مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

إلا بعد الخروج [١] أو بعد الاغتسال ، ولكن لا يباح بهذا التيمم إلا دخول المسجد ، واللبث فيه بمقدار الحاجة [٢] ،

______________________________________________________

جهة وجوب الجمع بين غرضي الشارع من تحريم كون الجنب في المسجد ووجوب الصلاة بالطهارة المائية ، نظير شراء الدواء لعلاء المرض ، فان وجوب الشراء ليس مقدمياً للعلاج ، إذ العلاج كما يكون بالدواء المباح يكون بالمغصوب ، بل لحكم العقل بوجوب الجمع بين غرضي الشارع من حرمة الغصب ، ووجوب علاج المريض ، ونظيره أيضاً ما لو غرق طفل في حوض المسجد بحيث توقف إنقاذه على دخول المسجد مع كون المنقذ جنباً ، فإنه يجب عليه التيمم لدخول المسجد من باب وجوب الجمع بين الغرضين لا لمقدمية التيمم للانقاذ. نعم يتوقف ذلك على كون دخول المسجد من الغايات التي يشرع لها التيمم ، كما هو الظاهر من مصحح مرازم المتقدم في غايات الوضوء‌ (١) ، أما لو لم نقل بذلك فلا مصحح للتيمم لعدم الأمر به ، لا من قبل الصلاة لعدم المقدمية ، ولا من قبل الكون في المسجد لعدم الأمر به كما هو المفروض. اللهم إلا أن نقول باستحباب التيمم للكون على الطهارة كما هو غير بعيد. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

ثمَّ إن الظاهر عدم وجوب المبادرة إلى الغسل ، لعدم المقتضي له بعد كونه بالتيمم بحكم الطاهر.

[١] راجع إلى أخذ الماء. وقوله : « أو بعد الاغتسال » راجع لقوله : « أو الاغتسال فيه ».

[٢] لما أشرنا اليه. وستأتي الإشارة إليه في محله.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الوضوء حديث : ٢‌

٦١

فلا يجوز له مس كتابة القرآن ولا قراءة العزائم ، إلا إذا كانا واجبين فوراً [١].

( مسألة ٩ ) : إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين لا يجوز له استئجارهما [٢] ولا استئجار أحدهما لقراءة العزائم أو دخول المساجد أو نحو ذلك مما يحرم على الجنب.

( مسألة ١٠ ) : مع الشك في الجنابة لا يحرم شي‌ء من المحرمات المذكورة [٣] إلا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة [٤].

______________________________________________________

[١] إذ حينئذ يصدق عدم الوجدان بالنسبة إليهما أيضا.

[٢] للعلم الإجمالي بحرمة إجارة أحدهما وفسادها. هذا إذا فرض علم الجنب بجنابة نفسه ، أما مع جهله بها فلا دليل على حرمة الإجارة تكليفاً لأن كلا منهما معذور في مخالفة حرمة الفعل. وإحداث الداعي اليه مع جهل الفاعل به لا دليل على حرمته. وأما فساد الإجارة فمبني على فساد الإجارة على فعل الحرام مع جهل الأجير ، من جهة عدم مضمونية فعل الحرام الواقعي ، كما قد يستفاد من بعض النصوص المشار إليها آنفاً. لكن عرفت أن الترخيص حال الجهل مانع من صدق الحرام الفعلي ، فلا بأس بالإجارة عليه.

[٣] لاستصحاب الطهارة ، أو لأصالة البراءة.

[٤] فيبنى عليها للاستصحاب ، وإذا جهلت الحالة السابقة فالحكم كما في الوضوء. فراجع.

٦٢

فصل فيما يكره على الجنب

وهي أمور :

( الأول ) : الأكل والشرب [١] ويرتفع كراهتهما بالوضوء [٢] أو غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق [٣] فصل فيما يكره على الجنب‌

______________________________________________________

فصل فيما يكره على الجنب

[١] إجماعاً صريحاً وظاهراً عن جماعة. وما عن الفقيه ، والهداية ـ من التعبير بـ « لا يجوز » ، وعن المقنع من النهي ـ محمول على الكراهة ، بقرينة ما حكي عنهما من التعليل بمخافة البرص ، كالنهي في خبر السكوني المعلل بخوف الوضح‌ (١) ، وفي حديث المناهي المعلل بأنه يورث الفقر‌ (٢) وعلى الإرشاد إلى ما يدفع الكراهة يحمل ما‌ في مصحح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب » (٣) ، وما‌ في صحيح عبد الرحمن عن الصادق (ع) : « أيأكل الجنب قبل أو يتوضأ؟ قال (ع) : إنا لنكسل ولكن ليغسل يده والوضوء أفضل » (٤).

