مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

بصفة الاستحاضة استحاضة بشرط أن لا يكون أقل من ثلاثة ولا أزيد من العشرة [١]

______________________________________________________

أشرنا إلى ذلك في صدر المبحث. ومجرد عدم قول الخصم بالرجوع إلى الأصل ـ لاستظهاره من الأدلة الرجوع إلى العدد ـ لا يكفي دليلا على بطلان الأصل. وكأنه ( قده ) لذلك أشار بقوله : « فتأمل ».

[١] على المشهور ، بل عن جامع المقاصد : نفي الخلاف فيه ، وعن التذكرة وظاهر المعتبر : الإجماع عليه ، لما دل على تحديد الحيض بذلك كما سبق. واستشكله في الحدائق ، بأنه لا تساعده الروايات الواردة في هذه المسألة ، فإنها مطلقة في التحيض بما شابه دم الحيض ، قليلا كان أم كثيراً وفيه : المنع من إطلاقها ، لأنها واردة في مقام جعل الطريق إلى الحيض فتختص بصورة احتمال المطابقة ، وأدلة التحديد تنفي احتمال المطابقة في الفاقد لبعضها كما لا يخفى. نعم عن المبسوط القطع بتنقيص الزائد على العشرة فتتحيض بالعشرة الأولى منه. وفي كشف اللثام : « ولا يبعد عندي ما ذكره الشيخ ، ولا التحيض بالناقص مع إكماله » وتبعه في الرياض ، لعموم أدلة التمييز. وفيه : أنه لا يتم في الفرض الثاني ، للمعارضة بين وجدان الصفات الذي هو طريق الى الحيض والفقدان الذي هو طريق إلى الاستحاضة ، وحيث لا مرجح لأحدهما يتعين التساقط ـ كما هو الأصل في المتعارضين ـ للتكاذب بين مدلوليهما. وتكميل الناقص راجع إلى إسقاط الفقدان عن الحجية بلا مرجح.

وفي طهارة شيخنا الأعظم (ره) أورد عليه : « بأن مراعاة عموم الحكم على الضعيف بالاستحاضة يوجب خروج المورد عن أدلة التمييز ، إذ المفروض اختلاط الحيض بالاستحاضة ، فلا يمكن تمييزها بجعل المجموع‌

٢٨١

______________________________________________________

استحاضة ، فيلزم من الرجوع إلى أدلة التمييز طرحها ، بخلاف ما لو حكمنا على الناقص بالحيضية وعلى الضعيف بالاستحاضة إلا ما يحتاج إليه في تكميل الناقص ، فإنه قد حصل التمييز من دون تقييد زائد على ما هو المعلوم في كل من الضعيف والقوي من تقييده بصورة القابلية شرعاً ». ويشكل : بأن قابلية الدم الناقص للحيضية محرزة لاحتمال تكملته من الفاقد ، وإنما الشك في فعلية حيضيته ، وإثبات حيضية المقدار المكمل له من الفاقد ـ لكونه مدلولا التزامياً للوجدان في الواجد ـ ليس أولى من إثبات استحاضيته لكونها مطابقياً للفقدان ، ومع عدم المرجح يسقطان معاً عن الحجية.

ومثله في الاشكال ما في رسالة الدماء للأستاذ ( قده ) من أنه ليس الادبار الذي يوجب البناء على الاستحاضة كالإقبال كي يعارض به ، ضرورة أنه تبع الإقبال كما لا يخفى على المتأمل. إذ المراد من التبعية إن كان بمعنى أن الادبار حجة حيث لا يكون الإقبال حجة على خلافه ـ كما هو ظاهر ـ فهو ممنوع ، فان لسان دليل الجعل في صفاتي الحيض والاستحاضة واحد. وإن كان بمعنى أن حجية الادبار على الاستحاضة في الفاقد من جهة عدم الإقبال. فهو ـ لو تمَّ ـ لا يجدي فيما نحن فيه أيضاً ، لكون المفروض تحقق الادبار في الفاقد ، فيكون أمارة على كونه استحاضة ، فيتعارض مع الإقبال في الواجد ويرجع الاشكال.

نعم يجدي في رفع التعارض دعوى كون حجية صفات الاستحاضة في إثباتها من باب الأصل ـ نظير قاعدة الإمكان ـ فلا يرجع إليها مع الدليل. لكنه خلاف ظاهر الأدلة. مع أن لازمه البناء على التحيض إلى العشرة ولو مع الادبار ، للاستصحاب. ولا يظن الالتزام به من أحد.

نعم لا تعارض في الفرض الأول ـ وهو ما لو كان الواجد أكثر من‌

٢٨٢

______________________________________________________

أكثر الحيض ـ بين الدليلين ، إذ في الاقتصار على المقدار الممكن في الحيضية والبناء على استحاضية الزائد عليه ليس إلا طرح لأدلة حجية الصفات في ذلك المقدار الزائد ، ولا بد منه لاعتبار القابلية في حجيتها كما تقدم.

