مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

نعم الأحوط في الواجبة منها ترك تعمد الإصباح جنباً [١]. نعم الجنابة العمدية في أثناء النهار تبطل جميع الصيام [٢] حتى المندوبة منها. وأما الاحتلام فلا يضر بشي‌ء منها [٣] حتى صوم رمضان.

______________________________________________________

بهما ، يمكن أيضاً إلحاقه بالمندوب ، وإذ لا معيّن فالمرجع أصالة البراءة الموجبة لمساواته للمندوب.

فان قلت : لم يرد في الناسي بيان في المندوب على خلاف البيان في صوم رمضان ، فاللازم إلحاق مطلق الصوم حتى المندوب به.

قلت : ما دل على جواز الصوم ندباً مع تعمد البقاء جنباً يصلح أن يكون بياناً لصحة المندوب مع نسيان الجنابة ، وحينئذ يجري فيه ما تقدم في العمد بعينه. وتمام الكلام في ذلك موكول الى محله من كتاب الصوم.

[١] كما لعله المشهور. إلحاقاً لمطلق الصوم برمضان وقضائه ، واقتصاراً في خبر الخثعمي‌ ، ونحوه على خصوص مورده.

[٢] إجماعا بين المسلمين ، بل لعله من ضروريات الدين ، ويقتضيه الكتاب والسنة. نعم قد يظهر الخلاف أو التردد من بعض في البطلان بالوطء في دبر الغلام والمرأة ، ولعله ـ كبعض النصوص ـ راجع الى المنع عن حصول الجنابة به. وتمام الكلام فيه في محله.

[٣] بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر ، والنصوص فيه صريحة كما يأتي في محله.

٤١

فصل فيما يحرم على الجنب

وهي أيضا أمور :

الأول : مس خط المصحف [١] على التفصيل الذي مرّ في الوضوء.

______________________________________________________

فصل فيما يحرم على الجنب‌

[١] إجماعا محكيا عن جماعة. وقد تقدم في فصل غايات الوضوء المناقشة في الاستدلال عليه بقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١) لظهوره ـ بقرينة السياق ـ في الاخبار لا الإنشاء. وأن الظاهر من المطهر ـ بالفتح ـ المعصوم من الخبث والحدث ، فلا يشمل المتطهر بالوضوء والغسل فراجع. فاذن العمدة في إثبات هذا الحكم هو الإجماع المدعى. مضافا الى ما دل على حرمة المس للمحدث بالأصغر. وقد تقدمت المناقشة في أدلته عدا مرسل حريز‌ (٢) ومعتبر أبي بصير‌ (٣) الواردين في خصوص المحدث بالأصغر ، ويلزم التعدي عنه الى المقام بالأولوية القطعية. فتأمل. مضافا إلى إمكان كشفهما عن تمامية غيرهما من الأدلة الشاملة للمقام كالآية الشريفة أو الصريحة فيه كخبر إبراهيم بن عبد الحميد‌ (٤). فراجع.

هذا وقال الشهيد في الذكرى (٥) : « ولا يمنع ـ يعنى : الجنب ـ

__________________

(١) الواقعة : ٧٩‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣‌

(٥) ص : ٣٤‌

٤٢

وكذا مس اسم الله ( تعالى ) وسائر أسمائه وصفاته [١]

______________________________________________________

من مس كتب الحديث ولا الدراهم الخالية من القرآن والمكتوب عليها القرآن‌ ففي خبر محمد بن مسلم عن الباقر (ع) : « إني لأوتى بالدرهم فآخذه وإني لجنب » (١).

ثمَّ ذكر أن عليه سورة من القرآن وفي خبر آخر‌ عن الصادق (ع) : « في الجنب يمس .. » الى آخر ما يأتي من خبر أبي الربيع (٢). ثمَّ استدل بعدم صدق المصحف ، وبلزوم الحرج.

أقول : أما الخبر فيظهر من الأصحاب عدم العمل به ، وأما الخبر الثاني فليس مما نحن فيه ، وأما الحرج فغير ظاهر اللزوم. نعم الدراهم المسكوكة في عصر الأئمة (ع) كانت مكتوباً عليها القرآن ، ولو حرم المس للزم الحرج المؤدي إلى الهرج والمرج ، ولو كان ذلك لكثر السؤال وانتفاء ذلك يدل على انتفاء الحرمة.

[١] بلا خلاف كما عن نهاية الأحكام ، وعن الغنية ، وظاهر المنتهى : الإجماع عليه‌ لموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله » (٣).

