مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

والمتحصل : انه لا دليل على كفاية الإمكان الاحتمالي فالاقتصار على الإمكان القياسي متعين ، كما اختاره شيخنا الأعظم (ره) تبعاً لجماعة من الأعاظم ، مع نسبته من بعضهم إلى الأصحاب. ومن ذلك يظهر أنه لو شك في الحيض للشك في البلوغ أو اليأس لا مجال للقاعدة. كما يظهر أيضاً اختصاص القاعدة بالشبهة الموضوعية ، فلو شك في الحيض للشك في اعتبار التوالي ، أو نحو ذلك مما لم يدل الدليل على شرطيته أو مانعيته ، فلا مجال للرجوع إلى القاعدة المذكورة لإثباته أو نفيه ، لما عرفت من اختصاصها بالشك في الشروط التكوينية. واستشهد له شيخنا الأعظم (ره) برجوع المعظم في اعتبار التوالي إلى أصالة عدم الحيض ، بعد منع الإطلاق ولم يتمسكوا بالقاعدة لنفي اعتباره. انتهى. وحينئذ فما عن جماعة من المتأخرين من إجرائها في الشبهة الحكمية ضعيف. ومن ذلك يظهر أن المراد من الإمكان الإمكان القياسي بالمعنى الثاني لا الأول ، لأنه مع الشك في مانعية الموجود تكون الشبهة حكمية ، ولا يرجع فيها إلى القاعدة.

والذي تحصل مما ذكرنا في القاعدة أمور ( الأول ) : أن المراد بالإمكان فيها الإمكان القياسي ، بالإضافة الى ما علم اعتباره شرعا ، وما احتمل اعتباره شرعا ، مما لم يقم دليل على نفي اعتباره ( الثاني ) : أن العمدة في دليل القاعدة النصوص المعتبرة الاسناد ، المشتملة على التعليل باحتمال الحيض مع عدم المانع الشرعي. ( الثالث ) : أنها تجري في أول الرؤية ، وان لم يعلم استمرار الدم إلى ثلاثة أيام إذا كان الدم واجداً للصفات أما إذا كان فاقداً فالتحيض به للقاعدة لا يخلو من إشكال ، لما أشرنا إليه آنفاً من النصوص الدالة على عدم التحيض برؤية الدم الفاقد ، فان الجمع بينها وبين نصوص التعليلات يقتضي التفصيل في التحيض بالرؤية بينهما.

٢٤١

( مسألة ١٦ ) : صاحبة العادة المستقرة في الوقت والعدد إذا رأت العدد في غير وقتها ولم تره في الوقت تجعله حيضاً [١] سواء كان قبل الوقت أو بعده.

( مسألة ١٧ ) : إذا رأت قبل العادة وفيها ولم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضاً [٢]

______________________________________________________

نعم إذا استمر ثلاثة أيام جرت القاعدة فيه للإجماع ، ولا إجماع على التحيض برؤية الفاقد. ( الرابع ) : أن القاعدة المذكورة من قبيل الأصل لا يرجع إليها مع الدليل ، كما أنه يجري عليها ما يجري على الأصول ، من التعارض بين تطبيقها بلحاظ الدمين اللذين لا يمكن الجمع بينهما في الحكم بالحيضية فيهما فتسقط فيهما معاً ، ويرجع الى دليل آخر. ( الخامس ) : أنها لا تجري في الشبهة الحكمية ، وتختص بالشبهات الموضوعية لا غير. ( السادس ) : أنه يكفي في إحراز الإمكان الأصل الجاري لإثبات الشرط أو عدم المانع. كما إذا شكت في اليأس ورأت الدم فإن أصالة عدم اليأس كافية في إحراز الإمكان بلحاظ شرطية عدم اليأس ، فتجري قاعدة الإمكان في الدم المرئي حينئذ. والله سبحانه أعلم.

[١] اتفاقاً كما هو الظاهر. كذا في كشف اللثام وتقتضيه قاعدة الإمكان المتقدمة ، وبعض النصوص المتقدمة دليلا عليها. نعم الإشكال في التحيض بمجرد الرؤية في الفاقد للصفة أو انتظار الثلاثة ، والكلام فيه تقدم في المسألة السابقة. ولعل ما في ظاهر محكي المبسوط ـ من أنه لو تأخر عن العادة بأكثر من عشرة أيام لم يحكم بحيضيته ـ محمول على ذلك أعني : عدم التحيض بالرؤية ، أو على ما إذا كان مجموع الدم أكثر من عشرة ، كما في كشف اللثام ، وإلا فضعفه ظاهر.

[٢] بلا خلاف معتد به أجده. كذا في الجواهر. وفي المنتهى :

٢٤٢

وكذا إذا رأت في العادة [١] وبعدها ولم يتجاوز عن العشرة ،

______________________________________________________

« الجميع حيض اتفاقاً » ، وفي كشف اللثام : « الجميع عندنا حيض ». وتقتضيه النصوص الدالة على التحيض في أيام الحيض وما قبلها ولو بالصفرة كما تقدمت في المسألة الخامسة عشرة.

