مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

في الحائض‌ (١). وفيه : ما أشرنا إليه من أنها واردة في بيان الحكم الظاهري فلا يدل الأمر بالاستظهار إلى العشرة فيها على كونها أكثر النفاس ، نظير الاستظهار بيوم أو يومين. مع أن جعل ( الباء ) بمعنى ( إلى ) خلاف الظاهر. والالتزام به في رواية الأخرى بقرينة الإجماع والنصوص لا يقتضي الالتزام به في المقام.

هذا والمنسوب إلى المفيد في المقنعة والسيد والصدوق والإسكافي ـ وفي الخلاف وعن المبسوط : نسبته إلى قوم من أصحابنا ـ أن أكثر النفاس ثمانية عشر يوماً. ويشهد له جملة من النصوص‌ كرواية حنان بن سدير : « لأي علة أعطيت النفساء ثمانية عشر يوماً ولم تعط أقل ولا أكثر؟ قال (ع) : لأن الحيض أقله ثلاثة ، وأوسطه خمسة ، وأكثره عشرة ، فأعطيت أقله وأوسطه وأكثره » (٢) ، ونحوه مرسلة الفقيه‌ (٣). وفي كتاب الرضا (ع) إلى المأمون : « والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً ، فان طهرت قبل ذلك صلت ، وان لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت .. » (٤) ، ومرسلة المقنع : « روي : أنها تقعد ثمانية عشر يوما » (٥) ، وفي مرسلة الصدوق الواردة في قصة أسماء : « فأمرها رسول الله (ص) أن تقعد ثمانية عشر يوما » (٦).

وفيه : أنه يشكل العمل بالجميع ، إذ هي ما بين ضعيف الاسناد وضعيف بالإرسال ، أو مما يشكل العمل فيه بأصالة الجهة ، لكون المكتوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ١٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢٣‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢٢‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢٤‌

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢٦‌

(٦) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٢١‌

٤٤١

______________________________________________________

إليه مما يخاف منه لسلطته وجوره. وانجبار الضعف بدعوى السيد أنه مما انفردت به الإمامية ، وبعمل مثله ممن لا يعمل إلا بالقطعيات ، غير ثابت ، إذ دعواه غير ظاهرة المأخذ ، وعمله متفرع عليها ، فكيف يكون صالحا للجبر؟!. هذا مضافا الى المعارضة هذه النصوص‌ بمرفوع إبراهيم بن هاشم « سألت امرأة أبا عبد الله (ع) فقالت : إني كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما. فقال أبو عبد الله (ع) : ولم أفتوك بثمانية عشر يوما؟ فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول الله (ص) أنه قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن أسماء سألت رسول الله (ص) وقد أتى له ثمانية عشر يوماً ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل كما تفعل المستحاضة » (١) ونحوه ما عن المنتقى نقلا عن كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن عياش الجوهري‌ (٢). اللهم إلا أن يضعف الأول بالرفع ، والثاني بما عن النجاشي من قوله : « رأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه وتجنبته ».

ثمَّ إنه قد يستدل على هذا القول بصحيح محمد وفضيل وزرارة‌ (٣) وموثق زرارة‌ (٤) المتضمنين أن أسماء نفست بمحمد بن أبي بكر حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة ، وأنها لما قدمت مكة بعد ثمانية عشر يوماً بعد أن نسكت مناسك الحج أمرها رسول الله (ص) أن تغتسل وتطوف وتعمل عمل المستحاضة. ودلالتها ـ كما ترى ـ قاصرة ، كما أشير إلى ذلك في الخبرين المتقدمين. وبصحيح محمد بن مسلم : « عن النفساء كم تقعد؟

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٧‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١١‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١٩‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس ملحق حديث : ١٩‌

٤٤٢

______________________________________________________

فقال (ع) : إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله (ص) أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين » (١). وفيه : أن الاستظهار بيوم أو يومين يقتضي جواز تجاوزه الثمانية عشر ، بل تجاوزه العشرين لأنه لا يظهر منه أن أيام الاستظهار غاية أيام النفاس. وأيضاً يدل بمقتضى تأنيث العدد على أن المراد الليالي لا الأيام. وأيضاً فإن صريح صدره السؤال عن الحد وفي الجواب لم يتعرض لذلك ، وحينئذ يشكل العمل بأصالة الجهة أو أصالة عدم النقصان ، للعلم بوجود الخلل في إحداهما. وبصحيحه الآخر : « كم تقعد النفساء حتى تصلي؟ قال (ع) : ثمان عشرة أو سبع عشرة ، ثمَّ تغتسل وتحتشي وتصلي » (٢). وفيه : أن الترديد مانع من حمله على التحديد الشرعي ، فلا يبعد أن يكون من الراوي ، فيسقط عن الحجية على الثمانية عشر بل تأنيث العدد يدل على أن المراد الليالي. وبالجملة : النصوص المتضمنة لقصة أسماء لا دلالة فيها على التحديد بالثمانية عشر ، حتى صحيح محمد بن مسلم‌ ، فإنه ـ وإن تضمن صدره السؤال عن الحد ـ قد عرفت جهات الاشكال فيه المانعة من صحة الاستدلال به على هذا القول. وأما غيرها من النصوص فالدال منها ضعيف السند أو ضعيف الجهة ، وغيره لا يصلح للحجية. فالقول المذكور لا دليل عليه.

