مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

بتكرارها حتى في المس يجب عليها ذلك لكل مس [١]

______________________________________________________

ولا يؤثر استمراره أثراً. نعم تحتاج إلى الوضوء والغسل مع عروض أسباب أخر موجبة لهما من الجنابة والبول ونحوهما » ، ونحوه ما حكاه عن السيد الطباطبائي قدس‌سره. ويؤيده عدم القول من أحد بوجوب تجديد الغسل للغايات الأخر ، بل ادعي تحقق الإجماع على نفيه. ولم يعرف مأخذ لهذا الإجماع إلا كلامهم هذا ـ إلا أنه لا مجال للاعتماد على ظاهره بعد مخالفة من تقدم. اللهم إلا أن يكون خلافهم لشبهة عدم تحقق الإجماع ، لكنه بعيد جداً.

ولأجل ذلك توقف في المتن عن الحكم بالوجوب. بل قال شيخنا الأعظم (ره) في طهارته : « فالمتحصل من مجموع كلماتهم : أن الكافي من الأفعال التي تفعل للصلاة اليومية للدخول في غيرها المشروط بالطهارة هو الغسل فقط ». واستشهد على ذلك بتصريحهم في القليلة بوجوب الوضوء بل جميع ما عدا الغسل لكل صلاة فرضاً ونفلا. لكن هذا الاستشهاد ضعيف ، لأن الوضوء لكل صلاة على هذا يكون من جملة الوظائف التي تكون بفعلها بمنزلة الطاهرة بالنسبة إلى غير الصلاة ، فلا يدل على وجوب الوضوء للطواف أو المس أو غيرهما مما يعتبر فيه الطهارة.

فالعمدة ما ذكرنا من أن خلاف الجماعة المذكورين يمنع من الاعتماد على ظاهر الكلام المذكور في الخروج عن القواعد المقتضية لعدم مشروعيتها بدون الوضوء. بل تقتضي عدم مشروعيتها أصلا إذا لم تكن مضيقة.

[١] كما صرح به في كشف الغطاء ، وتردد في وجوب تكرار الوضوء مع استمرار المس. وهذا التردد منه غريب ، لتعذر التفكيك بين الحدوث والبقاء ، إلا أن يريد استمراراً خاصاً. فتأمل. مع أن في جعل المس‌

٤٢١

على الأحوط. نعم لا يجب عليها الوضوء لدخول المساجد والمكث فيها [١] ، بل ولو تركت الوضوء للصلاة أيضاً.

( مسألة ١٨ ) : المستحاضة الكثيرة والمتوسطة إذا عملت بما عليها جاز لها جميع ما يشترط [٢] فيه الطهارة ، حتى دخول المساجد والمكث فيها وقراءة العزائم ومس كتابة القرآن ويجوز وطؤها ، وإذا أخلت بشي‌ء من الأعمال حتى تغيير القطنة بطلت صلاتها [٣]. وأما المذكورات سوى المس فتتوقف على الغسل فقط ، فلو أخلت بالأغسال الصلاتية لا يجوز لها الدخول والمكث [٤]

______________________________________________________

من غايات الوضوء إشكالا تقدم في مبحث الوضوء.

[١] بلا خلاف يعرف ، كما في الجواهر. لعدم منع الحدث الأصغر عنهما ، والأصل البراءة.

[٢] لما عرفت من الإجماع المتكرر في كلامهم على أنها إذا عملت وظيفتها كانت بحكم الطاهر. وظاهر كلامهم هذا عدم الفرق بين الغايات الموسعة والمضيقة ، ولأجله يخرج عن القواعد المقتضية للاقتصار على الغايات المضيقة ـ كما في سائر موارد الاضطرار ـ لأن الضرورة تقدر بقدرها. وحينئذ كما تستباح الغايات المضيقة تستباح الغايات الموسعة.

[٣] كما سبق.

[٤] كما عن موضع من المصابيح نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، بل استظهر فيه من حواشي التحرير وشرح النجاة : الإجماع على ذلك ، وأنه يستفاد ذلك من الغنية والمعتبر والتذكرة. وعن طهارة نهاية الشيخ وحج القواعد والمراسم والوسيلة والروض ومجمع البرهان والمدارك والذخيرة وشرح المفاتيح :

