مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

( العاشر ) : وجوب الغسل [١] بعد انقطاع الحيض للأعمال الواجبة المشروطة بالطهارة ، كالصلاة والطواف والصوم ، واستحبابه للأعمال التي يستحب لها الطهارة ، وشرطيته للأعمال غير الواجبة التي يشترط فيها الطهارة.

( مسألة ٢٥ ) : غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب نفسي [٢]

______________________________________________________

عرفت الإشكال في ثبوته ، لكن على تقدير تمامية أدلته فالظاهر منها كونه حكما للحدث كالجنابة.

[١] لأنه مقتضى شرطية الطهارة. وكذا ما بعده.

[٢] أما عدم وجوبه النفسي فهو المعروف ، بل عن ظاهر جماعة : الإجماع عليه ، قال في جامع المقاصد : « لا خلاف في أن غير الجنابة لا يجب لنفسه » ، وقال في الروض : « للإجماع على وجوب هذا الغسل لغيره ، وإنما علق الوجوب على الانقطاع لأنه وقت تمام السبب ، فأطلق الوجوب عند حصوله ، وان كان وجوب المسبب معلقاً على الشرط ، كما تقول : يجب على الحائض القضاء ، وإن كان لا يتحقق إلا مع الطهر ». لكن قال في المنتهى : « للنظر فيه مجال ، إذ الأمر ورد مطلقاً بالوجوب ». وعن المدارك : الميل اليه. وقد تقدم في الجنابة ما به يظهر ضعف ذلك فراجع. ثمَّ إن المراد من الاستحباب النفسي ما يقابل الاستحباب للغايات الاختيارية ، والظاهر أنه لا مجال للإشكال فيه ، لأنه طهارة ، فيدل على استحبابه ما يدل على استحبابها من الكتاب والسنة ، كما أشرنا الى ذلك في الجنابة. وإن كان المراد منه الاستحباب مع قطع النظر عن كل غاية حتى التوليدية كالكون على الطهارة ففي غاية الإشكال ، لعدم الدليل عليه ، وقد عرفت أن الأمر به محمول على الوجوب الغيري أو الإرشاد إلى السببية.

٣٤١

وكيفيته مثل غسل الجنابة [١] في الترتيب والارتماس [٢] وغيرهما مما مر [٣].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ، وعن كثير : دعوى الإجماع عليه صريحاً وظاهراً وعن المدارك : « انه مذهب العلماء كافة » ، ويدل عليه‌ موثق الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « غسل الجنابة والحيض واحد » (١) ونحوه مرسلا الفقيه والمقنع‌ (٢). وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « أن الحائض هل عليها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال (ع) : نعم » (٣) ، مضافا الى أن ترك بيانه أمارة الاتحاد ، كما أشرنا الى ذلك في بعض المباحث السابقة.

[٢] لما سبق ، لكن في المنتهى : « يجب في الغسل الترتيب وهو مذهب علمائنا أجمع ». ثمَّ استدل عليه بموثق الحلبي المتقدم وغيره ، وحكى عليه الإجماع. ولعل مراده الوجوب التخييري ، بقرينة دعواه الإجماع ، وقوله بعد ذلك : « إن جميع الأحكام المذكورة في غسل الجنابة آتية هنا ، لتحقق الوحدة ، إلا شيئاً واحداً وهو الاكتفاء عن الوضوء فان فيه خلافاً ».

[٣] قد‌ روى محمد بن الفضيل : « سألت أبا الحسن (ع) عن الحائض : كم يكفيها من الماء؟ قال (ع) : فرق » (٤) ، وعن أبي عبيدة : الاتفاق على انه ـ أي : الفرق ـ ثلاثة أصوع. وحمل على كثرة الشعر والنجاسة ، إذ في رواية الصيقل : انها تغتسل بتسعة أرطال (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الحيض حديث : ٣ وملحقة‌

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٥) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٣٤٢

والفرق أن غسل الجنابة لا يحتاج إلى الوضوء [١] بخلافه فإنه يجب معه الوضوء [٢]

______________________________________________________

ثمَّ إنه بناء على انتقاض غسل الجنابة بالحدث الأصغر ـ لمرسل حريز (١) الظاهر في المانعية ـ يجب البناء عليه هنا ، لما تقدم من اتفاق النص والفتوى على الاتحاد ، وإن كان البناء على انتقاضه من جهة كونه رافعاً للأصغر ، فالبناء عليه هنا غير ظاهر ـ بناء على وجوب الوضوء ـ لعدم ثبوت كونه رافعاً للأصغر ، بل قد يكون الثابت خلافه. وأدلة الاتحاد لا مجال لها هنا ، إذ الفرق إنما هو في وجوب الوضوء معه وعدمه ، ولا بد من الخروج عنها بالإضافة إليه ، بل يمكن المنع عن تعرضها لذلك لظهورها في الاتحاد في الكيفية لا غير ، ولذا لا تصلح أدلة الاتحاد لنفي اعتبار الوضوء هنا ،

[١] كما تقدم.

