مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

وإلا وجب الوضوء [١] وإن نوى واحداً منها وكان واجباً كفى عن الجميع أيضاً على الأقوى [٢] وإن كان ذلك الواجب غير غسل الجنابة وكان من جملتها ، لكن على هذا يكون امتثالا‌

______________________________________________________

لا قبله ولا بعده‌ (١). لكن لا يخفى أن الأمر بالتطهر في الآية لا يدل إلا على أن حدث الجنابة لا يحتاج إلى الوضوء ، ومثله حال الروايات ، وليس هو محل الكلام.

نعم لو تمَّ أن الفارق بين غسل الجنابة وغيره أن الحدث الأصغر لا يجتمع مع حدث الجنابة ، أو أن غسل الجنابة كما يرفع الجنابة يرفع الأصغر ، بخلاف غسل غير الجنابة فإنه لا يرفع الأصغر ، فيكون الوضوء في الاحداث الكبيرة غير الجنابة رافعاً للأصغر ، كان سقوط الوضوء هنا في محله ، لانتفاء الأصغر أو لارتفاعه بالغسل المنوي به الجنابة. أما لو كان الحدث الأكبر غير الجنابة لا يرفعه الغسل وحده بخلاف حدث الجنابة فيحتاج الى الوضوء. أو أن حدث الجنابة لا يوجب الأصغر بخلاف غيره من الاحداث الكبيرة ، كان اللازم فعل الوضوء في المقام. ولعله يأتي في المسألة السادسة والعشرين من فصل أحكام الحائض بعض ما له دخل في المقام. وكأن ما ذكرنا من الاشكال هو الوجه فيما عن المحقق الخونساري والمحقق القمي من التأمل في سقوط الوضوء في المقام لو لا الإجماع فتأمل جيداً.

[١] لإطلاق ما دل على وجوبه مع كل غسل غير غسل الجنابة. هذا وظاهرهم التسالم على الاكتفاء بوضوء واحد.

[٢] أما إذا كان المنوي هو الجنابة وكان الجميع واجباً فلا خلاف في ذلك ، كما عن شرحي الجعفرية والموجز ، بل عن السرائر وجامع المقاصد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

١٤١

______________________________________________________

الإجماع عليه. ويقتضيه ـ مضافاً إلى ذلك ـ إطلاق النصوص. ودعوى كون الظاهر منها خصوص صورة نية الجميع ، غير ظاهرة ، بل تمكن دعوى ظهورها في نية واحد منها ، فان صدر صحيح زرارة ظاهر في تشريع التداخل في ظرف الإتيان بالفعل جريا على مقتضى الجعل الأولي ، أعني عدم التداخل ، وهو إنما يكون بنية واحد منها لا غير ، بل مرسل جميل‌ كالصريح في كون غسل الجنب للجنابة لا غير. ولا ينافي ما ذكرنا من ظهور صدر الصحيح في ذلك إطلاق قوله (ع) في ذيله : « إذا اجتمعت .. » وقوله (ع) : « وكذلك المرأة .. » الشامل لصورة نية الجميع ونية واحد بعينه ، وذلك لأن الذيل يكون من قبيل الكبرى الشاملة لما في الصدر ولغيره نعم لو كان ما في الذيل ظاهراً في خصوص نية الجميع لزم التنافي بين الصدر والذيل ، ووجب صرف أحدهما إلى الآخر ، لكن على هذا يكون اللازم صرف الذيل الى ما في الصدر ، وحينئذ يشكل الاستدلال بالرواية على الاجزاء في صورة نية الجميع التي قيل : انها المتيقن من النصوص. نعم موثق عمار المتقدم‌ ظاهر في نية الجميع ، لكنه لا يعارض الإطلاق المذكور ولا ما دل على الاجزاء بالغسل لواحد منهما.

أما إذا كان بعضها مستحباً ففي الاجتزاء بالغسل المنوي به الجنابة عنها وعدمه قولان : المشهور الأول ، والمحكي عن جماعة من الأساطين الثاني ، وينبغي ابتناؤهما على ثبوت إطلاق النصوص وعدمه ، وقد عرفت أن الظاهر ثبوت الإطلاق ، وأنه ظاهر مرسل جميل‌ ، فيكون الأول هو الأقوى وأما إذا كان المنوي به واجباً غير الجنابة ، فالكلام فيه ( تارة ) من حيث صحته في نفسه ، ( وأخرى ) في الاجتزاء به عن غسل الجنابة ، لو كان عليه جنابة ، ( وثالثة ) في الاجتزاء عن غير غسل الجنابة من الأغسال‌

١٤٢

______________________________________________________

الواجبة والمندوبة.

أما الصحة في نفسه ففي محكي التذكرة الاستشكال فيها ، قال : « فان نوت الجنابة أجزأ عنهما ، وان نوت الحيض فإشكال ، ينشأ من عدم ارتفاع الحيض مع بقاء الجنابة لعدم نيتها » ، بل عن بعض الجزم بالعدم. لكن الموجود في الذكرى في أواخر مباحث الجنابة ما ظاهره الجزم بالصحة ، وأن الاشكال إنما كان في ارتفاع حدث الجنابة به. فراجع. وكيف كان فعدم الاجزاء خلاف إطلاق الأمر به المقتضي للاجزاء ، كما صرح به غير واحد. واحتمال اعتبار عدم الجنابة في صحة غسل الحيض خلاف إطلاق الأدلة البيانية. مضافاً إلى موثق عمار المتقدم‌.