[٢] كما‌ في صحيح الحلبي : « إذا كان الرجل جنباً لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ » (٥) ، وقد تقدم في صحيح عبد الرحمن « أنه الأفضل ».

[٣] كما في خبر السكوني‌ (٦) ، لكن ترك فيه الاستنشاق. وكذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

(٥) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٦) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

٦٣

أو غسل اليدين فقط [١].

( الثاني ) : قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن [٢] ما عدا العزائم وقراءة ما زاد على السبعين‌

______________________________________________________

في مصحح زرارة‌ (١) بناء على حمل اليد فيه على اليدين معاً ، لكن ترك فيه الاستنشاق أيضاً ، وذكر فيه غسل الوجه. نعم يطابقه ما‌ في الرضوي : « إذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثمَّ كل .. » (٢).

[١] كما في مصحح عبد الرحمن‌ (٣) ، بناء على ظهوره في مجموع اليدين كما هو غير بعيد. وحينئذ فيكون اختلاف النصوص محمولا على اختلاف مراتب الفضل فأدناها غسل اليدين فقط ، وفوقها ذلك مع المضمضة ، وفوقها ذلك مع غسل الوجه ، وفوقها الوضوء. فتأمل. ولو بني على العمل برواية السكوني‌ قام الاستنشاق مقام غسل الوجه. وكلمات الأصحاب في ذلك مضطربة جداً فراجعها. والأمر سهل.

[٢] أما جواز القراءة في الجملة فعن جماعة الإجماع عليه ، ويدل عليه النصوص المتقدمة في حرمة قراءة العزائم على الجنب وغيرها. وعن سلار التحريم ، وكأنه‌ لرواية السكوني : « سبعة لا يقرأون القرآن » (٤) وعد منهم الجنب ، وفي رواية الخدري : « من كان جنباً في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما » (٥) ، لكنهما لا يصلحان لمعارضة ما عرفت.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١٢ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

(٤) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١‌

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

٦٤

أشد كراهة [١]. ( الثالث ) : مس ما عدا خط المصحف من الجلد ، والأوراق ، والحواشي ، وما بين السطور [٢].

______________________________________________________

وأما عدم الكراهة في السبعة فهو ظاهر الأصحاب ، بل عن تخليص التلخيص الإجماع على انتفاء الكراهة فيما نقص عن السبع ، ولعله أراد السبع فما نقص. لكن عن ابن سعيد في الجامع إطلاق الكراهة. ولعله في محله جمعاً بين الروايتين السابقتين وغيرهما ، بل‌ عن الشيخ في مجالسه : « كان رسول الله (ص) لا يحجزه عن قراءة القرآن إلا الجنابة » (١).

وأما جواز ما زاد على السبعة فهو المشهور شهرة عظيمة ، وعن بعض المتقدمين التحريم وكذا عن ظاهر المهذب. وكأن مستنده دليل الكراهة عند المشهور من‌ رواية سماعة : « عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال (ع) : ما بينه وبين سبع آيات » (٢) ، لكنه أيضا لا يصلح لمعارضة ما دل بظاهره على الجواز من النصوص المتقدمة ، لا سيما مع قول الشيخ (ره) : وفي رواية زرعة عن سماعة قال : « سبعين آية » (٣) ، لقرب دعوى كونها رواية واحدة مضطربة. لكن سيأتي أن اللازم حينئذ أيضاً إجراء حكم المتعارضين الموجب للرجوع إلى الترجيح الذي هو مع الأولى ، لكون راويها عثمان بن عيسى الذي هو أوثق من زرعة ، ولا سيما مع احتمال كون الثانية مرسلة. ومن ذلك تعرف وجه المشهور من الكراهة.

[١] بناء على أنه وجه الجمع بين روايتي سماعة‌ ، لكن عرفت قرب دعوى كونهما رواية واحدة.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة. نعم عن المرتضى المنع عن مس‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ٩‌

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ١٠‌

٦٥

( الرابع ) : النوم إلا أن يتوضأ [١] أو يتيمم ـ إن لم يكن له الماء‌

______________________________________________________

المصحف لقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١) ولرواية إبراهيم ابن عبد الحميد المتقدمة‌ (٢) ، لكن عرفت الإشكال في دلالة الآية. مضافاً الى ظهورها في رجوع الضمير الى القرآن لا المصحف. وأما الرواية فمع ضعفها في نفسها ، ووهنها بالاعراض قاصرة الدلالة كما سبق. نعم‌ في صحيح ابن مسلم : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب » (٣) ، إلا أن إعراض المشهور عنه يمنع عن الاعتماد عليه ، فليحمل على كونه أدبياً.

