مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت وصلت. ثمَّ قال : فعليها أن تعيد الصلاة تلك ( كذا ) اليومين التي تركتها ، لأنها لم تكن حائضاً » (١) و‌في مصحح الحسين بن نعيم الصحاف الوارد في الحامل : « إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت‌ .. الى أن قال (ع) : فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث ، فلتتوضأ وتحتش بكرسف وتصل » (٢) و‌في رواية إسحاق بن عمار في الحبلى ترى الدم اليوم واليومين : « وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (٣) ، ونحوه مرسل إبراهيم عن محمد ابن مسلم الوارد في الحامل‌ (٤) ، و‌صحيح صفوان عن أبي الحسن (ع) : « فيمن رأت الدم عشرة أيام ثمَّ رأت الطهر ثمَّ رأت الدم بعد ذلك ، أتمسك عن الصلاة؟ قال (ع) : لا ، هذه مستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل » (٥) ، و‌في خبر يونس عن أبي عبد الله (ع) : « المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام ، قال (ع) تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر ، فان انقطع عنها الدم وإلا فهي بمنزلة المستحاضة » (٦) ، ونحوه‌ خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في المرأة ترى الدم خمسة أيام ، والطهر خمسة أيام ، وترى الدم أربعة أيام وترى الطهر ستة أيام ، قال (ع) : فاذا تمت ثلاثون يوماً فرأت دماً صبياً اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة ، فإن رأت صفرة توضأت » (٧) ، ونحوها غيرها. والمستفاد منها هو الحكم بأن الدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٣٠‌

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٦‌

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٣‌

(٦) الوسائل باب : ٦ من أبواب الحيض حديث : ٢‌

(٧) الوسائل باب : ٦ من أبواب الحيض حديث : ٣‌

٣٨١

______________________________________________________

الخارج من الرحم استحاضة بمجرد تعذر كونه دم حيض ، من غير فرق بين كونه من جرح أو قرح داخل أو من غير ذلك. ويشير اليه ما‌ في مرسلة يونس الطويلة من قول الصادق (ع) : « وسئل عن المستحاضة فقال : إنما ذلك عرق عابر أو ركضة من الشيطان » (١) ، وفي رواية زريق : « فإنما ذلك من فتق في الرحم » (٢).

ولا يبعد أن يكون مراد الجماعة من قولهم : « وليس بجرح ولا قرح » أنه ليس بجرح ولا قرح كائنين في فضاء الفرج ـ كما تقدم فرضهما في أول الحيض ـ لا ما يشمل الجرح والقرح الكائنين في داخل الرحم ، وإلا فهو شي‌ء لا دليل عليه ، وإطلاق النصوص ينفيه. وما عن الصحاح وفي القاموس ـ من أن دم الاستحاضة يخرج من عرق العاذل ـ غير ثابت.

وحينئذ فإذا علم بكون الدم خارجاً من الرحم ولم يكن حيضاً لفقد بعض حدوده حكم بأنه استحاضة ، وإن علم أنه من جرح فيه أو قرح فيه. وإن تردد الدم بين كونه خارجا من الرحم أو من الفرج لم يكن وجه للحكم بكونه استحاضة. وأخبار الاستظهار والمستمرة الدم وغيرها موردها خصوص الأول فلا تشمل الثاني. وقد عرفت حال الغلبة والأصول. نعم النصوص جميعها موردها البالغة غير اليائسة ، فتعميم الحكم لدم غيرها غير ظاهر. هذا والظاهر أن الصفرة المذكورة في بعض النصوص ليست ملحوظة قيداً للموضوع وإنما لوحظت طريقاً اليه والى نفي الحيض ، فاذا علم بانتفاء الحيض فلا اعتبار بها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٧‌

٣٨٢

ولم يعلم بالأمارات كونه من غيرها [١] يحكم عليه بها على الأحوط.

______________________________________________________

[١] صورة ما إذا لم يعلم كونه من الحيض داخلة فيما سبق ، الذي جزم بالاستحاضة فيه. وأما صورة ما إذا لم يعلم أنه من جرح أو قرح ، فان كان الجرح والقرح داخلين فقد عرفت الحكم بالاستحاضة ، وإن علم أن الدم منهما ، وإن كان في فضاء الفرج فلا دليل على الحكم بالاستحاضة مع الاحتمال. لقصور النصوص عن شمول ذلك كما عرفت ، وإن كان الأحوط إجراء حكم الاستحاضة عليه كما نبه عليه المصنف (ره).

