مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

« في المرأة ترى الصفرة. فقال (ع) : إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض » (١) ، ونحوه رواية معاوية بن حكيم‌ (٢) ، وخبر علي ابن أبي حمزة : « عن المرأة ترى الصفرة. فقال (ع) : ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه » (٣).

وظاهر الجميع صورة التقدم قليلا بحيث يصدق التعجيل ، وتقدم دم العادة ، للتقييد بالقليل في الأول ، والتعليل بالتعجيل في الثاني ، والاقتصار على اليومين في الثالث ، وللمقابلة بين ما قبل الحيض وما بعده في الرابع ، إذ لو لم يكن المراد التقدم قليلا لم يكن وجه للمقابلة بينهما ، إذ كل ما قبل الحيض اللاحق يصدق عليه انه بعد الحيض السابق ، وبالعكس ، بخلاف ما لو حمل على التقدم قليلا ، كما لا يخفى. مع أنه لو سلم الإطلاق في الرابع فالتعليل بالتعجيل في الثاني حاكم عليه. فتأمل ، فلا وجه لإطلاق الحكم ـ كما عن جماعة ـ كما لا وجه لتخصيصه بصورة الوجدان للصفات ـ كما عن المدارك ـ لعموم أدلة نفي حيضية فاقد الصفات. إذ قد عرفت في أول الفصل منع العموم فيها. مضافا إلى وجوب تخصيصها بهذه النصوص ، لصراحة بعضها في الفاقد. مع أن المطلق منها أولى بالتقديم على تلك الأدلة ـ وان كان بينه وبينها عموم من وجه ـ لأظهريته ، ولا سيما مثل الموثق المشتمل على التعليل. وأما ذيل‌ مصحح محمد بن مسلم المتقدم ـ : « وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت » (٤) ـ فتقييده بهذه النصوص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٢٢١

أو تأخره [١] يوماً أو يومين أو أزيد على وجه يصدق عليه تقدم العادة أو تأخرها ولو لم يكن الدم بالصفات ، وترتب عليه جميع أحكام الحيض ، فان علمت بعد ذلك عدم كونه حيضاً لانقطاعه قبل تمام ثلاثة أيام تقضي ما تركته من العبادات وأما غير ذات العادة المذكورة ـ كذات العادة العددية فقط ،

______________________________________________________

متعين ، فإنه مقتضى الجمع العرفي لأنها أخص منه. وأما ما في جامع المقاصد والمسالك ـ من إلحاقها بالمبتدئة والمضطربة ـ فغير ظاهر الوجه. وحمل النصوص المذكورة على صورة العلم بالحيض أو مضي ثلاثة أيام تصرف فيها بلا قرينة.

هذا والظاهر أن تقدم الدم بمقدار العادة من موضوع النصوص ، وعن كشف اللثام : الاتفاق على الحكم فيه. وتخصيص الحكم باليومين دون الزائد عليهما ـ للتقييد بهما في مصحح إسحاق‌ وغيره الواجب حمل غيره عليه جمعاً بين المطلق والمقيد ـ غير ظاهر الوجه ، إذ لا مفهوم للشرط في الجملة المذكورة فيه لأنها مسوقة في قبال التأخر بيومين. ولو سلم ظهوره في المفهوم فالتعليل في الموثق أظهر منه ، ومقتضاه ـ كما عرفت ـ عدم الفرق بين اليومين والأزيد ما دام يصدق التعجيل.

[١] بأن لم تره في العادة ورأته متأخراً. والظاهر أنه لا خلاف في التحيض برؤيته إذا كان واجداً للصفات ، بل في المستند دعوى الإجماع القطعي عليه. واستدل له بأخبار الصفات ـ كما في المستند ـ وبأن تأخره يزيده انبعاثا ـ كما عن فوائد الشرائع وغيره ـ أو لقوة احتمال أن يستفاد من تعليل الحكم بالتعجيل في الموثق إناطة الحكم بمطلق التخلف ، كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره). لكن الجميع لا يخلو عن نظر. إذ الأول مبني على‌

٢٢٢

والمبتدئة والمضطربة والناسية [١] ـ فإنها تترك العبادة ،

______________________________________________________

ثبوت عموم التمييز بالصفات ، وقد عرفت انه محل إشكال. والثاني لا يصلح مستنداً لحكم شرعي. والثالث ممنوع جداً إلا أن يرجع الى قاعدة الإمكان وحينئذ لا خصوصية للمقام.

وأما إذا كان فاقداً للصفات فالمشهور فيه ذلك أيضاً ، بل عن بعض الأجلة : الإجماع عليه ، لما تقدم مما عرفت ضعفه ، ولا سيما بملاحظة ما تقدم من النصوص المتضمنة أن الصفرة بعد الحيض ليس من الحيض. وحملها على صورة رؤية الدم في العادة ، واستمراره الى ما بعدها ـ بحمل الحيض فيها على الحيض المفروض الوجود ـ خلاف الظاهر. مع أن لازمه عدم جواز الاستدلال بها على التحيض برؤية المتقدم ، لأنه يتوقف على العلم ببقائه إلى زمان العادة. مضافاً إلى ما‌ في مصحح ابن مسلم المتقدم : « وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت ».

