مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

ولا يلحق بالبكارة في الحكم المذكور غيرها [١] كالقرحة المحيطة بأطراف الفرج. وإن اشتبه بدم القرحة فالمشهور [٢] أن الدم إن كان يخرج من الطرف الأيسر فحيض وإلا فمن القرحة [٣]

______________________________________________________

عدم خروج هذا الدم من الرحم إنما يقتضي نفي أحكام الدم الخارج من الرحم ، مثل عدم العفو عن قليله ونحوه ، لا إثبات أحكام الطاهر ، لأن تلك الاحكام موضوعها عدم خروج مطلق الدم من الرحم ، وهذا يلازم عدم خروج هذا الدم من الرحم.

ومثل الأصل المذكور ـ في عدم صلاحيته لإثبات أحكام الطاهر ـ أصالة عدم كون هذا الدم حيضاً ، فإنه لا يثبت عدم كون المرأة حائضا. لما ذكرنا. مضافا الى أنه من أصالة العدم الأزلي الذي لا يقول به بعض من أفتى بالطهارة في المقام. بل ربما كان الاشكال فيه أظهر. لعدم ثبوت كون الحيضية من لوازم الوجود ، ويحتمل كونها ذاتية عرفا للدم نظير دم الإنسان عرفا في مقابل دم الحيوان ، فلا يصح أن يقال : الأصل عدم كونه دم إنسان لنفي أحكام دم الإنسان. فتأمل.

[١] لعدم الدليل على ذلك بعد اختصاص الأدلة بالبكارة ، وكون الحكم على خلاف القاعدة ، وإلغاء خصوصية المورد ، غير ظاهر.

[٢] كما عن جامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك وشرح المفاتيح ، بل عن الأول : نسبته الى فتوى الأصحاب.

[٣] لما‌ رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمد بن يحيى ـ مرفوعا ـ عن أبان : « قلت لأبي عبد الله (ع) : فتاة منا ، بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة؟ فقال (ع) : مرها فلتستلق على ظهرها ، ثمَّ ترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى ،

١٨١

______________________________________________________

فان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة » (١).

وعن الدروس والذكرى : عكس ذلك ، بل في ثانيهما : حكايته عن الكاتب ، وعن كشف الرموز : حكايته عن ابن طاوس ، لهذه الرواية أيضاً على‌ رواية الكافي ، حيث قال (ع) فيها : « فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وان خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة » (٢) ، بل عن الذكرى : انه وجد كثيراً من نسخ التهذيب موافقاً لما في الكافي ، وفي الذكرى عن ابن طاوس : إن الحيض من الأيسر في بعض نسخ التهذيب الجديدة ، وانه قطع بأنه تدليس.

وعن المحقق وظاهر المسالك والأردبيلي وتلميذه : عدم اعتبار الجانب أصلا ، لإرسال الخبر واضطرابه ، ولجواز كون القرحة في الجانبين ، ولأن الحيض من الرحم وليس في جانب معين ، ولا يقتضي الاستلقاء ورفع الرجلين ذلك ، كما نقتضيه شهادة النساء بذلك ، فعن النراقي ان كل امرأة رأيناها وسألناها اعترفت بعدم ادراك الجانب للخروج. مع أن اللازم عدم الحكم بحيضية ما يخرج من غير جانب الحيض ولا باستحاضيته ، لاتحادهما في المخرج ، وإلا لميز بينهما بذلك.

هذا ولكن الإنصاف أن الإرسال منجبر بشهرة الرواية بين أهل الرواية والفتوى. والاضطراب إنما يقدح لو كان مستقراً ، أما إذا ارتفع بالقرائن أو القواعد فلا أثر له في سقوط الرواية عن الحجية. وجواز كون القرحة في كل من الجانبين لا يمنع من جعل الحجية لمصلحة ما ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الحيض حديث : ١‌

١٨٢

______________________________________________________

ولا سيما مع كون الجعل مطابقاً للغلبة ، ومن الجائز أن تكون الغلبة في القرحة أن تكون في جانب معين وان دم الحيض يخرج من الجانب المقابل لجانب القرحة ولو لذات القرحة ، وإنما يمنع ذلك من الطريقية الذاتية. ومنه يظهر اندفاع ما بعده. وأما الأخير فيدفعه أنه خلاف مقتضى لزوم الاقتصار على مورد النص الجاري على خلاف القواعد المجعولة في الحيض.

فالعمدة إذاً : النظر في القرائن الموجبة لارتفاع الاضطراب ، فنقول : إن أمكنت دعوى كون ما في الكافي والتهذيب روايتين ـ كما لم يستبعده في الوسائل ، بأن تكون واقعتان في الخارج ـ فلا ينبغي التأمل في وجوب العمل برواية التهذيب إما لهجر رواية الكافي الموجب لسقوطها عن الحجية وإما لترجيحها عليها بالشهرة بناء على صحة الترجيح بها ، لما عن حاشية المدارك من اتفاق المتقدمين والمتأخرين من المحدثين على موافقة المشهور. ويشهد به ما حكي من موافقتها لما ذكره المفيد ، والصدوق في المقنع والفقيه ووالده في رسالته. ولما ورد في الاستبراء من أنها ترفع رجلها اليسرى. فتأمل. ولا يعارض ذلك ما عن البشرى من أن النسخ القديمة للتهذيب توافق الكافي ، وكذا ما تقدم عن الذكرى. فان ذلك موهون بمخالفته لفتوى الشيخ نفسه في الكتب الفتوائية. وإطباق المحققين على اتفاق نسخ التهذيب على خلاف ما في الكافي. وعدم تعرض أحد من شراح التهذيب لغير ذلك ، مع أن ديدنهم على نقل النسخ النادرة. وباتفاق جميع النسخ التي وجدناها على ذلك ، وقد سألنا غيرنا فوجد كما وجدنا. انتهى ملخصاً ما عن حاشية المدارك.

