مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

( مسألة ١٠ ) : النفساء كالحائض [١]

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن الغنية وشرح المفاتيح واللوامع ، وفي المسالك وعن المدارك والكفاية : إنه قول الأصحاب. أو مذهبهم ، وفي المعتبر : « هو مذهب أهل العلم لا نعرف فيه خلافاً » ، وفي المنتهى « لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم » ، ونحوه عن التذكرة ، وعن السرائر : نفي الخلاف فيه ، بل الظاهر إنه إجماع عند الكل ، إذ لم نقف على من تعرض لرده أو التوقف فيه. وهذا هو العمدة.

وأما ما اشتهر من أن النفاس حيض محتبس ، فقد عرفت أنه مستفاد من رواية سلمان ( رض ) (١) ، لكن المقطوع به ـ كما تقدم ـ أن المراد منه بيان قضية خارجية لا شرعية تنزيلية ، ويشهد به ـ مضافاً إلى ملاحظة مورده ـ توصيفه بالاحتباس ، فلا يدل على ثبوت الأحكام الثابتة للحيض المقابل للنفاس ، وإنما يدل على وحدتهما سنخاً ، نظير ما لو قال الشارع : البخار ماء متفرق الأجزاء.

وأما ما ورد في صحيحة زرارة ـ بعد إرجاع النفساء إلى العادة ، وإيجاب الاستظهار عليها ، والعمل بوظيفة المستحاضة من‌ قوله (ع) : « والحائض مثل ذلك سواء ، فان انقطع عنها الدم وإلا فهي مستحاضة. تصنع مثل النفساء سواء .. » (٢) ـ فإنما يدل على تنزيل الحائض منزلة النفساء في خصوص الأحكام المذكورة في الصحيح لا مطلقاً ، فضلا عن تنزيل النفساء منزلة الحائض ليجدي فيما نحن فيه.

فان قلت : إذا نزلت الحائض منزلة النفساء وثبت حكم للحائض وجب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٣‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٥‌

٤٦١

______________________________________________________

أن يثبت للنفساء ، إذ لو ثبت خلافه كان التنزيل بلحاظ ما عدا ذلك ، لئلا يلزم الخلف ، وحينئذ إذا ثبت حكم للحائض وشك في ثبوته للنفساء أو ثبوت خلافه فإطلاق التنزيل يقتضي ثبوته للنفساء وعدم ثبوت خلافه ، لأصالة عدم التخصيص.

قلت : أصالة عدم التخصيص في مثل المقام لا تصلح لإثبات الحكم لذي المنزلة ، وإنما تصلح لإثبات الحكم للمنزل منزلته عند الشك في ثبوته له أما مع العلم بثبوت الحكم له والشك في ثبوته لذي المنزلة فلا تصلح أصالة عدم التخصيص لإثباته له ، لعدم تعرض خطاب التنزيل لذلك ، وحيث أن العمدة في المساواة المذكورة هو الإجماع فالقدر المتيقن منه هو المساواة في أحكام الحائض كحرمة الصلاة والصوم ووجوب الغسل ، وحرمة قراءة العزائم ونحو ذلك ، لا أحكام الحيض مثل كون أقله كذا وأكثره كذا ودلالته على البلوغ ونحو ذلك ، بل ولا أحكام غيرها مما يصح أن يرجع إليها بنحو من العناية ، مثل حرمة وطئها وكراهة سؤرها ونحوهما. لكن وقوع الاستثناء من بعض نقلة الإجماع لما يكون من قبيل القسمين الأخيرين يكشف عن أن المراد نقل الإجماع على المساواة مطلقاً ، لكن الاعتماد عليه لا يخلو من إشكال ، ولا سيما بعد عدول المحقق في المعتبر والشرائع عن التعبير بذلك الى التعبير بقوله : « يحرم على النفساء ما يحرم على الحائض » ، أو بزيادة : « ويكره » كما في المعتبر. وعلله في المسالك بعدم صحة إطلاق ما ذكروه ، لمخالفة النفاس للحيض في أمور كثيرة ، وذكر ستة ثمَّ قال : « وغير ذلك » ، وفي المنتهى ذكر المساواة في أمور مخصوصة فقال : « وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها ، ويكره ، ويباح ، ويسقط عنها من الواجبات ، ويستحب وتحريم وطئها ، وجواز الاستمتاع بما دون الفرج ، لا نعلم فيه خلافاً .. » ،

٤٦٢

في وجوب الغسل بعد الانقطاع أو بعد العادة أو العشرة في غير ذات العادة [١] ووجوب قضاء الصوم دون الصلاة [٢] وعدم جواز وطئها [٣] وطلاقها [٤] ومس كتابة القرآن واسم الله [٥] وقراءة آيات السجدة [٦] ودخول المساجد والمكث فيها [٧] ، وكذا في كراهة الوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل [٨] ، وكذا في كراهة الخضاب [٩]

______________________________________________________

فاذاً يلزم الاقتصار على المتيقن وهو ما ذكره في الشرائع ، والرجوع في غيره إلى دليل آخر.