ومن هنا كان ما عن المدارك ـ من عدم التحيض بالفاقد ـ في محله إن لم يتم إجماع على خلافه. وكأنه لهذا الإجماع جزم بالتحيض هنا من لم يحكم به في المتقدم ـ كالمحقق الثاني ـ مع وضوح كون المستفاد من النصوص الواردة في المقامين كون الحكم بالعكس. وفي المسالك احتمل هنا إجراء حكم المبتدئة ـ كما في المتقدم على العادة ـ استظهاراً ، أو للاختلاف وإلحاقه برؤيته في العادة ، لأن تأخره يزيده انبعاثا. والظاهر ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) وغيرها ـ أنه لا فرق في التأخر بين القليل والكثير ، لأنه كلما طال الزمان ازداد الدم انبعاثاً. فتأمل.

[١] وكذا ذات العادة الوقتية إذا رأته قبلها بكثير وكانت قد رأته في العادة السابقة ، أما لو لم تره فيها فهو من المرئي متأخراً عن العادة كما تقدم.

٢٢٣

وترتب أحكام الحيض بمجرد رؤيته إذا كان بالصفات [١]

______________________________________________________

[١] كما لعله المشهور ، لاخبار الصفات. لكن تقدم الإشكال في عمومها للمقام. ومصحح إسحاق المتقدم : « عن الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال (ع) : إن كان دماً عبيطاً فلا تصل ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (١) ، ولا يقدح فيه البناء على ظهورها في كون الحيض أقل من ثلاثة ، لإمكان التفكيك بين دلالات الدليل في الحجية. وصحيح ابن الحجاج : « سألت أبا إبراهيم (ع) : عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ، ثمَّ طهرت وصلت ، ثمَّ رأت دما أو صفرة. قال (ع) : إن كان صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسك عن الصلاة » (٢) فإن مفهومه يدل على أنه إن كان ليس بصفرة تمسك عن الصلاة. ويعضد المفهوم المذكور عدم التعرض في الجواب لحكم الدم ، مع أنه مذكور في السؤال مع الصفرة ، فإن ذلك قرينة على الاجتزاء بالشرطية المذكورة عن بيان حكمه. بل‌ في رواية الشيخ (ره) قد صرح بالمفهوم ، حيث زاد في آخره « فان كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيام أقرائها ، ثمَّ لتغتسل ولتصل » (٣). وصحيح عبد الله بن المغيرة عنه (ع) : « في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ، ثمَّ طهرت ، ثمَّ رأت الدم بعد ذلك. قال (ع) : تدع الصلاة ، لأن أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس » (٤) ، ولا يقدح فيهما دلالتهما على أن النفاس يبلغ الثلاثين والأكثر وهو خلاف ما يأتي ، لما عرفت من إمكان التفكيك في الحجية ، بل لعل في التعليل في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب النفاس حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب النفاس حديث : ٣‌

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب النفاس حديث : ١‌

٢٢٤

وأما مع عدمها فتحتاط بالجمع [١] بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام ،

______________________________________________________

الأخير الإيماء إلى أن النفاس ليس تمام الثلاثين بل بعض الثلاثين طهر. ومقتضى ترك الاستفصال فيها عدم الفرق بين الأقسام المذكورة في العنوان كما أن اختصاص موردها بالحبلى والنفساء لا يوجب الاقتصار عليه ، لقرب دعوى إلغاء الخصوصية المذكورة عرفاً. مع أن الظاهر الإجماع على عدم الفصل. بل ظاهر قوله (ع) في الصحيح الأخير : « لأن أيامها .. » ان الموجب للحكم بالحيضية عدم المانع عنه ، وهذا المعنى مطرد في غير مورد النص.

ومن ذلك يظهر عدم وجه للتفصيل في المضطربة ـ كما عن البيان والدروس ـ بين الظن به فيحكم به ، وعدمه فيرجع إلى أصالة عدم الحيض اللهم إلا أن يكون مبنياً على حمل النصوص المذكورة على خصوص صورة الظن. لكنه ممنوع. أو على إجراء مقدمات الانسداد. لكن بطلانها واضح لعدم الانسداد بعد وجود الدليل ، وإمكان الاحتياط بالجمع. ومثله التفصيل في المبتدئة ـ كما عن جماعة من القدماء والمتأخرين منهم : الكليني في الكافي والحلي في السرائر ، والمحقق في المعتبر ، والعلامة في التذكرة ، وغيرهم ـ بين ما قبل الثلاثة وما بعدها ، فإنه طرح لظاهر النصوص المذكورة من غير وجه ظاهر.

[١] لتصادم أدلة القولين بالتحيض وعدمه ، أما الأول فهو المنسوب إلى الأشهر ، وأما الثاني فمحكي عن جماعة من المتأخرين. منهم : السيد في المدارك ، واختاره شيخنا في الجواهر ، وشيخنا الأعظم.

واستدل للأول بقاعدة الإمكان وبأخبار الصفات ـ بناء على عدم الفصل بين الواجد والفاقد ، كما عن الوحيد (ره) وبه جزم سيدنا في‌

٢٢٥

______________________________________________________

الرياض ـ وبإطلاق صحيح ابن المغيرة المتقدم في حكم الواجد للصفات‌ ، ومضمرة سماعة : « سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيام يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء؟ قال (ع) : فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » (١) ، وموثق ابن بكير : « إذا رأت المرأة الدم في أول حيضها ، واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام » (٢) ، وموثقة الآخر : « في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة. إنها تنظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فاذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة » (٣).