[١] أما ما رأته في العادة فلما عرفت من كونها طريقاً إلى الحيض بإجماع النص والفتوى. وأما ما رأته بعدها إلى العشرة فللإجماع المحكي عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والنهاية على حيضية ما تراه بين الثلاثة والعشرة إذا انقطع عليها وهو المتيقن من موارد قاعدة الإمكان. والاستدلال عليه ـ بما دل على أن ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى ـ قد عرفت ضعفه ، لعدم إطلاقه ، وأن الظاهر كونه وارداً لبيان إلحاق الدم المفروغ عن حيضيته بالحيض الأول أو الثاني. نعم قد يشكل ذلك لما دل على أن الصفرة بعد الحيض ليست من الحيض. بل يزيد الحكم إشكالا ، ما دل على أن ما بعد أيام الاستظهار استحاضة ، وبناء على انتهاء مدة الاستظهار قبل العشرة. ولأجل ذلك حكي عن المدارك والمفاتيح الاستشكال في الحكم المذكور ، وفي الحدائق ـ بعد ما استدل على إلحاق ما يرى قبل انتهاء العشرة بالحيض الأول ، بمرسلة يونس الدالة على عدم اعتبار التوالي في الثلاثة‌ (١) ، وبموثقة ابن مسلم‌ (٢) وصحيحته‌ (٣) الدالتين على أنه إذا رأت الدم قبل تمام العشرة فهو من الحيضة الاولى ، ونحوهما الفقه الرضوي‌ (٤) ـ قال : « نعم يبقى الإشكال في أنه قد دلت الأخبار المتقدمة على أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض حديث : ١١‌

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٩ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٢٤٣

أو رأت قبلها وفيها [١] وبعدها ، وإن تجاوز العشرة في الصور المذكورة فالحيض أيام العادة فقط والبقية استحاضة [٢].

( مسألة ١٨ ) : إذا رأت ثلاثة أيام متواليات وانقطع ثمَّ رأت ثلاثة أيام أو أزيد فإن كان مجموع الدمين والنقاء المتخلل‌

______________________________________________________

ما تراه المرأة بعد أيام العادة والاستظهار ، أو العادة خاصة ـ كما في الأخبار الأخر ـ فهو استحاضة ، أعم من أن ينقطع على العشرة أو يتجاوز. ويمكن الجمع بتخصيص عموم الأخبار المشار إليها بهذه الأخبار ، بأن يستثني منها حكم ذات العادة ».

اللهم إلا أن يحمل ما دل على أن الصفرة بعد الحيض ليست من الحيض ـ بقرينة ما سبق ، ولا سيما ما هو صريح في الصفرة من أخبار الاستظهار ـ على خصوص الصفرة غير المسبوقة بالحيض ، فيكون دليلا على عدم التحيض بالرؤية ، أو على ما بعد العشرة ، ويكون وجه التخصيص بالصفرة مع اشتراكها مع السواد والحمرة في ذلك وقوعها في السؤال ، أو كونها الغالب فيما يتجاوز عن العشرة في غير مستمرة الدم ، ويحمل ما دل على الاستحاضة بعد أيام الاستظهار على كونها حكما ظاهريا لأجل ظهور حال الدم في التجاوز عن العشرة ، لا حكما واقعياً وإن انقطع على العشرة ، كما يقتضيه الجمع العرفي بين النصوص ، فان ما ورد في الاستظهار إلى العشرة كالصريح في التحاق ما قبل العشرة بالعادة. بل الظاهر من مادة الاستظهار ذلك ، كما سيأتي في محله. وكيف كان فلا مجال لرفع اليد عما تسالم عليه الأصحاب ، وتومئ اليه النصوص.

[١] يعلم وجهه مما سبق فيما قبله.

[٢] يأتي في الفصل اللاحق الاستدلال له.

٢٤٤

لا يزيد عن عشرة كان الطرفان حيضاً [١] وفي النقاء المتخلل تحتاط [٢] بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة وإن تجاوز المجموع [٣] عن العشرة فإن كان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضاً [٤] وإن لم يكن واحد‌

______________________________________________________

[١] قال في التذكرة : « ثمَّ إذا رأت ثلاثة أيام متوالية فهو حيض قطعاً ، فاذا انقطع وعاد قبل العاشر وانقطع فالدمان وما بينهما حيض ، ذهب إليه علماؤنا وبه قال أبو حنيفة » ، وبه أفتى في التحرير ، وفي الجواهر : « لا خلاف فيه أجده ، وعن ظاهر بعض وصريح آخر : الإجماع عليه » واستدل له فيها بما دل على أن ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى. لكن عرفت الإشكال في إطلاقه. فالعمدة في عموم الحكم فيه قاعدة الإمكان.

[٢] تقدم في المسألة السابعة أن مقتضى الأدلة التحيض بالنقاء ، خلافاً للحدائق فراجع. لكن لو بني على الاحتياط كان بالجمع بين أحكام الحائض والطاهر لا المستحاضة ، لعدم رؤية الدم.

[٣] يعني : بضميمة النقاء المتخلل بينهما.