وكأنه لذلك بنى الشيخ (ره) في المبسوط لزوم التنقيص هنا ، ولم ينقل عنه القول بالتكميل في الفرض السابق. نعم عليه يقع التعارض بين التنقيص من الأول ومن الآخر ، فتسقط حجية الصفات في الطرفين معاً ، لعدم المرجح. بل المرجع فيهما الأصل ، وهو يقتضي في الأول البناء على الطهر لو كان مسبوقاً بالضعيف الذي هو استحاضة ، أو ولو كان مسبوقاً بالنقاء بناء على الرجوع إلى استصحاب الطهر ـ في المردد بين الحيض والاستحاضة ـ لا إلى الاحتياط ، كما تقدم الكلام فيه ، وفي الآخر البناء على الحيض للاستصحاب. لكنه خلاف ما عن المبسوط من البناء على حيضية العشرة الأولى. وكأنه مبني على أن التقدم الزماني يوجب ترجح تطبيقها على المتقدم بالنسبة إلى تطبيقها على المتأخر. وهو غير ظاهر. وليس هو أيضاً مقتضى قاعدة الإمكان ، لمعارضتها بمثلها في الآخر أيضاً. ولا هو مقتضى المرسلة بدعوى ظهورها في أن حدوث الإقبال يوجب التحيض ـ كما ذكر الأستاذ (ره) في رسالته ـ لمنع ذلك ، بل هي ظاهرة في أن نفس الإقبال أمارة على الحيض حدوثاً وبقاء ، وإلا لأشكل الأمر في البقاء إلا أن يجعل الحدوث حجة على التحيض في الحدوث والبقاء. وهو كما ترى. أو يجعل التحيض في البقاء اعتماداً على الاستصحاب.

وكيف كان فالتنقيص ـ لو بني على كونه موافقاً للقواعد ـ لا مجال للبناء عليه ، فإنه خلاف ظاهر المرسلة ، الحاصرة للسنن في ثلاث ، المانعة من الرجوع إلى غيرها من أصل أو نحوه ، الظاهرة في خصوص التمييز‌

٢٨٣

وأن لا يعارضه دم آخر واجد للصفات [١] كما إذا رأت خمسة أيام ـ مثلا ـ دماً أسود وخمسة أيام أصفر ثمَّ خمسة أيام أسود. ومع فقد الشرطين أو كون الدم لوناً واحداً‌

______________________________________________________

الجامع للشرطين المذكورين. فالبناء على كون المستحاضة فاقدة للتمييز عند فقدهما متعين كما هو المشهور.

[١] كما هو المشهور ، بل في كشف اللثام : « لا خلاف فيه » والوجه فيه ظاهر ، لأن البناء على حيضية الدمين معاً متعذر لفرض التعارض ، والبناء على حيضية أحدهما بعينه دون الآخر ترجيح من غير مرجح ، لاتحاد نسبتهما إلى الدليل.

هذا والمشهور التعبير عن هذا الشرط ، بأن لا ينقص الضعيف عن أقل الطهر ، وهو المتعين بناء على المشهور من امتناع كون الطهر أقل من عشرة ، حتى ما كان بين أجزاء الحيضة الواحدة ، لشموله لصورة عدم تجاوز القويين وما بينهما من الضعيف أكثر الحيض ، كما لو رأت الأسود ثلاثة أيام ، وبعده الأصفر ثلاثة ، وبعده الأسود ثلاثة ، ثمَّ الأصفر بعدها فإنه لا تعارض بين حيضية القويين ، لإمكان كونهما مع الضعيف حيضاً واحداً ، كما عن الشيخ (ره) في المبسوط الجزم به. فعلى التعبير عن الشرط المذكور بما في المتن لا مانع من الرجوع إلى التمييز في الفرض. لعدم المعارضة بين الدمين ، وعلى التعبير الثاني يمتنع الرجوع إلى التمييز فيه ، لكون الضعيف أقل من عشرة ، فعلى المشهور من أن الطهر لا يكون أقل من عشرة يمتنع الرجوع إلى التمييز فيه ، لتعارض طريقية الوجدان في القويين مع الفقدان في الضعيف. نعم يمكن الرجوع إلى التمييز فيه بناء على احتمال تبعية الادبار للإقبال ، بمعنى أنه حجة على الاستحاضة ، حيث‌

٢٨٤

ترجع إلى أقاربها في عدد الأيام [١]

______________________________________________________

لا يكون إقبال يدل على الحيض ولو في غير ذلك الدم ، فإنه عليه يحكم بحيضية الجميع في الفرض المذكور ويسقط الادبار عن الحجية على الاستحاضة لكن عرفت ضعف المبنى المذكور.

وكيف كان فقد استشكل في الحدائق في الشرط المذكور زاعماً عدم الدليل عليه ، بل ظاهر الاخبار يرده ، ويؤيده موثقتا أبي بصير‌ ويونس ابن يعقوب‌ المتقدمتان في اعتبار التوالي (١). وفيه : المنع من ظهور الاخبار في خلافه كما عرفت. وأما الموثقتان فظاهر موردهما النقاء بين الدمين ، وقد عرفت فيما سبق وجوب حملهما على التحيض ظاهراً بالدم ، لا أنه حيض حقيقة ، والنقاء طهر كذلك لتكونا مخالفتين للقواعد المتسالم عليها بين الأصحاب المستفادة من النصوص.

ثمَّ إنه لو بني على إعمال أدلة التمييز في المقام فاللازم الحكم بحيضية أحد القويين واستحاضية الضعيف مع القوي الآخر ، ولا وجه لإلحاق الضعيف بأحد القويين ، فإنه طرح لطريقية الادبار من غير وجه ظاهر.

