مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

صبرت حتى تنقى أو تنقضي [١] عشرة أيام إن لم تكن ذات عادة أو كانت عادتها عشرة [٢] ، وإن كانت ذات عادة أقل‌

______________________________________________________

فقال (ع) : تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثمَّ تصلي » (١) وحينئذ لا بد من حمل ما في صحيح ابن مسلم المتقدم‌ على ما يكون بعد مدة الاستظهار أو بعد العشرة ، كإطلاق ما دل على أن الصفرة بعد الحيض ليست بحيض كما أشرنا إليه في المسألة السابعة عشرة. وأما ما في المرسل ـ من‌ قوله (ع) : « فان خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط .. » (٢) ‌ـ فغير جامع لشرائط الحجية ، كما عرفت.

[١] بلا خلاف ظاهر ، لقاعدة الإمكان. مضافاً في المبتدئة إلى النصوص‌ كموثق ابن بكير : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام » (٣) وقريب منه موثقة الآخر‌ (٤) و‌في مضمر سماعة : « فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » (٥) وهو يقتضي ثبوت الحكم المذكور لكل من لم تستقر لها عادة.

[٢] إجماعاً. لوضوح طريقية العادة. ولا استظهار حينئذ ، وفي مرسل ابن المغيرة : « إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر ، فاذا كانت أقل استظهرت » (٦) ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٨‌

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٦) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٦١

من عشرة فكذلك ، مع علمها بعدم التجاوز [١] عن العشرة ، أما إذا احتملت التجاوز فعليها الاستظهار [٢] بترك العبادة‌

______________________________________________________

[١] للحكم بحيضية الجميع بمقتضى القاعدة. بل الإجماع عليه بالخصوص ، لما سبق.

[٢] الظاهر أنه لا خلاف في ثبوته في الجملة ومشروعيته ، قال في جامع المقاصد : « لا خلاف في ثبوته إنما الخلاف في وجوبه » ، بل عليه الاتفاق ، كما عن المعتبر والتذكرة والمدارك والمفاتيح وشرحها.

والنصوص الدالة عليه متواترة أو متجاوزة حد التواتر على اختلاف مضامينها ، إذ في بعضها : الأمر بالاستظهار من دون تعرض لمقداره ، كمرسل ابن المغيرة المتقدم‌ ، وموثق يونس بن يعقوب : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : تجلس النفساء أيام حيضها التي كانت تحيض ، ثمَّ تستظهر وتغتسل وتصلي » (١). وفي آخر : أنها تستظهر بيوم واحد ، كموثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها. قال (ع) « إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثمَّ هي مستحاضة » (٢). ونحوه مرسل داود مولى أبي المعزى‌ (٣) ، ورواية زرارة ، ومحمد بن مسلم‌ (٤) ، وموثقة مالك بن أعين عن أبي جعفر (ع) في النفساء‌ (٥). وفي ثالث : أنها تستظهر بيومين‌ كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٨‌

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٤‌

٢٦٢

______________________________________________________

النفساء متى تصلي؟ قال (ع) : تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين » (١) ونحوه موثقه‌ (٢). وفي رابع : أنها تستظهر بثلاثة أيام ، كموثق سماعة : « فإن كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها » (٣) ونحوه موثقة الآخر‌ (٤) ، ورواية محمد بن عمر ابن سعيد‌ (٥). وفي خامس : أنها تستظهر بيوم أو يومين‌ كصحيح زرارة : « المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين ثمَّ تغتسل كل يوم وليلة ثلاث مرات » (٦) ونحوه موثقاه‌ (٧) ، وصحيح ابن مسلم‌ (٨) وموثق البصري‌ (٩) ، ورواية إسماعيل الجعفي‌ (١٠). وفي سادس : أنها تستظهر يومين أو ثلاثة ، كصحيح سعيد بن يسار المتقدم‌ (١١) ورواية حمران بن أعين‌ (١٢). وفي سابع : أنها تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة ، كصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) : « سألته عن الطامث كم تستظهر؟ قال (ع) : تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة » (١٣) ، وفي ثامن : أنها تستظهر إلى تمام العشرة ، كموثق يونس بن يعقوب : « قلت لأبي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٥‌

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١٠‌

(٦) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٢‌

(٧) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١٤ و ١٣‌

(٨) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١٥‌

(٩) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

(١٠) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

(١١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٨‌

(١٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١١‌

(١٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٩‌

٢٦٣

______________________________________________________

عبد الله (ع) : امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلي؟ قال (ع) : تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثمَّ تستظهر بعشرة أيام (١) ونحوه خبره الآخر‌ (٢) ، وفي مرسل ابن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله (ع) : « في المرأة التي ترى الدم. فقال : إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة ، وإن كانت أيامها عشرة لم تستظهر » (٣). وفي تاسع : أنها تستظهر بمثل ثلثي أيامها‌ كموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل ثلثي أيامها‌ .. إلى أن قال (ع) : وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك » (٤).

