مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

يجب الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء [١] إن لم يحتمل غيرهما ، وان احتمل كونها مذياً مثلا ـ بأن يدور الأمر بين البول والمني والمذي ـ فلا يجب عليه شي‌ء [٢]. وكذا حال الرطوبة الخارجة بدوا من غير سبق جنابة ، فإنها مع دورانها‌

______________________________________________________

الغسل للمشتبه ، سواء استبرأ بالخرطات أم لم يستبرئ ، كما تقدم في المتن.

[١] إذ لا دليل على الاكتفاء بأحدهما ، فإن ما دل على أن الرطوبة المشتبهة بالمني مني ، وما دل على أن الرطوبة المشتبهة بالبول بول ، قاصران عن شمول المقام ، لاختصاص الأول بصورة عدم البول والمفروض حصوله ولاختصاص الثاني بصورة عدم الاستبراء بالخرطات والمفروض حصوله أيضاً. فالمتعين الرجوع الى القواعد ، وهي مقتضية للاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل ، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ، هذا لو كانت الحالة السابقة على خروج البلل المشتبه الطهارة ، كما في مفروض المتن ، أما لو كانت الحدث اكتفي بالوضوء ، كما تقدم في آخر فصل الاستبراء من البول.

فان قلت : مقتضى إطلاق النصوص ـ الآمرة بالوضوء من البلل الخارج بعد الغسل إذا كان قد بال‌ ـ الاكتفاء بالوضوء في المقام مطلقا.

قلت : هي محمولة على صورة عدم الاستبراء بالخرطات ، جمعا بينها وبين ما دل على عدم الاعتناء بالبلل الخارج بعد البول إذا كان قد استبرأ بالخرطات ، فإنه وان كان بينهما عموم من وجه إلا أن الثانية في مورد الاجتماع أظهر من الاولى ، ولو سلم تساويهما في الظهور فاللازم الرجوع الى القواعد المقتضية للجمع. فلاحظ.

[٢] إذ لا علم إجمالي بالحدث ، فاستصحاب الطهارة السابقة محكم ، ولو كانت الحال السابقة الحدث الأصغر فالعمل عليها ، كما عرفت.

١٢١

بين المني والبول يجب الاحتياط بالوضوء والغسل [١] ومع دورانها بين الثلاثة ، أو بين كونها منياً أو مذيا ، أو بولا أو مذياً ، لا شي‌ء عليه.

( مسألة ٤ ) : إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل وشك في أنه استبرأ بالبول أم لا بني على عدمه ، فيجب عليه الغسل [٢] ، والأحوط ضم الوضوء أيضاً.

( مسألة ٥ ) : لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص والاختبار أو لأجل عدم إمكان الاختبار [٣] من جهة العمى أو الظلمة أو نحو ذلك.

( مسألة ٦ ) : الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها [٤]

______________________________________________________

[١] مما تقدم تعرف الوجه فيه وفيما بعده.

[٢] لأصالة عدمه فيترتب عليه أثره وهو وجوب الغسل. فان قلت : وجوب الغسل واقعا من آثار كون الخارج منيا ، لا من آثار عدم الاستبراء بالبول ، فكيف يترتب على أصالة عدمه؟! قلت : المقصود إثباته بالأصل وجوب الغسل ظاهراً ، وهو من آثار عدم الاستبراء ، كما يستفاد من النصوص ، فيمكن إثباته بالأصل الجاري لإثبات العدم المذكور.

[٣] لإطلاق الأدلة ، بل مقتضاه ثبوت حكمها بمجرد الشبهة ولو لعدم الفحص مع إمكانه.

[٤] كما هو المشهور ، كما في المستند. لاختصاص النصوص بالرجل. ولصحيح سليمان عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء؟ قال (ع) : يعيد الغسل. قلت : فالمرأة يخرج منها‌

١٢٢

وإن كانت قبل استبرائها فيحكم عليها بعدم الناقضية وعدم النجاسة [١] ، إلا إذا علم أنها إما بول أو مني [٢].

( مسألة ٧ ) : لا فرق في ناقضية الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بين أن يكون مستبرئاً بالخرطات أم لا [٣]. وربما‌

______________________________________________________

شي‌ء بعد الغسل؟ قال (ع) : لا تعيد. قلت : فما الفرق بينهما؟ قال (ع) : لأن ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل » (١) ، ونحوه خبر منصور (٢) ، فترجع فيه إلى الأصول. وقد لا يجب الغسل عليها وإن علمت أنه مني إذا احتملت كونه من مني الرجل وقد خرج من الرحم لا من مخرج منيها.

ثمَّ إنه لم أقف على من نسب إليه الخلاف في الحكم المذكور عاجلا كما لم أقف على مستنده. ولعله قاعدة الاشتراك المقتضية لإلحاق المرأة بالرجل التي لا مجال لها بعد ورود النص على خلافها. نعم يختص النص بما إذا كان الخارج من الرحم الذي هو موضع مني الرجل ، أما إذا كان خارجاً من مخرج منيها فاللازم الإلحاق إذا علم كون كيفية خلقتها مثل كيفية خلقة الرجل. لكن العلم غير حاصل ، لا سيما وأن ظاهر الصحيح أنه لا يحصل الشك في منيها وأن ما يخرج منها هو ماء الرجل.

