مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

إذا حاضت بعد الوقت مطلقاً وإن لم تدرك شيئاً من الصلاة [١]

( مسألة ٣٢ ) : إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت ، فإن أدركت من الوقت ركعة مع إحراز الشرائط وجب عليها الأداء ، وإن تركت وجب قضاؤها [٢] ، وإلا فلا ،

______________________________________________________

ونسب إلى الإسكافي ، وكأن مأخذه خبر أبي الورد المتقدم. لكنه ـ مع أنه غير ظاهر الدلالة ، إذ لم يتعرض فيه لكون شروعها في الصلاة كان أول الوقت ـ قاصر السند ، مخالف لإجماع الخلاف.

[١] فقد حكي عن النهاية والوسيلة : القضاء حينئذ ، ولم يتضح مأخذه ، ومع مخالفته لما دل على سقوط القضاء عن الحائض الشامل لما نحن فيه. نعم قد يتوهم أنه مقتضى إطلاق رواية ابن الحجاج المتقدمة‌ ، لكنه غير ظاهر.

[٢] على المشهور ، بل عن غير واحد : دعوى الإجماع عليه. لما يأتي في المواقيت ـ إن شاء الله ـ من أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت (١) ، فاذا ثبتت مشروعية الصلاة لها حينئذ وجب القضاء ، لما عرفت. وفي مصحح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : « أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ، ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى ، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، وان رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك ، فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى ، فليس عليها قضاء وتصلي الصلاة التي دخل وقتها » (٢) ، وموثق عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في المرأة‌

__________________

(١) يأتي التعرض الى ذلك في آخر فصل أوقات صلاة اليومية ونوافلها‌

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٣٦١

وإن كان الأحوط القضاء إذا أدركت ركعة مع الطهارة [١]

______________________________________________________

تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي طهرها. حتى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال (ع) : إن كانت توانت قضتها وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي » (١) ، وعن أبيه (ع) قال : « كانت المرأة من أهلي تطهر من حيضها .. » (٢) ، وفي مفتاح الكرامة عن السرائر قال : « إذا طهرت الحائض قبل غروب الشمس في وقت متسع لفعل فرض الظهر والعصر معاً والطهارة لهما وجب عليها أداء الصلاتين أو قضاؤهما » ( وظاهره ـ كما في مفتاح الكرامة ـ اعتبار إدراك تمام الفعل في وجوب الأداء والقضاء. وهو في محله بناء على أن إدراك الركعة بدل اضطراري لما عرفت. اللهم إلا أن يقوم إجماع على خلافه كما عرفت.

[١] فان ظاهر الشرائع والنافع والقواعد وغيرها : وجوب الأداء ، لما دل على أنها لا تسقط بحال ، فيكون حالها حال غيرها ممن لم يدرك من سائر الشرائط عدا الطهارة الذي لا إشكال في وجوب الأداء عليه ، فاذا فرض وجوبه وجب القضاء ، لما عرفت من عموم قضاء ما فات ، واختصاص ما دل على سقوط القضاء عن الحائض بما إذا لم يشرع لها ، بل لو توقفنا عن القول بوجوب فعل المقدمات قبل الوقت فلا مجال للتوقف هنا في وجوبها قبل النقاء ، إذ بمجرد دخول الوقت يجب عليها الصلاة بعد النقاء بجميع مقدماتها ، حتى الاختيارية ، فتجب المقدمات قبل النقاء مقدمة للصلاة بعده ، فالحيض حينئذ لا يكون مفوتاً للصلاة الاختيارية أصلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ٨‌

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ٩‌

٣٦٢

وإن لم تدرك سائر الشرائط ، بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقاً [١] وإذا أدركت ركعة مع التيمم‌

______________________________________________________

واحتمال كون الطهر من الحيض كالوقت شرطاً للوجوب بعيد جداً.

لكن حكي عن الدروس والموجز وجامع المقاصد والروض والروضة والمسالك : العدم ، وكأنه لما في رواية عبيد من‌ قوله (ع) : « فقامت في تهيئة ذلك » ولعدم صدق التفريط فيها والتواني في موثق الحلبي‌ المنوط بهما القضاء مع الاشتغال بالشرائط الاختيارية. وفيه : أن الظاهر أو المحتمل إرادة الغسل لا غير ، فعموم القضاء محكم. نعم إذا لم تتمكن من الطهارة المائية وتمكنت من الطهارة الترابية لم يجب الأداء ولا القضاء كما يأتي. وكذا إذا لم تتمكن من بقية الشرائط الاختيارية قبل الوقت ولا في الوقت. كل ذلك لما عرفت من أن الإبدال الاضطرارية إنما تشرع في ظرف مشروعية المبدل منه الاختياري ، فإذا كان الحيض مانعاً من مشروعيته لم تشرع ، فلا يجب الأداء ولا القضاء. وقد أشرنا إلى ما ذكرنا في مبحث الجبائر وغيره من هذا الشرح ، فراجع.