[١] إجماعاً صريحا وظاهراً عن جماعة ، للنصوص الدالة عليه‌ كموثق سماعة : « عن الرجل يجنب ثمَّ يريد النوم؟ قال (ع) : إن أحب أن يتوضأ فليفعل ، والغسل أحب إلي وأفضل من ذلك ، فان هو نام ولم يغتسل فليس عليه شي‌ء » (٤) وبمضمونه غيره. فما عن المهذب من التحريم ضعيف ، إلا أن يكون المراد منه الكراهة. نعم قد يعطي الموثق المذكور ـ كصحيح البصري : « عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال (ع) : إن الله يتوفى الأنفس في منامها ، ولا يدري ما يطرقه من البلية ، إذا فرغ فليغتسل » (٥) ـ خفة الكراهة بالوضوء كما عن كشف اللثام ، والرياض. نعم ظاهر الأصحاب ـ كصحيح الحلبي : « عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال (ع) : يكره ذلك حتى يتوضأ » (٦) ـ

__________________

(١) الواقعة : ٧٩‌

(٢) تقدم الاستدلال بها في أول هذا الفصل‌

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

(٥) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٦) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٦٦

بدلاً عن الغسل [١]. ( الخامس ) : الخضاب [٢] رجلاً كان أو المرأة وكذا يكره للمختضب [٣] قبل أن يأخذ اللون [٤]

______________________________________________________

ارتفاعها بالوضوء. اللهم إلا أن يحمل على الأول جمعا.

[١] ففي خبر أبي بصير : « لا ينام المسلم وهو جنب ، ولا ينام إلا على طهور ، فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد » (١) وحيث أن الظاهر من الطهور الغسل ، فالتيمم فيه بدل عنه. نعم لو لم يجد الماء للوضوء ، أمكن القول بجواز التيمم بدلا عنه ، لعموم بدليته عنه.

[٢] كما هو المشهور ، ففي خبر عامر بن جذاعة : « لا تختضب الحائض ولا الجنب ، ولا تجنب وعليها خضاب ، ولا يجنب هو وعليه خضاب ، ولا يختضب وهو جنب » (٢) ، وبمضمونه غيره المحمول على الكراهة جمعاً بينه وبين ما دل على نفي البأس ، كخبر أبي جميلة : « لا بأس بأن يختضب الجنب ويجنب المختضب » (٣) ونحوه غيره. فما عن المهذب من التحريم ضعيف ، أو محمول على الكراهة ، كتعليل الكراهة في محكي المقنعة : من أنه يمنع من وصول الماء إلى ظاهر الجوارح التي عليها الخضاب ، فإنه ـ مضافاً الى مخالفة النصوص ـ ممنوع ، ولو تمَّ اقتضى المنع وإجراء حكم الجبيرة حينئذ.

[٣] كما عن غير واحد ، ودلت عليه النصوص.

[٤] ففي خبر أبي سعيد : « قلت : فيجنب وهو مختضب؟ قال عليه‌السلام : لا. ثمَّ مكث قليلا ثمَّ قال : يا أبا سعيد ألا أدلك على شي‌ء تفعله؟ قلت : بلى. قال (ع) : إذا اختضبت بالحناء وأخذ الحناء مأخذه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الجنابة حديث : ٩‌

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٦٧

إجناب نفسه. ( السادس ) : التدهين [١]. ( السابع ) : الجماع إذا كانت جنابته بالاحتلام [٢]. ( الثامن ) : حمل المصحف [٣] ( التاسع ) : تعليق المصحف.

فصل

غسل الجنابة مستحب نفسي [٤] وواجب غيري للغايات الواجبة ،

______________________________________________________

وبلغ فحينئذ فجامع » (١) وبمضمونه مرسل الكليني‌ (٢) ، ولعل مقتضى الحديث الأول‌ خفة الكراهة بذلك. فتأمل.

[١] لخبر حريز : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الجنب يدهن ثمَّ يغتسل؟ قال (ع) : لا » (٣). فتأمل.

[٢] للمروي‌ عن مجالس الصدوق وخصاله : « وكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم ، حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فان فعل وخرج الولد مجنوناً فلا يلومن إلا نفسه » (٤).

[٣] وليس له مستند ظاهر إلا فتوى جماعة ، كما عن المعتبر. نعم قد يستفاد من النهي عن تعليقه في خبر إبراهيم‌ (٥) الذي هو مستند كراهة تعليقه.