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن عبارة المصنف لا توافق عبارة الأصحاب. ( الثاني ) : أن الجرح والقرح المذكورين في موضوع القاعدة لا بد أن يكون المراد منهما الخارجين الواقعين في فضاء الفرج ، لا ما يعم الواقعين في داخل الرحم ، فان ذلك خلاف إطلاق النصوص. ( الثالث ) : أن هذه القاعدة ليست شرعية مستفادة من الدليل كي يمكن إثبات الاستحاضة بأصالة عدم الحيض أو الجرح أو القرح ـ بناء على صحة جريان الأصل المذكور ـ بل هي واقعية لازمة للمستفاد من الأدلة من انحصار الدم الداخل في الحيض والاستحاضة فلا يصلح الأصل لإثبات موضوعها. ( الرابع ) : أنه مع الشك في كون الدم خارجاً من الداخل أو من الخارج جرحاً أو قرحاً لا يرجع الى قاعدة الإمكان ، ولا إلى هذه القاعدة ، للشك في موضوعهما وهو الدم الداخل ، بل يرجع الى قواعد أخر مثل : استصحاب الطهارة ، أو قاعدة الاشتغال ، أو نحوهما من الأصول الموضوعية أو الحكمية كما تقدمت الإشارة إليه في مسألة اشتباه الحيض بدم القرحة أو العذرة.

٣٨٣

( مسألة ١ ) : الاستحاضة ثلاثة أقسام : قليلة ، ومتوسطة وكثيرة ، فالأولى : أن تتلوث القطنة بالدم من غير غمس فيها [١] ، وحكمها وجوب الوضوء لكل صلاة [٢]

______________________________________________________

[١] كما عن جملة من كتب العلامة والشهيد وغيرهما ، وعن الخلاف والشرائع والدروس والذكرى وغيرها : التعبير بعدم الثقب ، وعن المصباح ومختصره : التعبير بعدم الظهور على القطنة ، وعن المقنعة والمبسوط والمراسم وغيرها : التعبير بعدم الرشح ، والظاهر أن مراد الجميع واحد ، كما يشهد به عدم تحريرهم الخلاف المذكور. وفي جامع المقاصد وعن تلميذه شارح الجعفرية : الغمس والثقب والظهور واحد قطعاً.

[٢] في المعتبر : نسبته إلى الخمسة ، ولم ينقل الخلاف فيه إلا عن بعض المخالفين ، وعن جماعة : نسبته الى المشهور ، وعن الناصريات والخلاف وظاهر الغنية والتذكرة : الإجماع عليه ، وفي جامع المقاصد : نسبة الخلاف في وجوب الوضوء الى ابن أبي عقيل وفي نفي الغسل الى ابن الجنيد ، وادعى إجماع الأصحاب بعدهما على خلافهما.

ويشهد له ما‌ في مصحح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء » (١) ، وموثق زرارة عن أبي جعفر (ع) : « عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال (ع) : تستظهر بيوم أو يومين ثمَّ هي مستحاضة ، فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فاذا نفذ اغتسلت وصلت » (٢) ، وبهما يقيد ما دل على وجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٩‌

٣٨٤

______________________________________________________

الاغتسال مرة‌ كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « وان لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد » (١) ، أو ثلاث مرات ، كمصحح ابن سنان : « المستحاضة التي لا تطهر تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ، ثمَّ تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ، ثمَّ تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر » (٢) ، وعليهما يحمل ما‌ في مصحح الصحاف عن أبي عبد الله (ع) : « فان كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتوضأ ولتصل في وقت كل صلاة » (٣) ، وما‌ في رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : « فان ظهر على الكرسف زادت كرسفها وتوضأت وصلت » (٤) ، فيحملان على ما إذا لم يثقب الدم الكرسف.

نعم قد يعارضها‌ موثق سماعة : « المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل ، هذا إن كان الدم عبيطا وان كان صفرة فعليها الوضوء » (٥) ، ومقتضى ذيله وجوب الوضوء فقط للصفرة مطلقاً ، وإن كان مع الانغماس أو السيلان. ومثله في ذلك‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت » (٦) ، وخبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « ما دامت ترى الصفرة فلتتوضأ من الصفرة وتصل ، ولا غسل عليها من صفرة تراها إلا في أيام طمثها » (٧) ، وخبره‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٧‌

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٣‌

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٦‌

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض حديث : ١‌

(٧) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٨‌

٣٨٥

______________________________________________________

الآخر : « فان رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها يجزئها الوضوء عند كل صلاة » (١). نعم يعارضها في ذلك‌ خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) المتقدم في الحبلى : « وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (٢) ، ونحوه صحيح ابن الحجاج في النفساء‌ (٣). لكن يتعين الجمع بينها بحمل الأخيرة على الصفرة الكثيرة ، والاولى على القليلة ، بشهادة‌ خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في الحبلى : « وإن كان قليلا أصفر فليس عليها الا الوضوء » (٤).