نعم قد يعارضه ما عن المحقق (ره) عن كتاب الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع عن أبي عبد الله (ع) : « في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله؟ قال (ع) : لا بأس ربما فعلت ذلك » (٤) وحمله على الضرورة ـ كما ذكره بعض ، أو على مس غير الكتابة من الدرهم ، وحمل الأول على مس الكتابة ، كما في طهارة شيخنا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

٤٣

______________________________________________________

الأعظم (ره) وغيره ، بقرينة الحكم فيهما ـ خلاف الظاهر ، بل الجمع العرفي يقتضي حمل الأول على الكراهة. والطعن في سند الثاني بعدم ثبوت وثاقة خالد ولا أبي الربيع مندفع ـ كما قيل ـ برواية الحسن الذي هو ـ مع أنه من أصحاب الإجماع ـ لا يروي إلا عن ثقة ، ولا سيما مع تأيده‌ بمصحح إسحاق : « عن الجنب والطامث يمسان بأيديهما الدراهم البيض؟ قال (ع) : لا بأس » (١) وبمضمونه ما رواه المحقق عن جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) المتقدم في كلام الشهيد في الذكرى‌ (٢) ، وكأنه لأجل ذلك لم يتعرض لهذا الحكم في الهداية ، ولا غيره ممن تقدم على الشيخين كما قيل ، بل ربما نسب إليهم العدم ، ومال اليه بعض المتأخرين.

والانصاف أنه لو تمت حجية رواية أبي الربيع‌ في نفسها أمكن وهنها باعراض الشيخين ومن تأخر عنهما عنها. ولم ينقل خلاف صريح ممن تقدم عليهما ليكون جابراً لضعفها ، وخلاف بعض المتأخرين لا يصلح لذلك ، لابتنائه على عدم حجية الموثق. وهو مضعف. وأما مصحح إسحاق‌ ورواية البزنطي‌ فظاهر ذيل ثانيهما كون المكتوب على الدرهم الأبيض سورة من القرآن ، وحينئذ يكونان معارضين لما دل على مس القرآن ، ولا يمكن العمل بهما في موردهما من جهة إعراض الأصحاب عنهما فضلا عن المقام.

نعم قد تحقق أن الدراهم المسكوكة في عصر الأئمة (ع) كان مكتوباً عليها القرآن الشريف والشهادتان ، فلو حرم مس اسم الله ( تعالى ) لزم الحرج والهرج والمرج ، وذلك منتف ، فيدل انتفاؤه على انتفاء الحرمة كلياً أو في خصوص الدراهم ، كما أشرنا الى ذلك آنفا.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) تقدم في التعليقة السابقة‌

٤٤

المختصة [١] وكذا مس أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام [٢] على الأحوط.

الثاني : دخول المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان بنحو المرور [٣].

______________________________________________________

[١] لأن الظاهر من اسمه ـ تعالى ـ الاسم المختص بالذات المقدسة لا مطلق ما يستعمل فيها.

[٢] كما عن المشهور والمحكي عن كثير من كتب القدماء والمتأخرين وعن شرح الجعفرية نسبته إلى الأصحاب ، بل عن الغنية : الإجماع عليه وليس عليه دليل غير الإجماع المدعى ، وما دل على وجوب تعظيم شعائر الله ، وكلاهما غير ظاهر.

[٣] إجماعاً ، كما عن الغنية ، والمعتبر ، والمدارك ، وظاهر التذكرة ، وعن الحدائق نفي الخلاف فيه ، ويدل عليه النصوص الكثيرة‌ كمصحح جميل عن الصادق (ع) : « عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال (ع) : لا ولكن يمر فيها كلها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص) » (١) ونحوه خبره الآخر‌ (٢) وخبر محمد بن حمران‌ (٣) وصحيح أبي حمزة : « قال أبو جعفر (ع) : إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام ومسجد الرسول الأعظم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمر في المسجد إلا متيمماً ولا بأس أن يمر في سائر المساجد. ولا يجلس في شي‌ء من المساجد » (٤) ونحوه غيره. بل مقتضى حسن محمد بن مسلم عن أبي جعفر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

٤٥

الثالث : المكث في سائر المساجد [١] ، بل مطلق الدخول [٢]

______________________________________________________

عليه‌السلام ـ في حديث الجنب والحائض ـ : « ويدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان فيه ولا يقربان المسجدين الحرمين » (١) حرمة مطلق الكون فيه وإن لم يصدق عليه المرور ولا الاجتياز. ومنه يظهر أن التعبير بالاجتياز والجواز في المقام يراد منه مطلق الدخول فيه ، كما عبر به جماعة ، وإن كان قد يقتضي الاقتصار على ظاهره اختصاص التحريم بما يسمى اجتيازاً لا غير ، لكنه ليس بمراد. ولذلك لم يتوهم أحد الاختلاف بين الأصحاب في ذلك ، ولم يحرر بينهم النزاع فيه. مع أن ذلك لا يهم بعد ظهور الحسن في حرمة مطلق الدخول فيه بأي نحو كان فلاحظ.

[١] هذا هو الموافق للتعبير باللبث في لسان جماعة.