لكن الجميع لا يخلو من نظر : أما القاعدة فإنها إن كانت مستفادة من الإجماع فلا مجال للأخذ بها في المقام مع وضوح الخلاف. اللهم إلا أن يقال : الخلاف في المقام لشبهة عدم انطباقها في المقام ، وسيجي‌ء في محله الاشكال فيه. وإن كانت مستفادة من النصوص كان حالها حال النصوص المذكورة ـ على تقدير تمامية دلالتها ـ في وجوب تقييدها بصحيح ابن الحجاج‌ ، ومصحح إسحاق‌ المتقدمين ، المعتضدين بما دل على أن الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض‌ (٤) ، بناء على عدم الفصل بين ما تراه المعتادة في غير عادتها أو ما يقرب منها ، وما تراه غيرها.

هذا وقد استدل أيضا بالنصوص الدالة على أن الصائمة تفطر بمجرد رؤية الدم‌ (٥). وفيه : أنها واردة في مقام بيان مفطرية الحيض ، لا فيما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض‌

(٥) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الحيض‌

٢٢٦

______________________________________________________

نحن فيه من الحكم الظاهري بمفطرية مشكوك الحيضية. فلاحظها.

وأما الإشكال على القاعدة بأن مجراها الإمكان المستقر ، ولا يكون إلا بعد ثلاثة أيام ـ ففيه : انه يمكن إثبات بقائه إلى الثلاثة بالأصل : وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) ـ من منع جريان أصالة البقاء في مثل ما نحن فيه ، بل الأصل عدم حدوث الزائد على ما حدث ، ـ كيف ولو ثبت بحكم الأصل بقاؤه إلى الثلاثة ، لم يحتج إلى قاعدة الإمكان للاتفاق من الطرفين على أن الدم المستمر ثلاثة أيام حيض ـ فمشكل أولا : بأن الذي حقق في محله جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية ، وان الوجود المتصل بلا تخلل العدم وجود واحد حقيقة وعرفاً ، والتغاير بين الوجودين في الزمانين من قبيل التغاير بين مراتب الوجود الواحد. وثانياً : بأنه لم يظهر الوجه في عدم الحاجة إلى القاعدة على تقدير جريان الأصل المذكور ، كيف والإجماع؟ المذكور عين الإجماع على القاعدة ، وليس هو إجماعا على الحكم الواقعي كي يغاير الإجماع على القاعدة.

ومثل ذلك في الاشكال دعواه أن المراد من الاستقرار الواقعي المتيقن وبعبارة أخرى : الدم الموجود في ثلاثة أيام ، وليس لفظ الإمكان وارداً في نص شرعي كي يترتب على المستصحب ما يترتب على المستقر الواقعي. إذ وجه الاشكال : أن كون الموضوع هو الاستقرار الواقعي المتيقن لا يمنع من جريان الأصل ، لما حقق في محله من قيام الاستصحاب مقام للعلم الموضوعي على نحو الطريقية. وكذا بناء على ما تضمنته العبارة الأخرى ، فإن الاستصحاب يثبت الوجود في ثلاثة أيام. مع ما بين العبارتين من تغاير المراد. وعدم ورود الإمكان في نص شرعي لا يمنع من جريان الأصل ، إذ يكفي في جريانه وقوعه في معقد إجماع هو حجة شرعاً.

٢٢٧

______________________________________________________

وفي الجواهر لم يتعرض لهذا الاستصحاب وإنما اقتصر على الاشكال على القاعدة بعدم استقرار الإمكان. ثمَّ قال في آخر كلامه : « والحاصل ان التوالي شرط ، فلا يحكم بالحيضية بدونه ، والتجاوز مانع يمكن نفيه بالأصل » ، وهو مضمون ما ذكره المحقق في الاشكال على القاعدة. والاشكال عليه ظاهر مما ذكرنا ، فإن الأصل يثبت التوالي ، كما أنه يثبت التجاوز عن العشرة فلا مجال لأصالة عدمه. اللهم إلا أن يكون المراد من الإمكان الصفة الوجودية في الدم ، وهذه الصفة لا يمكن إثباتها بالأصل الجاري لإثبات الاستمرار إلى الثلاثة ، إلا بناء على القول بالأصل المثبت ، للملازمة بين الصفة وبين الاستمرار المذكور ، إذ ليس مرجع الإمكان إلى وجود الشرط وعدم المانع ، ليكون الأصل الجاري لإثبات الشرط ونفي المانع مثبتاً له. نعم لو كان الإمكان المذكور موضوعا للقاعدة من أحكام ثبوت الشرط ، وعدم المانع شرعا ، كان الأصل المثبت للشرط والنافي للمانع مثبتاً له. لكنه غير ظاهر. ولعل ذلك هو مراد شيخنا الأعظم (ره) بقوله : « وليس لفظ الإمكان وارداً .. ». نعم يشكل ذلك فيما لو علم باستمراره ثلاثة أيام فإنه لا يحرز بذلك إمكان كونه حيضاً ، لاحتمال العبور عن العشرة لكن الإجماع على جريان القاعدة في الفرض كاشف عن أن الإمكان المعتبر في القاعدة يراد منه الإمكان من غير هذه الجهة ، أعني : جهة الامتناع من جهة التضاد بين التطبيقين على الدمين في الحكم بالحيضية. هذا ولكن الظاهر من الإمكان ليس هو العقلي بل القياسي ، وهو الحاصل من اجتماع الشرائط وفقد الموانع ، فهو أثر شرعي لذلك فالأصل الجاري لإثبات الشرط كاف في إثباته. فلاحظ ، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى في مبحث قاعدة الإمكان ـ ان الروايات المستدل بها عليها موردها التحيض بالرؤية ، إما لصحة‌

٢٢٨

فإن رأت ثلاثة أو أزيد تجعلها حيضاً [١]. نعم لو علمت أنه يستمر إلى ثلاثة أيام تركت العبادة بمجرد الرؤية ، وإن تبين الخلاف تقضي ما تركته.

