إبرازه منفصلا ، فتقول في الإخبار عن غير تاء المتكلّم من نحو : «بلّغت من أخويك إلى قومك رسالة» : «المبلّغ أنا منهما إلى قومك رسالة أخواك» إذا أخبرت عن الأخوين ، و «المبلّغ أنا من أخويك إليهم رسالة قومك» إذا أخبرت عن القوم ، و «المبلّغها / أنا من أخويك إلى قومك رسالة» إذا أخبرت عن الرّسالة ، وتقدّم الضّمير عن محلّ الاسم المخبر عنه ليتّصل بالوصف ـ كما سبق (٥) ـ.
وإنّما أبرزت الضّمير في ذلك ، لأنّك أجريت الوصف الّذي هو (٦) فعل المتكلّم صلة لـ «أل» الّتي هي لغير المتكلّم ، لأنّها نفس الاسم الّذي أخبرت عنه ، ولذلك : لو كان الإخبار عن الفاعل من الجملة المذكورة ، لم يحتج إلى إبراز الضّمير ، بل تقول : «المبلّغ من أخويك إلى قومك رسالة أنا».
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٧.
(٢) كقوله :
ما المستفزّ الهوى محمود عاقبة |
|
ولو أتيح له صفو بلا كدر |
أي : المستفزه. وخالف ابن الناظم فقال : ولك أن تحذف الهاء. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٧ ، شرح ابن الناظم : ٧٢٤ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٩ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٣٥.
(٣) في الأصل : ابني. انظر الألفية : ١٥٦.
(٤) «وجب» هنا جواب «إنّ» ، وجواب «أمّا» محذوف ، كما ذهب إليه الفارسي في إحدى قوليه ، واحتج بأنه لا يفصل في «أمّا» إلا بمفرد. انظر المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل : ٣ / ٢٣٥ ، الجنى الداني : ٥٢٥ ـ ٥٢٦.
(٥) في الأصل : سبفف.
(٦) في الأصل : بعد. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٨.
الباب الثامن والخمسون
العدد
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
العدد
هذا الباب عقده المصنّف ، لبيان حكم العدد الّذي له مميّز ، فذكر كيفيّته (وكيفيّة) (١) إعراب مميّزه (٢) ، ولذلك لم يذكر فيه الواحد ولا الاثنين ، وإن كانا من جملة العدد ، لأنّه لا مميّز لهما ، ولا يذكر معهما المعدود ، فلا يقال : «واحد درهم» ولا «اثنا درهم» (٣) ، لأنّ كلّ واحد من المعدودين يفيد ما أريد به من الجنسيّة ، والدّلالة على الوحدة ، أو شفع الواحد بمثله (٤) ، فذكر العدد معهما تكرير ، بخلاف : «ثلاثة دراهم» ، فإنّ المميّز إنّما يفيد مطلق الجمع ، لا التّقيّد بعدد خاصّ ، فاحتيج معه إلى ذكر العدد.
وحكمهما (٥) في التّلفّظ : التّذكير مع المذكّر ، والتّأنيث مع المؤنّث ، كسائر الألفاظ.
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٢) في الأصل : ضميره.
(٣) بل يقتصر على «درهم ودرهمين». انظر المساعد لابن عقيل : ٢ / ٧٠.
(٤) قال ابن عصفور في شرح الجمل (٢ / ٢٩): «فأما الواحد والاثنان والواحدة والثنتان والاثنتان ، فلا يجوز فيهما الإضافة أصلا ، وإنما لم يجز فيها ذلك لأن ذكر المعدود يغني عن ذكر العدد ، فلو ذكرته مع المعدود لكان عيا ، ألا ترى أنك إذا قلت : رجل ، علم أنه واحد ، وإذا قلت : امرأة ، علم أنها واحدة ، وإذا قلت : رجلان ، علم أنهما اثنان ، وإذا قلت : امرأتان ، علم أنهما اثنتان ، فلذلك لم تجز إضافتهما إلى المعدود إلا ضرورة ، كقوله :
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
وكان ينبغي أن يقال : حنظلتان ، إلا أنه لما اضطر جمع بين العدد والمعدود ، وأتى بالمعدود غير مثنى ليكون للعدد فائدة. انتهى. وانظر ارتشاف الضرب : ١ / ٣٥٨ ، الهمع : ٤ / ٧٤ ، المساعد لابن عقيل : ٢ / ٧٠ ـ ٧١.
(٥) في الأصل : وحكمها.
ثمّ قال رحمهالله / :
ثلاثة بالتّاء قل للعشر |
|
في عدّ ما آحاده مذكّره |
في الضّدّ جرّد والمميّز اجرر |
|
جمعا بلفظ قلّة في الأكثر |
كان قياس العدد المميّز بجمع (١) ـ وهو ثمانية ألفاظ : الثّلاثة والعشرة وما بينهما ـ أن يستعمل بالتّاء مطلقا ، لأنّ مسمّياتها جموع ، والجموع الغالب عليها التأنيث ، إلّا أنّهم أرادوا التّفريق بين المذكّر والمؤنّث ، فجاؤوا بالتّاء الّتي هي الأصل مع المذكّر ، لأنّه الأصل ، وجرّدوه (٢) منها مع المؤنّث ، لطلب الفرق فقالوا : «ثلاث نسوة ، وأربعة رجال» ، قال تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ ، وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ)(٣) [الحاقة : ٧].
ثمّ الاعتبار في التّذكير والتّأنيث بالآحاد لا بصورة الجمع ، فتقول : ثلاثة اصطبلات (٤) ، وثلاثة حمّامات ، لأنّ آحادها «إصطبل ، وحمّام» ، وهما مذكّران (٥) ، وتقول : «ثلاث إوزّين» ، لأنّ واحده ، «إوزّة».
وليس الاعتبار في ذلك بلفظ الواحد دون معناه ، حتى يقال : «ثلاث طلحات» ، ولا (٦) بمعناه دون لفظه ، حتّى يقال : «ثلاث شخوص» مرادا به نسوة ، ولكن ينظر إلى ما يستحقّه بالمفرد باعتبار نعته ، وضميره ، فيعكس ذلك في العدد ، فكما يقال : «حمزة صالح» (٧) ، و «زينب شخص (٨) يحسن إلى أهله» ، تقول في عددهما : ثلاثة حمزات ، وثلاثة أشخص.
__________________
(١) في الأصل : لجمع.
(٢) في الأصل : وجودوه.
