مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

لكن لو قلنا بامتناع تحقق الحيض قبل تمام التسع ـ كما هو ظاهر الأصحاب ـ امتنع أن يكون سبباً للبلوغ ، لأنه لا يوجد إلا بعد تحقق شرطه وهو بلوغ التسع ، فيستند البلوغ إليه لأنه أسبق. ولو قلنا بإمكانه فمقتضى إطلاق النصوص المذكورة وإن كان سببية ما يعلم بتحققه قبل إكمال التسع لكن نصوص التحديد حاكمة عليها ، فيختص موضوعها بما يكون بعد تمام التسع ، وحينئذ يمتنع أيضاً جعله سبباً للبلوغ ، للإشكال السابق بعينه. فيتعين أن يكون طريقاً على كلا الوجهين.

وإن كان يشكل على الثاني جعله طريقاً أيضا بأن العلم بما هو موضوع الاحكام يتوقف على العلم بإكمال التسع ، فلو كان طريقاً إلى تحقق التسع لزم الدور. ولا مجال للإشكال المذكور على الأول الذي هو ظاهر الأصحاب لإمكان العلم به بقيام القرائن القطعية الدالة على كونه الدم الذي هو طبيعي للمرأة ، فيكون دليلا على تحقق التسع دلالة وجود المعلول على وجود علته ، ولا مجال لتقرير ذلك على القول الثاني ، لأن القرائن المذكورة وان كانت تدل على أنه الدم الطبيعي للمرأة لكن لا تدل على أنه موضوع الأحكام الشرعية إلا بتوسط العلم باجتماع الحدود فيه ، ومن جملة تلك الحدود كونه بعد إكمال التسع ، فيمتنع حينئذ أن يكون دالا على إكمال التسع للزوم الدور.

وأجاب جماعة عنه بأن إثبات كونه حيضاً يكون بالصفات ، فاذا دلت على أنه حيض دل هو على البلوغ. وفيه : أن الاشكال المذكور في العلم جار في الدلالة بعينه ، لأن الدلالة على المحدود فرع الدلالة على الحدود فيمتنع استفادة الدلالة عليها من الدلالة عليه. مضافا إلى ما قد يقال من أن أدلة الصفات إنما تدل على حجيتها على الحيض في ظرف تحقق البلوغ إذ لا إطلاق لها يشمل صورة عدمه ، فمع الشك فيه لا مجال للرجوع إليها ،

١٦١

وهذا هو المراد من شرطية البلوغ [١].

( مسألة ٢ ) : لا فرق في كون اليأس [٢] بالستين والخمسين بين الحرة والأمة ، وحار المزاج وبارده ، وأهل مكان ومكان.

( مسألة ٣ ) : لا إشكال في أن الحيض يجتمع مع الإرضاع [٣]

______________________________________________________

بل استصحاب عدمه موجب لخروج المورد عن موضوع أدلة الصفات. لكن يشكل ذلك بأنه خلاف إطلاق النصوص. نعم إذا علم عدم البلوغ فقد علم أن الدم ليس موضوعا للأثر فلا مجال لجعل الحكم الظاهري. فيصح اعتبار الحجية للصفات.

ومن ذلك كله يظهر أنه لا بد من الأخذ بإطلاق النصوص المذكورة من دون تحكيم أدلة الحدود عليها لئلا يلزم إلغاؤها. وحينئذ فإن أمكن الأخذ بظاهرها من السببية حكم بسببيته للبلوغ مطلقاً ولو كان قبل التسع ، وإلا فلا بد من حملها على الطريقية للبلوغ تعبداً عند الشك فيه ، إما لأجل وجوده بعد التسع أو لغير ذلك ، فاذا علم بوجوده حكم شرعا بتحقق البلوغ تسعاً ولو في زمان سابق على الدم ، ولا يلزم اشكال الدور ولا غيره. لكن الحمل على السببية على هذا المبنى ممتنع ، لأن وجود الحيض قبل التسع على هذا المبني نادر ، فالحمل على السببية يستلزم الحمل على النادر.

[١] يعني : لا أن المراد منه أنه إذا كان الدم بصفات الحيض لا يحكم بكونه حيضا حتى يعلم بكونه بعد البلوغ. لكن عرفت تحقيق الحال.

[٢] لإطلاق الأدلة. مع أني لم أقف على مخالف في ذلك.

[٣] بلا خلاف ظاهر ، بل لعله من الضروريات.

١٦٢

وفي اجتماعه مع الحمل قولان [١] ، الأقوى أنه يجتمع معه [٢]

______________________________________________________

[١] يعني : بلحاظ النفي والإثبات في الجملة ، وإلا فالأقوال أربعة أو خمسة كما سنشير إليها.

[٢] كما عن الفقيه والمقنع والناصريات وكثير من كتب العلامة والشهيدين والمحقق الثاني ، بل عن المدارك : أنه مذهب الأكثر ، وعن جامع المقاصد : انه المشهور ، ويدل عليه كثير من الصحاح وغيرها ، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ فقال (ع) : نعم إن الحبلى ربما قذفت بالدم » (١) ، وصحيح ابن الحجاج : « سألت أبا الحسن (ع) عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر ، هل تترك الصلاة؟ قال (ع) : تترك الصلاة إذا دام » (٢) وصحيح صفوان : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام ، تصلي؟ قال (ع) : تمسك عن الصلاة » (٣) ونحوها غيرها.