[١] هذا منصوص عليه في جملة من النصوص‌ (١). [٢] منصوص عليه ، في صحيح ابن الحجاج‌ (٢) ومكاتبة ابن مهزيار‌ (٣) [٣] منصوص عليه في جملة من النصوص‌ (٤). [٤] كما في جملة من النصوص‌ (٥). [٥] هذا وإن لم يكن منصوصاً عليه بالخصوص ، إلا أنه يستفاد مما تقدم في الوضوء ، نظير الحائض. وكذا مس اسم الله تعالى.

[٦] لا نص عليه ، وإنما يستفاد من قاعدة المساواة.

[٧] قد يستفاد من بعض النصوص.

[٨] يستفاد من النصوص ، كما في الحائض.

[٩] لكن‌ عن مكارم الأخلاق عن كتاب اللباس للعياشي : « لا تختضب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ و ٣ من أبواب النفاس‌

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب النفاس حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٤ و ١٧ وباب : ٧ من أبواب النفاس‌

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب شرائط الطلاق‌

٤٦٣

وقراءة القرآن [١] ونحو ذلك ، وكذا في استحباب الوضوء في أوقات الصلوات والجلوس في المصلى والاشتغال بذكر الله بقدر الصلاة [٢]. وألحقها بعضهم بالحائض في وجوب الكفارة إذا وطئها [٣]. وهو أحوط. لكن الأقوى عدمه.

( مسألة ١١ ) : كيفية غسلها كغسل الجنابة [٤] إلا أنه‌

______________________________________________________

وأنت جنب ، ولا تجنب وأنت مختضب ، ولا الطامث فان الشيطان يحضرها عند ذلك. ولا بأس به للنفساء » (١) ، ومرسله الآخر عن أبي عبد الله (ع) قال : « تختضب النفساء » (٢). وليس في النصوص ما يدل على النهي عنه.

[١] ورد في صحيح الحلبي‌ (٣) وغيره‌ (٤) الترخيص فيها لها ، ولم أقف على النهي عنها.

[٢] وجهه أصالة المساواة.

[٣] قد عرفت نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، وعن التذكرة : « لا نعلم فيه خلافا ». ويظهر من ذكر غير واحد له مرسلا له إرسال المسلمات والتعرض لفروعه أنه كذلك. فالخروج إذا عن أصالة المساواة غير ظاهر.

[٤] إجماعا. لما عرفت غير مرة من أنه مقتضى الإطلاق المقامي لأمرها بالأغسال ، بل هو مقتضى ما ورد في كيفية غسل الجنابة ، بناء على حمله على بيان كيفية ماهية الغسل مطلقاً واجبة كانت ـ عن جنابة أو غيرها ـ أو مستحبة كما لعله الظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الجنابة حديث : ١١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الجنابة حديث : ١٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٤٦٤

لا يغني عن الوضوء ، بل يجب قبله أو بعده كسائر الأغسال [١]

فصل في غسل مس الميت

يجب بمس ميت الإنسان [٢] بعد برده وقبل غسله ،

______________________________________________________

[١] على ما عرفت في الحيض. والله سبحانه أعلم.

والحمد لله رب العالمين انتهى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وخمسين للهجرة.

فصل في غسل مس الميت‌

[٢] كما هو المشهور ـ كما عن جماعة ـ وعن الخلاف وظاهر الغنية : الإجماع عليه ، للنصوص المستفيضة بل المتواترة ، منها : صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « قلت : الرجل يغمض الميت أعليه غسل؟ قال (ع) : إذا مسه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسه بعد ما برد فليغتسل .. » (١) ، ونحوه غيره.

وعن السيد في المصباح وشرح الرسالة وظاهر الجمل : الاستحباب ، ولم نجد رواية مصرحة بمذهبه. نعم قد يستدل له‌ بخبر زيد عن علي (ع) : « الغسل من سبعة : من الجنابة وهو واجب ، ومن غسل الميت ، وإن تطهرت أجزأك » (٢). وبالتوقيع المروي عن الاحتجاج ، قال : « مما خرج عن صاحب الزمان (ع) إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث كتب إليه : روي لنا عن العالم (ع) أنه سئل عن إمام قوم يصلي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ٨‌

٤٦٥

دون ميت غير الإنسان [١]

