مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

ليس في مقام التشريع. مع أنه معارض بصحيح هشام بن سالم المتضمن لأمرها بغسل الجسد قبل الرأس‌ (١). اللهم إلا أن يقال : المظنون قويا أن الثاني وهم ، كما جزم به الشيخ (ره) ، كما يظهر من ملاحظة الواقعة المحكية ، وكون راوي المضمون الأول هشام عن محمد بن مسلم.

نعم‌ في رواية حريز. « وابدأ بالرأس ثمَّ أفض الماء على سائر جسدك » (٢) ، لكنها غير مسندة إلى المعصوم (ع). نعم عن الذكرى أنه رواها الصدوق في مدينة العلم مسندة عن الصادق (ع) ولا يحضرني السند ، فلاحظ. اللهم إلا أن يقال : رواية الشيخ (ره) للرواية ، ورواية رجال السند ـ وفيهم الأجلاء وبعضهم من أصحاب الإجماع ـ شهادة منهم بأنها عن المعصوم.

وكيف كان فالعمدة في الترتيب المذكور هو الإجماع ، إذ لم ينسب الخلاف فيه إلا الى الصدوقين وابن الجنيد ، والنسبة إلى الأولين محل تأمل أو منع ، وخلاف الأخير غير قادح.

وأما الترتيب بين الجانبين فعليه الإجماعات السابقة ، وعن جماعة دعوى الإجماع على عدم الفصل في الترتيب بين الرأس والجانبين وفيما بينهما وعن الانتصار والذكرى : الإجماع على عدم الفصل بين الترتيب في الوضوء وبينه في أعضاء الغسل. وهو العمدة فيه إن تمَّ ، والا فالنصوص خالية عن الإشارة إليه ، فضلا عن الدلالة عليه ، لأن ما تقدم مما دل على الترتيب بين الرأس والجانبين خال عنه. ظاهر في نفيه ، فضلا عن ظهور المطلقات في نفيه ، بل‌ في موثق سماعة : « ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرات مل‌ء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

٨١

ولا يجب البدء بالأعلى [١]

______________________________________________________

كفيه. ثمَّ يضرب بكف من ماء على صدره ، وكف بين كتفيه ، ثمَّ يفيض الماء على جسده كله » (١).

نعم قد يستدل عليه بما دل على الترتيب بين الجانبين في غسل الأموات بضميمة ما دل على أن غسل الأموات غسل الجنابة. وفيه أن ما دل على أنه غسل جنابة ، إن كان المراد منه أنه غسل جنابة تنزيلا فمقتضاه ترتيب أحكام غسل الجنابة عليه لا ترتيب أحكامه على غسل الجنابة ، وإن كان المراد انه غسل جنابة حقيقة فوجوب الترتيب فيه لا يوجب التعدي منه الى المقام ، لإمكان الفرق بين جنابة الحي والميت ، ولذا لا يتوهم التعدي في غير الترتيب من الأحكام المختصة به كالسدر والكافور وغيرهما.

وأضعف من ذلك ما يقال : من أنه لو كان غسل الميت كيفيته مخالفة لغسل الجنابة لوجب في كل مقام أمر فيه بالغسل الاستفصال عن أنه كغسل الجنابة أو غسل الأموات. إذ فيه أن غسل الأموات ليس من سنخ سائر الأغسال ، لأنه غسل الإنسان غيره ، فلا موجب لتوهم حملها عليه دون غسل الجنابة.

ولأجل ذلك مال الى النفي جماعة كالبهائي ، والمجلسي ، وأصحاب المدارك ، والذخيرة ، والوافي ، وغيرهم ، بل نسب الى ظاهر جماعة من القدماء : منهم الصدوقان. والاحتياط سبيل النجاة.

[١] كما هو المشهور ، بل ظاهر محكي المهذب البارع الإجماع عليه ، فإنه ـ بعد ما حكى عن الحلبي الوجوب ـ قال : « وهو متروك ». لكن حكي أيضاً عن ظاهر الغنية والإشارة والسرائر ، وكأنه لأمر بالصب على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٨‌

٨٢

في كل عضو ، ولا الأعلى فالأعلى [١] ولا الموالاة العرفية بمعنى التتابع ، ولا بمعنى عدم الجفاف ، فلو غسل رأسه ورقبته في أول النهار ، والأيمن في وسطه ، والأيسر في آخره صح [٢]

______________________________________________________

المنكب الأيمن مرتين ، وعلى المنكب الأيسر مرتين في مصحح زرارة‌ (١) ولما في صحيحه من‌ قول الصادق (ع) : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك » (٢) لكن الأول ـ مع أن الأمر فيه للاستحباب ، بقرينة قوله (ع) : « مرتين » إذ لا ريب في كون التعدد المذكور من الآداب ، وأنه لا يدل على ذلك في الرأس. لإطلاق الأمر بالصب عليه ، فيه وفي بقية النصوص ـ لا يصلح لتقييد المطلق ، لقرب احتمال إرادة تمام الجانب من المنكب فيه ، بل لعله أولى من حمله على معناه ، والالتزام بالطي في العبارة. مضافاً الى أن المنكب ليس هو أعلى الجانب بل بعض أعلاه. فتأمل جيداً. وقد عرفت الإشكال في صلاحية مثل هذا المصحح لتقييد المطلقات بالترتيب بين الأعضاء فضلا عن اعتبار الأعلى. وأما الصحيح فالظاهر من الظرف فيه كونه مستقراً قيداً للجسد ، لكون التعبير المذكور جارياً مجرى الأمثال لبيان الاستيعاب ، وإلا فالقرن ليس هو أعلى الرأس بل جانبه.