وأما الاجتزاء به عن غسل الجنابة ـ لو كان عليه جنابة ـ فهو الذي اختاره في الشرائع ، وعن المعتبر ، ونسب الى الشهيدين والمحقق الثاني ، بل الى المشهور ، والعمدة فيه ما عرفت من إطلاق النصوص. وعن الشيخ والحلي وجماعة : العدم ، لمنع الإطلاق ، والمتيقن من النصوص خصوص صورة نية الجميع. ولو سلم فهو معارض‌ بموثق سماعة : « في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة؟ قال (ع) : غسل الجنابة عليها واجب » (١) ، لكن عرفت ثبوت الإطلاق. والموثوق وارد في وجوب غسل الجنابة من حيث هو لرفع احتمال ارتفاع الجنابة بحدوث حدث الحيض ، فلا ينافي الاجتزاء بغسل الحيض عنه ، كما ذكر ذلك المحقق الخونساري فيما حكي عنه.

وأما الاجتزاء به عن غير الجنابة من الأحداث فالكلام فيه هو الكلام في إغنائه عن الجنابة ، لكن الظاهر ضعف الخلاف هنا لما عن الخونساري‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الجنابة حديث : ٨‌

١٤٣

بالنسبة إلى ما نوى وأداء بالنسبة إلى البقية [١]

______________________________________________________

من استظهار الاتفاق عليه ، الا أن العمدة الإطلاق.

وأما الإغناء عن الأغسال المستحبة فالظاهر أن الكلام فيه هو الكلام في إغناء غسل الجنابة عنها ، فان تمَّ الإطلاق ـ كما عرفت ـ كفى ، وإلا فالأصل عدم التداخل. وربما يحكى عن ظاهر بعض التفصيل ، باغناء غسل الجنابة عن المندوب وعدم إغناء غيره عنه. لكنه غير ظاهر الوجه غير احتمال اختصاص نصوص التداخل بالجنابة لذكرها فيها. لكن عرفت الإشكال في ذلك ، وأن الظاهر من ذكرها إنها أحد الأفراد ، ولا سيما بعد قوله (ع) : « إذا اجتمعت لله عليك .. ».

[١] المحتمل بدواً في نصوص التداخل أمور : ( الأول ) : أن يكون من التداخل في الأسباب نظير التداخل في أسباب الوضوء ، بأن تكون حقائق الأسباب واحدة وليس لها إلا أثر واحد يستند إلى أسبقها وجوداً ولا أثر لللاحق ، ويكون الغسل الواحد رافعاً لذلك الأثر. ( الثاني ) : أن يكون لكل واحد من الأسباب أثر في قبال أثر الآخر مع وحدة الحقيقة ، على نحو يتأكد وجود السابق بوجود اللاحق ، ويكونان وجوداً واحداً متأكداً ويكون الغسل الواحد رافعاً لذلك الوجود المتأكد. ( الثالث ) : أن تكون الآثار متباينة ذاتاً ووجوداً ، لكن الغسل الواحد رافعاً للجميع لأجل كونه رافعاً للجهة المشتركة ، فترتفع جميعها ، لتقوّم كل واحد بالجهة المشتركة ، فإذا زالت زال. ( الرابع ) : أن تكون الأسباب مختلفة الحقيقة كآثارها ، وتكون الأغسال كذلك ، إلا أنها تنطبق على غسل واحد لكونه مجمع جهات متكثرة متباينة. ( الخامس ) : أن يكون الغسل الواحد رافعاً لواحد منها دون غيره ، إلا أنه لا يمكن ارتفاع غيره فيكون‌

١٤٤

______________________________________________________

إجزاؤه عن غيره بهذا المعنى.

لكن يدفع الأخير. أنه خلاف ظاهر التعبير بالاجزاء في الصحيح وغيره (١). ويدفع الثلاث الأول أنها خلاف ظاهر‌ قوله (ع) في الصحيح : « إذا اجتمعت لله عليك حقوق .. » ، فان الظاهر من الحقوق الأغسال لا الأحداث ، بقرينة قوله (ع) : « عليك .. » إذ الأحداث لا تكون حقوقاً عليه بل هي نقص فيه. وكذا‌ قوله (ع) في المرسل : « أجزأه عنه ذلك الغسل من كل غسل .. ». وما ورد في الحائض والجنب من‌ قوله (ع) : « تجعلهما غسلا واحداً » فان ذلك كله ظاهر في تعدد الغسل. وكذا اتفاقهم على جواز نية الجميع ، فيتعين الوجه الرابع.

نعم ظهور النصوص في كون الإتيان بالغسل بنية واحد منها ينافيه إذ عليه يلزم سقوط أمر غير المنوي بدون قصد امتثاله ، وهو خلاف ما دل على عباديته. اللهم إلا أن يقال : الالتزام بذلك أولى من الخروج عن ظاهر النصوص الدالة على التعدد كما عرفت. وهذا هو الأقرب ، لأن حمل التعدد المستفاد من النصوص على تعدد السبب بعيد.