[١] فقد يقتضي الوجوب حينئذ جملة من النصوص ، كخبر منصور ابن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر والعصر ، فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر » (١) وخبر الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر والعصر » (٢) ، ونحوهما غيرهما ، قال في المعتبر : « ثمَّ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

٣٦٣

لا يكفي في الوجوب [١] إلا إذا كان وظيفتها التيمم [٢] مع قطع النظر عن ضيق الوقت ، وان كان الأحوط الإتيان مع التيمم. وتمامية الركعة بتمامية الذكر من السجدة الثانية [٣]

______________________________________________________

الذي يتبين من هذه الأحاديث أن المرأة إذا أدركت من وقت الصلاة قدر الغسل والشروع في الصلاة فأخرته حتى دخل وقت أخرى لزمها القضاء. ولو قيل بذلك كان مطابقاً لمدلولها ». أقول. مملوله أعم من ذلك. نعم يطابق مدلولها ما عن النهاية من أنه يلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس على كل حال. لكن عن الخلاف ، والمختلف وجامع المقاصد كشف اللثام ، وغيرها : ما هو ظاهر في الإجماع على العدم ، ولأجله لا مجال للأخذ بالنصوص لو تمت دلالتها في نفسها ولم يصلح غيرها ـ مما أنيط فيه القضاء بالتفريط ـ للحكومة عليها.

[١] لما عرفت. ولظهور نصوص المقام في ذلك. فلاحظ. ولأجل ذلك كان الاحتياط الآتي ضعيفاً.

[٢] بناء على ما عرفت ـ من أن البدل الاضطراري لا يشرع إلا في مقام يكون المبدل منه الاختياري مشروعا لو لا العذر ـ لا يجدي كون وظيفتها التيمم لو لا الضيق ، لأن الحيض مانع عن المشروعية مطلقاً. نعم يجدي ذلك فيما لو طرأ الحيض بعد دخول الوقت ، لأن الاضطرار المفروض يسوغ التيمم قبل الوقت ولو لغير غاية الصلاة ، فتكون الطهارة ممكنة قبل الوقت كغيرها من المقدمات.

[٣] كما ذكره الشهيد الثاني في الروضة وغيرها في باب الشك في الركعات. بل لا ينبغي التأمل في دخوله في معنى الركعة ، لبعض الأدلة غير الجاري هنا ، كما يظهر من ملاحظة ذلك المقام من هذا الشرح. نعم‌

٣٦٤

لا برفع الرأس منها [١].

( مسألة ٣٣ ) : إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت يكفي في وجوب المبادرة ووجوب القضاء مضي مقدار أداء الصلاة قبل حدوث الحيض [٢] ، فاعتبار مضي مقدار تحصيل الشرائط إنما هو على تقدير عدم حصولها.

( مسألة ٣٤ ) : إذا ظنت ضيق الوقت عن إدراك‌

______________________________________________________

ما عن المحقق في الفتاوى البغدادية ، وابن طاوس من أنها عبارة عن الركوع ـ كما هي كذلك لغة ، واستعملت فيه في بعض النصوص ، مثل ما ورد في صلاة الآيات : أنها عشر ركعات ـ جار هنا. إلا أنه مندفع في المقامين بشيوع استعمالها في النصوص فيما يشمل السجدتين ، بنحو يستكشف منه أنها مراد شرعي من الركعة حقيقة فيه ، شرعية أو متشرعية فيجب العمل عليه ، ولا سيما في مثل‌ قوله (ع) : « فان صلى ركعة من الغداة .. » (١) ، فإنه كالصريح في إرادة هذا المعنى. ولا أقل من الشك هنا الموجب للرجوع إلى عموم سقوط القضاء عن الحائض.

[١] لأن السجود وإن كان جزءاً من الركعة إلا أنه ملحوظ بنحو صرف الوجود ، فينطبق على أول الوجود ويكون الزائد مستحباً خارجاً عن الركعة. مع أنه لو علم كون الفرد الطويل بتمامه واجباً لكون الوجوب تخييرياً بين الأقل والأكثر ـ ولأجل بناء المشهور عليه بنوا عليه أن الركعة إنما تتم بالرفع لا بالذكر ـ فلا مجال للبناء عليه هنا ، لصدق إدراك الركعة أو صلاة ركعة بمجرد تمام الذكر.

[٢] لإطلاق أدلة التكليف بالأداء والقضاء.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب المواقيت حديث : ١ و ٣‌

٣٦٥

الركعة فتركت ثمَّ بان السعة وجب عليها القضاء [١].