نعم قد يستظهر من جملة أخرى من النصوص عدم ثبوت الاستظهار أصلا. ففي مرسلة يونس الطويلة : « .. ألا ترى أن أيامها لو كانت أقل من سبع وكانت خمساً أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا. فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياماً وهي مستحاضة » (٥) وصحيح معاوية ابن عمار عن أبى عبد الله (ع) : « المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها ، فاذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت وصلت » (٦) وموثق مالك بن أعين : « سألت أبا جعفر (ع) عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال (ع) : ينظر الأيام التي كانت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١١‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢٠‌

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٦) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١‌

٢٦٤

______________________________________________________

تحيض فيها وحيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من الشهر ويغشاها فيما سوى ذلك .. » (١). وموثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « المرأة المستحاضة التي لا تطهر. قال (ع) : تغتسل عند صلاة الظهر .. ( إلى أن قال ) : ولا بأس بأن يأتيها بعلها متى شاء إلا أيام قرئها » (٢) و‌موثق سماعة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المستحاضة. قال فقال (ع) : تصوم شهر رمضان إلا الأيام التي كانت تحيض فيها » (٣) ، ونحوها غيرها. وقد اختلفت الأنظار في الجمع بينها.

فالمشهور بين المتأخرين حمل أخبار الاستظهار على الاستحباب بقرينة أخبار الاقتصار على العادة. وفيه : أنه ليس أولى من العكس ، فيحمل الأمر بالاقتصار على العادة على الاستحباب ويحمل الأمر بالاستظهار على الترخيص في الاستظهار. ولا ينافيه التعبير عن الاستظهار بالاحتياط في صحيح زرارة‌ وموثق البصري‌ ورواية الجعفي‌ ، لإمكان كونه علة في الترخيص في ترك العبادة الواجبة.

وظاهر المعتبر : حمل أخبار الاستظهار على الإباحة. وكأنه لورودها مورد توهم الحضر. وفيه : ما في سابقة من إمكان العكس ، لكون المقام مظنة وجوب التحيض ، للاستصحاب. وقاعدة الإمكان. وفي الذخيرة اختار ذلك ، لأنه بعد لزوم رفع اليد عن ظهور الأمر في الاستحباب ـ لأخبار الاقتصار على العادة ـ لا يمكن حمله على الاستحباب ، لأن استحباب ترك العبادة لا وجه له. وفيه : أنه لا مانع من استحباب ترك العبادة كما في العبادات المكروهة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاستحاضة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب الاستحاضة حديث : ١‌

٢٦٥

______________________________________________________

وعن الوحيد وغيره : حمل أخبار الاستظهار على الدور الأول ، وحمل أخبار الاقتصار على الدامية في الدور الثاني. ومال إليه في الجواهر. وفيه : أنه لا شاهد عليه ، لأن بعض أخبار الاستظهار وإن كان مورده الدور الأول ، إلا أن مثله يوجد في أخبار الاقتصار. كذيل مرسل داود مولى أبي المعزى : « فاذا مضت أيام حيضها واستمر بها الطهر صلت ، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة » (١) ، وصحيح زرارة عن أحدهما (ع) : « النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ، ثمَّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة » (٢) ، وبعض أخبار الاقتصار وإن كان مورده المستحاضة الظاهرة في الدامية ، إلا أن مثله موجود في أخبار الاستظهار ، مثل روايات زرارة‌ وابن مسلم‌ والجعفي‌ وغيرهم ، فالأخبار المذكورة متعارضة في كل من الموردين.

ودعوى : أن الشاهد عليه‌ موثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث ـ : « في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها. قال (ع) : إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ، ثمَّ هي مستحاضة. قالت : فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة ، كيف تصنع بالصلاة؟ قال (ع) : تجلس أيام حيضها ثمَّ تغتسل لكل صلاتين » (٣).

مندفعة ، بأن بعض أخبار الاقتصار آبية عن الحمل على الدور الثاني. وبأن الظاهر من الذيل كونه (ع) في مقام بيان الحكم الواقعي للمستمرة الدم.