وعن المختلف : « أن ذات العادة ترجع إلى عادتها في الحيض ، والمبتدئة تصبر ثمانية عشر يوماً » ، وعن التنقيح : أنه استحسنه ، وعن بعض متأخري المتأخرين : اختياره. ووجهه الجمع بين ما دل على الرجوع إلى العادة وما دل على الثمانية عشر ، لاختصاص مورد الأول بالمعتادة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١٥‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١٢‌

٤٤٣

______________________________________________________

فيكون مختصاً بها فيقيد به إطلاق الثاني. وفيه : ما عرفت من أن ما دل على الرجوع إلى العادة ـ ولا سيما بملاحظة اشتمال جملة منه على الاستظهار ـ وارد في مقام الحكم الظاهري ، ولا تعرض فيه لتحديد أكثر النفاس واقعاً. مضافاً إلى ما عرفت من الإشكال في الاعتماد على ما دل على الثمانية عشر. وأشكل منه ما ذكره في المنتهى من أن أكثر النفاس للمعتادة عشرة وللمبتدئة والمضطربة والناسية لعادتها ثمانية عشر يوماً ، جمعا بين النصوص ، إذ الحكم في كل من الشقين لا دليل عليه ظاهر.

ومن هنا يظهر أن تحديد أكثر النفاس من المشكلات بملاحظة صناعة الاستدلال ، ولذلك قال في الذكرى : « الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها إلى عادتها في الحيض ، والأصحاب يفتون بالعشرة ، وبينهما تناف ظاهر .. ( إلى أن قال ) : وحينئذ فالرجوع إلى عادتها ـ كقول الجعفي في الفاخر وابن طاوس والفاضل رحمهم‌الله تعالى ـ أولى. وكذا الاستظهار كما هو هناك. نعم قال الشيخ (ره) : لا خلاف بين المسلمين أن عشرة أيام إذا رأت المرأة الدم من النفاس ، والذمة مرتهنة بالعبادة قبل نفاسها فلا يخرج عنها إلا بدلالة ، والزائد على العشرة مختلف فيه. فان صح الإجماع فهو الحجة. ولكن فيه طرح للأخبار الصحيحة ». وفيه : أن الاخبار لا تنافي الإجماع ـ إن تمَّ ـ لما عرفت من أنها واردة في مقام الحكم الظاهري لا غير ، ولذا لا ينافي ذلك ما ذكروه من أنه إذا تجاوز الدم العشرة اقتصرت على العادة. كما لا ينافي قولهم : أكثر الحيض عشرة ، لما ذكروه من أن المستحاضة تقتصر على عادتها.

وكيف كان فالذي تطمئن به النفس مذهب المشهور. ويشير اليه أن أخبار الرجوع إلى العادة وما اشتمل على الاستظهار منها كلها مساقه مساق‌

٤٤٤

وإن كان الأولى مراعاة الاحتياط بعدها أو بعد العادة [١] إلى ثمانية عشر يوماً من الولادة. والليلة الأخيرة خارجة [٢]

______________________________________________________

أخبار الحائض. وكأن الوجه في إهمال التعرض له في النصوص ما علم من أن النفساء بمنزلة الحائض في جميع الأحكام إلا ما خرج ، وما تعرضت له النصوص كان مبنياً على التقية أو نحوها.

ومن هنا تعرف أن ما دل على غير المشهور مطروح مثل ما دل على السبعة عشر ، أو الثمانية عشر ، أو على العشرين ، أو على الثلاثين ، أو على ما بين الثلاثين والأربعين ، أو على ما بين الأربعين إلى الخمسين ، أو على ثلاثين يوماً أو أربعين إلى الخمسين ، أو على نفي الحد بالمرة ، وأنها تقعد حتى تطهر ، أو غير ذلك من المضامين.

ثمَّ إنه حكي في المعتبر والتذكرة عن العماني : القول بأن أكثر النفاس أحد وعشرون يوماً ، قال في الأول ـ بعد نقل ذلك : « وقد روى ذلك البزنطي في كتابه عن جميل عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام .. ثمَّ قال (ره) ـ بعد ذلك ـ : وأما ما ذكره ابن أبي عقيل فإنه متروك والرواية به نادرة ». وتقدم عن السرائر عن المفيد : القول بذلك أيضاً في كتاب الاعلام. كما تقدم القول بأنه أحد عشر يوماً في كتاب أحكام النساء. ولم يعرف له مستند. والله سبحانه أعلم.

[١] يعني : بعد العشرة لغير ذات العادة ، أو بعد العادة لذات العادة لما سيأتي من أنه إذا تجاوز الدم العشرة رجعت ذات العادة إليها وكان الباقي بعدها استحاضة.

[٢] لخروج الليل عن اليوم لغة وعرفاً.

٤٤٥

وأما الليلة الأولى إن ولدت في الليل فهي جزء من النفاس [١] وإن لم تكن محسوبة من العشرة [٢]. ولو اتفقت الولادة في وسط النهار يلفق من اليوم الحادي عشر لا من ليلته [٣]. وابتداء الحساب بعد تمامية الولادة [٤] وإن طالت لا من‌

______________________________________________________

[١] إذ الدم فيها من أظهر مصاديق النفاس ، وليس ما يوجب خروجه عنه.