وإن قطع بكونها رواية واحدة عن واقعة واحدة ـ كما هو الظاهر وادعاه غير واحد ـ فان كان ما تقدم موجباً للقطع بتعين أنها رواية التهذيب‌

١٨٣

______________________________________________________

دون الكافي ـ كما ادعاه الأستاذ ( قده ) في رسالة الدماء ـ فهو ، وإلا أشكل الرجوع إلى إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير ، لأنهما حكمان لتعارض الدليلين المفروغ عن دليليتهما لا لاشتباه الحجة باللاحجة كما في المقام ، حسب ما هو ظاهر شيخنا الأعظم (ره) حيث قال : « إن المقام ليس من مقام الانجبار ولا من قبيل تعارض الاخبار » ، وهو صريح الأستاذ ( قده ) في رسالة الدماء.

اللهم إلا أن يقال : إن ذلك يتم لو علم إجمالا بسهو القلم من الكافي أو التهذيب ، لأن قصد الحكاية من مقومات الخبر فاذا انتفى القصد انتفت الخبرية ، أما إذا احتمل كون السهو من أحدهما في مبادي الخبر الكتبي مع تحقق القصد من كل منهما إليه فأصالة القصد وعدم الخطأ في نفس الخبر محكمة ، ومقتضاها كون كل ما في الكافي والتهذيب خبراً حقيقة. ولا يعارضها أصالة عدم الخطأ في مبادي الخبرين ، لأنها لا أثر لها في نفى أحكام التعارض عنهما ، لأن موضوع تلك الأحكام مطلق الخبرين ، وان علم إجمالا بالخطإ في مبادي أحدهما ، ولا يختص موضوعها بالخبرين اللذين لا خطأ في مباديهما أصلا ، إذ لو بني على الاختصاص بما ذكر لزم اختصاص تلك الأحكام بالخبرين المتنافيين المعلوم تعمد الكذب في أحدهما. وهو كما ترى.

نعم قد يقال باختصاص تلك الأحكام بخصوص الروايتين عنهم (ع) لاختصاص بعض أدلة تلك الأحكام بذلك ، وانصراف البعض الآخر إليه وفيه : أن الظاهر كون المراد من الرواية عنهم (ع) ما يعم الرواية بالواسطة ولذا ترجح إحدى الروايتين على الأخرى بملاحظة الوسائط ، ولا يختص الترجيح بملاحظة حال الراوي عن الامام (ع) لا غير. وكأنه لأجل‌

١٨٤

إلا أن يعلم أن القرحة في الطرف الأيسر [١]. لكن الحكم المذكور مشكل فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال الطاهرة والحائض [٢]. ولو اشتبه بدم آخر حكم عليه بعدم الحيضية [٣] ،

______________________________________________________

ذلك استقر بناء الأصحاب على ترجيح رواية الكليني (ره) على رواية الشيخ عند اختلافهما ، لما اشتهر من أضبطية الكليني (ره).

فالمتحصل من جميع ما ذكرناه : أن الرجوع إلى قواعد التعارض في المقام ـ بناء على انجبار سنديهما معاً ـ متعين. لكن في حجية رواية الكافي‌ إشكال. هذا كله ملخص ما ذكرناه في شرح التبصرة. فراجع. والله سبحانه أعلم.

[١] هذا الاستثناء وإن لم يذكر في النص ولا في كلام الأكثر إلا أنه مفهوم منهما بملاحظة امتناع التمييز في هذا الفرض بما ذكر ، ولذا نسبة في المتن إلى المشهور. لكن لم يتعرض لحكمه ، واللازم الرجوع فيه إلى القواعد ، إذ لا يفهم من النص التعاكس بنحو الكلية بنحو يكون أمارة الحيض أن يخرج من الجانب المقابل للقرحة حتى في المورد ، فالعمل بالقواعد فيه متعين ، وهي إما الاستصحاب إذا علمت الحالة السابقة ، أو الاحتياط إذا لم تعلم. وأما قاعدة الإمكان ففي عمومها للمقام ـ مما لم يعلم فيه خروج الدم من داخل الرحم ـ إشكال تقدم في المسألة السابقة. كما عرفت أيضاً في المسألة السابقة احتمال إثبات أحكام الطاهر بأصالة عدم خروج الدم من الرحم ، أو أصالة عدم كونه دم حيض ، وتقدم الإشكال في ذلك. فراجع.

[٢] لكن لو بني على عدم العمل بالنص كان اللازم العمل بالاستصحاب مع العلم بالحالة السابقة.

[٣] هذا مقتضى الاستصحاب لو كانت الحالة السابقة الطهارة ، أما‌

١٨٥

إلا أن يكون الحالة السابقة هي الحيضية [١].