______________________________________________________

بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه؟ قال (ع) : يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه. التوقيع : ليس على من مسه إلا غسل اليد » (١). وبذكره في سياق المندوبات في جملة من النصوص‌ (٢). وبجعله من السنة في قبال غسل الجنابة المجعول من الفرض‌ (٣). لكن الجميع كما ترى ، إذ الأول ـ مع ضعف سنده وإجماله ـ لا ينافي الوجوب وإنما يدل على ثبوت بدل له. والثاني ـ مع أن مورده حال الحرارة ـ لا يصلح لمعارضة ما سبق ، لإمكان حمله على ذلك ، بل هو المتعين ، كما يظهر‌ من التوقيع الآخر : قال : « وكتب إليه : وروي عن العالم إن من مس ميتاً بحرارته غسل يده ، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحال لا يكون إلا بحرارته ، فالعمل في ذلك على ما هو؟ .. ( الى أن قال ) : التوقيع : إذا مسه على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده » (٤). وأما قرينة السياق فلا تجدي شيئاً في قبال ما سبق. والفرض قد يراد به ما فرض في الكتاب في قبال ما شرعه النبي (ص). مع أنه يجب حمله على ذلك جمعاً.

[١] بلا خلاف يعرف كما في المنتهى ، بل إجماع كما في كشف اللثام. وفي صحيح محمد عن أحدهما (ع) : « في رجل مس ميتة ، هل عليه الغسل : قال (ع) : لا ، إنما ذلك من الإنسان » (٥) ، ونحوه صحيحا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الأغسال المسنونة‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الجنابة حديث : ١١‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب غسل المس حديث : ١‌

٤٦٦

أو هو قبل برده [١] أو بعد غسله [٢]. والمناط برد تمام جسده [٣] فلا يوجب برد بعضه ولو كان هو الممسوس. والمعتبر في الغسل تمام الأغسال الثلاثة فلو بقي من الغسل الثالث‌

______________________________________________________

الحلبي‌ (١) ومعاوية‌ (٢) ، وقريب منهما غيرهما.

[١] وفي المنتهى : إنه مذهب علماء الأمصار ، وفي كشف اللثام : انه إجماع ، وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويدل عليه صحيح ابن مسلم المتقدم‌ وغيره مما هو مستفيض.

[٢] إجماعا بقسميه كما في الجواهر ، وفي المنتهى : إنه مذهب علماء الأمصار ، لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس » (٣) ، وفي خبر ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « ولا بأس أن يمسه بعد الغسل ويقبله » (٤). نعم قد يوهم تعليل عدم وجوب الغسل على من أدخل الميت في قبره بأنه إنما يمس الثياب‌ (٥) الوجوب ، بل هو ظاهر‌ موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « وكل من مس ميتاً فعليه الغسل ، وان كان الميت قد غسل » (٦) لكن لا مجال للعمل به بعد ما عرفت ، فيحمل على الاستحباب ـ كما عن الشيخ (ره) ـ أو على بعض المحامل ولو كانت بعيدة.

[٣] لظهور البرد المضاف الى الميت في برد تمام بدنه ، فيرجع في برد بعض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب غسل المس حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ٢‌

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ١ و ١٠ و ١٤ وباب : ٤ من أبواب غسل المس حديث : ٤‌

(٦) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ٣‌

٤٦٧

شي‌ء لا يسقط الغسل بمسه وإن كان الممسوس العضو المغسول منه [١]. ويكفي في سقوط الغسل إذا كانت الأغسال الثلاثة كلها بالماء القراح لفقد السدر والكافور [٢] بل الأقوى كفاية التيمم [٣]

______________________________________________________

البدن إلى إطلاق نفي الغسل إذا لم يبرد ـ كما في خبر ابن جعفر (ع) (١) ـ أو استصحاب طهارة الماس ، أو أصالة البراءة من الوجوب. ثمَّ إنه لا مجال للتمسك بمثل صحيح ابن مسلم‌ (٢) ، لأن البرد فيه وإن كان ظاهراً في برد تمامه ، لكن الحرارة المأخوذة شرطاً لنفي الغسل أيضاً ظاهرة في حرارة تمامه ، وكلاهما لا يشملان البعض.

[١] كما في المسالك وعن المدارك والذخيرة ، لصدق المس قبل الغسل إذ الظاهر من الغسل تمامه ، وفي القواعد والذكرى وعن التذكرة والتحرير والنهاية والدروس والبيان وغيرها : عدم الوجوب ، بناء منهم على تبعيض أثر الغسل بتبعيضه. ولكنه غير ظاهر ، بل هو خلاف إطلاق أدلة المقام. ومنه يظهر ضعف التردد في الوجوب كما في جامع المقاصد وكشف اللثام.

[٢] لأن الظاهر من غسل الميت الموجب لسقوط أثر المس مطلق الغسل الصحيح ولو كان ناقصاً. وانصرافه إلى التام بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق. ومنه يظهر ضعف ما في جامع المقاصد والمسالك من وجوب الغسل بمس من نقصت أغساله الثلاثة ولو في بعض الأوصاف كالخليط.