[١] يظهر وجهه مما سبق. مضافاً إلى ما يأتي في الجزء المنسي. لكنه مختص بالنسيان.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل عن صريح جماعة وظاهر آخرين : الإجماع عليه ، للإطلاقات. ولما ورد في قصة أم إسماعيل‌ (٣) ، ولرواية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٨٣

وكذا لا يجب الموالاة في أجزاء عضو واحد [١]. ولو تذكر بعد الغسل ترك جزء من أحد الأعضاء رجع وغسل ذلك الجزء [٢] ، فان كان في الأيسر كفاه ذلك ، وإن كان في الرأس أو الأيمن وجب غسل الباقي على الترتيب [٣].

______________________________________________________

إبراهيم اليماني عن أبي عبد الله (ع) : « ان علياً (ع) لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند الصلاة » (١) ونحوها ما عن المدارك عن عرض المجالس للصدوق عن الصادق (ع) (٢) ، ولرواية حريز (٣) فإنها بعد الحكم فيها بجواز غسل اللاحق وإن جف السابق : « قلت : وان كان بعض يوم؟ قال (ع) : نعم ».

[١] للإطلاق.

[٢] كما تقتضيه الأدلة الأولية. مضافاً الى‌ مصحح زرارة : « قلت له : رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة؟ فقال (ع) : إذا شك وكانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه ، وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلة .. » (٤).

[٣] وظاهر الأصحاب التسالم عليه ، كما تقتضيه أدلة الترتيب. ولا ينافيها ترك الاستفصال في مصحح زرارة السابق ، لأن السؤال كان فيه من حيث وجوب الإعادة على المتروك وعدمه ، لا من هذه الحيثية ، فلا مجال لرفع اليد به عن أدلة الترتيب على تقدير تماميتها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٤) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

٨٤

ولو اشتبه ذلك الجزء وجب غسل تمام المحتملات [١] مع مراعاة الترتيب.

الثانية : الارتماس [٢] وهو غمس تمام البدن في الماء دفعة واحدة عرفية [٣] ،

______________________________________________________

[١] عملا بالعلم الإجمالي.

[٢] إجماعا ، كما عن جماعة كثيرة ، للنصوص ، كما‌ في صحيح زرارة عن الصادق (ع) : « ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وان لم يدلك جسده » (١) وفي رواية الحلبي : « إذا اغتمس الرجل في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله » (٢) ونحوهما غيرهما وعدم ذكر الارتماس في الغنية لا يدل على الخلاف فيه. مع أنه لا يهم بعد ما عرفت.

[٣] كما هو المشهور ، وفي الحدائق نسبته الى كلام الأصحاب ، وكأن الوجه فيه وصف الارتماس في النصوص بالوحدة ، وبقرينة ذكر الارتماس في قبال الترتيب تحمل الوحدة على الارتماسة غير المجزأة على أعضاء الغسل على النحو المتعارف ، فيكون المراد من الواحدة غير المجزأة ، وإذ أن الوحدة الحقيقية غير معقولة ، فلا بد أن تحمل على العرفية بحيث يكون الارتماس غير مجز في نظر العرف. وفي الحدائق اختار جواز التأني بنحو ينافي الدفعة العرفية ، واحتمله في محكي كشف اللثام ، وعن كشف الغطاء الميل إليه ، وعلله في الأول بأن التأمل في الأخبار يقضي بان المراد بالارتماسة الواحدة ما يقابل الارتماسات المتعددة ، لأجل رمس كل عضو على حدة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٥‌

٨٥

واللازم أن يكون تمام البدن تحت الماء في آن واحد [١] وإن كان غمسه على التدريج [٢] ، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس البعض الآخر لم يكف [٣] كما إذا خرجت رجله ، أو دخلت في الطين [٤] قبل أن يدخل رأسه في الماء ، أو بالعكس ، بأن خرج رأسه من الماء قبل أن تدخل رجله. ولا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء بل لو كان بعضه خارجا فارتمس كفى [٥]

______________________________________________________

أو لأجل رمس المجموع ارتماسات متعددة.

أقول : من الواضح أن معنى الواحدة ما يقابل المتعددة لا ما يرادف الدفعة. وبقرينة المقابلة تحمل الوحدة على ما يقابل التعدد الوارد على الأعضاء الثلاثة ، المعتبر في الغسل الترتيبي ، فمفاد النصوص حينئذ نفي اعتبار ذلك التعدد وأين هو من اعتبار الدفعة؟! ، وسيأتي في المسألة الرابعة ما له تعلق بالمقام. فانتظر.