( مسألة ٦ ) : أقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة [٢] ،

______________________________________________________

لو كانت مجهولة فلا وجه له ظاهر إلا عموم أدلة أحكام الطاهرة ، أو أصالة عدم خروج الدم من الرحم ، أو أصالة عدم حيضية هذا الدم. لكن عرفت في المسألة السابقة الإشكال في جميع ذلك.

[١] يعني : فتستصحب.

[٢] بلا خلاف ، كما عن السرائر ، بل إجماعاً ، كما عن الخلاف والغنية والمنتهى والذكرى والتنقيح وجامع المقاصد والمدارك وغيرها ، وعن المعتبر : أنه مذهب فقهاء أهل البيت (ع) ، وعن الأمالي : نسبته إلى دين الإمامية. وتدل عليه النصوص الكثيرة ، كمصحح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام » (١). ومصحح صفوان : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن أدنى ما يكون الحيض؟ فقال (ع) : أدناه ثلاثة وأبعده عشرة » (٢) ونحوهما غيرهما.

نعم قد يظهر من‌ مصحح حميد عن إسحاق بن عمار ـ قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين؟ قال (ع) : إن كان الدم عبيطاً فلا تصل ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (٣) ، وموثق سماعة : « عن الجارية البكر أول ما تحيض فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة ، ويختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء؟ قال (ع) : فلها أن تجلس وتدع الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض حديث : ١٣‌

١٨٦

فإذا رأت يوماً أو يومين أو ثلاثة إلا ساعة ـ مثلا ـ لا يكون حيضاً [١]

______________________________________________________

ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » (١) ، ومرسلة يونس الطويلة ، وفيها : « وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع وكانت أيامها عشراً أو أكثر » (٢) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال (ع) : « إن أكثر ما يكون من الحيض ثمان وأدنى ما يكون منه ثلاثة » (٣) المنافاة لما ذكر ، لكنها محمولة على غير ظاهرها ، أو مطروحة ، لما عرفت.

[١] كما عن الإسكافي ، والكافي والغنية والسرائر وجامع المقاصد وفوائد الشرائع ، والمحرر لابن فهد ، والمنتهى والتذكرة وغيرها ، بل ظاهر محكي الأخيرين : الإجماع عليه ، ففي أولهما : « أقل أيامه ثلاثة بلياليها وأكثره عشرة ، وهو مذهب علمائنا أجمع » ، ونسبه الى أبي يوسف وغيره ، ثمَّ نسب أيضاً الى أبي يوسف في رواية أخرى : كفاية يومين وأكثر الثالث انتهى. وفي ثانيهما : « أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها ، بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت .. الى أن قال : وقال أبو يوسف : يومان وأكثر الثالث » ، وعن الجامع : « لو رأت يومين ونصفا لم يكن حيضاً لأنه لم يستمر ثلاثة أيام ، بلا خلاف ».

وقد استوضح الحكم المذكور جماعة من الأعاظم ، منهم : شيخنا في الجواهر ، وشيخنا الأعظم في طهارته ، وغيرهما ، بناء على استفادة اعتبار التوالي من ظهور ما تضمن كون أقله ثلاثة أيام في الاستمرار. واستشكل فيه بعضهم بناء على عدم ظهوره في ذلك ، بل قال شيخنا الأعظم (ره) : « مجرد اشتراط التوالي من دليل خارج لا يستلزم الاستمرار في جميع آنات‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض حديث : ١٤‌

١٨٧

______________________________________________________

أيامها بل يكفي فيه وجوده في كل يوم ».

لكن ما ذكروه لا يخلو من إشكال ، إذ الاستمرار إنما يقتضي اعتبار التوالي ودخول الليالي المتوسطة ولا يقتضي اعتبار الرؤية في تمام اليوم الأول والأخير ، فالعمدة في ذلك ظهور أدلة التحديد في التقدير ، فإنه يقتضي اعتبار الرؤية في الأيام الثلاثة كاملة ، لأن التقدير بالظرف ظاهر في المساواة في المقدار مع قطع النظر عن الاستمرار. ومن هنا كان ظاهر غير واحد عدم الفرق بين القول باعتبار التوالي والقول بعدمه في اعتبار وجوده في مقدار ثلاثة أيام كاملة ، فعن المعتبر ، والتذكرة : « لو رأت بعد العاشر من النفاس ساعة دماً وساعة طهراً واجتمع ثلاثة أيام في عشرة كاملة كان الدم حيضاً على الرواية ، وما تخلله ، وعلى القول الآخر استحاضة » ، ونحوهما كلام غيرهما. وبالجملة : لا ملازمة بين الاستمرار والاستيعاب ، ولا يكون الدليل على أحدهما دليلا على الآخر.

ولعل وجه ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) هو أن الاستمرار إنما استفيد من الأدلة المذكورة لورودها مورد التقدير ، وهو كما يقتضي الاستمرار يقتضي الاستيعاب فاذا لم تدل على الاستمرار فلا بد أن لا تدل على الاستيعاب.