[٣] كما عن كشف الغطاء ، ولم أجده فيه في هذا المقام. وكأنه لأن دليل بدليته ظاهر في قيامه مقام الغسل مطلقاً حتى في رفع أثر المس. اللهم إلا أن يقال : إن كان المراد من ذلك الدليل هو النص الوارد في المجدور (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ١٨‌

(٢) تقدم في أول الفصل‌

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب غسل المس حديث : ٣‌

٤٦٨

______________________________________________________

فمع ضعفه في نفسه لا عموم فيه لغير مورده ، وإن كان إطلاق أدلة بدلية التراب عن الماء ، فالظاهر منها البدلية في آثار رفع الحدث ، ولم يثبت كون الأثر في المقام مستنداً الى الحدث أو إلى الخبث أو إليهما ، فكيف يبنى على ترتيبه بمجرد التيمم؟! كما أشار الى ذلك شيخنا الأعظم (ره). بل قد يدعى قصور النص الوارد في المجدور عن إثبات البدلية المطلقة. لكنه خلاف ظاهره. ولذلك يتجه ما اختاره في القواعد والمنتهى والدروس وجامع المقاصد وكشف اللثام وغيرها من وجوب الغسل بمس الميمم ، واستدل له في المنتهى وغيره بإطلاق الاخبار. وباستصحاب عدم السقوط. وفيه : أن عموم البدلية ـ لو تمَّ ـ مقدم عليهما. مع أن الاستصحاب من الاستصحاب التعليقي وإشكاله معروف. وقد يناقش في عموم البدلية باختصاصه بما لا يكون لغير الماء دخل فيه.

وفيه : أنه مبني على اعتبار خروج الماء في الغسل بالسدر والكافور عن الإطلاق ، أما بناء على اعتبار بقائه على الإطلاق فالأثر للماء والخليط من قبيل الشرط كسائر شرائط الوضوء والغسل. مع أن هذا الاشكال ـ لو تمَّ ـ كانت أدلة البدلية قاصرة عن الشمول لغسل الميت ولا تصلح لإثبات مشروعيته. مضافا إلى أن الاشكال المذكور ـ على تقدير تماميته ـ يختص بما كان لسانه إثبات البدلية ، مثل : ما دل على أنه أحد الطهورين‌ (١) وأن الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً‌ (٢) ، ولا يجري في مثل‌ قوله (ص) : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا » (٣). اللهم إلا أن يقال بعد عدم إمكان الأخذ بإطلاقه يتعين أن يكون المراد منه ما هو المراد من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب التيمم حديث : ٢ و ٣ و ٤‌

٤٦٩

أو كون الغاسل هو الكافر بأمر المسلم لفقد المماثل [١] ، لكن الأحوط عدم الاكتفاء بهما [٢]. ولا فرق في الميت بين المسلم والكافر [٣] والكبير والصغير [٤] حتى السقط إذا تمَّ له أربعة أشهر [٥]

______________________________________________________

غيره فيرجع الاشكال. وأما الإشكال الأول فهو مبني على عدم رفع التيمم الخبث ، كما يظهر من كلماتهم التسالم عليه. لكنه خلاف إطلاق طهورية التيمم. والخروج عنه في الخبث غير الملازم للحدث لا يقتضي الخروج عنه في الملازم له كما فيما نحن فيه.

[١] الكلام فيه هو الكلام في الغسل الفاقد للخليط ، إذ هما معاً من قبيل الغسل الناقص الذي عرفت أن إطلاق الدليل شامل له إذا كان صحيحاً وأن الانصراف إلى الغسل الكامل بدوي لا يعتد به. ومنه يظهر ما في الدروس وغيرها من وجوب الغسل فيه.

[٢] قد عرفت وجهه.

[٣] كما في القواعد وعن التذكرة والدروس والبيان وغيرها ، وفي جامع المقاصد والمنتهى : أنه أقرب. لإطلاق النص والفتوى ، وفي المنتهى وعن نهاية الأحكام والتحرير وفي جامع المقاصد : يحتمل العدم ، لأن قولهم : « قبل تطهيره بالغسل » ، إنما يتحقق في ميت يقبل التطهير. ولأنه لا يزيد على مس البهيمة والكلب. وفيه : أنه لو سلم قصور الفتوى فلا قصور في النص ، لإطلاق ما دل على سببية المس بعد البرد ، المقتصر في تقييده على خصوص صورة التغسيل. وأما ما ذكر أخيراً فهو تخرص لا يثبت حكماً شرعياً.

[٤] للإطلاق.

[٥] قطعاً ، لتناول الأدلة له ولو لو لوجها بعد تمام أربعة أشهر.

٤٧٠

بل الأحوط الغسل بمسه ولو قبل تمام أربعة أشهر أيضاً [١] وإن كان الأقوى عدمه [٢].

( مسألة ١ ) : في الماس والممسوس لا فرق بين أن يكون مما تحله الحياة أولا [٣] كالعظم والظفر ،

______________________________________________________

كذا في الجواهر.

[١] لاحتمال كون المراد من الميت مطلق من قام به الموت في مقابل الحي لا خصوص الميت بعد الحياة ، وقد يشهد به ظهور الإجماع ، بل دعواه صريحاً على نجاسته.