(٣) قال ابن حمدون في حاشيته (٢ / ١٠٨): «ثم إن محل لزوم عدم المطابقة إذا كان المعدود مذكرا مؤخرا عن العدد ، فإن كان محذوفا أو قدم على العدد جاز في العدد وجهان : المطابقة وعدمها وهو الغالب ، فمثال الحذف قوله عليهالسلام : «ثم أتبعه بست من شوال» الأصل : «بستة» بالتاء ، لأن المعدود وهو «أيام» مذكر ، فالقياس تأنيث العدد لكنه لما حذف ذكر العدد ، ومثال التقديم «مسائل تسعة» والقياس : «تسع» ، لأن المعدود مؤنث لكنه لما قدم المعدود جاز وجهان في العدد». انتهى.
(٤) في الأصل : اصطبلا.
(٥) ولا تقل : «ثلاث» بترك التاء خلافا للبغداديين والكسائي ، فإنهم يعتبرون لفظ الجمع ، فيقولون : «ثلاث اصطبلات وثلاث حمّامات».
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧١ ، الهمع : ٥ / ٣٠٨ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٠٢ ، شرح الأشموني : ٤ / ٦١ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٦١.
(٦) في الأصل : الواو. ساقط.
(٧) في الأصل : وصالح. راجع التصريح : ٢ / ٢٧١.
(٨) في الأصل : وشخص. راجع التصريح : ٢ / ٢٧١.
فإن كان المعدود صفة حذف / موصوفها فالمراعى في التّذكير والتّأنيث ـ حكم الموصوف المحذوف ، فتقول : «عندي ثلاث حوائض» ، لأنّ الموصوف المحذوف : «نسوة» ، و «عندي ثلاثة (١) همزات» (٢) ، إذا جعلته وصفا لرجال ، وعلى ذلك جاء قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] ، لأنّ المراد : عشر حسنات ، ولو لا ذلك لدخلت التّاء في العشرة ، لأنّ «المثل» مذكّر.
ومميّز هذا العدد مجرور مطلقا ، ثمّ أكثر ما يكون جمعا مكسّرا بلفظ القلّة ، نحو : (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦] ، و (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) [لقمان : ٢٧] ، و (ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) [الحاقة : ٧].
وقد يأتي جمع تصحيح ، لكن أكثر ما يكون ذلك فيما أهمل تكسيره ، كـ (سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩]. أو جاور ما أهمل تكسيره ، كـ «سبع سنبلات» ، لمجاورته لـ (سَبْعَ بَقَراتٍ) [يوسف : ٤٣] ، أو أشبه المكسّر لعدم سلامة لفظ الواحد فيه ، إمّا لنقص (٣) ، نحو : (سَبْعَ سِنِينَ) [يوسف : ٤٧] ، أو لتغيّر حركة ، كـ «سبع أرضين».
ويأتي جمع (٤) كثرة : إمّا لأنّ جمع القلّة فيه مهمل كـ «ثلاثة دراهم» ، و «خمسة رجال» ، وإمّا لقلّته (٥) ، كـ «ثلاثة شسوع (٦)» لندور «أشساع» (٧) ، وإمّا لضعفه (٨) قياسا ، كقوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، فإنّ جمع «فعل» صحيح العين على «أفعال» شاذّ قياسا.
ويأتي مفردا ، نحو : (ثَلاثَ مِائَةٍ) [الكهف : ٢٥] ، واسم جنس ، كـ «شجر» ،
__________________
(١) في الأصل : ثلاث. راجع التصريح : ٢ / ٢٧١.
(٢) يقال : رجل همزة وامرأة أيضا ، والهمزة : الذي يخلف الناس من ورائهم ويأكل لحومهم ، وهو مثل الغبية ويكون ذلك بالشدق والعين والرأس. انظر اللسان : ٦ / ٤٦٩٨ (همز).
(٣) في الأصل : النقص.
(٤) في الأصل : جميع.
(٥) في الأصل : القلة.
(٦) في الأصل : شسو. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٢ ، شسوع جمع «شسع» وهو أحد سيور النعل ، وهو الذي يدخل بين الأصبعين ، ويدخل طرفه في الثقب في صدر النعل المشدود في الزمام. انظر اللسان : ٤ / ٢٢٥٧ (شسع).
(٧) في الأصل : أشجاع. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٢.
(٨) في الأصل : الضعفة.
واسم جمع كـ «رهط» ، لكن الأكثر في هذين الأخيرين ، إذا ميّز بهما ـ أن يجرّا بـ «من» / فيقال : «ثلاث من الشّجر» ، «أربعة من القوم» ، وقد يجرّا (١) بالإضافة ، نحو : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)(٢) [النمل : ٤٨] ، وهما في التّذكير والتّأنيث عكس الجمع ، فيعتبر ذلك بحالهما ، لا بحال مفرديهما ، فتقول : «ثلاثة من الغنم ، وثلاث من البطّ» ، لأنّك تقول : «غنم كثير ، وبطّ كثيرة» ، وتقول : «ثلاث من البقر» ، وإن شئت «ثلاثة» ، لتأنيثه في قراءة بعضهم : إن البقر تشابهت (٣) [البقرة : ٧٠].
ثمّ قال :
ومائة والألف للفرد أضف |
|
ومائة بالجمع نزرا قد ردف |
المائة والألف يشاركان الأعداد الثّمانية المذكورة في كون مميّزها مجرورا بإضافتها إليه ، لكن حقّ مميّزها أن يكون مفردا ، كما نطق به القرآن ، نحو : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) [البقرة : ٢٥٩] ، (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ) [العنكبوت : ١٤].
وقد جاء مميّز المائة بلفظ الجمع ، إلا أنّه نزر ـ أي : قليل ـ ، ومنه قراءة
__________________
(١) في الأصل : يجر. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٠.
(٢) وفي الحديث : «ليس فيما دون خمس ذود صدقة». والذود من الإبل : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وهي مؤنثة لا واحدة لها من لفظها. وهذا تمثيل لاسم الجمع ، أما اسم الجنس فنحو «ثلاث نحل» وقول جندل :
كأنّ خصييه من التدلّدل |
|
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل |
و «حنظل» اسم جنس مخفوض بالإضافة على حد «تسعة رهط» قاله ابن هشام. وقد اتفق الجميع في هذا على الخفض بـ «من» ، وأما الإضافة ففيه مذاهب :
الأول : الجواز على قلة ، واختاره صاحب البسيط ، وهو قول أبي علي ، وظاهر كلام ابن هشام تبعا لابن عصفور.
الثاني : الاقتصار على ما سمع ، وهو مذهب الأكثرين منهم الأخفش ، وتبعه ابن مالك.
الثالث : التفصيل في اسم الجمع ، فإن كان مما يستعمل للقليل فقط نحو «نفر» و «رهط» جاز ، وإن كان مما يستعمل للقليل والكثير كـ «قوم ونسوة» ، لم يجز ، حكاه الفارسي عن أبي عثمان المازني ، واختاره ابن عصفور مرة.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٠ ، المساعد لابن عقيل : ٢ / ٧٣ ـ ٧٤ ، اللسان : ٣ / ١٥٢٥ (ذود) ، الهمع : ٤ / ٧٥ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٠٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٦٥.