وفيه : أنه لا تتوقف الدلالة على الاستمرار على ظهورها في التقدير بل استفادة الاستمرار إنما تكون من فهم وحدة المظروف ، فان الواحد الموجود في الثلاثة أيام لا يكون واحداً إلا إذا كان مستمراً ، إذ مع تخلل العدم لا يكون واحداً بل يكون متعدداً ، وهذه الوحدة مفهومة في جميع الموارد التي تصلح للاستمرار ، فاذا قلت : « جلست في المسجد ثلاثة أيام » ، كان الظاهر منه وحدة الجلوس فيكون مستمراً ، وإن كان لا يظهر منه الاستيعاب ، لظهور الكلام في الظرفية لا التقدير.

١٨٨

كما أن أقل الطهر عشرة أيام [١].

______________________________________________________

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن جماعة ـ بل عن المدارك وشرح المفاتيح والذخيرة والحدائق : اختياره ونسبته إلى الأكثر ـ من الاكتفاء بوجوده في ثلاثة أيام في الجملة ، بدعوى ظهور أدلة التحديد في الظرفية ولا تجب المطابقة بين الظرف والمظروف. إذ فيه : منع ذلك ، بل من الواضح ظهورها في التقدير كوضوح لزوم المساواة بين المقدار والمقدر.

وقيل باعتبار وجوده في أول الأول وآخر الآخر وجزء من الثاني ، نسب في بعض الحواشي إلى السيد حسن بن السيد جعفر ، ولم يستبعده شيخنا البهائي في محكي حاشية الاستبصار ، وقواه في المستند. وكأنه لاستظهار أن تكون ثلاثة كاملة من أول رؤيته إلى حين انقطاعه. قال شيخنا البهائي في محكي حاشيته : « إذ لو لم يعتبر وجوده في الطرفين المذكورين لم يكن الأقل ما جعله الشارع أقل فلا تغفل ». وهو ـ كما ترى ـ لا يرجع إلى محصل واضح ، لما عرفت من دوران الأمر بين التقدير والظرفية ، وكلاهما لا يقتضي القول المذكور.

واستدل له في المستند بأن المتبادر من‌ قولهم (ع) : « أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام » عدم تحقق الحائضية في أقل من ثلاثة أيام تامة ، ومرجعه ما ذكره البهائي (ره) والاشكال فيه ظاهر. وبموثق ابن بكير في المبتدئة التي استمر بها الدم : « ثمَّ تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة ، وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيام » (١) وهو كسابقه في الاشكال المتقدم. فراجع.

[١] إجماعا ، حكاه جماعة من القدماء والمتأخرين ومتأخريهم ، وعن الأمالي :

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

١٨٩

وليس لأكثره حد [١]. ويكفي الثلاثة الملفقة [٢] ، فإذا رأت في وسط اليوم الأول واستمر إلى وسط اليوم الرابع يكفي‌

______________________________________________________

انه من دين الإمامية ، وتدل عليه النصوص ، ففي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « لا يكون القرء أقل من عشرة أيام فما زاد ، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم » (١) و‌في مصححه عنه (ع) : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الاولى وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٢) ، فتأمل. ونحوهما رواية ابن الحجاج‌ (٣) ، وفي مرسل يونس : « أدنى الطهر عشرة أيام‌ .. الى أن قال (ع) : ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام (٤).

[١] بلا خلاف ، كما عن الغنية ، بل إجماعا ، كما عن الخلاف والتذكرة لكن عن أبي الصلاح : حده بثلاثة أشهر. وهو شاذ كما عن المنتهى ، وحمل على الغالب.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، كما في المستند ، والوجه فيه : أن المحتمل بدواً في نصوص تحديد الأقل بثلاثة أيام معان خمسة : ( الأول ) : محض المقدار ، أعني : ستاً وثلاثين ساعة ، ولازمه الاكتفاء بليلة ونهارين ونهار وليلتين. ( الثاني ) : ذلك أيضاً لكن بملاحظة ما يتبعها من الليلتين المتوسطتين فيرجع التقدير بها الى التقدير بستين ساعة ، وعليه يكتفى بثلاث ليال ونهارين. ( الثالث ) : النهار التام على نحو الموضوعية من دون تبعية الليالي ، فتكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب العدد حديث : ١. والراوي هو عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري كما سيأتي التصريح بذلك في المسألة السابقة من هذا الفصل‌

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

١٩٠

في الحكم بكونه حيضاً. والمشهور [١] اعتبروا التوالي في الأيام الثلاثة [٢] ، نعم بعد توالي الثلاثة في الأول لا يلزم.

______________________________________________________

مثل أيام الصوم ، ولازمه عدم لزوم الاستمرار ، وهو خلاف ما يأتي. ( الرابع ) : النهار التام على نحو الموضوعية مع تبعية الليالي ، فتكون كأيام الاعتكاف ، ولا بد من أن يرى في ثلاثة نهارات تامة ، فلا يجتزأ بالليل ولا بالنهار الملفق منهما. ( الخامس ) : النهار التام على نحو الطريقية إلى الساعات النهارية لا مطلق الساعات ، فيراد ست وثلاثون ساعة نهارية ، فيجزي ثلاث نهارات تامة وملفقة ، ولا يجتزأ بالليل. والأخير أقرب. إذ الأولان ـ مع أنهما خلاف الإجماع ـ بعيدان جداً عن ظاهر العبارة المذكورة ، والثالث قد عرفت أنه خلاف ما دل على اعتبار التوالي كما يأتي ، والرابع وإن كان يناسبه الجمود على نفس التعبير ، لكنه لا يناسب وروده مورد التحديد والتقدير ، أما الأخير فهو وسط بين الطريقية المحضة والموضوعية كذلك فيناسب تلك الجهتين ، فهو المتعين. وعليه جرى الفقهاء في المقام وأمثاله من موارد التقدير ، مثل : إقامة العشرة ، ومدة الاستبراء والعدد ، ومدة الخيار ، ونحوها.