[١] كما يقتضيه ظاهر الارتماس والانغماس المذكورين في النصوص والفتاوى.

[٢] يعني : لا في آن واحد ، فلا ينافي ما تقدم في المتن من اعتبار الدفعة العرفية.

[٣] بلا خلاف ظاهر. نعم قد يوهم الخلاف الآتي ـ فيما لو خرج وفي بدنه لمعة ـ الخلاف في المقام ، لكنه ليس في محله ، إذ الخلاف هناك مبني على صدق الارتماس ، وإلا فلا إشكال في البطلان. فلاحظ.

[٤] دخول الرجل في الطين لا ينافي صدق الارتماس وكونه تحت الماء وإنما ينافي صدق استيلاء الماء على تمام بدنه في آن واحد ، فحينئذ يجري الكلام الآتي في اللمعة فيها. فانتظر.

[٥] كما نسب الى المعروف. وعن الكفاية وغيرها العدم. وهو في‌

٨٦

بل لو كان تمام بدنه تحت الماء فنوى الغسل وحرك بدنه [١] كفى على الأقوى [٢].

______________________________________________________

محله ، بناء على ما يظهر مما نسب إلى المشهور من انحصار الغسل الترتيبي في الوجه الأول من الوجهين الآتيين في المسألة الرابعة ، إذ لو لم يخرج لم يقع أول الارتماس بعنوان العبادة فلا يصح. أما بناء على جواز وقوعه على الوجه الثاني فلا موجب للخروج. فانتظر لما سيأتي في المسألة المذكورة.

[١] في وجوب التحريك تأمل ، لما عرفت سابقا من عدم دخول الجريان في مفهوم الغسل ، بل تمام مفهومه استيلاء الماء على المحل بنحو يوجب النظافة ودعوى اعتباره في المقام ـ لأجل النصوص الخاصة به ، مثل : « ما جرى عليه الماء فقد طهر » (١) أو : « فقد أجزأه » (٢) ـ خلاف ظاهرهم من الاكتفاء بمجرد تحقق الغسل كما لا يخفى ، ولا سيما وقد‌ ورد أيضاً : « كل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته » (٣). ويعضده ظاهر نصوص الارتماس‌ ، لخلوها عن ذكر التحريك. ومثلها دعوى أن ظاهر أوامر الغسل كون المأمور به فعلا وجوديا ، فاذا كان في داخل الماء ونوى الغسل ولم يتحرك لم يتحقق منه فعل وجودي غير النية ، فلزوم التحرك لأجل تحقيق هذا المعنى. وجه الاندفاع : أن المكث في داخل الماء حال النية أيضا فعل وجودي صادر منه باختياره.

[٢] ولعله المشهور ، بل عن مقتصر ابن فهد ومعتمد النراقي الإجماع عليه ، وفي المستند : « الظاهر اعتبار خروج الرأس والرقبة ، بل الأحوط خروج بعض آخر حتى يصدق عرفاً أنه ارتمس بعد ما لم يكن كذلك ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

٨٧

ولو تيقن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت الإعادة [١]

______________________________________________________

فإنه هو الظاهر المتبادر من الحديث » ، وفيه منع الظهور المذكور ، والتبادر بدائي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق. مع أنه لو سلم ظهور الدليل في خصوص الحدوث فلا وجه لاعتبار خروج خصوص الرأس والرقبة ، بل يكفي خروج أي جزء كان. وكيف كان فما عن الكفاية والغنائم وغيرهما من التأمل في ذلك ضعيف.

[١] كما في المنتهى ، وحكاه عن والده ، ونسب الى الدروس ، والذكرى ، والبيان ، لظهور النصوص في اعتبار غسل تمام البدن في حال الارتماس.

وفي القواعد اجتزأ بغسل الجزء مطلقاً ، واختاره في المستند معللا له بترك الاستفصال المفيد للعموم في صحيح زرارة المتقدم في من ترك بعض ذراعه أو جسده‌ (١) ، وعلله في محكي المنتهى بسقوط الترتيب في حقه بالارتماس فيجزئه الغسل ، لقول الصادق (ع) : « فما جرى عليه الماء فقد أجزأه » (٢) وفي الأول : أن ظاهر قول السائل في الصحيح : « ترك بعض ذراعه أو بعض جسده » الغسل الترتيبي ، ولا سيما وكونه الشائع المتعارف في تلك الأزمنة ، فلا يصلح للتصرف في ظهور نصوص الارتماسي الذي عرفته. وفي الثاني : بأن سقوط الترتيب إنما يكون في الارتماسي الحاصل معه غسل تمام البدن لا مطلقا.