[١] للأصل في المقامين.

[٢] وحينئذ يجب عليها الجمع بين الغسل والوضوء. هذا كله إذا كانت حالتها السابقة الطهارة ، ولو كانت الحدث فالعمل عليها ، كما عرفت.

[٣] لإطلاق النصوص المتقدمة الآمرة بالغسل على تقدير ترك البول.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الجنابة حديث : ١ وباب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٠‌

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الجنابة ملحق حديث : ١‌

١٢٣

يقال : إذا لم يمكنه البول تقوم الخرطات مقامه [١]. وهو ضعيف [٢].

( مسألة ٨ ) : إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة‌

______________________________________________________

[١] حكي هذا القول عن المقنعة ، والمراسم ، والسرائر ، والجامع والتذكرة والبيان والدروس والذكرى وجامع المقاصد ، وعن الأخيرين نسبته إلى الأصحاب.

[٢] لعدم الدليل عليه. ومثله ما في الشرائع ، وعن ظاهر المبسوط والنافع من قيام الاستبراء بالخرطات اختيارا مقام البول ، فلا يجب الغسل للرطوبة المشتبهة إلا مع انتفائهما معا. والوجه في الأول ما ذكره في الذكرى ـ ناسبا له إلى الأصحاب ـ من كونه وجها للجمع بين ما تقدم من النصوص الدالة على وجوب الغسل مع عدم البول ، والنصوص الدالة على نفيه حينئذ. وفيه أنه جمع لا شاهد عليه. ومثله ما ربما يقال في وجه القول الثاني من أنه أيضا وجه جمع بين النصوص المذكورة. وأضعف من ذلك ما عن التهذيب من نفي الغسل مع عدم البول في صورة عدم القدرة عليه ، ولعله لتقييد نصوص وجوبه‌ بصحيح البزنطي : « وتبول إن قدرت على البول » (١) لكنه غير ظاهر ، لأنه إنما تضمن تقييد الأمر به بصورة القدرة عليه لا تقييد فائدته بذلك فتأمل. نعم مقتضى التعليل في صحيح ابن مسلم‌ (٢) ثبوت حكم البول لكل ما لا يدع شيئا في المحل ، سواء كان الاستبراء بالخرطات أم خروج المذي الكثير أم غير ذلك ، فلا فرق بين البول وغيره مما لا يدع شيئاً في المحل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

(٢) راجع ص : ١١٧‌

١٢٤

الأقوى عدم بطلانه. نعم يجب عليه الوضوء بعده [١].

______________________________________________________

[١] كما عن المرتضى والمحقق في كتبه الثلاثة وتلميذه اليوسفي والشهيد الثاني وسبطه والبهائي ووالده وكاشف اللثام والعلامة الطباطبائي وغيرهم.

أما عدم البطلان فلعدم الدليل عليه ، وإطلاق الأدلة البيانية ينفيه. وحملها على كونها في مقام بيان الاجزاء والشرائط دون الموانع غير ظاهر إلا أن يقال : الأدلة البيانية إنما تنفي احتمال المانعية ، لكن الظاهر التسالم على كون الحدث الأصغر ليس من قبيل الموانع المعتبر عدمها في الصحة ، وإنما الكلام في كونه ناقضا للغسل في الأثناء كالحدث الأكبر الواقع في الأثناء أو بعد الفراغ ، وحينئذ مع الشك في ذلك لا مجال للرجوع إلى الأدلة المذكورة لعدم تعرضها لهذه الجهة. نعم لا بأس بالرجوع إلى أصالة عدم الانتقاض ، كما في سائر موارد الشك في الانتقاض بنحو الشبهة الكلية أو الجزئية.

وبالجملة : إن كان المدعى أن الحدث الأصغر في أثناء الغسل من موانع الغسل فالاخبار البيانية تنفيه ، وإن كان المدعى أنه ناقض لأثر الاجزاء المأتي بها كالجنابة في أثناء الغسل فالاستصحاب ينفيه.

وأما وجوب الوضوء فلعموم ما دل على وجوبه لأسبابه ، ولا ينافيه ما دل على أن غسل الجنابة لا وضوء معه وأنه بدعة ، لوروده بلحاظ رفع الحدث السابق على الشروع في الغسل ، ولا يدل على رفع ما يكون في أثنائه ، كما لا يدل على رفع ما يكون بعده.

فان قلت : قد تقدم في مبحث تداخل الوضوء أنه لا دليل على وجوب الوضوء لكل فرد من السبب ، وإنما المستفاد من الأدلة كون الأسباب المذكورة نواقض للوضوء ، والنقض لما لم يقبل التكرر والتأكد امتنع أن يكون لكل واحد منها أثر ، بل الأثر إنما يكون للسابق فيكون‌

١٢٥

______________________________________________________

هو الناقض لا غير. وحينئذ فلا دليل على وجوب الوضوء في المقام ، لامتناع كون البول مثلا ناقضاً ما دام حدث الجنابة ، لاستناد الانتقاض اليه حال حدوثه فقط ، ولا سيما إذا كان قد بال قبل الغسل ، فان البول في الأثناء يكون من البول بعد البول الذي لا أثر له جزما.