[٢] وفي المعتبر والذكرى : نسبته إلى الأكثر ، بل هو المشهور شهرة عظيمة ، وعن أمالي الصدوق : « من دين الإمامية الإقرار بأن في كل غسل وضوء في أوله ». ويدل عليه‌ صحيح ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال : « كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة » (٢). وإرساله لا يقدح في العمل به بعد انجباره بالعمل ، وكون المرسل له من أصحاب الإجماع ولا يرسل ولا يروي إلا عن ثقة ، كما عن الشيخ. ومنه‌ صحيحه الآخر عن حماد بن عثمان أو غيره عن أبي عبد الله (ع) قال : « في كل‌

__________________

(١) لم نقف على حديث لحريز بهذا المضمون كما يظهر ذلك بمراجعة المسألة المذكورة‌

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٣٤٣

______________________________________________________

غسل وضوء إلا الجنابة » (١) ، بل عن المختلف (٢) وفي الذكرى (٣) : روايته عن حماد بعينه ، فيدخل في قسم الصحيح. وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول (ع) : « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ ثمَّ ( و. خ ل ) اغتسل » (٤).

لكن الأولين ـ مع أن أولهما متروك الظاهر ، كما سيأتي ـ غير ظاهرين في الوجوب ظهوراً يعتد به ، فلا يبعد حملهما على مجرد المشروعية في قبال الجنابة. وحال الثالث في ذلك أظهر. لكن مورده من المستحبات التي يحمل فيها الأمر بالمقيد على الاستحباب. مضافاً إلى أنه مقتضى الجمع بينها وبين ما دل على نفي الوجوب ، كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : « الغسل يجزي عن الوضوء ، وأي وضوء أطهر من الغسل؟ » (٥). وأجاب عنه المحقق في المعتبر بأن الخبر الأول مفصل ، والعمل بالمفصل أولى. وكأنه يريد أن الأول مقيد فيحمل عليه الثاني لأنه مطلق. وفيه : أن التعليل في الثاني يجعله آبياً عن التقييد. مع أن الحمل على خصوص الجنابة يلزم منه تخصيص الأكثر.

مع أن ذلك لا يتم‌ في موثق عمار. « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال (ع) : لا ، ليس عليه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك ، فليس عليها الوضوء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) ج : ١ ص : ٤٠‌

(٣) ص : ٢٤ و ٢٦‌

(٤) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٥) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

٣٤٤

______________________________________________________

لا قبل ولا بعد ، قد أجزأ الغسل » (١) ، وفي مكاتبة محمد بن عبد الرحمن الهمداني إلى أبي الحسن الثالث (ع) : « لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره » (٢) ، وفي مرسل حماد عن رجل عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك ، أيجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد الله (ع) : وأي وضوء أطهر من الغسل؟ » (٣) معتضداً ذلك كله أو مؤيداً بخلو الأخبار الآمرة بالغسل والصلاة على كثرتها ، في الحيض وغيره حتى المندوب ـ كما قيل ـ عن التعرض للوضوء بوجه. ومثلها ما ورد في التيمم عند فقد الماء ، حيث لم يتعرض فيه للتعدد. وقد تشهد له أيضاً نصوص التداخل ، حيث دلت على إجزاء بعضها عن بعض مطلقاً ، بلا إشارة إلى الوضوء فيها.

ولأجل ذلك اختار قوم آخرون ـ منهم : السيد المرتضى (ره) ـ إجزاء الغسل ولو كان مندوبا عن الوضوء ، كما حكاه في المعتبر ، وتبعهم عليه جماعة من متأخري المتأخرين ، كالأردبيلي وأصحاب المدارك والذخيرة والمفاتيح والحدائق والوسائل ، على ما حكي عن بعضهم. ولا بأس به لو لا مخالفة المشهور ، وإن كان بعض عباراتهم ـ كعبارة الأمالي المتقدمة ـ لا تأبى الحمل على مجرد المشروعية ، بل لعله المتعين بناء على ما يأتي.

وبالجملة : الجمع العرفي يقتضي حمل الأخبار الأول على مجرد ثبوت المشروعية ، ومخالفة المشهور لا تقدح بعد ما لم تقدح في حجية الأخبار الثانية ولا سيما بعد تأيدها بما عرفت من خلو الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة عن التعرض للوضوء على نحو يحصل الاطمئنان بعدم وجوبه ، وأن الشارع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

٣٤٥

قبله أو بعده [١]

______________________________________________________

شرع طهارتين ـ وضوءاً وغسلا ـ يجزي كل منهما في كل موضع يشرع فيه من دون حاجة إلى ضم الآخر. بل يعضدها النصوص المتضمنة انتقاض الأغسال المستحبة للفعل ـ كالإحرام ، ودخول مكة ، والزيارة ـ بالنوم أو مطلق الحدث (١) فإنها لو لم تكن رافعة للحدث لم تنتقض به.