٤٢٢

______________________________________________________

الجواز. للأصل ، مع عدم دليل ظاهر غير ما عرفت من ظهور الإجماع المدعى في محكي المصابيح. ولكنه ضعيف المأخذ ، إذ الظاهر أن مأخذه دعواهم الإجماع على أنها إذا فعلت وظيفتها كانت بحكم الطاهر ، وتذييله في كلام جماعة بقولهم : « فيجوز لها الدخول في المساجد وقراءة العزائم والوطء » ، وانها إن لم تفعلها لا يجوز لها شي‌ء من ذلك. وينبغي القطع بأن مرادهم دعوى الإجماع على أنها بحكم الطاهر ، لا دعواه على عدم جواز الأمور المذكورة مع عدمه ، كما يشهد به ذكر الوطء في المعتبر والتذكرة مع بنائه على جوازه بدون الغسل ، قال في المعتبر : « مسألة : وإذا فعلت ذلك كانت طاهراً ، مذهب علمائنا أجمع إن الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده ، فمع الإتيان بما ذكر من الوضوء إن كان قليلا ، والاغتسال إن كان كثيراً يخرج عن حكم الحدث لا محالة ، ويجوز لها استباحة كل ما تستبيحه الطاهر من الصلاة والطواف ودخول المساجد وحل وطئها ، ولو لم تفعل ذلك كان حدثها باقياً ولم يجز أن تستبيح شيئاً مما يشترط فيه الطهارة » ، بل قوله (ره) في ذيل الكلام : « ولو لم تفعل .. » صريح في أن المراد عدم استباحة ما يشترط فيه الطهارة بتركها الوظائف ، لا الإجماع على اعتبار الطهارة من الاستحاضة في جواز دخول المساجد. ونحوه في التذكرة. هذا مضافا الى أنه لا يعتبر فعل الوضوء في القليلة في جواز الدخول في المساجد بلا خلاف كما سبق. ولو تمَّ ظهور الإجماع فليس بنحو يصح أن يعتمد عليه في رفع اليد عن الأصل المقتضي للجواز ، ولا سيما بعد مخالفة الجماعة صريحا. نعم قد يقال بأنها إذا كانت مسبوقة بالحيض يكون المنع مقتضى الاستصحاب وفيه : أنه على تقدير عدم الغسل للحيض يكون المنع معلوماً ، وعلى تقدير الغسل له لا إشكال في الجواز بعد الغسل ـ بناء على التداخل ـ للاكتفاء‌

٤٢٣

وللوطء [١]

______________________________________________________

بغسل الحيض حينئذ ، فيكون الجواز مقتضى الاستصحاب لا المنع.

[١] كما عن ظاهر الصدوقين في الرسالة والهداية ، بل في الرياض : نسبة توقفه على سائر أفعال المستحاضة ـ قليلة أو كثيرة ، أغسالا كانت أو غيرها ـ إلى الشهرة العظيمة. والعمدة فيه : ما‌ في موثق سماعة : « وان أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل » (١) ، وما‌ في خبر قرب الاسناد : « قلت : يواقعها زوجها : قال (ع) : إذ طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضأ ثمَّ يواقعها إن أراد » (٢) ، وما‌ في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المستحاضة ، أيطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال (ع) : تقعد قرأها .. الى أن قال (ع) : وكل شي‌ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت » (٣) ، وما‌ في موثق الفضيل وزرارة عن أحدهما (ع) : « فاذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن يغشاها » (٤).

لكن الظاهر من الحل في الأخير ـ بقرينة سوقه مساق حل الصلاة ـ الجواز مقابل الحرمة ، لا الصحة مقابل الفساد ، فتدل على جواز الوطء متى جازت لها الصلاة. والظاهر أنه هو المراد مما في خبر البصري ، بقرينة السؤال في صدره عن أصل جواز الوطء والطواف لا عن شرطهما ، فيكون إطلاقهما دالا على الجواز كمصحح ابن سنان الآتي‌. وأما ما في خبر قرب الاسناد‌ فتعليق الجواز فيه على الطول يشهد بأن المراد تعليق جواز خاص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٥‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٢‌

٤٢٤

وقراءة العزائم [١] على الأحوط. ولا يجب لها الغسل مستقلا بعد الأغسال الصلاتية [٢] وإن كان أحوط.

______________________________________________________

لا مطلق الجواز مقابل الحرمة ، فلا يكون مما نحن فيه. ومن ذلك تسهل المناقشة في الموثق ، فان حمل الأمر فيه على الاستحباب والإرشاد إلى رفع الكراهة لعله أولى من التصرف في إطلاق مثل‌ مصحح ابن سنان : « ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلا أيام حيضها » (١) ونحوه غيره. وأما بقية النصوص المستدل بها على اعتبار الغسل أو مطلق الأفعال فقاصرة الدلالة على ذلك جداً. فالقول بعدم الاعتبار مطلقا ـ كما في المعتبر والتذكرة والتحرير والبيان والدروس والمهذب وغيرها ـ لا يخلو من قوة.

وإن كانت صناعة الاستدلال تقتضي الأول ، لأن تقييد المطلق أولى عندهم من حمل المقيد على الاستحباب. بل لا يبعد حمل مثل المصحح على إرادة الحل الذاتي ، وإن كان مشروطاً بالغسل فلا ينافي الموثق. نعم قد يخدش في الموثق بأنه ظاهر في اعتبار معاقبة الوطء للغسل ، لم يقل به أحد. والتصرف فيه بحمله على اعتبار الغسل للصلاة في جواز الوطء ليس بأولى من حمله على الاستحباب ، ولا سيما بملاحظة جواز وطء الحائض قبل الغسل بعد انقطاع الدم ، وليس حدث الاستحاضة بأعظم من حدث الحيض. لكن الإنصاف أن الخدش المذكور ضعيف ، لتعارف التعبير عن الشرطية المطلقة من دون معاقبة بمثل ذلك ، فالمراد : « من حين تغتسل ».

[١] الكلام فيها هو الكلام في المكث في المساجد من حيث الأصل وظهور الإجماع ، لعدم تعرض النصوص لها.