وعليه فيكون مقتضى الجمع العرفي بين جميع النصوص : أن الدم إن كان حمرة ثاقبة فعليها أغسال ثلاثة وان لم يجز الدم الكرسف ، وإن كانت غير ثاقبة فعليها غسل واحد ، والصفرة إن كانت قليلة عرفا فعليها الوضوء لكل صلاة وإن كانت كثيرة عرفا فعليها الأغسال الثلاثة ، كما ذكره الأستاذ (ره) في رسالة الدماء معترضا به على المشهور.

ويمكن الخدش فيه ( أولا ) : بأن مقتضى التقابل بين الشرطيتين في موثق سماعة‌ كون إحداهما مفهوما للأخرى ، وحينئذ كما يمكن حمل الشرط في الثانية على معنى عدم ثقب الدم للكرسف يمكن حمل الشرط في الأولى على معنى جواز الدم من الكرسف أيضا ، بل الثاني أظهر ، وحينئذ يكون إطلاق الشرطية الثانية مقيدا بما سبق حملا للمطلق على المقيد. ( وثانيا ) : بأن ظاهر التعبير بالصفرة في ذيل الموثق إرادة القليلة بالمعنى المشهور ، لظهوره في كون الدم لقلته لا يرى إلا لونا محضا بلا جوهرية له ، فلا إطلاق له‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحيض حديث : ٧‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٦‌

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب النفاس حديث : ٢‌

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٦‌

٣٨٦

فريضة كانت أو نافلة [١]

______________________________________________________

يشمل النافذ فضلا عن السائل حتى يتكلف للجمع بينه وبين غيره بالحمل على القليل العرفي. مضافا إلى أن خبر ابن مسلم لضعفه لا يصلح للشهادة على الجمع المذكور. ( وثالثا ) : بأن النصوص المتقدمة الدالة على وجوب الوضوء فقط كالصريحة في أن موضوعها هو موضوع وجوب الغسل ، وأن الاختلاف في الحكم إنما جاء من جهة النفوذ وعدمه ، فيمتنع حملها على خصوص الصفرة فلاحظ. نعم يبقى الاشكال فيما دل على وجوب الغسل للصفرة فان حمله على المتوسطة والكثيرة خلاف الظاهر كما عرفت ، لكن لا مجال للأخذ به بعد مخالفته المشهور ، ولا سيما بعد دعوى الإجماع عليه ممن تقدم فان ذلك موجب لوهن ما دل من النصوص على خلافه لو كان.

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما عن العماني من نفي حدثية هذا القسم أصلا استصحابا للطهارة. وتمسكا بإطلاق حصر نواقض الوضوء بغيرها. ومثله ما عن الإسكافي من وجوب الغسل مرة اعتمادا على إطلاق مثل صحيح زرارة السابق‌ ، إذ قد عرفت أنه يجب حمله على ما سبق حملا للمطلق على المقيد.

[١] كما صرح به غير واحد ، قال في كشف اللثام : « ولا فرق بين الفرائض والنوافل ، فلا تجمع بين فريضة ونافلة بوضوء ، وفاقا للتذكرة والمنتهى ونهاية الأحكام والمعتبر ». وفي المنتهى : نسبته إلى الأشهر عندنا. ويدل عليه العموم في صحيح معاوية‌ وموثق زرارة‌.

نعم قد يظهر من مصحح الصحاف‌ الاكتفاء بالوضوء في كل وقت صلاة ، وقد يشير الى ذلك غيره أيضاً ، وعليه عول في المبسوط ، قال : « وإذا توضأت لفريضة صلت معها من النوافل ما شاءت » ، وتبعه في المهذب. لكنه لا يصلح لمعارضة ما سبق ، لإمكان حمله على ما سبق جمعا بينهما ، ولا سيما وكون التجديد لكل صلاة‌

٣٨٧

وتبديل القطنة [١] أو تطهيرها. والثانية : أن يغمس الدم في القطنة ولا يسيل إلى خارجها من الخرقة ، ويكفي الغمس في بعض أطرافها [٢] ، وحكمها ـ مضافاً إلى ما ذكر [٣]

______________________________________________________

مقتضى الأصل للشك في حصول الطهارة الحكمية بدونه ، فان الظاهر من النص والفتوى كون دم الاستحاضة حدثا مطلقا.