[١] كما هو المشهور ، بل عن ظاهر محكي السرائر : نفي الخلاف في عدم وجوب التقديم ، فضلا عن اشتراط صحة الغسل به ، وفي الرياض عن بعض مشايخه : نفي الخلاف في عدم الشرطية. لكن ظاهر الصدوقين والمفيد والحلبيين وغيرهم : وجوب التقديم وشرطيته ، كما هو ظاهر الصحيح الأول المعتضد بإطلاق روايتي عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (ع) (٢) وصحيح سليمان بن خالد عن أبي جعفر (ع) : « الوضوء بعد الغسل بدعة : » (٣). وفي المعتبر : أن ذلك مروي بعدة طرق‌ (٤) ، فيجب لأجله رفع اليد عن إطلاق الصحيح الثاني ، لو لا ما عرفت من نفي الخلاف في عدمه ، إلا أن يعارض بما في الذكرى من أن إيجاب التقديم أشهر. ويساعده محكي الأمالي المتقدم ، وما عن الغنية من الإجماع عليه ، وحينئذ فرفع اليد عن ظاهر ما دل على شرطية التقديم مشكل جداً. اللهم إلا أن يقال : إن الصحيح الأول مع الصحيح الثاني واحد ، وحينئذ لم يثبت وجود القيد فيه لاختلاف النقل ، فالمرجع أصل البراءة من وجوب التقديم. وخبر‌

__________________

(١) تقدم التعرض لذلك في المسألة العاشرة من فصل مستحبات غسل الجنابة. من هذا المجلد ويأتي تفصيله في الأغسال المسنونة في المجلد الرابع.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ٩‌

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ١٠‌

٣٤٦

أو بينه [١] إذا كان ترتيبياً ، والأفضل في جميع الأغسال [٢] جعل الوضوء قبلها.

( مسألة ٢٦ ) إذا اغتسلت جاز لها كل ما حرم عليها بسبب الحيض [٣] وإن لم تتوضأ ، فالوضوء ليس شرطاً في صحة الغسل ، بل يجب لما يشترط به كالصلاة ونحوها.

______________________________________________________

ابن يقطين قد اختلفت النسخ فيه. وفيه : أن دعوى الاتحاد غير ظاهرة ، لاختلاف المتنين من غير هذه الجهة ، فيجب البناء على التعدد والتقييد. اللهم إلا أن يكون الاختلاف من باب النقل بالمعنى. نعم البناء على وحدة الصحيحين خلاف الأصل ، وحينئذ يتعين التقييد.

[١] كما عن غير واحد : التنصيص عليه ، منهم : جامع المقاصد ، بل قال : « ما يفهم من القواعد من عدم جواز تخلل الوضوء ليس بمراد ». ولا بأس به بناء على العمل بالإطلاق ، بل لعله أولى من التأخير ، لسلامته من شبهة البدعة. بل لعله أولى من التقديم أيضاً لمخالفته‌ لمرسل نوادر الحكمة « ان الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة » (١).

[٢] كما عن جمع. منهم : الشيخ في المبسوط والنهاية. حملا للصحيح الأول على الندب.

[٣] وفي الجواهر : « بلا إشكال في ذلك بحسب الظاهر » وعلله : بظهور الأدلة في استباحة ذلك كله بمجرد الغسل ، فهي به تكون كغير الحائض غير المتوضئة. ولكنه غير خال عن الإشكال ، فإن نصوص وجوب الوضوء ظاهرة في شرطيته للغسل بنحو لا يترتب عليه أثر بدونه. فدعوى انه ليس شرطاً في حصول الطهارة من الأكبر ، وإنما يكون شرطاً في حصول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

٣٤٧

( مسألة ٢٧ ) : إذا تعذر الغسل تتيمم بدلا عنه [١]

______________________________________________________

الطهارة من الأكبر والأصغر ، مخالفة لذلك الظهور. كما أن نفيه للإشكال في ذلك مناف لما حكاه عن المدارك والذكرى من مدخلية الوضوء في تحقق غايات الغسل. اللهم إلا أن يكون مراده نفي الاشكال عنده. وكذا ما في جامع المقاصد ، حيث أنه ـ بعد ما نقل عن الذكرى : استبعاد كون كل من الطهارتين تستقل برفع أحد الحدثين ـ قال : « لا ريب في ضعف القول بالتشريك ».