وقيل إنه يجري عليه حكم الغسل الترتيبي ، فيغسله فقط إن كان في الأيسر ، ويغسله ويعيد على الأيسر إن كان في الأيمن. وهذا القول مبني على كون الارتماسي. بحكم الترتيبي ، كما عن بعض أصحابنا ، ورتبوا عليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

٨٨

ولا يكفى غسل ذلك الجزء فقط ويجب تخليل الشعر إذا شك في وصول الماء إلى البشرة التي تحته [١].

ولا فرق في كيفية الغسل بأحد النحوين بين غسل الجنابة وغيره من سائر الأغسال الواجبة والمندوبة [٢] نعم في غسل الجنابة لا يجب الوضوء ، بل لا يشرع ، بخلاف سائر الأغسال‌

______________________________________________________

الثمرة في المقام وفيما لو نذر الغسل الترتيبي أو حلف عليه وأنه يجزئه الارتماس. وفيه أنه لم يتضح له معنى محصل ، فضلا عن دلالة النصوص عليه ، كيف؟ وقد عرفت أن ظاهر نصوص الارتماس لزوم استيلاء الماء على تمام البدن فكيف يكون مفادها صحة الغسل مع بقاء لمعة وجواز غسلها بعد الارتماس؟ وقيل بالاكتفاء بغسله مع قصر الزمان ووجوب الإعادة مع طوله ، نسب الى ظاهر المحقق الثاني وغيره ، وكأنه لصدق الارتماس في الأول وعدمه في الثاني ، وفيه ما عرفت. وربما بترائى من الجواهر ابتناؤه على عدم اعتبار الدفعة. ولكنه كما ترى. فلاحظ.

[١] لقاعدة الاحتياط.

[٢] وعن الحدائق : أنه ظاهر الأصحاب ، بل عن الذكرى : « أنه لم يفرق أحد في ذلك بين غسل الجنابة وغيره ». ويشهد به ظهور كلماتهم في كون الارتماسي أحد نوعي الغسل من الجنابة ، وأن غسل غير الجنابة كغسل الجنابة في الكيفية. كما أن ظاهر‌ قول الصادق (ع) في مصحح الحلبي : « أجزأه ذلك من غسله » (١) أنه أحد فردي الغسل ، لا أنه شي‌ء آخر يكفي عن الغسل. وإطلاق الأمر بالغسل في سائر المقامات يقتضي حمله على ما ذكر في الجنابة من مشروعية كل من فرديه. فالتوقف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٥‌

٨٩

كما سيأتي إن شاء الله [١].

( مسألة ١ ) : الغسل الترتيبي أفضل من الارتماسي [٢].

( مسألة ٢ ) : قد يتعين الارتماسي كما إذا ضاق الوقت عن الترتيبي [٣] ، وقد يتعين الترتيبي كما في يوم الصوم الواجب [٤] وحال الإحرام ، وكذا إذا كان الماء للغير ولم يرض بالارتماس فيه.

( مسألة ٣ ) : يجوز في الترتيبي أن يغسل كل عضو من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس [١]

______________________________________________________

في ذلك ـ كما ربما يتراءى من محكي عبارة المنتهى ـ ضعيف.

[١] ويأتي وجهه.

[٢] نسبه في الحدائق الى بعض محدثي متأخري المتأخرين ، وتبعه كثير ممن عاصرناه أو قارب عصرنا. ويدل عليه الأمر به في نصوص الكيفية ، المحمول على الاستحباب جمعا بينه وبين ما دل على إجزاء الارتماسي.

[٣] فان الترتيبي حينئذ وإن لم يخرج عن المقدمية لرفع الجنابة لكنه يخرج عن المقدمية الفعلية للموقت ، وتنحصر المقدمة الفعلية بالارتماسي ، فيجب وجوبا غيريا تعيينيا عند العقل.

[٤] فإن الارتماسي وإن لم يخرج عن المقدمية لرفع الحدث ، ولا للغايات الموقوفة عليه ، لكنه لأجل وجوب الجمع بين غرضي الشارع الأقدس ، من تحريم الإفطار بالارتماس ووجوب الغايات الموقوفة على الغسل ، ينحصر الوجوب الغيري بالترتيبي ، بل يكون الارتماسي حراما يمتنع التقرب به ، فيبطل لو جي‌ء به. وكذا الحال في الغسل حال الإحرام ، فإنه يحرم على المحرم تغطية الرأس ولو بالماء فيجري فيه ما ذكرنا. ومنه يظهر الوجه أيضا في الفرض الأخير.

٩٠

أعضائه الثلاثه بنحو الارتماس [١]، بل لو ارتمس في الماء ثلاث مرات ـ مرة بقصد غسل الرأس ، ومرة بقصد غسل الأيمن ، ومرة بقصد الأيسر ـ كفى. وكذا لو حرك بدنه تحت الماء [٢]

______________________________________________________

[١] كما هو ظاهر كل من عبر بالغسل ، بل لعل ظاهرهم الاتفاق عليه ، فان المحكي عن عبارة جماعة من القدماء وإن كان قد اشتمل على الأمر بالصب ونحوه لكن عبارة كثير خالية عنه ، ومع ذلك لم يتوهم الخلاف منهم في ذلك ، فدل على أن مراد الجميع واحد وهو مطلق الغسل ، ويكون التعبير بالصب ونحوه في كلمات الجماعة جريا على عبارة النصوص كما هو عادتهم.