وربما يجمع بينهما بتخصيص اخبار الاقتصار على العادة بغير أيام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

٢٦٦

______________________________________________________

الاستظهار ، كما ذكره في الجواهر ، حيث قال : « على أنه قد يقال : بأنها مخصصة بغير أيام الاستظهار قطعاً ، لكونه لازماً للقائلين بالوجوب والاستحباب ». وفيه : أنه بعيد ، بل في طهارة شيخنا الأعظم (ره) « ضعفه غني عن البيان » ،

وفي المدارك : « ويمكن الجمع بينهما : بحمل أخبار الاستظهار على الواجد للصفة ، وأخبار الاقتصار على الفاقد ». وكأنه لما دل على أن الصفرة بعد الحيض ليست من الحيض. وفيه : أنه مما يأباه صحيح سعد ابن يسار المتقدم في الاستبراء‌ ، بل تأباه عامة نصوص الاقتصار ، فان حمل جميعها على خصوص الصفرة بعيد جداً ـ ولا سيما في مرسل داود‌ ـ لظهور الدم فيه فيما يقابل الصفرة. بقرينة صدره.

وفي الحدائق جمع بينهما بحمل أخبار الاستظهار على من تتخلف عادتها أحياناً ، وحمل أخبار الاقتصار على مستقيمة العادة ، بقرينة‌ موثق عبد الرحمن البصري قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المستحاضة أيطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟؟ قال (ع) : تقعد أيام قرئها التي كانت تحيض فيه ، فان كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل .. » (١) مضافاً إلى تقييد الحيض بالاستقامة في موثق مالك بن أعين‌ (٢) وهو من أخبار الاقتصار.

والاشكال عليه بمنع ظهور الموثق في تقسيم المعتادة إلى قسمين. وبظهور قوله (ع) : « وإن كان خلاف .. » في كونها غير ذات عادة ـ كما صدر من الأستاذ (ره) في الرسالة ـ لعله في غير محله. أولا :

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاستحاضة حديث : ١‌

٢٦٧

______________________________________________________

من جهة أن قوله (ع) : « فان كان .. » ظاهر في كونه تقسيماً لأيام القرء المفروضة لها ، التي أمرت بالقعود فيها. وثانياً : من جهة أن الاحتياط بيوم أو يومين لا يمكن إلا إذا كانت ذات قرء معلوم محدود. ليمكن فرض الزيادة عليه.

واستشكل فيه شيخنا الأعظم (ره) أولا بأن حمل أخبار الاستظهار على غير المستقيمة بعيد جداً. لكن لم يتضح وجه البعد بناء على تمامية ما في الحدائق من أن الأغلب وقوع الاختلاف في الحيض. وثانياً بأن مورد الموثق الدامية ، وقد اعترف في الحدائق بخروجها عن مورد الاستظهار انتهى. لكن هذا الاشكال على الحدائق لا على الجمع المذكور. نعم يمكن أن يقال : إن الموثق المذكور لما كان مورده الدامية إنما يصلح شاهداً على الجمع بين أخبار الاستظهار ، واخبار الاقتصار الواردة في الدامية ، أما ما ورد منهما في أول الرؤية فلا يصلح شاهداً للجمع بينهما ، إلا أن يتمم بعدم القول بالفصل.

وقرب شيخنا الأعظم (ره) الجمع بينهما بحمل أخبار الاستظهار على راجية الانقطاع ، وأخبار الاقتصار على غيرها. والوجه فيه : اختصاص اخبار الاستظهار بصورة رجاء الانقطاع ، كما تقتضيه مادة الاستظهار الذي هو بمعنى طلب ظهور الحال ، وأن الدم ينقطع على العشرة أو ما دونها أو يتجاوزها. مضافاً إلى التعبير بالانتظار والاحتياط المختصين بصورة الاحتمال. وإلى التعبير‌ في صحيح زرارة بقوله (ع) : « فان انقطع الدم وإلا اغتسلت » (١) ، ونحوه مرسل داود‌ (٢) ، وموثق سماعة‌ (٣) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٢٦٨

______________________________________________________

ورواية الجعفي‌ (١) ، ورواية حمران‌ (٢). وأما أخبار الاقتصار ، فهي وإن كانت شاملة لصورة الرجاء واليأس ، لكن يجب حملها على الثاني جمعاً بين المطلق والمقيد ، بل اليأس بنفسه استظهار لتجاوز الدم فلا يكون معه استظهار. ومن ذلك يظهر الوجه في نفي الاستظهار على المستقيمة الحيض ـ كما في موثق البصري‌ (٣) ، ورواية مالك‌ (٤) ـ لأن استقامة الحيض امارة تجاوز الدم أيضاً.

ويحتمل أن يكون الحكم المذكور في أخبار الاقتصار حكماً واقعياً للمستحاضة ، لا حكماً ظاهرياً على الدم بأنه استحاضة مع احتمال انقطاعه على العشرة ، كي يكون معارضاً لاخبار الاستظهار ، ويتكلف الجمع بينهما على أحد الأنحاء السابقة. بل هو المقطوع به في موثق ابن سنان المتقدم‌ ، ومرسلة يونس الطويلة‌. بل هو الظاهر من غيرهما. ولو فرض ظهور بعضها في الحكم الظاهري تعين حمله على الحكم الواقعي جمعاً. وهذا الجمع أقرب مما ذكره شيخنا الأعظم (ره) في وجه الجمع ، وإن كان هو أقرب مما سواه.