ثمَّ إنه يدفع الاحتمالين الأولين ـ مضافا إلى ما ذكر ـ ما دل على اختلاف أحكام تلك الأحداث ، فإنه يدل على اختلاف حقيقتها. كما أنه يدفع الأول ـ مضافاً إلى ذلك كله ـ أنه خلاف ظاهر أدلة السببية. فلاحظ.

ومما ذكرنا تعرف أنه لو نوى بعضها كان امتثالا بالنسبة إلى ما نواه ، وأداء للمأمور به بلا امتثال لأمره بالنسبة إلى ما لم ينوه. نعم لو بني على الثالث لم يكن بالنسبة إلى ما لم ينوه امتثالاً ولا أداءً ، بل كان سقوطاً فقط.

__________________

(١) ارجع الى الصفحة : ١٣٧‌

١٤٥

ولا حاجة إلى الوضوء إذا كان فيها الجنابة [١] ، وإن كان الأحوط مع كون أحدها الجنابة أن ينوي غسل الجنابة [٢]. وإن نوى بعض المستحبات كفى أيضاً عن غيره من المستحبات [٣]

______________________________________________________

[١] أما إذا كان قد نوى الجنابة فلما عرفت ، وأما إذا نوى غيرها فلأنه مقتضى إطلاق إجزائه عن غسل الجنابة. اللهم إلا أن يحمل الاجزاء على خصوصية رفع حدث الجنابة لا غير ، لكنه غير ظاهر.

[٢] لما عرفت من الاتفاق على الصحة فيه.

[٣] الغسل المأتي به بقصد الأمر الاستحبابي ( تارة ) يكون معه غسل مستحب آخر ، ( وأخرى ) معه غسل واجب آخر ، ( وثالثة ) معه واجب ومستحب.

فعلى الأول لا إشكال ظاهراً في صحته في نفسه ، كما يقتضيه إطلاق الأمر به. وفي الاجتزاء به عن غيره الذي لم ينوه ـ كما هو محل الكلام ـ خلاف ، فعن المعتبر العدم ، وعن ظاهر المنتهى الاجتزاء ، وتبعه عليه غيره. وقد عرفت أنه مقتضى إطلاق النصوص الواجب العمل به ، المقدم على أصالة عدم التداخل.

وعلى الثاني قيل : لا يجزئ عن الواجب لأصالة عدم التداخل ، ولا عن نفسه لأن المقصود منه التنظيف ، وهو لا يحصل مع بقاء الحدث وفي الأول ما عرفت من الإطلاق فيندفع الثاني. مضافاً إلى أن التنظيف المقصود من الغسل المستحب لا ينافي بقاء الحدث لعدم الدليل على ذلك ، بل هو خلاف إطلاق الأمر. ولأجل ذلك قيل بأنه يصح ويجزئ عن الواجب. وفي الجواهر قوى إجزاءه عن نفسه ، أخذا بإطلاق الأمر به المقتضي للاجزاء ، وعدم إجزائه عن الواجب ، لأصالة عدم التداخل.

١٤٦

وأما كفايته عن الواجب ففيه إشكال [١] وإن كان غير بعيد ، لكن لا يترك الاحتياط.

( مسألة ١٦ ) : الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب والحائض [٢] ، بل لا يبعد إجزاؤه عن غسل الجنابة ، بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم.

______________________________________________________

لكن عرفت أنها خلاف الإطلاق. ويؤيده مرسل الفقيه ، قال (ره) : « وروي في خبر آخر : من جامع في شهر رمضان ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه ، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ولا يقضي ما بعد ذلك » (١) ، ومن ذلك تعرف الحكم في الصورة الثالثة ، وان مقتضى إطلاق النصوص هو الاجزاء عن الجميع. ثمَّ إن الظاهر أن الكلام في الاحتياج إلى الوضوء وعدمه إذا كان معه جنابة هو الكلام فيما سبق بعينه. والله سبحانه أعلم.

[١] كأن الوجه في تخصيص المقام بالإشكال دون ما سواه ـ مع أن العمدة في وجه الاجتزاء فيه وفي غيره هو الإطلاق المشترك بين الجميع ـ ورود بعض الوجوه المقتضية للاجزاء في غيره ، مثل كون الاحداث حقيقة واحدة فرافع واحد منها رافع لغيره ، ومثل كون المقصود من الأغسال المستحبة التنظيف ، وهو يترتب على الغسل المقصود به رفع الحدث أو غيره قهراً ، وعدم ورود مثل ذلك في المقام ، ولذا لم يقل بالاجزاء فيه من قال به في غيره. فتأمل جيداً. والله سبحانه أعلم.