وعن الكاتب والمفيد (ره) والشرائع والوحيد في شرح المفاتيح : المنع ، وربما نسب إلى السرائر ، وفي محكي النافع : الميل إليه. لخبر السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) : انه قال : « قال النبي (ص) ما كان الله ليجعل حيضاً مع حبل. يعني إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة » (٤) ، و‌صحيح حميد بن المثنى : « سألت أبا الحسن الأول (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٢‌

١٦٣

______________________________________________________

عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين فقال (ع) : تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة » (١). وعن شرح المفاتيح : دعوى تواتر الاخبار في ذلك ، كالأخبار الواردة في أن السبايا تستبرأ أرحامهن بحيضة‌ (٢) ، وكذا الجواري‌ (٣). وللإجماع على صحة طلاقها ولو في حال الدم ، بضميمة ما دل على بطلان طلاق الحائض‌ (٤).

هذا ولكن الخبرين لا يصلحان لمعارضة ما سبق من وجوه كثيرة ، لكثرة العدد ، وأصحية السند ، ومخالفة العامة ، وموافقة المشهور. ولا سيما بملاحظة قرب دعوى كون المراد من النبوي الأول القضية الغالبية الامتنانية وكون التفسير من الراوي ، وكون الدفقة والدفقتين في الثاني ليس مما يحصل بهما أقل الحيض ، كما يظهر ذلك من صحيحة الراوي المذكور‌ عن أبي عبد الله (ع) : « في الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم؟ قال (ع) : تلك الهراقة ، إن كان دماً كثيراً فلا تصلين ، وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين » (٥) وقريب منه المرسل عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) (٦). مع أنه لو سلم ظهوره فيما جمع شرائط الحيض فهو مطلق يمكن تقييده بهذا الصحيح ونحوه. وأما ما ورد في السبايا والجواري فلا يدل على ما نحن فيه ، لأن مفاده حكم ظاهري ، ويجوز أن يكون الوجه فيه الغلبة. وأما ما دل على بطلان طلاق الحائض فيجب الخروج عنه بالإجماع المذكور إذا بني على العمل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٨‌

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء‌

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء‌

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائط‌

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٥‌

(٦) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٦‌

١٦٤

سواء كان قبل الاستبانة أو بعدها [١] وسواء كان في العادة أو قبلها أو بعدها [٢] نعم فيما كان بعد العادة بعشرين يوماً الأحوط الجمع بين تروك الحائض واعمال المستحاضة [٣].

( مسألة ٤ ) : إذا انصب الدم من الرحم إلى فضاء الفرج‌

______________________________________________________

بنصوص المقام. وأصالة العموم لا تصلح لإثبات الموضوع أو نفيه ، لان العام لا يصلح لأن يكون حجة في عكس نقيضه.

[١] خلافاً لما عن طهارة الخلاف وعن السرائر والإصباح حيث منعوا من حيض المستبينة الحمل ، وعن الأول : الإجماع عليه ، وعن الثاني : نسبته إلى الأكثرين المحصلين. وهذا القول على ظاهره غير ظاهر الوجه ، بل مخالف لإطلاق النصوص المتقدمة ، وصريح صحيح حميد بن المثنى الثاني‌ وخبر ابن مسلم‌ الواردين في خصوص المستبينة الحمل ولو أريد من الاستبانة مضي عشرين يوماً من العادة رجع الى القول الآتي ، ودليله دليله.

[٢] لإطلاق جملة من النصوص ، وظهور بعضها في الأول. كصحيح ابن الحجاج المتقدم‌ وغيره.

[٣] لما عن النهاية والاستبصار والمدارك من الحكم بكون الدم المرئي بعد العادة بعشرين يوماً استحاضة ، وعن المعتبر : الميل إليه. ويشهد له‌ مصحح الحسين بن نعيم الصحاف : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أن أم ولدي ترى الدم وهي حامل ، كيف تصنع بالصلاة؟ فقال (ع) لي : إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فان ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث ، فلتتوضأ وتحتشي بكرسف وتصلي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه‌

١٦٥

______________________________________________________

من الحيض ، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها فان انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل ولتصل » (١) فترفع به اليد عن إطلاق الاخبار المتقدمة في خصوص المرئي بعد العادة بعشرين يوماً ، ويرجع في المرئي فيما بعد العادة إلى العشرين إلى إطلاق غيره ، لقصوره عن التعرض لحكمه ، إذ كما يحتمل الحاقه بالمرئي بعد العشرين يحتمل الحاقه بالمرئي في العادة ، فلا معدل عن الأخذ بالإطلاق.