(٣) وهي قراءة أبيّ. انظر البحر المحيط : ١ / ٢٥٤ ، تفسير البيضاوي : ٢ / ١٨١ ، روح المعاني للآلوسي : ١ / ٢٨٩ ، أوضح المسالك : ٢٤٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٠ ، الأشموني : ٤ / ٦٤.
بعضهم : (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) [الكهف : ٢٥] بالإضافة (١) ، وأندر منه مجيئه مفردا منصوبا ، كقوله :
٢٨١ ـ إذا عاش الفتى مائتين عاما |
|
فقد ذهب المسرّة والفتاء |
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأحد اذكر وصلنه بعشر |
|
مركّبا (قاصد) (٣) معدود ذكر |
وقل لدى التّأنيث إحدى عشره |
|
والشّين فيها عن تميم كسره |
إذا جاوزت العشرة (٤) في العدد ، ركّبت النّيّف ـ وهو الواحد والتّسعة وما
__________________
(١) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف ، وقرأ الباقون «ثلاثمائة» بالتنوين ، و «سنين» على هذا بدل من «ثلاث» ، وأجاز قوم أن تكون بدلا من «مائة» ، لأن «مائة» في معنى «مئات».
انظر المبسوط في القراءات العشر : ٢٧٦ ، حجة القراءات : ٤١٤ ، إتحاف فضلاء البشر : ٢٨٩ ، إملاء ما من به الرحمن : ٢ / ١٠١ ، إعراب النحاس : ٢ / ٤٥٣ ، معاني الفراء : ٢ / ١٣٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٣ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٠٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٦٦ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٥٧.
٢٨١ ـ من الوافر ، وقد تردد في الكتاب في نسبته لقائله ، فنسب في (١ / ١٠٦) للربيع بن ضبع الفزاري وتابعه الأعلم في ذلك ، ثم نسب في (١ / ٢٩٣) ليزيد بن ضبة ، فخالفه الأعلم في ذلك وأكد نسبته للربيع ، وصحح صاحب الخزانة نسبته للربيع بقوله : «والصحيح أن الأبيات للربيع بن ضبع الفزاري». انتهى. وهو من قصيدة للربيع يذكر فيها لبنيه ما لحقه من الكبر ، ويوصيهم بنفسه ، وقبله :
فأمّا حين يذهب كلّ قرّ |
|
فسربال خفيف أو رداء |
ويروى : «خمسين عاما» ، و «ستين عاما» ، و «تسعين عاما» بدل «مائتين عاما» ، ويروى : «الذاذة» بدل «المسرة» ، ويروى : «التخيل» بدل «المسرة» أيضا. والتخيل : التكبر. ويروى كذلك : «البشاشة» بدل «المسرة». والشاهد في قوله : «مائتين عاما» حيث جاء مميز المائة مفردا منصوبا ، وهو شاذ ونادر لا يقاس عليه ، والقياس فيه إضافة «المائتين» إلى «العام». وأجاز ابن كيسان : «المائة درهما» و «الألف دينارا».
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٦٧ ، شرح الأشموني : ٤ / ٦٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٣ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٨١ ، شرح ابن الناظم : ٧٣١ ، شرح المرادي : ٤ / ٣١٠ ، الحلل : ٥٧ ، شرح ابن يعيش : ٦ / ٢١ ، ٢٣ ، الخزانة : ٧ / ٣٧٩ ، الدرر اللوامع : ١ / ٢١٠ ، اللسان : (فتا) ، سمط اللآلىء : ٢ / ٨٠٣ ، المقتضب : ٢ / ١٦٦ ، مجالس ثعلب : ١ / ٢٧٥ ، المقتصد : ٢ / ٧٣٤ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٤١٧ ، شواهد ابن النحاس : ٧١ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٦ ، المقرب : ١ / ٣٠٦ ، الهمع : ٩٨٠ ، جمل الزجاجي : ٢٤٢ ، المنقوص والممدود للفراء : ١٧ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٣٥٣ ، الأصول : ١ / ٣١٢ ، التوطئة : ٣١٦ ، فتح رب البرية : ٢ / ١٨٤ ، أمالي المرتضى : ١ / ٢٥٤ ، ٢٥٥.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ١٥٧.
(٣) في الأصل : العشر.
بينهما / مع العقد ـ وهو العشرة والتّسعون وما بينهما ـ ، إلا أنّك في العشرين ، وما فوقها تركّبه بالعطف ـ كما يأتي ـ ، ومع العشرة تركّبه بدون عطف. ومراد النّاظم أنّك إذا ركّبت الواحد مع العشرة أبدلت لفظه في التّذكير بـ «أحد» ، وفي التّأنيث بـ «إحدى» معتبرا في تذكير كلّ من المركّبين وتأنيثه حال المعدود ، فتقول : «أحد عشر رجلا ، وإحدى عشرة امرأة» ، بفتح الشّين مع التّجرّد من التّاء عند الكلّ ، وسكونها مع التّاء عند الحجازيّين (١) ، وكسرها عند التّميميّين ، وبعضهم (٢) يفتحها أيضا (٣).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ومع غير أحد وإحدى |
|
ما معهما فعلت فافعل قصدا |
حكم العشرة مع غير «أحد ، وإحدى» من النّيف المركّب معها ، أو المضاف (٤) إليها ـ حكمها معهما (٥). فيؤتى (٦) بها على الأصل من التّجرّد إن كان المعدود مذكّرا (٧) ، والاتّصال بالتّاء إن كان مؤنّثا ، فتقول : «ثلاثة عشر رجلا ، وثلاث عشرة نسوة» وكذا سائرها ، وفي شينها مع التّاء ما سبق من الّلغات الثّلاث.
ثمّ قال :
ولثلاثة وتسعة وما |
|
بينهما إن ركّبا ما قدّما |
الثّلاثة والتّسعة وما بينهما ، إذا ركّبا مع العشرة ـ كان حكمها : أن تحذف التّاء منها إن كان المعدود مؤنّثا ، وتّتصل بها إن كان / مذكّرا ، فلذلك
__________________
(١) في الأصل : الحجازين. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٤.
(٢) قال الأزهري : وهم الأقلون من بني تميم. وقال أبو حيان : بعض العرب. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٦٥.
(٣) إبقاء لها على أصلها من الفتح ، وبذلك قرأ يزيد بن القعقاع : فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. قال ابن مالك : وبينت ترجيح السكون بقولي :
واللّغة الأولى هي المشتهره
وقال الأشموني : ألا أن الأفصح التسكين ، وهي لغة الحجاز. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٧٠ ، شرح الأشموني : ٤ / ٦٧ ، التسهيل : ١١٧ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٢ ، شرح الرضي : ٢ / ١٥١ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٦٥.