______________________________________________________

الاستصحاب المذكور ، أو لعدم اعتبار استقرار الإمكان من جهة استمرار الدم ثلاثة أيام ، وانه لا مجال للتوقف في جريان القاعدة في أول الرؤية. ثمَّ انه قد يستشكل في الأصل المذكور من جهة عدم جريان الأصل في الأزمنة المتأخرة. كما صدر من بعض. وفيه : انه خلاف إطلاق دليله بل ظاهر شيخنا الأعظم (ره) في غير المقام ، وعن غيره في بعض المقامات ـ مثل الشك في الوقت ـ المفروغية عن صحة جريانه فيها. فراجع.

وأما أخبار الصفات ، فقد عرفت في أول المبحث الإشكال في عمومها لغير المستمرة الدم ، مع أن مقتضاها نفي حيضية الفاقد ، كما هو محل الكلام وعدم القول بالفصل ـ لو تمَّ ـ لا يصلح وجهاً لإلحاق الفاقد بالواجد في الحكم بالحيضية ، بل من الممكن إلحاق الواجد بالفاقد في الحكم بنفيها ، ولا موجب للترجيح ، ومع التعارض يرجع الى قواعد أخرى. مع أن في تمامية عدم الفصل إشكالا أو منعاً ، كما في الجواهر وطهارة شيخنا الأعظم (ره) بل استظهر فيهما ـ تبعاً للمدارك ـ أن ظاهر المنتهى والمختلف ان النزاع إنما هو في الجامع ، وأما الفاقد فلا نزاع فيه.

وأما النصوص فلو تمت دلالتها فهي مقيدة بصحيح ابن الحجاج‌ ، ومصحح إسحاق‌ المتقدمين كما عرفت. فتأمل. مع أنه يقرب الإشكال في دلالتها بلحاظ ظهورها في ورودها لبيان منتهى مدة التحيض بعد الفراغ عن أصل التحيض لا لبيان التحيض بمجرد الرؤية. فإذاً القول بعدم التحيض أنسب بالأدلة.

[١] لأن الأصل في الثلاثة المتوالية أن تكون حيضاً بلا إشكال ، كما‌

٢٢٩

______________________________________________________

في الجواهر ، وعن التذكرة : « إذا رأت ثلاثة أيام متواليات فهو حيض قطعاً » ، والإجماع عليه صريحاً وظاهراً من غير واحد ، فيما لو رأت الدم ثلاثة ثمَّ انقطع ثمَّ رأته قبل العشرة. وفي محكي المنتهى وطهارة شيخنا الأعظم (ره) : دعوى الاتفاق عليه صريحا في المبتدئة ، بل هو ظاهر كل من تعرض لنقل الأقوال ، حيث لم ينقل أحد منهم القول بعدم التحيض فيها ، والظاهر بناؤهم على عدم الفرق بينها وبين غيرها من أقسام ذات الدم المشار إليها في المتن ، كما صرح به غير واحد. ويقتضيه ـ مضافا الى قاعدة الإمكان ـ جملة من النصوص ، كصحيح يونس بن يعقوب : « المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة. قال (ع) : تدع الصلاة » (١) وصحيح ابن سنان : « عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ قال (ع) : نعم ، إن الحبلى ربما قذفت بالدم » (٢). ونحوه صحيح صفوان‌ (٣) ، ولأجل ذلك كله ترفع اليد عن إطلاق ما تقدم من عدم التحيض بالفاقد للصفة ، فيحمل على عدم التحيض به قبل الثلاثة لا بعدها. ومن ذلك يظهر الوجه في قوله (ره) : « نعم لو علمت انه يستمر الى .. ».

تنبيه

قال العلامة (ره) في القواعد : « وكل دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض وإن كان أصفر أو غيره ». ومثله كلام غيره ، وفي جامع المقاصد : « هذا الحكم ذكره الأصحاب كذلك ، وتكرر في كلامهم ، ويظهر منهم انه مما أجمعوا عليه ». وعن شرح الروضة : « ذكره الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

٢٣٠

______________________________________________________

قاطعين به على وجه يظهر منهم اتفاقهم عليه » وفي الذخيرة : « لا أعرف في ذلك خلافاً بين الأصحاب ، بل في كلام المحقق والعلامة انه إجماعي » وعن شرح المفاتيح : أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، وعن حاشية المدارك : « انهم لم يعولوا على الإمكان وإنما عولوا على الإجماع » وفي الرياض : نسبته إلى الأصحاب من غير خلاف ، بل عن الخلاف : « الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر ، سواء كانت أيام العادة أو الأيام التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضاً » ، ثمَّ حكى عن بعض العامة تخصيص ذلك بأيام العادة ، ثمَّ قال : « دليلنا على ذلك إجماع الفرقة » ، وعن نهاية الأحكام : « كل دم يمكن أن يكون حيضاً وينقطع على العشرة فإنه حيض ، سواء اتفق لونه أو اختلف ، ضعيف أو قوي إجماعا » وفي المعتبر : « وما تراه المرأة بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع ، ولا عبرة بلونه ، ما لم يعلم انه لقرح أو لعذرة ، وهو إجماع ، ولأنه في زمان يمكن أن يكون حيضاً فيجب أن يكون حيضاً » ونحوه ما في المنتهى غير انه قال : « وهو مذهب علمائنا أجمع ». فإن ما ادعياه من الإجماع وان كان في بعض موارد القاعدة ، إلا أن استدلالهما عليه بالقاعدة يقتضي كونها بعمومها أوضح من معقد الإجماع ، بحيث يستدل بها عليه.