[٢] كما عرفت في الغسل المنوي به المستحب ، وعرفت فيه أيضاً أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢‌

١٤٧

( مسألة ١٧ ) : إذا كان يعلم إجمالا أن عليه أغسالا ، لكن لا يعلم بعضها بعينه ، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه ، كما يكفيه أن يقصد [١] البعض المعين ويكفى عن غير المعين [٢] بل إذا نوى غسلا معيناً ولا يعلم ـ ولو إجمالا ـ غيره وكان عليه في الواقع كفى عنه أيضاً وإن لم يحصل امتثال أمره. نعم إذا نوى بعض الأغسال ونوى عدم تحقق الآخر ففي كفايته عنه إشكال [٣] ، بل صحته أيضاً لا تخلو عن إشكال بعد كون [٤]

______________________________________________________

الأقوى إجزاؤه عن غيره. وهذه المسألة من صغريات ما سبق ، ولم يتضح وجه لذكرها بالخصوص.

[١] لأنه على تقدير وجود أي غسل في الواقع يكون منوياً بالغسل فيجزئ عنه.

[٢] لما عرفت من الاجتزاء بالغسل المنوي به البعض المعين عن غيره مطلقاً معلوماً كان الغير تفصيلا أو إجمالا ، أم غير معلوم.

[٣] لقرب دعوى قصور النصوص عن شمول الفرض. لكن الإنصاف أن إطلاقها محكم لكون الانصراف بدائياً.

[٤] الظاهر أن المراد الوجه الأول من الوجوه الخمسة المتقدمة ، وهو المذكور في ظاهر كلام غير واحد منهم المحقق في المعتبر ، فإنه قال في مقام الاستدلال على إجزاء غسل الحيض عن غسل الجنابة : « إن الغسل بنية خصوص الحيض صحيح نوى به الاستباحة فيجزئ ». وفي جامع المقاصد استدل على عكس المسألة بأن الحدث الذي هو عبارة عن النجاسة الحكمية متحد وإن تعددت أسبابه ، فإذا نوى ارتفاعه بالسبب الأقوى ارتفع بالإضافة إلى غيره. وربما نسب هذا المعنى الى صريح الأكثر. لكن عرفت‌

١٤٨

حقيقة الأغسال واحدة ومن هذا يشكل البناء على عدم التداخل [١] بأن يأتي بأغسال متعددة كل واحد بنية واحد منها ،

______________________________________________________

آنفاً أنه خلاف ظاهر الأدلة أو المقطوع به منها.

وكيف كان فالإشكال المذكور مبني على أن نية عدم رفع غيره راجعة إلى تقييد الغسل المنوي بكونه غير رافع للحدث المقصود رفعه ، فاذا ثبت كونه رافعاً له فقد انتفى القيد ، وانتفاؤه يوجب انتفاء المقيد ، فيكون ما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد ، فيبطل. لكن ذلك يتوقف على كونه ملحوظاً بنحو وحدة المطلوب لا بنحو تعدد المطلوب. وإلا فهو مقصود بالقصد التحليلي وهو كاف في الصحة. وقد تقدم نظير ذلك في فصل غايات الوضوء. فراجع.

[١] لا يبعد أن يكون منصرف تعبير الفقهاء بالاجزاء في المقام كون التداخل رخصة ، وكأنه لذلك نسب ذلك الى ظاهر الأصحاب. إلا أن التأمل في كلماتهم يعطي خلاف ذلك ، وأنه عندهم عزيمة ، كما أوضحه شيخنا الأعظم (ره). والمتحصل من الأدلة ـ سواء أكان مفادها الوجه الرابع أم هذا الوجه الذي أشار إليه المصنف (ره) المنسوب إلى صريح الأكثر أو غيرهما من الوجوه ـ هو عدم مشروعية الغسل الثاني ، لأن إجزاء الغسل المأتي به عن غيره ظاهر في وفائه بالغرض المقصود منه ، وبعد حصول الغرض يسقط الأمر ، فلا مجال للامتثال بالغسل ثانياً. نعم قبل فعل المجزي يجوز فعل المبدل منه. ومنه يظهر أن البناء على التداخل لا يتوقف على كون حقيقة الأغسال واحدة. نعم البناء على كون حقيقة الأغسال واحدة يقتضي القول بالتداخل إذا كان المراد الوجه الأول ، أما إذا كان المراد الوجه الثاني فالبناء على وحدة حقيقة الأغسال كوحدة حقيقة الحدث لا يقتضي‌

١٤٩

لكن لا إشكال إذا أتى [١] فيما عدا الأول برجاء الصحة والمطلوبية.

فصل في الحيض

وهو دم خلقه الله ـ تعالى ـ في الرحم [٢] لمصالح ،

______________________________________________________

التداخل ، لجواز كون الحدث المتأكد محتاجا في رفعه الى الغسل المتعدد فيكون كل غسل رافعاً لرتبة من الحدث. ومن ذلك تعرف أن الاشكال على المصنف (ره) من جهتين : إحداهما : دعوى وحدة حقيقة الأغسال وثانيتهما : دعوى اقتضاء ذلك للتداخل.

[١] فإنه لا ساد لباب احتمال المطلوبية فيصح لأجله الاحتياط. والله سبحانه الموفق المعين. ( وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ).

إلى هنا انتهى الكلام ـ فيما يتعلق بغسل الجنابة. في التاسع عشر من جمادى الأولى سنة الألف والثلاثمائة والتاسعة والأربعين.