[١] كما عن الذكرى والمسالك وشرح المفاتيح ، بل في محكي الجامع دعوى اتفاق الكل.

[٢] يعني : توالي الدم ثلاثة أيام في مبدأ الحيض ، لا اعتبار التوالي في خصوص الأقل ، فلا يعتبر فيما زاد عليه فتكون الأربعة المتفرقة حيضاً كما قد يتراءى من ظاهر العبارة ، ولا توالي ثلاثة أيام من أيام الدم مطلقاً ولو كانت في أثنائه ليكون تمام الدم المرئي يوماً ثمَّ ينقطع ثمَّ يرى ثلاثة متوالية حيضا ، كما قد يتراءى من بعض العبارات. والعمدة في وجه القول‌

١٩١

______________________________________________________

المشهور نصوص تحديد الأقل بالثلاثة أيام ، بدعوى ظهورها في الوجود المستمر ، إما لأن ورودها مورد التقدير يقتضي ذلك ، لأن المقصود تقدير الأمر الواحد ، وإما لأن الزمان المتعدد إذا أخذ ظرفاً لما هو صالح للاستمرار فالظاهر منه وحدة المظروف ، كما تظهر من ملاحظة موارد ذكر الزمان قيداً لما من شأنه الاستمرار ، مثل : « جلس زيد في المسجد ثلاثة أيام » ، فإنه ظاهر في استمرار الجلوس ثلاثة أيام ، كما أشرنا إليه آنفاً. كما أن ظهور الأقل والأكثر في التوالي وإن كان يقتضي اعتباره فيما بينهما من المراتب ـ ولازمه عدم الحكم بحيضية الدم المنفصل ، كما لو رأت خمسة دماً ثمَّ يوماً نقاء ثمَّ يوماً دماً ـ إلا أن الإجماع والنصوص اقتضيا كونه حيضا أيضا تنزيلا للنقاء المتخلل منزلة الدم ، فان ذلك لا ينافي كون أكثره عشرة متوالية ، لأن الإجماع المذكور لا يدل على أن الحيض قد يكون أكثر من عشرة متوالية ليكون منافياً له.

ثمَّ إنه قد استدل شيخنا الأعظم (ره) على اعتبار التوالي ـ مضافا إلى ذلك ـ بأصالة عدم الحيض. ويشكل بأن الأصل المذكور من قبيل الأصل الجاري في المفهوم المردد ، لأنه على تقدير اعتبار التوالي فالحيض منتف قطعاً ، وعلى تقدير عدمه فالحيض موجود قطعاً ، فالشك إنما يكون في المردد بين الأمرين ، وليس هو موضوع الأثر ليجري في نفيه الأصل كما أشرنا الى ذلك مراراً في مطاوي هذا الشرح.

ثمَّ إنه (ره) قال : « ولا يعارضها ـ يعني : أصالة عدم الحيض ـ أصالة عدم الاستحاضة ، لأنه إن قلنا بثبوت الواسطة بين الحيض والاستحاضة فلا تنافي ، إذ لا يعلم إجمالا بكذب أحدهما كي يكونا متعارضين ، وإن لم نقل بثبوت الواسطة فأصالة عدم الحيض حاكمة على أصالة عدم الاستحاضة‌

١٩٢

______________________________________________________

لأن المستفاد من الفتاوى بل النصوص : أن كل دم لم يحكم عليه بالحيضية ولم يعلم أنه لقرحة أو عذرة أو نفاس فهو استحاضة ، وحينئذ فإذا انتفى كونه حيضاً بحكم الأصل تعين كونه استحاضة » ، ثمَّ أمر (ره) بالتأمل وأشار في الحاشية إلى وجهه بأن أصالة عدم الحيض لا يثبت أن هذا الدم ليس بحيض ، لأن الأول مفاد كان التامة والثاني مفاد كان الناقصة ، والأصل المثبت لأول لا يصلح لإثبات الثاني. ثمَّ قال (ره) في الحاشية : « فافهم » ولعله يشير بذلك إلى إمكان إرجاع المضمون المذكور إلى أن كل امرأة ليست بحائض فهي مستحاضة ، وحينئذ يكون الأصل المذكور مثبتاً له ، أو إلى أن أصالة عدم كون هذا الدم حيضاً لا تجري ، إما لأنها من قبيل الأصل في العدم الأزلي ـ لكنه (ره) يقول به ـ أو لأن حقيقة الحيضية عرفا من الصفات المقومة للماهية لا من صفات الوجود ، كما أشرنا إلى ذلك آنفا.