هذا ولكن الإنصاف أن ما تقدم وإن كان مقتضي الجمود على ظاهر النصوص ، إلا أن مقتضى ملاحظة مرتكزات المتشرعة ـ وما يظهر بعد التأمل في نصوص الطهارة المائية ـ كون كل من الوضوء والغسل طهارة في نفسه ، يترتب عليه أثره بمجرد وجوده ، فلا يكون حال الحائض بعد الغسل أو الوضوء قبل فعل الآخر كحالها قبل فعلهما معاً ، بل إذا فعلت أحدهما كانت على مرتبة من الطهارة وإذا فعلت الآخر كانت على مرتبة أخرى ، وحينئذ فإذا اغتسلت أمكن لها ارتكاب الغايات غير الموقوفة على الوضوء. وما ذكره العلمان المذكوران ( قدهما ) من نفي الريب والاشكال ـ مضافا إلى ظهور الاتفاق على عدم الحاجة إلى الوضوء أصلا ، فيما لو كان على المكلف أغسال متعددة ونوى الجنابة ، وعلى الاكتفاء بوضوء واحد لو بني على عدم التداخل ، كما في بعض الفروض المذكورة في تلك المسألة ـ مما يوجب زيادة الاطمئنان بما ذكرنا. فلاحظ.

[١] كما عن الذكرى والموجز وغيرهما ، بل في الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً ولا تردداً مما عدا الأستاذ في كشف الغطاء ، فلم يجوز الوضوء بل يمكن تحصيل الإجماع عليه بملاحظة كلامهم في باب التيمم » ، قال في‌

٣٤٨

وإن تعذر الوضوء أيضاً تتيمم ، وإن كان الماء بقدر أحدهما تقدم الغسل [١].

______________________________________________________

كشف الغطاء : « لو وجد من الماء ما يكفي الوضوء فقط تيمم عنهما تيممين وبطل حكم الماء على الأصح ، وإن وجد من الماء ما يكفي الغسل اغتسل وتيمم للوضوء دون العكس » وتبعه في وجوب التيممين في الفرض الأول ولده في شرح البغية ، على ما حكي عنه.

وكأنه لم يعهد ارتفاع الأصغر وبقاء الأكبر ، والتيمم عن الغسل لا يرفع الأكبر فلا يكون الوضوء رافعاً للأصغر ، فلما امتنع أن يكون رافعاً للأصغر بطل ويتعين التيمم بدلا عنه ، وليس كذلك الحال لو أمكن الغسل ـ كما في الفرض ـ فإنه يمكن ارتفاع الأكبر وبقاء الأصغر ، فيمكن الغسل والتيمم بدلا عن الوضوء. هذا ولكن عدم المعهودية لا يوجب تقييد إطلاق الأمر بالوضوء كما لا يخفى. نعم لو قلنا بالاشتراك في التأثير تعين البناء على لزوم التيمم في الفرضين معاً ، لامتناع الرفع في أحد الأمرين من الوضوء والغسل المنضم إلى التيمم بدلا عن الآخر. إلا أن يقال : إن هذا أيضاً مناف لإطلاق الأمر بالوضوء والغسل ، إذ لا مانع عقلا من التبعيض في الرافعية. بل لو قلنا بأن التيمم رافع أيضا رفعاً ناقصاً ـ كما هو التحقيق ـ فالحكم أوضح وأسهل.

[١] لأهميته ، ولذا يتوقف عليه كل ما يتوقف على الوضوء ولا عكس. لا أقل من احتمال الأهمية الموجب للتقديم في نظر العقل. وتقدم الوضوء زماناً لا يقتضي ترجيحه على الغسل ، كما تحقق في محله. وسيأتي إن شاء الله تعالى التعرض لذلك في مبحث القيام من كتاب الصلاة.

٣٤٩

( مسألة ٢٨ ) : جواز وطئها لا يتوقف على الغسل [١].

______________________________________________________

[١] إجماعاً في الجملة ، كما عن الانتصار والخلاف والغنية وظاهر التبيان ومجمع البيان وأحكام الراوندي والسرائر وشرح المفاتيح. ويدل عليه ـ مضافاً إلى عموم ما دل على جواز وطء الزوجة والمملوكة المانع من جريان استصحاب الحرمة الثابتة قبل النقاء ـ موثق ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء » (١) ونحوه مرسل ابن المغيرة‌ عن! علي بن يقطين عنه (ع) (٢) ، وموثق علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) قال : « سألته عن الحائض ترى الطهر ، أيقع بها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال (ع) : لا بأس وبعد الغسل أحب إلي » (٣).

نعم يعارضها‌ موثق سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ثمَّ تطهر فتتوضأ من غير أن تغتسل ، أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال (ع) : لا ، حتى تغتسل » (٤). ونحوه موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (٥) ، لكنهما محمولان على الكراهة جمعاً عرفياً ، كما يشير اليه ذيل موثق ابن يقطين‌ ، والتعبير بـ « لا يصلح » في بعض فقرات موثق أبي بصير.