وكيف كان ففي المستند : انه لا ينبغي الريب في اعتبار الصب في الترتيبي ، اعتمادا منه على النصوص البيانية المشتملة على الأمر بالصب ونحوه وفيه : أن الظاهر أن الوجه في التعبير بذلك كونه الطريق المتعارف في الغسل ، لا أقل من حمله على ذلك بقرينة‌ قولهم (ع) : « ما جرى عليه الماء فقد طهر » (١) أو. « فقد أجزأه » (٢) أو : « كل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته » (٣) فإن ظاهر الجميع كون المعيار هو غسل البشرة. ويؤيد ذلك ورود الأمر بالصب في النصوص البيانية للوضوء‌ (٤) مع ما عرفت من إطلاق الغسل في الكتاب والسنة ، ودعوى ظهور الإجماع على كفاية الارتماس فيه. فتأمل جيدا.

[٢] قد عرفت الإشكال في وجوب التحريك. ثمَّ إن المصحح للفروض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء‌

٩١

ثلاث مرات ، أو قصد بالارتماس غسل الرأس وحرك بدنه تحت الماء بقصد الأيمن وخرج بقصد الأيسر. ويجوز غسل واحد من الأعضاء بالارتماس والبقية بالترتيب ، بل يجوز غسل بعض كل عضو بالارتماس وبعضه الآخر بإمرار اليد.

( مسألة ٤ ) : الغسل الارتماسي يتصور على وجهين [١] ( أحدهما ) : أن يقصد الغسل بأول جزء دخل في الماء وهكذا الى الآخر فيكون حاصلا على وجه التدريج ( والثاني ) : أن يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه ، وحينئذ يكون آنيا ، وكلاهما صحيح ، ويختلف باعتبار المقصد ، ولو لم يقصد أحد‌

______________________________________________________

المذكورة بأجمعها تحقق الغسل الذي عرفت أنه موضوع الحكم.

[١] قد ذكر في الجواهر وغيرها أن في المراد من الارتماس الذي يترتب عليه رفع الحدث والطهارة ويجب وقوعه على نحو العبادة وجوها بل أقوالا :

أحدها : أنه استيلاء الماء على جميع أجزاء البدن في آن واحد حقيقة ، وعن المحقق الثاني نسبته إلى بعض الطلبة ، وفي مفتاح الكرامة : أنه يتوهم من عبارة الشهيد في الألفية.

ثانيها أنه غمس الأعضاء متواليا بحيث يتحد عرفا ، فيكون أوله غمس أول جزء من البدن ، وآخره غمس آخر الأجزاء ، وهو المنسوب إلى المشهور.

ثالثها : أنه نفس غمس الأعضاء المتدرج ولو في آنات متعددة بحيث لا تصدق معه الدفعة ، وهو الذي احتمله كاشف اللثام ، واختاره في الحدائق.

رابعها : إنه التغطية والكتمان المقارن لانغماس آخر أجزاء البدن ، فيكون أوله أول التغطية المذكورة وآخره انغسال آخر جزء في تلك التغطية فيكون‌

٩٢

______________________________________________________

تدريجاً لا آنيا ، وهذا هو الذي اختاره في الجواهر.

فعلى الأول يمتنع فرض وقوع الحدث في أثنائه ، كما يمتنع أيضا وقوعه من ذي الشعر الكثيف ونحوه مما يمنع من وصول الماء إلى البشرة بغير التخليل لأنه ينافي كونه آني الحصول. وكأنه لأجل ذلك جعله المحقق الثاني في شرح الألفية مخالفاً لإجماع المسلمين ، وفي محكي جامع المقاصد : « أهون من أن يتصدى لرده ، لأنه لا يعلم قولا لأحد من معتبري الأصحاب ، ولا يتوهم دلالة شي‌ء من أصول المذهب عليه » ، وقريب منه كلام غيره نعم إنما يتوجه الاشكال على هذا القائل لو كان غرضه انحصار الغسل الارتماسي بالآني ، أما لو كان مراده صدقه عليه في الجملة ـ وحينئذ تجب مقارنة النية له ، بناء على اعتبار مقارنتها للعمل ـ فلا يتوجه الاشكال عليه بوجه وليس حاله إلا حال أول كل عمل تدريجي فإنه آني ، ولا بد من مقارنة النية له عندهم. وأما الثاني المنسوب الى المشهور فإن أريد ظاهره من انحصار الارتماسي به ، فيتوجه عليه أنه مناف لما ذكروه من إمكان تحقق الغسل الارتماسي ممن كان تمام بدنه تحت الماء ، كما تقدم نقل الإجماع عليه عن المقتصر والمعتمد ، وممن كان بعضه في الماء من دونه أن يخرج منه ، كما نسب الى المعروف ، فان الغسل على الحالين المذكورين مخالف له على هذا الوجه ، كما هو ظاهر.