[٢] لظهور النصوص في الميت بعد الحياة ، كما يشهد به اشتراط البرودة الظاهرة فيما بعد الحرارة ، كما هو المصرح به في جملة من النصوص (١). وما‌ عن العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) : « إنما أمر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت ، لأن الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته » (٢) ، ونحوه خبر ابن سنان‌ (٣) ولا ينافي ذلك البناء على نجاسته ، للإجماع ، أو دعوى الظهور في مطلق الميت مقابل الحي. فتأمل.

[٣] لإطلاق المس الصادق على الجميع ، كما تقدم في مس المحدث. وفي الروض : اعتبار المس مما تحله الحياة لما تحله الحياة. وفي جامع المقاصد : التردد في المس بالسن ، وجزم بالوجوب في المس بالظفر والعظم ، ثمَّ قال : « ولو مس الحي شيئاً من هذه من الميت ففي وجوب الغسل تردد ، والظاهر الوجوب في العظم والظفر بخلاف الشعر ، وفي السن تردد ». وفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ١١‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ١٢‌

٤٧١

وكذا لا فرق فيهما بين الباطن والظاهر [١]. نعم المس بالشعر لا يوجبه وكذا مس الشعر [٢].

( مسألة ٢ ) : مس القطعة المبانة من الميت أو الحي إذا اشتملت على العظم يوجب الغسل دون المجرد عنه [٣] ،

______________________________________________________

الذكرى تردد في السن إذا كان ممسوساً ، وفي الدروس جزم بالعدم. وكأن الوجه في الأول طهارة ما لا تحله الحياة من الميت ، فاذا لم يتأثر بالموت فأولى أن لا يتأثر بمس الميت. بل‌ في رواية الفضل عن الرضا (ع) ، الواردة في نفي الغسل بمس غير الإنسان قال (ع) : « لأن هذه الأشياء كلها ملبسة ريشاً وصوفاً وشعرا ووبراً ، وهذا كله ذكي لا يموت وإنما يماس منه الشي‌ء الذي هو ذكي من الحي والميت » (١). وفيه : أن مجرد ذلك لا يوجب رفع اليد عن إطلاق الأدلة ، لإمكان كون الوجه في وجوب الغسل بالمس هو الحدث ، كما قد يشهد به وجوب غسلها في التغسيل. بل يمكن أن يكون هو الخبث ولو في غير الجزء الممسوس. والتعليل لما لم يمكن الأخذ بظاهره ـ لعدم وجوب الغسل بمس ميت غير الإنسان ولو مع مباشرة الجلد واللحم ـ لا بد أن يحمل على غير ظاهره ، فلا مجال للعمل به. فتأمل.

[١] للإطلاق.

[٢] لعدم صدق مس الميت ، ولا سيما بملاحظة تعليق الحكم على مس الجسد في روايتي عاصم‌ والصفار‌ (٢). نعم لا يبعد الصدق فيما لو كان المس بأصول الشعر عند جزه. فتأمل.

[٣] على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه صريحا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب غسل المس حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ٣ و ٥‌

٤٧٢

وأما مس العظم المجرد ففي إيجابه للغسل إشكال [١]

______________________________________________________

وعن ظاهر غير واحد : ظاهراً ، ويشهد له‌ مرسل أيوب بن نوح عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسه إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل ، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » (١) المنجبر ضعفه بما سبق. وهو وإن كان في المبانة من الحي إلا أنه يمكن إثبات الحكم في المبانة من الميت ، إما بنفس الرواية بقرينة قوله (ع) : « فهي ميتة » الظاهر في كون الحكم الذي بعده من أحكام كونها ميتة ، الحاصل في المبانة من الميت ، أو بالأولوية ، أو بالاستصحاب التعليقي بناء على حجيته. وفي المعتبر قال : « والذي أراه التوقف في ذلك ، فإن الرواية مقطوعة ، والعمل بها قليل. ودعوى الشيخ (ره) في الخلاف الإجماع لم يثبت » ، وعن المدارك : متابعته. وفيه : ما لا يخفى ، فان ضعف الرواية تجبره الشهرة كما في جامع المقاصد وغيره. هذا لو كان موضوع كلامهما ما يسمى قطعة ، أما ما يسمى الميت ـ كالبدن المقطوع الرأس واليدين والرجلين ـ فلا ينبغي التأمل في ثبوت الحكم فيه ، لصدق مس الميت وجسده على مسه فيدخل حكمه في مفاد النصوص المتقدمة. بل يصعب جداً التفكيك بينه وبين ما لو قُد الحي أو الميت نصفين. فلاحظ.