ثمَّ إنه ( قده ) ذكر وجهاً آخر لنفي المعارضة بين الأصلين المذكورين فقال : « ولو أغمضنا من استفادة ذلك من النصوص والفتاوى قلنا أن نثبت أحكام الاستحاضة ـ يعني : فينحل العلم الإجمالي ـ بأن نحكم بوجوب الصلاة بمقتضى أصالة عدم الحيض السليمة عن المعارض في خصوص الصلاة ( لأن أصالة عدم الاستحاضة لا تنفي وجوب الصلاة ، لأن الصلاة واجبة على المستحاضة ) فيجب الاغتسال مع غمس القطنة ، للقطع ببطلان الصلاة واقعاً بدونه ، لأنها إما حائض أو مستحاضة ، ويجب تجديد الوضوء لكل صلاة مع عدم الغمس ، لأن الوضوء الواحد لا يرفع حدثها قطعاً ، لأنه مردد بين الحيض والاستحاضة ». فكأن المقام نظير ما لو توضأ بمائع مردد بين البول والماء ، فإنه لا بد له من تطهير أعضائه ثمَّ الوضوء ثانياً ، ولا مجال لجريان أصالة طهارة الأعضاء لأنها بلا فائدة. وإذا وجب الغسل‌

١٩٣

______________________________________________________

والوضوء عقلا بمقتضى أصالة عدم الحيض انحل العلم الإجمالي بثبوت أحكام المستحاضة أو أحكام الحائض ، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة عدم الحيض بلحاظ بقية أحكام الحائض ، من دخول المساجد ، وقراءة العزائم ، ونحو ذلك.

فان قلت : أصالة عدم الاستحاضة حاكمة على قاعدة الاشتغال الموجبة للغسل ، فلا مجال للرجوع إليها إلا بعد سقوطها عن الحجية ، ولا موجب لسقوطها عن الحجية تعييناً ، لأن ترجيحها على أصالة عدم الحيض من دون مرجح ، وإعمالهما معاً يوجب القطع ببطلان الصلاة كما ذكر ، فلا بد من تساقطهما والرجوع إلى قاعدة الاحتياط من جهة العلم الإجمالي.

قلت : أصالة عدم الاستحاضة غير معارضة بأصالة عدم الحيض ليحكم بتساقطهما ، وإنما المانع عن العمل بها منافاتها لقاعدة الاشتغال بالتكليف الثابت بمقتضى أصالة عدم الحيض ، ولذا لو فرض تساقط استصحاب طهارة الأعضاء من الخبث ، واستصحاب بقاء الحدث في المثال المتقدم يكون المرجع قاعدة الطهارة في الأعضاء بلا معارض ، ومع ذلك لا تجري ، لمنافاتها لقاعدة الاشتغال بالتكليف المعلوم ، ولا فرق بين المعلوم بالوجدان والمعلوم بالأصل.

فإن قلت : أصالة عدم الحيض لا تدل على أن الصلاة مع غسل الاستحاضة صلاة مع الطهارة كي تجب بوجوبها بالأصل ، فمع الشك في القدرة لا مجال للرجوع الى الأصل ، لأنه لا يصلح لإثبات القدرة على الإطاعة.

قلت : ـ مع أن الشك في القدرة كاف في وجوب الاحتياط ـ ان القدرة على الإطاعة في المقام معلومة على تقدير ثبوت التكليف واقعاً ، وإنما الشك فيها للشك في ثبوته ، فلا مجال لرفع اليد عن إطلاق دليل الأصل. نظير ما لو شك في خروج دم الحيض ، فإن أصالة عدم الحيض محكمة مع‌

١٩٤

______________________________________________________

الشك في القدرة على الإطاعة أيضاً.

هذا ولكن يشكل ما ذكره ( قده ) بأن قاعدة الاشتغال إذا كانت متفرعة على أصالة عدم الحيض كانت المنافاة لها منافاة لها ، ومع تنافيهما لا وجه لترجيح إحداهما على الأخرى. وإن شئت قلت : وجوب الصلاة الثابت بمقتضى أصالة عدم الحيض إن كان له إطلاق يقتضي الشمول لصورة كونها مستحاضة كان مقتضياً لوجوب الغسل أو تكرار الوضوء ، فالأصل المثبت للوجوب المذكور يكون موجباً للغسل أو تكرار الوضوء ، فيكون منافياً لأصالة عدم الاستحاضة ومعارضاً له ، فلا يصح ترجيح أحدهما على الآخر.

والذي تحصل مما ذكرنا : أن أصالة عدم الحيض غير جارية في المقام في نفسها. ومعارضة بأصالة عدم الاستحاضة بناء على عدم الواسطة بين الحيض والاستحاضة. وأن العلم الإجمالي بثبوت أحكام الحيض والاستحاضة على هذا المبنى لا موجب لانحلاله ، فيجب لأجله الاحتياط. هذا كله بناء على عدم تمامية قاعدة الإمكان عند الشك في الشرط بنحو الشبهة الحكمية ، وإلا كانت محكمة على أصالة عدم الحيض لو جرت.

وربما يستدل أيضاً‌ بالرضوي قال : « وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات » (١) لكنه لا جابر له لعدم اعتماد المشهور عليه.

وعن الشيخ في التهذيبين والنهاية والقاضي في المهذب : عدم اعتبار التوالي ، وعن المبسوط حكايته عن بعض أصحابنا ، وعليه جماعة من متأخري المتأخرين كالأردبيلي وكاشف اللثام والحر في رسالته ، على ما حكي عنهم واستظهره في الحدائق وحكاه عن بعض علماء البحرين. وتشهد لهم مرسلة‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض حديث : ١‌

١٩٥

______________________________________________________

يونس القصيرة : « وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت ، وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام ، فذلك الدم الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض ، وإن مر بها من يوم رأت الدم عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم أو اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض إنما كان من علة .. » (١)

لكنها ضعيفة السند بالإرسال ، وبإسماعيل بن مرار المجهول الحال. ومعرض عنها عند المشهور.