[٢] لما عرفت من خروج الليل عن اليوم من غير فرق بين الليل السابق واللاحق. هذا ولا منافاة بين عدم احتسابها من العشرة وترتيب آثار النفاس على ما فيها كما هو ظاهر.

[٣] تقدم في الحيض الوجه في لزوم التلفيق من النهار دون الليل.

[٤] كما عن شرح البغية التصريح به ، وان لم يعثر على مصرح به ممن تقدم ، وإلا أنه يفهم من كلامهم في مسألة التوأمين الآتية. مع أنه مما لا ينبغي الإشكال فيه ، إذ لو كان الحساب من حين خروج أول جزء من الولد يلزم البناء على الطهر مع عدم تحقق الولادة فيما لو خرج جزء من الولد وبقي غير منفصل حتى مضى أحد عشر يوماً ، وهو مقطوع بفساده ، فقولهم : « أكثر النفاس عشرة » ، لا يراد منه أنه لا تكون مدة النفاس أكثر من عشرة ، بل المراد أنه لا يزيد النفاس استمراراً وبقاء أكثر من عشرة من حين الولادة. وهذا وان كان خلاف مقتضى الجمود على ظاهر العبارة بل خلاف مقتضى ما ذكروه من مساواة النفاس للحيض ، إلا أنه لا بد من الالتزام به لما عرفت. ويشير الى ذلك ما‌ في رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر (ع) : « إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها .. » (١) ، ونحوه غيره. والظاهر أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٤‌

٤٤٦

حين الشروع ، وإن كان إجراء الأحكام من حين الشروع [١] إذا رأت الدم إلى تمام العشرة من حين تمام الولادة.

( مسألة ٢ ) : إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها فكل ما رأته نفاس ، سواء رأت تمام العشرة أو البعض الأول [٢] أو البعض الأخير [٣] أو الوسط أو الطرفين [٤]

______________________________________________________

وجه الفرق بين المقامين أن حال الحيض هو حال الدم فلا ينطبق إلا مع رؤية الدم ، بخلاف حال النفاس فإنه الزمان المتصل بالولادة فينطبق حتى مع عدم الدم ، فنصوص التحديد راجعة إلى ذلك الحال وان لم ير فيها الدم.

[١] كما سبق.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم الأدلة لو علم كونه نفاساً ، ولقاعدة الإمكان التي لا اشكال فيها هنا لو شك فيه.

[٣] ولو كان هو اليوم ، العاشر ، كما عن السرائر والجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير وغيرها ، وعن المدارك : انه مقطوع به في كلام الأصحاب ، لكن استشكل فيه بعدم استناد هذا الدم إلى الولادة فيشك في كونه نفاساً. وهو في محله لو لا ظهور الإجماع على جريان قاعدة الإمكان فيه ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم فيما لو رأته في الطرفين. فتأمل جيداً. ومما ذكرنا يظهر وجه الحكم بنفاسية الدم في الفروض الآتية.

[٤] إجماعا ، كما عن ظاهر الأردبيلي ، وإجماعا على الظاهر المستظهر من بعض العبائر ، كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) وصريح غير واحد : نفي الخلاف فيه ، وفي جامع المقاصد : « لا بحث فيه ». وهذا هو العمدة فيه. وصدق النفاس عليهما ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) ـ غير ظاهر عرفا في بعض الأحوال.

٤٤٧

أو يوماً ويوماً لا ، وفي الطهر المتخلل بين الدم تحتاط بالجمع بين أعمال النفساء والطاهر [١]. ولا فرق في ذلك بين ذات العادة العشرة أو أقل وغير ذات العادة [٢].

______________________________________________________

[١] كما تقدم في الحيض. لكن تقدم هناك أن الأقوى الحكم بحيضيته اعتماداً على إطلاق ما دل على أن أقل الطهر عشرة ، وينبغي أن يكون الحكم هنا كذلك ، لذلك. ولما عرفت من نفي الخلاف ودعوى ظهور الإجماع من غير واحد. وما عن الذخيرة ـ من التوقف فيه لعدم ثبوت الإجماع على الكلية وفقد النص الدال عليه ـ ضعيف. كما أن البناء على ثبوت أقل الطهر دون العشرة في مسألة التوأمين لا ينافي ما ذكرناه ، لإمكان تخصيص القاعدة المذكورة كما هو ظاهر.

[٢] بلا خلاف فيه ظاهر ، لاطراد ما تقدم من الأدلة في جميع الصور المذكورة. نعم قال في الذكرى : « ولو رأت العاشر لا غير فهو النفاس ، لأنه في طرفه. وعلى اعتبار العادة ينبغي أن يكون ما صادفها نفاساً دون ما زاد عليها. ويحتمل اعتبار العشرة هنا ». وفي الرياض : استشكل فيه للشك في صدق دم الولادة. مضافا الى أمرها بالرجوع إلى العادة التي لم تر فيها شيئاً بالمرة. وفي الأول : ما عرفت من ضعف المبنى ، وفي الثاني : أنه غير ظاهر ، لاختصاص الأمر بالرجوع إلى العادة بصورة الرؤية فيها مع التجاوز. نعم الشك في صدق دم الولادة في محله ، وذلك يوجب الشك في جريان الأحكام. اللهم إلا أن يدعى الإجماع عليه مع إمكان النفاس وعدم الصارف عنه ، كما يظهر من غير واحد ، وقد ذكر في الرياض : أن بعض العبارات تشعر بالإجماع عليه. انتهى. ولعل وجهه ما عرفت من أن نصوص التحديد راجعة إلى تحديد الزمان المتصل بالولادة ، فالدم المرئي فيه‌

٤٤٨

وإن لم تر دماً في العشرة فلا نفاس لها [١] وإن رأت في العشرة [٢] وتجاوزها فان كانت ذات عادة في الحيض أخذت بعادتها سواء كانت عشرة أو أقل [٣] وعملت بعدها عمل المستحاضة ،

______________________________________________________

يكون موضوعا للاحكام قل أو كثر ما لم يخرج عن الحد.