[٢] لكفاية الأغسال الصلاتية في استباحتها إجماعا ، استظهره شيخنا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٤‌

٤٢٥

نعم إذا أرادت شيئاً من ذلك قبل الوقت وجب عليها الغسل مستقلا [١] على الأحوط. وأما المس فيتوقف على الوضوء‌

______________________________________________________

الأعظم (ره) وغيره ، وقد عرفت أنه المتيقن من معقد الإجماع ، على أنها إذا فعلت وظيفتها فهي بحكم الطاهر. نعم المصرح به في كلام غير واحد الاختصاص بالوقت ، فلا يجتزأ بغسل الصلاة بعد خروج وقتها في غاية أخرى. وعليه يكون المرجع في غير الوقت عموم اعتبار الطهارة في فعل تلك الغاية المقتضي لوجوب الغسل. اللهم إلا أن يقال : بعد أن لم يكن الغسل طهارة حقيقية بل تخفيف للحدث ، فوجوبه لا بد أن يكون بدليل ، إذ الأصل فيه البراءة. مع أن العدم مقتضى الاستصحاب. ثمَّ إن الذي دعا إلى تقييد إطلاق كلامهم في الاجتزاء بالغسل بخصوص الوقت ما ذكروه من أنه إذا أرادت المستحاضة صلاة الليل قدمت غسل الفجر وصلت به صلاة الليل ، ولو كان غسل العشائين يكفي للغايات ولو بعد الوقت لم تكن حاجة إلى التقديم. هذا والجمع بين الكلامين يقتضي حمل كلامهم الأخير على ما لو لم تغتسل للعشائين لحدوث الاستحاضة بعدهما أو لغير ذلك ، وإلا فكلامهم آب عن هذا التقييد جداً. فلاحظ.

[١] يعني : الغسل لأجلها ، أما مشروعية الغسل فلما عرفت الإشارة إليه ، من أن ظاهر نصوص الاستحاضة كونها حدثا ، وأن رافعه الغسل والوضوء ، فإذا بني على عدم جواز فعل الغايات المذكورة مع الحدث الأكبر لا بد من إيجاب الغسل عليها لأجلها ، وحينئذ يجوز لها فعل الغاية. نعم قد يشكل التعبد بالغسل إذا لم يكن فعل الغاية راجحا ، إذ لا أمر غيري به يصح لأجله التعبد ، والأمر به بما أنه طهارة مقطوع بعدمه. لكنه إشكال من جهة أخرى غير الاشكال فيه من جهة عدم مشروعية الغاية العبادية قبل‌

٤٢٦

والغسل ، ويكفيه الغسل للصلاة. نعم إذا أرادت التكرار يجب تكرار الوضوء والغسل [١] على الأحوط ، بل الأحوط ترك المس لها مطلقاً [٢].

( مسألة ١٩ ) : يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء والغسل وسائر الأعمال لكل صلاة. ويحتمل جواز اكتفائها بالغسل للصلوات الأدائية. لكنه مشكل [٣]

______________________________________________________

الوقت ، الذي مال إليه في الجواهر. كما أشرنا إليه آنفا.

[١] أما تكرار الوضوء فلما عرفت من عدم ثبوت الإجماع على عدم تجديده ، وأما تكرار الغسل فغير ظاهر لعدم وجوب تجديده إجماعا. اللهم إلا أن يختص ذلك بالغسل المأتي به لصلاة الفريضة لا مطلقا ، لعدم ثبوت الإجماع على عدم وجوب التجديد في غيره. لكن الأصل يقتضي عدم لزوم التكرار ، كما عرفت في مسألة الاجتزاء بغسل الصلاة لفعل الغايات الأخرى خارج الوقت ، لكون الشك في المقام كالشك في تلك المسألة.

[٢] لما عرفت الإشارة إليه ، من أن مقتضى كون الغسل على النحو المذكور طهارة اضطرارية عدم جواز فعل الغايات الموسعة معه. لكن الظاهر منهم التسالم على الجواز ، والنصوص صريحة في جواز الطواف والوطء ، والتأمل في قولهم : « انها إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر » يقتضي أن يكون الجواز عندهم من الواضحات. ومن ذلك يظهر الوجه في قوله (ره) : « يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت » ، كما أشار الى ذلك في الجواهر.

[٣] لم يظهر الفرق بين القضاء وغيره ، الذي قد تقدم احتياجه إلى تجديد الغسل للإجماع عليه ، قال في الروض : « ليس للمستحاضة أن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، سواء في ذلك الفرض والنفل ، أما غسلها فللوقت‌

٤٢٧

والأحوط ترك القضاء إلى النقاء [١].

( مسألة ٢٠ ) : المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات [٢] وتفعل لها كما تفعل لليومية [٣] ، ولا تجمع بينهما بغسل وإن اتفقت في وقتها [٤].

( مسألة ٢١ ) : إذا أحدثت بالأصغر في أثناء الغسل لا يضر بغسلها على الأقوى [٥] لكن يجب عليها الوضوء بعده [٦] وإن توضأت قبله.

( مسألة ٢٢ ) : إذا أجنبت في أثناء الغسل أو مست ميتاً استأنفت غسلا واحداً لهما [٧] ويجوز لها إتمام غسلها واستئنافه‌

______________________________________________________

تصلي به ما شاءت من النفل والفرض ، أداء وقضاء ».