(٤) في الأصل : والمضاف.
(٥) في الأصل : معها. أي : مع «أحد» و «إحدى».
(٦) في الأصل : فيأتي.
(٧) في الأصل : مذكر.
لا يتصوّر اجتماع التّجريد ، ولا التّلبّس فيها وفي العشرة ، إذ (١) المعتبر في تذكير العشرة وتأنيثها مطابقة حال المعدود ـ كما سبق ـ وفي تذكير الثّلاثة وباقي النّيّف وتأنيثها ـ عكس حال المعدود ، فلذلك قال الله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثّر : ٣٠] ، لأنّ واحد المعدود : «ملك» ، فاعتبر مطابقته في العشرة ، فتجرّدت ، وعكس ذلك في التسعة ، فاتّصلت ، وعكسه «أقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم (بمكّة) (٢) ثلاث عشرة سنة» (٣).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأول عشرة اثنتي وعشرا |
|
إثني إذا أنثى تشا أو ذكرا |
واليا لغير الرّفع وارفع بالألف |
|
والفتح في جزأي سواهما ألف |
إذا ركّبت الاثنين أو الاثنتين مع العشرة أضفتهما (٤) إليها ، معتبرا في حالهما مع (ما) (٥) ركّبا معه مطابقة حال المعدود ، تذكيرا وتأنيثا ، كـ «الواحد» ، فتقول : «عندي اثنا عشر رجلا ، واثنتا (٦) عشرة امرأة». وإلى المثال الثّاني أشار المصنّف بقوله : «وأول عشرة اثنتي». وإلى الأول أشار بقوله : «وعشرا إثني» إذ المعنى : وأول عشرة اثني.
وقوله : «إذا أنثى تشا أو ذكرا» تقسيم لا تخيير ، ولذلك أوقعه مطابقا لحال المثالين ، فقدّم الأنثى ، لتقدّم عددها في التّمثيل.
ثمّ هو مخالف لجميع المركّبات في أنّ النّيّف / يعرب مضافا إلى العشرة ، فيكون بالياء في غير الرّفع ـ وهو الجرّ والنّصب ـ ، نحو : «رأيت اثني عشر رجلا ، ومررت باثنتي عشرة امرأة» (٧).
__________________
(١) في الأصل : إذا.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٣) روى مسلم في صحيحه (٤ / ٨٢٦) حديث رقم (٢٣٥١) عن ابن عباس قال : «أقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكّة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، وبالمدينة عشرا ، ومات وهو ابن ثلاث وستّين سنة». وانظر شرح مسلم للنووي : ١٥ / ١٠٣ ، (بتحقيق الزعبي). وروي : «مكث» بدل «أقام» في سنن الترمذي : ٥ / ٦٠٥ (حديث رقم : ٣٦٥٢) ، الشمائل المحمدية للترمذي : ٢٩٨.
(٤) في الأصل : أضفتها.
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٦) في الأصل : واثنتي.
(٧) هذا مذهب الجمهور. وذهب ابن كيسان وابن درستويه إلى أن صدرهما مبني على الألف والياء ، كأخواتهما المركبات.
انظر الهمع : ٥ / ٣١١ ، شرح المرادي : ٤ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٦٧.
وأمّا سواهما من الأعداد ، فالمألوف فيها بناء الجزأين ـ وهما النّيّف والعشرة ـ على الفتح ، نكّرت ، نحو : «عندي ثلاثة عشر رجلا» ، أو عرّفت كـ «مررت بالخمسة عشر رجلا» (١). ويستثنى من ذلك لفظتان : الأولى : «إحدى» فإنّها تبنى على السّكون حال تركيبها ، لعدم قبول الألف الحركة.
الثّانية : «ثماني» (٢) فإنّ من العرب من يسكّن ياءه ، كما يسكّن ياء «معدي كرب» عند التّركيب.
ومنهم من يفتحها على القاعدة (٣).
ومنهم من يحذفها مع بقاء (٤) كسر النّون ، للدّلالة عليها (٥).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وميّز العشرين للتّسعينا (٦) |
|
بواحد كأربعين حينا |
مميّز العشرين والتّسعين وما بينهما من العقود مفرد منصوب ، سواء كانت مفردة كـ «خمسين عاما» ، أو معطوفة على نيّف ، كـ «ثلاثة وثلاثين رجلا» (٧).
__________________
(١) وأجاز الكوفيون إضافة صدر المركب إلى عجزه ، فيقولون : «هذه خمسة عشر» واستحسنوا ذلك إذا أضيف ، نحو «خمسة عشرك». وجوز الأخفش إعرابها مضافة إلى اسم بعدها ، كـ «بعلبك» ، فيقال : «هذه خمسة عشرك» ببقاء الصدر مفتوحا ، وتغيير آخر العجز بالعوامل. وجوز الفراء إعرابها ، فيقال : «هذه خمسة عشرك» ومررت بخمسة عشرك بإعراب الأول على حسب العوامل وجر الثاني أبدا.
انظر شرح الأشموني : ٤ / ٦٩ ، شرح المرادي : ٤ / ٣١٣ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٣ ـ ٣٤ ، الهمع : ٥ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٥ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٦٥.
(٢) في الأصل : ثمانية. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٤.
(٣) وذلك لأنها مفتوحة في «ثمانية». قاله السهيلي.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٤ ، الهمع : ٥ / ٣١١ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٤ ، التسهيل : ١١٨ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٠ ، البهجة المرضية : ١٦٣.
(٤) في الأصل : «بناء مع» ، بدل «مع بقاء». راجع التصريح : ٢ / ٢٧٤.
(٥) أو يحذفها مع فتح النون للتركيب ، كقول الشاعر :
ولقد شربت ثمانيا وثمانيا |
|
وثمان عشرة واثنتين وأربعا |
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٤ ، الهمع : ٥ / ٣١٢ ، التسهيل : ١١٨ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٧٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٠ ، البهجة المرضية : ١٦٣.
(٦) في الأصل : والتسعينا. انظر الألفية : ١٥٩.
(٧) هذا مذهب الجمهور ، وأجاز الفراء جمعه ، فتقول : «عشرون رجالا» ، وأجاز ابن مالك في
ثمّ لفظ العدد لا يختلف ذكر معدوده (معه ـ ذكّر) (١) أو أنّث ، نحو : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥] ، (وَواعَدْنا)(٢) مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف : ١٤٢].
وأمّا النّيّف : فحكمه معه (كحكمه) (٣) إذا انفرد (٤) ـ أن يطابق «بالواحد ، وبالاثنين» حال معددهما ، فتقول : «عندي واحد وثلاثون / رجلا» ـ وإن شئت : «أحد وثلاثون» ـ و «واحدة وثلاثون امرأة» ـ والأكثر «إحدى وثلاثون» ـ ، و «اثنان وثلاثون رجلا» ، و «اثنتان وثلاثون امرأة».