فصل في الحيض‌

[٢] بذا عرفه جماعة ، بل صريح غير واحد أنه في الشرع اسم للدم بل قيل : إنه اسم للدم لغة وشرعا. وادعي أنه ظاهر كلام جماعة من أهل اللغة كأصحاب الصحاح ، والقاموس ، والمجمل ، والمغرب ، ومجمع البحرين لكن في الاستظهار تأمل يظهر وجهه من مراجعة كلماتهم ، ففي القاموس : « حاضت المرأة تحيض .. الى أن قال : سال دمها » ونحوه كلام غيره ولو كان المراد أنه اسم للدم كان المناسب أن يقال في تفسيره : إذا سال حيضها لا دمها. بل في مجمع البحرين : « الحيض اجتماع الدم ، وبه سمي الحوض لاجتماع الماء فيه » ، وقريب منه ما في القاموس ، فإنه كالصريح‌

١٥٠

وهو في الغالب [١] أسود أو أحمر [٢] غليظ [٣]

______________________________________________________

في أنه من أسماء المعنى لا العين. بل يمكن أن يكون كذلك شرعاً ، بشهادة إضافة الدم إليه في كثير من النصوص ، فيقال : دم الحيض. وجعل الإضافة بيانية خلاف الظاهر. والأمر في أمثال هذا سهل.

[١] إذ قد لا يكون واجداً للصفات كالمرئي في أيام العادة ، كما سيأتي.

[٢] كما في النافع وشرحه وغيرهما ، ويقتضيه الجمع بين النصوص ، ففي مصحح حفص عن أبي عبد الله (ع) : « إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد » (١) وفي مرسل يونس عن أبي عبد الله (ع) : « إن دم الحيض أسود يعرف » (٢) ونحوهما غيرهما. وفي مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة الا أن تكون امرأة من قريش » (٣) وفي المرسل عن ابن مسلم : « إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصل ، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء » (٤) فيكون المراد من كل منهما ما يعم الآخر ، لأن المراد من السواد في المقام شديد الحمرة ، وأما السواد الحالك فالظاهر أنه ليس من صفات دم الحيض. ويشهد بأن المراد من السواد ما ذكرنا مقابلته بالأصفر في النصوص. وكأن ذلك هو مراد من اقتصر على الأسود كالشرائع والقواعد وغيرهما ، أو على الأحمر كما عن المقنعة والغنية.

[٣] كما عن جماعة توصيفه به ، والنصوص خالية عنه سوى ما عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٦‌

١٥١

طري [١] حار يخرج بقوة وحرقة [٢] كما أن دم الاستحاضة بعكس ذلك [٣] ، ويشترط أن يكون بعد البلوغ وقبل اليأس ، فما كان قبل البلوغ أو بعد اليأس ليس بحيض [٤]

______________________________________________________

الدعائم : « دم الحيض كدر غليظ منتن » (١) وكأن وجهه كونه الغالب.

[١] هذا هو المراد من العبيط في النصوص‌ ، كما فسره به في القاموس.

[٢] كما في عبارات كثير ، بل نسب إلى الأكثر. ويدل عليه مصحح حفص المتقدم‌ ، وفي صحيح معاوية : « إن دم الحيض حار » (٢) وفي موثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله (ع) : « دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة » (٣).

[٣] تقدم‌ في مصحح حفص : « دم الاستحاضة أصفر بارد » وفي صحيح معاوية عن أبي عبد الله (ع) : « إن دم الاستحاضة بارد » (٤) وفي موثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله (ع) « ودم الاستحاضة دم فاسد بارد » (٥) وستأتي بقية الكلام فيه.

[٤] إجماعاً في الأول ، حكاه جماعة ، بل عن المعتبر : انه إجماعي منا ومن أهل العلم كافة. وقريب منه ما عن المنتهى وشرح المفاتيح. وعن المعتبر ومجمع البرهان والمدارك وشرح المفاتيح : الاتفاق عليه في الثاني ويدل عليه فيهما‌ صحيح ابن الحجاج : « قال الصادق (ع) : ثلاث يتزوجن على كل حال. وعد منها التي لم تحض ومثلها لا تحيض ـ قال :

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

١٥٢

وإن كان بصفاته. والبلوغ يحصل بإكمال تسع سنين [١] واليأس ببلوغ ستين سنة في القرشية [٢] وخمسين في غيرها.

______________________________________________________

قلت : وما حدها؟ قال (ع) : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ـ والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. قال : قلت : وما حدها؟ قال (ع) : إذا كان لها خمسون سنة » (١).

ثمَّ إن مقتضى النص والفتوى أنه لو رأت الدم مقارناً لتمام التسع كان حيضاً. وحينئذ فما قد يظهر من صدر عبارة المتن من عدم حيضية المقارن غير مراد بقرينة ذيل العبارة. فلاحظ.

[١] إجماعاً ، هنا ، ويدل عليه الصحيح المتقدم. نعم عن صوم المبسوط وخمس الوسيلة : توقف البلوغ الذي هو شرط التكليف ونفوذ التصرف على العشر. لكنه ـ مع ضعفه في نفسه ـ ليس خلافاً فيما هنا.