[٢] كما عبر به جماعة أخرى ، وعن التذكرة ، والمختلف ، والمهذب وغيرها للتعبير بالاستيطان ، وفي كلام بعض التعبير بالجلوس ، ومراد الجميع واحد لما عرفت من عدم تحريرهم للنزاع في ذلك. والظاهر أن المراد هو اللبث كما تقتضيه الآية الشريفة بعد تفسيرها‌ في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قلنا له الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال (ع) : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين ، إن الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٢) .. » (٣) وربما يستفاد أيضاً من الاستدراك في مصحح جميل السابق ونحوه ، فان الاستدراك بمنزلة الاستثناء. وعليه فيحرم ما لا يسمى مروراً أو اجتيازاً فيه ، كالتردد فيه وكالدخول في أوله ثمَّ الخروج بلا فصل وان لم يصدق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ١٧‌

(٢) النساء : ٤٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ١٠‌

٤٦

فيها على غير وجه المرور. وأما المرور فيها بأن يدخل من باب ويخرج من آخر [١] فلا بأس به. وكذا الدخول بقصد أخذ شي‌ء منها فإنه لا بأس به [٢].

______________________________________________________

عليه القعود والجلوس. وبه يقيد إطلاق‌ خبر جميل : « للجنب أن يمشي في المساجد كلها » (١) الشامل للمرور وغيره ، فإنه وإن كان بينهما عموم من وجه إلا أن الأول أقوى ، لاشتماله على الاستثناء مع أنه لو فرض تساويهما فالمرجع عموم النهي عن إتيان المساجد للجنب.

[١] لا يبعد صدق المرور بالدخول والخروج من باب واحد ، لكنه يقيد بما في المتن ، لظاهر الآية الشريفة ، فإن عبور السبيل يختص به ، بل يتوقف مع ذلك على كون الباب الذي يخرج منه في طريق غير طريق الباب الذي دخل منه ، فلو كانا متصلين في طريق واحد لم يصدق عبور السبيل بل هو نظير الدخول من أحد جانبي الباب والخروج من جانب آخر.

[٢] أما أصل الأخذ في الجملة فلا خلاف في جوازه ظاهراً ، بل حكي عليه الإجماع ، وعن المنتهى : أنه مذهب علماء الإسلام. ويدل عليه‌ صحيح ابن سنان : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال (ع) : نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا » (٢) وصحيح زرارة ومحمد عن أبي جعفر (ع) ـ في الحائض والجنب ـ : « ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا قال زرارة : قلت له : فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال (ع) : لأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه ويقدران على وضع ما بيدهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٤٧

والمشاهد كالمساجد في حرمة المكث فيها [١].

______________________________________________________

في غيره » (١).

هذا ومقتضى الجمود على عبارة النص والفتوى وإن كان هو تحليل الأخذ من حيث هو في قبال تحريم الوضع كذلك ، إلا أن التأمل في النص يقتضي كون المراد منه تحليل الأخذ منه بلحاظ توقفه على الدخول المحرم ، كما يظهر من ملاحظة سؤال زرارة في ذيل الصحيح الثاني ، فإن الفرق المذكور في الجواب إنما يصلح فارقاً بينهما بملاحظة تحقق الدخول المحرم في كل منهما كما يظهر بأدنى تأمل. وحينئذ فما صرح به بعض من حرمة الدخول بقصد أخذ شي‌ء منها وأن الجائز مجرد الأخذ غير ظاهر.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص عدم الفرق بين المسجدين الحرمين وغيرهما ، وحينئذ يكون بينه وبين حسن ابن مسلم الناهي عن قرب المسجدين‌ (٢) عموم من وجه ، فيرجع في مورد التعارض إلى أصالة البراءة المقتضية للحل. اللهم إلا أن يدعى كون الحسن أظهر في مورد الاجتماع فيجب العمل به. لكنه محل تأمل. أو يدعى كون المرجع إطلاق بعض النصوص المانعة عن إتيان المساجد المذكورة في الباب المعقود لها في الوسائل‌ (٣).

ثمَّ إن القمي (ره) في تفسيره أرسل عن الصادق (ع) : ما يدل على جواز الوضع وحرمة الأخذ ، معللا بأنهما يقدران على وضع الشي‌ء فيه من غير دخول ، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتى يدخلا‌ (٤). لكنه لا يصلح لمعارضة ما تقدم من وجوه غير خفية.

[١] كما عن المفيد في الغرية والشهيدين وبعض المتأخرين ، لتحقق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) تقدم قريباً‌

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٧ و ٩ و ١٦‌

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

٤٨

الرابع : الدخول في المساجد بقصد وضع شي‌ء فيها [١] ، بل مطلق الوضع فيها [٢] وإن كان من الخارج أو في حال العبور.