قلت : نعم ، لكن هذا الاشكال بعينه جار في البول في أثناء الوضوء ومقتضاه عدم وجوب الاستئناف ، وكما يندفع هناك بأن ما دل على ناقضية البول للوضوء يدل على نقضه لكل جزء جزء منه ، ولا يختص نقضه بالجزء الأخير فقط ـ ولذلك اقتضى وجوب تمام أفعال الوضوء لو وقع بعد تمامه فاذا وقع في أثناء الوضوء اقتضى نقض الأجزاء السابقة كما يقتضي نقضها لو وقع بعد تمامها ، إذ احتمال اختصاص انتقاض كل جزء به بصورة الاجتماع لا الانفراد خلاف المقطوع به من الأدلة ـ نقول هنا أيضاً : إذا وقع في أثناء الغسل اقتضى انتقاض الأجزاء السابقة بعين اقتضائه لانتقاضها إذا وقع بعد تمام الغسل ، فكما يقتضي الوضوء هناك يقتضي الوضوء هنا أيضاً ، فلا يتوقف القول بوجوب الوضوء هنا على عموم سببية كل فرد من الأسباب للوضوء ، كي يتوجه الاشكال عليه بمنع العموم المذكور إجماعاً ، بل يتوقف على عموم السببية لكل فرد ناقض ولو للجزء ، ولا مانع عقلا من البناء على هذا العموم بعد دلالة الأدلة عليه.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الحلي ، والمحقق الثاني في كتبه الثلاثة والمحقق الداماد والفاضل الخراساني من القول بصحة الغسل وعدم وجوب الوضوء ، اعتماداً منهم في الصحة على ما سبق. وفي عدم وجوب الوضوء على أنه لا أثر للحدث الأصغر مع الجنابة ، ولما دل من النصوص على أن غسل الجنابة لا وضوء معه‌.

١٢٦

______________________________________________________

هذا وعن الصدوق ، والشيخ ، والعلامة ، والشهيد : وجوب استئناف الغسل لا غير ، ووافقهم عليه جماعة ممن تأخر ، كالوحيد في حاشية المدارك بل فيها نسبه إلى المشهور. لاستصحاب الحدث. ولأنه لو تأخر عن تمام الطهارة لأبطل إباحتها للصلاة ، فللبعض بطريق أولى. ولما‌ عن الرضوي : « فإن أحدثت حدثاً من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك ، فأعد الغسل من أوله » (١). ولما‌ في المدارك عن كتاب عرض المجالس للصدوق عن الصادق (ع) قال (ع) : « فإن أحدثت حدثاً من بول أو غائط أو ريح أو مني بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أول » (٢) ونحوهما ما عن الهداية له أيضاً التي قيل إنها متون أخبار (٣).

لكن الجميع كما ترى. فان استصحاب الحدث محكوم لأدلة رافعية الغسل للحدث. ونقضه لإباحة الصلاة مسلم ، لكنه أعم من بطلان الغسل ، إذ يمكن التفكيك بين النقض بلحاظ الجنابة والنقض بلحاظ الحدث الأصغر ، فيلتزم بالثاني دون الأول جمعاً بين الأدلة. والرضوي غير ثابت الحجية. ومثله ما عن عرض المجالس ، لعدم الوقوف على سنده ، بل عن جماعة عدم العثور عليه فيه. ومثلهما ما عن الهداية لو تمَّ كونه متن رواية. ودعوى انجبار الجميع بالشهرة ممتنع ، إذ لو سلم ثبوت الشهرة في نفسها لم يثبت صلاحيتها للجبر ، لعدم ثبوت الاعتماد عليها ، بل الموثوق به عدمه ، كما لعله ظاهر بأدنى مراجعة لكلماتهم.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٣) باب غسل الجنابة ص : ٣‌

١٢٧

لكن الأحوط إعادة الغسل بعد إتمامه [١] ، والوضوء بعده أو الاستئناف [٢] والوضوء بعده. وكذا إذا أحدث في سائر الأغسال [٣]. ولا فرق بين أن يكون الغسل ترتيبياً أو ارتماسياً إذا كان على وجه التدريج [٤] ، وأما إذا كان على وجه الآنية‌

______________________________________________________

[١] يعني : فيأتي بكل منهما برجاء المطلوبية.

[٢] وحينئذ فيأتي بالافعال التي جاء بها أو لا برجاء المطلوبية. وبالباقي بالجزم بالمطلوبية مردداً بين كونه إتماماً للاول أو للثاني.

[٣] فإنه بناء على عدم احتياجها الى الوضوء يجري فيها الخلاف السابق ، كما صرح به في المدارك وغيرها ، وبناء على احتياجها اليه يكفي إتمامها مع الوضوء بغير إشكال ، كما عن المسالك والروضة. واستوجه بعض لزوم الوضوء ثانياً للمتخلل ، وكأنه لعدم الدليل على رفع الوضوء المكمل للحدث المتخلل لأصالة عدم التداخل. لكن عرفت أن المستفاد من النصوص كون الوضوء الصحيح رافعاً للأصغر مطلقا فلا يحتاج الى فعله ثانياً ، نعم لو قدم الوضوء فأحدث في أثنائه أو فيما بينه وبين الغسل أو في أثناء الغسل وجب فعل الوضوء ثانياً ، لما عرفت وهل يشرع إتمام الوضوء لو أحدث في أثنائه ثمَّ تجديده ثانياً أولا؟ وجهان مبنيان على أن الوضوء له دخل في رفع الأكبر أو لا دخل له إلا في رفع الأصغر ، فعلى الأول لا مانع من إتمامه بقصد رفع الأكبر ثمَّ تجديده بعد ذلك لرفع المتخلل ، وعلى الثاني لا مجال له كما لو أحدث في أثناء الوضوء للأصغر.