نعم قد يدفع الأول بأن يونس ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، كما نقله الكشي وتلقاه من بعده بالقبول. والثاني بعدم استثناء القميين ممن يروي عن يونس غير محمد بن عيسى العبيدي ، وقد روى إسماعيل عن يونس في كتاب النوادر. فلاحظ حديث وجوب القصر على المكاري إذا أقام في بلده عشرة أيام‌ (٢) ، وبكون الراوي عن إسماعيل إبراهيم بن هاشم الجليل القدر الذي قيل في حقه : انه أول من نشر حديث الكوفيين في قم ، والثالث : باعتماد الشيخ (ره) في كتبه الثلاثة والقاضي ومن تأخر ، كما ذكره الأستاذ ( قده ) في رسالة الدماء.

وفيه : أنه لم يثبت كون المراد من إجماع العصابة عدم التأمل في من يروون عنه ، كيف؟! وقد اشتهر الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير مع كونه من أصحاب الإجماع أيضا ، وقد نقل الشيخ (ره) أنه لا يرسل بل ولا يروي إلا عن ثقة ، فكيف بمثل يونس؟! وقد تقدم في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١‌

١٩٦

______________________________________________________

مبحث العصير الزبيبي ما له نفع في المقام. واستثناء القميين إنما كان بالإضافة إلى نوادر الحكمة ، فلا يدل على صحة كل حديث رواه إسماعيل عن يونس وإن لم يكن الحديث مرويا في كتاب نوادر الحكمة. فتأمل. وأن اعتماد الشيخ (ره) عليها في الكتب المذكورة معارض بإعراضه عنها في غيرها من الكتب الفتوائية. مع أنه لم يظهر من كلامه في التهذيب أقل اعتماد عليها في ذلك ، بل ظاهر قوله (ره) فيه : « ويؤيد ذلك ما أخبرني به الشيخ .. » (١) عدم الاعتماد عليها ، ولا يحضرني الاستبصار ، لكن حاله معلوم. والظاهر من النهاية كونها مضمون روايات لا فتاوى ، والأردبيلي غير معتمد عليها قطعاً ، لما هو معلوم من مذهبه. مع أنه قال في شرح الإرشاد : « وأما الحكم بأن الخارج أقل من الثلاثة المتوالية ليس بحيض ـ كما هو مذهب الأكثر ـ فلا يخلو عن إشكال ، لأن الروايات خالية عن التوالي وعدمه ، مع وجود خبر دال على عدم التوالي ، فهي ظاهرة في العدم. كما إذا نذر صوم ثلاثة أيام فإنه لا يجب التوالي. فرد مذهب من هو قائل بعدم اشتراط التوالي بمجرد عدم صحة خبره ـ وبأن الصلاة في الذمة يقيناً فلا تسقط إلا باليقين ـ محل التأمل ، فإن ظاهر الاخبار دليل مسقط للصلاة وعدم اشتراط التوالي. والاحتياط لا يترك » ، وهو ـ كما ترى ـ صريح في أن اعتماده كان على إطلاق الأدلة. ومراده من الخبر ليس المرسلة بل موثق ابن مسلم‌ (٢) ، كما يظهر من حاشيته على الكتاب.

واستدل في كشف اللثام على العدم بأصالة عدم الاشتراط ، وإطلاق النصوص ، وأصل البراءة من العبادات وبالمرسلة المذكورة. وكأن ذكر‌

__________________

(١) التهذيب ج ١ : ص : ٤٤‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ١‌

١٩٧

______________________________________________________

المرسلة من قبيل المؤيد ، كذكر الأصل ، فإنه لا مجال للأصل مع العلم الإجمالي ، كما عرفت. واعتماد الحر والبحراني وأمثالهما من المحدثين لا يوجب جبراً ، لما علم من مذهبهم من قطعية صدور ما في الكتب الأربعة. فحيث لا جابر للرواية لا مجال للعمل بها في قبال ما عرفت.

وعن الراوندي في الأحكام : التفصيل بين الحائل فيعتبر التوالي والحامل فلا يعتبر. واستدل له‌ بمصحح إسحاق قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين. قال (ع) : إن كان دماً عبيطاً فلا تصل ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (١). وبه يجمع بين ما دل على اعتبار التوالي مطلقاً وبين المرسلة لكن ظاهره مناف لنصوص التحديد. وحمله على صورة رؤية الدم بعد ذلك ليتم لها ثلاثة متفرقة ليس بأولى من حمله على صورة ما لم ينقطع ، بل لعل الثاني أقرب ، لأن السكوت عن التعرض لذكر اليوم المنفصل مع كونه مما له الدخل في الحكم بعيد جداً.