وكأن منشأ توقف المصنف (ره) في الحكم المذكور توقفه في صلاحية تقييد الإطلاقات بالمصحح المذكور ، بل استوضح شيخنا الأعظم (ره) في طهارته : منع ذلك ، وكأنه لكثرة النصوص المطلقة ، واشتمال بعضها على بعض التعليلات بنحو تأبى عن التقييد. ولكن الإنصاف ان ذلك لم يبلغ حداً يوجب تعذر الجمع العرفي بالتقييد ، فالبناء عليه غير بعيد.

نعم قد يعارض المصحح المذكور الأخبار المتضمنة للتفصيل بين الواجد للصفات فيكون حيضاً والفاقد فيكون استحاضة ، كمصحح حميد‌ وخبر ابن مسلم‌ المتقدمين ، ومصحح حميد عن إسحاق ابن عمار : « قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين؟ قال (ع) : إن كان دماً عبيطاً فلا تصل ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (٢). وقد يظهر من محكي الفقيه الاعتماد عليها في التفصيل بين الواجد والفاقد. وحيث أن التعارض بينهما بالعموم من وجه فالمرجع في مورد التعارض ـ وهو المرئي في العادة بدون الصفات والمرئي بعد العشرين منها واجداً للصفات ـ إطلاقات الباب المقتضية للحيضية. بل يمكن الرجوع في الأول إلى إطلاق ما دل على أن الصفرة في أيام الحيض حيض ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

١٦٦

وخرج منه شي‌ء في الخارج ولو بمقدار رأس إبرة لا إشكال في جريان أحكام الحيض [١] ، وأما إذا انصب ولم يخرج بعد ـ وإن كان يمكن إخراجه بإدخال قطنة أو إصبع ـ ففي جريان أحكام الحيض إشكال [٢]

______________________________________________________

فيبقى الفاقد المرئي بعد العادة بعشرين يوما تحت الطائفتين معاً محكوماً بعدم الحيضية.

اللهم إلا أن تحمل نصوص الصفات على عدم جواز التحيض بمجرد الرؤية في الفاقد لا امتناع كونه حيضاً كما هو محل الكلام ، كما يشهد به مصحح إسحاق الوارد في الدم المرئي يوما أو يومين‌ ، لامتناع كون دم الحيض كذلك. وحينئذ فلا تصلح لمعارضة مصحح الصحاف. لكن الإنصاف أن حمل المصحح على ما ذكر بعيد عن ظاهره ، بقرينة ما في الجواب من قوله (ع) : « ذينك اليومين .. » فطرحه لمعارضة نصوص التحديد أولى من حمله على ما ذكر ثمَّ الاستشهاد به على ذلك. وأما غيره من النصوص فالجمع بينها حسب ما ذكرنا أولى. وعدم القائل بذلك لا يوجب وهنها لإمكان استظهارهم منها خلافه.

[١] لأنه القدر المتيقن من الأدلة.

[٢] ينشأ مما ذكر الجماعة في مبحث الاستبراء من الاكتفاء في بقاء الحيض بكونه في الفرج وإن لم ينصب عنه ـ كما هو صريح نصوص الاستبراء‌ ، وادعوا عليه الإجماع ، لقرب دعوى عدم الفرق بين حدوث الحيض وبقائه ـ ومن احتمال اختصاص ذلك بالبقاء ، لاختصاص النصوص والإجماع به ، فيرجع في الحدوث إلى أصالة عدم الحيض. ولأجل ذلك استشكل في الحكم أيضاً في ( نجاة العباد ) وفيما وقفت عليه من حواشيها‌

١٦٧

فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أحكام الطاهر والحائض [١]. ولا فرق بين أن يخرج من المخرج الأصلي أو العارضي [٢].

( مسألة ٥ ) : إذا شكت في أن الخارج دم أو غير دم ـ أو رأت دماً في ثوبها وشكت في أنه من الرحم أو من غيره ـ لا تجري أحكام الحيض [٣]. وإن علمت بكونه دماً واشتبه عليها فاما أن يشتبه بدم الاستحاضة أو بدم البكارة أو بدم القرحة ، فإن اشتبه بدم الاستحاضة يرجع إلى الصفات [٤]

______________________________________________________

وحواشي المتن عدا شيخنا الجواهري ( قده ) فإنه قوى الحكم بالحيض. وكأنه لما عرفت من ظهور نصوص الاستبراء في عدم خصوصية للبقاء. والخروج عن الأصل بمجرد ذلك غير واضح ، وإن لم أقف على كلام لأحد في تحرير ذلك.

[١] وفي بعض حواشي النجاة : لزوم الاحتياط بأحكام الاستحاضة. وهو غير ظاهر ، إذ المفروض العلم بكون الدم دم الحيض الخلقي في المرأة الذي لا ريب في عدم كونه موضوعاً لأحكام الاستحاضة.

[٢] للإطلاق. لكن ينبغي ملاحظة ما تقدم في التخلي وفي الجنابة ، فإذا أمكن التفصيل فيهما بين العارض المعتاد وغيره مطلقاً أو مع انسداد الطبيعي أمكن في المقام أيضاً ، لعدم الفرق.