[١] على المشهور في المبتدئة ، وعن التذكرة : نسبته إلى علمائنا ، وعن التنقيح وظاهر السرائر : نفي الخلاف فيه. ويدل عليه مضمر سماعة ] المجمع على العمل به كما عن الخلاف : « سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر ، وهي لا تعرف أيام أقرائها. فقال (ع) : أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة وأقله ثلاثة » (٢). وهي وإن لم يصرح فيها بتأخر هذه المرتبة عن التمييز‌

__________________

(١) ص : ٢٠٦‌

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٨٥

______________________________________________________

إلا أن قوله : « لا تعرف أيامها » لما كان المراد منه أيام حيضها المختلطة بالاستحاضة ، كانت أدلة التمييز موجبة لخروجها عن مورد السؤال ، لاقتضائها العلم بأيامها ، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ، فيكون الرجوع الى الأقارب مشروطاً بفقد التمييز. كما أن الرواية المذكورة وإن كانت معارضة بالمرسلة الطويلة الحاصرة للسنن في ثلاث ، والدالة على الرجوع الى العدد بمجرد فقد التمييز‌ ، إلا أنه يجب تقييدها بها حملا للمطلق على المقيد. بل يمكن أن تكون حاكمة عليها ، لظهور المرسلة في كون الرجوع الى العدد لفقد الامارة نظير الأصل ، فإذا ثبتت طريقية أقراء الأقارب كانت مقدمة عليه ، ويكون الحصر في الثلاث إضافياً ، إما بلحاظ الغالب لغلبة اختلاف الأقارب ، وإما لغير ذلك.

ثمَّ المحكي عن الشيخ وابن حمزة والحلي والمحقق ـ في غير المعتبر ـ والعلامة ـ في غير المنتهى ـ والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم : ثبوت الحكم المذكور أيضاً لمن لم تستقر لها عادة. واستفادته من المضمر المذكور لا يخلو من إشكال ، لاختصاصه بالمبتدئة بالمعنى الأخص. وكون ذكر المبتدئة في السؤال لا لخصوصية لها ـ لظهور قول السائل : « وهي لا تعرف أيامها » في كون المناط في السؤال ذلك ـ ممنوع. مع أن البناء عليه يوجب إلحاق الناسية بهما ، ولم يلتزم به الجماعة.

وأما‌ رواية زرارة ومحمد عن أبي جعفر (ع) : « يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها ، ثمَّ تستظهر على ذلك بيوم » (١) ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « النفساء إذا كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها ، واستظهرت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٢٨٦

بشرط اتفاقها [١]

______________________________________________________

بثلثي ذلك » (١) فقد استشكل في كونهما مما نحن فيه ، لاحتمال كون التحيض بعادة الأقارب فيهما كالتحيض في أيام الاستظهار ، فيكون حكما ظاهريا بلحاظ انقطاعه على العشرة لا حكما واقعياً بلحاظ عبوره عنها ، كما هو محل الكلام. مع أنهما غير ظاهرتين في تأخر ذلك عن التمييز أو تقدمه ولا يعمان الناسية ، فكيف يعتمد عليهما فيما نحن فيه؟؟ وكأنه لذلك كان ظاهر جماعة ـ منهم : الفاضلان في المعتبر والمنتهى ـ اختصاص الحكم المذكور بالمبتدئة بالمعنى الأخص.

لكن يدفع الأول أنه خلاف الظاهر ، لأنه جعل في مقابل الاستظهار ويدفع الثاني الإجماع على تقدم التمييز عليه. مع أن مقتضى‌ قوله (ع) في رواية أبي بصير : « إذا كانت لا تعرف أيام نفاسها » أن الرجوع إلى النساء مشروط بالجهل بأيام نفاسها ، وأدلة التمييز حاكمة عليه ، والمراد بأيام النفاس أيام عادة الحيض لا ما يقابل الحيض ، إذ لا اعتبار بأيامه بالمعنى المقابل للحيض. فلاحظ.

[١] كما هو ظاهر الشرائع ، وعن ظاهر المعتبر وغيره ، حملا للجمع على مجموع الافراد. وعن الذكرى : الاكتفاء باتفاق الأغلب ، وكأنه لتعذر الرجوع الى الجميع أو تعسره غالباً. ويحتمل الاكتفاء بالواحد بحمل الجمع على صرف الطبيعة الصادقة على القليل ، كقوله تعالى ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢) ولعله الأظهر ، كما يظهر من ملاحظة نظائره الواردة في مقام الإرجاع إلى الحجج ، مثل : « سل العلماء ما جهلت » ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢٠‌

(٢) النحل : ٤٣‌

٢٨٧

أو كون النادر كالمعدوم [١]. ولا يعتبر اتحاد البلد [٢]. ومع عدم الأقارب [٣] أو اختلافها ترجع إلى الروايات ، مخيرة بين اختيار الثلاثة في كل شهر أو ستة أو سبعة [٤]

______________________________________________________

وتقتضيه الروايتان المذكورتان. وحينئذ فالرجوع الى العدد مع الاختلاف ناشئ من تساقط الحجتين للتعارض ، لا لعدم المقتضي للحجية.

[١] الإلحاق بالمعدوم لا بد أن يكون بالعناية ، فلا مجال للبناء عليه. فتأمل.