والمتحصل مما ذكرناه : أن النصوص المعدودة معارضة لنصوص الاستظهار ، منها ما هو صريح أو ظاهر في وروده لبيان الحكم الواقعي للمستحاضة الواقعية ، ومنها ما هو محتمل لذلك ، ومنها ما هو ظاهر في الحكم الظاهري بالاقتصار على أيام العادة مع امارة التجاوز ، والأقسام الثلاثة كلها لا مجال لتوهم المعارضة بينها وبين أخبار الاستظهار ، ولو فرض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١١‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٤‌

٢٦٩

استحباباً [١] بيوم أو يومين [٢] أو إلى العشرة مخيرة بينها ،

______________________________________________________

وجود قسم منها ظاهر في الحكم الظاهري أمكن حمله على الحكم الواقعي ، أو على صورة اليأس من الانقطاع ، حملا للمطلق على المقيد. ومن ذلك يظهر أنه لا تنتهي النوبة إلى طرح أخبار الاقتصار لموافقتها لمذهب أكثر العامة ، حيث نقل الاقتصار عن الجمهور عدا مالك ، فأوجب الاستظهار إلى ثلاثة أيام. مضافاً إلى كون أخبار الاستظهار أكثر وأشهر ، فإن ذلك إنما يكون بعد تعذر الجمع العرفي ، وقد عرفت سهولته. فتأمل جيداً.

[١] كما نسب إلى عامة المتأخرين ، وقد عرفت وجهه وضعفه. وفي مجمع الفائدة وظاهر المعتبر وفي الذخيرة : الإباحة ، كما تقدم. وقد عرفت ضعفه أيضاً. وعن صريح الاستبصار والسرائر وظاهر النهاية والجمل ومصباح السيد والوسيلة والشرائع والتحرير والمختلف والإرشاد وغيرها : الوجوب. وهو الأقوى. وهناك أقوال أخر تعرف مما سبق في وجه الجمع. فراجع.

[٢] كما نسب إلى المشهور أو مشهور المتأخرين ، وحكي عن كثير من كتب الفاضلين والمحقق الثاني وغيرهم. وقيل : ثلاثة ، حكي عن السرائر والمنتهى والمدارك ، وعن ظاهر المفاتيح : انه الأشهر. وعن جماعة : التخيير بين اليوم واليومين والثلاثة. وعن ظاهر المقنعة وصريح الدروس ومجمع البرهان : انه إلى العشرة. ومبنى كل من الأول والثاني والثالث الاقتصار على بعض النصوص المشار إليها سابقاً ، ومبنى الرابع حمل اختلافها على اختلاف العادات ، فذات التسعة تستظهر بيوم ، وذات الثمانية بيومين وذات السبعة بثلاثة ، وهكذا. ولكنه خلاف الظاهر جداً ، إذ اللازم حينئذ التعبير بالعشرة في الجميع. فيتردد الأمر بين حمل اختلاف النصوص على التخيير في مدة الاستظهار فتتخير بين جميع المراتب المنصوصة ، وبين حمله‌

٢٧٠

فان انقطع الدم على العشرة أو أقل فالمجموع حيض [١] في الجميع ، وإن تجاوز فسيجي‌ء حكمه.

( مسألة ٢٤ ) : إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة وعلمت أنه يتجاوز عن العشرة تعمل عمل الاستحاضة فيما زاد ولا حاجة إلى الاستظهار [٢].

( مسألة ٢٥ ) : إذا انقطع الدم بالمرة وجب الغسل والصلاة [٣] وإن احتملت العود [٤] قبل العشرة بل وإن ظنت بل وإن كانت معتادة بذلك على إشكال. نعم لو علمت العود‌

______________________________________________________

على الترديد في الزمان الذي يحصل به الظهور ، فقد يكون يوماً وقد يكون أكثر إلى العشرة. والثاني أظهر ، فالمعنى : أنه يجب عليها أن تستظهر سواء حصل الظهور بيوم أم أكثر إلى العشرة.

[١] ذكره الأصحاب قاطعين به. كذا في مفتاح الكرامة ، وقد تقدم الكلام في نظيره.

[٢] لاختصاص أخباره بصورة احتمال الانقطاع. مع أن العلم أقوى مراتب الظهور.