( مسألة ٣٥ ) : إذا شكت في سعة الوقت وعدمها وجبت المبادرة [٢].

( مسألة ٣٦ ) : إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة ، بل وإن شكت على الأحوط [٣] ، وإن لم تبادر وجب عليها القضاء إلا إذا تبين عدم السعة.

( مسألة ٣٧ ) : إذا طهرت ولها وقت لإحدى الصلاتين صلت الثانية [٤]

______________________________________________________

[١] لصدق الفوت واقعاً ، والظن المنكشف خطأه غير مانع عنه.

[٢] كأنه لاستصحاب بقاء الوقت. ولا فرق في ذلك بين ما إذا دخل الوقت وهي طاهر وعلمت بطروء الحيض في الأثناء وشكت في تقدمه وتأخره ، وبين ما لو طهرت قبل خروج الوقت وشكت في سعة المقدار الباقي. لكن يشكل ذلك فيما إذا علم بمقدار الوقت وكان الشك في مدة العمل ، كأن علمت أن الوقت عشر دقائق ولم تدر مقدار الصلاة ، وأنه تكفيه العشر دقائق أو لا تكفيه ، فإنه لا مجال لاستصحاب بقاء الوقت ، لعدم الشك في مقداره. والشك في بقائه إلى آخر الصلاة ليس شكا في الامتداد كي يجري فيه الاستصحاب. ودعوى لزوم الاحتياط من جهة الشك في القدرة ، فيها : أن ذلك إذا علم ثبوت الملاك ، وهو في المقام مشكوك.

[٣] لأن الشك يوجب خوف الفوت ، ومن القريب كونه طريقاً عقلائيا إلى الفوت فيعمل عليه ، وإن كان محل تأمل. نعم لا يبعد ذلك مع ظهور أمارات الفوت.

[٤] لكونها صاحبة الوقت ، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في محله.

٣٦٦

وإذا كان بقدر خمس ركعات صلتهما [١].

( مسألة ٣٨ ) : في العشائين إذا أدركت أربع ركعات صلت العشاء فقط [٢] ، إلا إذا كانت مسافرة ولو في مواطن التخيير فليس لها أن تختار التمام [٣] وتترك المغرب.

______________________________________________________

[١] كما عن الفاضلين والشهيدين وغيرهم ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه ، بناء على ما تقدم من الاكتفاء في وجوب الأداء بإدراك ركعة ، وهو حاصل بالنسبة الى كل من الظهر والعصر ، ولا مانع من تأخير العصر عن أول وقتها إذا كان عن عذر وهو أداء الظهر الواجب. وفي المبسوط : « ويستحب لها قضاؤهما إذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار ما تصلي خمس ركعات » ، ونحوه ذكر في العشائين إذا أدركت قبل الفجر مقدار خمس ركعات. وتبعه عليه في المهذب على ما حكي. وعن الفقيه : الوجوب إذا أدرك ستاً. وكلاهما غير ظاهر.

[٢] لخروج وقت المغرب.

[٣] لئلا يلزم تفويت المغرب. الا أن يقال : باختيارها للتمام يلزم فوات المغرب بخروج وقتها. وفيه : أن الوجوب التخييري المتعلق بصلاة العشاء لما كان له عدلان ـ قصير وطويل ـ تعين أن يكون الوقت المنوط بحضوره خروج وقت المغرب وهو وقت القصير ، كما في اختلاف العشاء من حيث السور الطويلة والقصيرة. ومنه يظهر أنه لو اختارت التمام بطلت لفوات شرط الترتيب بعد فرض اتساع الوقت للفرضين معاً. نعم لو كان اختيار التمام شرطاً في تعينها ، فبالاختيار يخرج الوجوب التخييري عن كونه كذلك ويكون تعيينياً ، ويحصل به خروج وقت الظهر ، لكنه ليس كذلك ـ وان قلنا بأن التخيير ابتدائي ـ لأن المقصود من ذلك تعين التمام بالشروع‌

٣٦٧

( مسألة ٣٩ ) : إذا اعتقدت السعة للصلاتين فتبين عدمها وأن وظيفتها إتيان الثانية وجب عليها قضاؤها. وإذا قدمت الثانية باعتقاد الضيق فبانت السعة صحت [١] ووجب عليها إتيان الأولى بعدها ، وإن كان التبين بعد خروج الوقت وجب قضاؤها.

( مسألة ٤٠ ) : إذا طهرت ولها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة والمفروض أن القبلة مشتبهة تأتي بها مخيرة بين الجهات [٢] ، وإذا كان مقدار صلاتين تأتي بهما كذلك [٣]

( مسألة ٤١ ) : يستحب للحائض أن تتنظف وتبدل القطنة والخرقة [٤] ،

______________________________________________________

فيها لا بمجرد الاختيار النفسي. فالفرق بين التخييري الابتدائي وتعين التمام بالاختيار النفسي ظاهر ، والانقلاب إنما يكون بالثاني لا بالأول ، لأن الشروع في الصلاة بقصد التمام فاقد للترتيب فيبطل كما عرفت.