إذا عرفت ذلك نقول : إن الكلام في القاعدة ( تارة ) يكون في معناها ( واخرى ) في دليلها ( وثالثة ) في موردها.

( أما الأول ) فهو أنه ليس المراد بالإمكان الإمكان الذاتي ـ أعني ما يكون الحكم به بالنظر الى الذات ـ وذلك لأن خصوصية الحيضية إن كانت خارجة عن قوام الذات يلزم بطلان عموم القضية في جميع الموارد التي يحكم فيها بعدم الحيض ، لتحقق الإمكان الذاتي ، مع أن المفروض ان الدم‌

٢٣١

______________________________________________________

فيها ليس بحيض ، ولا فرق في ذلك بين الإمكان العام والخاص ، وإن كانت داخلة في قوام الذات ، فان كان المقصود الإمكان الخاص ـ وهو ما يصح سلب الضرورة فيه عن الطرفين ـ بطلت القضية ، لأن الدم إما حيض بالضرورة أو لا حيض كذلك ، فيمتنع سلب الضرورة فيه عن الطرفين وان كان المقصود العام منه ـ كما اختاره في المسالك وتبعه عليه في الذخيرة ـ وهو ما يصح سلب الضرورة فيه عن الطرف المخالف ، فالقضية وإن كانت صحيحة إلا أنها تكون حقيقية واقعية ، لأن كل دم لا يكون سلب الحيض عنه ضروريا فهو حيض واقعاً ، ولا تكون قضية تعبدية ظاهرية كما هو المقصود. وكذا الحال لو أريد منه الإمكان القياسي بلحاظ حدوده الواقعية لأن ما جمع حدود الحيض واقعاً كان حيضاً ضرورة. وكذا ليس المراد منه الإمكان الوقوعي ـ أعني : ما لا يلزم من الوقوع المحال ـ لعدم إمكان الإحاطة بذلك ، فيتعذر العمل بالقاعدة. وحينئذ يدور الأمر بين أن يراد منه الإمكان الاحتمالي ، والإمكان القياسي بلحاظ ما علم اعتباره شرعاً ، والإمكان القياسي بلحاظ ما احتمل اعتباره فيه شرعا واقعاً وان لم يعلم.

ويفترق الأول عن الأخيرين في أول الرؤية إذا لم يمكن إحراز استمراره إلى الثلاثة ، ويفترقان عنه فيما لو علم بكونه ليس بحيض مع اجتماع جميع ما يعتبر قطعاً أو احتمالا فيه ، ويفترق الثاني عن الثالث فيما لو أحرز جميع ما ثبت اعتباره فيه وفقد بعض ما يحتمل فيه اعتباره كالتوالي. هذا وحيث أن مورد افتراق الأخيرين عن الأول مما لا يحتمل دخوله في محل الكلام ـ لأن القاعدة المذكورة كسائر القواعد الظاهرية تختص بصورة عدم العلم ـ كانت المعاني الثلاثة مترتبة في العموم المطلق ، فالأول أعم من الأخيرين ، والثاني أعم من الثالث ، ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره الأستاذ (ره)

٢٣٢

______________________________________________________

في رسالة الدماء من أن المعنى الثاني أعم من الأول ، بملاحظة مورد الافتراق المذكور ، وبملاحظة خروجه عن محل الكلام يكون مساوقا له ، ولا ينفك أحدهما عن الآخر.

ثمَّ إنه قد يستظهر من كل من تمسك لتحيض المبتدئة وغيرهما بمجرد الرؤية بقاعدة الإمكان اختياره للمعنى الأول ، لكن عرفت الإشكال في ذلك. فراجع. نعم هو ظاهر المنتهى في ذلك المقام ، وغيره في المقام. كما أن المختار لشيخنا الأعظم (ره) هو الأخير ، ولعله هو الظاهر من لفظ الإمكان بعد امتناع حمله على الذاتي والوقوعي كما سبق. نعم مقتضى بعض معاقد الإجماعات ، وجملة من الأدلة الآتية من النصوص ، وغيرها ـ على تقدير تمامية الاستدلال بها عليها ـ هو الأول. وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك.

( وأما الثاني ) فهو أمور. الأول : الأصل. ذكره جماعة. وفيه : أنه إن كان بمعنى الغلبة فلا دليل على حجيته ، وان كان بمعنى الظاهر ففيه : ـ مع ذلك ـ ان ثبوته مطلقاً ولو مع فقد الصفات محل تأمل. وان كان بمعنى استصحاب عدم كونه من قرح أو عرق العاذل أو نحوهما ـ كما عن شرح المفاتيح ـ ففيه : ـ مع أنه يتوقف على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي. فتأمل. ومعارضته باستصحاب عدم الحيض ـ لا يصلح لإثبات كونه حيضاً ، إلا بناء على القول بالأصل المثبت. وان كان بمعنى أصالة الصحة ـ لأن دم الاستحاضة إنما يكون من علة كما في النص‌ (١) ، كما قد يظهر من الرياض ـ فهو لا يصلح لإثبات كون الدم حيضاً ، لأنه من اللوازم التي لا يصلح أصل الصحة لإثباتها ، والقدر المتيقن من دليله اعتباره‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٢٣٣

______________________________________________________

بلحاظ الآثار الشرعية للصحة لا غير.