[٤] إما للقول بوقوعه على الوجه الأول من الوجهين المتقدمين ، أو للبناء على إمكان امتداده لو قلنا بأنه عبارة عن كون تمام البدن تحت الماء ، بأن يكون أوله أول التغطية وآخره انغسال آخر جزء من تلك التغطية‌

١٢٨

فلا يتصور فيه حدوث الحدث في أثنائه [١].

( مسألة ٩ ) : إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل ، فان كان مماثلا للحدث السابق ـ كالجنابة في أثناء غسلها أو المس في أثناء غسله ـ فلا إشكال في وجوب الاستئناف [٢] ، وإن كان مخالفاً له فالأقوى عدم بطلانه [٣] فيتمه ويأتي بالآخر.

______________________________________________________

فلو أحدث فيما بين ذلك جرى الخلاف المذكور فيه.

[١] نعم يتصور فيه المقارنة ، وحينئذ فإن قلنا هناك بالصحة ووجوب الوضوء كان القول بذلك هنا أظهر ، أما لو قلنا بالبطلان ففي القول به هنا إشكال ، لقصور بعض أدلة القول المذكور عن شمول الفرض إلا بإلغاء خصوصية المورد. وكذا الإشكال في الاكتفاء بالإتمام لو قيل به هناك ، إذ لم يثبت كون البول حينئذ ـ مثلا ـ من قبيل البول على الجنابة ، لاحتمال حصول الطهارة من الجنابة مقارنة للحدث الأصغر فيكون له أثر. فتأمل جيداً. وكذا الكلام فيما لو فرض مقارنة الحدث لآخر جزء من الغسل.

[٢] وعن كشف اللثام الاتفاق عليه. لما عرفت من أنه من قبيل البول في أثناء الوضوء للأصغر.

[٣] لما عرفت من عدم الدليل عليه ، وإطلاق الأدلة ينفيه ، فيحكم بصحة الغسل لرفع الحدث السابق ، ووجوب استئنافه لرفع المتخلل. ولا مجال هنا للقول بالاكتفاء بالإتمام ، بدعوى : أنه لا أثر للمتخلل. لما يظهر من نصوص تداخل الأغسال وغيرها من كون الأسباب المختلفة لا تتداخل في مقام التأثير ، بل يكون لكل منها أثر مستقل ، وحينئذ فلا مانع من التفكيك بينها في الارتفاع وعدمه. وما عن بعض ـ من دعوى الإجماع على بطلان غسل الجنابة لو تخلله الحدث الأكبر ـ غير ثابت ، أو محمول‌

١٢٩

ويجوز الاستئناف [١] بغسل واحد لهما. ويجب الوضوء بعده [٢]

______________________________________________________

على تخلل خصوص الجنابة. نعم لو بني على حجية رواية عرض المجالس‌ كان اللازم الحكم ببطلان الغسل بتخلل الحدث الأكبر مطلقاً ، للتصريح فيها بذكر المني ، ولزوم التعدي منه إلى سائر أقسام الحدث الأكبر ، كالتعدي من البول وأخويه إلى غيرها. وسيأتي في أحكام المستحاضة بعض الكلام في تخلل بعضها في غسل بعض. فانتظر.

[١] لإطلاق أدلة تداخل الأغسال الآتية في المسألة الخامسة عشرة. بل لو قلنا بكون التداخل عزيمة تعين الاستئناف لا غير.

[٢] للاحتياج إليه في رفع المتخلل على كل حال ، فيجب كما يجب الغسل. ومنه يظهر الوجه في وجوب الوضوء لو كان السابق هو الجنابة فأتم غسلها ثمَّ استأنف غسلا للمتخلل. أما لو استأنف غسلا واحداً لهما فلا موجب للوضوء ، لأن الغسل المنوي به رفع الجنابة وغيرها لا يجب معه الوضوء ، كما سيأتي. ومنه يظهر أن ما في المتن من الجزم بجواز الاستئناف بغسل واحد لهما لا يلائم التوقف في سقوط الوضوء لو كان السابق هو الجنابة بل الملائم له الجزم بسقوطه. كما أنه لا يظهر وجه للفرق بين كون الجنابة سابقاً أو لاحقة ، حيث جزم بسقوط الوضوء في الثاني في صورة استئناف الغسل لهما ، وتوقف فيه في الأول حينئذ. اللهم إلا أن يكون المراد من استئناف الغسل لهما ، أن يأتي بالغسل ناوياً بغسل الأعضاء التي غسلها أولا قبل الحدث المتخلل رفع ذلك المتخلل ، وبغسل الأعضاء الباقية رفع المتخلل والسابق ، فيكون تداخل في بعض الغسل لا في تمامه. لكن في صحة مثل ذلك إشكال. مع أن الظاهر في مثله وجوب الوضوء لعدم الدليل على ما يجزئ عنه.