[١] للإجماع على أن مبدأ العشرة من حين الولادة ، كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) وغيرها. وقد يشهد له ما في رواية مالك بن أعين المتقدمة‌ (١) وغيرها ، مثل ما ورد من‌ قول النبي (ص) لأسماء : « منذ كم ولدت؟ » (٢) لكن شيخنا في الجواهر استشكل في ذلك ، لظهور الروايتين في واجدة الدم ، فلا تشملان ما لو رأته في العاشر أو فيما بعده. نعم قام الإجماع على نفي نفاسية ما بعده فيبقى العاشر ، وحينئذ يحكم بتكملته في المعتادة بما بعد العشرة ، لما دل على أنها تأخذ بعادتها ، بناء على ما يأتي من ظهورها في العادة العددية التي مبدؤها الرؤية كالحائض ، كما هو قضية مساواتها للحائض في الاحكام. وفيه : أنه لا مجال لذلك كله بعد كون الحكم المذكور من المسلمات. وغلبة رؤية الدم حين الولادة لا توجب الانصراف المعتد به ، وإن ذكر شيخنا الأعظم في طهارته أنه غير بعيد.

[٢] مورده الرؤية في تمام العشرة. أما إذا رأت بعض العشرة فسيأتي بيان صوره في المسألة الآتية.

[٣] على المشهور كما في الرياض ، سواء رأته متصلا بالولادة أم منفصلا عنها ، لإطلاق ما دل على رجوع النفساء إلى عادتها وجعل الباقي استحاضة. واحتمال انصرافه عن صورة الانفصال بعيد ، كما في طهارة شيخنا الأعظم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١٩‌

٤٤٩

وإن كان الأحوط الجمع إلى الثمانية عشر كما مر ، وإن لم تكن ذات عادة كالمبتدئة والمضطربة فنفاسها عشرة أيام [١] وتعمل بعدها عمل المستحاضة مع استحباب الاحتياط المذكور.

______________________________________________________

هذا وفي المعتبر قال : « وتعتبر حالها عند انقطاعه قبل العشرة ، فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت ، وإلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة » ، ونحوه ما في النافع ، ومقتضاه التحيض بالعشرة مع تجاوز الدم ولو كانت معتادة ، بل صرح في الأول بأن النفساء لا ترجع مع تجاوز الدم الى عادتها في النفاس ولا الى عادتها في الحيض ولا إلى عادة نسائها ، بل تجعل عشرة نفاساً وما زاد استحاضة. انتهى. واستدل له بأن أكثر النفاس عشرة. وبرواية يونس المتقدمة‌ (١) المتضمنة للاستظهار بعشرة. وفيه : أن كون أكثر النفاس عشرة لا يقتضي البناء عليه مع الشك ، فضلا عن صلاحية معارضة ما تضمن الرجوع الى العادة ، كما هو كذلك في الحيض. والرواية ـ لو تمَّ كون المراد منها الاستظهار إلى العشرة ـ لا تقتضي ذلك إلا بناء على أن أيام الاستظهار من أيام النفاس ، وهو ممنوع ، لأنه خلاف ظاهر نصوصه ، كما عرفت في مبحث الحيض. ولو كان المراد التنفس إلى العشرة لم يكن وجه لذكر عنوانين في النص : عنوان التنفس في العادة وعنوان الاستظهار ، بل كان اللازم الأمر بالتنفس بعنوان واحد ، كما لعله ظاهر.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، لقاعدة الإمكان المتسالم عليها في المقام كما عرفت. وعن البيان وظاهر الذكرى : رجوع المبتدئة إلى التمييز ثمَّ إلى عادة أهلها ، والمضطربة إلى التمييز ثمَّ الى الروايات. وقد يشير إليه في الجملة‌ خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « النفساء إذا ما ابتليت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٣‌

٤٥٠

( مسألة ٣ ) : صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلا ورأت بعدها وتجاوز العشرة لا نفاس لها على الأقوى [١] وإن كان الأحوط الجمع إلى العشرة ، بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها. وإن رأت بعض العادة ولم تر البعض من الطرف الأول وتجاوز العشرة أتمتها بما بعدها إلى العشرة [٢] دون ما بعدها ، فلو كان عادتها سبعة ولم تر الى اليوم الثامن‌

______________________________________________________

بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك ، واستظهرت بمثل ثلثي أيامها‌ .. الى أن قال (ع) : وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت ، جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها ، واستظهرت بثلثي ذلك ثمَّ صنعت كما تصنع المستحاضة » لكن في المعتبر : « إن الرواية ضعيفة السند شاذة ». مع أن ظاهرها الرجوع ، الى عادتها في النفاس. وقد حكى الاتفاق جماعة ـ منهم جامع المقاصد ـ على أن العادة في النفاس ليست مرجعاً للنفساء.