[٢] كما عن الفقيه والمقنعة والوسيلة والمبسوط والجامع والمعتبر والتذكرة وكتب الشهيدين وجامع المقاصد ، بل عن جماعة نسبته إلى المشهور ، بل عن التبيان ومجمع البيان نسبته إلى الأصحاب. لمرسل ابن أبي عمير السابق‌ (٢) ونحو مرسل الفقيه‌ (٣) ، بل الظاهر أنه هو. ولا يقدح فيهما عدم الصراحة في الحيض ، لكفاية الظهور في الحجية. كما لا يقدح عدم تعرضهما للتحديد بالستين ، لكفاية رواية الستين الآتية في ذلك. مضافاً إلى عدم القول بالفصل. بل في مرسل المبسوط التصريح بأنها ترى الدم الى ستين سنة‌ (٤) كما لا يقدح إرسال الجميع ، للجبر بالعمل ، بل مرسل ابن أبي عمير‌ حجة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب العدد حديث : ٤‌

(٢) تقدم في أول الفصل‌

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

١٥٣

______________________________________________________

ـ على المشهور ـ كمسنده. وبذلك ترفع اليد عن إطلاق مصحح ابن الحجاج السابق‌ ، ونحوه خبره الآخر‌ (١) ، ومرسل البزنطي‌ (٢). بل به أيضاً يجمع بين ما ذكر مما دل على أن سن اليأس الخمسون مطلقاً وبين ما دل على أنه الستون ، كموثق ابن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) : « إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض » (٣) ونحوه مرسل الكليني‌ (٤) وبذلك يظهر ضعف القول بأن حده الخمسون مطلقاً ، كما عن النهاية ، والجمل ، والسرائر ، والمهذب ، وطلاق الشرائع ، وكشف الرموز ، والبيان وعن مجمع البرهان : الميل إليه. وكذا القول بأن حده الستون ، كما هو ظاهر طهارة الشرائع والمنتهى ، ومال إليه في المختلف ، إذ في كل منهما طرح لبعض الأدلة من غير وجه ظاهر.

هذا وعن المفيد وجماعة : إلحاق النبطية بالقرشية ، بل عن جماعة نسبته إلى المشهور. وليس له دليل ظاهر غير ما أرسله المفيد في محكي طلاق المقنعة من قوله : « روي أن القرشية من النساء والنبطية يريان الدم الى ستين سنة. فان ثبت ذلك فعليها العدة حتى تجاوز الستين » (٥) ، معتضداً بإطلاق رواية الستين المتقدمة ، منجبراً بحكاية الشهرة عليه من جماعة. لكن ثبوت الشهرة الجابرة محل إشكال حيث لم يتعرض له الصدوق والشيخ وأضرابهما ، بل ظاهر محكي المقنعة التوقف فيه ، وحينئذ لا مجال لرفع اليد عن مرسل ابن أبي عمير‌ ، المحقق الحجية المقيد به إطلاق رواية الستين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ٨‌

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٥) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الحيض حديث : ٩‌

١٥٤

والقرشية من انتسب إلى نضر بن كنانة [١] ، ومن سك في كونها‌

______________________________________________________

[١] ذكر ذلك جماعة من الأعاظم مرسلين له إرسال المسلمات من غير إشارة منهم للخلاف فيه ، كالمحدث البحراني في الحدائق ، وشيخنا في الجواهر والنراقي في المستند ، وشيخنا الأعظم في طهارته ، وغيرهم ، وهو المنقول عن الصحاح ، وفي النفحة العنبرية لابن أبي الفتوح : « ومن ولد كنانة ( النضر ) وهو الملقب بقريش » وبعد ذكر أجداد النبي (ص) إلى النضر قال : « وهو قريش ».

لكن في مجمع البحرين ـ بعد أن ذكر ذلك ـ قال : « وقيل : قريش هو فهر بن مالك » ، وعن سبائك الذهب : أنه النضر على المذهب الراجح وفي العقد الفريد : « جد قريش كلها فهر بن مالك ، فما دونه قريش وما فوقه عرب .. إلى أن قال : وأما قبائل قريش فإنما تنتهي إلى فهر بن مالك لا تتجاوزه » ، وفي سبك الذهب : « كل من ولده ( فهر ) فهو قرشي ومن لم يلده فليس بقرشي » ، ونحوه ما في المختصر من أخبار البشر لأبي الفداء ، وذكر ذلك أيضاً في الشجرة المحمدية لأبي علي الجواني النسابة ، وكذا في السيرة النبوية لابن دحلان ، وفي السيرة الحلبية : « فهر اسمه قريش ، قال الزبير بن بكار : أجمع النسابون من قريش وغيرهم أن قريشاً إنما تفرقت عن فهر ».

ويظهر من غير واحد احتمال أنه قضي. لكنه ضعيف جداً ، لأن أكثر قبائل قريش من غيره. إنما الإشكال في تعيين أحد الأولين ، لتعارض النقل وعدم ثبوت الترجيح ، فإجراء الاحكام على من انتسب لغير ( فهر ) ممن ينتمي إلى النضر في غاية الإشكال. لكن يهون الأمر خروج الفرض عن محل الابتلاء.