[١] لسقوط شرط الترتيب ، لحديث : « لا تعاد .. » (١) وغيره.

[٢] كأنه لسقوط اعتبار الاستقبال. لكنه خلاف إطلاق ما دل على وجوب الصلاة إلى أربع جهات. أو لسقوط الاحتياط الواجب عقلا في الشبهة الوجوبية المقرونة بالعلم الإجمالي. لكن لا يدل ذلك على إجزاء المأتي به. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في مبحث القبلة تمام الكلام في ذلك.

[٣] بناء على وجوب المقدار الممكن من الاحتياط عند تعذر التام. للاضطرار الى مخالفة العلم الإجمالي في بعض الأطراف. وفيه كلام ذكرناه في محله من التعليقة. ويأتي الإشكال السابق في إجزاء المأتي به.

[٤] لم أقف فيما يحضرني على من ذكرهما ولا على مستندهما. نعم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨‌

٣٦٨

وتتوضأ في أوقات الصلاة اليومية [١] ، بل كل صلاة موقتة [٢] ، وتقعد في مصلاها [٣]

______________________________________________________

أصل الاحتشاء محكي عن النهاية ، وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « وكن نساء النبي (ص) لا يقضين الصلاة إذا حضن ، ولكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة ويتوضأن ، ثمَّ يجلسن قريباً من المسجد فيذكرن الله عز وجل » (١).

[١] على المشهور ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه. ويدل عليه صحيح الحلبي المتقدم وغيره. وعن علي بن بابويه ، الوجوب. ويشهد له ما‌ في مصحح زرارة : « وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند كل وقت صلاة ، ثمَّ تقعد في موضع طاهر فتذكر الله ـ عز وجل ـ وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها ، ثمَّ تفرغ لحاجتها » (٢) ، ومصحح معاوية عنه (ع) : « تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللكت وكبرت وتلت القرآن وذكرت الله عز وجل » (٣) إلا أنه لا مجال للعمل بهما لإعراض الأصحاب عنهما ، ودعوى الإجماع والسيرة على خلافهما ، ويشير اليه التعبير بـ « ينبغي » في مصحح الشحام (٤).

[٢] فإنه مقتضى العموم في مصحح زرارة‌ والإطلاق في غيره.

[٣] كما عن الشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم. وليس له وجه ظاهر. نعم ذكر في معقد إجماع الخلاف ، وهو خلاف إطلاق النصوص ولذا قال في المنتهى ـ بعد ما نسب ذلك الى الشيخ ـ : « وقال المفيد :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

٣٦٩

مستقبلة [١] مشغولة بالتسبيح [٢] والتهليل [٣] والتحميد [٤] والصلاة على النبي وآله (ص) [٥] وقراءة القرآن [٦] وإن كانت مكروهة في غير هذا الوقت [٧]. والأولى اختيار التسبيحات الأربع [٨] وإن لم تتمكن من الوضوء تتيمم بدلا عنه [٩]

______________________________________________________

تجلس ناحية من مصلاها. وأطلق باقي الأصحاب. وهو الأقوى ». ولعل ما ذكره المفيد هو المراد مما تقدم في صحيح الحلبي ، فيراد من المسجد مسجد الصلاة.

[١] كما عن الإصباح والنفلية والمسالك ، ويدل عليه مصحح معاوية المتقدم‌ ، ومثله مصححا الشحام‌ ومحمد بن مسلم‌ (١). [٢] كما في مصحح زرارة‌.

[٣] كما في مصحح معاوية‌ وزرارة‌.

[٤] كما في مصحح زرارة‌.

[٥] كما عن النفلية ، لدخولها في مطلق الذكر.

[٦] كما في مصحح معاوية‌.

[٧] كما سيأتي. لكن الجمع بين النصوص يقتضي تقييد إطلاق نهي الحائض عن قراءة القرآن بغير المقام ، إذ الكراهة ولو كانت عبادية لا تناسب الأمر بالقراءة.

[٨] لاشتمالها على ما ذكر مع التكبير المذكور في مصحح معاوية‌ ، مع خصوصية الترتيب الخاص المشروع.

[٩] لعموم ما دل على البدلية ، وإن لم يعثر على قائل به في المقام ، كما في الجواهر. وفي المنتهى وعن المعتبر وجامع المقاصد والمدارك : العدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الحيض حديث : ٣ و ٤‌

٣٧٠

والأولى عدم الفصل بين الوضوء أو التيمم وبين الاشتغال بالمذكورات [١] ولا يبعد بدلية القيام [٢] وإن كانت تتمكن من الجلوس. والظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة [٣].