[١] لما عرفت من الإشكال في عموم الحكم للغايات الموسعة.

[٢] لإطلاق أدلة وجوبها.

[٣] لأن ذلك طهارتها من حدثها ، التي لا يفرق في اعتبارها بين اليومية وغيرها كما عرفت.

[٤] هذا لا يخلو من إشكال ، للإجماع على عدم الاحتياج إلى التجديد في الوقت ، كما تقدمت الإشارة إليه في كلام شيخنا الأعظم (ره). وقال في البرهان القاطع : « لم أجد من أفتى بوجوب تجديده بعد وقوعه لفريضة الوقت لغاية أخرى في وقتها ، وهو المتيقن من معقد الإجماع .. ». نعم خارج الوقت محل الإشكال في عدم وجوب التجديد ، كما تقدم في كلام الروض ، ونحوه غيره ، كما أشرنا إليه آنفاً.

[٥] كما تقدم في غسل الجنابة.

[٦] لرفع أثر الحدث الأصغر.

[٧] تقدم الكلام في ذلك في مسألة تداخل الأغسال.

٤٢٨

لأحد الحدثين إذا لم يناف المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة ، وإذا حدثت الكبرى في أثناء غسل المتوسطة استأنفت للكبرى [١].

( مسألة ٢٣ ) : قد يجب على صاحبة الكثيرة ، بل المتوسطة أيضاً خمسة أغسال ، كما إذا رأت أحد الدمين قبل صلاة الفجر ، ثمَّ انقطع [٢] ، ثمَّ رأته قبل صلاة الظهر ثمَّ انقطع ، ثمَّ رأته عند العصر ثمَّ انقطع. وهكذا بالنسبة إلى المغرب والعشاء.

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر. لإطلاق دليل اقتضاء الكبرى فيجب إعماله ، ولا مجال لإتمام الغسل الأول ثمَّ الاستئناف للكبرى ، لأن الكبرى تنقض رافع ما دونها ، لكونها مع ما دونها من قبيل الأكثر والأقل ، فيكون المقام من قبيل الجنابة في أثناء الغسل ، والبول أثناء الوضوء ، لا من قبيل الجنابة أو المس في أثناء غسل الاستحاضة.

[٢] يعني : انقطع قبل الغسل والصلاة. وهكذا في الباقي. ووجه وجوب الغسل : أن الدم في جميع الموارد المذكورة حدث يوجب الغسل ، كما تقدم في المسألة الرابعة عشرة. ومثله ما لو كان الانقطاع بعد الغسل والصلاة ، وكانت الفترة تسع الصلاة في الوقت ، فإنه يجب عليها تجديد الغسل واعادة الصلاة ، لانكشاف فسادهما. لكن هذا الفرض خارج عن مورد الكلام ، وإن كان الواجب فيه خمسة أغسال ، والأغسال الخمسة المأتي بها باطلة. وإذا كانت الفترة في غير الوقت كما لو رأت الدم بعد الفجر فاغتسلت وصلت وبعد طلوع الشمس انقطع إلى الزوال ، ثمَّ رأته وكانت الاستحاضة متوسطة ففي وجوب الغسل للظهر إشكال ، لأن الفترة لا تزيد على الاستمرار ، والأصل يقتضي البراءة ، كما عرفت.

٤٢٩

ويقوم التيمم مقامه إذا لم تتمكن منه [١] ، ففي الفرض المزبور عليها خمسة تيممات ، وإن لم تتمكن من الوضوء أيضاً فعشرة [٢] كما أن في غير هذه إذا كانت وظيفتها التيمم ففي القليلة خمسة تيممات وفي المتوسطة ستة [٣] وفي الكثيرة ثمانية [٤] إذا جمعت بين الصلاتين ، وإلا فعشرة [٥].

فصل في النفاس

وهو دم يخرج مع ظهور أول جزء من الولد [٦]

______________________________________________________

[١] لما تقدم من إطلاق دليل البدلية.

[٢] يعني : خمسة بدل الأغسال ، وخمسة بدل الوضوءات.

[٣] يعني : واحد بدل الغسل الواجب للفجر ، وخمسة بدل الوضوءات الخمسة‌

[٤] ثلاثة منها بدل الأغسال الثلاثة ، وخمسة بدل الوضوءات.

[٥] لأنها مع عدم الجمع يجب عليها خمسة أغسال وبدلها خمسة تيممات وبدل الوضوءات خمسة أخرى. والله سبحانه أعلم.

والحمد لله رب العالمين. تمَّ بتأريخ ١٨ صفر سنة ١٣٥٠.