١٣٠

إن كانا غير الجنابة ، أو كان السابق هو الجنابة حتى لو استأنف وجمعهما بنية واحدة على الأحوط ، وإن كان اللاحق جنابة فلا حاجة الى الوضوء ، سواء أتمه وأتى للجنابة بعده [١] أو استأنف وجمعهما بنية واحدة.

( مسألة ١٠ ) : الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة أيضاً لا يكون مبطلا لها [٢]. نعم في الأغسال المستحبة لإتيان‌

______________________________________________________

وبالجملة : يظهر من المتن إجزاء حكم الحدث الأصغر الواقع في أثناء غسل الجنابة على الحدث الأكبر الواقع فيه ، وإجراء حكم الجنابة الواقعة في أثناء الوضوء على الجنابة الواقعة في أثناء الغسل من غيرها. وهو في محله في غير صورة الاستئناف لهما بناء على جزمه بصحته.

[١] سقوط الوضوء حينئذ للغسل المستأنف للجنابة ظاهر. أما سقوطه للأول المتخلل في غسل الحدث فهو مبني على ثبوت إطلاق ما دل على أن غسل الجنابة لا وضوء معه ، حتى بلحاظ حال غيره من الاحداث ، فيكون غسل الجنابة رافعاً لكل حدث محتاج إلى الوضوء. وسيأتي إن شاء الله الكلام فيه.

[٢] لعدم الدليل عليه ، فإنه لا يكون ناقضاً لو وقع بعده. وفي الجواهر عن المصابيح : « الإجماع على عدم إعادة شي‌ء منها بالحدث .. » ففي أثنائه بطريق أولى. مضافاً الى‌ خبر ابن بكير : « سأل الصادق (ع) عن الغسل في رمضان‌ .. الى أن قال : والغسل أول الليل. قلت : فان نام بعد الغسل؟ قال : هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك » (١). لكن لا يخفى أن الإجماع المدعى لو سلم فإنما يدل على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الأغسال المسنونة حديث : ٢‌

١٣١

فعل ـ كغسل الزيارة والإحرام ـ لا يبعد البطلان [١]. كما أن حدوثه بعده وقبل الإتيان بذلك الفعل كذلك [٢] كما سيأتي.

______________________________________________________

عدم لزوم الإعادة ، وهو أعم من عدم الانتقاض ، لجواز أن يكون المأمور به صرف الوجود الصادق على مجرد حدوثه وان انتقض بعد ذلك. ومنه تظهر المناقشة في دلالة الخبر أيضاً. فلم يبق إلا استصحاب عدم الانتقاض الذي لا فرق في صحة جريانه بين ما بعد الفراغ وما في الأثناء. وحينئذ فيمكن أن يكون محكوماً بالأخبار الآتية الظاهرة في انتقاض الغسل لدخول مكة أو للإحرام أو للزيارة بالحدث. وحملها على خصوص الغسل للمكان أو الفعل غير ظاهر ، ولا سيما في صحيح ابن الحجاج لظهورها في المفروغية عن انتقاض الغسل في نفسه بالحدث الأصغر ، وأن وجوب الإعادة لاعتبار وقوع الفعل على حالة الغسل.

وعليه فلا فرق بين جميع أفراد الغسل في انتقاضها بالحدث الأصغر ، غاية الأمر أنه إن كان المطلوب صرف الكون على حالة الغسل آنا ما ـ كما في الأغسال الزمانية ـ لم يقدح الانتقاض بالحدث الأصغر الواقع بعدها ، وإن كان المطلوب كونه على حالة الغسل في حال الفعل ولو كان هو الدخول في مكان فلا بد من الإعادة. وعلى هذا فلو تخلله الحدث الأصغر انتقض مطلقاً. وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في الأغسال المسنونة بقية الكلام فيما يتعلق بالمقام فانتظر.

[١] لما عرفت من أن الانتقاض بالمتخلل من لوازم الانتقاض بالمتأخر عرفا.

[٢] كما لعله المشهور ، بل لم يعرف الخلاف فيه في الجملة إلا من الحلي لدلالة النصوص عليه ، كصحيح ابن الحجاج : سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثمَّ ينام فيتوضأ قبل أن يدخل ، أيجزئه ذلك‌

١٣٢

( مسألة ١١ ) : إذا شك في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة ، أو في شرطه قبل الدخول في العضو الآخر رجع وأتى به [١] ،

______________________________________________________

أو يعيده؟ قال (ع) : لا يجزئه ، لأنه إنما دخل بوضوء » (١) ونحوه صحيحه الآخر في غسل الزيارة‌ (٢) ، وصحيح النضر بن سويد عن أبي الحسن (ع) : « عن رجل يغتسل للإحرام ثمَّ ينام قبل أن يحرم. قال (ع) : عليه إعادة الغسل » (٣). وموثق إسحاق عن غسل الزيارة : « يغتسل الرجل بالليل ويزور بالليل بغسل واحد ، أيجزئه ذلك؟ قال (ع) : يجزئه ما لم يحدث ما يوجب وضوءا ، فإن أحدث فليعد غسله بالليل » (٤) وقريب منه خبره الآخر‌ (٥). وموردها وإن كان خاصاً ، لكن الظاهر عدم الفرق بين الأغسال المعتبر مقارنتها لفعل ، كما يشهد به التعليل في صحيحي ابن الحجاج‌ ، وعن بعض المحققين نسبته إلى الأصحاب.