وعن الصدوق في الفقيه والهداية والمقنع : المنع قبل الغسل. لكن ذكر فيها بعد ذلك أنه إن كان زوجها شبقاً أو مستعجلا وأراد وطأها قبل الغسل أمرها أن تغسل فرجها ثمَّ يجامعها. انتهى. وظاهره الكراهة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٤) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

(٥) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

٣٥٠

______________________________________________________

لكن حكى عنه الأكثر القول بالمنع مطلقاً ، وفي المختلف عنه القول بالمنع ، إلا أن يكون قد غلبته الشهوة فيأمرها بغسل فرجها ويطؤها ، كما يشير إلى ذلك‌ صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في المرأة ينقطع عنها الدم ـ دم الحيض ـ في آخر أيامها. قال (ع) : إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثمَّ يمسها إن شاء قبل أن تغتسل » (١). وموثق إسحاق بن عمار قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن رجل يكون معه أهله في السفر فلا يجد الماء ، يأتي أهله؟ فقال (ع) : ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقاً أو يخاف على نفسه » (٢). لكنهما لا يصلحان للجمع بين النصوص المتقدمة ، بأن تحمل الاولى منها على صورة الشبق والخوف على النفس ، والأخيرة على غير ذلك ، لبعد تقييد الأول بالشبق والخوف المذكورين ، ولا سيما بملاحظة قوله (ع) في الموثق الأول : « إن شاء » فيتعين الحمل على خفة الكراهة أو انتفائها معهما ، كما يشير اليه قوله (ع) في الموثق : « ما أحب .. ». مع أن موثق إسحاق‌ غير ظاهر فيما نحن فيه.

وأما قوله تعالى ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ .. ) (٣) فعلى قراءة « يطهّرن » بالتشديد يكون دليلا على المنع ، لظهور التطهر في الغسل ، وحينئذ يجب الخروج عن ظاهره بما عرفت ، وعلى قراءة التخفيف يتعارض الصدر والذيل ، لظهور الطهارة في النقاء ، وكما يمكن التصرف في الأول بحمل الطهارة على الغسل يمكن في الثاني بحمل التطهر على النقاء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٣) البقرة : ٢٢٢‌

٣٥١

لكن يكره قبله ولا يجب غسل فرجها [١] أيضاً قبل الوطء وإن كان أحوط ، بل الأحوط ترك الوطء قبل الغسل.

______________________________________________________

أو حمل الأمر على الإباحة بالمعنى الأخص المقابل للحرمة والكراهة. والأخير أقرب لما فيه من المحافظة على التعليل بالأذى المختص بالدم وعلى اختلاف معنيي الفعل المجعول غاية والمجعول شرطاً في الجملة الثانية الذي يشهد به اختلافهما في الهيئة. نعم الأقرب من ذلك كله تقييد إطلاق الغاية بمفهوم الشرطية ، ويتعين حينئذ الخروج عن ظاهرها بما عرفت من النصوص ، فيتعين حمل الأمر على الإباحة بالمعنى الأخص.

[١] كما عن الفاضلين والشهيدين ، وفي الروض : نسبته إلى أكثر المجوزين ، وعن شرح المفاتيح : نسبته الى المشهور ، للأصل مع عدم الدليل عليه. وما في صحيح ابن مسلم المتقدم ـ من الأمر بأمرها بغسل الفرج‌ ـ قيل : محمول على الاستحباب بقرينة خلو غيره من النصوص عنه. وفيه : أن مجرد ذلك غير كاف في رفع اليد عن ظاهره من الوجوب ، ولذا قيل به ، كما هو ظاهر أكثر كتب القدماء والمتأخرين ـ كما في مفتاح الكرامة ـ بل نسب إلى ظاهر الأكثر.

اللهم إلا أن يقال : قوله (ع) : « فليأمرها .. » ، إنما يكون ظاهراً في الوجوب لو كان من قبيل الأمر بالتبليغ كي يكون الأمر شرعيا لكنه غير ظاهر ، نظير أمر الولي الصبي بالعبادات. نعم يدل على الرجحان وهو أعم من الوجوب ، مضافا إلى أن الحكم المشروط في الصحيح بغسل الفرج هو المشروط بشبق الزوج ، وقد عرفت أنه الجواز بلا كراهة ، أو مع خفتها. وحينئذ فلا يصلح من هذه الجهة لتقييد المطلقات.

ومنه يظهر الإشكال في الاستدلال على ذلك برواية أبي عبيدة قال :

٣٥٢

( مسألة ٢٩ ) : ماء غسل الزوجة والأمة على الزوج والسيد على الأقوى [١].

( مسألة ٣٠ ) : إذا تيممت بدل الغسل ثمَّ أحدثت بالأصغر لا يبطل تيممها [٢] بل هو باق إلى أن تتمكن من الغسل ( الحادي عشر ) : وجوب قضاء ما فات في حال الحيض من صوم شهر رمضان وغيره [٣]

______________________________________________________

« سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحائض ترى الطهر في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها ، وقد حضرت الصلاة. قال (ع) : إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فلتغسله ثمَّ تتيمم وتصلي. قلت : فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال (ع) : نعم إذا غسلت فرجها وتيممت فلا بأس » (١).