[٢] لإطلاق الدليل. وما عن ظاهر الذكرى من اعتباره ، لاختلاف الأمزجة باختلاف البلدان ، ضعيف ، إذ لا يمكن الخروج عن إطلاق الدليل بمجرد الاعتبار على تقدير تماميته مطلقاً. ودعوى انصراف الإطلاق إليه ممنوعة.

[٣] يعني : التي يمكن الرجوع إليها ، وإلا فعدمها مطلقاً ممتنع. إذ لا أقل من الأمهات.

[٤] كما يقتضيه الجمع بين موثقتي ابن بكير ( إحداهما ) : « في المرأة‌ إذا رأت الدم في أول حيضها. فاستمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيام ثمَّ تصلي عشرين يوماً (١) ، فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما‌ ، و ( ثانيتهما ) : « في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة : إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فاذا مضى ذلك ـ وهو عشرة أيام ـ فعلت ما تفعله المستحاضة ، ثمَّ صلت فمكثت تصلي بقية شهرها ، ثمَّ تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة ، وتجلس أقل ما يكون من الطمث ، وهو ثلاثة أيام ، فإن دام عليها الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت ، وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

٢٨٨

______________________________________________________

من الطهر ، وتركها للصلاة أقل ما يكون من الحيض » (١) ، وبين ما‌ في المرسلة الطويلة من حكاية قول النبي (ص) لحمنة بنت جحش : « تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ، ثمَّ اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين » (٢) بناء على أن المستفاد من الأولتين التحيض بالثلاثة لا غير ، ويكون ما في صدرهما من التحيض بالعشرة أول الدم من قبيل التحيض أيام الاستظهار ، لاحتمال انقطاع الدم على العشرة ـ ولذلك بنى المشهور على تحيض المبتدئة في أول رؤية الدم إلى العشرة ، مستدلين بالموثقتين المذكورتين‌ ـ لا مما نحن فيه من التحيض بعد العلم باختلاط الحيض والاستحاضة وعدم التمييز بينهما ، والمستفاد من المرسلة‌ التخيير بين الستة والسبعة لا غير ، فيجمع بينهما برفع اليد عن تعيين خصوصية كل منهما وتكون الوظيفة هي التخيير بين الأعداد الثلاثة.

اللهم إلا أن يقال : التخيير بين الستة والسبعة وان ذكر في الفقرة المتقدمة إلا أن بقية الفقرات اللاحقة دالة على تعيين السبعة ، مثل‌ قول الصادق (ع) : « أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون » وقوله (ع) : « فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون » ، وقوله (ع) : « فسنتها السبع والثلاث والعشرون ، لان قصتها كقصة حمنة .. » وغيرها ، وذلك مما يوجب اضطراب رواية الست جداً ، إذ احتمال اعتماد الامام (ع) في ترك ذكر الست على ما حكاه عن النبي (ص) بعيد. وأصالة عدم الزيادة في الفقرة الأولى معارضة بأصالة عدم النقيصة في بقية الفقرات. وكأنه لذلك اختار في الجامع ـ على ما حكي عنه ـ التخيير بين السبعة والثلاثة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

٢٨٩

______________________________________________________

لكن يعارض الروايات المذكورة موثق سماعة المتقدم في الرجوع إلى الأقارب‌ (١) ، وظاهره التخيير بين الثلاثة والعشرة في كل شهر ، كما اعترف به غير واحد من الأساطين. ولو سلم إهماله من هذه الجهة فلا أقل من الدلالة على التحيض بالعشرة في الجملة ، فلا يتجه التخيير بين خصوص الثلاثة والسبعة أو مع إضافة الستة ، ولا سيما بملاحظة‌ رواية الحسن الخزاز عن أبي الحسن (ع) : « عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة ، وكم تدع الصلاة؟ فقال (ع) : أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة » (٢). ودعوى : أخصية المرسلة‌ منهما فيقيدان بها ، مندفعة بظهور المرسلة في جميع الاقسام ، كما أشرنا إليه سابقاً. ودعوى : سقوط الروايتين عن الحجية ، لضعف السند ، ممنوعة ، أما في الأولى فلأنها وإن كانت مرفوعة في طريق الكليني وأحد طريقي الشيخ ، لكنها موثقة في الطريق الآخر له ، لأنه رواها ـ كما في الوسائل ـ (٣) عن زرعة عن سماعة‌ ، وطريقه إلى زرعة صحيح وهو وسماعة ثقتان. وأما الثانية فطريقها ما بين موثق الحديث وحسنه ، أو صحيحه ، وهذا المقدار كاف في الاعتبار. وحينئذ فالمتعين الرجوع إلى مقتضى الجمع العرفي بين الجميع من الأخذ بظاهر موثق سماعة‌ من التخيير بين المراتب التي بين الثلاثة والعشرة ، وحمل ذكر السبعة في المرسلة‌ ، والثلاثة في الموثقتين‌ على بيان أفضل الأفراد ، كما هو الحال في نظائره.