[٤] يعني : والآخر استحاضة ، كما عن جماعة من المتأخرين ، منهم جامع المقاصد والروض وهو في محله ، إذا كان ما في غير العادة فاقداً لصفات الحيض فان مقتضى ما دل على طريقية العادة للحيض مثل : ـ ما دل على أن الدم في أيام الحيض ولو صفرة حيض ـ حيضية ما في العادة ، ولا يعارضه في الدم الآخر إلا قاعدة الإمكان ، وهي كالأصل لا تصلح لمعارضة الامارة ، أعني : العادة. بل الظاهر أنه كذلك أيضاً إذا كان ما في غير العادة واجداً لصفات الحيض. بل في المستند : « لو رأت في العادة وانقطع عليها ، ثمَّ رأت قبل مضي أقل الطهر لم تتحيض به إجماعاً » ‌

٢٤٥

______________________________________________________

لما عرفت في أول المبحث من عدم العموم الدال على طريقية الصفات مطلقاً والقدر المتيقن من النصوص خصوص المستمرة الدم ، فالمرجع في حيضية الواجد ليس إلا قاعدة الإمكان ، وقد عرفت انها لا تصلح لمعارضة العادة. بل لو سلم أن نصوص طريقية الصفات شاملة للمقام فهي أيضا لا تصلح لمعارضة العادة ، لأن هذه النصوص مقيدة بما دل على أن الرجوع إلى التمييز فيها إنما يكون مع عدم العادة.

وأما ما تقدم في تحيض المبتدئة وأخواتها بالرؤية مما دل على ترك الصلاة برؤية الدم الواجد للصفة ـ كمصحح إسحاق‌ (١) ، وصحيح عبد الرحمن ابن الحجاج‌ (٢) ، ـ فلو تمَّ عمومه للمقام كان معارضاً لما دل على طريقية العادة بالعموم من وجه ، والجمع بينهما بحمله على غير المعتادة أقرب عرفاً من حمل دليل طريقية العادة على غير صورة المعارضة مع التمييز ، لأقوائية العادة ، ولا سيما بملاحظة ما دل على تقدم العادة على التمييز في مستمرة الدم وما تضمن أن الصفرة في أيام الحيض حيض. مع أنك عرفت ـ في مبحث طريقية الصفات ـ أن دلالة الروايتين على الطريقية ـ لو تمت ـ فهي بلحاظ التحيض بالرؤية وعدمه ، لا بعد استقرار الدم ثلاثة أيام ، إذ لا ريب في جريان قاعدة الإمكان حينئذ حتى في الفاقد ، والمقام من هذا القبيل ، فلا مجال للرجوع للنصوص المذكورة. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الشيخ في النهاية والمبسوط والإصباح ، من أن الصفة مقدمة على العادة ، وما عن الوسيلة من التخيير بين الأخذ بالصفات وبالعادة. ولعله خلافهم هذا في مستمرة الدم لا فيما نحن فيه. نعم ظاهر القواعد الحكم بحيضية الأول ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب النفاس حديث : ٢ و ٣‌

٢٤٦

منهما في العادة فتجعل الحيض ما كان منهما واجداً [١] للصفات‌

______________________________________________________

واستحاضية الثاني مطلقاً ولو كان الثاني في العادة وبالصفة. وظاهر نجاة العباد والجواهر : اختياره ، لما سيأتي. ويأتي ما فيه.

هذا ولا يبعد اجراء حكم العادة على ما يقرب منهما ، مما يصدق عليه عرفاً التعجيل ، لظهور النصوص المتقدمة في كونه ـ كالعادة ـ طريقاً الى الحيض شرعا وعرفا.

[١] يعني : والفاقد استحاضة. وفي كشف اللثام : « انه ربما لم يكن الأول حيضاً إذا لم يصادف العادة أو التمييز » ، يعني إذا كان الثاني مصادفا للعادة أو التمييز ، كان الثاني حيضاً ، والأول استحاضة. وكأنه لما تقدم من الصحيح والمصحح المتقدمين في تحيض المبتدئة بالرؤية بناء على دلالتهما على طريقية الصفات الى الحيض ، التي لا تصلح لمعارضتها قاعدة الإمكان في الفاقد ، لما عرفت من أنها بمنزلة الأصل لا تصلح المعارضة الامارة.

نعم اختار في نجاة العباد كون الثاني استحاضة وإن كان واجداً والأول حيضاً وإن كان فاقداً. وهو الظاهر من القواعد ، لما عرفت ، وحكي أيضاً عن النهاية ، وفي الجواهر جعله الظاهر من إطلاق الأصحاب هنا ، بل إجماعهم المدعى عليه ، واستشهد له‌

بمصحح صفوان عن أبي الحسن (ع) : « إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ، ثمَّ طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهراً ثمَّ رأت الدم بعد ذلك ، أتمسك عن الصلاة؟ قال (ع) : لا ، هذه مستحاضة » (١).

لكن استظهار ذلك من الأصحاب غير ظاهر. وأما دعوى الإجماع فلا مجال للتعويل عليها ، ولا سيما مع وهنها بندرة التعرض لذلك في كلماتهم.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٣‌

٢٤٧

وإن كانا متساويين في الصفات فالأحوط جعل أولهما حيضاً [١]

______________________________________________________

وأما المصحح فمن المحتمل أن يكون السؤال فيه عن جواز التحيض بالثاني في ظرف المفروغية عن حيضية الأول ، لا في مقام السؤال عن تعيين ما هو الحيض من الدمين.

هذا ولأجل ما عرفت ـ من عدم الدليل على طريقية الصفات كلية وقصور الصحيح والمصحح عن إثبات ذلك فيما نحن فيه ـ يتعين إلحاق هذا الفرض بالفرض اللاحق في الحكم.