وأما ما عن الجامع ـ من اشتراط الجواز به وبالوضوء معا. وما عن التبيان ومجمع البيان وأحكام الراوندي من اشتراطه بأحدهما تخييراً ـ فليس له دليل ظاهر. والله سبحانه أعلم.

[١] تقدم الكلام فيه في غسل الجنابة.

[٢] لأنه مقتضى البدلية ، فكما لا يبطل غسلها به لا يبطل ما هو بدل عنه ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام فيه في مبحث التيمم.

[٣] أما الأول فالإجماع عليه مستفيض النقل ، بل في المعتبر : انه مذهب فقهاء الإسلام ، ونحوه في السرائر. ويدل عليه النصوص الخاصة به ، مثل‌ مصحح زرارة قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن قضاء الحائض الصلاة ثمَّ تقضي الصيام. قال (ع) : ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان » (٢) ، والنصوص المطلقة ، فإنه القدر المتيقن منها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٣٥٣

______________________________________________________

وأما غيره ففي وجوب قضاءه وعدمه قولان ، والتحقيق : أنه إن ثبت عموم يقتضي وجوب قضاء ما فات من الصوم فلا إشكال في اقتضائه القضاء عليها وإلا ففي صلاحية ما دل على أنها تقضي الصوم لإثبات وجوب قضائه عليها إشكال ، لقرب دعوى انصرافه إلى خصوص صوم رمضان ، كما هو مقتضى التعليل في بعضه. كرواية أبي بصير : « ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قال (ع) : لأن الصوم إنما هو في السنة شهر والصلاة في كل يوم .. » (١) ، ونحوها حسن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) (٢) ولو بني على الخدش في ذلك بدعوى : أن التأمل في التعليل يقتضي كونه من قبيل الحكمة لا العلة التي يدور الحكم مدارها. وبأن الانصراف بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق ممنوع ، ولذا لم يدعه أحد في مثل المقام من نصوص منع الحائض عن الصلاة والصيام ، مع أن سوقها سوق نصوص المقام ، بل بعض النصوص تعرض للحكمين معا ، كرواية الفضل عن الرضا (ع) في كتابه إلى المأمون : « والحائض تترك الصلاة ولا تقضي ، وتترك الصوم وتقضي » (٣) ـ فلا أقل من دعوى كون النصوص المذكورة ليست واردة في مقام تشريع قضاء الصوم على الحائض كي يصح التمسك بإطلاقها ، بل واردة في مقام بيان أن الفوات بالحيض كالفوات بغيره مما يوجب القضاء فلا إطلاق فيها يقتضي الوجوب مطلقا ، وإن لم يجب قضاء ذلك الصوم لو فات بغير الحيض ، فلا بد من إحراز وجوب القضاء لو فات بغير الحيض من دليل آخر. ويأتي ـ إن شاء الله ـ في كتاب الصوم التعرض لذلك.

هذا كله في الصوم الموقت ، أما غيره فلا إشكال في وجوب فعله ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ١٢‌

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٨‌

(٣) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٩‌

٣٥٤

من الصيام الواجب [١] وأما الصلوات اليومية فليس عليها قضاؤها [٢] ، بخلاف غير اليومية مثل الطواف والنذر المعين وصلاة الآيات فإنه يجب قضاؤها على الأحوط ، بل الأقوى [٣].

______________________________________________________

لدليل وجوبه الأولي.

[١] سواء كان موقتا بالأصل كصوم الكفارة لمن نام عن صلاة العشاء بناء على القول بوجوبه ، أم بالعارض كما لو نذرت الصوم في ثلاثة أيام في شهر فأخرت الوفاء الى آخر الشهر فحاضت ، أما لو نذرت الصوم يوم الخميس فحاضت فيه أو الصوم في كل خميس فحاضت في بعضها انكشف فساد النذر ، لعدم مشروعية المنذور ، فلا فوت ولا قضاء. وما في كلام شيخنا الأعظم (ره) ـ من أنه إذا لم يكن النذر تعلق بذلك الشخصي بل تعلق بنوعه ، كما لو نذرت صوم كل خميس فان اتفاق الحيض في بعض الخميسات لا يكشف عن فساد النذر. انتهى ـ غير ظاهر. نعم إذا كان النذر على نحو تعدد المطلوب يصح في غير ذلك الخميس ويبطل فيه.

[٢] إجماعا حكاه جماعة ، بل عن المعتبر والسرائر : إجماع المسلمين عليه. وتدل عليه النصوص المتواترة مضموناً ، كمصحح الحسن بن راشد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الحائض تقضي الصلاة؟ قال (ع) : لا. قلت : تقضي الصوم : قال (ع) : نعم. قلت : من أين جاء هذا؟ قال (ع) : إن أول من قاس إبليس » (١) وصحيح الحلبي عنه (ع) : « كن نساء النبي (ص) لا يقضين الصلاة إذا حضن » (٢).