[١] فعن الذكرى والدروس والموجز وفوائد الشرائع والمسالك : وجوب الغسل فيه ، لدوران الحكم مداره وجوداً وعدما. وعن التذكرة والمنتهى ونهاية الأحكام والتحرير وغيرها : عدمه ، للأصل. وخروجه عن موضوع المرسل‌. ودوران الحكم مداره في القطعة المبانة لا يوجب جريان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل المس حديث : ١‌

٤٧٣

والأحوط الغسل بمسه خصوصاً إذا لم يمض عليه سنة [١] ، كما أن الأحوط في السن المنفصل من الميت أيضا الغسل [٢]. بخلاف المنفصل من الحي إذا لم يكن معه لحم معتد به [٣] نعم اللحم الجزئي لا اعتناء به [٤].

( مسألة ٣ ) : إذا شك في تحقق المس وعدمه أو شك في أن الممسوس كان إنساناً أو غيره أو كان ميتاً أو حياً ، أو‌

______________________________________________________

الحكم فيه. نعم لو كان العظم بحيث يصدق على مسه مس الميت تعين وجوب الغسل بمسه ، كما سبق.

[١] ففي خبر إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن مس عظم الميت. قال (ع) : إذا جاز سنة فليس به بأس » (١) ، وبمضمونه أفتى في محكي الفقيه والمقنع. إلا أن ضعف الخبر سنداً وإعراض المشهور عنه مانع عن العمل به.

[٢] لأنه كان قبل الانفصال لو مس وجوب الغسل فهو على ما كان. ومنشأ توقف المصنف (ره) إما استشكاله في صحة الاستصحاب التعليقي ، وإما الدعوى الجواهر : أنه ينبغي القطع بعدم الوجوب في مثل السن والظفر ونحوهما ، سواء كانا من حي أم ميت ، للسيرة القطعية. انتهى. لكن دعوى السيرة في الميت غير ظاهرة ، فيبتني القول بالوجوب فيه على الاستصحاب التعليقي. ومن ذلك يظهر عدم وجوب الغسل بمس السن المنفصل من الحي ، لعدم مجي‌ء الأصل فيه لو جاء في الميت.

[٣] يعنى : بنحو يصدق معه قطعة فيها عظم.

[٤] كما عن كشف الغطاء. لعدم صدق قطعة فيها عظم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل المس حديث : ٢‌

٤٧٤

كان قبل برده أو بعده أو في أنه كان شهيداً أم غيره ، أو كان الممسوس بدنه أو لباسه أو كان شعره أو بدنه لا يجب الغسل في شي‌ء من هذه الصور [١].

______________________________________________________

[١] أما في الأولى فلأصالة عدم المس.

وأما في الثانية فلأنه وإن لم يكن أصل يشخص به كون الممسوس إنسانا أو غيره ، لأن الإنسانية من الذاتيات التي لا يجري فيها أصل العدم ، إلا أنه يمكن جريان أصالة عدم تحقق مس الإنسان بنحو مفاد كان التامة. ولو فرض الاشكال فيه كفى استصحاب الطهارة.

وأما في الثالثة والرابعة فلاستصحاب الحياة والحرارة إلى حين المس. هذا لو علم تأريخ المس وجهل تاريخ الحياة والحرارة ، أما لو جهل التاريخ في الطرفين أو في المس ، فالمرجع استصحاب الطهارة.

وأما في الرابعة فلأن الأصل وإن كان يقتضي كونه ليس شهيداً. لأن الشهادة صفة وجودية حادثة حال الموت ، إلا أنه لما كان سقوط الغسل عن الشهيد ليس مستفاداً من دليل بالخصوص وإنما كان من أجل أن أدلة وجوب الغسل بمس الميت مختصة بالميت المحدث النجس غير المنطبق على الشهيد ، وحينئذ إذا شك في الميت أنه محدث نجس يستصحب عدم كونه كذلك فلا يوجب مسه شيئاً ، أو يرجع إلى أصالة عدم الحدث بمسه.

اللهم إلا أن يقال : عموم وجوب تغسيل كل ميت إلا الشهيد يقتضي عموم نجاسة كل ميت وحدثه إلا الشهيد ، فاذا جرت أصالة عدم كونه شهيدا ثبتت نجاسة الميت وحدثه ، ولا مجال للرجوع إلى استصحاب الطهارة لحكومة الاستصحاب الموضوعي على الأصل الحكمي. وبالجملة : كما أنه إذا وجد ميت ولم يعلم أنه شهيد فلا يجب تغسيله أو غير شهيد فيجب تغسيله فيجري‌

٤٧٥

______________________________________________________

أصالة عدم كونه شهيداً فيجب تغسيله ظاهراً ، كذلك يجب غسل المس بمسه للأصل المذكور بعينه. وسيأتي من المصنف (ره) القول بعدم وجوب تغسيله في الفرض كما التزم في المقام بعدم وجوب الغسل بمسه ، وكأنه لعدم جريان أصالة عدم كونه شهيداً ، لأنه من قبيل الأصل الجاري في العدم الأزلي ، لأن مرجعها إلى أصالة عدم استناد موته إلى السبب الخاص. لكن التحقيق جريان الأصل في العدم الأزلي كما عرفت في مبحث المياه.