[٣] لأصالة عدم خروج دم الحيض في الفرضين ، لكنها لا تجدي في إثبات عدم كون الخارج حيضاً إلا بناء على الأصل المثبت.

[٤] بلا خلاف فيه في الجملة ولا إشكال ، للأخبار المميزة بين الحيض والاستحاضة بالصفات. ولغيرها مما يأتي التعرض له ـ إن شاء الله تعالى ـ في أحكام أقسام ذات الدم. إنما الإشكال في أنه يستفاد‌

١٦٨

______________________________________________________

من أخبار الصفات قاعدة كلية ـ وهي وجوب البناء على حيضية الواجد لصفات الحيض ، واستحاضية الواجد لصفات الاستحاضة ـ يجب العمل عليها ، إلا أن يقوم دليل على خلافها. كما في الصفرة في أيام العادة والدم الأسود بعد العادة عند تجاوز العشرة ، أو لا يستفاد منها ذلك؟ المشهور الثاني ، بل هو المنسوب إلى الأصحاب ، وعن المدارك وجماعة الأول.

والعمدة في أخبار الصفات : صحيح معاوية : « قال أبو عبد الله (ع) : إن دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ، إن دم الاستحاضة بارد وإن دم الحيض حار » (١) ، ومصحح حفص : « دخلت امرأة على أبي عبد الله (ع) : فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ ، فقال (ع) لها : إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فاذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة. قال : فخرجت وهي تقول : والله ان لو كان امرأة ما زاد على هذا » (٢) ، و‌موثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : سألتني امرأة منا أن أدخلها على أبي عبد الله (ع) : فاستأذنت لها فدخلت .. إلى أن قال : قالت : فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال : تجلس أيام حيضها ثمَّ تغتسل لكل صلاتين. قالت له : إن أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك ، فما علمها به؟ قال (ع) : دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد. قال : فالتفتت إلى مولاتها فقالت : أتراه كان امرأة؟ » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

١٦٩

______________________________________________________

وأما مصحح إسحاق بن عمار المتقدم في الحبلى‌ (١) فلا يظهر منه الكلية ، وكذلك‌ صحيح ابن الحجاج : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ثمَّ طهرت وصلت ثمَّ رأت دماً أو صفرة؟ قال (ع) : إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسك عن الصلاة » (٢). مضافاً إلى وجوب حملها على التحيض بالرؤية وعدمه لا بعد استقرار الدم ثلاثة أيام لجريان قاعدة الإمكان في الفاقد كالواجد حينئذ.

لكن قد يناقش في الصحيح : بأنه لم يظهر منه أنه في مقام حجية الصفات ، بل من الممكن أن يكون في مقام بيان الصفات الخارجية الغالبية ليترتب عليها العلم أحياناً ولو بضميمة بعض القرائن غير المنضبطة.

وفيه : ان حمل الكلام على غير مقام التشريع مع الحاجة إليه خلاف الأصل في الكلام الصادر من الشارع. ودعوى : أنه ليس في مقام التشريع ولو بضميمة بعض القرائن ـ كما ذكر في الاشكال ـ خلاف الظاهر.

هذا وقد يناقش أيضاً في المصحح : بأن الاستدلال به إن كان من حيث اشتماله على قوله (ع) : « فاذا كان للدم .. » ، ففيه : أن الظاهر من الدم الدم المستمر لا مطلقاً. وإن كان من حيث اشتماله على قوله (ع) : « إن دم الحيض .. » ـ بدعوى ظهوره في التمييز بين الحيض والاستحاضة مطلقا بحسب ما هما عليه في الغالب ـ ففيه : أن التمييز الغالبي بينهما قطعي لا كلام فيه ، لكنه لا يلازم التمييز بينهما مطلقاً تعبداً ، كما تقدم في الاشكال على الصحيح. وإن كان من جهة اشتماله عليهما معاً ـ بدعوى أن قوله (ع) : « إن دم الحيض .. » مسوق مساق التعليل والتمهيد لما بعده فيجب‌

__________________

(١) تقدم في أول المسألة‌

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب النفاس حديث : ٢‌

١٧٠

______________________________________________________

التعدي عن مورده إلى غيره ـ ففيه : ان ذلك يختص بما إذا كان تعليلا لأصل الحكم لا لخصوصيته ، والظاهر منه الثاني وهو خصوص الحكم في الدم المستمر.

وفيه ، أيضاً ما عرفت ، من أن الأصل في الكلام الصادر من الشارع مع الحاجة إلى التشريع أنه في مقام التشريع. مضافاً إلى أن حمل الدم على خصوص المستمر مما لا قرينة عليه ، إلا أنه مورد السؤال ، لكن قرينة المناسبة للتعليل والتمهيد المقتضية للعموم أقوى من ذلك.

ثمَّ إنه قد يستدل بالنصوص المذكورة بعد تسليم اختصاصها بمستمرة الدم ، بتقريب : أن خصوصية الاستمرار من الخصوصيات الملغاة في نظر العرف ، كما هو كثير في الأخبار وكلمات العرف. وفيه : ان ذلك خلاف الأصل في القيود فما دام يحتمل دخل القيد في الحكم لا مجال للتعدي منه إلى غيره ، ومن القريب أن تكون الصفات طريقاً إلى التمييز عند الاختلاط حيث لا طريق كالعادة ، ولا أصل كقاعدة الإمكان.