ومن هنا يظهر أن مقتضى الجمع بين كلماتهم هو أن مرادهم أن الغسل الارتماسي يتحقق بأحد الأنحاء الثلاثة المذكورة ولا يختص بهذا الوجه. كما أن معنى الدفعة العرفية على هذا الوجه واضح ، وهو توالي غمس الأعضاء بنحو يكون غمس مجموعها في زمان واحد عرفا ، كما أنه على النحو الأول من النحوين الآخرين عبارة عن توالي غمس المقدار الخارج من الماء ، أما على النحو الثاني منهما‌

٩٣

______________________________________________________

فلا بد أن يكون معنى الدفعة توالي غمس الأعضاء تحت الماء. لكن إقامة الدليل على اعتبار الدفعة بهذا المعنى في النحو المذكور صعب جدا ، إذ الجنب ما دام تحت الماء يصدق أنه مرتمس ارتماسة واحدة ولو طال زمان تخليل شعره الكثيف وإزالة الحواجب.

هذا وفي صدق الارتماس الغسلي على غمس الاجزاء المتدرج إشكال لأن الظاهر من الارتماس كون تمام البدن تحت الماء في زمان واحد حقيقة ولأجل ذلك امتنع تحققه برمس بعض البدن ثمَّ إخراجه ورمس الباقي كما تقدم ، مع أنه يصدق رمس تمام البدن ولو تدريجا. فرمس البدن ليس من قبيل غسل البدن ليكون من الوجود التدريجي يحصل برمس أول جزء وينتهي برمس آخر جزء ، كما يحصل غسل البدن بغسل أول جزء وينتهي بغسل آخر جزء ، بل المراد منه معنى لا يحصل إلا برمس تمام الأجزاء المعبر عنه بالارتماس تارة ، والانغماس أخرى ، فحينئذ يمتنع صدقه على رمس أول جزء ، فاذا رمس أعضاءه تدريجا كان ذلك الرمس خارجاً عن الغسل الى أن يرتمس بتمامه ، فيكون رمس ما قبل الجزء الأخير في حال رمس الأخير هو الغسل لا ما قبله ، فلا بد أن ينوي التقرب ببقاء ما قبل الأخير مرموساً لا بحدوث رمسه. فيتعين الوجه الأخير الذي اختاره في الجواهر ، وحينئذ قد يكون آنيا كما إذا تحقق استيلاء الماء على البشرة بمجرد الارتماس ، وقد يكون تدريجياً كما إذا توقف الاستيلاء المذكور على التخليل ونحوه كرفع القدم عن الأرض ليستولي الماء على باطنها ، فيكون أوله أول الارتماس وآخره مقارنا لانغسال تمام الأجزاء بالتخليل وغيره ، إذ بعد خروج ارتماس ما قبل الجزء الأخير عن الغسل لا مجال الاعتبار الدفعة فيه ، إذ لا يقتضيه النص. نعم يمكن اعتبار الدفعة بمعنى آخر ذكرناه آنفا‌

٩٤

الوجهين صح أيضا وانصرف إلى التدريجي [١].

( مسألة ٥ ) : يشترط في كل عضو أن يكون طاهراً حين غسله [٢] فلو كان نجساً طهره أولاً ، ولا يكفي غسل واحد لرفع الخبث والحدث ، كما مر في الوضوء ولا يلزم طهارة‌

______________________________________________________

كما ذكرنا أيضا أن إقامة الدليل عليه صعب جداً.

ومما ذكرنا يظهر أن المرتمس لا يجب عليه رفع الحواجب في آن واحد ، بل لو اتفق أنه حين رفع الحاجب عن عضو حدث حاجب في عضو آخر كفى في صحة ارتماسه ، لأن العضو الذي حدث فيه الحاجب كان قد وصل إليه الماء فلا يضر حدوث الحاجب عليه.

[١] لأنه أسبق وجوداً فينطبق عليه المأمور به.

[٢] هذا أحد الأقوال في المسألة ، وقد تقدم في شرائط الوضوء الإشارة إليها.

والعمدة في دليل القول المذكور وجهان : الأول : أصالة عدم التداخل المبرهن عليها في الأصول. وثانيهما. أن الماء ينفعل بملاقاة العضو النجس فيمتنع رفع الحدث به ، كما تقدم في المياه ، وستأتي الإشارة إليه.

لكن كلا الوجهين لا يصلحان لإثباته ، أما الأول فلأن مقتضاه عدم الاكتفاء بغسل واحد للحدث والخبث لا شرطية رفع الخبث في صحة الغسل لرفع الحدث.

فان قلت : يعلم من مذاق الشارع أن رفع الخبث يكون بمجرد الغسل مطلقا ، فمقتضى أصالة عدم التداخل وجوب غسل آخر لرفع الحدث.