ونظير المقام ما لو شك في التذكية ، فإنه لا مجال للرجوع إلى أصالة طهارة اللحم الثابتة حال الحياة ، لأنه لما ثبت عموم نجاسة كل لحم إلا المذكى كانت أصالة عدم التذكية موجبة لنجاسة اللحم وارتفاع طهارته. وأصالة عدم التذكية وإن لم تكن من الأصل الجاري في العدم الأزلي بالنسبة إلى الذبح والنحر ، لعدم اعتبار استناد الموت فيهما إلى التذكية ، لكن في الصيد هي من الأصل الجاري في العدم الأزلي ، لاعتبار استناد الموت فيه إلى التذكية ، فتأمل جيداً.

ثمَّ إن المصنف (ره) لم يتعرض لعدم وجوب غسل المس في مس الشهيد ، ويظهر من عبارته المفروغية عنه. وفي مفتاح الكرامة حكى سقوط الغسل بمسه عن كتب الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني واستدل له في جامع المقاصد بأن بعض الأخبار مختص بمن من شأنه أن يغسل فلا يشمل الشهيد والاخبار المطلقة محمولة على المقيد. وهو كما ترى ، لعدم لزوم حمل المطلق على المقيد في مثل المقام. والعمدة ظهور نصوص الغسل بالمس في وجود أثر في الممسوس من الحدث والخبث ، كما يشير الى ذلك‌ رواية الفضل عن الرضا (ع) : « إنما أمر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت ، لأن الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ١١‌

٤٧٦

نعم إذا علم المس وشك في أنه كان بعد الغسل أو قبله [١]

______________________________________________________

ونحوها رواية محمد بن سنان عنه (ع) (١) ، وهو مفقود في الشهيد ، فان عدم وجوب تغسيله لطهارته وعدم وجود أثر الموت فيه فلا يدخل في تلك النصوص. ولأجل ذلك لم يعرف الخلاف في ذلك.

نعم في كشف اللثام : احتمل عدم السقوط. أو مال اليه ، عملا بإطلاق النصوص. مع احتمال المنع عن الطهارة. لكن المنع عن الطهارة خلاف ظاهر أدلة سقوط غسل الشهيد ، والمطلقات حينئذ لا مجال لها. وأشكل منه ما ذكره بقوله : « أما المعصوم فلا امتراء في طهارته ، ولذا قيل بسقوط الغسل عمن مسه. لكن ( لي. خ ) فيه نظر. للعمومات. وخصوص نحو‌ خبر الحسين ابن عبيد : كتبت إلى الصادق (ع) : هل اغتسل أمير المؤمنين (ع) حين غسل رسول الله (ص) عند موته؟ فقال : كان رسول الله (ص) طاهراً مطهراً ، ولكن فعل أمير المؤمنين (ع) ، وجرت به السنة ». أقول : بمضمون الخبر المذكور خبر الصيقل‌ (٢). لكن العمومات قد عرفت إشكالها. والخبر ضعيف السند لإهمال الحسين ، وضعيف الدلالة لأن السنة أعم من الوجوب. مع أنه غير ظاهر في غسل المس. بل من المحتمل أن يكون المراد أن تغسيله للنبي (ص) لم يكن عن حدث. بل كان من السنة فجرت السنة في تغسيل المعصوم. فتأمل جيداً.

وأما في الخامسة والسادسة فلأصالة عدم مس البدن بنحو مفاد كان التامة كما تقدم.

[١] يعني : مع الشك في أصل الغسل ، فإنه يجب الغسل ، لأصالة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس حديث : ١٢‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل المس ملحق حديث : ٧‌

٤٧٧

وجب الغسل. وعلى هذا يشكل مس العظام المجردة المعلوم كونها من الإنسان [١] في المقابر أو غيرها. نعم لو كانت المقبرة للمسلمين يمكن الحمل على أنها مغسلة [٢].

( مسألة ٤ ) : إذا كان هناك قطعتان يعلم إجمالا أن إحداهما من ميت الإنسان ، فان مسهما معاً وجب عليه الغسل ،

______________________________________________________

عدم غسل الممسوس. وأما لو علم بتحقق الغسل والمس وشك في المتقدم والمتأخر ، فإن علم تاريخ المس جرت أصالة عدم الغسل فيجب على الماس الغسل ، أما مع العلم بتاريخ الغسل أو الجهل بتاريخهما فلا يجب الغسل على الماس ، لجريان أصالة عدم المس إلى حين الغسل في الأول ، واستصحاب طهارة الماس في الثاني ، أو استصحاب عدم تحقق السبب ، يعني : مس من لم يغسل ، بنحو مفاد كان التامة.