[١] يمكن أن يقال : إنه لا دليل في المقام على ثبوت أصل الحيض أما إذا كان كل من الدمين فاقداً للصفات فظاهر ، إذ لا مقتضي للحيضية في كل منهما حينئذ إلا قاعدة الإمكان ، فإذا سقطت للمعارضة كانت حيضية كل منهما مشكوكة بدواً ، وإن كان كل منهما واجداً للصفات ، فالصفات وإن كانت طريقاً إلى حيضية كل منهما ، إلا أن العلم بعدم حيضية أحدهما يوجب تكاذب الطريقين إذ صفات كل دم كما تدل على حيضيته تدل على عدم حيضية الآخر ، فيكون كل من الدمين قد قام الطريق على حيضيته وعدمها ، وحيث لا مرجح يسقط كل منهما عن الحجية ، كما أوضحنا ذلك في حقائق الأصول في مبحث أصالة التساقط في الدليلين المتعارضين ، فالمرجع في كل من الدمين الأصل الجاري في الدم المردد بين الحيض والاستحاضة ، من الاحتياط أو غيره ، كما أشرنا إليه في مبحث التوالي مع أنه لو فرض العلم إجمالا بحيضية أحد الدمين ، فالواجب الاحتياط في كل منهما عملا بالعلم الإجمالي ، المحقق في محله كونه منجزاً وإن كان مردداً بين التدريجيات ، ولا وجه حينئذ للتخيير في التحيض بينهما فضلا عن تعين التحيض بالأول منهما.

فان قلت : إذا رأت الدم الأول جرت قاعدة الإمكان ، فاقتضت‌

٢٤٨

______________________________________________________

التحيض به ، فإذا رأت الثاني امتنع جريان القاعدة فيه ، لامتناع كونه حيضاً ، بعد كون الأول محكوماً بالحيضية بالقاعدة ، فتكون القاعدة في الأول حاكمة على القاعدة في الثاني ، فيتعين التحيض بالأول دون الثاني.

قلت : نسبة القاعدة إلى الدمين نسبة واحدة ، فلا موجب لترجيح تطبيقها في الأول ليكون مانعاً من تطبيقها في الثاني على تطبيقها في الثاني ليكون مانعاً عن تطبيقها في الأول ، وكون الثاني ليس مورد الابتلاء حين الابتلاء بالأول مسلم ، إلا أن هذا المقدار لا يمنع من جريان القاعدة في الثاني كما هو موضح في مبحث منجزية العلم الإجمالي بين التدريجيات.

فان قلت : هذا يتم لو علم بوجود الدم الثاني حين رؤية الأول ، أما إذا شك فيه كان مقتضى أصالة عدم رؤية الثاني جريان القاعدة في الأول جزماً فاذا علم بجريان القاعدة في الأول لا مجال لجريانها في الثاني ، لأنه مانع من جريانها في الأول ، وهو خلف ، لكون المفروض جريانها فيه جزماً.

قلت : لا إشكال في جريانها في الأول مع الشك في وجود الثاني ، لكنه جريان ظاهري عملا بأصالة عدم المعارض ، فاذا علم بعد ذلك بالدم فقد علم بوجود المعارض ، وارتفع الحكم الظاهري بالجريان للمعارضة ، فالجريان في الأول عند رؤيته كان جرياناً للحكم الظاهري ظاهرياً لا واقعياً فاذا انكشف وجود المعارض انكشف عدم الجريان من أول الأمر. مضافا إلى أن جريانها في زمان لعدم المعارض لا ينافي عدم جريانها في زمان آخر لوجود المعارض ، فاذا انكشف وجود دم آخر في آن رؤية الثاني تعارض في ذلك الآن جريانها في الدم الأول مع جريانها في الدم الثاني ، ومقتضى ذلك ترتيب آثار الأصل الجاري من أول الأمر لو لا القاعدة.

ومن هنا يظهر أنه لو علم بعدم وجود دم آخر غير الدم الأول ،

٢٤٩

______________________________________________________

فتحيضت بمقتضى القاعدة ، ثمَّ انكشف خطأ العلم ، رتبت من حين العلم آثار الأصل الجاري من أول الأمر.

ثمَّ إنه يمكن أن بوجه القول بالتخيير بأن مقتضى قاعدة الإمكان حيضية الدمين معاً ، فاذا تعذر الأخذ بمقتضاها فيهما تعين الأخذ بمقتضاها في أحدهما ، لأن إعمال المقتضي لازم مهما أمكن. وفيه : أنه مبني على القول بالسببية في الأحكام الظاهرية ، لكن المحقق في محله خلافه.

فالعمدة في المسألة ظهور الإجماع على وجوب التحيض بأحد الدمين ، الموجب للخروج عن قاعدة الاحتياط في كل منهما ، وإنما خلافهم في التخيير والتعيين ، وإذ أن الأصل في مثله يقتضي حيضية الأول يتعين البناء على حيضيته. وبالجملة : القدر المتيقن في جواز الخروج عن قاعدة الاحتياط هو التحيض بالأول ، ولا فرق في ذلك بين أن تعلم بالدمين حين رؤية الأول وان لا تعلم ، فتحيضت بالأول ، فإنه إذا رأت الثاني رتبت أحكام المستحاضة ، ولا شي‌ء عليها إذا رتبت أحكام الحيض على الدم الأول إذا كان له أثر استقبالي ، كقضاء الصوم ونحوه.