١٥٥

قرشية يلحقها حكم غيرها [١] والمشكوك البلوغ‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً محققاً ، كما في المستند. وهو الذي تقتضيه أصالة عدم الانتساب المعول عليها عند الفقهاء في جميع المقامات ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) ـ التي يقتضيها دليل الاستصحاب ، فان التحيض بالدم بعد الخمسين إذا كان من أحكام القرشية كان الأصل الجاري لنفي القرشية نافياً له ، على ما هو القاعدة في الأصول الجارية في نفي الموضوعات المقتضية لنفي أحكامها ودعوى أن العدم المذكور لا حالة له سابقة ـ إذ العدم قبل الوجود كان لعدم الموضوع ، وهو غير العدم المقصود إثباته بالاستصحاب لأنه العدم لعدم المقتضي ـ مندفعة بأن هذا المقدار لا يوجب تعدداً في ذات العدم لا دقة ولا عرفاً ، فلا مانع من استصحابه. كدعوى أن وصف القرشية لما كان من عوارض الوجود كان متأخراً رتبة عنه ، فنقيضه الذي يكون موضوعاً لعدم التحيض لا بد أن يكون متأخراً رتبة عن وجود الموضوع أيضاً ، لاتحاد النقيضين رتبة ، والعدم المذكور مما لا حالة له سابقة معلومة ، فالمرأة الموجودة على تقدير وجودها مما لا يعلم أنها قرشية أو غير قرشية من الأزل ، وعدم القرشية المعلوم سابقاً حال عدم المرأة ليس هو العدم المنوط ، بل هو العدم المطلق ، وإلا فالعدم المنوط غير معلوم لا سابقاً ولا لاحقا.

وتوضيح الاندفاع : أن الوصف وإن كان بحسب الوجود الخارجي منوطاً بوجود الموضوع ومتأخراً عنه ، إلا أنه يمكن أن يلحظ في القضية منوطاً بالماهية ووصفاً لها كما يمكن أن يلحظ منوطاً بالوجود ، ولذا تجد الفرق بين مفهوم قول القائل : وجد الرجل الأبيض ، ومفهوم قوله : وجد الرجل فصار أبيض. فان الأبيض في القضية الأولى لوحظ وصفاً‌

١٥٦

محكوم بعدمه [١] ، والمشكوك يأسها كذلك.

( مسألة ١ ) : إذا خرج ممن شك في بلوغها [٢] دم وكان بصفات الحيض يحكم بكونه حيضاً. ويجعل علامة على البلوغ ، بخلاف ما إذا كان بصفات الحيض وخرج ممن علم عدم بلوغها فإنه لا يحكم بحيضيته.

______________________________________________________

لنفس الماهية التي هي موضوع الوجود ، وفي الثانية لوحظ منوطاً بوجودها ومترتباً عليه ، ولو كان لحاظ الوصف في القضية يجب أن يكون على النحو الذي يجب أن يكون عليه وجوده كان مفهوم القضية الأولى عين مفهوم الثانية ، وهو باطل ضرورة. وقد تقدم في مباحث المياه الكلام في هذا الأصل. فراجع.

[١] للاستصحاب ، فيحكم بكون الدم مرئياً قبل بلوغ المرأة تسعاً ، إذا الجزء الأول معلوم وجداناً والثاني محرز بالاستصحاب ، فلا يكون حيضاً وكذا يجري استصحاب عدم اليأس لو شك فيه ، فيحكم بكون الدم المرئي كائنا قبل بلوغ الخمسين أو الستين ، فيكون حيضاً.

[٢] لا ينبغي التأمل في أن لفظ الحيض من الألفاظ العرفية التي لها معنى متميز عند أهل العرف كسائر الألفاظ العرفية ، مثل لفظ التمر ، والخمر ، والماء ، والبول والمني ، وغيرها ، ويشهد به قوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ... ) (١) قيل : له أحكام خاصة في الجاهلية وبعض الأمم السالفة قبل الشرع الأقدس.

فالتحديدات الشرعية له ـ مثل كونه لا يرى قبل التسع ، أو بعد اليأس ، أو دون ثلاثة أيام ، أو أكثر من عشرة ، أو غير ذلك مما لم يؤخذ‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢‌

١٥٧

______________________________________________________

حدا عند أهل العرف ـ إما أن يراد بها بيان اصطلاح للشارع فيه بأن يكون قد وضعه للمعنى المحدود بالحدود المذكورة كما عن بعض احتماله ، أو بيان اشتباه العرف في تطبيقه على ما ليس مصداقاً له واقعاً ، كما في الجواهر وطهارة شيخنا الأعظم وغيرهما ، أو مجرد نفي الأحكام الخاصة واقعاً عما يفقد بعض الحدود الشرعية وإن كان من أفراده واقعاً ، أو مجرد نفي الأحكام الخاصة ظاهراً عند الشك لا واقعاً حتى مع العلم ، فلو علم بكون الدم المرئي قبل البلوغ ـ أو بعد اليأس ، أو دون الثلاثة ، أو أكثر من عشرة ـ حيضاً جرت عليه أحكام الحيض جميعها ، وإنما يحكم شرعا بنفي حيضية الفاقد لبعض الحدود إذا كان مشكوكا لا غير : وجوه.