______________________________________________________

معنى المسجدية فيها وزيادة. وللتعظيم. وللأخبار الدالة على المنع من دخول الجنب بيوت الأنبياء والأئمة (ع) أحياء ، بضميمة ما دل على أن حرمتهم أمواتاً كحرمتهم أحياء ، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون. وقد عقد لها في الوسائل بابا (١) ، ورواها عن بصائر الدرجات للصفار‌ ، وقرب الاسناد للحميري‌ ، والإرشاد للمفيد‌ ، وكشف الغمة لعلي بن عيسى الإربلي‌ والخرائج والجرائح للراوندي‌ ، وكتاب الرجال للكشي‌. ومقتضاها المنع من أصل الدخول فيكون حكمها حكم المسجدين. لكن في دلالة جملة منها على المنع تأمل أو منع ، ولا سيما بملاحظة عدم مبادرة أبي بصير الداخل وهو جنب إلى الخروج ، مع صراحة بعضها في تعمده إلى الدخول ليطمئن قلبه ، ومن البعيد جداً تعمده إلى ذلك. وأيضاً من البعيد أن لا يدخل في بيوتهم (ع) من يعولون به من أزواجهم وأولادهم وجواريهم وخدامهم إذا كانوا جنبا. فتأمل. وكأنه لأجل ذلك ـ مع عدم ثبوت معنى المسجدية فيها ، وعدم الدليل على وجوب التعظيم بمثل ذلك ـ توقف في الحكم جماعة وإن كان هو الأحوط.

[١] كما تقدم وجهه.

[٢] قد عرفت الاشكال فيه ، وأن ما دل على حرمة الوضع لا يدل على حكم تأسيسي ، فلا يضر إذا كان من الخارج أو في حال العبور. والمصنف (ره) فرق بين الأخذ والوضع ، فجعل تحليل الأخذ بلحاظ الدخول لا من حيث هو وتحريم الوضع من حيث هو ، وهذا التفكيك غير ظاهر.

__________________

(١) وهو باب : ١٦ من أبواب الجنابة‌

٤٩

الخامس : قراءة سور العزائم [١] وهي : سورة اقرأ ، والنجم ، والم تنزيل ، وحم السجدة ، وإن كان بعض واحدة منها ، بل البسملة أو بعضها بقصد إحداها على الأحوط ، لكن الأقوى اختصاص الحرمة بقراءة آيات السجدة منها ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن صلاة الخلاف ، والسرائر ، والتذكرة ، وظاهر المنتهى ، والمعتبر ، والروض ، والمدارك ، وغيرها. ولعله ظاهر من أطلق المنع عن العزائم ، كما يقتضيه ظاهر جملة من النصوص المفسرة للعزائم بالسور الأربع ، وإن كان ظاهر جملة أخرى أنها نفس الآيات ، فلاحظ أبواب قراءة العزيمة في الصلاة وغيرها (١).

نعم ظاهر ما عن الفقيه ، والهداية ، والغنية ، والانتصار ـ إلا العزائم التي يسجد فيها وهي : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة اقرأ. انتهى ـ إرادة آية السجدة لا غير ، بل هو الظاهر من‌ صحيح زرارة المحكي عن العلل عن أبي جعفر (ع) : « الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال (ع) : نعم ما شاء إلا السجدة » (٢) وما‌ في حسن محمد بن مسلم : « ويقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة » (٣) فإن الظاهر من السجدة فيهما آية السجدة ، لا واحدة السجود ، كي يجب تقدير مضاف ، وكما يحتمل كونه آية يحتمل كونه سورة ، فتكون الروايتان مجملتين ، كما ادعاه في الجواهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة ، وباب : ٣٦ من أبواب الحيض ، وباب : ٣٧ الى ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة. وباب : ٤٢ الى ٤٦ من أبواب قراءة القرآن‌

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

٥٠

______________________________________________________

ويشهد بما ذكرنا‌ صحيح الحذاء عن أبي جعفر (ع) : « عن الطامث تسمع السجدة؟ قال (ع) : إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » (١) وفي موثق أبي بصير عن الصادق (ع) : « والحائض تسجد إذا سمعت السجدة » (٢) ، وفي مصحح عبد الرحمن عنه (ع) : « عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال (ع) : تقرأ ولا تسجد » (٣) ، وفي موثق عمار : « في الرجل يسمع السجدة في الساعة‌ .. إلى أن قال : وعن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال (ع) : إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها » (٤) وفي صحيح ابن جعفر (ع) : « في إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد » (٥) .. إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في أن السجدة اسم للآية. وبالجملة : ظهور الروايتين المذكورتين في جواز قراءة ما عدا آية السجدة مما لا ينبغي المناقشة فيه. نعم يعارضهما ما عن المعتبر : « يجوز للجنب والحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع وهي : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة ، روى ذلك البزنطي في جامعة عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) » (٦) ودعوى : كون ما ذكره أولا فتوى بمضمون الرواية لا نفسها ، خلاف الظاهر جداً. كما أن القدح في السند بالمثنى والحسن بن زياد هين بعد كون الراوي عنهما البزنطي الذي هو من أصحاب الإجماع ، ومن الثلاثة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣‌

(٥) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥‌

(٦) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ١١‌

٥١

( مسألة ١ ) : من نام في أحد المسجدين واحتلم أو أجنب فيهما أو في الخارج ودخل فيهما عمداً أو سهواً أو جهلاً وجب عليه التيمم للخروج [١] إلا أن يكون زمان الخروج أقصر‌

______________________________________________________

الذين قيل إنهم لا يروون إلا عن ثقة. نعم كما يمكن الجمع بينها وبين الروايتين السابقتين : بحمل السجدة فيهما على السورة ، يمكن أيضا بحمل المنع فيها على المنع عن مجموع السورة ، ويكون المنع بلحاظ آية السجدة منها. والثاني إن لم يكن أظهر فلا أقل من مساواته للأول. وحينئذ فالترجيح مع الأولتين ، لأنهما أصح سنداً وأكثر عدداً مع مطابقتهما للأصل.

[١] بلا خلاف فيه في الجملة يعرف إلا من الوسيلة فجعله مستحباً وعن المنتهى : أنه مذهب علمائنا. ويدل عليه‌ صحيح أبي حمزة المتقدم (١) : « قال أبو جعفر (ع) : إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (ص) فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمر في المسجد إلا متيمما ، ولا بأس أن يمر في سائر المساجد ولا يجلس في شي‌ء من المساجد ».

هذا ومقتضى الجمود على ما تحت عبارة النص اختصاص الحكم بالمحتلم كما هو ظاهر المحكي عن جماعة : منهم : الشيخ في المبسوط ، وبنو زهرة ، وإدريس ، وسعيد وغيرهم ، فلا يتعدى إلى من حدثت له الجنابة في المسجد وإن كانت عمداً كما هو ظاهر الشرائع والقواعد وغيرهما فضلا عن مطلق الجنب وإن كانت جنابته خارج المسجد فدخل كما عن الألفية ، وشرحها والدروس ، والمسالك ، وغيرها. وعدم الفرق بين التمكن من الغسل وعدمه ، كما عن المحقق الثاني في حاشيته وعن المدارك ، والدلائل ، فلا يختص بصورة عدم التمكن من الغسل المساوي زمانه لزمان التيمم أو‌

__________________

(١) في الأمر الثاني مما يحرم على الجنب‌

٥٢

______________________________________________________

الناقص عنه ، كما عن الدروس ، وشرح الألفية ، والروض ، والمسالك ، والذخيرة ، وغيرها. حيث أوجبوا الغسل حينئذ ، وعدم الفرق أيضا بين أن يكون زمان التيمم أطول من زمان الخروج ، ومساويا ، وأنقص ، كما عن الذكرى ، وغيرها. لكن عن شرح المفاتيح للوحيد : القطع بسقوط التيمم في الأول.

والانصاف ظهور النص في كونه في مقام بيان حرمة كون الجنب في المسجدين ولو بنحو الاجتياز ، وحينئذ فذكر الاحتلام لكونه السبب المتعارف للابتلاء بالجنابة لا لخصوصية فيه ، بل تمام الموضوع للحكم كونه جنباً. ولذا جعل الصحيح المذكور من أدلة حرمة كون الجنب في المسجدين ولو بنحو الاجتياز ، وحلية اجتياز الجنب في غيرهما. كما أن إطلاق الأمر بالتيمم فيه لتعذر الغسل في المسجدين غالباً بنحو يساوي زمانه زمان التيمم ، فضلا عن أن يكون أنقص ، لعدم وجود الماء فيهما غالباً فضلا عن الحياض الكبيرة حول النائم ، بحيث لا يلزم من الغسل فيهما تلويث المسجد ، ويكون زمانه مساوياً لزمان التيمم أو أنقص. ولا بد أيضاً من حمل إطلاق الأمر بالتيمم على خصوص صورة كون زمانه أقصر من زمان الخروج ، ليكون مقدمة لخروجه وهو بحكم الطاهر ، فتجب المبادرة إلى الخروج بلا تيمم لو كان زمان التيمم أطول من زمان الخروج. بل لا يبعد التخيير بين التيمم والخروج بلا تيمم لو كان زمانه مساوياً له بل لا يبعد. جواز التيمم في حال الخروج لو كان زمان الخروج أطول ، لأن اللبث بمقدار التيمم جائز قطعاً للاضطرار اليه ، فيجوز الشروع في الخروج حاله ولا ملزم بالتيمم أولا ثمَّ الخروج. والعمدة في ذلك كله ما عرفت من ظهور النص في كونه في مقام حرمة كون الجنب في المسجد ولو بنحو‌

٥٣

من المكث للتيمم [١] فيخرج من غير تيمم أو كان زمان الغسل فيهما مساوياً أو أقل من زمان التيمم فيغتسل حينئذ ، وكذا حال الحائض [٢] والنفساء.