والمتحصل مما ذكرنا : أنه إذا كان أحد الدمين في العادة دون الآخر تحيضت بما في العادة دون الآخر ، وإن كانا معاً في غير العادة تحيضت بالأول ، من غير فرق بين الاختلاف في الصفة وعدمه. ويؤيد ذلك مصحح صفوان‌ (١) بناء على أنه وارد في صورة تردد الحيض بين الدمين ، كما ادعاه في الجواهر. وخروج صورة كون أحدهما في العادة عنه إما لانصرافه الى غيرها ـ كما يقتضيه سوق السؤال ـ أو محمول على ذلك ، جمعاً بينه وبين ما دل على طريقية العادة ، فإن تقييده بغير العادة أولى من تقييد دليل العادة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٣‌

٢٥٠

وإن كان الأقوى التخيير ، وإن كان بعض أحدهما في العادة دون الآخر [١] جعلت ما بعضه في العادة حيضاً [٢] وإن كان بعض كل واحد منهما في العادة فإن كان ما في الطرف الأول من العادة ثلاثة أيام أو أزيد جعلت الطرفين من العادة حيضاً [٣]

______________________________________________________

وهذا التفصيل الذي اخترناه ظاهر جامع المقاصد. لكن عرفت سابقاً إمكان استفادة حكم المقام مما ورد في مستمرة الدم بإلغاء خصوصية الاستمرار أو الفترة.

[١] كما لو كانت عادتها العشرة المتوسطة من الشهر ، فرأت الدم في الخمسة الاولى من الشهر ، ثمَّ نقت ثلاثة ، ورأت الدم بعدها خمسة ، أو رأت الخمسة الأخيرة وقد رأت قبلها بثلاثة خمسة أخرى.

[٢] وهو الخمسة الثانية في الفرض الأول ، والخمسة الأولى في الفرض الثاني ، والوجه فيه طريقية العادة إلى الحيض بنحو لا تصلح لمعارضتها الصفات أو قاعدة الإمكان في الدم الآخر ، وأما الدم المتصل بالعادة فتجري فيه القاعدة بلا معارض أيضاً. نعم لو كان المرئي في العادة دون أقل الحيض فقد يشكل الحكم بحيضيته ، لأن العادة لا تصلح لإثبات حيضيته وحده لنقصانه ، فيتوقف إثبات حيضيته على جريان قاعدة الإمكان معها في الدم المتصل به ، وهي معارضة بجريانها في الدم الآخر. اللهم إلا أن تجعل العادة طريقاً أيضاً الى حيضية المتصل بها بالدلالة الالتزامية ، لامتناع حيضية ما فيها بدونه ، لأنها أمارة يجري فيها ما يجري على غالب الامارات من حجيتها في المدلول الالتزامي كالمطابقي. وهذا الاشكال لا يجري فيما لو كان الزائد على ما دون الأقل مما يصدق معه التعجيل ، وإلا فقد عرفت ان ذلك طريق أيضاً كالعادة.

[٣] لطريقية العادة اليه.

٢٥١

وتحتاط في النقاء [١] المتخلل ، وما قبل الطرف الأول وما بعد الطرف الثاني استحاضة [٢] وإن كان ما في العادة في‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت ان الأقوى التحيض به أيضاً. فراجع.

[٢] فإنه لا مجال للتحيض بما قبل الطرف الأول أو بمقدار منه ، حيث تكون العادة أقل من عشرة ، فيكون ما قبلها معها متمماً العشرة ، وذلك لأن المرأة حينئذ تكون ممن تجاوز دمها العشرة ، وحكمها الاقتصار على عادتها فقط كما سيأتي. ولأجل ذلك يحكم باستحاضية ما بعد الطرف الثاني مطلقاً ، ولا يضم إلى العادة منه ما يتممها عشرة ، فاذا كانت عادتها ثمانية من أول الشهر ، فرأت ثلاثة من أول الشهر ويومين قبلها ، ثمَّ رأت النقاء ثلاثة ثمَّ رأت خمسة دماً ، اقتصرت في التحيض على الثمانية الاولى ، وجعلت اليومين السابقين على الشهر والثلاثة الأخيرة من الدم استحاضة. وهذا الاشكال لا يجري في الفرض السابق ، وهو ما إذا رأت بعض أحدهما في العادة دون الآخر ، لأن من تجاوز دمها العشرة إنما تقتصر على العادة إذا كان الدم العابر عن العشرة مرئياً في العادة ، وليس كذلك في الفرض السابق.

هذا والاشكال المذكور لا يخلو من خدش ، لاختصاص ذلك بالدم الواحد ، والمفروض ان المرئي دميان ، فاذاً لا يبعد إلحاق ما قبل العادة بما فيها في الحكم بالحيضية ، لصدق التعجيل أو لقاعدة الإمكان. أما ما بعد الطرف الثاني فالظاهر انه لا بد من البناء على كونه استحاضة ، لأن الدم المتجاوز عن العادة إذا لم يمكن جعله بتمامه حيضاً فهو استحاضة ، ولا يفرق بين أبعاضه. وقد يستفاد ذلك مما ورد في الاستظهار بعد انقضاء أيام العادة التي مورد كثير منها المستحاضة. فلاحظ.