قلت : لا دليل على أصالة عدم التداخل حينئذ ، لأن الموجب لعدم التداخل ظهور تعدد الشرط في تعدد الجزاء ، فإذا بني على رفع اليد عن‌

٩٥

جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل وإن كان أحوط [١]

______________________________________________________

هذا الظهور بالنسبة إلى الخبث ـ وأنه يتحقق ولو بالغسل لرفع الحدث ـ فلا مانع من الأخذ بإطلاق الإجزاء بالنسبة إلى الحدث ، فيكتفى في رفعه بمجرد الغسل وإن ترتب عليه رفع الخبث.

وأما الثاني فلا يقتضي اعتبار طهارة العضو في صحة غسله زائداً على اعتبار طهارة الماء. مع أنه مبني على نجاسة الغسالة أو عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في رفع الخبث وإن كان طاهراً. وأنه لا يطرد في الغسل بالكثير المعتصم ولا في الجزء الأخير الذي ينفصل عنه الماء الى خارج البدن ، ولأجل ذلك فصل بعض بين الغسل في الكثير والجزء الأخير وبين غيرهما ، ولأجل ما ذكرنا ذكر في محكي المبسوط : أنه إن كان على بدنه نجاسة أزالها ثمَّ اغتسل فان خالف واغتسل أولا فقد ارتفع حدث الجنابة ، وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل ، وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأ عن غسلها » انتهى. نعم ظاهر صدر كلامه وجوب الإزالة تعبداً قبل الشروع في الغسل. ولا وجه له ظاهر إلا النصوص المتضمنة للأمر بغسل الأذى ، كصحيح حكم بن حكيم : « ثمَّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمَّ اغسل فرجك وأفض على رأسك .. » (١) ورواية يعقوب بن يقطين : « ثمَّ يغسل ما أصابه من أذى ، ثمَّ يصب على رأسه .. » (٢) ، وصحيح البزنطي : « ثمَّ اغسل ما أصابك منه ، ثمَّ أفض .. » (٣) لكن لو تمت دلالتها على الوجوب تعين حملها على الوجوب الغيري ـ وإلا كان الأقرب حملها على الاستحباب ، كما عليه سيرة الفقهاء في أمثال المقام ـ لا الوجوب التعبدي.

[١] بل ظاهر القواعد وجوبه ، وكذا عن الحلبي ، وابني حمزة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

٩٦

( مسألة ٦ ) : يجب اليقين بوصول الماء الى جميع الأعضاء [١] فلو كان حائل وجب رفعه ، ويجب اليقين بزواله مع سبق وجوده ، ومع عدم سبق وجوده يكفي الاطمئنان بعدمه بعد الفحص [٢]

( مسألة ٧ ) : إذا شك في شي‌ء أنه من الظاهر أو الباطن يجب غسله ، على خلاف ما مر في غسل النجاسات [٣] حيث‌

______________________________________________________

وزهرة ، وسلار والهداية ، بل عن الثاني دعوى الإجماع عليه ، وعن الأخير : أنه من دين الإمامية وعن شرح المفاتيح : أنه الظاهر من فتاوى الأصحاب. للأخبار المتقدمة وغيرها مما تضمن الأمر بغسل الفرج ، بناء على ظهورها في غسله من النجاسة. لكن عن الحلي عد ذلك من الآداب والسنن بغير خلاف ، وعن كشف اللثام أنه من باب الاولى قطعاً ، ونحوه ما عن جامع المقاصد. وحينئذ فالنصوص المذكورة لا تقوى على إثبات الوجوب لذلك ، ولاشتمالها على كثير من السنن والآداب ، وقرب دعوى كون الأمر بالغسل إرشادياً إلى إيجاد الغسل بنحو أسهل. مضافاً إلى ما‌ في صحيح حكم بن حكيم : « فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك ، وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك .. » (١) ، فإنه ظاهر في صحة الغسل في حال نجاسة الرجلين لملاقاتهما للموضع. والتفكيك بين النجاسة السابقة فيشترط التطهير منها ، والطارية في الأثناء فلا يشترط ذلك بعيد جداً.

[١] لقاعدة الاشتغال فيه وفيما يأتي.

[٢] تقدم الكلام فيه في غسل الوجه فراجع.

[٣] قد مر في العاشر من المطهرات ذكر وجهين في المسألة : تنجس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٩٧

قلنا بعدم وجوب غسله. والفرق أن هناك الشك يرجع إلى للشك في تنجسه بخلافه هنا ، حيث أن التكليف بالغسل معلوم فيجب تحصيل اليقين بالفراغ [١]. نعم لو كان ذلك الشي‌ء باطناً سابقا وشك في أنه صار ظاهراً أم لا فلسبقه بعدم الوجوب لا يجب غسله عملاً بالاستصحاب [٢].

______________________________________________________

الباطن بملاقاة النجاسة وعدمه. ومال في المتن الى الثاني. فمع الشك يرجع الى أصالة الطهارة. وذكرنا هناك بعض الكلام في ذلك فراجع.