______________________________________________________

الاجتياز ، وأنه عند الابتلاء بذلك لا بد من التيمم ليكون الجنب بحكم الطاهر ، فيكون تيممه بدلا عن الغسل ، لا أنه شي‌ء في قباله وجب في حال القرار فيهما مقدمة للاجتياز. وحينئذ يطرد الحكم المذكور في الكون في غير المسجدين مما لا يكون اجتيازاً والله سبحانه أعلم.

[١] ولو كان مساوياً تخير ، كما عرفت.

[٢] كما عن المنتهى ، والتحرير ، والدروس ، والذكرى ، والبيان ، والألفية ، وغيرها ، لما في ذيل الصحيح المتقدم‌ (١) المروي مرسلا‌ في الكافي : « وكذلك الحائض إذ أصابها الحيض تفعل كذلك » (٢) لكن إرساله يمنع من الاعتماد عليه ، ولا سيما مع عدم حكاية التعرض له من أحد إلى زمان العلامة عدا أبي علي ، والمعتبر ، فاستحباه. ولا بأس به تسامحاً في أدلة السنن. وعمل العلامة وغيره به لا يوجب انجباره لكون الوجه فيه أنه مناسب للمذهب ، كما عن المنتهى ، التصريح بذلك. والمناسبة غير ظاهرة لعدم ارتفاع حدث الحائض بالتيمم قطعاً. وخفته وإن كانت محتملة إلا أن ثبوتها ووجوبها محتاج إلى الدليل. وأما النفساء فالحكم فيها أشكل ، لعدم التعرض لها في المرسل ، لكن لو ثبت الحكم في الحائض أمكن التعدي إليها بناء على مساواتهما في الاحكام كما سيأتي التعرض له إن شاء الله تعالى. هذا في حال الحيض والنفاس ، أما لو انقطع دمهما فالحاقهما بالجنب في‌

__________________

(١) وهو صحيح أبي حمزة المتقدم في الأمر الثاني مما يحرم على الجنب. ورواه في الوسائل مع ذيله في باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

٥٤

( مسألة ٢ ) : لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها والخراب [١] وان لم يصل فيه أحد ولم يبق آثار مسجديته. نعم في مساجد الأراضي المفتوحة عنوة إذا ذهب آثار المسجدية بالمرة يمكن القول بخروجها عنها [٢] ، لأنها تابعة لآثارها وبنائها.

( مسألة ٣ ) : إذا عين الشخص في بيته مكاناً للصلاة وجعله مصلى له لا يجري عليه حكم المسجد [٣].

( مسألة ٤ ) : كل ما شك في كونه جزءاً من المسجد من صحنه والحجرات التي فيه ومنارته وحيطانه ونحو ذلك لا يجري عليه الحكم [٤] وإن كان الأحوط الاجراء إلا إذا علم خروجه منه.

( مسألة ٥ ) : الجنب إذا قرأ دعاء ( كميل ) الأولى والأحوط أن لا يقرأ منها ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ )

______________________________________________________

محله ـ بناء على المختار في حكمه ـ لموافقته للقاعدة ، أما بناء على غيره فالإلحاق أيضا مشكل.

[١] لإطلاق الأدلة. نعم لو كان الخراب موجباً للخروج عن المسجدية ـ كما عن بعض العامة ـ كان الفرق في محله ، لكنه ضعيف لمخالفته للاستصحاب. وقد تقدم في أحكام النجاسات بعض الكلام في ذلك. فراجع.

[٢] لكنه ضعيف كما أشرنا إليه في أحكام النجاسات فراجع.

[٣] لظهور الأدلة في غيره.

[٤] لأصالة البراءة الجارية في الشبهة الموضوعية. نعم لو كانت أمارة على الجزئية عمل عليها.

٥٥

لأنه جزء من سورة حم السجدة [١]. وكذا الحائض : والأقوى جوازه ، لما مر من أن المحرم قراءة آيات السجدة لا بقية السورة.

( مسألة ٦ ) : الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد [٢] وإن كان صبياً. أو مجنوناً أو جاهلاً بجنابة نفسه.

( مسألة ٧ ) : لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد في حال جنابته [٣]

______________________________________________________

[١] ولا ينافي ذلك نسبة الدعاء إلى الخضر (ع) لجواز أن يكون قد دعا به بعد نزول الآية المذكورة. ثمَّ إن الآية الشريفة جزء من الم السجدة لا حم السجدة ، كما في المتن. ولعله سهو من الناسخ.

[٢] ولعله يقتضيه إطلاق النهي عن الجلوس في المساجد من دون توجيهه إلى خصوص الجنب ، فان ذلك يقتضي كراهة مكث الجنب فيه من كل أحد ، فيكون المقام نظير قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ .. ) (١) وحينئذ فكما لا يجوز إدخاله ، يجب إخراجه لو دخل ، ومنعه عن الدخول لو أراده ، وان كان معذوراً في نفسه. لكن يوهن الإطلاق المذكور تعارف التعبير عن نهي خصوص الفاعل بمثل ذلك. ويحتمل أن يكون الوجه في توقف المصنف احتماله أن يكون الفرض من قبيل التسبيب إلى الحرام. وقد تقدم الكلام فيه في أحكام النجاسات فراجع.