( مسألة ٤٢ ) : يكره للحائض الخضاب [٤]

______________________________________________________

لأن التيمم طهارة اضطرارية ولا اضطرار هنا. ولعدم تناول النص له. انتهى. ولكنه كما ترى ، إذ لو أريد الاضطرار إلى أصل الطهارة فالأول ممنوع ، ولو أريد الاضطرار لفقد الماء فالثاني ممنوع. ويكفي في إثباته عموم دليل البدلية وإن لم يكن النص متناولا له. ودعوى اختصاص البدلية بما لو كان الوضوء رافعاً ممنوعة ، إذ يكفي في البدلية كونه موجباً للطهارة في الجملة ، وهو حاصل. مع أن بعض أدلة البدلية خال عن هذا التقييد.

[١] احتياطاً في احتمال اعتبار الوصل ، وإلا فمقتضى الإطلاق عدمه. وأما عطف الجلوس بـ « ثمَّ » فليس مما يحتمل كونه لاعتبار الفصل.

[٢] لإطلاق مصحح معاوية‌ وابن مسلم‌ (١). لكن الأمر بالجلوس في غيرهما يوجب كونه من المستحب في المستحب ، لا بدلية القيام عنه.

[٣] لعموم أدلة النواقض. وعن التذكرة : أنه استشكله ، لاحتمال انصراف أدلة النقض الى الوضوء الرافع. لكنه غير ظاهر.

[٤] على المشهور ، بل في المنتهى : « هو مذهب علمائنا أجمع » للنهي عنه‌ في رواية عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله (ع) : « سمعته يقول : لا تختضب الحائض ولا الجنب » (٢) ، ونحوها غيرها ، المحمول على الكراهة بقرينة نفي البأس في جملة من النصوص ، كرواية سماعة : « سألت‌

__________________

(١) تقدما في أول المسألة‌

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

٣٧١

بالحناء أو غيرها [١] وقراءة القرآن [٢] ولو أقل من سبع آيات [٣] ، وحمله [٤] ولمس هامشه وما بين سطوره إن لم تمس الخط ، وإلا حرم.

______________________________________________________

العبد الصالح (ع) عن الجنب والحائض يختضبان؟ قال (ع) : لا بأس » (١) ونحوها روايتا اليسع‌ (٢) وعلي ابن أبي حمزة‌ (٣). ويشير إلى الكراهة تعليل المنع في بعض نصوصه بمخافة الشيطان‌ (٤). ومنه يظهر ضعف ما عن ظاهر الفقيه من الحرمة. ولعله يريد الكراهة ، بقرينة ما عن المنتهى من نسبة الكراهة إلى علمائنا أجمع ، ونحوه ما عن غيره. وعن المفيد تعليل الكراهة بأن ذلك يمنع من وصول الماء إلى البشرة. وهو ـ كما ترى ـ ممنوع في نفسه. ولو تمَّ اقتضى المنع ولم يكن من أحكام الحيض. ولكان اللازم الحكم بوجوب إزالة اللون في الغسل والوضوء والتطهير من الخبث.

[١] لإطلاق النص والفتوى ، وعن المراسم : التخصيص بالحناء ، وكأنه للانصراف. لكنه ممنوع.

[٢] لعد الحائض من السبعة الذين لا يقرؤن القرآن في خبر الهداية عن علي (ع) (٥) ، وفي خبر الدعائم : « لا تقرأ الحائض قرآنا » (٦) ، ونحوهما غيرهما.

[٣] لإطلاق النصوص ، والتحديد بالسبع إنما كان في بعض روايات الجنب‌

[٤] بعلاّقة ، إجماعاً من الأصحاب كما في المعتبر. ويشهد له خبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٤) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٥) مستدرك الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٦) مستدرك الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٣٧٢

( مسألة ٤٣ ) : يستحب لها الأغسال المندوبة [١] كغسل الجمعة [٢] والإحرام والتوبة ونحوها.

______________________________________________________

إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (ع) : « المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنباً ولا تمس خطه ولا تعلقه ، وإن الله ـ تعالى ـ يقول : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) » (١).

ومنه يظهر وجه كراهة ما يأتي ، للإجماع على طرح ظاهره ، وإن حكي عن المرتضى (ره) الحرمة.