ويخالف «بالثّلاثة والتّسعة» وما بينهما حال معدودهما ، فتقول : «ثلاث وثلاثون جارية ، وتسعة وأربعون عبدا» ، قال الله تعالى : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) [ص : ٢٣] ، وفي الحديث : «إنّ لله (٥) تسعة وتسعين اسما» (٦).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وميّزوا مركّبا بمثل ما |
|
ميّز عشرون فسوّينهما |
المركّب من أعداد بغير عطف ـ وهو «أحد عشر ، وتسعة عشر» ، وما بينهما ـ مميّز بما يميّز به «عشرون» (٧) وأخواته ، من مفرد منصوب ، نحو : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف : ٤] ، (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا
__________________
شرح التسهيل : «عندي عشرون دراهم لعشرين رجلا» عند قصد أن لكل واحد منهم عشرين.
انظر شرح المرادي : ٤ / ٣١٢ ، حاشية الصبان : ٤ / ٦٩ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٣٨ ، الهمع : ٤ / ٧٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٥ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٥٥.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٢) في الأصل : ووعدنا.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٤) في الأصل : انفردت.
(٥) في الأصل : الله.
(٦) وروى البخاري في صحيحه (٣ / ٢٥٩) عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنّة».
وانظر : ٩ / ١٤٥ ، فتح الباري : ٥ / ٣٥٤ ، ١٣ / ٣٧٧ ، مسند أحمد : ٢ / ٢٥٨ ، ٤٩٩ ، سنن البيهقي : ١٠ / ٢٧ ، سنن ابن ماجه رقم : ٣٨٦٠ ، ٣٨٦١ ، سنن الترمذي رقم : ٣٥٠٦ ، ٣٥٠٧ ، ٣٥٠٨ ، مشكاة المصابيح رقم : ٢٢٨٧ ، ٢٢٨٨ ، الدر المنثور : ٣ / ١٤٨ ، كنز العمال : ١٩٣٣ ، ١٩٣٤ ، ١٩٣٨ ، تلخيص الحبير : ٤ / ١٧٢.
(٧) في الأصل : عشرون. مكرر.
عَشَرَ شَهْراً) [التوبة : ٣٦]. فأمّا قوله : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) [الأعراف : ١٦٠] ، فالوجه أنّ المميّز محذوف ، تقديره : فرقة ، و «أسباطا» بدل من «اثنتي عشرة» ، إذ لو كان تمييزا (١) ، لقيل : «اثني عشر» ، لأنّ واحده : سبط وهو مذكّر.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وإن أضيف عدد مركّب |
|
يبق (٢) البنا وعجز قد يعرب |
تختصّ الأعداد المركّبة بغير إضافة بجواز (٣) إضافتها إلى مستحقّ المعدود.
ثمّ فيها لغتان :
ـ أشهرها بقاء البناء ، نحو : «مررت بأحد عشر زيد» ، وجعل أكثر البصريّين هذا واجبا (٤) /.
ـ والّلغة الثانية حكاها سيبويه ، وهي (٥) إعراب العجز بما يقتضيه العامل ، مع بقاء فتح الصّدر (٦) ، كما يفعل ذلك بـ «بعلبكّ» ، فتقول : «هؤلاء أحد عشر زيد ، ورأيت أحد عشر زيد ، ومررت بأحد عشر زيد» ، تجرّه بالكسرة لفقد العلميّة المقتضية مع التّركيب منع الصّرف.
قال سيبويه : «وهي لغة رديئة» (٧).
__________________
(١) في الأصل : تميزا.
(٢) في الأصل : يبقى : انظر الألفية : ١٥٩.
(٣) في الأصل : يجوز.
(٤) ونسب في الهمع للجمهور.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٥ ، الهمع : ٥ / ٣١٠ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٣٨ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧١ ، شرح المرادي : ٤ / ٣١٦ ، شرح دحلان : ١٦٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٨١.
(٥) في الأصل : وهو.
(٦) واستحسنه الأخفش واختاره ابن عصفور وزعم أنه الأفصح. انظر الكتاب : ٢ / ٥١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٥ ، المقرب : ١ / ٣٠٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧١ ، شرح المرادي : ٤ / ٣١٦ ، الهمع : ٥ / ١٣٠ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٦٩ ، شرح دحلان : ١٦٣ ، البهجة المرضية : ١٦٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١٦٨١ ، التسهيل : ١١٨.
(٧) قال المرادي : «قلت» : قال بعضهم : وهي لغة ضعيفة عند سيبويه ، وإذا ثبت كونها لغة لم يمتنع القياس عليها ، وإن كانت ضعيفة. انتهى. وقد تقدم أن الأخفش استحسنها ، واختارها ابن عصفور وزعم أنها الفصحى.
وحكى الكوفيّون فيها لغة ثالثة ، وهي إضافة الصّدر إلى العجز ، معربا بما يقتضيه العامل ، ثمّ إضافة العجز مجرورا إلى مستحقّ المعدود ، فتقول : «هذا أحد عشرك ، ومررت بأحد عشرك» (١).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وصغ من اثنين فما فوق إلى |
|
عشرة كفاعل من فعلا |
واختمه في التّأنيث بالتّا ومتى |
|
ذكّرت فاذكر فاعلا بغيرتا |
واحد وواحدة : من أسماء العدد ـ موضوعان على وزن «فاعل» ، و «فاعلة» ، فلذلك أضرب المصنّف عن ذكرهما (٢).
ومتى استعملا مع العشرة أو (ما) (٣) فوقها من العقود فإنّك تنقل الفاء منهما إلى موضع الّلام ، وتقلبهما ياء ، فتقول : «حادي» في التّذكير ، و «حادية» في التّأنيث.
وأمّا ما زاد عليهما ، فالاثنان فما فوقهما إلى العشرة ـ لك أن تصوغها على وزن «واحد ، وواحدة» ، فتبني منهما اسم فاعل ، كما بنيته من الفعل الثلاثيّ ، وتأتي منه على / وزن «فاعل» بغير تاء مع المذكّر ، وعلى وزن «فاعلة» بالتّاء مع المؤنّثة ، فتقول : «هذا ثالث القوم ، وهذه رابعة النّسوة» ، كما تقول : «هذا ضارب القوم ، وهذه سابقة النّسوة». ولك أن تستعمله مفردا لقصد الدّلالة على معناه ، مجرّدا عن الإضافة ، نحو :
٢٨٢ ـ ... |
|
لستّة أعوام وذا العام (٥) سابع |
__________________
انظر الكتاب : ٢ / ٥١ ، التسهيل : ١١٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٥ ، ١ / ٣٠٩ ، شرح المرادي : ٤ / ٣١٦ ، البهجة المرضية : ١٦٣ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧١ ، شرح دحلان : ١٦٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٨١ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٦٩.