اللهم إلا أن يقال : التخيير بين المراتب التي بين الثلاثة والعشرة ، إنما استفيد من إطلاق موثق سماعة‌ ، وحينئذ تكون المرسلة الدالة على تعين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض ملحق حديث : ٢‌

٢٩٠

وأما الناسية فترجع إلى التمييز [١] ،

______________________________________________________

السبعة‌ مقيدة له ، فيكون الحكم التخيير بين الثلاثة والسبعة والعشرة في كل شهر. وفيه : انه بعد حمل المقيد على أحد الافراد من جهة صراحة النصوص في جواز التحيض بالعشرة والثلاثة ، لا يقوى على تقييد المطلق بالإضافة الى ما بينهما من المراتب ، فيتعين التخيير بين الثلاثة إلى العشرة في كل شهر ، كما عن الصدوق والسيد.

هذا كله في المبتدئة بالمعنى الأخص ، أما من لم تستقر لها عادة ، فقد يشكل الحكم فيها من جهة خلو النصوص عن التعرض لها. إلا أن يقال : ظهور المرسلة‌ في حصر السنن في ثلاث ، يقتضي أن يكون حكمها التحيض بالسبعة ، وحينئذ فالجمع بينهما وبين رواية الخزاز‌ يقتضي التخيير بين الثلاثة إلى العشرة كالمبتدئة. ويؤيده ما تقدم في المبتدئة ، لبعد التفكيك في السبعة التي في المرسلة‌ ، بحملها على التعيين في المضطربة ، والتخيير في المبتدئة ، ولا سيما وكون المشهور تساويهما في الحكم. فلاحظ.

ومنه يظهر ضعف بقية الأقوال التي أنهاها في كشف اللثام ـ في كل من المبتدئة والمضطربة ـ إلى أربعة عشر قولا ، بل أنهاها في خصوص المبتدئة شيخنا الأعظم (ره) في طهارته إلى عشرين قولا ، المبتنية على طرح جميع الروايات ـ للمعارضة مع الرجوع إلى الأصل ، أو قاعدة الإمكان ، أو غيرها من القواعد ـ أو الأخذ ببعضها ـ للترجيح ، أو التخيير ، أو لضعف سند غيره ، أو لدعوى الإجمال في دلالته ـ أو استظهار غير ما ذكرنا. أو غير ذلك. فلاحظ.

[١] إجماعاً ، بل نقل الإجماع عليه متكرراً ، كذا في المستند. وفي الجواهر : نفى وجدان الخلاف فيه إلا ما عن أبي الصلاح من رجوعها إلى‌

٢٩١

ومع عدمه إلى الروايات [١] ، ولا ترجع إلى أقاربها [٢]. والأحوط أن تختار السبع [٣]

______________________________________________________

النساء ثمَّ إلى التمييز ، وما عن ابن زهرة ، من التحيض بعشرة بعد فصل أقل الطهر. ويدل عليه مرسلة يونس الطويلة‌ ، بل هي القدر المتيقن منها. مضافاً إلى نصوص الصفات المتقدمة في حكم المبتدئة. فإنها مقدمة على نصوص العدد ، لأن نسبتها إلى نصوص العدد نسبة دليل الأمارة إلى دليل الأصل كما عرفت ، ومقدمة على نصوص الرجوع إلى النساء ، وإن كان الرجوع إلى النساء من قبيل الامارة أيضاً ، لأن النسبة بينهما نظير تلك النسبة لما في رواية أبي بصير السابقة في الرجوع إلى النساء فيمن لم تستقر لها عادة من‌ قوله (ع) : « إذا كانت لا تعرف .. » كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ، ومنه يظهر ضعف القولين المذكورين.

[١] قد كثر الاختلاف في العدد الذي ترجع إليه الناسية ، كالاختلاف فيما سبق ، وربما تزيد الأقوال هنا على خمسة عشر قولا ، والظاهر أنها كالمضطربة من حيث النصوص ، لخروجهما معاً عن مورد المرسلة‌ ، وموثقات سماعة‌ ، وابن بكير‌ ، ودخولهما معاً في رواية الخزاز‌ ، وحيث عرفت ظهور المرسلة‌ في العموم للمضطربة فهي أيضاً عامة لها كعموم رواية الخزاز‌ لهما ، فيكون الحكم فيهما واحداً وهو التخير بين الثلاثة إلى العشرة.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، إلا ما تقدم من أبي الصلاح ، وقد عرفت ضعفه. نعم مقتضى إطلاق روايتي زرارة ومحمد‌ وأبي بصير‌ رجوعها إلى الأقارب بعد فقد التمييز ، لكن العمل بهما بعد ظهور الإجماع على خلافهما غير ممكن.

[٣] لما عرفت من الإشكال في الست ، ونصوص الثلاث غير شاملة‌

٢٩٢

( مسألة ٢ ) : المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم إلى ثلاثين يوماً [١] وإن كان في أواسط الشهر الهلالي أو أواخره.

( مسألة ٣ ) : الأحوط أن تختار العدد [٢] في أول رؤية الدم إلا إذا كان مرجح لغير الأول.

______________________________________________________

لها بذاتها ، لاختصاصها بالمبتدئة ، وإنما بني على شمولها بإلغاء خصوصية موردها ، ولا ريب في أنه خلاف الاحتياط. وأما على المختار فلا يبعد أن يكون الأحوط ذلك أيضاً ، لجريان بعض المناقشات في رواية الخزاز‌ وغيرها من روايات العدد ، التي موردها خصوص المبتدئة فلا تشملها. ويحتمل رجوع الاحتياط إلى أصل التخيير ، لا في خصوص الست ، للإشكال في رواية الست ، واحتمال المعارضة بين المرسلة‌ والموثقات‌ ، فيكون المرجع الترجيح وهو مع المرسلة‌ كما قيل.