فصل

[٤] لا إشكال ظاهر في رجحان الغسل للكون على الطهارة ، لعموم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ٧٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣‌

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣‌

٦٨

ومستحب غيري للغايات المستحبة. والقول بوجوبه النفسي [١].

______________________________________________________

قوله تعالى ( وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) والنبوي : « أكثر من الطهر يزد الله ـ تعالى ـ في عمرك ، وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل ، فإنك تكون ـ إذا مت على طهارة ـ شهيداً » (٢). وما ورد في تغسيل الملائكة لحنظلة الأنصاري حين استشهد‌ (٣). بل لا يبعد استحبابه لنفسه مع غض النظر عن الكون على الطهارة. لموثق سماعة‌ ، وصحيح البصري‌ المتقدمين في نوم الجنب ، بناء على استفادة الكلية منهما ، ولكن الاستفادة محل تأمل ، وإن كانت في الثاني غير بعيدة. وما في المروي في الاحتجاج في حديث الزنديق من‌ قول الصادق (ع) : « كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة ، والعرب كانت تغتسل ، والاغتسال من خالص شرائع الحنفية » (٤) وغير ذلك مما يتضمن الأمر به. لكن لا يبعد أن يكون منصرف جميع ذلك الأمر الغيري من جهة الكون على الطهارة ، ولا سيما بملاحظة بعض النصوص ، مثل‌ خبر ابن سنان : « علة غسل الجنابة النظافة ، لتطهير الإنسان مما أصابه من أذاه .. » (٥) ، ونحوه غيره. وقد تقدم في مبحث الوضوء عدم ظهور الثمرة العملية بين المفادين ، فراجع.

[١] حكي ذلك عن جماعة من الأساطين ، كابن حمزة ، والعلامة في المنتهى ، والمختلف والتحرير ، ووالده وولده ، والأردبيلي ، وغيرهم. لقوله‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوضوء حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب غسل الميت حديث : ٢ ومستدرك الوسائل باب نوادر غسل الميت حديث : ٢ و ٣‌

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الجنابة حديث : ١٤‌

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٦٩

______________________________________________________

تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (١) و‌قولهم (ع) : « إذا التقى الختانان وجب الغسل » (٢) ، و: « أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من ماء؟! » (٣) ، و: « إنما الماء من الماء » (٤) ونحوها. ولأنه لو لم يجب لنفسه لم يجب قبل وقت المشروط به ، والتالي باطل ، لوجوب الغسل قبل الفجر في الصوم ، فالمقدم مثله. ولخبر معاذ المروي عن محاسن البرقي عن الصادق (ع) « أنه سئل عن الدين الذي لا يقبل الله تعالى من العباد غيره ولا يعذرهم على جهله. فقال (ع) : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول (ص) والصلوات الخمس ، وصيام شهر رمضان ، والغسل من الجنابة ، وحج البيت ، والإقرار بما جاء من عند الله جملة ، والائتمام بأئمة الحق من آل محمد (ص) » (٥) ولبعض ما تقدم دليلا على الاستحباب النفسي.

هذا والمنسوب إلى ظاهر الأصحاب ـ كما عن التذكرة ـ وإلى إجماع المحققين من أصحابنا ومصنفي كتب الأصول ـ كما عن السرائر ـ وإلى فتوى الأصحاب ـ كما عن المحقق ـ وإلى الأكثر والشهرة ـ كما عن غيرهم ـ انتفاء الوجوب النفسي ، وأنه إنما يجب شرطاً في غيره ، استضعافاً لتلك الأدلة. إذ الآية لو لم تكن ظاهرة في الوجوب الغيري ـ كما يشهد به سياقها ، بل ينبغي أن يكون من المقطوع به ، ولا سيما بملاحظة العلم بشرطيته للصلاة ، فإن حملها على الوجوب النفسي يوجب إهمال بيان وجوبه الغيري في مقام البيان ـ

__________________

(١) المائدة : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٤) كنز العمال ج ٥ ص : ٩٠ رقم : ١٩١٧ وهو قول الأنصار في الحديث المتقدم‌

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣٨‌

٧٠

______________________________________________________

فلا أقل من إجمالها وعدم صلاحيتها للدلالة على الوجوب النفسي.