ومثله توهم أن الرواية وإن ذكر فيها الاستمرار ، إلا أن قول المرأة : « فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ » ظاهر في احتمال أن يكون بتمامه حيضا فيعم ما لم يتجاوز العشرة. إذ فيه : أن ظاهر السؤال ان الاستمرار هو الذي صار سببا للجهل والتردد ، وذلك لا يكون إلا فيما خرج عن المتعارف كلية ، وما لم يتجاوز العشرة ليس منه وإن اتفق أنه خارج عن متعارف المرأة المعينة. ومن ذلك تعرف أن تقريب الاستدلال بالموثق بما ذكر على الكلية في غير محله. نعم تقريب الاستدلال به عليها بعين تقريب الاستدلال بالمصحح ، فان قوله (ع) في الجواب : « ليس به خفاء .. » وقولها : « أتراه كان امرأة؟ » كالصريح في عموم الدم للمستمر وغيره.

١٧١

______________________________________________________

ثمَّ إنه لا مجال للمناقشة في الموثق المذكور بأن ذكر الصفات لأجل التنبيه على الصفات الغالبية الموجبة للعلم ولو بضميمة بعض القرائن كما تقدم فان ذلك لو سلم هناك لا مجال لتسليمه هنا ، لأنه ذكر الإرجاع إلى الصفات فيه في الرتبة الثانية للعادة ، فلو كان المراد العلم الحقيقي تعين تقديمه على العادة. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره الأستاذ ( قده ) في رسالة الدماء ، حيث ناقش في جميع نصوص الصفات بأنها واردة في مقام التنبيه على ما يوجب العلم ، عدا مرسلة يونس‌ (١) فإنها في مقام جعل الطريق إلا أن موضوعها الإقبال والادبار وهو تغير الدم من الأقوى إلى الأضعف أو بالعكس ، وهو غير التمييز بالصفات. نعم ما ذكره في المرسلة في محله ، لكن سيأتي ـ إن شاء الله ـ ما فيه في آخر المبحث. مع أن المرسلة أيضاً قد اشتملت على مثل ما اشتملت عليه النصوص الأخرى ، مثل‌ قوله (ع) « إن دم الحيض أسود يعرف » ، ولم يتضح التفكيك بين هذه الجملة فتكون ظاهرة في المعرفة التعبدية ، وقوله (ع) في موثق إسحاق : « دم الحيض ليس به خفاء .. » فيدعى ظهوره في المعرفة الحقيقية.

ثمَّ إن شيخنا الأعظم (ره) في طهارته أورد على استفادة الكلية من النصوص المذكورة وما ماثلها ـ مما تضمن أن دم الاستحاضة ( كذا ) مثل كونه أصفر أو بارد ـ : « بأن الظاهر من الاستحاضة في هذه النصوص ـ على ما يساعده تتبع الأخبار سؤالا وجواباً ، بل تصريح أهل اللغة ـ هو الدم المتصل بدم الحيض بل الكثير من أقسامها كما في شرح المفاتيح .. » وحينئذ فهذه النصوص قاصرة عن التعرض لغير المستمر المختلط بالحيض لأنه لا يصدق عليه الاستحاضة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض حديث : ٤‌

١٧٢

______________________________________________________

وفيه : أنه وان سلم ذلك ـ كما تساعده أيضاً هيئة الاستفعال ـ إلا أن الظاهر ان عنوان الاستحاضة ملحوظ في هذه النصوص مرآتاً لذات الدم الخاص المقابل لدم الحيض لا عنواناً له ، كما هو الظاهر في أكثر أحكام الاستحاضة بأقسامها. ووجه الظهور في ذلك أن المميزات المذكورة في النصوص ـ مثل : « انهما لا يخرجان من مكان واحد » و « إن دم الحيض غالباً أسود حار ودم الاستحاضة غالباً أصفر بارد » (١) ، ونحو ذلك ـ لا تختص بالدم المستمر بل تكون في غيره أيضاً. وأيضاً فإن مقابلة الاستحاضة بالحيض وعدم التعرض لقسم آخر تقتضي ان المراد بالاستحاضة ما يقابل الحيض سواء أكان مختلطاً به ومتصلا به أم لا.

اللهم إلا أن يقال : المميزات الخارجية وإن كانت لا تختص بالدم المستمر لكن من الممكن أن تكون حجيتها مختصة به ، فلا تكون حجة على غيره من أنواع الدم الذي لم يستمر. وأما المقابلة بالحيض فلا تكون قرينة على العموم ، بل من الجائز أن يكون المراد من الحيض خصوص الحيض المختلط بالاستحاضة لا مطلق الحيض. وبالجملة : بعد اختصاص الاستحاضة بالدم المختلط بالحيض تقصر النصوص المتقدمة عن إثبات طريقية الصفات إلى الحيض والاستحاضة معاً.