[١] الظاهر أنه لا خلاف فيه. ويدل عليه المرسلة‌ وموثقتا ابن بكير‌.

[٢] كما في التذكرة : انه الأقرب ، وفي كشف اللثام : انه الأقوى واستدل له في الأول‌ بقول الصادق (ع) : « تركت الصلاة عشرة أيام ثمَّ تصلي عشرين » (١) ، واستدل له في الثاني ـ مضافا الى ذلك ـ بقول الصادق (ع) في مرسل يونس : « عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ، ثمَّ هي مستحاضة » (٢) و‌بقوله (ع) في المرسلة الطويلة : « تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ، ثمَّ اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين » ، ولأن عليها أول ما ترى الدم ـ ويجوز أن يكون حيضاً ـ أن تتحيض ، لقاعدة الإمكان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٩٣

( مسألة ٤ ) : يجب الموافقة بين الشهور [١] فلو اختارت في الشهر الأول أوله ففي الشهر الثاني أيضاً كذلك ، وهكذا.

( مسألة ٥ ) : إذا تبين بعد ذلك أن زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء ما فات منها من الصلوات [٢]. وكذا إذا تبينت الزيادة والنقيصة.

______________________________________________________

ثمَّ لا وجه لرجوعها عن ذلك وتركها العبادة وقضاء ما تركته سابقا من الصلاة. لكن يشكل الآخر أنه مختص بالدور الأول ، مع أنه قد لا تتحيض بالدور الأول عمداً أو لعذر. وأنه لا مانع من جواز رجوعها عن ذلك عملا بإطلاق التخيير. فالعمدة ظهور النصوص ، والمناقشة في بعضها لو تمت ففي الباقي كفاية. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الأصحاب ـ كما في الحدائق ، وعن الفاضلين ، والمحقق والشهيد الثانيين ، وغيرهم التصريح به ـ من أن لها وضع العدد كيف شاءت. بل لو أريد منه جواز وضعه في أثناء مدة الطهر كان خلافه كالصريح من النصوص.

[١] فان النصوص كما تضمنت مدة التحيض تضمنت مدة التطهر ، ومع اختلاف أزمنة الوضع يلزم اختلاف مدة الطهر.

[٢] لصدق الفوت واقعاً ، إذ لا يمنع منه الحكم الظاهري على خلافه كما حقق في محله. هذا إذا كان التبين بالعلم ، أما لو كان بالعادة ـ كما لو كانت ناسية للعادة فذكرتها ـ أو بالتمييز ، فالحكم كذلك ، أما في الثاني فظاهر ، لأنه ينكشف أنه المرجع دون العدد ، وأما في الأول فلأنها وإن لم تخرج عن كونها ناسية للعادة سابقاً ، إلا أنه لا يبعد أن يستفاد من النصوص كون العادة الواقعية حجة واقعاً حتى حال النسيان ، ويكون النسيان عذراً في الرجوع الى العدد. مضافاً الى أنها بتذكر العادة صارت هي‌

٢٩٤

( مسألة ٦ ) : صاحبة العادة الوقتية [١] إذا تجاوز دمها للعشرة في العدد حالها حال المبتدئة [٢] في الرجوع إلى الأقارب والرجوع إلى التخيير المذكور مع فقدهم أو اختلافهم.

______________________________________________________

حجة لها حتى فيما مضى ، لكونه من مداليلها. وكذا الحال في تبين الزيادة والنقصان. فتأمل.

[١] يعني : العادة الوقتية فقط دون العددية ، سواء أكانت مضطربة العدد أم ناسيته ، وعموم المتن للناسية بقرينة قوله (ره) : « وإذا علمت كونه .. » فان ذلك يختص بالناسية ، فكلام المصنف (ره) شامل للمضطربة بالمعنى الأخص وللناسية ،

[٢] كما صرح به غير واحد ، لما عرفت الإشارة إليه فيما سبق ، من أن جملة من الفقرات في المرسلة‌ ـ مثل حصر السنن في ثلاث ، وأنه بين فيها كل مشكل ، ولم يدع لأحد فيها مقالا بالرأي ، ونحو ذلك ـ دالة على تعين رجوع المستحاضة إلى إحدى السنن الثلاث ، وحيث أنها معتادة في الوقت وجب رجوعها إليها فيه ، لما أشرنا إليه من إطلاق ما دل على الرجوع إلى أيام الأقراء ، ومنه ما في المرسلة من‌ قوله (ع) : « ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ، لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض ـ إذا عرفت ـ حيضاً » (١) ولأجل هذا ونحوه مما دل على طريقية الصفات للحيض عند فقد العادة ، يحكم برجوعها في تعيين العدد الى التمييز. وأما الرجوع الى الأقارب عند فقده فلم يستبعده في الجواهر ، وهو في محله بناء على ما عرفت من ثبوته للمضطربة ، كما أشرنا إليه آنفا. وأما الرجوع إلى العدد فحالها فيه حال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

٢٩٥

______________________________________________________

المضطربة والناسية ، لاشتراكها معهما في عموم الأدلة وخصوصها ، فليراجع ما تقدم فيهما.