فصل في النفاس‌

[٦] كما نسبه إلى المشهور جماعة ، وعن الخلاف : أنه إجماع. ويدل عليه ما‌ في رواية زريق عن أبي عبد الله (ع) : في الحامل ترى الدم ، قال (ع) : « تصلي حتى يخرج رأس الصبي فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة‌ .. الى أن قال (ع) : وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج‌

٤٣٠

أو بعده [١] قبل انقضاء عشرة أيام من حين الولادة [٢] ، سواء كان تام الخلقة أولا [٣] كالسقط وإن لم تلج فيه الروح ،

______________________________________________________

بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس .. » (١) ورواية السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) « قال النبي (ص) : ما كان الله ليجعل حيضاً مع حبل. يعني : إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة ، إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة » (٢) ، بناء على أن التفسير من الامام (ع) ـ كما لعله الظاهر ـ لا من الراوي. وعن الوسيلة والغنية وغيرهما : أنه الدم عقيب الولادة ، وظاهره عدم نفاسية المقارن ، ونسب ذلك في المعتبر إلى علم الهدى وأبي حنيفة. وقد يشهد له‌ موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في المرأة يصيبها الطلق أياماً أو يومين فترى الصفرة أو دماً. قال (ع) : تصلي ما لم تلد » (٣). لكن يجب حمله على إرادة نفي نفاسية ما قبل الولادة ، جمعاً بينه وبين ما سبق. وفي كشف اللثام احتمل أن يكون مراد السيد والوسيلة وغيرهما من قوله : « عقيب الولادة » ابتداءها ، أي ظهور شي‌ء من الولد ، فلا خلاف. ويؤيده ظهور كلام الشيخ في الخلاف في دعوى الإجماع على نفاسية ما يرى مع الولادة. فتأمل.

[١] بلا خلاف ، فإنه القدر المتيقن.

[٢] على ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ من أن أكثره عشرة أيام من حين الولادة.

[٣] استظهر في مفتاح الكرامة : أنه لا كلام لأحد فيه ، لصدق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٧‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٢‌

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب النفاس حديث : ١‌

٤٣١

بل ولو كان مضغة أو علقة [١] بشرط العلم بكونها مبدأ نشوء الإنسان. ولو شهدت أربع قوابل بكونها مبدأ نشوء إنسان كفى [٢].

______________________________________________________

الولادة فيهما بلا إشكال ، كما في الجواهر وطهارة شيخنا الأعظم (ره) ، وحينئذ يشمله الإطلاق.

[١] كما هو المعروف ، وعن المدارك : أنه مما قطع به الأصحاب ، وفي الجواهر وعن التذكرة وشرح الجعفرية : الإجماع عليه. وهو العمدة فيه. ولولاه لأشكل ، لعدم ثبوت صدق النفاس معهما ، ولذا توقف الكركي في إلحاق العلقة ، بل عن الأردبيلي : الجزم بعدم إلحاق المضغة والعلقة معاً. لكن لا يبعد الصدق ، وإن كان لا يخلو من خفاء. والكلام في النطفة ينبغي أن يكون هو الكلام في العلقة ، والتفكيك بينهما غير ظاهر ، ولكن لم يتعرض لها في كلام الأكثر. نعم عن الشهيد : احتمال الإلحاق بالعلقة والمضغة. وكأن وجه التوقف فيها عدم وضوح صدق الولد فيها من جهة عدم التطور والتبدل عرفا.

[٢] لا إشكال في حجية شهادة القوابل الأربع في الجملة في إثبات الولادة والنفاس ، وإنما الإشكال في حجية شهادة الاثنتين والواحدة ، فعن المفيد وغيره : ذلك ، ويشهد به بعض النصوص‌ (١) الواجب حمله على الحجية بالنسبة إلى النصف أو الربع جمعاً بين النصوص‌ (٢) ، وعن ابن إدريس وغيره : عدم حجية شهادة الأربع مع وجود الرجال. لكن ذلك مخالف لإطلاق النصوص الدالة على حجية شهادتهن. والكلام في ذلك موكول إلى محله من كتاب الشهادات.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الشهادات حديث : ٢ و ٤٢ و ٥٢‌

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الشهادات حديث : ٦ و ٤٦ و ٤٩‌

٤٣٢

ولو شك في الولادة أو في كون الساقط مبدأ نشوء الإنسان لم يحكم بالنفاس [١] ولا يلزم الفحص [٢] أيضاً. وأما الدم الخارج قبل ظهور أول جزء من الولد فليس بنفاس [٣]. نعم لو كان فيه شرائط الحيض كأن يكون مستمراً من ثلاثة أيام فهو حيض [٤] وإن لم يفصل بينه وبين دم النفاس أقل الطهر على الأقوى [٥]

______________________________________________________

[١] بل تكون حاله حال الدم المشكوك الخارج من المرأة من الحكم عليه بأنه حيض إن أمكن ، لقاعدة الإمكان ، وإن لم يمكن ، فان جرت فيه أصالة الاستحاضة ـ كما تقدم بيانها في مبحث الاستحاضة ـ فهو ، وإلا كان المرجع فيه الأصل المختلف اقتضاؤه باختلاف كون الحالة السابقة المتيقنة هي الطهر أو غيره. أما لو علم بالولادة واحتمل كون الدم غير نفاس فالظاهر أنه لا إشكال في الحكم بنفاسيته ، لأصالة النفاس في كل دم يخرج بعد الولادة ، كما صرح به بعض الأعاظم (ره). والعمدة في هذا الأصل ـ مضافاً إلى ظهور الإجماع ـ بناء العرف عليه.