وأما ما تضمن وجوبه عند تحقق سببه فالظاهر منه الإرشاد إلى السببية كما يظهر من ملاحظة نظائره مما ورد في الحدث والخبث مما لا يحصى. فلاحظ أبواب منزوحات البئر ، وأبواب النجاسات ، وأبواب سائر الأغسال فإنه لم يعرف القول بوجوبها النفسي ، بل ظاهر بعض وصريح آخر نفي الخلاف في عدمه مع أنه ورد فيها التعبير بالوجوب ، كما ورد في غسل الجنابة. ولذا حكي عن المحقق : أن إخراج غسل الجنابة من دون ذلك كله تحكم بارد. وعن البيان : أنه تحكم ظاهر. ووجوبه قبل وقت المشروط به لا يدل على الوجوب النفسي ونفي الوجوب الغيري ، كما هو موضح في محله من الأصول والفقه. مع أن لازم وجوبه النفسي حينئذ حصول العصيان بالإضافة إلى وجوبه النفسي دون وجوب غيره المشروط به ، ولا يظن التزام القائل به بذلك. وأن القائل بوجوبه النفسي لا يلتزم به مضيقاً ، ولا دليل له عليه. وأن ذلك جار بعينه في غسل الحيض مع عدم الالتزام بوجوبه النفسي. بل هو جار في كثير من المقدمات التي يتعين فعلها قبل وقت ذيها.

وخبر معاذ‌ ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه في ذلك ، ولا سيما بملاحظة إهماله لكثير من الواجبات المهمة. مع أنه وارد في مقام الإهمال فلا يظهر منه الوجوب النفسي ولا ينافي الوجوب الغيري. نعم ذكره في عرض الواجبات النفسية يشعر بالوجوب النفسي ، لكنه لا يبلغ حد الظهور. وموثق سماعة‌ صريح في الاستحباب. وصحيح عبد الرحمن‌ يتعين حمله عليه للإجماع على عدم وجوب الغسل حين الفراغ ، وإن كان المراد منه الغسل قبل النوم. إلا أن يكون محل الاستشهاد به على الوجوب استدلال الامام (ع) بالآية ، فإن الظاهر أن‌

٧١

ضعيف. ولا يجب فيه قصد الوجوب والندب [١] بل لو قصد الخلاف لا يبطل إذا كان مع الجهل ، بل مع العلم إذا لم يكن بقصد التشريع [٢] وتحقق منه قصد القربة ، فلو كان قبل الوقت واعتقد دخوله فقصد الوجوب لا يكون باطلا [٣] ، وكذا العكس ومع الشك في دخوله يكفي الإتيان به بقصد القربة للاستحباب النفسي ، أو بقصد إحدى غاياته المندوبة ، أو بقصد ما في الواقع من الأمر الوجوبي أو الندبي. والواجب فيه بعد النية [٤]

______________________________________________________

المراد من الاستدلال بها تضيق الواجب عند خوف الموت. لكنه يشكل أيضاً بأن التضيق المذكور كما يكون للواجب يكون للمندوب فلا يدل على أحدهما.

هذا مضافاً إلى‌ صحيح الكاهلي أو حسنه : « عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل فتغتسل أم لا؟ قال (ع) : قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل » (١) فان ظاهره أن غسل الجنابة إنما يكون للصلاة فلا يجب إذا لم تجب. هذا وقد أتعب نفسه الزكية شيخنا في الجواهر في تزييف أدلة القول بالوجوب النفسي ، فراجعه.

[١] كما تقدم في شرائط الوضوء.

[٢] قد تقدم في شرائط الوضوء أن مجرد التشريع في مقام الامتثال لا يقدح في التقرب ما لم يرجع إلى التشريع في ذات الأمر الباعث له على الفعل ، الموجب لفوات قصد القربة.

[٣] ما ذكره واضح ، ولا سيما بملاحظة ما تقدم في شرائط الوضوء.

[٤] يعني : المعتبرة في العبادات ، لأنه عبادة إجماعاً ، فلا بد من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٧٢

غسل ظاهر تمام البدن [١]

______________________________________________________

وقوعه على وجه قربي. وقد تقدم في ذلك المقام بيان ما له دخل في ذلك فراجع.

[١] إجماعاً صريحاً ، كما في الخلاف ، والتذكرة ، والذكرى ، والمدارك وظاهراً ، كما عن غيرها. ويدل عليه ما ورد في تحريك السوار ، والدملج أو نزعهما ليدخل الماء تحتهما‌ (١) وما ورد في وجوب إعادة الماء على ما تركه من بعض ذراعه أو جسده واللمعة في ظهره‌ (٢) ، وأن من ترك شعرة من الجنابة متعمداً فهو في النار‌ (٣) ، بناء على أن المراد مقدار شعرة من بدنه. وما‌ في صحيح زرارة : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك » (٤) وما‌ في صحيح البزنطي : « ثمَّ أفض على رأسك وسائر جسدك » (٥) الى غير ذلك مما هو ظاهر أو صريح في وجوب الاستيعاب.