اختار الأستاذ الأعظم (ره) ـ في رسالة الدماء ـ الأخير ، لبعد عدم ترتب أحكام الحيض على ما علم أنه حيض ، بل لم يظن أن يلتزم به أحد ، مستظهراً ذلك من المنتهى حيث قال فيه : « لو قيل في الدم الذي تراه المرأة بعد الخمسين في زمن عادتها على ما كانت تراه قبل ذلك فالموجود هنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلا ، ولو قيل ليس بحيض مع وجوده وكونه على صفة الحيض كان تحكما لا يقبل » ، مؤيداً له بما عن الذكرى من : « أنه إذا اشتبه الدم بالاستحاضة اعتبر بالسواد والغلظة والحرارة وأضدادها .. الى أن قال : وبالثلاثة والعشرة اللذين هما أقل الحيض وأكثره باتفاق » ، حيث جعل الرجوع الى الحدين في حال الاشتباه كالصفات. ولأن فيه جمعاً بين نصوص التحديد‌ (١) ورواية سماعة الدالة على التحيض برؤية الدم اليومين والثلاثة إلى العشرة‌ (٢) ، ورواية إسحاق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض‌

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الحيض حديث : ١‌

١٥٨

______________________________________________________

الدالة على التحيض برؤية الدم اليوم واليومين‌ (١) ، والمرسلة الدالة على التحيض مدة أيام الحيض عشرة أو أكثر‌ (٢) مضافا إلى أن ظاهر نصوص التحديد بيان كون الحيض كذلك واقعاً ، فيجب حملها على الغالب للقطع بالتخلف أحياناً.

هذا ولكن ما ذكره ( قده ) لا يخلو من خدش ، فان مجرد البعد ـ لو سلم ـ لا يجدي في رفع اليد عن ظاهر الأدلة. وعدم الظن بالتزام أحد به غير ظاهر الوجه ، كيف؟ وهو خلاف المتسالم عليه بينهم ظاهراً كما يقتضيه ظاهر كلماتهم بل صريح بعضها. فلاحظ كلماتهم في التحديدات ونقل مذاهب العامة وخلافاتهم فيها. وأما ما في المنتهى فظاهره منع التحديد بالخمسين واختيار التحديد بالستين ، كما يظهر من مراجعة المنتهى ، بل العبارة المذكورة ظاهرة في ذلك ، وكذا ما بعدها فراجع. وأما ما عن الذكرى فلا ينافي بناءه على كون التحديد واقعياً ، بل ظاهر ذيل كلامه ذلك. نعم سوق التحديد بالثلاثة والعشرة مساق الصفات يشعر بذلك. لكن ذيل العبارة مانع عن العمل به. وأما الجمع بين النصوص بذلك فلا شاهد له ، لاتحاد سوقها وألسنتها نفياً وإثباتاً. وأما الحمل على الغالب فموهون بمنع مطابقة التحديدات للغلبة جداً ، كما بظهر من ملاحظة أحوال النساء ، وكيف يصح دعوى كون الغالب ذلك؟! مع أن الفرق بين المشتمل على الحد وغيره بمحض الآنات اليسيرة كما يظهر بأدنى تأمل. مع أن حمل النصوص على ذلك يوجب كونها وارادة في مقام الاخبار عن القضية الواقعية ، فكيف يستفاد منها قضية شرعية ظاهرية كما هو بصدده؟! فالمتعين إذاً حمل النصوص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الحيض حديث : ١٣‌

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

١٥٩

______________________________________________________

على ظاهرها من نفي المصداق حقيقة إن أمكن ، وإلا ـ كما لو علم بتحقق المصداق بدون التحديد ـ فاللازم حملها على نفي الاحكام بلسان الحكومة وطرح الأخبار المخالفة لذلك.

هذا والمصرح به في كلام جماعة ـ بل عن المسالك : نفي الخلاف فيه ، وعن الذكرى : « لا نعلم فيه خلافا » ، بل عن صوم الروضة : الإجماع عليه ـ : أن الحيض دليل على البلوغ. لكن المحكي عن حجر المبسوط وصومه ووصايا النهاية ، وخمس الوسيلة ونكاحها ، وحجر الغنية وصوم السرائر ووصاياها ونوادر قضائها ، وصوم الجامع ، وحجر التحرير : أن الحيض بنفسه بلوغ ، بل عن الغنية الإجماع عليه. وهذا هو مدلول النصوص ، ففي موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال (ع) : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم. والجارية مثل ذلك إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم » (١) ، وفي مرسل الفقيه : « على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى المرأة إذا حاضت الصيام » (٢) وفي خبر يونس ابن يعقوب : « لا يصلح للحرة إذا حاضت الا الخمار » (٣) ، وفي موثق ابن سنان : « إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب. وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك ، وذلك أنها تحيض لتسع سنين » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٢‌

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٠‌

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤‌

(٤) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب الوصايا حديث : ١٢‌

١٦٠