ولا وجه للرجوع إلى قواعد أخر ، كقاعدة الإمكان أو الاستصحاب لمكان تيقن حيضيتها بالنسبة إلى أول الوقت ، المقتضيين للتحيض بالعشرة ، كما احتمله في الجواهر. أو الاحتياط فيما زاد على الثلاثة إلى العشرة ، كما عن المبسوط والجامع ، وفي الشرائع والعلامة في جملة من كتبه ، ذكروا ذلك في ناسية العدد ـ كما هي إحدى صور المسألة ـ عملا بالعلم الإجمالي. أو الاقتصار على المتيقن والرجوع في غيره إلى عدم الحيض ـ ولا تجري أصالة بقائه ، لعدم جريانها في التدريجيات ـ كما عن الوسيلة والمعتبر والبيان ، وعن المدارك : أنه استحسنه ، وقربه شيخنا الأعظم (ره). فان ذلك مناف لما في المرسلة من حصر السنن في الثلاث‌.

ومنه يظهر أن إهمال المصنف (ره) للتمييز ـ كما في الجواهر أيضاً ـ غير ظاهر ، لظهوره في عدم الرجوع إليه في المقام ، وهو خلاف ما عرفت اللهم إلا أن يكون الوجه فيه الاعتماد على ذكره له سابقاً فيكون مقصوده في هذه المسألة التنبيه على إلحاقها بالمبتدئة في الرجوع إلى الأقارب قبل التخيير لا غير.

كما أن بناءه على الرجوع إلى الأقارب فيها مبني على ما تقدم منه من رجوع المضطربة إليها كما عرفت. لكنه يشكل فيما لو كانت ناسية العدد ـ كما عرفت أنها إحدى صور المسألة ـ إذ قد تقدم منه أن الناسية لا ترجع إلى الأقارب. اللهم إلا أن يختص بالناسية للوقت والعدد معاً ، لأنه المتيقن من الإجماع ، فالمرجع في غيره عموم الدليل المتقدم. فتأمل.

٢٩٦

وإذا علمت كونه أزيد من الثلاثة [١] ليس لها أن تختارها. كما أنها لو علمت أنه أقل من السبعة ليس لها اختيارها.

( مسألة ٧ ) : صاحبة العادة العددية ترجع في العدد إلى عادتها [٢].

______________________________________________________

[١] بأن كانت حافظة لوقت العادة ناسية لعددها ، فليس لها أن تختار الثلاث إذا علمت إجمالا كون العدد المنسي زائداً عليها ، لوجوب العمل على العادة. وكذا لا يجوز لها اختيار الزائد على العدد المعلوم إجمالا لمنافاته للعادة ، وفي المرسلة الطويلة : « ألا ترى أن أيامها لو كانت أقل من سبع. وكانت خمساً أو أقل من ذلك ما قال لها : تحيضي سبعاً ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة غير حائض. وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع ، وكانت أيامها عشرة أو أكثر ما كان له أن يأمرها بالصلاة وهي حائض » (١). وهكذا الكلام في الرجوع الى التمييز والأقارب فلا يجوز الأخذ بأحدهما إذا كان منافياً للوقت أو للعدد المعلوم إجمالا لو كان اضطراب العدد لنسيانه. واحتمال الرجوع الى التمييز ـ لإطلاق المرسلة الدالة على حجيته ، مع نسيان العادة ، مع كون الغالب كونه معلوماً بالإجمال ـ ضعيف ، إذ لا يصلح الإطلاق لمعارضة التعليل المتقدم. نعم لو كان اضطراب العدد لعدم الاستقرار ، أو للاختلاف الموجب لزوال العادة ، جاز اختيار الزائد على الوقت ، لعدم المنافاة للعادة الواجبة العمل ، بلا فرق بين كون الزيادة حافة بالوقت من الطرفين أو من طرف واحد.

[٢] لما دل على تحيض المستحاضة بعدد حيضها أو بقدره أو نحو ذلك مما يشمل العدد فقط. ومنه ما في المرسلة من‌ قوله (ع) : « ألا ترى .. » المتقدم فإنه وإن كان مورده العدد دون التمييز لكنه عام له ولغيره كما لا يخفى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

٢٩٧

وأما في الزمان فتأخذ بما فيه الصفة [١] ، ومع فقد التمييز تجعل العدد في الأول [٢] على الأحوط ، وإن كان الأقوى التخيير [٣] ،

______________________________________________________

فلا ترجع في العدد الى غير العادة.

[١] لما عرفت في المسألة السابقة.

[٢] ولا مجال للرجوع إلى الأقارب هنا ، إذ أقراؤهن طريق الى العدد لا غير ، والمفروض أن لها عدداً معتاداً ، فلا تكون أقراؤهن طريق اليه.