هذا كله الكلام في النصوص المتقدمة التي هي العمدة في استفادة الكلية لو تمت ، وهناك نصوص تتضمن أن الصفرة في غير أيام الحيض ليس من الحيض ، سيأتي ـ إن شاء الله ـ التعرض لها في المسائل الآتية. نعم الظاهر انه لا إشكال عندهم في أن الأصل في الدم الجامع لصفات الحيض حيض كالمرئي في العادة. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) تقدمت في أول المسألة.

١٧٣

فإن كان بصفة الحيض يحكم بأنه حيض [١] وإلا فإن كان في أيام العادة فكذلك [٢] وإلا فيحكم بأنه استحاضة [٣] وإن اشتبه بدم البكارة يختبر [٤]

______________________________________________________

[١] بناء على ما عرفت ـ من قصور نصوص الصفات عن إثبات طريقيتها للحيض والاستحاضة في غير مستمرة الدم ـ يكون العمدة في الحكم المذكور قاعدة الإمكان التي سيجي‌ء ـ إن شاء الله ـ قريباً الاستدلال عليها كلية ، وفي بعض الموارد ولذا يختص الحكم المذكور بموردها لا غير.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، بل عن الناصريات ، والخلاف : الإجماع عليه ، للمستفيضة الدالة على أن الصفرة في أيام الحيض حيض. منها : مصحح ابن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن المرأة ترى الصفرة في أيامها؟ قال (ع) : لا تصلي حتى تنقضي أيامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت » (١).

[٣] هذا بإطلاقه يتوقف على ثبوت كلية طريقية صفات الاستحاضة وقد عرفت الاشكال فيه. وسيأتي في المسائل الآتية تفصيل الكلام في ذلك وأنه لا يحسن من المصنف (ره) هذا الإطلاق.

[٤] بلا خلاف ظاهر في الحكم في الجملة ، ويدل عليه ما‌ في الصحيح عن خلف بن حماد الكوفي قال : « دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) بمنى فقلت له : إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصراً لم تطمث ، فلما افتضها سال الدم ، فمكث سائلا لا ينقطع نحواً من عشرة أيام ، وان القوابل اختلفن في ذلك ، فقال بعضهن : دم الحيض ، وقال بعضهن : دم العذرة‌ .. الى أن قال : فما تصنع؟ قال (ع) : فلتتق الله ( تعالى ) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض حديث : ١‌

١٧٤

بإدخال قطنة في الفرج والصبر قليلا [١]

______________________________________________________

فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها. وإن كان من العذرة فلتتق الله وللتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك‌ .. إلى أن قال (ع) : تستدخل القطنة ثمَّ تدعها ملياً ثمَّ تخرجها إخراجاً رفيقاً ، فان كان الدم مطوقاً في القطنة فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض » (١) ، ورواه الشيخ بأدنى اختلاف (٢) وما‌ في الصحيح الآخر عن زياد بن سوقة قال : « سئل أبو جعفر (ع) عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يومها ( يوماً ) كيف تصنع بالصلاة؟ قال (ع) : تمسك الكرسف فان خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة ، تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث ، تقعد عن الصلاة أيام الحيض » (٣).

[١] وفي الصحيح الأول : « ثمَّ تدعها ملياً » ، ومعناه : تركها طويلا. لكن الظاهر إرادة لزوم تركها مقدار ما ينزل على القطنة مما يغمسها أو يطوقها ثمَّ إن ظاهر النص والفتوى الاكتفاء بمطلق إدخال القطنة ، لكن في الروض : أن إدخالها بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ، وأنها مخيرة بين الإصبع والكرسف. وجعله مقتضى النصوص الآمر بعضها بإدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء. وفي بعضها إدخال الإصبع مع الاستلقاء ، التي يكون طريق الجمع بينها بحمل المطلق على المقيد ، والتخيير بين الإصبع والكرسف. لكن عرفت خلو نصوص المقام عن ذلك كله. مع أن الجمع بينها لا يكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

١٧٥

ثمَّ إخراجها [١] فإن كانت مطوقة بالدم فهو بكارة [٢] وإن كانت منغمسة به فهو حيض [٣]

______________________________________________________

بذلك ، بل بالتخيير بين وضع القطنة مطلقاً وبين الاستلقاء ووضع الإصبع. وقد استظهر جماعة أن ذلك سهو من قلمه الشريف ، إذا الاستلقاء ورفع الرجلين ووضع الإصبع إنما ذكر في رواية اشتباه الحيض بالقرحة‌ ـ كما سيأتي ـ لا في نصوص المقام.

[١] لا بد أن يكون برفق ، لما تقدم في الصحيح.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال عدا ما عن الأردبيلي (ره) من الرجوع الى الصفات. وهو في غير محله. بعد ما عرفت من النصوص المعول عليها بل الظاهر الإجماع على مضمونها.