نعم عن المحقق الخونساري : أنه لا يبعد القول بعدم الاعتداد ببقاء شي‌ء يسير لا يخل عرفا بغسل جميع البدن إما مطلقا أو مع النسيان ، لصحيح إبراهيم بن أبي محمود : « قلت للرضا (ع) : الرجل يجنب فيصيب جسده ورأسه الخلوق والطيب والشي‌ء اللكد والظرب (٦) وما أشبهه فيغتسل ، فاذا فرغ وجد شيئاً قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره؟ قال (ع) : لا بأس به » (٧). لو لم يكن إجماع على خلافه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الوضوء‌

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الجنابة‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٦‌

(٦) ظرب به كفرح لصق به ـ قاموس ـ

(٧) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٧٣

دون البواطن منه [١] ، فلا يجب غسل باطن العين ، والأنف والاذن ، والفم ، ونحوها ، ولا يجب غسل الشعر [٢]

______________________________________________________

لكن الأولى أن لا يجتزئ عليه. انتهى.

لكن الصحيح المذكور غير صريح في الحائل فيمكن حمله على صورة الشك ، كحسن الحسين بن أبي العلاء المتقدم في الشك في الوضوء بعد الفراغ‌ (١). وأضعف دلالة من الصحيح‌ خبر السكوني : « كن نساء النبي (ص) إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن » (٢) لقرب حمله على اللون الذي لا يذهب بالدلك. ومثل ذلك يقال في موثق عمار‌ (٣) أيضا الذي هو نحوه.

[١] بلا خلاف ، كما في الحدائق ، وحكاه عن المنتهى أيضاً. ويشهد به ما تضمن الاجتزاء بالارتماس‌ (٤) ، وفي مرسل الواسطي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الجنب يتمضمض ويستنشق؟ قال (ع) : لا إنما يجنب الظاهر » (٥) وفي رواية العلل زيادة : « ولا يجنب الباطن والفم من الباطن » (٦) وفي مرسل العلل : « لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن » وقد تقدم في الوضوء ما له نفع في المقام.

[٢] بلا خلاف ، كما عن المنتهى وكشف اللثام ، وعن المعتبر والذكرى نسبته إلى الأصحاب. ويشهد له ما‌ في روايتي غياث ومحمد الحلبي : « لا تنقض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الوضوء حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥ و ١٢ و ١٣ و ١٥‌

(٥) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

(٦) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

٧٤

______________________________________________________

المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة » (١).

اللهم إلا أن يقال : عدم نقض الشعر أعم من عدم وجوب غسله لإمكان غسله مع عدم نقضه ، كما يشهد به‌ موثق عمار : « عن المرأة تغتسل وقد امتشطت بقرامل ولم تنقض شعرها كم يجزئها من الماء؟ قال عليه‌السلام : مثل الذي يشرب شعرها » (٢) بل وحسن الكاهلي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن النساء اليوم أحدثن مشطاً : تعمد إحداهن إلى القرامل من الصوف تفعله الماشطة تصنعه مع الشعر ثمَّ تحشوه بالرياحين ثمَّ تجعل عليه خرقة رقيقة ثمَّ تخيطه بمسلة ثمَّ تجعلها في رأسها ، ثمَّ تصيبها الجنابة؟ فقال (ع) : كان النساء الأول إنما يمتشطن المقاديم فإذا أصابهن الغسل تعذر. مرها أن تروي رأسها من الماء تعصره حتى يروى فإذا روي فلا بأس عليها .. » (٣). وحينئذ فما دل على وجوب غسله تبعاً مما تضمن وجوب غسل الرأس محكم ، ولا سيما بملاحظة‌ صحيح حجر بن زائدة عن الصادق (ع) : « من ترك شعرة من الجنابة متعمداً فهو في النار » (٤) وحمله على مقدار شعرة من البشرة خلاف الظاهر. ولأجل ذلك مال إلى الحكم بوجوب غسله في الحدائق ، حاكياً له عن الحبل المتين وبعض مشايخه.

ولكن الإنصاف أن ظاهر ذيل حسن الكاهلي الاكتفاء بري الرأس فقط ، وأن وجوب عصر الرأس بما عليه من الشعر مقدمة لري الرأس ، بقرينة ما فرض في صدره من أحكام إبرام الشعر ، فإنه يمتنع عادة نفوذ الماء فيه على نحو يستوعب سطوح كل شعرة شعرة ، لعدم نفوذ الماء في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ٣ و ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

٧٥

مثل اللحية [١] بل يجب غسل ما تحته من البشرة [٢].