[١] كما هو المشهور ، بل عن ظاهر الناصريات والغنية والتذكرة وجامع المقاصد : أنه إجماع ، وفي المنتهى : « لا خلاف عندنا في وجوب الابدال » ، وليس عليه دليل ظاهر كما اعترف به غير واحد ، قال في كشف اللثام : « لم يذكره الصدوقان والقاضي ولا ظفرت بخبر يدل عليه ». نعم قد يستفاد مما ورد في المتوسطة (١) ـ لكنه موقوف على عدم الفصل ـ أو مما دل على المنع من حمل النجاسة في الصلاة. وقد عرفت أنه محل تأمل ، ولا سيما في مثل المقام مما لا تتم به الصلاة ويكون من الباطن فالعمدة الإجماع لو تمَّ.

[٢] يعني : ينفذ إلى بعض الأطراف من الجانب الآخر. ودليل الاكتفاء إطلاق النفوذ والثقب المذكورين في النصوص.

[٣] يعني : الوضوء لكل صلاة وتبديل القطنة. أما الأول فلا إشكال ولا خلاف في وجوبه لما عدا صلاة الغداة ، وأما لها فعن المبسوط والخلاف وغيرهما عدم وجوبه. وصريح جماعة وجوبه. ويقتضيه ما‌ في موثق سماعة من قوله (ع) : « وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة » (٢). وأما الثاني ففي مفتاح الكرامة : « كأنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

(٢) تقدم في أحكام الاستحاضة القليلة‌

٣٨٨

غسل قبل صلاة الغداة [١]. والثالثة : أن يسيل الدم من القطنة‌

______________________________________________________

مما لا خلاف فيه عندهم ، وعن شرح الدروس الفخر الإسلام : إجماع المسلمين عليه ». ويشهد له ما‌ في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المستحاضة‌ .. إلى أن قال (ع) : فان ظهر عن الكرسف فلتغتسل ، ثمَّ تضع كرسفاً آخر ، ثمَّ تصلي ، فإن كان دماً سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة ، ثمَّ تصلي صلاتين بغسل واحد » (١) بناء على ظهور الفقرة الأولى فيما نحن فيه ، بقرينة المقابلة بينها وبين الفقرة الثانية الصريحة في الكثيرة ، وهي وإن لم تكن ظاهرة في التغيير لكل صلاة لكن يمكن استفادة ذلك منها لظهورها في مانعية مثل هذا الدم عن الصلاة مطلقاً بلا خصوصية لصلاة دون أخرى. فلاحظ.

[١] بلا خلاف ، وعن جماعة الإجماع عليه. إنما الخلاف في الاكتفاء به والاحتياج إلى غسلين آخرين فتكون المتوسطة كالكثيرة. المشهور الأول وعن العماني والإسكافي ، وفي المعتبر والمنتهى : الثاني. قال في المعتبر : « والذي ظهر لي أنه إن ظهر الدم على الكرسف وجب ثلاثة أغسال ، وإن لم يظهر لم يكن عليها غسل ، وكان عليها الوضوء لكل صلاة » ، وفي المنتهى ـ بعد ما روى‌ صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في المستحاضة : « فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب. والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجل هذه ، وتغتسل للصبح .. » (٢) ـ قال (ره) : « وهذه رواية صحيحة وعليها أعمل » ، وتبعهم جماعة من متأخري المتأخرين كالأردبيلي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١‌

٣٨٩

______________________________________________________

وتلميذيه والبهائي في الحبل المتين وغيرهم.

ويدل على الأول ـ مضافا الى ما تقدم من رواية عبد الرحمن المتقدمة‌ ـ ما‌ في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) من قوله (ع) : « فان جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ، ثمَّ صلت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل ، وان لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد. قلت : والحائض؟ قال (ع) : مثل ذلك سواء » (١) ، فإن إطلاق الفقرة الثانية وإن كان يشمل القليلة لكن عرفت أنه يجب تقييده بما دل على وجوب الوضوء فقط إذا لم يثقب الكرسف ، فتبقى صورة الثقب محكومة بوجوب الغسل الواحد. ومثله الشرطية الثانية في موثق سماعة‌ (٢) ، بناء على ما عرفت من أن المراد عدم تعدي الدم من الكرسف الى ما وراءه لا عدم الثقب. وبها يقيد إطلاق ما دل على أن المستحاضة تغتسل ثلاث مرات ، كمصحح ابن سنان المتقدم‌ (٣) وغيره ، وكذا مثل صحيح معاوية المتقدم‌ الموجب للأغسال الثلاثة عند ثقب الكرسف ، فلا وجه لاعتماد الجماعة عليه في دعوى عدم الفرق بين المتوسطة والكثيرة في تثليث الأغسال. وأما ما في المنتهى ـ من الطعن في نصوص المشهور بالضعف ، لأن في طريق بعضها واقفي وفي بعضها فطحي ، وفي طريق بعضها مما لم يحضره حاله عدالة وجرحاً وبعضها مجهول المروي عنه ، ومن الممكن أن لا يكون هو الامام ـ فضعيف كما يظهر بالتأمل ، وإن سبقه في بعضه في المعتبر.