[١] كما عن جماعة التصريح به ، وفي المعتبر : « يجوز لها أن تتوضأ لتذكر الله ( سبحانه وتعالى ) ، وأن تغتسل لا لرفع الحدث كغسل الإحرام ودخول مكة » وفي المنتهى : « يستحب لها الغسل للإحرام والجمعة ودخول الحرم وغيرها من الأغسال المستحبة » ، وفي الجواهر : « لا ينبغي الإشكال فيه ، لإطلاق أدلة مشروعيتها » ، وفي طهارة شيخنا الأعظم : « وهو حسن ، لعموم الأدلة ». وعن الخلاف والمبسوط العدم. وكأنه لدعوى عدم ترتب الأثر عليها. لكنها خلاف الإطلاق المتقدم ، ولا سيما بملاحظة ما ورد من النص على استحباب غسل الإحرام لها ، ففي صحيح العيص : « أتحرم المرأة وهي طامث؟ قال (ع) : نعم تغتسل وتلبي » (٢) ، ونحوه صحيح معاوية‌ (٣) وموثق يونس‌ (٤) ، ورواية الشحام‌ (٥).

[٢] لكن ظاهر‌ خبر ابن مسلم ـ : « عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى؟ فقال (ع) : أما الطهر فلا ، ولكنها تتوضأ في وقت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الإحرام حديث : ٥‌

(٣) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الإحرام حديث : ٤‌

(٤) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الإحرام حديث : ٢‌

(٥) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الإحرام حديث : ٣‌

٣٧٣

وأما الأغسال الواجبة فذكروا عدم صحتها منها [١] ، وعدم ارتفاع الحدث مع الحيض [٢] ، وكذا الوضوءات المندوبة [٣] وبعضهم قال بصحة غسل الجنابة دون غيرها [٤] ، والأقوى صحة الجميع [٥] وارتفاع حدثها وإن كان حدث الحيض باقياً ، بل صحة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث.

______________________________________________________

الصلاة » (١) ـ عدم مشروعية غسل الجمعة لها. ويحتمل أن يكون المقصود أن الوضوء لا يوجب الطهارة.

[١] قال في المعتبر : ولا يرتفع لها حدث ، وعليه الإجماع. ولأن الطهارة ضد الحيض فلا تتحقق مع وجوده » ، وكذا ظاهر المنتهى بالنسبة إلى غسل الجنابة ، وإن قال بعد ذلك : « يلوح من كلام الشيخ في التهذيب جواز الاغتسال من الجنابة ، لموثق عمار ».

[٢] في الجواهر : « إنه ظاهر المبسوط والسرائر والجامع والمنتهى والقواعد وغيرها ظهوراً كاد أن يكون كالصريح في أكثرها ».

[٣] هذا لم أقف على من نسبه الى الأصحاب ، بل المنسوب لجماعة والمصرح به في كلام غير واحد : جواز الوضوء غير الرافع كالغسل المستحب.

[٤] وكأنه‌ لموثق الساباطي عن أبي عبد الله (ع) : « عن المرأة يواقعها زوجها ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل. قال (ع) : إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحداً للحيض والجنابة » (٢).

[٥] لإطلاق أدلتها المعتضد بالموثق المتقدم. والطعن فيه بالضعف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

٣٧٤

______________________________________________________

ـ كما في المنتهى وغيره ـ ضعيف. وببنائهم على إمكان التفكيك بين الأحداث الكبيرة في الارتفاع والبقاء ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في مبحث تداخل الأغسال حيث بنوا على عدم التداخل في بعض الصور. وأما النصوص المستدل بها على المنع ـ كمصحح الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل ، تغتسل أو لا تغتسل؟ قال (ع) : لا تغتسل ، قد جاءها ما يفسد الصلاة » (١) ، وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « سئل عن رجل أصاب من امرأته ثمَّ حاضت قبل أن تغتسل. قال (ع) : تجعله غسلا واحداً » (٢) ـ فقاصرة الدلالة فضلا عن صلاحية المعارضة للموثق. وأما ما ذكره المحقق (ره) ـ من أن الطهارة ضد الحيض فلا تتحقق مع وجوده ـ فإن أراد منه أن الطهارة من الحيض ضد الحيض فهو مسلم ، لكنه لا يثبت المنع من حصول الطهارة من الجنابة مثلا. وإن أراد الطهارة من الجنابة فهو ممنوع. ونحوه ما ذكره في المنتهى من أن الحدث ملازم لها ، ولأجل ذلك يكون الإجماع الذي ادعياه موهونا ، لاحتمال استنادهم الى الدليل المذكور. وحينئذ فالخروج عن الإطلاقات المعتضدة بالموثق غير ظاهر. ومما ذكرنا تعرف الوجه في البناء على صحة الوضوءات المندوبة لها. والله ـ سبحانه ـ أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الجنابة حديث : ١ وباب : ٢٢ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

٣٧٥

فصل في الاستحاضة

دم الاستحاضة من الاحداث الموجبة للوضوء والغسل [١] إذا خرج إلى خارج الفرج ولو بمقدار رأس إبرة ، ويستمر حدثها ما دام في الباطن باقياً ، بل الأحوط إجراء أحكامها إن خرج من العرق المسمى بالعاذل إلى فضاء الفرج [٢] وإن لم يخرج إلى خارجه. وهو في الأغلب أصفر بارد [٣] رقيق [٤]

______________________________________________________

فصل في الاستحاضة‌

[١] على تفصيل يأتي.

