قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

تحمیل

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

548/947
*

وذهب الجمهور إلى الجواز ، وتبعهم ابن مالك في التسهيل ، واختلف النقل عن الأخفش ، واحتجّ المجيز بأنّ العرب قد تأتي بالتوكيد حيث لا احتمال ، نحو : جاء القوم كلّهم أجمعون أكتعون ، فالتأكيد بأجمع واكتع بعد كلّ لا يرفع بهما احتمال لرفعه بكلّ. قال أبو حيّان : والجواب أنّ المعنى إذا كان يفيده اللفظ حقيقة ، فلا حاجة للفظ آخر يؤكّده ، إلا إذا قوي برواية من العرب ، ولم يسمع من العرب التوكيد في ذلك.

الثالث : يشترط في التوكيد بهما اتّحاد معنى المسند ، فلا يجوز : مات زيد وعاش عمرو كلاهما. وهل يجوز اختلاف لفظه مع اتّحاد معناه ، نحو : ذهب زيد وانطلق عمرو كلاهما ، جزم بجواز ذلك ابن مالك تبعا للأخفش. وقال أبو حيّان : إنّه يحتاج إلى صريح سماع من كلامهم ، حتى يصير قانونا يبني عليه ، والّذي تقتضيه القواعد المنع ، لأنّه لا يجتمع عاملان على معمول واحد فلا يجتمعان على تابعه.

الرابع : قال ابن هشام : الظاهر أنّ التوكيد يبعد إرادة المجاز ، ولا يرفعها ألبتّة ، ولهذا يتأتّي الإتيان بألفاظ متعدّدة ، ولو صار بالأوّل نصّا لم يؤكّد كما لا يقال : اختصم الزيدان كلاهما ، ألا ترى إلى قول الفرزدق [من الطويل] :

٥٧٨ ـ عشيّة سال المربدان كلاهما

 ... (١)

وإنّما هو مريد واحد ، فجعله وما حوله مريدين مجازا ، فعلم أنّ التؤكيد لا يمنع أن يكون في المؤكدّ مجازا ما ، انتهى.

قلت : وفيه نظر ، أمّا نحو : اختصم الزيدان كلاهما ، فقد علمت أن الجمهور على جوازه ، وأمّا قول الفرزدق فليس المراد بالتوكيد فيه رفع إرادة المجاز في نفس المؤكّد ، بل رفع إرادته في نسبة الفعل إلى مدلول المؤكّد المتعدّد ، فإنّ التأكيد بكلاهما فيه إفادة شمول الحكم بالسيلان للمريد وما حوله ألبتّة ، فاندفع توهّم أنّ السائل إنّما هو المريد وحده ، لكنّه حكم بالسيلان عليه وعلى ما حوله مجازا ، وهذا نظير قولك : جاء العمران كلاهما ، وكسف القمران كلاهما ، وأمّا إرادة المجاز في المؤكّد نفسه فهي مقصودة للمتكلّم ، فكيف يرفعها.

التوكيد بكلّ وجميع وعامّة : «وكلّ وجميع وعامّة لغيره» أي لغير المثنّى «من ذي أجزاء» ، مفردا كان أو جمعا ، قال بعضهم : إذ الكلّية والاجتماع لا يتحقّقان إلا فيه ، و

__________________

(١) تقدم برقم ٥٧٧.