[٣] يعني : يحرم تكليفاً ، لأنه أمر بالمنكر وترغيب في فعله ، وحرمة ذلك مما لا ينبغي الريب فيها. نعم تختص بصورة علم الأجير بجنابته ، أما مع جهله بها فلا يصدق ذلك ، وحينئذ يتوقف تحريمه على ما تقدم في المسألة السادسة.

__________________

(١) التوبة : ٢٨‌

٥٦

بل الإجارة فاسدة [١]. ولا يستحق أجرة [٢]. نعم لو استأجره مطلقا [٣] ولكنه كنس في حال جنابته وكان جاهلاً بأنه جنب أو ناسياً استحق الأجرة [٤] بخلاف ما إذا كنس عالماً فإنه‌

______________________________________________________

[١] إذ الكنس وان كان في نفسه مباحاً ، إلا أن تحريم كون الجنب في المسجد يوجب سلب القدرة عليه شرعاً ، ولا بد في صحة الإجارة من القدرة على العمل المستأجر عليه عقلا وشرعاً ، من دون فرق بين كون انتفاء القدرة الشرعية ناشئاً من تحريم نفس العمل المستأجر عليه ، وبين كونه ناشئاً من تحريم مقدمته ، أو لازمه ، أو ملازمه. والعمدة في هذا التعميم هو الإجماع ، كما يظهر من كلماتهم في كتاب الإجارة.

[٢] أما عدم استحقاق الأجرة المسماة فلأنه مقتضى بطلان الإجارة ، وأما عدم استحقاق أجرة المثل فغير ظاهر ، إذ هو خلاف قاعدة : « ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ». نعم لو كان الفساد ناشئا من تحريم نفس العمل لم يستحق شيئاً ، إذ العمل المحرم غير مضمون إجماعاً. ولقوله عليه‌السلام : « إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه » (١) ، مضافاً إلى بعض النصوص الواردة في حرمة أجر المغنية ، والنائحة بالباطل ، ونحوهما‌ (٢) ،

[٣] يعني : غير مقيد بحال الجنابة.

[٤] لأنه جاء بفرد العمل المستأجر عليه بالإجارة الصحيحة.

__________________

(١) لم يرد هذا المضمون في أحاديث الخاصة وإنما ورد من طريق العامة في حديث عن ابن عباس عن النبي (ص) كما في مسند أحمد ج ١ ص ٣٢٢ وغيره ، وأورده الشيخ الطوسي قدس‌سره في الخلاف ج ١ ص ٢٢٥ وأورده سائر فقهاء الشيعة في كتبهم. إلا ان الوارد في معظم كتب العامة للحديث في رواية نفس الحديث ـ كما في سنن البيهقي ج ٦ ص ١٣ وسنن أبي داود ج ٣ ص ٣٨٠ ومسند أحمد ج ١٤ ص ٢٤٧ و ٢٩٣ وغيرها ـ اللفظ الآتي : « إن الله إذا حرم على قوم أكل شي‌ء حرم عليهم ثمنه » وهو يوافق ما أورده الشيخ الطوسي قدس‌سره في الخلاف ج ٢ ص ٢١٢ في إحدى النسختين.

(٢) الوسائل باب : ١٥ و ١٧ من أبواب ما يكتسب به‌

٥٧

لا يستحق لكونه حراما [١] ولا يجوز أخذ الأجرة على العمل المحرم. وكذا الكلام في الحائض والنفساء. ولو كان الأجير جاهلا أو كلاهما جاهلين في الصورة الأولى [٢] أيضا يستحق الأجرة لأن متعلق الإجارة وهو الكنس لا يكون حراما وإنما الحرام‌

______________________________________________________

[١] سيجي‌ء الاعتراف منه بأن الكنس في نفسه ليس حراماً ، وإنما الحرام هو المكث.

وربما يقال : الوجه في عدم استحقاق الأجرة المسماة أن الكنس المأتي به ليس من أفراد العمل المستأجر عليه ، لأن بطلان إجارته للكنس حال جنابته مانع من صحة الإجارة على الكنس المطلق ، الشامل للكنس حال الجنابة المعلومة ، فيكون الكنس حال العلم غير مستأجر عليه ، فلا موجب لاستحقاقه الأجرة المسماة. نعم لا يبعد الحكم باستحقاقه لأجرة المثل ، لما عرفت في الفرض السابق.