[٢] تقدم في الحيض وجه الإشكال في إجراء أحكامه إذا خرج إلى فضاء الفرج ، ولم يخرج الى الخارج ، والكلام فيه جار في المقام بعينه.

[٣] كما هو المشهور ، لمصحح حفص : « دم الاستحاضة أصفر بارد » (١) ، وقد وصف بالبرودة في صحيح معاوية‌ (٢) ، وموثق إسحاق ابن جرير‌ (٣). وعن المقنعة (٤) عدم التعرض للصفرة.

[٤] ذكره مع الأولين جماعة كثيرة ، منهم : الفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني فيما حكي عنهم. وقد يظهر من محكي المعتبر والذكرى : التردد فيه ، بل ظاهر ما عن المبسوط وغيره من الاقتصار على الأولين عدمه ، وكأنه لعدم ظهور دليل عليه غير ما‌ عن دعائم الإسلام : « دم الاستحاضة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٤) صفحة : ٧‌

٣٧٦

يخرج بغير قوة [١] ولذع وحرقة [٢] ، بعكس الحيض ، وقد يكون بصفة الحيض [٣] ، وليس لقليله ولا لكثيره حد [٤] وكل دم ليس من القرح أو الجرح ولم يحكم بحيضيته فهو محكوم بالاستحاضة [٥] ، بل لو شك فيه‌

______________________________________________________

دم رقيق » (١) ، وعن الرضوي : « إن دمها يكون رقيقا » (٢). نعم‌ في صحيح علي بن يقطين : « في النفساء تدع الصلاة ما دامت ترى الدم عبيطاً إلى ثلاثين يوماً ، فاذا رق وكان صفرة اغتسلت وصلت » (٣). لكن لم يظهر منه كون الدم حينئذ استحاضة. مع أن الصحيح مهجور. ولعل الوجه في ثبوته كونه الغالب ، أو ملازمته للفساد المنصوص عليه في بعض النصوص.

[١] يعني بفتور. وعن بعض : الظاهر نفي الخلاف فيه. ويدل عليه توصيف الحيض بالدفع في مقام التمييز بينه وبين الاستحاضة.

[٢] هذان راجعان الى وصف البرودة.

[٣] اتفاقا ، كما إذا كان فاقداً لحدود الحيض.

[٤] بلا خلاف ، لإطلاق الأدلة.

[٥] كما في الشرائع والقواعد ، وعن جملة من كتب العلامة ، والبيان وجامع المقاصد والمدارك والكفاية وكشف اللثام ، بل عن شرح المفاتيح : نسبته الى الفقهاء. نعم موضوع كلامهم ما ليس بحيض ، لكنه راجع الى ما في المتن. وكأن عدم التعرض لدم النفاس لكون مورد كلامهم غير النفساء ، أو لاكتفائهم بذكر الحيض عن ذكره ، كما في كشف اللثام.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١٦‌

٣٧٧

______________________________________________________

وهذا الحكم واضح جداً بناء على انحصار دم المرأة في الدماء المذكورة لأن انتفاء ما عدا الاستحاضة يلازم كونه استحاضة. وحينئذ تكون القاعدة المذكورة قاعدة واقعية ، وقصد التنبيه فيها على انحصار الدم في الأقسام المذكورة. وحينئذ لا يحكم بكونه استحاضة حتى يعلم بانتفاء ما عداها ولو بقيام حجة على انتفائه ، أما مع الشك فيه فلا مجال للحكم بها ، لأن أصالة عدمه لو تمت ـ بناء على حجية الأصل في العدم الأولي ـ لا تصلح لإثبات كونه استحاضة إلا بناء على القول بالأصل المثبت. مع أنها معارضة بأصالة عدمها.

أما بناء على عدم الانحصار في الأقسام المذكورة فيشكل الحكم بالاستحاضة بنحو القاعدة الكلية ، وإن علم أنه ليس بحيض ولا من جرح أو قرح. وأغلبيته في النساء بعد الحيض لا دليل على اعتبارها في المقام. وأصالة عدم وجود سبب غيرها قد عرفت أنها ـ لو تمت ـ فهي من الأصل المثبت ومعارضة. وأخبار الاستظهار والمستمرة الدم ـ لو سلم إطلاق الحكم فيها بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحيض ، بنحو يشمل صورة احتمال وجود دم آخر غير ما ذكر ـ فلا عموم فيها يشمل جميع أقسام ذات الدم. وإلغاء خصوصية موردها غير ظاهر.