[٣] إجماعاً ، كما عن صريح المدارك وظاهر غيره ، وتقتضيه النصوص الآمرة بالغسل والصلاة ، ومنها نصوص الاستبراء. والمعروف عدم مشروعية الاستظهار لها حينئذ ، ويظهر من محكي السرائر : وجود القائل بها بل ووجود خبر بذلك ، لكن ضعفه هو بأنه من أخبار الآحاد. وكيف كان لا مجال لرفع اليد عن إطلاق تلك النصوص ، بل صريح جملة من نصوص الاستظهار عدمه عند الانقطاع مطلقاً.

[٤] يقتضيه إطلاق النصوص المشار إليها. وكذا لو ظنت بالعود ،

٢٧١

فالأحوط مراعاة الاحتياط في أيام النقاء ، لما مر [١] من أن في النقاء المتخلل يجب الاحتياط.

( مسألة ٢٦ ) : إذا تركت الاستبراء وصلت بطلت وإن تبين بعد ذلك كونها طاهرة [٢] إلا إذا حصلت منها نية القربة.

( مسألة ٢٧ ) : إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى فالأحوط الغسل والصلاة إلى زمان حصول العلم بالنقاء [٣]

______________________________________________________

وإن حكي عن الشهيد ثبوت الاستظهار حينئذ ، ولا وجه له ظاهر. ومثله ما عن المدارك والذخيرة والمفاتيح من أن الظاهر ثبوته مع اعتياد العود ، لاطراد العادة. واستلزام وجوب الغسل الحرج والضرر. واختاره بعض مشايخنا. إذ هو كما ترى ، لأن اطراد العادة إنما يقتضي الظن بالعود لا ترك العبادة. وما دل على وجوب ترك العبادة في العادة فالمراد منه التحيض بالدم المرئي فيها ، لا التحيض بالنقاء كما هو ظاهر. وأما الحرج والضرر ـ فمع أنهما ممنوعان ـ لا يقتضيان ترك الصلاة وإنما يقتضيان ترك الغسل فتجب الصلاة بالتيمم. وفي الجواهر وغيرها خص ذلك بصورة الاعتياد الموجب للاطمئنان ، للشك في شمول الأدلة لمثله. وفيه : أن الشك المذكور لا يسوغ رفع اليد عن أصالة الإطلاق في النصوص الآمرة بالاغتسال عند الانقطاع. نعم لو فرض تمامية حجية الاطمئنان تعين القول بالانتظار اعتماداً عليه. وعليه فلا يفرق بين حصوله من الاعتياد وغيره.

[١] لكن مر الاشكال فيه.

[٢] قد تقدم الكلام في ذلك عند الكلام في أدلة الاستبراء‌

[٣] هذا يتم بناء على حرمة العبادة على الحائض تشريعاً ، أما بناء على حرمتها ذاتاً فيشكل كون ذلك أحوط ، لأن استصحاب بقاء الحيض موجب‌

٢٧٢

فتعيد الغسل حينئذ وعليها قضاء ما صامت والاولى تجديد الغسل في كل وقت تحتمل النقاء [١].

فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة‌

( مسألة ١ ) : من تجاوز دمها عن العشرة سواء استمر إلى شهر أو أقل أو أزيد [٢] ـ إما أن تكون ذات عادة أو‌

______________________________________________________

للحرمة. نعم لو بني على سقوط الاستصحاب المذكور بأدلة وجوب الاستبراء فالحكم التخيير عقلا بين فعل العبادة وتركها ـ كما في سائر موارد الدوران بين المحذورين ـ لتعذر الموافقة القطعية ، وحينئذ لا يكون أحدهما بعينه أحوط ولو بني على وجوب الاستبراء شرطاً فوجوب الغسل مع تعذره مبني على تمامية قاعدة الميسور ، وهي غير ظاهرة ، لعدم إحراز التكليف بالصلاة والغسل. هذا ولأجل أن القدر المتيقن من أدلة الاستبراء الردع عن طريقية الانقطاع الى النقاء الواقعي ، فالأقوى جواز العمل بالاستصحاب المذكور ، وحينئذ يتعذر عليها الاحتياط بناء على حرمة العبادة ذاتاً ، بل مقتضى الاستصحاب ثبوت أحكام الحيض وعدم وجوب الغسل ولا الصلاة. فلاحظ وسيجي‌ء في حرمة العبادة ما له دخل في المقام.

[١] هذا ينبغي أن يكون أحوط بعين الوجه في الاحتياط السابق. فتأمل جيداً. والله سبحانه أعلم.

فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة‌

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل ظاهر كلماتهم كونه من الواضحات. وهو الذي يقتضيه إطلاق كثير من النصوص الآتية في أحكام الاقسام اللاحقة.