(١) وحكي عن الفراء. انظر شرح المرادي : ٤ / ٣١٧ ، التسهيل : ١١٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٥ ، الهمع : ٥ / ٣١٠ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٨١.
(٢) في الأصل : ذكر.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
٢٨٢ ـ من الطويل ، للنابغة الذبياني (زياد بن معاوية) من قصيدة له في ديوانه (٥٠) وصدره :
توهّمت آيات لها فعرفتها
توهمت : أي : وقع في وهمي ، أي : ذهني. آيات : أراد بها علامات الدار التي تعرف بها.
لستة أعوام : أي بعد ستة أعوام ، كما في قولك : كتبت لليلة خلت من الشهر ، أي : بعد ليلة. والشاهد فيه مجيء قوله : «سابع» مفردا ، ليفيد الاتصاف بمعناه ، مجردا عن الإضافة.
انظر الكتاب مع الأعلم : ١ / ٢٦٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٦ ، الشواهد الكبرى :
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وإن ترد بعض الّذي منه بني |
|
تضف إليه مثل بعض بيّن |
وإن ترد جعل الأقلّ مثل ما |
|
فوق فحكم جاعل له احكما |
لهذا العدد المحوّل إلى بناء «فاعل» في الاستعمال مع غيره خمسة أحوال (١) :
أحدها : أن تستعمله مع أصله (٢) الذي يبنى منه للدلالة على أنّ الموصوف به بعض تلك العدّة (٣) المعيّنة لا غير ، فتضيف الأول إلى الثّاني ، فتقول : «خامس خمسة ورابع أربعة» ، كما تقول : «بعض أربعة ، وبعض خمسة» ، قال الله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة : ٤٠] ، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [المائدة : ٧٣] ، ولا يتأتّى هذا الاستعمال في «الواحد» ، لفقد البعضيّة.
وهذه الإضافة واجبة عند الجمهور ، ولم يثبت على ما أجازه الكسائيّ والأخفش (٤) لنصب الثّاني ـ شاهد. وخصّ المصنّف في غير هذا الموضع النّصب بـ «ثان» ، دون بقيّة أخواته (٥).
__________________
٤ / ٤٨٢ ، المقتضب : ٤ / ٣٢٢ ، المقرب : ١ / ٢٤٧ ، شواهد ابن النحاس : ١٩١ ، الأصول : ١ / ١٥١ ، شرح الألفية للشاطبي : (رسالة دكتوراه) : ١ / ٣٩١ ، التحفة المكية (رسالة ماجستير) : ٢٤١ ، ارتشاف الضرب : ٦٢٨.
(١) ذكر المؤلف هنا حالين منها ، والثالث : استعماله مفردا ، وقد تقدم الكلام عليه آنفا قوله :
وصغ من اثنين فما فوق إلى |
|
... إلخ |
والرابع : استعماله مركبا ، وسيأتي عند قوله :
وإن أردت مثل ثاني اثنين |
|
مركّبا فجئ بتركيبين |
والخامس : استعماله مع العشرين وأخواتها ، وسيأتي عند قوله :
... |
|
... وقبل عشرين اذكرا |
راجع التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٦ ـ ٢٧٩.
(٢) في الأصل : صلة. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٦.
(٣) في الأصل : العدد. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٦.
(٤) وقطرب وثعلب أيضا أجازوا إضافة الأول إلى الثاني ، ونصبه إياه ، كما جاز في «ضارب زيد» ، فيقولون : «ثاني اثنين ، وثالث ثلاثة».
انظر شرح الأشموني : ٤ / ٧٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٦ ، شرح المرادي : ٤ / ٣١٩ ، الهمع : ٥ / ٣١٥ ، التسهيل : ١٢١ ، قطر الندى : ٤٤٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٨٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٦٧.
(٥) قال ابن مالك في التسهيل (١٢١): «يصاغ موازن فاعل من اثنين إلى عشرة بمعنى بعض أصله ، فيفرد أو يضاف إلى أصله ، وينصبه إن كان اثنين لا مطلقا ، خلافا للأخفش». انتهى.
الحال الثّاني : أن تستعمله (١) مع / عدد دون أصله الّذي يبنى منه ، مقصودا به جعل الأقلّ من العدد المستعمل منه مثل الأكثر ، وهو العدد الّذي هو أصله ، نحو : «رابع ثلاثة» ، أي : جاعلهم بنفسه أربعة ، فيكون حكمه حكم «جاعل» ونحوه من اسم الفاعل الّذي يجوز أن ينصب ما بعده ، وأن ينجرّ بالإضافة ، ويحتملهما قوله تعالى : (سادِسُهُمْ)(٢) كَلْبُهُمْ [الكهف : ٢٢].
ولا يتأتّى هذا الاستعمال في «ثان» فلا يقال : «ثاني واحد» بإضافة ، ولا بنصب (٣).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وإن أردت مثل ثاني اثنين |
|
مركّبا فجىء بتركيبين |
يعني : أنّك إذا أردت بالمركّب من «أحد عشر» إلى «تسعة عشر» ما أردت بـ «ثاني اثنين» من الإضافة على معنى «بعض» ـ فجىء بتركيبين ، فنقول : «هذا ثاني عشر اثني عشر» ، و «ثانية عشرة اثنتي عشرة» إلى : «(تاسع عشر) (٤) تسعة عشر» ، و «تاسعة (٥) عشرة تسع عشرة» ، بأربعة أسماء كلّها مبنيّة (٦).
وفهم البناء فيها من قوله : «بتركيبين» ، فإنّ التّركيب يقتضي البناء ، والمركّب الأوّل مضاف إلى المركّب الثّاني إضافة ثاني اثنين ، هذا هو الأصل ، ويجوز فيه وجهان آخران ـ وسيأتيان ـ.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
أو فاعلا بحالتيه أضف |
|
إلى مركّب بما تنوي يفي |
__________________
وانظر شرح المرادي : ٤ / ٣١٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٦ ، الهمع : ٥ / ٣١٦.
(١) في الأصل : تستعمل. راجع التصريح : ٢ / ٢٧٦.
(٢) في الأصل : وسادسهم.
(٣) فلا يقال : «ثان واحدا» بالنصب ، نص على الأول سيبويه. وقال الكسائي بعض العرب يقول : «ثاني واحد» ، وحكى الجوهري «ثان واحدا» بالنصب.
انظر الكتاب : ٢ / ١٧٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٧ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٢٠ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٠ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧٥ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٢ ، الهمع : ٥ / ٣١٧.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٣.
(٥) في الأصل : تاسع. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٣.