[١] للشك في الغسل الموجب لجريان أصالة عدمه الموجبة للغسل على الماس. ومنشأ الاشكال احتمال كون العلم بالدفن موجباً للبناء على تحقق الغسل من جهة الترتب بينهما. ولكنه كما ترى.

[٢] كما جزم به في الدروس ، وفي الجواهر ، وحكاه عن الموجز. والحدائق ، معللا له بأنه عمل بالظاهر المعتضد بالسيرة وقاعدة اليقين. انتهى. لكن الظاهر لا دليل على حجيته. وقاعدة اليقين ـ بمعنى استصحاب طهارة الماس ـ محكومة لاستصحاب عدم غسل الممسوس ، وبمعنى آخر لا دليل على حجيتها. وأما السيرة فلا تخلو من تأمل وإن كانت غير بعيدة. نعم لو أحرز دفن المكلف لها بعنوان الامتثال أمكن إحراز تغسيلها بقاعدة التجاوز لكنها جارية في فعل الغير لا في فعل الشاك. والظاهر عدم الفرق في مرتكز العقلاء بين كون الشاك هو الفاعل أو غيره. ولعل ذلك هو مبنى السيرة.

٤٧٨

وإن مس إحداهما ففي وجوبه إشكال [١] والأحوط الغسل.

( مسألة ٥ ) : لا فرق بين كون المس [٢] اختيارياً أو اضطرارياً ، في اليقظة أو في النوم ، كان الماس صغيراً أو مجنوناً أو كبيراً عاقلا ، فيجب على الصغير الغسل بعد البلوغ والأقوى صحته قبله أيضاً إذا كان مميزاً [٣] ، وعلى المجنون بعد الإفاقة.

( مسألة ٦ ) : في وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الحي لا فرق بين أن يكون [٤] الماس نفسه أو غيره.

______________________________________________________

[١] بل الظاهر أنها راجعة إلى الصورة الثانية من صور المسألة السابقة فيجري فيها أصالة عدم تحقق مس الإنسان. ومجرد العلم الإجمالي لا يوجب الفرق بعد عدم معارضة الأصل المذكور بأصل آخر في الطرف الآخر ، لفرض عدم تحقق مسه. وبالجملة : حال المقام حال ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] لما أشرنا إليه سابقاً من شرعية عبادات الصبي ، لإطلاق أدلتها. وحديث رفع القلم‌ (١) إنما يقتضي رفع الإلزام بقرينة وروده مورد الامتنان كما أشرنا إلى ذلك في المباحث السابقة.

[٤] لإطلاق المرسل المتقدم‌ (٢) ، ولا سيما بملاحظة قوله (ع) : « فهي ميتة ». واحتمال اختصاص الحكم بغيره ، لانصراف النص إليه ، ضعيف ، لان الانصراف المذكور بدائي ، والارتكاز العرفي على خلافه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١‌

(٢) تقدم في أول المسألة الثانية من هذا الفصل‌

٤٧٩

( مسألة ٧ ) : ذكر بعضهم أن في إيجاب مس القطعة المبانة من الحي للغسل لا فرق بين أن يكون قبل بردها أو بعده [١]. وهو أحوط.

( مسألة ٨ ) : في وجوب الغسل إذا خرج من المرأة طفل ميت بمجرد مماسته لفرجها إشكال [٢]. وكذا في العكس بأن تولد الطفل من المرأة الميتة؟ فالأحوط غسلها في الأول وغسله بعد البلوغ في الثاني.

______________________________________________________

[١] جعله في الجواهر مما يقوى في النظر وكأنه لإطلاق النص. لكن قوله (ع) : « فهي ميتة » يصلح أن يكون قرينة على أن الحكم اللاحق له بما أنه ميتة ، فإذا كان حكم الميتة مقيداً بحال البرودة يجب أن يكون الحكم المذكور كذلك. ولا ينافيه عدم الغسل مع عدم العظم ، إما لأنه من قبيل الاستثناء من حكم الميتة أو لأن التنزيل إنما كان منزلة ميتة الإنسان التي لا تخلو من عظم ، وبالجملة : لا إطلاق في النص يشمل صورة المس حال الحرارة ، فالمرجع فيه استصحاب طهارة الماس أو أصالة البراءة من وجوب الغسل.

[٢] أما المماسة في الرحم فالظاهر أنه لا إشكال في عدم تأثيرها شيئاً لقصور النصوص عن شمولها. مع أن لازمه استمرار الحدث لو مات في بطنها إلى أن يخرج ، وهو مقطوع بخلافه. وأما المماسة للفرج حين الخروج فمقتضى الاستصحاب أنها كذلك ، ومقتضى العموم إيجابها الغسل. لكن الظاهر وجوب الرجوع إلى العام لا الاستصحاب. وأما الفرض اللاحق فمقتضى العموم تأثير المماسة حين موت الحامل قبل خروج الحمل. ولا يلزم منه المحذور المتقدم في الفرض السابق. لكن في عموم النصوص إشكال ،

٤٨٠