[١] مجرد العلم بالتكليف بالغسل غير كاف في وجوب الاحتياط ، لتردده بين الأقل والأكثر ، والتحقيق فيه الرجوع الى البراءة ، بل الموجب له هو العلم بالتكليف بالطهارة التي هي الأثر الحاصل من الغسل ، كما يقتضيه قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (١) فيرجع الشك في المقام إلى الشك في المحصل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال. وقد ذكرنا في أوائل الوضوء بعض الكلام في ذلك. فراجع.

[٢] لكن استصحاب عدم الوجوب لا يثبت حصول الطهارة بغسل ما عداه إلا بناء على القول بالأصل المثبت ، وإنما الذي يصلح لذلك هو استصحاب حصول الطهارة على تقدير غسل ما عداه ، لكنه من الاستصحاب التعليقي ، وحجيته محل إشكال ذكرناه في محله. وأما استصحاب كونه باطناً فلا يجري إذا كان الشك بنحو الشبهة المفهومية ، كما أشرنا إلى ذلك مرارا. وإذا كان بنحو الشبهة الموضوعية فحاله حال استصحاب عدم الوجوب لا يجدي في إثبات الطهارة إلا على القول بالأصل المثبت. وقد تقدم في المسألة الخامسة عشرة من أوائل مباحث الوضوء الكلام في ذلك أيضاً.

__________________

(١) المائدة : ٦‌

٩٨

( مسألة ٨ ) : ما مر من أنه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنما هو فيما عدا غسل المستحاضة ، والمسلوس ، والمبطون فإنه يجب فيه المبادرة اليه وإلى الصلاة بعده من جهة خوف خروج الحدث [١].

( مسألة ٩ ) : يجوز الغسل تحت المطر وتحت الميزاب ترتيباً لا ارتماسا [٢]. نعم إذا كان نهر كبير جاريا من فوق على نحو الميزاب لا يبعد جواز الارتماس تحته أيضا إذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء.

______________________________________________________

[١] يظهر من هذا التعليل أن محل الكلام في هذه المسألة صورة وجود الفترة التي يمكن إيقاع الصلاة فيها على طهارة ، أما إذا لم تكن فترة كذلك فلا موجب للمبادرة ، لطرو الحدث على كل حال ولو مع المبادرة. اللهم إلا أن يستفاد وجوب المبادرة في المستحاضة مما دل على لزوم الجمع بين الصلاتين فيها.

[٢] أما جوازه ترتيباً فلا خلاف فيه ، كما في المستند وغيره ، وتقتضيه النصوص البيانية ، إذ قد عرفت أن خصوصية الصب على البدن مما لا دخل لها. مضافاً الى النصوص الآتية ، إذ الترتيبي هو القدر المتيقن منها وأما المنع عن الارتماس فهو المحكي عن الحلي والمحقق في المعتبر وغيرهما ، لعدم الدليل عليه ، وضعف ما يستدل به للقول بجوازه ـ كما عن الشيخ والعلامة والشهيدين وغيرهم ـ من الأصل وصدق الارتماس. وإطلاق مثل : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدمك » (١) ونحوه. وما‌ في صحيح ابن جعفر (ع) : « عن الرجل تصيبه الجنابة ولا يقدر على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

٩٩

______________________________________________________

الماء فيصيبه المطر ، أيجزئه ذلك أو عليه التيمم؟ فقال (ع) : إن غسله أجزأه وإلا تيمم » (١) وخبره الآخر : « عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ فقال (ع) : إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » (٢) ومرسل ابن أبي حمزة : « في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده ، أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال (ع) : نعم » (٣) إذ الأصل لا مجال له مع الدليل على الترتيب. وصدق الارتماس ممتنع. والإطلاق مقيد بما دل على الترتيب كما في غير المطر. والنصوص المذكورة لا إطلاق لها ، لورودها في مقام إلحاق المطر بسائر المياه ورفع توهم المنع عنه. ولو سلم فهو مقيد بما‌ في خبر ابن جعفر (ع) : « إن كان يغسله اغتساله .. » (٤). فتأمل. بل وبأدلة الترتيب أيضاً. ولا ينافي ذلك أن بينهما عموماً من وجه ، لأن ظهورها في اعتبار الترتيب أقوى من ظهور هذه النصوص في نفيه. نعم لو سلم التساوي في الظهور يكون المرجع إطلاق النصوص الخالية عن التعرض للترتيب.

ثمَّ إنه لو سلم وفاء النصوص بسقوط الترتيب في المطر فلا وجه للتعدي منه إلى غيره كالميزاب والإناء والمجرى ونحوها ، كما عن الشيخ والعلامة. وإلغاء خصوصية المطر عرفاً غير ثابتة. نعم لا يبعد إلحاق النهر الكبير ـ كما ذكر في المتن ـ لصدق الارتماس فيه ، فيستفاد حكمه من نصوص الارتماس. وانصراف غيره منها بدائي لا يمنع من العمل بإطلاقها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٠‌

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٤‌

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٠‌

١٠٠