٢٧٣

مبتدئة أو مضطربة أو ناسية ، أما ذات العادة فتجعل عادتها حيضاً [١] وإن لم تكن بصفات الحيض [٢] والبقية استحاضة [٣]

______________________________________________________

[١] بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عن غير واحد : دعوى الإجماع عليه صريحاً وظاهراً ، بل عن المعتبر : انه إجماع العلماء عدا مالك ، وعن المنتهى : انه إجماع أهل العلم. وتدل عليه النصوص الدالة على حيضية الدم في العادة. وما تقدم في مبحث الاستظهار من نصوص الاستظهار ، ونصوص الاقتصار على العادة ، وكثير من فقرات مرسلة يونس الطويلة ، منها : قوله (ع) : « فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لا وقت لها إلا أيامها قلّت أو كثرت » (١).

[٢] كما يقتضيه إطلاق جملة من النصوص المشار إليها آنفاً. مع أنه لا إشكال فيه إذا كان ما في خارج العادة فاقداً أيضاً ، أما إذا كان واجداً فسيأتي الكلام فيه.

[٣] بلا خلاف فيه فيما عدا أيام الاستظهار ، لصريح النصوص الدالة عليه المشار إليها آنفاً. وأما أيام الاستظهار فالمعروف فيها ذلك أيضاً. وعن المنتهى والبيان والدروس والموجز وجامع المقاصد وغيرها : التصريح بوجوب قضاء ما تركته في أيام الاستظهار ، بل عن المعتبر والذكرى : الإجماع عليه وتقتضيه النصوص الآمرة بالاقتصار على العادة. التي أشرنا إلى بعضها آنفاً بناء على ما عرفت من وجه الجمع بينها وبين نصوص الاقتصار على العادة لكن استشكل في نهاية الأحكام في ذلك ، وعن المدارك والمفاتيح والكفاية : التوقف فيه ، بل في الرياض : الأقرب إلحاقها بالحيض ، حاكياً له عن مصباح المرتضى وظاهر القواعد ، لظهور نصوص الاستظهار في ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٢٧٤

وإن كانت بصفاته [١] إذا لم تكن العادة حاصلة من التمييز‌

______________________________________________________

وفيه : ما عرفت من ظهورها في كون التحيض في أيامه من باب الحكم الظاهري ـ كما أشرنا إليه في مبحث الاستظهار ـ لا الحكم الواقعي. ومنه يظهر ضعف ما عن النهاية من أن عدم وجوب الأداء أو حرمته مانع من وجوب القضاء ، فان المنع عن وجوب القضاء إنما يسلم بالنسبة الى عدم وجوب الأداء أو حرمته الواقعيين لا الظاهريين.

[١] كما عن المفيد والسيد ، والشيخ في الجمل وموضع من المبسوط والحلي وابن سعيد والفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ، بل هو المنسوب الى المشهور ، لعموم ما دل على رجوع المستحاضة إلى عادتها. مع صراحة بعضه أو ظهوره في تقدمها على التمييز ، ففي المرسلة الطويلة : « لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم .. ( الى أن قال ) : فاذا جهلت الأيام وعددها احتاجت حينئذ إلى النظر إلى إقبال الدم وإدباره .. » (١) ، ونحوها غيرها من فقراتها. وفي موثق إسحاق بن جرير « قالت : فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال (ع) : تجلس أيام حيضها ثمَّ تغتسل لكل صلاتين. قالت له : إن أيام حيضها تختلف عليها ، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ، ويتأخر مثل ذلك ، فما علمها به؟ قال (ع) : دم الحيض ليس به خفاء .. » (٢). ومنه يظهر ضعف ما عن الشيخ في النهاية والإصباح وموضع من المبسوط من تقديم التمييز ـ بل عن الخلاف : دعوى إجماع الفرقة عليه ـ لاخبار الصفات ، لما عرفت من عدم صلاحيتها لمعارضة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

٢٧٥

بأن يكون من العادة المتعارفة ، وإلا فلا يبعد ترجيح الصفات على العادة [١] بجعل ما بالصفة حيضاً دون ما في العادة الفاقدة‌

______________________________________________________

أخبار العادة فضلا عن وجوب تقديمها عليها. ونحوه في الضعف ما عن الوسيلة من التخيير جمعاً بين الدليلين.