ثمَّ إن النصوص المتقدمة وإن لم يصرح فيها بكون الغسل لصلاة الصبح إلا أنها ظاهرة في ذلك ، لظهورها في كون وجوب الغسل غيرياً للصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٥‌

(٢) تقدم ذيله في حكم الاستحاضة القليلة ، وتقدم بيان مصدره هناك‌

(٣) تقدم في حكم الاستحاضة القليلة‌

٣٩٠

إلى الخرقة ويجب فيها ـ مضافاً إلى ما ذكر [١]

______________________________________________________

لا نفسياً ، وفي كونه شرطاً في جميع صلوات اليوم لا في واحدة من صلواته وفي كونه ملحوظا بنحو الشرط المتقدم ، فاذا كانت دالة على وجوب فعله قبل صلوات اليوم بأجمعها تعين فعله قبل الصبح ، لأنها أول صلوات اليوم بمقتضى الإطلاق ، إذ لو أتى به بعد الصبح قبل الظهر أو بعدها كان مأتياً به قبل صلوات خمس من يومين لا من يوم واحد. مضافا إلى أن وجوب فعله للغداة بخصوصها مما انعقد عليه الإجماع ، بل الضرورة ، كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره). والله سبحانه أعلم.

[١] يعني : من الوضوء لكل صلاة ، وتبديل القطنة ، والغسل لصلاة الغداة. أما الأول فنسب إلى المشهور وأكثر المتأخرين وعامتهم وجمهورهم ، وعن الخلاف : الإجماع عليه ، واستدل له بعموم قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ .. ) (١) ، وبأولوية وجوبه هنا من وجوبه في السابقتين. وبأن الأصل عدم إغناء الغسل عنه. والجميع لا يخلو من خدش ، إذ العموم ـ لو سلم ـ يمكن الخروج عنه بالنصوص الدالة على الاكتفاء بالغسل هنا كما في آية الجنابة (٢) ، والأولوية بعد قيام الأدلة على الغسل ممنوعة. والأصل لا مجال له مع الدليل.

وعن المفيد والسيد في الجمل والمحقق في المعتبر وأحمد بن طاوس : وجوب الوضوء مع كل غسل ، واختاره جماعة من متأخري المتأخرين ، وجعله شيخنا الأعظم خير الأقوال. اعتماداً على ما دل على وجوب الوضوء مع كل غسل. وقد تقدم الاشكال فيه فراجع. مضافاً إلى خلو نصوص‌

__________________

(١) المائدة : ٦‌

(٢) النساء : ٤٣‌

٣٩١

______________________________________________________

الباب عن التعرض له مع تعرضها له في المتوسطة والقليلة ، وبنحو تكون كالصريحة في نفيه ، وتخصيص ما دل على وجوب الوضوء مع كل غسل لو تمَّ. وكأنه لذلك كان ما حكي عن ظاهر الصدوقين والشيخ والسيد في الناصرية والحلبي وبني زهرة وحمزة والبراج من عدم وجوبه أصلا ، واختاره جماعة من أعاظم المتأخرين.

اللهم إلا أن يستفاد من‌ مرسلة يونس الطويلة ، لقوله (ع) في سنة التي تعرف أيامها : « فلتدع الصلاة أيام أقرائها ، ثمَّ تغتسل وتتوضأ لكل صلاة. قيل : وإن سال؟ قال (ع) : وإن سال مثل المثقب » (١) ، فإن إطلاقها وإن اقتضى عدم الاحتياج الى الغسل في جميع أفراد المستحاضة الا أنه مقيد بغيره مما دل عليه.

ودعوى : أن الظاهر من الاغتسال غسل الاستحاضة لا الحيض ، والا لزم إهماله ، مع أن بيانه أهم من بيان الوضوء ، وحينئذ فمقتضى ظهوره في تعلق الظرف بالفعلين وجوب الغسل والوضوء معاً لكل صلاة ، فلا بد أن يحمل على الاستحباب لعدم القول بوجوبه.

مندفعة : بأن الظاهر من الغسل غسل الحيض ، كما يظهر من ملاحظة نظائره من النصوص. ولو سلم فالإجماع على عدم وجوب الغسل لكل صلاة لا يصلح قرينة على صرف ظهوره في وجوب الوضوء لكل صلاة ، كما تكرر بيانه في نظائره. مضافا الى إمكان كون الإجماع قرينة على حمله على غسل الحيض ، أو تعلق الظرف بالفعل الثاني لا غير. فتأمل جيداً.