______________________________________________________

الشعر كما ينفذ في اللبد. ومن هذا يظهر وجه الاستدلال على العدم بما دل على عدم وجوب نقض الشعر. وحينئذ يمكن الخروج بذلك عما دل على وجوب غسله بالتبعية لو تمَّ في نفسه. وأما موثق عمار فيمكن حمله على كون شرب الشعر مقدمة لري الرأس ، بأن يكون مجموعاً على الرأس. وحينئذ يتعين حمل صحيح حجر على ما عرفت ، ولا سيما مع تعارف التعبير بذلك عنه ، ومن ذلك يظهر وجه الأمر بالمبالغة في الماء في صحيحي محمد وجميل ، قال الباقر (ع) في أولهما : « حدثتني سلمى خادم رسول الله (ص) قالت : كانت أشعار نساء رسول الله (ص) قرون رؤوسهن مقدم رؤوسهن ، فكان يكفيهن من الماء شي‌ء قليل ، فاما النساء الآن فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء » (١) وقريب منه ما في الثاني (٢).

وبالجملة : التأمل في مجموع النصوص يعطي الجزم بصحة ما تسالم عليه الأصحاب من عدم وجوب غسل الشعر. وما عن المقنعة من وجوب نقض الشعر مخالف لصريح النصوص فلا مجال له ، ولا يؤبه به في منع الإجماع. ولذلك حمله الشيخ في محكي التهذيب على ما إذا لم يصل الماء إلى أصوله إلا بعد حله.

[١] النصوص تقصر عن الدلالة على نفي غسلها ، فالعمدة في الخروج عما دل على وجوب غسلها تبعا ـ لو تمَّ ـ منحصر بالإجماع.

[٢] بلا خلاف كما في الحدائق ، وعن المدارك : أنه مذهب الأصحاب بل إجماعا ، كما عن الغنية ، ومجمع الفائدة ، وكشف اللثام ، وغيرها ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

٧٦

ولا يجزئ غسله عن غسلها. نعم يجب غسل الشعور الدقاق الصغار المحسوبة جزءاً من البدن مع البشرة [١] والثقبة التي في الاذن أو الأنف للحلقة ان كانت ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها [٢] ، وإن كانت واسعة بحيث تعد من الظاهر وجب غسلها.

وله كيفيتان :

الاولى : الترتيب ، وهو أن يغسل الرأس والرقبة أولاً ثمَّ الطرف الأيمن من البدن ، ثمَّ الطرف الأيسر [٣] ،

______________________________________________________

لحسن الكاهلي المتقدم (١) مع أنه مقتضى ما دل على وجوب غسل الرأس والجسد كله. نعم تأمل في مجمع الفائدة ، لما دل على إجزاء الغرفتين أو الثلاث ، للظن بأن هذا المقدار لا يصل الى ما تحت الشعر ، ولا سيما إذا كان كثيفاً أو كثيرا. انتهى. لكن الظن لا يغني بعد ما عرفت. وأما‌ الصحيح : « كل ما أحاط به الشعر .. » (٢) فقد عرفت في مبحث غسل اليد من الوضوء اختصاصه بشعر الوجه. فراجع.

[١] لقصور النص والإجماع عن شمولها ، فيكون ما دل على وجوب غسلها بالتبعية محكما.

[٢] لكونها من الباطن. وما عن المحقق الثاني من وجوبه غير ظاهر الوجه ، إلا أن يكون مراده خصوص الفرض الآتي.

[٣] هذا تضمن حكمين : أحدهما : وجوب استيعاب البدن وتقدم وجهه ، وثانيهما : وجوب الترتيب بين الأعضاء الثلاثة ، وسيأتي الكلام فيه.

__________________

(١) ص : ٧٥‌

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الوضوء حديث : ٢ و ٣‌

٧٧

والأحوط أن يغسل النصف [١] الأيمن من الرقبة ثانيا مع الأيمن والنصف الأيسر مع الأيسر ، والسرة والعورة يغسل نصفهما‌

______________________________________________________

[١] فان المشهور وان كان هو غسل الرقبة مع الرأس ، لتصريح جماعة كثيرة به ، وظاهر آخرين ، حيث جعلوا الأعضاء الثلاثة الرأس والجانبين الأيمن والأيسر ، فإن الظاهر منهم إلحاق الرقبة بالرأس ، بل لم يعرف الخلاف في ذلك بين القدماء والمتأخرين وأكثر متأخريهم ، وهو الذي يقتضيه ظاهر ما‌ في صحيح زرارة : « ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ، ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف ، ثمَّ صب على منكبه الأيمن مرتين ، وعلى منكبه الأيسر مرتين » (١). إلا أنه استشكل فيه جماعة ـ كالخراساني في الذخيرة ، وصاحب رياض المسائل ، والشيخ عبد الله البحراني ـ لفقد صريح النص في ذلك. وعدم دخول الرقبة في مفهوم الرأس. وإشعار‌ خبر أبي بصير : « وتصب الماء على رأسك ثلاث مرات ، وتغسل وجهك وتفيض الماء على جسدك » (٢) بعدم دخول الوجه في الرأس ، فضلا عن دخول الرقبة فيه ، وحينئذ تلحق بالجانبين. ولأجل ذلك كان الأحوط الجمع بينهما خروجاً عن شبهة الخلاف.