[٢] كما هو الحال في جميع الشبهات الموضوعية ، عدا الشاذ النادر الذي قام الدليل فيه بالخصوص على وجوب الفحص فيه. والوجه في عدم وجوبه إطلاق أدلة الأصول المتقدمة ، من قاعدة الإمكان في الحيض ، أو الاستحاضة ، أو استصحاب الطهر ، أو غيره. فلاحظ.

[٣] إجماعاً ، ادعاه غير واحد من الأعاظم. مضافاً إلى النصوص المتقدمة من موثق عمار‌ وغيره.

[٤] لقاعدة الإمكان بناء على إمكان حيض الحامل.

[٥] كما عن التذكرة والمدارك والذخيرة وحواشي الشهيد وغيرها ، وفي المنتهى : الميل اليه ، وعن النهاية : احتماله. واستدل له بإطلاقات‌

٤٣٣

______________________________________________________

أحكام الحيض. وبقاعدة الإمكان. وبما دل على حيضية المرئي في العادة أو بالصفة. لكن الإطلاق مقيد بما يأتي. وقاعدة الإمكان وما بعدها إنما يصح التمسك بهما في الشبهة الموضوعية لا الحكمية كما فيما نحن فيه. ومن هنا كان المشهور ـ كما قيل ـ هو اعتبار الفصل بأقل الطهر ، والعمدة فيه إطلاق ما دل على أن الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام. ودعوى : انصرافه أو اختصاصه بما بين الحيضتين فلا يشمل ما بين الحيض والنفاس ، ممنوعة ، كما تقدم في الحيض. كدعوى : أن بينه وبين إطلاقات أحكام الحيض عموماً من وجه ، وليس هو بأظهر منها. إذ لو سلم ذلك يكون المرجع الأصل المقتضي لنفي الحيضية.

ثمَّ إن شيخنا الأعظم (ره) ـ بعد ما استشكل في التمسك بأخبار أقل الطهر بأن الظاهر منها الطهر بين الحيضتين ـ قال : « مع أنها إنما تنفي كون الأقل طهراً فلعله حيض أو نفاس أو حالة حدث بين الحدثين ». وهو ـ كما ترى ـ غير واضح ، لأن الكلام في صورة الدم المنقطع قبل النفاس بأقل من عشرة أيام ، وهذا النقاء الأقل من عشرة ليس بنفاس ، لما سبق من أن النفاس الدم حال الولادة أو بعدها ، فلا يشمل ما قبلها من الدم فضلا عن النقاء ، وليس بحيض ، لأن النقاء لا يكون حيضاً إلا إذا تخلل بين دمين محكومين بأنهما حيض واحد ، وليس هناك حدث ثالث إجماعا. وبالجملة : ما ذكره من الاحتمالات كلها خلاف الإجماع ولا تساعدها الأدلة. نعم إذا كان الدم والنقاء مجموعهما لا يتجاوز العشرة ، فإن الأخبار المتضمنة أن أقل الطهر عشرة تقتضي الحاقه بالحيض ، نظير ما يقال في تقريب حيضية النقاء المتخلل بين أجزاء الحيضة الواحدة. لكن الأخذ بالأدلة في هذه الصورة خلاف الإجماع ظاهراً على كون النقاء طهراً.

٤٣٤

خصوصا إذا كان في عادة الحيض [١] أو متصلا بالنفاس ، ولم يزد مجموعهما عن عشرة أيام [٢] كأن ترى قبل الولادة ثلاثة أيام وبعدها سبعة مثلا. لكن الأحوط مع عدم الفصل بأقل الطهر مراعاة الاحتياط خصوصاً في غير الصورتين من كونه في العادة أو متصلا بدم النفاس.

______________________________________________________

وقد يستدل له ( تارة ) بما دل على اعتبار الفصل بذلك فيما بين النفاس والحيض اللاحق بضميمة عدم القول بالفصل بين اللاحق والسابق. وفيه : عدم ثبوت عدم القول بالفصل ، لتحقق الخلاف. ولو سلم لم يجد ما لم يكن قولا بعدم الفصل. و ( أخرى ) بما دل على أن النفساء كالحائض. وفيه : أنه لو سلم ثبوته فظاهره خصوص أحكام الحيض والحائض ، لا أحكام الطهر وان كانت راجعة إلى الحيض بوجه. و ( ثالثة ) بروايتي عمار‌ وزريق‌ (١). وفيه : أنهما مختصان بدم المخاض ولا تعرض فيهما لما نحن فيه. وما في كلام شيخنا الأعظم (ره) ـ من أن العمدة الروايتان ـ غير طاهر.

[١] قد عرفت أن ما دل على حيضية ما في العادة لا يصلح لرفع الشك بنحو الشبهة الحكمية.