(٦) وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز أن يضاف العدد المركب إلى مثله ، فلا يجوز أن يقال مثلا : «ثالث عشر ثلاثة عشر». انظر الإنصاف (مسألة : ٤٤) : ١ / ٣٢٢.
وشاع الاستغنا بحادي عشرا |
|
ونحوه ... |
هذا إشارة إلى الوجهين / :
الأول : أنّك تضيف فاعلا بحالتيه ـ أي : من التّذكير والتّأنيث ـ إلى المركّب الثّاني ، فتعرب الأوّل ، لزوال التّركيب ، وهو المراد بقوله : «بما تنوي (١) يفي».
الثّاني : أنّه يحذف من المركّب الأوّل العجز ، ومن المركّب الثّاني الصّدر ، وفيه حينئذ ثلاثة أوجه :
بناؤهما ، وهو المشهور (٢) ، وإعراب الأوّل ، وبناء الثّاني (٣) ، وإعرابهما (٤).
وفهم من المثال الثّاني : أنّ «عشر» مبنيّ لنطقه (٥) به مفتوحا ، فيحتمل الأوّل والثاني دون الثّالث ، لاحتمال أن يكون «حادي» مبنيّا أو معربا ، لعدم الحركة (٦) فيه.
وفائدة التّمثيل بـ «حادي» (٧) : (التّنبيه على أنّه مقلوب وأصله «واحد».
__________________
(١) في الأصل : ينوي : انظر الألفية : ١٦٠.
(٢) انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٣ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٢١. وفي التصريح قال الأزهري : وزعم أبو محمد بن السيد أنه يجوز بناؤهما لحلول كل منهما محل المحذوف من صاحبه ، فتقول : «جاء ثالث عشرة ، ورأيت ثالث عشر ، ومررت بثالث عشر» ببناء الجزأين على الفتح في الأحوال الثلاثة. وهذا مردود لأنه لا دليل حينئذ ـ أي : إذا بنيا ـ على أن هذين الاسمين منتزعان من تركيبين بخلاف ما إذا أعرب الجزء الأول. انتهى.
انظر التصريح على التوضيح : ٢٧٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٧٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤١.
(٣) حكى هذا الوجه ابن السكيت وابن كيسان والكسائي ، ووجهه : أنه حذف عجز الأول فأعربه لزوال التركيب ، ونوى صدر الثاني فبناه.
انظر شرح المرادي : ٤ / ٣٢١ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٨ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤١.
(٤) معا ، وذلك لزوال مقتضى البناء ، وهو التركيب فيهما ، فتجري الأول بمقتضى حكم العوامل ، وتجري الثاني بالإضافة دائما. قال المرادي : وهذا الوجه أجازه بعض النحويين.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٧ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٢٢ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤١ ، شرح المكودي : ٢ / ١١٣.
(٥) في الأصل : لفظه. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٣.
(٦) في الأصل : العركة. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٣.
(٧) في الأصل : بحادي عشر. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٣.
«ونحوه» أي : ونحو حادي عشر ، فتقول : «حادي عشر وحادية عشرة») (١) إلى تاسع عشر وتاسعة عشرة».
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
... |
|
... وقبل عشرين اذكرا |
وبابه الفاعل من لفظ العدد |
|
بحالتيه قبل واو يعتمد |
يعني : أنّ اسم الفاعل من العدد ، إذا ذكر مع «عشرين» وبابه ـ يعني العقود ـ إلى التّسعين ، يذكر بحالتيه من تذكير وتأنيث قبل الواو ، فتقول :
«حادي وعشرون ، وحادية وعشرون» إلى «تاسع وتسعين ، وتاسعة وتسعين» (٢).
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٣ ـ ١١٤.
(٢) قال الأشموني : ولا يجوز أن تحذف الواو وتركب فتقول : «حادي عشرين» كما تقول : «حادي عشر» إلحاقا لكل فرع بأصله ، فإنه يجوز «أحد عشر» بالتركيب ولا يجوز «أحد عشرين بالتركيب». انتهى. وقال ابن حمدون : وهذا هو الذي صرح به غير واحد ، وكلام الشاطبي يقتضي أنه غير ممنوع ، وأجاب عما يقتضيه قول الناظم : «قبل واو» بأن معنى قول الناظم : «قبل واو يعتمد» أنه لا يذكر في عطف العقد على النيف إلا الواو ـ كما في المغني ـ لأنها الموضوعة لمطلق الجمع المراد هنا ، دون الفاء وثم. لانتفاء التركيب. انتهى انظر شرح الأشموني : ٤ / ٧٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١١٤.
الباب التاسع والخمسون
كم وكأين وكذا
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
كم وكأيّن وكذا
ميّز في الاستفهام كم بمثل ما |
|
ميّزت عشرين ككم شخصا سما |
إنّما ذكر هذا الباب بعد العدد ، لأنّ هذه الألفاظ كناية عن العدد المبهم ، وبدأ منها بـ «كم» (١) ، وهي على قسمين / : استفهاميّة ، وخبريّة.
وقد أشار إلى الأوّل هنا ، فذكر أنّها تميّز بمثل ما ميّز به «عشرون» ، يعني : بمفرد (٢) منصوب (٣) ، فتقول : «كم (٤) درهما عندك ، وكم شخصا سما».
__________________
(١) واختلف في حقيقتها : فذهب البصريون إلى أنها مفردة موضوعة للعدد. وذهب الكسائي والفراء إلى أنها مركبة من كاف التشبيه و «ما» الاستفهامية محذوفة الألف ، وسكنت ميمها لكثرة الاستعمال ، ونسبه في الإنصاف للكوفيين. وهي اسم بسيط وضعت مبهمة تقبل قليل العدد وكثيره ، والدليل على اسميتها دخول حرف الجر عليها ، والإضافة إليها ، وعود الضمير عليها. وذهب بعضهم ـ فيما حكاه صاحب البسيط ـ إلى أن الخبرية حرف في مقابلة «رب» الدالة على التقليل.
انظر الجنى الداني : ٢٦١ ، الإنصاف : (مسألة : ٤٠) : ١ / ٢٩٨ ، الهمع : ٤ / ٣٨٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٦ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٤٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٧٠٤ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٢٤ ، الكتاب : ١ / ٢٩٣ ، شرح الرضي : ٢ / ٩٥ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٧.
(٢) خلافا للكوفيين ، فإنهم يجيزون جمعه نحو «كم شهودا لك». وذهب الأخفش إلى جواز جمعه إذا كان السؤال عن الجماعات ، نحو «كم غلمانا لك» ، إذا أردت أصنافا من الغلمان.
انظر شرح المرادي : ٤ / ٣٢٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٨ ، مغني اللبيب : ٢٤٥ ، التسهيل : ١٢٤ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٧١١ ، التصريح على التوضيح : ٢٧٩ ، شرح الرضي : ٢ / ٩٦.