[٣] كما هو المحكي عن الأكثر. لكن في الشرائع والنافع والقواعد وعن البيان والموجز : الاقتصار على الحكم بالعذرة مع التطوق ، الظاهر في التوقف في الحكم بالحيض للانغماس لاحتمال غيره ، بل في المعتبر : « لا ريب أنها إذا خرجت متطوقة كان من العذرة ، أما إذا خرجت مستنقعة فهو محتمل ». وهو غير ظاهر ، سواء أكان مفروض كلامهم صورة دوران الأمر بينهما ـ كما هو ظاهر ما يحضرني من الشرائع والنافع والقواعد ـ أم صورة ما لو احتمل ثالث غيرهما. أما على الأول فواضح ، لأنه القدر المتيقن من النص. وأما على الثاني فلأنه مقتضى إطلاق الصحيح الثاني ، بل لعله مقتضى إطلاق الأول. إذ مجرد اختلاف القوابل في أنه دم حيض أو عذرة لا يدل على تردد الأمر بينهما ، لعدم حجية قول القوابل في ذلك ، ولم يظهر من السؤال أن الرجوع إلى القوابل من جهة حجية قولهن حتى يكون سكوت الامام (ع) عن الردع عنه إمضاء لها ، بل من الجائز أن يكون‌

١٧٦

والاختبار المذكور واجب [١] فلو صلت بدونه بطلت وإن تبين بعد ذلك عدم كونه حيضاً [٢] ، إلا إذا حصل منها قصد القربة بأن كانت جاهلة ، أو عالمة أيضا‌

______________________________________________________

ذلك لأجل تحصيل العلم ورفع الشك. بل لو كان قول القوابل حجة لم يكن وجه لتكرار العرض ، إذ من الظاهر أن العرض على القوابل لم يكن في زمان واحد بل في زمانين مرة بعد أخرى.

اللهم إلا أن يقال : مقتضى جواب الفقهاء لهم بلزوم الوضوء والصلاة ـ معللين بأنه إن كان الدم حيضاً لم تضرها الصلاة ، وإن كان دم العذرة فقد أدت الفريضة ـ هو الانحصار والتردد بين الأمرين لا غير ، ويكون قول الامام (ع) : « إن كان مستنقعا فهو من الحيض ، وإن كان مطوقاً فهو من العذرة » مبنياً عليه. لكن إطلاق الصحيح الثاني كاف في إطلاق الحكم بالحيض مع الانغماس ، ويكون دليلا على تمامية قاعدة الإمكان في المقام أو ما هو أوسع منها. ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) ـ انتصاراً للحق ، والمحقق (ره) ـ من حمل كلامه على صورة احتمال ثالث غير الحيض والعذرة ، وأن ظاهر الروايات دوران الأمر بينهما. غير ظاهر في الصحيح الثاني. فتأمل.

[١] نسبه في الجواهر وغيرها إلى ظاهر النص والفتوى وهو كذلك.

[٢] كما صرح به جماعة. لكن الظاهر من الأمر بالاختبار المستفاد من النص في المقام كونه ـ من قبيل الأمر بالسؤال والتعلم ـ إرشادياً إلى تنجز التكليف المحتمل ، وعدم صحة الرجوع إلى الأصول فيه لو فرضت ، لا أنه إرشادي إلى شرطية الاختبار للعبادة ليترتب عليه بطلان العبادة بدونه لانتفاء المشروط بفقد شرطه ، فان ذلك خلاف الظاهر. وعليه يكون حكم‌

١٧٧

______________________________________________________

العمل قبل الاختبار حكم العمل قبل الفحص في الشبهة الحكمية من الصحة على تقدير الموافقة للواقع ، فلو توضأت المرأة وصلت قبل الاختبار برجاء كون الدم للعذرة كان العمل صحيحاً على تقدير كون الدم كذلك واقعاً ، إذ لا خلل في الفعل ، لا من حيث نفسه لفرض موافقته للمأمور به ، ولا من حيث نية القربة للاكتفاء في تحقق التقرب بصدور الفعل برجاء المطلوبية ، كما هو المفروض. وعلى هذا فلا وجه لتخصيص الصحة بصورة الغفلة عن وجوب الاختبار ، كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) ولا بصورة المعذورية فيه ، كما في الجواهر. نعم لو قيل بعدم جواز الامتثال الاحتمالي عقلا عند التمكن من الامتثال العلمي كان لما ذكر وجه. لكن عرفت ضعفه في أوائل التقليد.

هذا كله بناء على كون حرمة العبادة على الحائض تشريعية ، أما لو كانت ذاتية فالقول بالبطلان عند عدم العذر في مخالفة الواقع في محله ، لأن العبادة قبل الاختبار محتملة للتحريم المنجز ، فالإقدام عليها إقدام على محتمل المعصية موجب لاستحقاق العقاب ، على ما هو التحقيق من استحقاق المتجري للعقاب ، وحينئذ يمتنع التقرب بالعبادة ، لامتناع التقرب بما هو مبعد ، فتبطل وإن كانت طاهراً واقعاً. نعم لو قيل بعدم ثبوت الحرمة الذاتية مع الإتيان بالفعل رجاء كما سيأتي ـ أو بعدم استحقاق المتجرئ للعقاب ـ لم يكن مانع من تحقق التقرب بالفعل ، وكان القول بصحته في في محله. اللهم إلا أن يقال : عدم تعرض الامام (ع) لما ذكره الفقهاء من الأمر بالاحتياط ، وأمره بالاختبار يدل على عدم مشروعية الاحتياط. وفيه : أن ما ذكره الفقهاء لم يذكر في السؤال ، فيدل أمره بالاختبار على عدم الاجتزاء به ، وإنما ذكره الراوي لغير الامام ، فلا يكون جواب‌