هذا وفي الشرائع : « لو رأت الدم ثلاثة أيام وانقطع ، ورأت قبل‌

٢٥٢

الطرف الأول أقل من ثلاثة تحتاط [١] في جميع أيام الدمين والنقاء بالجميع بين الوظيفتين.

______________________________________________________

العاشر ، كان الكل حيضاً ، ولو تجاوز العشرة رجعت الى التفصيل الذي نذكره ». والظاهر أن مراده من التفصيل ما ذكره في مستمرة الدم في مبحث الاستحاضة ، من رجوع ذات العادة إلى عادتها فقط. ومقتضاه جريان الحكم المذكور في جميع صور المسألة. وفي القواعد قال : « لو استمر ثلاثة وانقطع. ورأته قبل العاشر ، فالدميان وما بينهما حيض ، ولو لم ينقطع عليه فالحيض الأول خاصة ، ولو تجاوز الدم العشرة فإن كانت ذلك .. » ، وظاهره أن حكم الدميين ليس حكم الدم المستمر ، وان التحيض بالأول جار في جميع صور المسألة ، وان حكم تجاوز الدم يختص بالمستمر ، ولذا في كشف اللثام وصف الدم المذكور في قوله : « ولو تجاوز الدم » ، بالمستمر. وبالجملة : كلمات الجماعة في إجراء أحكام تجاوز الدم العشرة على الدمين المتخلل بينهما النقاء مختلفة ، والتحقيق ما ذكرنا من البناء على حيضية ما قبل العادة دون ما بعدها.

[١] لا يبعد جريان حكم سابقة عليه أيضاً ، لما عرفت من إمكان دعوى دلالة العادة على حيضية ما قبلها المتمم للثلاثة بالدلالة الالتزامية ، فيكون تمام ما في طرفي العادة من الدم وما قبله المتمم لأوله ثلاثة حيضاً ، وكذا النقاء بناء على ما عرفت من كونه حيضاً. نعم ما يكون قبل العادة مما لا يكون متمماً للثلاثة خارج عن الحيض وإن صدق عليه التعجيل ، لما سيأتي من وجوب الاقتصار على العادة في من تجاوز دمها العشرة. اللهم إلا أن يقال : إن ذلك أيضاً مانع عن التحيض بالمقدار المتمم للثلاثة. وكأن هذا هو الوجه في توقف المصنف (ره) في التحيض بما في الطرف‌

٢٥٣

( مسألة ١٩ ) : إذا تعارض الوقت والعدد في ذات العادة الوقتية العددية يقدم الوقت [١] كما إذا رأت في أيام العادة أقل أو أكثر من عدد العادة ودماً آخر في غير أيام العادة بعددها ، فتجعل ما في أيام العادة حيضاً وإن كان متأخراً ، وربما يرجح الأسبق [٢] ، فالأولى فيما إذا كان الأسبق العدد في غير أيام العادة الاحتياط في الدمين بالجمع بين الوظيفتين.

( مسألة : ٢٠ ) ذات العادة العددية إذا رأت أزيد من العدد ولم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض [٣] ،

______________________________________________________

الأول وما قبله. اللهم إلا أن يقال : ما دل على الاقتصار على العادة ظاهر في حيضية ما تدل العادة على حيضيته وإن كان بالدلالة الالتزامية. لكنه كما ترى. ثمَّ إنه لا وجه ظاهر للتوقف عن التحيض بما في الطرف الآخر من العادة إذا كان ثلاثة فصاعداً ، لأن إطلاق ما دل على طريقية العادة دال على التحيض به من دون معارض.

[١] لظهور أيام العادة التي يكون الدم فيها ـ ولو كان صفرة ـ حيضاً ، في خصوص الوقتية ـ عددية كانت أم لا ـ فلا يشمل العددية ، فينحصر وجه التحيض في الدم المرئي. موافقاً للعددية بقاعدة الإمكان التي لا مجال للعمل بها في قبال العادة ، كما عرفت.

[٢] كما يظهر من الجواهر هنا وفي الفرع السابق ، وكذا من نجاة العباد لمصحح صفوان المتقدم‌ (١) الذي عرفت الإشكال في دلالته.

[٣] لقاعدة الإمكان وكذا ما بعده. وقد تقدم.

__________________

(١) تقدم في أوائل المسألة الثامنة عشرة‌

٢٥٤

وكذا ذات الوقت إذا رأت أزيد من الوقت [١].

( مسألة ٢١ ) : إذا كانت عادتها في كل شهر مرة فرأت في شهر مرتين مع فصل أقل الطهر وكانا بصفة الحيض فكلاهما [٢] حيض ، سواء كانت [٣] ذات عادة وقتاً أو عدداً أو لا ، وسواء كانا موافقين للعدد والوقت [٤] أو يكون أحدهما مخالفاً.

( مسألة ٢٢ ) : إذا كانت عادتها في كل شهر مرة فرأت في شهر مرتين مع فصل أقل الطهر فان كانت إحداهما في العادة والأخرى في غير وقت العادة ولم تكن الثانية بصفة الحيض تجعل ما في الوقت [٥] ـ وإن لم يكن بصفة الحيض ـ حيضاً ، وتحتاط في الأخرى [٦] وإن كانتا معاً في غير الوقت‌

______________________________________________________

[١] الظاهر من ذات الوقت الوقتية فقط ففرض الزيادة عليه غير ظاهر إلا أن يكون المراد الزيادة على أكثر العددين.