وفيه : أنه يكفي في حصول القدرة على الطبيعة المطلقة القدرة على بعض الأفراد ، فلا مانع من صحة الإجارة على الكنس الشامل للكنس حال الجنابة. فإذا جاء به استحق المسمى ، مع أنه لو سلم عدم صحة نسبة القدرة إلى الطبيعة المطلقة بمجرد القدرة على الفرد ، فالقدرة المعتبرة في صحة الإجارة يكفي فيها ذلك ، فتجوز الإجارة على الطبيعة بالقدرة على فرد منها. نعم لو استؤجر على الكنس في حال الطهارة لم يستحق الأجرة المسماة ولا أجرة المثل لو جاء بالكنس في حال الجنابة ، لأنه غير مستأجر عليه. وكذا الحكم في الصورة السابقة بناء على عدم استحقاق الأجرة المسماة ومن ذلك تعرف الإشكال في قول القائل المذكور : « نعم لا يبعد .. ».

[٢] يعني : ما لو كانت الإجارة مقيدة بحال الجنابة.

٥٨

الدخول والمكث [١] فلا يكون من باب أخذ الأجرة على المحرم نعم لو استأجره على الدخول أو المكث كانت الإجارة فاسدة ولا يستحق الأجرة ولو كانا جاهلين ، لأنهما محرمان ولا يستحق الأجرة على الحرام [٢] ومن ذلك ظهر أنه لو استأجره الجنب أو الحائض أو النفساء للطواف المستحب كانت الإجارة فاسدة ولو مع الجهل ، وكذا لو استأجره لقراءة العزائم ، فإن المتعلق فيهما هو نفس الفعل المحرم ، بخلاف الإجارة للكنس فإنه ليس حراما وإنما المحرم شي‌ء آخر وهو الدخول والمكث فليس نفس المتعلق حراما.

( مسألة ٨ ) : إذا كان جنباً وكان الماء في المسجد يجب عليه أن يتيمم ويدخل المسجد لأخذ الماء [٣]

______________________________________________________

[١] وتحريم ذلك غير مانع من صحة الإجارة ، لعدم الدليل عليه وقد عرفت أن العمدة في دليل منع حرمة مقدمة العمل ، أو لازمه ، أو ملازمه هو الإجماع ، والقدر المتيقن من معقده ما إذا كانت الحرمة منجزة فيرجع في صورة الجهل بها الذي يكون عذراً في مخالفتها إلى أصالة صحة العقود.

[٢] لا الأجرة المسماة ، ولا أجرة المثل ، لأن العمل المحرم لا يضمن مطلقاً كما عرفت. لكن إلحاق الجاهل بالعالم غير ظاهر ، لأن الجاهل مرخص في الفعل. ومجرد الحرمة الواقعية مع الرخصة الظاهرية غير قادحة في استحقاق الأجرة. والكلام في ذلك موكول إلى محله.

[٣] قد تقدم جواز دخول الجنب في المساجد لأخذ شي‌ء منها. نعم لو قيل بحرمة الأخذ من الحرمين اختص وجوب التيمم لأخذ الماء بهما فقط.

٥٩

أو الاغتسال فيه [١] ولا يبطل تيممه لوجدان هذا الماء [٢]

______________________________________________________

[١] ووجه وجوب التيمم : أنه يتوقف عليه جواز الكون في المسجد الموقوف عليه الغسل.

[٢] إشارة إلى إشكال يورد ، وهو أنه إذا تيمم الجنب لم يكن له مانع من الوصول إلى الماء ، فيكون واجداً له ، فينتقض تيممه ، فيلزم من صحة التيمم عدمها ، وما يلزم من وجوده عدمه محال.

والجواب : أنه إن أريد من الوجدان ما هو بالإضافة إلى الكون في المسجد الموقوف عليه الغسل ، فهو غير حاصل بالتيمم ، وإن أريد ما هو بالإضافة إلى سائر الغايات ، فهو حاصل قبل التيمم لقدرته عليه بالقدرة على التيمم ، ولا مانع من اختلاف الغايات في الوجدان وعدمه ، نظير من ضاق وقته عن الغسل ، فإنه غير واجد للماء بالإضافة إلى الصلاة ، وواجد له بالإضافة إلى غيرها ، فيستبيح بتيممه الصلاة ولا يستبيح سائر الغايات ، لعدم الدليل على استباحة جميع الغايات بمجرد عدم الوجدان بالإضافة إلى غاية معينة فقط.

فإن قلت : التيمم مهما شرع في المقام كان بدلا عن الغسل ، فالالتزام بوجوبه غيرياً فرع الالتزام بوجوب الغسل غيرياً ، مع أن ذلك ممتنع ، لأن الغسل لا يكون مقدمة لغسل آخر ، إذ المغتسل يستبيح به كل غاية ، ولا يتوقف على غسل آخر ، وحينئذ فيمتنع أن يكون التيمم خارج المسجد مقدمة للغسل في المسجد ، بل يتعين وجوبه مقدمة للصلاة فيستبيح الصلاة بمجرد فعله.

قلت : وجوب التيمم خارج المسجد ليس مقدمة للغسل في المسجد ليلزم وجوب الغسل مقدمة له وهو ممتنع ، بل إنما يجب في نظر العقل من‌

٦٠