[١] كما في جامع المقاصد ، وعن المدارك ، قال شيخنا الأعظم (ره) : « ولعله لما تقرر عندهم في الحيض من أن الدم المتجاوز عن العادة إذا لم ينقطع على العشرة ليس بحيض فليس بنفاس. لكن كان الأولى التمسك بما دل على رجوع النفساء الى عادتها إذا تجاوز الدم العشرة لا التمسك بما ورد في الحيض ثمَّ إلحاق المقام به ، لأن النصوص في المقامين على نهج واحد ». وفيه : أن النصوص المذكورة مختصة بما إذا رأته في العادة وتجاوزها وعبر العشرة ، لا فيما إذا لم تره إلا بعد العادة فالبناء على نفاسيته ـ كما يقتضيه ظاهر كلمات الأكثر ـ أوفق بقاعدة الإمكان التي عليها المعول في هذه المسائل.

[٢] لإطلاق الأخبار الآمرة بالرجوع إلى عادتها أو أيامها ، لأن‌

٤٥١

فلا نفاس ، وإن لم تر اليوم الأول جعلت الثامن أيضاً نفاساً وإن لم تر اليوم الثاني أيضاً فنفاسها الى التاسع ، وإن لم تر إلى الرابع أو الخامس أو السادس فنفاسها إلى العشرة ، ولا تأخذ التتمة من الحادي عشر فصاعداً [١]. لكن الأحوط الجمع فيما بعد العادة إلى العشرة بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها.

______________________________________________________

الظاهر من ذلك العادة العددية ، والظاهر من الرجوع إليها جعل مبدئها من حين رؤية الدم لا من حين الولادة ، وعليه لو كانت عادتها ثلاثة فرأته في رابع الولادة كان نفاسها الى السابع والباقي استحاضة ، ولو كانت عادتها أربعة فرأته في خامس الولادة فنفاسها إلى الثامن والباقي استحاضة ، وهكذا. وحينئذ فلا وجه لإطلاق الحكم السابق بأن ما يحدث بعد العادة ليس بنفاس لأن إطلاق الأخبار المذكورة محكم في الجميع على وجه واحد ، وتخصيصه بما إذا رأت بعض العادة لا وجه له ظاهر.

هذا وفي الروضة والرياض : الاقتصار على العادة في الحكم بالنفاسية ، حملا للعادة العددية على العددية من حين الولادة. ولكنه خلاف الظاهر. نعم إذا لم تمكن التكملة على وجه التمام ـ كما إذا كانت عادتها سبعة فرأت السابع من الولادة وعبر العشرة ـ فلا يمكن الأخذ بما دل على الأخذ بالعادة ، وحينئذ يدور الأمر بين تقييده بما إذا كانت العادة في العشرة فيخرج الفرض عن الدليل المذكور ، وبين تخصيص العادة بخصوص الأيام التي في العشرة دون ما زاد عليها ، فان كان الثاني أظهر فهو ، وإن كان الأول أظهر فالفرض وان لم يمكن فيه إثبات نفاسية ما زاد على العادة إلى العشرة بالدليل المذكور لكن يمكن إثبات نفاسيته بقاعدة الإمكان التي قد عرفت الإشارة إليها.

[١] أما عدم الأخذ فظاهر ، حيث عرفت الإجماع على كون العشرة‌

٤٥٢

( مسألة ٤ ) : اعتبر مشهور العلماء فصل أقل الطهر بين الحيض المتقدم والنفاس ، وكذا بين النفاس والحيض المتأخر فلا يحكم بحيضية الدم السابق على الولادة وإن كان بصفة الحيض أو في أيام العادة إذا لم يفصل بينه وبين النفاس عشرة أيام وكذا في الدم المتأخر ، والأقوى عدم اعتباره في الحيض المتقدم كما مر [١]. نعم لا يبعد ذلك في الحيض المتأخر [٢] لكن الأحوط مراعاة الاحتياط.

______________________________________________________

التي هي أكثر النفاس مبدؤها الولادة. وأما إتمامها إلى العاشر فإما أن يكون اعتماداً على إطلاق ما دل على الرجوع إلى أيامها بعد تخصيص الأيام بما لا يزيد على العشرة ، أو اعتماداً على قاعدة الإمكان بعد سقوط الإطلاق وعلى كلا الوجهين يتعين الحكم بنفاسيته لو لم تره إلا في الثامن في الفرض السابق ، ولا يظهر وجه لقوله : « ولا نفاس لها ».

[١] ومر الكلام فيه.