تنبيهان

الأول : استقرب الأستاذ (ره) ـ في رسالة الدماء ـ كون مراد الأكثر من قولهم : « أقل الحيض ثلاثة أيام متوالية » ، أقل حدث الحيض وقعود المرأة لا أقل الدم ، ويكون المراد التنبيه على أن النقاء المتخلل بين الدمين حيض لا طهر ، كما ذهب إليه في الحدائق ، لأن حمله على إرادة أقل الدم يوجب عدم التعرض لزمان القعود لو حمل قولهم : « وأكثره عشرة » على أيام الدم ، أو عدم المقابلة بين الكلامين لو حمل على إرادة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

١٩٨

______________________________________________________

بيان أكثر القعود وكلا اللازمين بعيد. وحينئذ لا تكون الرواية مخالفة للمشهور. وفيه : أولا : أن الظاهر من الحيض في قول الأكثر : « أقل الحيض ثلاثة » ، الدم الذي جعلوه عنواناً للباب ، أعني : الدم الذي يكون في الأغلب أسود أو أحمر .. إلخ. وثانياً : ان حمله على أقل القعود يوجب عدم تعرضهم لأقل أيام الدم بالمرة. وأما ما ذكره من لزوم إهمال بيان أكثر القعود فغير ظاهر ، لتعرضهم له في مقام آخر ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم وسيأتي إن شاء الله. ومن ذلك يظهر الاشكال عليه في حمل ما في النصوص وبعض الفتاوى من أن أقل الحيض ثلاثة من دون تقييد بالتوالي على ذلك ـ يعني : أيام القعود ـ فإنه خلاف الظاهر ، ولا سيما في النصوص.

الثاني : انه بناء على كون النقاء المتخلل بين دمي الحيض الواحد حيضاً لا بد أن يكون أكثر الحيض متوالياً ، لأن النقاء إذا كان بحكم الدم كان العشرة الملفقة من الدم الحقيقي والتنزيلي متوالية ضرورة. نعم لو فرض انها بحكم الدم من غير حيثية تحقق أكثر الحيض أمكن النزاع في اعتبار التوالي وعدمه. وكذا بناء على أن النقاء المتخلل طهر ، كما اختاره في الحدائق. إلا أن الظاهر انه لا نزاع في عدم اعتبار التوالي في الأكثر ، إذ لازم القول باعتباره فيه عدم تحقق أكثر الحيض بالعشرة غير المتوالية ، فتكون المرأة التي ترى الدم ثلاثة أيام وينقطع عنها تسعة ثمَّ تراه يوماً ثمَّ ينقطع تسعة أيضاً ثمَّ تراه يوما .. وهكذا ، باقية في الحيض الأول ما لم تطهر عشرة أيام. وهذا مما لا يمكن الالتزام به ، بل تأباه النصوص والفتاوى ، بل ادعى شيخنا الأعظم (ره) ـ في الجواب عن بعض أدلة طهر النقاء المتخلل ـ البداهة على بطلانه. لكن مع ذلك قال في ( مسألة ) أن أكثر الحيض عشرة : « والمراد بالأيام إما خصوص أيام الدم أو الأعم‌

١٩٩

______________________________________________________

منها ومن أيام النقاء .. ( الى أن قال ) : وعلى كل تقدير فهل المراد منها الأيام المتوالية نظير ما ذكرناه في الأقل ، أو الأعم؟ الظاهر الأول .. ( إلى أن قال ) : لكن الأقوى اعتبار التوالي ، وإن قلنا في مسألة أقل الطهر بأن المراد خصوص ما بين الحيضتين ، لما عرفت من ظهور الأدلة في العشرة المتوالية ولم أجد فيما ذكرنا مخالفاً ، بل الظاهر من نهاية المصنف ( قده ) عدم القائل به ، حيث قال في أحكام التلفيق : وإذا جاوز الدم بصفة التلفيق الأكثر فقد صارت مستحاضة كغير ذات التلفيق. ولا قائل بالالتقاط من جميع الشهر وإن لم يزد مبلغ الدم عن الأكثر ».

والأستاذ (ره) في رسالة الدماء ـ لما استظهر من شيخنا الأعظم في المقام الالتزام به ـ أورد عليه بما ذكر. لكن التأمل في عبارته يقضي بإرادته من التوالي معنى آخر ، وهو أن يكون مرئياً بتمامه في عشرة متوالية سواء أقلنا بأن النقاء المتخلل بين الدمين طهر أو حيض ، وخلافاً للحدائق ، فإنه لما بنى على أن المتخلل بين الدمين طهر إذا كان دون العشرة ، ألحق الدم الثاني بالأول وإن كان مرئياً بعد تمام العشرة من حين رؤية الدم الأول. فلو رأت خمسة دماً ثمَّ خمسة نقاء ثمَّ خمسة دماً ، كان النقاء طهراً والدم الثاني ملحقاً بالأول ، فيكون مجموع عشرة الدم حيضاً واحداً عند الحدائق ولا يكون ملحقاً به عند شيخنا الأعظم (ره) لعدم توالي الأيام ، بخلاف ما لو رأت خمسة دماً وثلاثة نقاء ويومين دماً ، فان مجموع الدمين حيض واحد لتحقق التوالي ، ويكون الحيض حينئذ سبعة بناء على طهر المتخلل. فلا مجال للإشكال عليه بما ذكر. نعم تحريره للنزاع يوهم خلاف ذلك مما يرد عليه إشكال الأستاذ (ره) لكن بقرينة نسبة الخلاف إلى الحدائق ، واستظهاره عدم الخلاف من محكي نهاية الأحكام ، وسوقه لأدلة الحدائق‌

٢٠٠