الثاني : بناء العرف ، فان المتعارف ان المرأة التي من شأنها أن تحيض متى ما رأت ما يمكن أن يكون حيضاً تبني على كونه حيضاً ، كما في محكي شرح المفاتيح. وفيه : أن ذلك مسلم فيما يخرج من الرحم ، لكن الظاهر انه تطبيق حقيقي ـ كما يساعده مادة اشتقاق الاستحاضة ـ لا بنحو يكون قاعدة ظاهرية ـ كما هو محل الكلام ـ بل يكون خطئياً. والنصوص المتضمنة للفرق بين دم الحيض والاستحاضة بمثل : « إن دم الاستحاضة يخرج من عرق العاذل » (١) ، أو : « أنه من علة » (٢) رادعة عنه ، ولو سلم ذلك فالنصوص النافية للتحيض بالفاقد‌ (٣) رادعة عنه. فتأمل.

الثالث : سيرة المتشرعة. وفيه : أنها وإن كانت مسلمة ، لكنها في الجملة والموارد المتيقنة منها لعله مما قام الدليل على التحيض فيه.

الرابع : ما في كشف اللثام من انه لو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض إذ لا يقين. وفيه : أنه يتم لو لم يكن طريق الى الحيض أصلا ، لكن عرفت سابقاً الاتفاق من النص والفتوى على أصالة الحيض في كل ما يرى في العادة ، أو ما يقرب منها وإن لم يكن بالصفة (٤) ، وكل ما يرى بالصفة وإن لم يكن في العادة أو ما يقرب منها (٥) ، وكل ما استمر‌

__________________

(١) لم نقف عليه بعد الفحص عنه في مظانه من كتب الحديث. نعم في نهاية ابن الأثير في مادة ( عذل ) هكذا : « في حديث ابن عباس : وسئل عن الاستحاضة فقال : ذلك العاذل يغذو.

ثمَّ قال : العاذل اسم العرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة ، ويغذو اي يسيل » ونحوه في الصحاح.

وسيأتي قبل المسألة الاولى من فصل الاستحاضة ما يدل على نفي ورود الحديث في ذلك.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٣ و ٤ من أبواب الحيض.

(٤) الوسائل باب : ٤ و ١٥ من أبواب الحيض‌

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض‌

٢٣٤

______________________________________________________

ثلاثة أيام وإن لم يكن واجداً للصفات (١) ، فكيف يتوقف الحكم بالحيض على قاعدة الإمكان؟!

الخامس : جملة من النصوص قد أشار إلى أكثرها شيخنا الأعظم (ره) في طهارته ، وغيره ، مثل روايتي يونس بن يعقوب‌ وأبي بصير‌ فيمن ترى الدم ثلاثة أو أربعة (٢) المتضمنتين : « انها تدع الصلاة كلما رأت الدم وتصلي كلما رأت الطهر ما بينها وبين شهر » ، وروايتي ابن مسلم‌ (٣) والبصري‌ (٤) المتضمنتين : « إن ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى وما تراه بعدها فهو من حيضة مستقبلة ». المتقدمة كلها في مبحث التوالي ورواية سماعة الواردة فيمن ترى الدم قبل العادة ، الآمرة بالتحيض به ، معللة بأنه ربما تعجل بها الوقت‌. وقد تقدمت في التحيض بالدم المتقدم على العادة ، وصحيحة ابن المغيرة الواردة فيمن رأت الدم بعد ما نفست ثلاثين يوماً وتركت الصلاة ، والآمرة بالتحيض معللة بأن أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس‌. وقد تقدمت في تحيض المبتدئة برؤية الدم الواجد للصفات ، ورواية ابن سنان الواردة في الحبلى ترى الدم ، الآمرة بالتحيض معللة بأن الحبلى ربما قذفت بالدم ، المتقدمة في التحيض بالمستمر ثلاثة أيام‌ ، ونحوها موثقة أبي بصير‌ (٥) ، وكذا مرسلة حريز‌ (٦). إلا انها معللة بأنه ربما يبقى في الرحم الدم ولم يخرج وتلك الهراقة. فان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الحيض‌

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الحيض حديث : ٢ و ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب العدد حديث : ١‌