[٢] أما عدم جواز اتصاله بالنفاس فيقتضيه ـ مضافا إلى الإجماع المدعى ـ إطلاق ما دل على استحاضية الدم المتجاوز عن أكثر النفاس من النصوص الكثيرة ، وأما وجوب كون الفصل بعشرة فيقتضيه ـ مضافا الى الإجماع ـ إطلاق ما دل على كون أقل الطهر عشرة ، والمقتصر في تخصيصه على ما كان بين نفاسين لا غير ، لما يأتي من الإجماع عليه. ويشير الى الحكمين ـ بل هو كالصريح في أولهما ـ ما في صحيحة ابن المغيرة فيمن نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ثمَّ رأت الدم من‌ قوله (ع) : « تدع الصلاة لأن أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس » (١) فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب النفاس حديث : ١‌

٤٥٣

( مسألة ٥ ) : إذا خرج بعض الطفل وطالت المدة إلى أن خرج تمامه فالنفاس من حين خروج ذلك البعض إذا كان معه دم وإن كان مبدأ العشرة من حين التمام كما مر [١]. بل وكذا لو خرج قطعة قطعة [٢] وإن طال إلى شهر أو أزيد ، فمجموع الشهر نفاس إذا استمر الدم ، وإن تخلل نقاء فان‌

______________________________________________________

[١] يعني : في آخر المسألة الاولى. ثمَّ إن لازم الحكم بوحدة النفاس أن يكون النقاء المتخلل في الأثناء دون العشرة نفاساً ، لعموم كون أقل الطهر عشرة ، والثابت من تخصيصه ما كان بين نفاسين ، لا ما كان بين أيام نفاس واحد ، فيرجع فيه الى العموم المذكور.

[٢] إذ الدم المقارن لسقوط الجزء الأول معدود عرفا من الدم المقارن للولادة ، فيجري عليه حكمه ، وقد عرفت أن مبدأ حساب العشرة التي هي أكثر النفاس هو تمام الولادة ، وحينئذ يكون مجموع ما بين رؤية الدم عند سقوط الجزء الأول ، ومنتهى انقطاع الدم على العشرة أو قبلها من حين سقوط الجزء الأخير نفاساً واحداً يجري عليه حكم النفاس الواحد ، فاذا تخلله نقاء أقل الطهر كان نفاساً أيضاً حسب ما عرفت ، واحتمله في الذكرى وحكي عن الدروس. وعن نهاية العلامة : تعدد النفاس بتعدد القطع ، وكأنه لما تقدم من الاكتفاء في الولادة المعتبرة في النفاس بولادة الناقص. وفيه : أنه لو سلم ذلك يراد به الاكتفاء بها في تحقق النفاس في الجملة ، لا في قبال ولادة الجزء الآخر حتى تكون ولادة الاجزاء المتعددة ولادات متعددة ، ولها نفاسات كذلك. نعم لا تبعد دعوى كون مبدإ العشرة سقوط معظم الأجزاء التي تصدق معها الولادة وإن بقي بعض الاجزاء كما لو وضعت الحمل وبقي منه بعض أصابعه أو نحوه ، مما لا تناط الولادة بوضعه بل تصدق بدونه.

٤٥٤

كان عشرة فطهر وإن كان أقل تحتاط بالجمع بين أحكام الطاهر والنفساء [١].

( مسألة ٦ ) : إذا ولدت اثنين أو أزيد فلكل واحد منهما نفاس مستقل [٢] ، فان فصل بينهما عشرة أيام واستمر الدم‌

______________________________________________________

[١] لما عرفت في النقاء المتخلل بين أيام الحيض أو النفاس الواحد.

[٢] بلا خلاف فيه ظاهر. وما قد يظهر من عبارة الشرائع والقواعد وغيرهما ـ حيث عبر فيها بأن عدد أيامها من الثاني وابتداؤه من الأول ، من أنه نفاس واحد ـ غير مراد ، لوضوح أن تعدد الولادة يوجب تعدد الأثر. وما عن المعتبر من التردد في نفاسية الأول ـ نظراً إلى بقاء الحمل ولا نفاس معه كما لا حيض معه ـ كما ترى ، لمنعه في الحيض. مع أن العمدة في المساواة بينه وبين النفاس هو الإجماع ، وهو غير ثابت في المقام بل الإجماع على عدمها. ولا ينافيه ما عن الانتصار من أنه لم يجد نصاً صريحاً في هذه المسألة ، ونحوه ما عن السرائر. إذ يمكن استفادة الإجماع من ظهور كلماتهم ، بل المقطوع به منها. فلاحظ. قال في المنتهى : « لو ولدت توأمين فما بعد الثاني نفاس قطعاً ، ولكنهم اختلفوا ، فذهب علماؤنا إلى أن أوله من الأول وآخره من الثاني ».

هذا ولا ينبغي التأمل أيضاً في وجوب إجراء أحكام النفاسين لا النفاس الواحد ، فالنقاء المتخلل بينهما طهر وإن لم يبلغ عشرة أيام. نعم حكى في المنتهى عن أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين أن النفاس كله من الأول. فإذا ولدت الثاني بعد أكثر النفاس من الأول لم يكن نفاساً ، وعن زفر أن ابتداء النفاس من الثاني. وضعفهما ظاهر.

٤٥٥

فنفاسها عشرون يوماً لكل واحد عشرة أيام [١] وإن كان الفصل أقل من عشرة مع استمرار الدم يتداخلان في بعض المدة [٢] وإن فصل بينهما نقاء عشرة أيام كان طهراً ، بل وكذا لو كان أقل من عشرة على الأقوى من عدم اعتبار العشرة بين النفاسين [٣] ،

______________________________________________________

[١] إجماعا فيتصل النفاسان وإن منع من اتصال الحيضين. وبه يخرج عن عموم المساواة بين الحيض والنفاس لو تمَّ في نفسه.