[٢] من غير ريب ، لقاعدة الإمكان. ولقوله (ع) في رواية محمد ابن مسلم : « وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (١) كذا في الجواهر لكن تقدم الإشكال في إطلاق الخبر.

[٣] لجريان القاعدة في الجميع.

[٤] فرض موافقتهما للوقت غير ظاهر.

[٥] لطريقية العادة إلى الحيض مطلقاً.

[٦] أما في أول الأمر فلما عرفت من عدم الدليل على التحيض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٢٥٥

فمع كونهما واجدتين كلتاهما حيض [١] ، ومع كون إحداهما واجدة تجعلها حيضاً وتحتاط في الأخرى [٢] ، ومع كونهما فاقدتين تجعل إحداهما حيضاً [٣] ـ والأحوط كونها الأولى ـ وتحتاط في الأخرى.

( مسألة ٢٣ ) : إذا انقطع الدم قبل العشرة فإن علمت بالنقاء وعدم وجود الدم في الباطن اغتسلت وصلت [٤] ولا حاجة إلى الاستبراء [٥] وإن احتملت بقاءه [٦]

______________________________________________________

بالرؤية ، وأما بعد الثلاثة فمبني على الإشكال في تمامية قاعدة الإمكان في الفاقد ولكنه في غير محله بعد ما عرفت من الإجماعات المنقولة المقبولة من حاكيها.

[١] كما تقدم في المسألة السابقة.

[٢] تقدم وجهه وإشكاله.

[٣] يعني : مخيرة بينهما. لكن عرفت الإشكال في ذلك. فاللازم ـ على تقدير تمامية قاعدة الإمكان كما عرفت ـ البناء على حيضيتهما معاً ، وعلى تقدير عدمها الرجوع إلى الأصل الجاري في الدم المردد بين الحيض والاستحاضة.

[٤] إجماعاً. بل الظاهر أن دلالة النقاء على انتهاء الحيض ـ بحيث لا مجال للرجوع إلى استصحابه ـ من ضروريات مدلول النصوص الآتية وغيرها. فتعمل حينئذ عمل الطاهر بعد غسلها من حدث الحيض.

[٥] كما نص عليه جماعة ، بل ينبغي عده من المسلمات ، إذ الظاهر من النصوص كون الغرض منه العلم بنقاء المحل ، فاذا حصل كان الاستبراء تحصيلا للحاصل.

[٦] وكذا لو ظنت ، لإطلاق النصوص وعدم الدليل على حجية الظن.

٢٥٦

في الباطن وجب عليها الاستبراء [١] واستعلام الحال‌

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، وعن الذخيرة : نسبته إلى الأصحاب. بل عن غير واحد : عدم معرفة الخلاف فيه. نعم عن الاقتصار : التعبير بـ « ينبغي » وهو مشعر بالاستحباب.

وكيف كان ، فالعمدة في إثبات الوجوب‌ صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فان خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد صفرة فلتتوضأ ولتصل » (١) وأما‌ موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : ـ « قلت له : المرأة ترى الطهر وترى الصفرة أو الشي‌ء فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال (ع) : فاذا كان كذلك فلتقم فلتلصق .. » (٢) ـ فالظاهر أنه في مقام بيان طريق العلم بانتفاء الحيض من دون دلالة له على وجوب شي‌ء عليها. وأظهر منه في ذلك‌ خبر شرحبيل الكندي عن أبي عبد الله (ع) : « قلت : كيف تعرف الطامث طهرها؟ قال (ع) : تعمد .. » (٣) ، ومرسل يونس عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) : « قال : سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال (ع) تقوم .. » (٤).

ثمَّ إنه لا مجال لاحتمال حمل الصحيح على الوجوب النفسي التعبدي ، بل ولا على الوجوب الغيري للغسل والصلاة ونحوهما من العبادات بحيث لا تصح بدونه ، فان ذلك خلاف الظاهر جداً ، فيتعين حمله على الإرشادي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٥٧

______________________________________________________

أما إرشاداً الى عدم حجية الانقطاع على النقاء الواقعي وأن الحجة خصوص الطريق المذكور ـ فيكون المعنى : أنه لا يجوز للحائض أن تعتمد على انقطاع الدم ظاهراً فتغتسل وترتب أحكام الطاهر ، بل الطريق إلى النقاء هو ما ذكر ـ أو إرشاداً إلى عدم جواز الاعتماد على الأصل والانقطاع ، فلا يجوز البناء على الحيض ولا على عدمه ، فيكون وجوب الاستبراء نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية. والظاهر أن مراد الأصحاب من الوجوب هو الثاني ، وإن كان الأنسب بتعليق الأمر بالاستبراء في الصحيح على إرادة الاغتسال هو الأول ، إذ لو كان المراد الثاني كان المناسب أن يقال : إذا نقت فلتستدخل القطنة. اللهم إلا أن يكون النقاء الظاهري طريقاً عرفا بالإضافة إلى إلغاء الاستصحاب ، ويكون قوله (ع) : « إذا أرادت أن تغتسل » إمضاء له في الجهة المذكورة ، لا بالإضافة إلى ثبوت النقاء الباطني.