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٠‌

(٦) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب حديث : ٩‌

٢٣٥

______________________________________________________

ظاهر التعليلات المذكورة مجرد إبداء الاحتمال ليكون المورد من صغريات القاعدة. وما ورد في أن الصائمة تفطر بمجرد رؤية الدم‌ (١) ، وما ورد في المشتبه بدم العذرة أو القرحة من الحكم بالحيض بمجرد انتفاء علامة العذرة‌ أو القرحة‌ (٢) ، ورواية صفوان : « في الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام. قال (ع) : تمسك عن الصلاة » (٣) ، وما ورد في الاستظهار عند تجاوز الدم عن العادة‌ (٤) ، ورواية العيص : « عن امرأة ذهب طمثها سنين ثمَّ عاد إليها شي‌ء. قال (ع) : تترك الصلاة حتى تطهر » (٥). وفيه : أن الروايات المذكورة على تقدير تمامية دلالتها مقيدة بما دل على عدم التحيض بالصفرة‌ (٦) كما تقدم في تحيض المبتدئة بالرؤية. مع أن دلالتها على القاعدة لا تخلو من اشكال ، إذ الأولتان لا يمكن حملهما على قاعدة الإمكان ، لامتناع الحيض في تمام الشهر ، فتكون متعارضة التطبيق بالإضافة الى كل واحد من الدماء. وخروج الدم السابق عن محل الابتلاء ـ بالإضافة الى بعض الاحكام ـ لا يقدح في التعارض ولو بالإضافة الى بعض الأحكام الأخر ، مثل قضاء الصلاة. مضافا إلى أن المفروض في السؤال كون الدم يستمر ثلاثة أو أربعة ، وقد تقدم الإجماع على الحكم بالتحيض فيه. فتأمل. والثانيتان إنما هما في مقام إلحاق الدم المفروض الحيضية بالحيض الأول والثاني. ورواية سماعة‌ إنما تدل على ان ما يقرب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الحيض‌

(٢) الوسائل باب : ٢ و ١٦ من أبواب الحيض‌

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض‌

(٥) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٦) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض‌

٢٣٦

______________________________________________________

من أيام العادة أمارة على الحيض كأيام العادة ، لا في مقام جعل أصل في الدم ، وإلا كان المناسب التعليل بأنه قد يجي‌ء الدم في غير العادة. وصحيحة ابن المغيرة‌ في مقام بيان عدم مانعية الدم الأول عن حيضية الدم الأخير التي قد توهمها السائل. وأما روايات التعليل فقد قيل : إنها واردة لدفع توهم مانعية الحمل عن الحيض. وأخبار إفطار الصائمة برؤية الدم واردة لبيان مفطرية الدم مطلقاً ، لا في مقام جعل الحيضية للمحتمل انه حيض ، كما أشرنا إليه آنفاً. وأخبار الاشتباه بالعذرة أو القرحة لا عموم فيها لغير موردها. مع أن ما ورد في الاشتباه بالقرحة مختص بصورة الدوران بين الحيض والقرحة ، ولعل الخروج من جانب القرحة لازم مساو لها ، فانتفاؤه يقتضي انتفاءها وتعين الحيض. ومثله جار في بعض أخبار الاشتباه بالعذرة المختص بصورة الدوران بين الحيض والعذرة ، فيكون الانغماس أو عدم التطوق أمارة على الحيض ، فلا يكون مما نحن فيه. نعم بعض أخباره شامل لصورة احتمال دم الاستحاضة ، فيكون مفاده قاعدة الإمكان كما عرفت في ذلك المقام. ورواية صفوان‌ موردها صورة بقاء الدم ثلاثة أو أربعة كما سبق في روايتي يونس‌ وأبي بصير‌. وأما أخبار الاستظهار فمن المحتمل أن يكون الوجه فيها الاستصحاب الجاري في المرأة أو في الدم ، لا ثبوت قاعدة في الدم. مع أنها مختصة بموردها. وأما رواية العيص‌ فالتعبير بالعود فيها يصلح قرينة على اختصاصها بصورة إحراز الحيض بالعلم أو العلمي ، وكأن الوجه في السؤال احتمال كون انقطاعه مدة طويلة مانعاً عنه شرعاً.

هذا والانصاف ان بعض المناقشات المذكورة لا تخلو من ضعف ولا سيما المناقشة في التعليلات ، فان دلالتها على الكلية لا تقبل المناقشة ،

٢٣٧

______________________________________________________

وما ذكره شيخنا الأعظم (ره) ، من أن الظاهر ان لفظ « ربما » للتكثير جي‌ء به لرفع الاستبعاد ، ولم يقصد تعليل الحكم بالاحتمال. مع أن أخبار التعجيل مختصة بما تراه المعتادة قريباً من وقتها. خلاف الظاهر في لفظ « رب » ، وخلاف الظاهر من سوقه مساق التعليل ، والتعجيل وإن كان يختص بالوقت القريب ، لكن الاستدلال كان بالتعليل به لا بمادته ، فان التعليل بالتعجيل ظاهر في أن المناط احتمال الحيض وعدم المانع. ويظهر من محكي المبسوط والروض : الاستدلال على ذلك بما دل على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، بحمل أيام الحيض على الأيام التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضاً ، وعن السرائر والنهاية : تفسيره بذلك أيضاً. ولكنه ـ كما ترى ـ خلاف الظاهر جداً ، بل الظاهر منه أيام العادة لا غير.

السادس : الإجماعات المتقدمة المتلقاة بالقبول من حاكيها ، وكفى بها دليلا عليها ، ولا سيما مع تأيدها أو اعتضادها بما سبق. نعم تأمل فيه الأردبيلي لما ذكروه في تعريف الحيض ، وخصه بما إذا لا يمكن كونه غير حيض. وفي المدارك استظهر اختصاص ذلك بما إذا كان الدم بصفة الحيض ، لكن على مختار الأول تكون القضية ضرورية عقلية لا شرعية ، والثاني وإن كان يقتضيه ما عرفت من النصوص الدالة على أن الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض ، لكنه لو لم ينعقد الإجماع على خلافها. وكأنه لم يثبت عنده الإجماع المذكور ، كما قد يقتضي ذلك الخلاف في تحيض المبتدئة بالفاقد ، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، وإن كان الذي يظهر من كلماتهم هناك ان الموجب للخلاف عدم انطباقها لا عدم حجيتها. فراجع.