١٧٨

إذا فرض حصول قصد القربة مع العلم أيضاً [١]. وإذا تعذر الاختبار يرجع الى الحالة السابقة [٢] من طهر أو حيض ،

______________________________________________________

الامام (ع) مبنياً عليه. وبالجملة : قول الامام (ع) في الجواب : « فلتتق الله سبحانه .. » ظاهر في تنجز الأحكام الواقعية ومؤاخذتها بمخالفتها ، فمع إمكان الاحتياط لا مجال للإشكال بتحقق الموافقة بلا شبهة إلا من جهة ترك الاختبار. لكن ظاهر قوله (ع) : « فلتتق الله .. » عدم دخله. فلاحظ.

[١] قد عرفت سهولة الفرض المذكور.

[٢] للاستصحاب. نعم يتوقف ذلك على قصور أدلة وجوب الاختبار عن شمول صورة العجز عنه ، أما إذا تمَّ إطلاقها الشامل لذلك ـ كما هو غير بعيد ـ امتنع الرجوع إلى الأصول حينئذ كما امتنع الرجوع إليها عند التمكن منه ، لتخصيص عموم أدلتها أو إطلاقها بأدلة الاختبار ، وتعين الرجوع إلى أصالة الاحتياط. نعم إذا كانت الحالة السابقة الحيض فعموم الدليل لهذه الصورة لا يخلو عن إشكال ، بل في طهارة شيخنا الأعظم (ره) : « ان العمل بالاستصحاب من غير اختبار ـ يعنى : مع التمكن منه ـ قوي ، وأقوى منه عدم وجوبه مع الشك في الافتضاض » ، وذلك لأن مورد النصوص صورة رؤية الدم بعد الافتضاض ، فيتعين الرجوع إلى الأصل في غيرها. ثمَّ ذكر : « ان وجوب الاختبار مع عدم الشك في الافتضاض لا يخلو من وجه ». لكن الوجه ضعيف. ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر : من التفصيل بين صورة سبق الحيض فيجب الاختبار ، وبين صورة الشك في الافتضاض فالأقوى عدم وجوبه.

ثمَّ لو فرض جواز الرجوع إلى الأصول فإنما يجوز الرجوع إلى‌

١٧٩

وإلا فتبني على الطهارة [١]. لكن مراعاة الاحتياط أولى.

______________________________________________________

استصحاب الطهر ، حيث لا تجري قاعدة الإمكان المقتضية للحكم بالحيضية وإلا فهي المرجع دون الاستصحاب ، وإطلاق بعض معاقد الإجماع يقتضي حجيتها في المقام ، وسيأتي.

[١] كأن الوجه في ذلك إطلاق أدلة أحكام الطاهرة ، فإن موضوعها مطلق المرأة الشامل للطاهرة والحائض ، فبعد تخصيصها بأدلة أحكام الحائض إذا شك في الحيض وعدمه يرجع الى عموم أدلة أحكام الطاهر لإحراز موضوعها والشك في موضوع الحائض.

لكنه مبني على جواز الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية ، والتحقيق خلافه. ومن هنا كان المتعين في المقام ـ بعد البناء على عدم مرجعية قاعدة الإمكان ، لاختصاصها بما يعلم خروجه من الرحم ـ هو قاعدة الاحتياط من جهة العلم الإجمالي بثبوت أحكام الطاهرة أو الحائض ، على ما سيأتي.

اللهم إلا أن يقال : العلم الإجمالي المذكور ينحل بأصالة عدم خروج الدم من الرحم ـ بناء على أن موضوع أحكام الحائض من يخرج دمها من الرحم ـ فيثبت لها أحكام الطاهر ، لعموم أدلة الأحكام ، فإنه يجوز الرجوع إلى العام إذا جرى أصالة عدم الخاص ، وإذا ثبتت أحكام الطاهر بالأصل المذكور انحل العلم الإجمالي ، كما أشرنا إلى ذلك في مباحث المياه وغيرها. وكأنه لذلك ذكر في نجاة العباد أن الأولى لها الاحتياط ، وأمضاه جماعة من أهل الحواشي.

ولكنه يشكل : بأن أصالة عدم خروج هذا الدم من الرحم لا يصلح لإثبات عدم خروج دم الحيض من الرحم بنحو مفاد ليس التامة إلا بناء على حجية الأصل المثبت ، لأن مفاد كان التامة يغاير مفاد كان الناقصة والأصل الجاري لإثبات أحدهما لا يصلح لإثبات الآخر. وبالجملة : أصالة‌

١٨٠