ثمَّ إن ظاهر النصوص المتقدمة عدم الفرق في وجوب تقديم العادة بين إمكان الجمع بينها ، وبين التمييز ـ بجعل المجموع حيضاً واحداً بأن لم يتجاوز المجموع العشرة ، أو حيضين مستقلين بأن فصل بينهما أقل الطهر ـ وبين ما لم يمكن الجمع بينهما أصلا ، وهو المحكي عن ظاهر جماعة وصريح آخرين لكن في المستند : نسب إلى الأكثر في الصورة الثانية التحيض بهما معاً ، وفي الجواهر : انه نقل عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه ، وكأنه لعدم التنافي بين الدليلين فيجب العمل بهما. وفيه : انه خلاف ظاهر النصوص المتقدمة. ومثله وجهاً ومنعاً ما قيل من التحيض بهما في الصورة الأولى ، بل في الرياض : حكي نقل الإجماع عليه ، وفي الجواهر عن ظاهر التنقيح : نفي الخلاف فيه. لكن شيخنا الأعظم (ره) نفى القول به من أحد من الأصحاب ، وأنهم بين مقدم للعادة ومقدم للتمييز ومخير بينهما ، كصورة عدم إمكان الجمع ، وتشهد له كثير من العبارات المحكية في طهارته ، فلاحظ المبسوط والوسيلة وغيرهما. وكيف كان فلم يثبت ما يجب لأجله الخروج عن ظاهر النصوص المتقدمة الدالة على اعتبار العادة لا غير.

[١] كما عن المحقق الثاني الميل اليه ، معللا له بأن الفرع لا يزيد على أصله ، مع احتمال الترجيح لصدق الأقراء. وفيه بعد لأنه خلاف المتعارف انتهى. وفيه : أن القاعدة الأولى ليست مما يصح الاعتماد عليها لعدم الدليل عليها من عقل أو نقل. وأما دعوى انصراف الأقراء إلى غير‌

٢٧٦

وأما المبتدئة والمضطربة ـ بمعنى من لم تستقر لها عادة ـ فترجع إلى التمييز [١] فتجعل ما كان بصفة الحيض حيضاً وما كان‌

______________________________________________________

ما ثبت بالتمييز ، فمع أنها ممنوعة ـ لما تكرر من عدم قدح الغلبة في حجية الإطلاق ـ أن مرجعها الى عدم ثبوت العادة بالتمييز أصلا ، فلا تترتب عليها أحكام العادة مطلقاً حتى إذا لم يعارضها التمييز. لكنه على تقدير تماميته مناف لما ذكره أولا ، المبني على ثبوت العادة بالتمييز كما لا يخفى. فالأولى : دعوى ظهور أدلة التمييز في خصوص من لم تكن لها عادة بغيره ، أما إذا كانت لها عادة به فعمومها محكم. لكنها لا تخلو من إشكال أو منع ، ولعله لذلك استشكل في الحكم في الروض وكشف اللثام ، كما حكي. وقد تقدم في بيان ما تتحقق به العادة بعض ما له دخل في المقام. فراجع.

[١] وهو مذهب فقهاء أهل البيت (ع) ـ كما في محكي المعتبر ـ ومذهب علمائنا ، كما في محكي المنتهى ، وعن الخلاف والتذكرة : الإجماع عليه في المبتدئة ، بل استظهر من الأول ذلك في المضطربة أيضاً.

ويدل عليه فيهما إطلاق‌ حسن حفص : « دخلت على أبي عبد الله (ع) امرأة فسألته ، عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ فقال (ع) لها : إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فاذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (١) ، ويدل عليه في الثانية‌ مصحح إسحاق بن جرير المتقدم : « فقالت له : إن أيام حيضها تختلف عليها ، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ، ويتأخر مثل ذلك ، فما علمها به؟ قال (ع) : دم الحيض ليس به خفاء ، هو دم حار له حرقة ، ودم الاستحاضة دم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٧٧

______________________________________________________

فاسد بارد .. » (١).

نعم قد يظهر من ذيل مرسلة يونس الطويلة ـ وهو‌ قوله (ع) : « وأما السنة الثالثة فهي للتي ليس لها أيام متقدمة ، ولم تر الدم قط ، ورأت أول ما أدركت واستمر بها ، فإن سنة هذه غير سنة الأولى والثانية .. ( الى أن قال ) (ع) : فقال ـ يعني رسول الله (ص)ـ : تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ، ثمَّ اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين .. » (٢) ‌ـ أن حكم المبتدئة الرجوع الى الروايات. وبساعده إطلاق جملة من النصوص ، كموثق ابن بكير : « إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام ، ثمَّ تصلي عشرين يوماً ، فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوماً » (٣) ، ونحوه موثقه الآخر ‌(٤) ، وموثق سماعة : « سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام قرئها. قال (ع) : أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة وأقله ثلاثة أيام » (٥).