وأما الثاني : فالظاهر أنه لا خلاف فيه. بل الظاهر دخوله في معتقد الإجماع في السابقتين ، ويدل عليه ما سبق في المتوسطة بضميمة الأولوية.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الحيض حديث : ١‌

٣٩٢

وإلى تبديل الخرقة [١] أو تطهيرها ـ غسل آخر للظهرين [٢] تجمع بينهما [٣] ، وغسل للعشائين تجمع بينهما. والأولى كونه في آخر وقت [٤] فضيلة الأولى حتى يكون كل من الصلاتين‌

______________________________________________________

ويمكن أن يستفاد من‌ مصحح صفوان : « هذه مستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل » (١).

وأما الثالث : فيدل عليه ما يأتي مما دل على وجوب الأغسال الثلاثة.

[١] من غير خلاف ظاهر ، بل عن بعض دخوله في معقد إجماع الفخر. ويدل عليه ما دل على وجوب تبديل القطنة ، فإنه أولى منه.

[٢] إجماعاً كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والمدارك ، وعن جامع المقاصد وشرح المفاتيح : نفي الخلاف فيه ، قال في المعتبر : « وإن سال لزمها ثلاثة أغسال. وهذا متفق عليه عند علمائنا ». وتدل عليه النصوص المستفيضة التي تقدم بعضها.

[٣] كما صرح به جماعة ، بل يظهر من غير واحد أنه مما لا كلام فيه. ويدل عليه الأمر به‌ في صحيح ابن مسلم : « فلتجمع بين كل صلاتين بغسل » (٢) ، ونحوه موثق زرارة‌ وصحيح صفوان‌ (٣). نعم بناء على عدم وجوب معاقبة الصلاة للغسل يشكل وجوب الجمع ، بل لا بد من جواز التفريق ، لصعوبة التفكيك بين الصلاة الاولى والثانية. ولذا كان صريح بعض كون المسألتين من باب واحد ، لكن ظاهر غيره خلافه كما عرفت.

[٤] بل هو الأفضل ، لما فيه من إدراك وقت فضيلتهما كما ذكر. مضافا إلى الأمر به‌ في صحيح معاوية ، حيث قال (ع) : « تؤخر هذه وتعجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٤‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٥‌

٣٩٣

في وقت الفضيلة. ويجوز تفريق الصلوات والإتيان بخمسة أغسال [١]. ولا يجوز الجمع بين أزيد من صلاتين بغسل واحد [٢]. نعم يكفي للنوافل أغسال الفرائض [٣].

______________________________________________________

هذه » (١) ، وفي صحيح البصري : « فلتؤخر الصلاة الى الصلاة ، ثمَّ تصلي صلاتين بغسل واحد » (٢) ، وفي خبر إسماعيل بن عبد الخالق : « فلتؤخر الظهر الى آخر وقتها ، ثمَّ تغتسل ثمَّ تصلي الظهر والعصر ، فان كان المغرب فلتؤخرها إلى آخر وقتها ، ثمَّ تغتسل ثمَّ تصلي المغرب والعشاء » (٣) ، فان الظاهر من آخر وقتها آخر وقت فضيلتها المحمول على غير الوجوب إجماعا.

[١] كما عن المنتهى والشهيد والمحقق الثانيين ، وعن المدارك : القطع بالجواز ، وعن جماعة من متأخري المتأخرين متابعتهم في ذلك. لأن المنساق من الأمر بالجمع كونه للرخصة في الاكتفاء بالغسل الواحد للصلاتين لا وجوبه تعبداً. ويشير إليه ما‌ في رواية يونس : « فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كل صلاة » (٤) ، ونحوها غيرها. خلافا لظاهر كثير من العبارات وصريح بعضها من وجوب الجمع جمودا على ظاهر الأمر نفسه. ثمَّ إنه بناء على جواز التفريق يكون الغسل الثاني كالأول مبيحا ، لعدم جواز إيقاع الصلاة الثانية إلا به ، حيث أن الاكتفاء بالأول إنما هو مع الجمع لا مع التفريق ، فيكون الغسل الثاني شرطاً في صحتها.

[٢] لأن فيه مخالفة لمقتضى النصوص.

[٣] للإجماع المدعى ـ في محكي الغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة وشرح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٥‌

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١١‌

٣٩٤

لكن يجب لكل ركعتين منها وضوء [١].

( مسألة ٢ ) : إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر‌

______________________________________________________

الجعفرية وكشف الالتباس ـ على أنه إذا فعلت المستحاضة ما يلزمها من الوضوء والغسل وغيرهما كانت بحكم الطاهرة ، وعن المدارك وغيرها : نفي الخلاف فيه. والمصرح به في كلامهم أنها تستبيح كل غاية تتوقف على الطهارة من صلاة وطواف وغيرهما. وهذه الإجماعات هي العمدة ، والا فالنصوص قاصرة عن إثبات ذلك. نعم قد يشير إليه بعضها ، ففي رواية إسماعيل ابن عبد الخالق عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « .. فاذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ، ثمَّ تصلي ركعتين قبل الغداة ، ثمَّ تصلي الغداة » (١) ، فإنها ظاهرة في الاكتفاء بغسل واحد للنافلة والفريضة.