لكنها ضعيفة ، لكفاية ظهور الصحيح المتقدم في وجوب غسلها مع الرأس ، ولا يتوقف على وجود صريح النص به ، ولا على دخولها في مفهوم الرأس عرفاً. وخبر أبي بصير‌ لا يصلح حجة على شي‌ء ، لأن وجوب غسل الوجه مع الرأس مما لا كلام فيه من أحد ، لاختصاص إشكالهم بالرقبة فقط.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٩‌

٧٨

الأيمن مع الأيمن ، ونصفيهما الأيسر مع الأيسر [١] ، والأولى أن يغسل تمامهما مع كل من الطرفين [٢]. والترتيب المذكور شرط واقعي [٣] ، فلو عكس ـ ولو جهلاً أو سهواً ـ بطل‌

______________________________________________________

[١] كما لعله ظاهر الأصحاب وصرح به بعض ، ويقتضيه إطلاق النصوص.

[٢] أخذا باحتمال التنصيف ، وكونهما عضوا مستقلا ، وكونهما من الأيمن ، وكونهما من الأيسر.

[٣] أما بين الرأس والجانبين فهو إجماع صريحاً أو ظاهراً ، حكاه جماعة كثيرة من القدماء والمتأخرين ومتأخريهم ، ويقتضيه عطف المنكبين على الرأس بـ « ثمَّ » في صحيح زرارة السابق‌ (١) ، ونحوه صحيح محمد ابن مسلم‌ (٢) ، وموثق سماعة‌ (٣) ، وبها يقيد إطلاق جملة أخرى ، كما‌ في صحيح زرارة : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدمك » (٤) ونحوه غيره.

اللهم إلا أن يقال : المطلقات آبية عن التقييد ، فان مثل‌ صحيح زرارة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن غسل الجنابة فقال (ع) : تبدأ فتغسل كفيك ، ثمَّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ، ثمَّ تمضمض واستنشق ، ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك. ليس قبله وضوء. وكل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته. ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وان لم يدلك جسده » (٥) ـ

__________________

(١) ص : ٧٨‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٨‌

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

٧٩

______________________________________________________

مع كون السؤال فيه عن غسل الجنابة ـ قد تعرض فيه لذكر أمور كثيرة خارجة عنه ، وبعضها مستحب ، ولم يتعرض فيه للترتيب بين الأعضاء ، فيأبى جدا عن التقييد به ، ولا سيما مع اشتمال المقيدات على ما لا يقول بوجوبه المشهور ، مثل الترتيب بين غسل الكفين ، والفرج ، وغسل الرأس وصب الماء على الرأس ثلاثا ، وغير ذلك ، فلاحظها ، فان ذلك مما يوهن حملها على الوجوب جداً ، فيكون حمل النصوص المتقدمة على الاستحباب أو غيره أولى من تقييد المطلقات.

اللهم إلا أن يقال : الترتيب بين الرأس والجانبين إن لم يكن واجباً فهو مستحب فإهماله في الصحيح المذكور لا بد أن يكون لنكتة ، ولعلها من جهة أن السؤال لم يكن عن كيفية غسل الجنابة وإنما كان عما يتعلق به ، وحينئذ لا يكون الإهمال دالا على عدم الوجوب.

وقد استدل على الترتيب في المقام‌ بمصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل » (١) بضميمة عدم الفصل بين عدم جواز تقديم الجانبين ووجوب تأخيرهما. وفيه أن ظاهر قوله (ع) : « ثمَّ بدا له » أن ترك غسل الرأس أولا كان عمدا ، ولعل البطلان من جهة التشريع المنافي لقصد الامتثال المعتبر في الغسل لا لفوات الترتيب. اللهم إلا أن يقال : إن الحمل على العمد بعيد جدا ، لبعد وقوع العمد من المسلم الذي هو في مقام التقرب.

وأما أمر الصادق (ع) الجارية التي أصاب منها في طريق مكة بغسل الرأس أولا ـ كما في صحيح ابن مسلم‌ (٢) ـ فلا يدل على الوجوب ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٨٠