وأما‌ صحيح العيص : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ، ويلبس ثوبين ثمَّ ينام قبل أن يحرم ، قال (ع) : ليس عليه غسل » (٦) فمع أنه مهجور عند الأصحاب غير ظاهر في عدم النقض ، وإنما هو ظاهر في نفي الوجوب. وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ تمام الكلام في الأغسال المسنونة.

[١] لاستصحاب العدم ، أو لقاعدة الاشتغال. نعم هذا في الشك في الجزء ظاهر ، أما في الشك في الشرط بأن جاء بالجزء وشك في شرطه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب مقدمات الطواف حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب زيارة البيت حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الإحرام حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب زيارة البيت حديث : ٣‌

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب زيارة البيت حديث : ٢‌

(٦) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الإحرام حديث : ٣‌

١٣٣

وإن كان بعد الدخول فيه لم يعتن به ويبني على الإتيان على الأقوى [١] ، وإن كان الأحوط الاعتناء ما دام في الأثناء ولم يفرغ من الغسل ، كما في الوضوء. نعم لو شك في غسل الأيسر أتى به وإن طال الزمان ، لعدم تحقق الفراغ حينئذ ، لعدم اعتبار الموالاة فيه [٢] ، وإن كان يحتمل عدم الاعتناء إذا كان معتاد الموالاة.

( مسألة ١٢ ) : إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل ، ثمَّ شك في أنه كان ناوياً للغسل الارتماسي حتى يكون فارغاً ، أو لغسل الرأس والرقبة في الترتيبي حتى يكون في الأثناء ،

______________________________________________________

فيمكن الرجوع الى قاعدة الفراغ ، فإنه لا فرق في جريانها بين الجزء المشكوك شرطه والكل ، والتخصيص بالثاني بلا مخصص ، بعد عموم النص الموافق لارتكاز العقلاء.

[١] لعموم قاعدة التجاوز ، كما تقدمت الإشارة إليه في الوضوء. والخروج عنه في الوضوء لا يقتضي الخروج عنه في الغسل أو التيمم. ودعوى ، ان الشارع قد اعتبر الطهارات الثلاث كعمل واحد بسيط ، غير ثابتة. والقياس على الوضوء لوحدة المناط في غير محله ، لعدم العلم بذلك. فراجع ما تقدم في الوضوء.

[٢] قد عرفت في مبحث الوضوء أن الفراغ الذي هو موضوع عدم الاعتناء بالشك بعده هو الفراغ البنائي ، فلا يعتنى بالشك في غسل الأيسر بعد بنائه على الفراغ من الغسل. وأما احتمال عدم الاعتناء بالشك فيه لمعتاد الموالاة فمبني على جريان قاعدة التجاوز بلحاظ التجاوز عن المحل العادي ، وقد تقدم الاشكال فيه أيضاً. ولو سلم فاعتياد الموالاة غير كاف ،

١٣٤

ويجب عليه الإتيان بالطرفين ، يجب عليه الاستئناف [١]. نعم يكفيه غسل الطرفين بقصد الترتيبي ، لأنه إن كان بارتماسه قاصداً للغسل الارتماسي فقد فرغ ، وإن كان قاصداً للرأس والرقبة فبإتيان غسل الطرفين يتم الغسل الترتيبي.

( مسألة ١٣ ) : إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثمَّ تبين له بقاء جزء من بدنه غير منغسل يجب عليه الإعادة ترتيباً أو ارتماساً ، ولا يكفيه جعل ذلك الارتماس للرأس والرقبة إن كان الجزء غير المنغسل في الطرفين فيأتي بالطرفين الآخرين لأنه قصد به تمام الغسل ارتماساً لا خصوص الرأس والرقبة. ولا تكفي نيتهما في ضمن المجموع [٢].

______________________________________________________

بل لا بد من الدخول في عمل مرتب على المشكوك عادة.

فإن قلت : قاعدة الشك بعد الفراغ وإن كانت جارية ، إلا أن قاعدة الشك في المحل أيضاً جارية ، فيتعارضان ويرجع الى قاعدة الاشتغال.

قلت : قاعدة الفراغ مقدمة على قاعدة الشك في المحل ، كتقدمها على أصالة عدم الإتيان ، لأن نسبة دليلها إلى دليلهما نسبة الخاص إلى العام ، ودليل المقتضي بالنسبة إلى دليل اللامقتضي.

[١] لقاعدة الاشتغال. لكن الظاهر عدم جواز استئناف الغسل الترتيبي ، لسقوط الأمر بغسل الرأس والرقبة على كل تقدير ، فلا مجال للتقرب به. نعم يجوز استئناف الغسل الارتماسي رجاء أن يكون قد نوى الرأس والرقبة. إذ بذلك لم يخرج عن كونه جنبا ، فيشمله عموم ما دل على إجزاء الارتماسي للجنب ، وقد تقدم جواز العدول من الترتيبي إلى الارتماسي.