[١] بناء على ما عرفت من وجوب الوضوء لكل صلاة. ولا ينافيه قولهم : انها إذا فعلت وظيفتها كانت بحكم الطاهر ، على أي معنى حمل ، لأن من جملة الوظيفة الوضوء لكل صلاة ، وهي أعم من الفريضة والنافلة كما عرفت ، ولذا حكي عن الموجز وشرحه : الجزم بلزوم تعدد الوضوء للطواف وصلاته. وعن الروض : « ليس للمستحاضة أن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، سواء في ذلك الفرض والنفل ، بل لا بد لكل صلاة من وضوء ، أما غسلها فللوقت تصلي به ما شاءت من الفرض والنفل أداء وقضاء مع الوضوء لكل صلاة .. » ونحوه كلام غيره.

لكن في الجواهر ـ في حكم المستحاضة بالنسبة إلى صلاة النوافل والقضاء والتحمل ونحو ذلك ـ قال : « ولعل قضية قولهم ـ : انها مع الافعال تكون بحكم الطاهرة ـ جواز ذلك كله من دون تجديد لغسل أو وضوء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٥‌

٣٩٥

لا يجب الغسل لها [١] ، وهل يجب الغسل للظهرين أم لا؟ [٢] الأقوى وجوبه [٣]. وإذا حدثت بعدهما فللعشائين ، فالمتوسطة توجب غسلا واحداً ، فان كانت قبل صلاة الفجر وجب لها وإن حدثت بعدها فللظهرين ، وإن حدثت بعدهما فللعشائين‌

______________________________________________________

اللهم إلا أن يفرق بين الصلاة وغيرها من الغايات ، لما تقدم من الاخبار الآمرة بالوضوء ـ مثلا ـ عند كل صلاة. وفي شمولها لمثل المقام نظر ». ووجه النظر : أن الاخبار المذكورة إنما وردت في غير الكثيرة. لكن الدليل الذي استند إليه هو فيها في إيجاب الوضوء لكل صلاة يقتضي عدم الفرق بين النفل والفرض ، ولا سيما مع تصريح غير واحد ، ودعوى الإجماع على وجوب تجديد الوضوء للفرض والنفل كما نقله هو (ره). فراجع. هذا مضافا إلى ما أشرنا إليه سابقا من قاعدة إلحاق النافلة بالفريضة. فتأمل.

[١] قطعاً كما في الجواهر ، ووجهه ظاهر.

[٢] قال في الجواهر : « ظاهر كلام الأصحاب العدم ، كما صرح به في جامع المقاصد في مبحث الغايات ، والشهيد في الروضة ، بل لعل المتأمل يمكنه تحصيل الإجماع على ذلك ، لتخصيصهم الغسل بكونه للغداة » ، وقريب منه ما عن مصابيح الطباطبائي.

[٣] كما جزم به في الرياض ، لما عرفت من ظهور الأدلة في كون الغسل الواحد شرطاً لجميع الصلوات ، وأن وجوبه لصلاة الغداة ليس لخصوصية فيها. بل لظهور الأدلة في كونه ملحوظاً بنحو الشرط المتقدم ، ولازمه وجوبه لو حدثت المتوسطة بعد الغداة. ومنه يظهر أن تعجب الجواهر من المولى في الرياض ـ حتى أنه لم يستبعد كونه لبعض تلامذته ، واشتبه النساخ فيها لخلو بعض نسخ الرياض عنه ـ ليس كما ينبغي ، ودعوى :

٣٩٦

كما أنه لو حدثت قبل صلاة الفجر ولم تغتسل لها عصياناً أو نسياناً وجب للظهرين [١] وإن انقطعت قبل وقتهما بل قبل الفجر [٢]

______________________________________________________

اختصاص النصوص بصورة الرؤية قبل الغداة ، فلا تشمل ما نحن فيه ، لا يساعدها المذاق الفقهي. وكذا الحال فيما لو حدثت بعد الظهرين.

[١] كما اعترف به في الجواهر على إشكال فيه ، لعدم ثبوت مشروعيته بعد فوات المحل الموظف شرعاً. وفيه : ما عرفت. مضافاً إلى إمكان مشروعيته بالاستصحاب.