( وأما الثالث ) فلا ينبغي التأمل في أن القاعدة المذكورة من قبيل الأصل ، يجري عليها ما يجري على عامة الأصول ، من عدم جواز الرجوع‌

٢٣٨

______________________________________________________

إليها في ظرف وجود الأمارة موافقة كانت أم مخالفة ، ومن وقوع التعارض بين أفرادها في موضوعين أو أكثر إذا علم إجمالا بكذب أحدهما ، كما لو رأت الدم وعلمت أنه يستمر إلى ما فوق العشرة ، فإن جريانها فيما قبل العشرة معارض بجريانها فيما بعدها ، وعليه فلو فرض جريان الاستصحاب لإثبات التجاوز عن العشرة يشكل التحيض بالدم بعد الثلاثة اعتماداً على قاعدة الإمكان ، لأنه إذا جرى استصحاب بقائه الى ما بعد العشرة تتعارض القاعدة بالإضافة إلى ما قبل العشرة وما بعدها ، فالوجه في التحيض حينئذ ينحصر بالإجماع ، أو يكون نفس الإجماع مانعاً عن العمل بالاستصحاب المذكور. لكن ظاهرهم هو الثاني ، لتمسكهم في وجوب التحيض في الفرض بالقاعدة. وأما التحيض بمجرد الرؤية فيتوقف التمسك بها فيه إما على حمل الإمكان على الإمكان الاحتمالي ، أو حمله على الإمكان القياسي بأحد معنييه ، مع البناء على جريان الاستصحاب لإثبات استمراره إلى الثلاثة وإلا أشكل التمسك بها لعدم إحرازه.

هذا وقد يقال : إن مقتضى الأدلة حمل الإمكان على الاحتمالي ، أما اقتضاء الأدلة الأربعة الأول فظاهر. وأما الأخبار فالعمدة فيها نصوص التعليل ، ومقتضاها الاكتفاء بمجرد الاحتمال ، وكذا مقتضى غيرها مما هو وارد في التحيض بالرؤية. وأما الإجماعات فالعمدة منها إجماع الخلاف والمعتبر والمنتهى ، وظاهر محكي معقد الأول سوق القاعدة مساق أيام العادة التي لا ريب في الاكتفاء في التحيض فيها بمجرد الاحتمال ، وأما إجماع المنتهى فحاله أظهر ، لأنه ذهب فيه إلى تحيض المبتدئة بمجرد الرؤية متمسكاً بالقاعدة وحدها بلا نظر إلى الاستصحاب ، وأما إجماع المعتبر فيمكن أن يكون محمولا على ذلك ، ولا ينافيه بناؤه على عدم تحيض المبتدئة بمجرد‌

٢٣٩

______________________________________________________

الرؤية لتمسكه على ذلك بأصالة عدم الاستمرار ، بناء منه على انها بحكم اليقين بعدم الاستمرار في المنع عن القاعدة. فلاحظ كلامه. وبالجملة : العمدة في دليل القاعدة النص والإجماع ، والعمدة في النص التعليلات ، وهي وأكثر معاقد الإجماعات ظاهرة في الإمكان الاحتمالي.

لكن الإنصاف أن هذا المقدار لا يوجب سكون النفس ، ولا سيما مع بعد توجيه كلام المحقق ، وتصريح غير واحد من الأعاظم باعتبار الإمكان القياسي ، قال في شرح الروضة : « إن أمكن كونه حيضاً بالاستجماع لشرائطه والخلو عن موانعه حكم بكونه حيضاً ، كان بصفات الحيض أم لا. كذا ذكره الأصحاب قاطعين به على وجه يظهر اتفاقهم عليه ». بل تمكن المناقشة في دلالة التعليلات على الإمكان الاحتمالي ، لأن الاحتمال المستفاد من كلمة : « رب » هو احتمال الحيض من جهة الموانع الخارجية التكوينية لا الموانع الشرعية ، وإلا فهي واردة في مقام نفي المانع الشرعي عن الحيض من الحبل وغيره ، والحكم بالحيضية كان مبنياً على ذلك ، فلا تصلح للجريان مع الشك فيه. وبالجملة : مفاد التعليلات التعليل بعدم المانع الشرعي ، واحتمال عدم المانع التكويني ، فلا بد من إحراز عدم المانع الشرعي فيها. نعم الحكم في موردها بالتحيض بالرؤية يقتضي عدم الاعتناء باحتمال عدم استمرار الدم ثلاثة أيام. وأما معاقد الإجماع فالحال فيها كما في النصوص ، إذ إجماع الخلاف كان على إلحاق أيام الإمكان بأيام العادة ، وأيام العادة إنما تكون حجة مع الاحتمال فكذا أيام الإمكان ، لكن كون الإمكان هو الاحتمالي غير ظاهر. وكذا إجماع المنتهى. نعم ظاهرهما التحيض بالرؤية ـ كنصوص التعليل ـ وإن لم يحرز الاستمرار ، أما لإمكان إثبات الاستمرار بالأصل ، أو لعدم اعتبار إحراز الإمكان من هذه الجهة.

٢٤٠