(٣) وفيه ثلاثة مذاهب : الأول : أنه لازم ، ولا يجوز جره ، وهو مذهب بعض النحويين.
الثاني : أنه ليس بلازم ، بل يجوز جره مطلقا ، حملا على الخبرية ، وإليه ذهب الفراء والزجاج والسيرافي ، واختاره ابن عصفور ، وقيده بفهم المعنى.
الثالث : أنه لازم إن لم يدخل على «كم» حرف جر ، وراجع على الجر إن دخل عليها حرف جر ، وهو المشهور كما سيأتي.
انظر شرح المرادي : ٤ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، الكتاب : ١ / ٢٩٣ ، مغني اللبيب : ٢٤٥ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٧٠٥ ، شرح الأشموني : ٤ / ٧٩ ـ ٨٠ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٨.
(٤) في الأصل : لم. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٤.
وفهم من قوله : «في الاستفهام» أنّها تقدّر بهمزة الاستفهام (١) والعدد ، فإذا قلت : «كم شخصا سما» ، فتقديره : أعشرون شخصا ، أم ثلاثون ، أم أقلّ ، أم أكثر ـ سما.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأجز ان تجرّه من مضمرا |
|
إن وليت كم (٢) حرف جرّ مظهرا |
يعني : أنّ تمييز (٣) «كم» الاستفهاميّة يجوز جرّه بـ «من» مضمرة (٤) ، بشرط : أن تدخل على (٥) «كم» حرف جرّ ظاهر ، نحو : «بكم درهم اشتريت» ، أي : بكم من درهم ، فحذفت «من» وبقي (٦) عملها.
وشمل قوله : «حرف جرّ» سائر حروف الجرّ ، نحو «على كم فرس ركبت ، وإلى كم مذهب انتميت ، وفي كم دار جلست».
(وفهم من قوله : «وأجز ان تجرّه» أنّ جرّه غير لازم ، فتقول : «بكم درهما اشتريت» بالنّصب) (٧).
وفهم منه أيضا : أنّه يجوز إظهار «من» ، فتقول : «بكم من درهم اشتريت».
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
واستعملنها (٨) مخبرا كعشره |
|
أو مائة ككم رجال أو مره |
هذا هو القسم الثّاني من أقسام «كم» ، وهي الخبريّة ، وهي بمنزلة عدد مفرد ، فتستعمل تارة بمنزلة «عشرة» ، فيكون تمييزها (٩) جمعا ، نحو «كم رجال عندي ، وكم عبيد / ملكت» ، وتارة بمنزلة «مائة» فيكون تمييزها مفردا ، نحو : «كم امرأة عندي ، وكم عبد ملكت».
__________________
(١) في الأصل : الاستفها. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٤.
(٢) في الأصل : لم. انظر الألفية : ١٦١.
(٣) في الأصل : تميز. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٤.
(٤) وهو مذهب الخليل وسيبويه والفراء وجماعة ، وذهب الزجاج إلى أن جره بإضافتها إليه.
انظر الكتاب : ١ / ٢٩٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٩ ، مغني اللبيب : ٢٤٥ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٢٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٨٠ ، التسهيل : ١٢٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١٧٠٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٩٦ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٨.
(٥) في الأصل : عليه. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٤.
(٦) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٤.
(٧) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٤.
(٨) في الأصل : واستعملنهما. انظر الألفية : ١٦١.
(٩) في الأصل : تميزها. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٥.
فـ «كم رجال» مثال لاستعمالها استعمال «عشرة» ، و «كم مرة» لاستعمالها استعمال «مائة» ، و «مرة» : لغة في «مرأة» (١) ، فنقلت فتحة الهمزة إلى الرّاء ، وحذفت الهمزة.
ومعنى «كم» الخبريّة : الدّلالة على التّكثير ، فإذا قلت : «كم غلام ملكت» فمعناه : كثير من الغلمان ملكت (٢).
ثمّ قال :
ككم كأيّن وكذا وينتصب |
|
تمييز ذين أو به صل من تصب |
يعني : أنّ «كأيّن (٣) وكذا» (٤) مثل «كم» الخبريّة في الدّلالة على تكثير
__________________
(١) في الأصل : الامرأة. انظر شرح المكودي : ٢ / ١١٥ ، اللسان : ٦ / ٤١٦٦ (مرأ).
(٢) وتمييزها واجب الجر بإضافة «كم» إليه. وذهب الفراء إلى أنه مجرور بـ «من» مقدرة ، ونقله عن الكوفيين ، وهو ما روي عن الخليل. وقيل : إن لغة تميم جواز نصب تمييزها إذا كان الخبر مفردا. وإذا فصل بين «كم» وتمييزها بالظرف والمجرور نصب التمييز حملا الاستفهامية ، وقد يأتي مجرورا ، كقوله :
كم بجود مقرف نال العلا |
|
... |
وقال الأشموني : والصحيح اختصاصه بالشعر ، وذهب الكوفيون إلى جوازه في الاختيار.
انتهى. ومذهب يونس : إن كان الفصل بناقص نحو «كم اليوم جائع أتاني» و «كم بك مأخوذ» جاز ، وإن كان بتام لا يجوز. فإن كان الفصل بجملة نحو :
كم نالني منهم فضلا على عدم |
|
... |
أو بظرف وجار ومجرور معا ، نحو :
تؤمّ سنانا وكم دونه |
|
من الأرض محدودبا غارها |
تعين النصب ، قاله ابن مالك ، وهو مذهب سيبويه ، وظاهر كلام المبرد جواز جر المفصول بجملة في الشعر ، وحكي عن الكوفيين جوازه في الاختيار.
انظر شرح الأشموني : ٤ / ٨١ ـ ٨٣ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٧٩ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٢٨ ـ ٣٣٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٧٩ ، الإنصاف : (مسألة : ٤١) : ١ / ٣٠٣ ، التسهيل : ١٢٤ ، مغني اللبيب : ٢٤٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٧٠٧ ـ ١٧١٠ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٨ ـ ٥٠ ، شرح الرضي : ٢ / ٩٦ ـ ٩٧.
(٣) كأين : اسم مركب من كاف التشبيه و «أي» المنونة ، ولذلك جاز الوقف عليها بالنون ، لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية ، ولهذا رسم في المصحف نونا ، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر حكمه في الأصل ، وهو الحذف في الوقف. وقال بعض المغاربة : ويحتمل أنها بسيطة.
انظر مغني اللبيب : ٦٢٤ ، شرح المرادي : ٤ / ٣٣٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٨١ ، الهمع : ٤ / ٣٨٨ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٨٥ ، شرح الأشموني : ٤ / ٨٥ ـ ٨٦ ، أسرار النحو : ١٩٥.
(٤) كذا : اسم مركب من كاف التشبيه ، و «ذا» اسم إشارة.