[٣] وعن المدارك : نسبته إلى الأكثر ، وحكي عن جملة من كتب العلامة والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ، إذ ليس في النصوص ما يدل على كون تمام طهرها في كل دور بعد حيضها ، كما كان في التحيض بعدد الروايات على ما عرفت من بعض فقرات المرسلة ، فإطلاق ما دل على التحيض بقدر العادة محكم. وعن كشف اللثام : تعين الأول ، كما في عدد الروايات ، لما تقدم منه من الوجه. وتقدم إشكاله. نعم في جملة من النصوص الدالة على التحيض بعدد العادة ما يدل على أنه قبل الاستحاضة ، حيث يؤمر فيها بعد التحيض بالغسل وعمل الاستحاضة. لكنه غير ظاهر في تأخر تمام الطهر في كل دور ، بل في التطهر في الجملة ، وهو مما لا ريب فيه. لكن لا يبعد كون سياقها ظاهراً في الترتيب المذكور في جميع الأدوار. مضافا الى عدم ثبوت إطلاق يقتضي التخيير المذكور. فيدور الأمر مع الشك بين التعيين والتخيير ، والأصل يقتضي الأول ، لأنه القدر المتيقن في الخروج عن قاعدة الاحتياط من جهة العلم الإجمالي ، كما تقدم ذلك في نظيره في المسألة الثامنة عشرة من الفصل السابق. فتأمل.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال فيما عن المبسوط والمعتبر والإرشاد من وجوب الاحتياط على ناسية الوقت خاصة في جميع أيام الدم ، وتغتسل‌

٢٩٨

وإن كان هناك تميز لكن لم يكن موافقاً للعدد فتأخذه وتزيد مع النقصان [١] وتنقص مع الزيادة [٢].

( مسألة ٨ ) : لا فرق في الوصف بين الأسود والأحمر [٣] ، فلو رأت ثلاثة أيام أسود وثلاثة أحمر ثمَّ بصفة الاستحاضة تتحيض بستة.

______________________________________________________

لانقطاع الحيض في كل وقت تحتمل الانقطاع. فإنه ـ كما عرفت ـ خروج عن السنن الثلاث المنحصر أمر المستحاضة فيها من غير وجه ظاهر ، مع وفاء النصوص برجوع ذات العادة العددية إليها ، ومن هذا يظهر الاشكال فيما عن الخلاف ، من أن الناسية للوقت ولا تمييز لها تترك الصوم والصلاة في كل شهر سبعة أيام ، وتغتسل وتصلي وتصوم فيما بعد ، ولا قضاء عليها في صوم ولا صلاة إجماعا. ومن الغريب دعواه الإجماع على نفي قضاء الصوم كمحتمل كلامه من دعوى الإجماع على الرجوع الى السبعة ، مع أنه لم يحك القول به عن غيره ، وأنه حكى في الرياض الاتفاق على رجوع المضطربة الوقت إلى العادة العددية. والفرق بينها وبين الناسية للوقت بعيد جداً. فلاحظ وتأمل.

[١] جمعاً بين دليلي التمييز والعادة.

[٢] جمعاً بين دليلي التمييز والاقتصار على العادة.

[٣] المحكي عن غير واحد : منهم : العلامة والشهيدان والمحقق الثاني : أن القوة والضعف اللذين يحصل بهما التمييز تحصلان بصفات ثلاث : الاولى : اللون ، فالأسود قوي الأحمر ، وهو قوي الأشقر ، وهو قوي الأصفر ، وهو قوي الأكدر ـ كما في المسالك ـ أو الأشقر قوي الأصفر والأكدر كما عن النهاية. الثانية : الرائحة ، فذو الرائحة الكريهة قوي قليلها ، وهو‌

٢٩٩

______________________________________________________

قوي عديمها ، وفي المسالك : « فذو الرائحة الكريهة أشبه به مما لا رائحة له ومما نقص فيها عنه » الثالثة : الثخانة ، فالثخين قوي الرقيق. وفي المسالك : « ولا يشترط في الإلحاق به اجتماع الثلاث ، بل إن اجتمعت في واحد فهو أشبه به من ذي الاثنتين ، كما أن ذا الاثنتين أشبه به من ذي الواحدة ».

وكأن الوجه فيه التعبير في المرسلة بالإقبال والادبار ، الحاصلين بمطلق القوة والضعف ، ولازم ذلك حصول التمييز بمجرد الاختلاف في مراتب الصفات ، كشدة السواد وضعفه ، وشدة الحمرة وضعفها ، وشدة الثخانة وضعفها ، وشدة الحرارة وضعفها ، وشدة البرودة وضعفها ، لتحقق القوة والضعف بذلك. لكن لم يظهر الوجه في إهمال ذكر الحرارة مع ذكرها في النصوص ، وفي ذكر الرائحة مع عدم التعرض لها في النصوص إلا في خبر الدعائم‌ (١). مضافا إلى أن ذكر الإقبال والادبار في المرسلة (٢) لا يجدي في إثباته مع اقترانه‌ بقوله (ص) : « وتغير لونه من السواد إلى غيره ، وذلك أن دم الحيض أسود يعرف » وقوله (ع) : « إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة » ، فإن ذلك أن لم يوجب تخصيصاً بالصفات المنصوصة للحيض والاستحاضة فلا أقل من اقتضائه الإجمال فيه ، وعدم الإطلاق.

ولو لوحظت بقية نصوص الصفات كان الحال أظهر ، لأن حمل تلك النصوص على إرادة الإقبال من كونه أسود حاراً ، والادبار من كونه أصفر بارداً ، مما لا يمكن ارتكابه منها ، لأنه على هذا يكون دم الحيض ودم الاستحاضة كلاهما أصفر ، لكن أحدهما أشد صفرة ، وكلاهما أسود لكن أحدهما أشد سواداً وكلاهما بارد ولكن أحدهما أشد برودة ، وكلاهما حار ولكن‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

٣٠٠