وعليه يشكل الحكم برجوع المبتدئة إلى التمييز ، بل لعل مقتضى الجمع العرفي بين مرسلة يونس والنصوص السابقة تقييدها بها ، لظهورها في الفرق بين المبتدئة والناسية ، وأن الاولى ترجع الى العدد والثانية إلى التمييز. اللهم إلا أن يقال : إن التأمل في المرسلة يقضي بأن السنة الثالثة مجعولة لمن لا تمييز لها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٧٨

______________________________________________________

بل هو كالصريح ، لقوله (ع) في ذيلها : « فان لم يكن الأمر كذلك ، ولكن الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارة ، وكان الدم على لون واحد ، فسنتها السبع والثلاث » (١) المعتضد بظاهر الصدر في حصر السنن في ثلاث ، لا حصر المستحاضة فيها ، مع‌ قوله (ع) في صدرها : « بين فيها كل مشكل .. ». ولا ينافيه ما تقدم من الفقرة ، لإمكان الحمل على الغالب ـ كما قيل ـ أو لصيرورتها اتفاقا مورداً لتلك السنة ، من جهة وقوعها جوابا عن حال فاقدة التمييز ، كما يظهر من قولها : « أثجه ثجا ». ويومئ إليه أنه لو بني على تقييد السنن الثلاث بمواردها بقيت من لم تستقر لها عادة خارجة عن أحكام الرواية ، وهو خلاف ظاهر قوله (ع) : « بين فيها كل مشكل .. » وحينئذ فكما يكون ذكر الناسية في السنة الثانية ـ لأنها مورد السؤال ـ من باب الاتفاق بلا خصوصية لها ، كما يشير الى ذلك ـ مضافا الى ما سبق ـ تعليل الرجوع الى العادة وعدم الاعتناء بالتمييز بقوله (ع) : « لأن السنة في الحيض » الظاهر في وجود مقتضى الحجية في التمييز ، لو لا المعارضة بالعادة الساري ذلك في جميع الاقسام ، كذلك يكون ذكر المبتدئة في السنة الثالثة. مضافا الى أن ظاهر‌ قوله (ص) : تحيضي في كل شهر في علم الله .. » وقول الصادق (ع) : « ثمَّ مما يزيد هذا بياناً قوله (ص) : تحيضي .. » كون الحكم المذكور من قبيل الأصل ، يرجع اليه حيث لا إمارة توجب العلم بالحيض. وحينئذ فإطلاق دليلية الصفات المتقدمة يكون حاكما على المرسلة والموثقات ، لعدم الفرق في مفاد الجميع. بل موثق سماعة‌ محكوم لها ـ مع قطع النظر عن ذلك ـ لفرض السائل فيه أنها لا تعرف أيامها ، إذ ليس المراد منه أنها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

٢٧٩

______________________________________________________

لا تعرف عادتها ـ لكون المفروض أنها مبتدئة ـ بل المراد أنها لا تعرف حيضها ، فاذا كانت ذات تمييز كانت أدلة التمييز موجبة لكونها ممن تعرف أيامها. ولو أغمض عما ذكرنا كله فلا أقل من ترجيح تقييد النصوص المذكورة على تقييد أدلة الصفات ، لغلبة تساوي الدم في المبتدئة ـ كما سبق ـ ، ولكن إباء مثل قوله (ع) : « إن دم الحيض حار .. » ، عن التقييد ليس كإباء المعارض له ، فيحمل على صورة فقد التمييز. فتأمل جيداً ، ومن ذلك كله يظهر ضعف ما في الحدائق من الاشكال على المشهور في حكمها برجوع المبتدئة إلى التمييز ومع فقده فالى العدد.

وأما الإشكال عليه ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) ـ بأن غاية التعارض في المقام الرجوع الى المرجحات السندية ، وهي مع أخبار التمييز ، لموافقتها المشهور ، ومخالفتها لأبي حنيفة من الجمهور ، ولو أغمض فالمرجع إطلاقات الحيض الصادقة عرفا على الواجد المسلوب عن الفاقد لها. ولو أغمض فالمرجع الظن ، لانسداد باب العلم والامارات ، وعدم إمكان الرجوع إلى الأصل ، لأن الخصم لا يقول به ، بل لم يقل به أحد عدا ما عن الغنية ، من الرجوع إلى أكثر الحيض وأقل الطهر .. انتهى ملخصاً.

ففيه : أن الرجوع الى المرجحات السندية لا يكون في المتعارضين بالعموم من وجه ، كما حقق في محله ، وكون موافقة المشهور من المرجحات محل إشكال أو منع. مع معارضة ذلك بكون الرجوع الى العدد في المبتدئة موافق للشهرة في الرواية ، لكثرة الروايات الدالة عليه ، بخلاف الرجوع الى التمييز. والمخالفة لأبي حنيفة غير كافية في الترجيح مع الموافقة لغيره ، ولا سيما في الأخبار الصادقية. وصدق الإطلاق على الواجد إنما يتم مع حجية الصفات عرفاً ، وهو غير ثابت ، بل قد ينافيه الشك والسؤال كما‌

٢٨٠