[٢] وعليه فلو ولدت في أول الشهر فرأت دما إلى نهاية الخامس فولدت في السادس ولم تر دما ثمَّ رأته في السابع فالنقاء في السادس نفاس بلحاظ الولادة الأولى ، لأنه واقع بين دمها في الخمسة الاولى وفي السابع. وكذا لو رأت دماً يوما واحداً من ولادة الأول ثمَّ لم تر الدم حتى ولدت الثاني فرأت الدم فيه ، فان النقاء المتخلل بين الدم وولادة الثاني واقع بين العشرة من ولادة الأول التي هي مدة نفاسة. ولا وجه لدعوى انقطاع النفاس الأول بولادة الثاني ، ليحكم على النقاء بأنه طهر لأنه كان قبل النفاس الثاني ، كما لو لم تكن ولدت الأول. وإن حكي ذلك عن الروض والذخيرة وحاشية الروضة وغيرها بناء على تعدد النفاس ، فإنه لا دليل على هذا الانقطاع. بل إطلاق الأدلة يقتضي بقاء أثر الأول إلى نهاية العشرة وإن لزم التداخل في بعض المدة. نعم قد يشكل ثبوت إطلاق لما دل على أن أكثر النفاس عشرة بنحو يشمل ما نحن فيه ـ بحيث يدل على التداخل ، وإلحاق الدم المرئي بعد ولادة الثاني بالدم السابق ـ ليكون النقاء متخللا بين أجزاء نفاس واحد ويكون طهراً. واستصحاب بقاء الحدث لا يصلح لمعارضة ما دل على أن النفساء تصلي إذا رأت النقاء.

[٣] في كلام شيخنا الأعظم (ره) وغيره : الإجماع عليه. وبه يخرج‌

٤٥٦

وإن كان الأحوط مراعاة الاحتياط في النقاء الأقل كما في قطعات الولد الواحد.

______________________________________________________

عن عموم ما دل على أن الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام. ولا سيما مع معارضة العموم المذكور في بعض الصور بعموم ما دل على أن أكثر النفاس عشرة ، أو عموم ما دل على التحيض للنفساء بعادتها لو كانت معتادة ، أو عموم ما دل على التنفس بدم الولادة ، كما لو ولدت ورأت الدم تسعة أيام ثمَّ نقت تسعة ثمَّ ولدت ثانياً ورأت الدم. فإنه لو لم يبن على تخصيص عموم : أقل الطهر عشرة ، يجب إما رفع اليد عن عموم أكثر النفاس عشرة ، أو عن عموم : تنفس النفساء بمقدار عادتها ، أو عن عموم التنفس بدم الولادة في الثاني ، ولا ريب أن تخصيص الأول أولى ، لأن تخصيص أحد الثلاثة الأخرى من قبيل تخصيص القطعي ، كما أفاد ذلك شيخنا الأعظم (ره).

وفيه : أنه يمكن رفع اليد عن التنفس بتمام الأول فيحكم بطهر المقدار المتمم للنقاء عشرا ، بل هذا هو المتعين في مقام الجمع بين الأدلة ، إذ الموجب لنفاسية تمام الدم ليس إلا العادة أو قاعدة الإمكان ، وهما من قبيل الطريق في الشبهة الموضوعية ، وهو لا يصلح المعارضة التحديدات الواقعية ، لأن دليلها يوجب العلم بعدم مطابقة الطريق للواقع. بل لأجل ذلك يمكن رفع اليد عن نفاسية المقدار المتمم من الدم الثاني. وبالجملة : العامان الأولان يتضمنان حكمين واقعيين ، والأخيران يتضمنان حكمين ظاهريين في مقام الشبهة الموضوعية فلا مجال لجعلها جميعا متعارضة ، لاختلاف المرتبة. وقد تقدم نظير ذلك في تحديد أكثر النفاس. مضافا إلى أن التقرير المذكور لا يتم لو كان مجموع الدم الأول والنقاء لا يزيد على عشرة. لكن لا يظن من أحد التفصيل بين الفرضين بناء على تعدد النفاس ، كما عرفت.

٤٥٧

( مسألة ٧ ) : إذا استمر الدم إلى شهر أو أزيد فبعد مضي أيام العادة في ذات العادة والعشرة في غيرها محكوم بالاستحاضة [١] وإن كان في أيام العادة [٢] إلا مع فصل أقل الطهر عشرة أيام بين دم النفاس وذلك الدم ، وحينئذ فإن كان في العادة يحكم عليه بالحيضية [٣] وإن لم يكن فيها فترجع إلى التمييز [٤] بناء على ما عرفت من اعتبار أقل الطهر بين النفاس والحيض المتأخر ، وعدم الحكم بالحيض مع عدمه وإن صادف أيام العادة. لكن قد عرفت أن مراعاة الاحتياط في هذه الصورة أولى.

______________________________________________________

[١] لما سيشير اليه من اعتبار الفصل بأقل الطهر بين النفاس والحيض المتأخر.

[٢] يعني : العادة الوقتية. وأما العادة السابقة فهي عددية ، فلا منافاة.

[٣] لإطلاق ما دل على طريقية العادة ، الذي لا يفرق فيه بين المقام وغيره.