[٢] في إطلاقه نظر ، لأن الرأس والرقبة مأمور بغسلهما بأمر ضمني‌

١٣٥

( مسألة ١٤ ) : إذا صلى ثمَّ شك في أنه اغتسل للجنابة أم لا يبني على صحة صلاته [١] ولكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية [٢]. ولو كان الشك في أثناء الصلاة بطلت ، لكن الأحوط إتمامها ثمَّ الإعادة.

______________________________________________________

على كل تقدير ، فاذا نوى امتثاله في ضمن المجموع لا بنحو التقييد صح وإن لم يتم له فعل المجموع. نعم إذا كان بنحو التقييد في الامتثال ، بحيث يكون الغرض قائماً بامتثال المجموع بطل على تقدير عدم حصول المجموع لعدم القصد.

[١] لقاعدة الفراغ.

[٢] فإن قاعدة الفراغ الجارية لإثبات الغسل بالنسبة إلى الصلاة الماضية لا تصلح لإثبات وجوده بالإضافة إلى بقية الصلوات ، لقصور أدلتها عن إفادة ذلك. وبذلك افترقت قاعدة الفراغ عن قاعدة التجاوز بناء على كونهما قاعدتين ، كما هو التحقيق ، فان مجرى الأولى الشك في صحة الموجود المعلوم الوجود ، ومجرى الثانية الشك في أصل الوجود ، وشرط الأولى حصول الفراغ البنائي وشرط الثانية الدخول في أمر مرتب على المشكوك شرعاً. ووجه الفرق بينهما فيما نحن فيه : أن الأولى إنما تضمن دليلها صحة الموجود لا غير ، والثانية تضمن دليلها ثبوت المشكوك بلحاظ جميع الآثار المترتبة عليه ، كما يأتي توضيحه في أوائل مباحث الخلل إن شاء الله تعالى. هذا وقد تقدم منافي مبحث الاستنجاء نظير هذا المسألة ، وقلنا هناك : ان قاعدة الفراغ تثبت الجزء بلحاظ سائر الآثار ، وكأنه مبني على رجوع القاعدتين إلى قاعدة واحدة ، على خلاف التحقيق ، وإن كان هو مذهب شيخنا الأعظم (ره) وغيره ممن تبعه.

١٣٦

( مسألة ١٥ ) : إذا اجتمع عليه أغسال متعددة فاما أن يكون جميعها واجباً أو يكون جميعها مستحباً أو يكون بعضها واجباً وبعضها مستحباً ، ثمَّ إما أن ينوي الجميع أو البعض ، فإن نوى الجميع بغسل واحد صح في الجميع [١].

______________________________________________________

ومنه يظهر حال الشك في الأثناء ، فإن حال الأجزاء اللاحقة حال الصلوات الآتية ، ولا مجال لتجديد الطهارة في الأثناء ، لا لأنها منافية للصلاة بل لاعتبار استمرارها لأدلة قاطعية الحدث. ثمَّ إن ما ذكر المصنف (ره) في وجوب الغسل مقتصراً عليه يختص بما إذا لم يحدث بالأصغر بعد الصلاة وإلا كان عليه الوضوء مع الغسل وإعادة الصلاة الأولى ، لأنه لو اغتسل وصلى بلا وضوء يعلم ببطلان إحدى الصلاتين ، لأنه إن كان قد اغتسل أولا احتاج في صلاته الثانية بعد الحدث الأصغر إلى الوضوء ، فلو صلى بدونه بطلت ، وإن كان لم يغتسل فصلاته الأولى باطلة ، وإن شئت قلت : إذا أحدث بالأصغر يعلم بأنه إما يجب عليه إعادة الصلاة السابقة أو الوضوء للصلاة اللاحقة ، فيجب الجمع بينهما.

[١] إن كانت كلها واجبة وكان واحد منها غسل الجنابة بلا خلاف ظاهر ، بل الظاهر دخوله في معقد الإجماعات المحكية على الصحة إذا نوى الجنابة فقط ، بل لعله أولى بالصحة من ذلك. نعم قد يوهم ما عن النهاية من كون الوجه الاجزاء ، وما عن الذخيرة من أنه أظهر ، وجود الخلاف فيه. لكنه إن تمَّ ففي غير محله ، كيف؟! وقد قيل : انه القدر المتيقن من النصوص ، كصحيح زرارة : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة ، فإذا اجتمعت لله ـ تعالى ـ عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد. وكذلك‌

١٣٧

______________________________________________________

المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها » (١) وموثق عمار : « سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل. قال (ع) : إن شاءت أن تغتسل فعلت وإن لم تفعل فلا شي‌ء عليها ، فاذا طهرت اغتسلت غسلا واحداً للحيض والجنابة » (٢) ومرسل جميل : « إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأه عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم » (٣) وخبر شهاب : « فيمن غسل ميتاً ثمَّ أتى أهله. قال (ع) : ويجزئه غسل واحد لهما » (٤) ‌وجملة مما ورد في كفاية غسل واحد للحيض والجنابة‌ (٥) وبها يرفع اليد عن أصالة عدم التداخل التي هي مقتضى ظهور أدلة السببية في كون كل سبب مستقلا في تأثيره ، مقتضياً لمسبب غير ما يقتضيه السبب الآخر ، كما هو محرر في محله. وكذا لو لم يكن واحد منها الجنابة بلا خلاف ظاهر أيضاً لإطلاق قوله (ع) : « فاذا اجتمع لله عليك .. ».