[٣] أما في صلاة الطواف فلأن الظاهر أنها ليست من الموقت الذي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

٣٥٥

( مسألة ٣١ ) : إذا حاضت بعد دخول الوقت فان كان مضى منه مقدار أداء أقل الواجب من صلاتها بحسب حالها من السرعة والبطء والصحة والمرض والسفر والحضر وتحصيل الشرائط بحسب تكليفها الفعلي من الوضوء أو الغسل أو التيمم وغيرها من سائر الشرائط غير الحاصلة ولم تصل وجب عليها قضاء تلك الصلاة [١]

______________________________________________________

يفوت بفوات وقته ، فلا تشملها أدلة نفي القضاء ، بل يجب فعلها عملا بأدلة وجوبها. وأما النذر المعين في وقت صادف الحيض فقد عرفت أن ذلك كاشف عن فساده. وأما المعين في وقت موسع قد أخرت فيه الفعل حتى حاضت فعن جامع المقاصد وجوب القضاء فيه. وهو مبني على تمامية دعوى الانصراف في نصوص نفي القضاء عن الحائض ولو بملاحظة التعليل. لكن عرفت الاشكال فيها ، فالبناء على عدم القضاء فيه متعين. اللهم إلا أن يدعى الانصراف إلى صورة انحصار سبب الفوت بالحيض. ومنه يظهر الحال في الموقت من صلاة الآيات ، كالكسوفين على ما هو ظاهر المشهور وكذا الزلزلة. ولذا قال في جامع المقاصد : « والظاهر أن الزلزلة لا يجب تداركها كغيرها لأنها موقتة ». هذا مضافا الى ما ذكر فيه من دعوى الاتفاق على عدم وجوب قضاء الصلاة الموقتة ، قال (ره) : « عدم وجوب قضاء الصلاة الموقتة موضع وفاق بين العلماء ، وبه تواترت الاخبار ». اللهم إلا أن يقال : دعواه الإجماع مستندة إلى فهم إطلاق كلام الأصحاب ، بقرينة دعواه تواتر الأخبار ، فإن دعوى تواتر الاخبار بذلك مبنية على فهم عموم منها ، أما بناء على عدم التوقيت فيها فاللازم وجوب القضاء ، لعدم شمول أدلة نفي القضاء ، كما عرفت.

[١] إجماعاً حكاه غير واحد ، ويدل عليه ـ مضافا الى عموم قضاء‌

٣٥٦

كما أنها لو علمت بمفاجأة الحيض وجب عليها المبادرة إلى الصلاة [١]. وفي مواطن التخيير يكفي سعة مقدار القصر [٢]. ولو أدركت من الوقت أقل مما ذكرنا لا يجب عليها القضاء.

______________________________________________________

الفائت ـ موثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (ع) : « في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخرت الصلاة حتى حاضت. قال (ع) : تقضي إذا طهرت » (١) ، وحسن ابن الحجاج قال : « سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال (ع) : نعم » (٢). والنصوص الدالة على عدم قضاء الصلاة عليها لو فرض شمولها للفرض فهي مقيدة بما ذكر. وأما ما قد يظهر من‌ موثق الفضل بن يونس عن أبي الحسن الأول (ع) ـ في حديث قال : « .. وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر ، فضيعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها » (٣) ، وقريب منه رواية أبي عبيدة عن أبي عبد الله (ع) (٤). فمحمول على ما سبق ، أو مطروح لعدم العثور على قائل به ، بل في كشف اللثام وعن غيره شدة وضوح وجوب القضاء في فرض المتن.

[١] خروجاً عن عهدة التكليف.

[٢] كما عن التذكرة ، ونهاية الاحكام ، والذكرى ، وجامع المقاصد :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٣) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٣٥٧

وإن كان الأحوط القضاء إذا أدركت الصلاة مع الطهارة وإن لم تدرك سائر الشرائط [١]

______________________________________________________

التصريح به. لعموم قضاء الفائت. وقصور نصوص السقوط عن الحائض عن شموله.

[١] بل ظاهر الشرائع والقواعد وغيرهما وجوب القضاء حينئذ ، فإنهم ذكروا : أنه إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى من الوقت مقدار أدائها والطهارة وجب عليها القضاء. ولم يتعرضوا لغير الطهارة من الشرائط. بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر. وكأنه لأن ما عدا الطهارة من الشرائط يختص اعتباره بصورة التمكن منها ، فاذا فرض عدم التمكن منها كانت الصلاة مع الطهارة بدونها واجبة ، فاذا تركتها فقد فاتت ووجب قضاؤها. بل عن الفاضل الهندي في شرح الروضة : أنه إن أوجبنا الطهارة الترابية لضيق الوقت عن الطهارة المائية أمكن اعتبار مقدار التيمم والصلاة. انتهى بل الظاهر صدق الفوت إذا مضى مقدار أداء نفس الفعل ، وإن لم يمكن فعل الطهارة ونحوها من الشرائط المعتبرة في حالي الاختيار والاضطرار لو كانت ، لأن الاكتفاء بفعلها قبل الوقت كاف في صدق الفوت لا من جهة الحيض فيجب لأجله القضاء. وكأنه لذلك لم يحك عن أحد قبل الفاضلين التعرض في أول الوقت للطهارة ، كما اعترف به الفاضل الهندي في شرح الروضة على ما حكي عنه. ومنه ومن خلو كلام من تعرض لاعتبار مقدار الطهارة عن التقييد بالمائية يظهروهن استظهار الإجماع على اعتبار الطهارة المائية ، كما في الجواهر وطهارة شيخنا الأعظم (ره).