[٤] لما دل على الرجوع إليه عند استمرار الدم وفقد العادة ، كما تقدم في الحيض. واحتمال اختصاصه بما لو علم الحيض والاستحاضة واشتبه أحدهما بالآخر ـ فلا يشمل ما لو لم يعلم الحيض أصلا كما في المقام ـ مندفع بمنع ذلك. بل الظاهر أن مورده صورة اشتباه الاستحاضة بالحيض الامكاني ـ أعني : ما يكون حيضا بقاعدة الإمكان ـ لا الحيض الواقعي الحقيقي ، وهو حاصل في المقام. نعم مورد تلك النصوص غير النفساء في أول رؤية الدم. لكن هذه الخصوصية غير ملحوظة في نظر العرف ، ولا سيما بملاحظة‌ قوله (ع) في المرسلة : « أنه (ص) سن في الحائض ثلاث سنن لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي » (١) كما تقدم ذلك في نظير المقام في مباحث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٤٥٨

______________________________________________________

الحيض. فراجع.

ومثله في السقوط احتمال كونها مستحاضة إلى أن ينقطع الدم ، لإطلاق ما ورد من أنها تعمل عمل المستحاضة بعد العادة إلى أن ينقطع الدم. إذ فيه أن هذا الإطلاق ممنوع ، بل الظاهر من النصوص المذكورة إثبات الاستحاضة في مقابل نفي النفاس السابق ، لا إثبات كونه استحاضة دائما ولو استمر الدم شهوراً ، كما يظهر من ملاحظة نظائره مما ورد في الحائض. فيكون ما دل على طريقية العادة أو الصفات لمستمرة الدم المقتضي للرجوع إليهما بعد عشرة الاستحاضة المعلومة الفاصلة بين النفاس والحيض بلا معارض. وكذا الكلام فيما دل على الرجوع إلى الروايات ، كما أشار إلى ذلك شيخنا الأعظم (ره).

نعم لو ثبت ظهور تلك النصوص في دوام كونها مستحاضة كان محكما ولا يعارضه إطلاق ما تضمن رجوع المستحاضة إلى عادتها أو الى الصفات أو الى الروايات ، وإن كان بينهما عموم من وجه ، لأن الإطلاق المذكور ظاهر في أن لموضوعه وهو النفساء خصوصية تستوجب إطلاق الحكم المذكور فيكون الجمع العرفي مقتضيا لتخصيص النصوص الأخرى به. فالمقام نظير التعارض البدوي بين إطلاق عموم اعتصام الجاري وإن لم يكن كراً ، وإطلاق انفعال ما دون الكر وإن كان جارياً ، فإن الأول مقدم عرفاً على الثاني ، ولا يرجع فيهما إلى أحكام تعارض العامين من وجه من التساقط في مورد المعارضة والرجوع الى دليل آخر. بل يمكن أن يقال : إن الإطلاق المذكور لو ثبت فهو متضمن لحكم واقعي ، فيكون مقدما على أدلة العادة وغيرها ، لأنها في مقام الحكم الظاهري في الشبهة الموضوعية. وبالجملة : الحكم بالاستحاضة بعد النفاس حكم واقعي فلا يعارض دليله دليل الطريق والامارة. فتأمل جيداً.

ثمَّ إن ما ذكرنا من رجوعها إلى أحكام مستمرة الدم من التحيض‌

٤٥٩

( مسألة ٨ ) : يجب على النفساء إذا انقطع دمها في الظاهر الاستظهار [١] بإدخال قطنة أو نحوها والصبر قليلا وإخراجها وملاحظتها على نحو ما مر في الحيض.

( مسألة ٩ ) : إذا استمر الدم إلى ما بعد العادة في الحيض يستحب لها الاستظهار [٢] بترك العبادة يوماً أو يومين أو إلى العشرة ، على نحو ما مر في الحيض.

______________________________________________________

بالعادة وغيرها بمجرد مضي أقل الطهر هو المنسوب إلى المعتبر ولم أجده فيه واحتمل في الجواهر : أن رجوعها إليها إنما يكون بعد مضي شهر. وكأنه لما دل على أن الحيض في كل شهر مرة. وفيه : أنه ليس بناء الفقهاء على العمل به إلا في عدد المستحاضة الفاقدة للعادة والتمييز اقتصاراً على مورده أما العادة والتمييز فبناؤهم على الأخذ بهما ولو تكرر في الشهر مرات أو كان في كل شهرين أو أكثر مرة ، كما هو مقتضى إطلاق النصوص المتضمنة للرجوع إليهما. مع أنه لا يقتضي إلا امتناع اجتماع الحيضتين في شهر واحد لا امتناع اجتماع الحيض والنفاس فيه. ومنه يظهر ضعف ما عن الروض من التفصيل بين المعتادة فترجع إلى عادتها بعد عشرة الطهر مطلقا ، وبين المبتدئة والمضطربة فتنتظران الشهر. وربما ينسب ذلك إلى غيره أيضا.

[١] كما صرح به جماعة مرسلين له إرسال المسلمات ، ويدل عليه ما يأتي في المسألة العاشرة. مضافا الى نصوص الاستبراء الشامل لها وللحائض لكن في دلالته على الوجوب إشكال تقدم في الحيض.

[٢] للنصوص الدالة عليه هنا دلالتها عليه في الحيض. مضافا إلى قاعدة المساواة الآتية‌

٤٦٠