[٢] الحكم بحيضية الدم المرئي قبل الولادة في الفرض المذكور لا ينافيه ما دل على كون أقل الطهر عشرة بوجه ، وإنما ينافيه ما يدل على أن النفاس بحكم الحيض من جميع الجهات ، فكما يعتبر الفصل بأقل الطهر بين الحيضتين يعتبر الفصل به بين الحيض والنفاس ، إلا أن ثبوت الدليل على ذلك محل إشكال أو منع. وعلى تقدير عدمه ، فالدم المذكور إما أن يعلم بأنه من دم‌

__________________

(١) تقدمتا في أول الفصل‌

٤٣٥

( مسألة ١ ) : ليس لأقل النفاس حد [١] بل يمكن أن يكون مقدار لحظة بين العشرة [٢]

______________________________________________________

الحيض المتكون خلقه في المرأة وإما أن يشك ، ففي الأول يجري عليه حكم الحيض. لإطلاق أدلته النافي للتقييد الشرعي زائداً على الموضوع العرفي ، كما هو الحكم في جميع موارد الشك في تقييد الموضوع الشرعي زائداً على ما عند العرف ، فان مقتضى الإطلاقات المقامية العمل بما عند العرف. ودعوى : تقييدها بروايتي زريق‌ وعمار‌. مندفعة بظهورهما بدم المخاض ، بل الاولى صريحة فيه ، فلا تعرض فيهما لمعلوم الحيضية. ولا فرق في ذلك بين أن يزيد مجموعهما على عشرة أيام وبين أن لا يزيد ، لإطلاق ما ذكرنا. وما دل أن الحيض لا يكون أكثر من عشرة والنفاس لا يكون أكثر من عشرة لا يقتضي أن يكون مجموع الحيض والنفاس المتصلين لا يزيد على العشرة. إلا أن يستفاد من الأدلة. أن الجماع لا يجوز أن يزيد على عشرة لكنه غير ظاهر. وفي الثاني يرجع إلى أصالة الطهارة ، إذ لا مجال لقاعدة الإمكان أو غيرها من أمارات الحيض ، لما عرفت من اختصاصها بالشبهة الموضوعية. فتأمل.

[١] إجماعا ، كما عن الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس والروض وظاهر المدارك وشرح المفاتيح.

[٢] كما قاله الأصحاب ، ويقتضيه ـ مضافا إلى إطلاق الأدلة ـ رواية ليث المرادي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن النفساء كم حد نفاسها حتى يجب عليها الصلاة وكيف تصنع؟ قال (ع) : ليس لها حد » (١) ، فإنها وإن كانت ظاهرة في نفي التحديد من طرف الكثرة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النفاس حديث : ١‌

٤٣٦

ولو لم تر دماً فليس لها نفاس أصلا [١] ، وكذا لو رأته بعد العشرة من الولادة [٢] ، وأكثره عشرة أيام [٣]

______________________________________________________

لكن يجب حملها على طرف القلة بقرينة الإجماع والنصوص على تحديد الكثرة. فتأمل.

[١] إجماعا ، حكاه جماعة كثيرة.

[٢] هذا بناء على أن أكثره عشرة ، وأما بناء على أن أكثره أكثر من ذلك فهو نفاس على ما ذكره في المنتهى. نعم لو رأته بعد الولادة ثمَّ انقطع ورأته بعد العشرة ففيه احتمالان ذكرهما في المنتهى : احتمال الحكم بالحيض ، واحتمال الحكم بالنفاس.

[٣] كما هو المشهور ، كما عن جماعة. واستدل له بأمور :

الأول : أصالة عدم النفاس ، أو أصالة عدم أحكامه. ولا يعارضه استصحاب موضوعه ـ لمنع جريانه في التدريجيات ـ ولا استصحاب أحكامه لأنه فرع بقاء موضوعها ، أعني : النفساء شرعاً. مع أن الاستصحاب المذكور لا يجري في بعض الصور ، كما لو حدث الدم بعد العشرة. كذا ذكره شيخنا الأعظم في طهارته. وفيه : أولا : أن أصالة عدم النفاس إن كان المراد بها أصالة عدم النفاس الشرعي العرفي فلا مجال لها ، لأن الشك إن كان فهو من جهة الشك في المفهوم ، ومعه لا مجال للاستصحاب كما عرفت مكرراً. وثانياً : أن التحقيق صحة جريان الاستصحاب في التدريجيات ، كما حققه المستدل (ره) في محله. وثالثاً : أنه يكفي في بقاء الموضوع في الاستصحاب صدق البقاء عرفاً ، وهو حاصل فلا مانع من استصحاب الأحكام. نعم لو كان المرجع في تشخيص الموضوع الاستصحابي هو الدليل ، فالشك في دلالة الدليل على تقييد النفساء بالعشرة يوجب الشك‌

٤٣٧

______________________________________________________

في بقاء الموضوع الشرعي ، لكن ذلك خلاف ما حققه المستدل نفسه (ره) ورابعاً : إمكان جريان الاستصحاب التعليقي في صورة حدوث الدم بعد العشرة ، فيقال : كان الدم بحيث لو رئي قبل العشرة لكان نفاساً وهو على ما كان. وقد حقق المستدل (ره) نفسه صحة الاستصحاب التعليقي في محله. إلا أن يقال : القضية الشرطية المذكورة ليست مذكورة في الدليل الشرعي ، وإنما هي مستنبطة منه ، لكونها من لوازم مضمونه ، وذلك غير كاف في صحة الاستصحاب التعليقي ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث نجاسة العصير. هذا وأما استصحاب الحدث فهو وإن كان لا يتوقف على القول بصحة الاستصحاب في الأمور التدريجية ، لكون الظاهر أن الحدث من الأمور القارة المستند حدوثه الى وجود الدم ، وبقاؤه إلى استعداد ذاته ، الا أنه الا يجدي في ترتيب أحكام النفساء ، بل إنما يجدي في ترتيب أحكام الحدث والفرق بينهما ظاهر.