ثمَّ إنه بناء على الأول يجوز لها ترك الغسل اعتماداً على أصالة بقاء الحيض إلى عشرة أيام. كما أنه على كل منهما يجوز لها الاحتياط بترتيب أحكام الطاهر والحائض معاً ، كما يجوز الاحتياط في سائر موارد وجوب الفحص. نعم لو قلنا بحرمة العبادة على الحائض ذاتاً بنحو يوجب تعذر الاحتياط ـ كما سيأتي الكلام فيه ـ وجب الفحص فراراً عن الوقوع في المخالفة الواقعية من دون عذر ، لإمكان الفحص ، فلو اغتسلت وصلت قبل الفحص ، بطلت صلاتها ، لفوات التقرب المعتبر فيها ، لوقوعها على نحو التجري ، والاقدام على محتمل الحرمة المنجزة. وكذا يبطل غسلها بناء على حرمته على الحائض ذاتاً كالصلاة ، إلا أنه غير ثابت. ولا فرق في بطلان العبادة حينئذ بين البناء على جريان أصالة بقاء الحيض وعدمه ، لعدم‌

٢٥٨

______________________________________________________

الفرق بينهما في صدق التجري من جهة العلم بالتكليف وإمكان الموافقة القطعية بالفحص. نعم لو فرض الرجوع إلى أصل موضوعي أو حكمي مرخص في العبادة ـ كأصالة عدم الحيض ـ كان القول بالصحة في محله ، لكن الأصل المذكور لا أصل له.

ثمَّ إنه حيث كان ظاهر النصوص ترتب وجوب الغسل والعبادة على النقاء الواقعي الذي جعل الاستبراء طريقاً اليه ، فلو بني على عدم وجوب الاستبراء المذكور يكون الأصل الجاري أصالة عدم النقاء وبقاء نبع الدم من الرحم ، وحجية مثله موقوفة على جواز إجراء الاستصحاب في التدريجيات ، كما حقق في محله.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص عدم الفرق بين صورتي القدرة على الاستبراء وعدمها ، فاذا تعذر عليها الاستبراء لم يجز الرجوع إلى الأصل ولا إلى الانقطاع في إثبات النقاء وعدمه. وتخصيص النص بحال القدرة غير ظاهر كما تقدم في الاشتباه بالعذرة وغيرها.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك ما في كلمات شيخنا الأعظم (ره) في طهارته ، حيث قال : « والانصاف أنه لو لا فتوى الأصحاب بالوجوب كانت استفادته من هذه الأخبار مشكلة ، لأن بعضها مسوق لبيان وجوب ذلك عند إرادة الاغتسال ، فيحتمل الإرشاد لئلا يظهر الدم فيلغو الاغتسال ويحتمل الاشتراط شرعاً ، إما لأن الأصل بقاء الحيض ، وإما لتحصيل الجزم ببراءة الرحم تعبداً وإن قلنا بأصالة عدم حدوث الدم في الرحم » ، وظاهره أن الوجوب الذي أفتى به الأصحاب نفسي ، وقد عرفت الاشكال فيه. كما أن صريحه احتمال الإرشاد إلى أمر عرفي ، وأن أصالة بقاء الحيض تقتضي بطلان الغسل بدون الاستبراء ، وأنه يحتمل اعتبار الجزم‌

٢٥٩

بإدخال قطنة [١] وإخراجها بعد الصبر هنيئة ، فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت وإن خرجت ملطخة ـ ولو بصفرة ـ [٢]

______________________________________________________

ببراءة الرحم تعبداً شرطا في صحة الغسل. وكل ما ذكره فيه منع ظاهر. وفي بقية كلامه نوع تأمل يظهر بالتأمل فيما ذكرنا. فراجع.

[١] مقتصرة على ذلك ، كما يقتضيه إطلاق الصحيح‌ (١) ، ونسب الى المشهور ، لكن الموجود‌ في الموثق : « فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط وترفع رجلها على حائط » (٢) ، وفي خبر الكندي : « تعمد برجلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى » (٣) وفي مرسل يونس : « تقوم قائمة وتلزق بطنها بحائط وتستدخل قطنة بيضاء وترفع رجلها اليمنى » (٤). ولا تنافي بينها لإمكان تقييد بعضها بالآخر. نعم ظاهر قوله (ع) : « تعمد برجلها » ‌ـ في خبر الكندي ـ رفع الرجل اليسرى ، وصريح مرسل يونس‌ : رفع اليمنى ، وحمل الأول على غير الرفع بعيد جداً ، والجمع بالتخيير بينهما أقرب منه. لكن كلا الخبرين ضعيف ، فان بني على التقييد تعيين التقييد بالموثق لا غير.

[٢] كما عن جماعة التصريح به ، منهم : المراسم والروض. وهو واضح لو كان في العادة لما عرفت ، أما لو كان في غيرها فالعمدة فيه قاعدة الإمكان. مضافاً إلى إطلاق أخبار الاستظهار التي منها : خصوص‌ صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (ع) : « عن المرأة تحيض ثمَّ تطهر وربما رأت بعد ذلك الشي‌ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها.

__________________

(١) وهو صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) وقد تقدم قريباً في الاستدلال لوجوب الاستبراء‌

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٦٠