وأما إذا كانت كلها مستحبة فهو المشهور ظاهراً ، كما قيل. وعن التحرير والقواعد والإرشاد : العدم ، وعن جامع المقاصد : أنه أرجح ، وعن ظاهر الدروس : الميل إليه. وكأنه لأصالة عدم التداخل ، لعدم ما يوجب الخروج عنها ، إذ ليس ما يوهم ذلك سوى قوله (ع) : « فاذا اجتمع لله عليك .. » ، لكنه لا يصلح لذلك ، لأن الظاهر من الحقوق هي الواجبة ، لا أقل من عدم ظهوره في المستحبة. وفيه : أنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

(٣) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٤) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الحيض ، وباب : ٤٣ من أبواب الجنابة‌

١٣٨

______________________________________________________

لو سلم ذلك فبقرينة الصدر والذيل يراد منه ما يعم المستحبة. وربما يستدل له أيضاً‌ برواية عثمان بن يزيد ـ الذي استظهر أنه عمرو بن يزيد فتكون صحيحة ـ عن الصادق (ع) : « من اغتسل بعد الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله الى طلوع الفجر » (١) وناقش فيه شيخنا الأعظم (ره) بأنها ظاهرة في أن من اغتسل لغاية في ليل أو نهار لم تلزم المبادرة إليها ، بل جاز إيقاعها ولو في آخر الليل أو النهار. لكن الاستظهار المذكور غير ظاهر. فلاحظها. نعم التعبير فيها بالوجوب يمنع من التمسك بها. وحمله على مجرد الثبوت غير ظاهر. فتأمل.

وأما إذا كان بعضها واجباً وبعضها مستحباً فعن ظاهر المشهور الصحة عن الجميع ، بل عن الخلاف الإجماع على الاجتزاء بغسل واحد للجنابة والجمعة ويقتضيه إطلاق ما تقدم أيضاً. وعن ظاهر القواعد والإرشاد وصريح جامع المقاصد والتذكرة : البطلان. والمتحصل من كلماتهم في وجهه : امتناع اجتماع الوجوب والندب في شي‌ء فيمتنع نيتهما معاً. لكن عرفت في فصل غايات الوضوء اندفاع الاشكال المذكور هناك ، فاندفاعه هنا أولى ، إذ يمكن الالتزام في المقام بأن الغسل الواحد مجمع عناوين متكثرة ، يكون بعضها واجباً وبعضها مندوباً ، بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي ، ولا يمكن الالتزام بذلك هناك ، لأن جهة المقدمية للواجب أو المستحب من الجهات التعليلية ، فلا يمكن أن تكون منشأ لاجتماع الحكمين المتضادين في شي‌ء واحد إجماعا ، لاختصاص الخلاف في مسألة جواز الاجتماع وامتناعه بصورة اجتماع الجهات التقييدية لا غير ، وإن كان التحقيق الامتناع مطلقاً. وبالجملة :

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الإحرام حديث : ٤‌

١٣٩

وحصل امتثال أمر الجميع [١] وكذا إن نوى رفع الحدث [٢] أو الاستباحة إذا كان جميعها أو بعضها لرفع الحدث والاستباحة ، وكذا لو نوى القربة [٣] وحينئذ فإن كان فيها غسل الجنابة لا حاجة إلى الوضوء بعده أو قبله [٤] ،

______________________________________________________

الاشكال المذكور لا يهم ولا يوجب رفع اليد عن ظاهر أدلة المقام. لإمكان الاعتماد عليها في رفع اليد عن القواعد المقتضية للبطلان ، فضلا عما إذا لم تكن تقتضيه ، كما عرفت في الوضوء. فراجع.

[١] على ما عرفت في الضمائم الراجحة في شرائط الوضوء.

[٢] بلا خلاف ظاهر ـ كما قيل ـ لرجوعه إلى نية الجميع. وكذا نية الاستباحة. هذا إذا كان الجميع لرفع الحدث ، أما إذا كان بعضها كذلك فنية ذلك راجعة إلى نية البعض لا غير ، فيترتب عليها حكمها الآتي. فانتظر.

[٣] فإن نية القربة مطلقاً راجعة إلى نية الجميع مطلقاً. ثمَّ إن مورد كلام المصنف وغيره في نية الرفع وغيره هو نيتها مطلقاً ، أما إذا نواها لا مطلقاً بل من جهة دون جهة رجعت الى نية البعض. فيجري عليها حكمها الآتي.

[٤] كما هو ظاهرهم ، كما في الغنائم والمستند. ويستدل له بأن غسل الجنابة يكفي عن الوضوء المسبب عن أي سبب ، كما يشهد به قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (١). ولا سيما بملاحظة رواية ابن مسلم المتضمنة تكذيب الباقر (ع) نسبة القول بوجوب الوضوء إلى علي (ع) مستشهداً بالآية الشريفة على نفيه‌ (٢). ولما دل على أن غسل الجنابة لا وضوء معه‌

__________________

(١) المائدة : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

١٤٠