الثاني : ما ورد من أن النفاس حيض محتبس (١). وفيه ـ كما تقدم ـ أنه وارد لبيان قضية واقعية خارجية لا تشريعية تنزيلية ، ولا سيما بملاحظة توصيفه بالاحتباس ، إذ لا أثر للحيض المحتبس ليصح التنزيل منزلته ، فلا مجال للتمسك به في أمثال المقام.

الثالث : مرسلة المفيد المحكية في السرائر عنه : « أنه سئل كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة وكم مبلغ أيام ذلك؟ فقد رأيت في كتاب أحكام النساء : أحد عشر يوماً ، وفي رسالة المقنعة : ثمانية عشر يوما ، وفي كتاب الإعلام : أحد وعشرين يوما. فعلى أيها العمل؟ فأجاب : الواجب على النفساء أن تقعد عشرة أيام .. ( الى أن قال ) : وعملي في‌

__________________

(١) تقدم التعرض لذلك في المسألة العشرين من فصل أحكام الحيض. ويأتي الكلام فيه في المسألة العاشرة من هذا الفصل‌

٤٣٨

______________________________________________________

ذلك على عشرة أيام ، لقول الصادق (ع). لا يكون النفاس لزمان أكثر من زمان الحيض » وفي المقنعة قال : « وقد جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس هو عشرة أيام‌ (١) ، وعليها أعمل لوضوحها عندي » بناء على أنه من عبارة المقنعة كما هو الطاهر ، وعليه العلامة وكاشف اللثام والوسائل‌ (٢) وغيرهما ، خلافا لما في الذكرى من نسبة الكلام المذكور إلى التهذيب ، قال : « وفي التهذيب قال : جاءت أخبار .. » ، ونحوه في جامع المقاصد وعن الروض وظاهر السرائر. وإن كان لا يهم تحقيق ذلك. لأن إرسال الشيخ لا يقصر عن إرسال المفيد.

وفيه : وهن المرسلتين المذكورتين بعدم ذكرهما مسندتين في المجاميع فيقرب جدا كون المراد بهما الأخبار التي ذكرها في التهذيب دليلا على كون الأكثر عشرة أيام ، التي قد روي أكثرها عن المفيد ، المتضمنة أنها تقعد بقدر أيامها ثمَّ تغتسل وتصلي ويغشاها زوجها إن أحب. وكأن وجه الاستدلال بها : أن غاية أيام العادة عشرة. ولا ينافيها ما تضمن منها الأمر بالاستظهار بيوم أو أكثر من جهة ظهوره في تجاوز النفاس عن العادة ولو كانت عشرة ، لاختصاص الاستظهار بصورة كون العادة دون العشرة ، كما تقتضيه‌ مرسلة ابن المغيرة : « إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر ، فان كانت أقل استظهرت » (٣). وفيه : ـ مع اختصاص تلك النصوص بالمعتادة ـ أنها إنما تدل على أن أكثر النفاس العادة التي تختلف باختلاف النساء مع أنها واردة في مقام بيان الحكم الظاهري عند اشتباه النفاس بالاستحاضة لا في مقام تحديد النفاس واقعاً بذلك ، فهي كاخبار رجوع المستحاضة إلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١٠‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ١٠‌

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

٤٣٩

______________________________________________________

عادتها في الحيض الأجنبية عن مقام تحديد الحيض. ولأجل ذلك يظهر أن نفي الاستظهار بعد العشرة ـ كما في المرسلة ـ لا يدل على أنها أكثر النفاس نظير الاستظهار بيوم واحد بعد العادة.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره الشيخ في التهذيب ، فإنه بعد ما روى‌ رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر (ع) : « عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم قال (ع) : نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ، ثمَّ تستطهر بيوم ، فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها ، يأمرها فتغتسل ثمَّ يغشاها إن أحب » (١) قال : « وهذا الحديث يدل على أن أكثر أيام النفساء مثل أكثر أيام الحيض ، لأنه لو كان زائداً على ذلك لما وسع لزوجها وطؤها ، كما قدمناه من أن النفساء لا يجوز وطؤها أيام نفاسها ». فإنه كما ترى ، فان جواز الوطء اعتمادا على الأمارة لا يدل على انتهاء مدة النفاس واقعا ، ولو سلم لكانت الرواية دالة على أن أكثر النفاس العادة ، ويوم الاستظهار وإن لم يبلغ العشرة ، ولو كان المنع يوم الاستظهار من جهة الاحتياط كان أكثر النفاس العادة لا غير ، كما عرفت في أخبار الرجوع إلى العادة.

الرابع : ما‌ رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (ع) : « عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى. قال (ع) : فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ، ثمَّ تستظهر بعشرة أيام .. » (٢). بناء على أن المراد أنها تستظهر إلى عشرة أيام ـ كما في التهذيب ـ لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض. انتهى. ويشهد له روايته بهذا السند وبهذا المتن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النفاس حديث : ٣‌

٤٤٠