ومنه يظهر الاشكال فيما قواه في الجواهر من الحكم بالاستحاضة عند انتفاء الحيض ما لم يعلم أنه من قرح أو جرح. وأضعف منه ما عن المدارك من الحكم بالاستحاضة للواجد لصفاتها لأدلة الصفات ، دون ما عداه لعدم الدليل عليه. ووجه الضعف : ما عرفت في مبحث الحيض من عدم صلاحية تلك الأدلة لإثبات حجيتها مطلقاً عند التردد بينها وبين الحيض ، فضلا عن صورة التردد بينهما وبين غيرهما. ومثله ما عن بعض من التفصيل بين صورة العلم بوجود القرح أو الجرح فلا يحكم بالاستحاضة ، وبين صورة‌

٣٧٨

______________________________________________________

الشك فيحكم بها ، اعتماداً في الثاني على أصالة عدم غيرها ، غير المعارضة بأصالة عدمها لمخالفتها للغلبة ، وفي الأول على عدم جريان أصالة عدم غيرها للعلم بوجوده. إذ فيه : ما عرفت من أن أصالة عدم غيرها لا تصلح لإثباتها وأن الغلبة ليست بحجة. وأن العلم بوجود الجرح لا ينافي أصالة عدم كون الدم منه. ومثله أيضاً التفصيل بين ما كان دون الثلاثة ـ فلا يحكم بها ، لما في مرسل يونس ـ : فيمن رأت يوماً أو يومين وانقطع ـ من‌ قوله (ع) « ليس من الحيض ، إنما كان من علة : إما قرحة في جوفها وإما من الجوف » (١) ، حيث لم يحكم (ع) بأنه استحاضة ـ وبين غيره للغلبة. وفيه : ما عرفت من عدم حجية الغلبة. وعدم حجية المرسل. وعدم دلالته على نفي الاستحاضة لوروده في مقام نفي الحيض لا غير.

هذا كله بناء على أن مراد الجماعة من القاعدة المذكورة بيان قاعدة خارجية ، أما بناء على أن مرادهم قاعدة شرعية ، فيكفي في ثبوت الاستحاضة جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً ، أو من جرح أو من قرح ، لأن ذلك العدم بمنزلة الموضوع للاستحاضة ، فالأصل الجاري فيه يكفي في ثبوت حكمه. ولا يعارضه أصالة عدم كونه استحاضة ، لأنه أصل مسببي لا يصلح لمعارضة الأصل السببي.

وأما ما ذكره المصنف (ره) فهو في بدو النظر يخالف ما ذكره الجماعة فإن ما لم يحكم بحيضيته أعم مما حكم بعدم حيضيته ، لكن الظاهر رجوعه إليه ، لأنه بناء على قاعدة الإمكان لا يوجد دم لم يحكم بحيضيته إلا لوجود مانع عن الحكم بحيضيته ، فهذا المانع موجب للحكم بعدم حيضيته ، فكل ما لم يحكم بحيضيته محكوم بعدم حيضيته ، وفي الموارد الذي تتعارض فيه قاعدة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٣٧٩

______________________________________________________

الإمكان ـ كما تقدم في مبحث قاعدة الإمكان ـ لما قام الإجماع على لزوم الاختيار فما تختاره يكون حيضاً ، وغيره يمتنع أن يكون حيضاً ، فيكون استحاضة. نعم الموارد التي لا يحرز فيها الإمكان ـ بناء على أن المراد منه الإمكان القياسي ـ لا يدخل الدم فيها في القاعدة ، بناء على عبارة الأصحاب ويدخل فيها بناء على عبارة المصنف (ره) ، ومقتضاه الحكم بالاستحاضة حينئذ ووجهه غير ظاهر.

ثمَّ إن حمل كلام الجماعة على كون مرادهم بيان انحصار الدم واقعاً في الأقسام المذكورة غير بعيد ، وحمله على إرادة بيان أن موضوع الاستحاضة هو الدم الذي ليس بحيض ولا من جرح ولا من قرح ـ على أن يكون العدم المذكور قيداً شرعياً في موضوع الاستحاضة ـ بعيد ، إذ لم يتضمن ذلك دليل كي يبنى عليه.

نعم إن مقتضى الإطلاقات المقامية لأدلة أحكام الاستحاضة ـ كاخبار مستمرة الدم. وأخبار الاستظهار ، وغيرها ، وعدم التعرض فيها لتحديد الاستحاضة بالحدود الذاتية أو العرضية إلا في ظرف كون الدم غير دم الحيض المتكون في الرحم ، جرياً على مقتضى الخلقة الأصلية ـ هو أن دم الاستحاضة مطلق الدم الخارج من الرحم مقابل الحيض ، ففي مصحح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة. فان خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئا فلتغتسل ، وان رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ ولتصل » (١) ، وفي مرسل يونس عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « .. فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٣٨٠