ودعوى أن ذلك كله يتم بالنظر إلى عموم وجوب قضاء ما فات من الصلاة ، لكن يجب الخروج عنه بالنصوص الدالة على عدم قضاء الحائض‌

٣٥٨

______________________________________________________

ما فاتها من الصلاة بسبب الحيض ، الظاهرة في الصلاة بشروطها الاختيارية بعد الوقت.

مدفوعة بمنع ذلك ، بل الظاهر منها خصوص ما ترك لعدم المشروعية لأجل الحيض ، والمفروض أنه لا مانع من مشروعية الصلاة في الفرض ، لإمكان فعل شرائطها قبل الوقت ، فإطلاق ما دل على وجوب قضاء ما فات محكم. بل لعل وجوب القضاء مقتضى إطلاق روايتي ابني يعقوب والحجاج المتقدمتين ، لشمولهما لما إذا كان التأخير للاشتغال بالمقدمات.

اللهم إلا أن يستفاد سقوط القضاء في ذلك من‌ رواية أبي الورد ـ : « عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثمَّ ترى الدم. قال (ع) : تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين ، فلتقم من مسجدها فاذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب » (١) ، وموثق سماعة : « عن امرأة صلت من الظهر ركعتين ثمَّ انها طمثت وهي جالسة. فقال (ع) : تقوم من مكانها فلا تقضي الركعتين » (٢). بناء على أن مقدار الركعتين الاختياريتين يساوي مقدار الصلاة الاضطرارية ـ أو من التعليل بالتضييع والتفريط في روايتي الفضل‌ وأبي عبيدة‌ المتقدمتين. لكن الأول ـ مع أنه مشتمل على ما لا يمكن القول به ـ قاصر السند ، وهو والموثق قاصر الدلالة. والتعليل في الخبرين لا مجال للأخذ به ، لأن مورده صورة خروج الوقت ، ولم يقل به أحد كما عرفت.

نعم المقدمات التي لا تمكن قبل الوقت ولا تشرع يعتبر في صدق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

٣٥٩

بل ولو أدركت أكثر الصلاة [١] ، بل الأحوط قضاء الصلاة‌

______________________________________________________

الفوت لا من قبل الحيض مضي زمان يسعها مع الصلاة ، ولا يعتبر ذلك في غيرها مما يمكن فعله قبل الوقت. كما أن الإبدال الاضطرارية لم تثبت بدليتها إلا في ظرف مشروعية المبدل منه الاختياري ، فإذا فرض عدم مشروعيته لأجل الحيض المانع من وجوده لم تصلح أدلة الابدال الاضطرارية لتشريعها. فالمدار في القضاء لا بد أن يكون على إمكان الصلاة الاختيارية فإذا لم تكن لا قضاء. نعم لما كان تقديم المقدمات قبل الوقت لا ينافي مشروعية الصلاة الاختيارية في الوقت مع ترك التقديم ، لا يكون فوات الصلاة الاختيارية مستنداً إلى الحيض ، بل مستند إلى المكلف ، وحينئذ لا وجه لسقوط القضاء.

والمتحصل : أنه إذا أمكنت الصلاة الاختيارية ولو من جهة تقديم مقدماتها التي يمكن تقديمها قبل الوقت وجب القضاء ، وإلا فلا ، وان أمكنت الصلاة الاضطرارية بالتيمم وغيره من الابدال. وما ذكرناه احتمله في محكي نهاية الاحكام ، وظاهر من تقدم على الفاضلين ممن اقتصر في وجوب القضاء على التمكن من أداء الصلاة نفسها.

ثمَّ إنها لو علمت قبل الوقت بأنها تحيض بعد دخول الوقت بمقدار أداء الصلاة نفسها ، وجب عليها المبادرة إلى فعل المقدمات قبل الوقت ، فلو تركت أثمت للتفويت اختياراً ، ووجب عليها القضاء لما ذكرنا. وإذا ضاق الوقت عن الطهارة المائية لم يشرع لها التيمم لما عرفت ، وكذا سائر الابدال الاضطرارية ، بل الظاهر ذلك حتى لو كان الماء مفقوداً إذا كان الوقت يضيق عن استعماله ، لاطراد وجه المنع ، وهو عدم الدليل على مشروعيته.

[١] فقد حكي عن الفقيه والمقنع وجمل السيد : وجوب القضاء حينئذ‌

٣٦٠