[٢] لأن الظاهر من النصوص كون وجود الدم وقتاً ما حدثاً موجباً للوظيفة المقررة له في وقت الصلاة ، ولا يعتبر وجوده في الوقت ، وإن حكي عن جماعة منهم : الشهيد في الدروس والذكرى : أن العبرة بالكثرة والقلة أوقات الصلاة ، لكنه خلاف ظاهر النصوص. وأما ما‌ في مصحح الحسين بن نعيم الصحاف من قوله (ع) : « فلتغتسل ولتصل الظهرين ، ثمَّ لتنظر ، فان كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها » (١) ، فلا يظهر منه ذلك ، وإن قال في الذكرى : « هذا مشعر بأن الاعتبار بوقت الصلاة فلا أثر لما قبله ». ولم يتضح وجه الاشعار به ، بل هو ظاهر في خلاف ذلك ، لأن المفروض فيها أنها صلت الظهرين فيكون المراد نفي الغسل لصلاة المغرب إذا لم يسل الدم قبل الغروب ، ومفهومه أنه إذا سال قبل الغروب وجب الغسل للمغرب. ولذا كان المشهور ـ المنسوب إلى العلامة والشهيدين في البيان والروضة والمحقق الثاني وجماعة من متأخري المتأخرين ـ ما ذكرنا ، بل عن شرح الروضة : نسبته إلى ظاهر النصوص والفتاوى.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٧‌

٣٩٧

أيضاً ، وإذا حدثت الكثيرة بعد صلاة الفجر يجب في ذلك اليوم غسلان [١] ، وإن حدثت بعد الظهرين يجب غسل واحد للعشائين.

( مسألة ٣ ) : إذا حدثت الكثيرة أو المتوسطة قبل الفجر يجب أن يكون غسلهما لصلاة الفجر بعده [٢] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر ، لما عرفت من ظهور الأدلة في شرطية الغسل لهما حينئذ كما لو حدث قبل الفجر. ثمَّ إنه لا إشكال في عدم وجوب الغسل للصبح ، في الفرض ، وفي الجواهر : القطع به.

[٢] لعدم الدليل على مشروعيته قبله ، إذ ليس هو طهارة في نفسه ليستحب. ولعدم الأمر به غيريا للموقت قبل وقته ، لعدم الأمر بالموقت حينئذ لكون الوقت شرطاً لوجوبه. نعم لو فرض الانقطاع أيضاً قبل الوقت أمكن الإتيان به بقصد الاستحباب لكونه طهارة حينئذ. كما أنه لو قيل بجواز التعبد بمقدمات الموقت قبل وقته ، إما للالتزام بكون الواجبات المشروطة راجعة إلى الوجوبات المعلقة ، أو لملازمتها لها عقلا ، أو لإمكان داعوية الوجوب المشروط بشي‌ء إلى فعل ما يتوقف عليه الواجب قبل وجود الشرط فان الترجح النفسي التقديري الذي هو المصحح لعبادية العبادات ـ كما أشرنا إلى ذلك في ذيل البحث عن الترتب المتقدم في مباحث النجاسات ـ لا فرق في اقتضائه الداعوية بين الحالي والاستقبالي ، فيصح التعبد بالفعل بلحاظه ولو كان استقبالياً. والرجوع إلى طريقة العقلاء أقوى شاهد على ذلك ، فان العبد يتقرب إلى مولاه بفعل المقدمات قبل وقت الفعل وقبل حدوث الملاك بملاحظة حدوثه في الاستقبال. وكيف يصح التفكيك بين البناء على حرمة تفويت المقدمات قبل الوقت عقلا ، والبناء على عدم جواز التعبد بها بلحاظ الأمر‌

٣٩٨

فلا يجوز قبله إلا إذا أرادت صلاة الليل فيجوز لها أن تغتسل قبلها [١].

( مسألة ٤ ) : يجب على المستحاضة اختبار حالها [٢]

______________________________________________________

الاستقبالي؟! وهل كان حكم العقل بحرمة التفويت إلا من جهة الأمر الاستقبالي ، فلم لا يكون الأمر الاستقبالي مصححاً للتعبد كما صح أن يكون منشأ لحكم العقل؟!! وهذا مما لا ينبغي أن يكون محلا للإشكال. ولا حاجة حينئذ إلى الالتزام بكون التعبد بالمقدمات العبادية ـ مثل غسل الجنابة قبل الفجر للصائم ـ بلحاظ الأمر النفسي الاستحبابي ، كما ذكرنا ذلك في كتاب الصوم وإن كان هذا لا يتأتى في المقام ، لعدم مشروعية غسل الاستحاضة في نفسه. فتأمل. وربما ذكرنا في كتاب الصوم بعض وجوه أخرى في التخلص عن الاشكال فراجع.

وعلى هذا لا بأس بالإتيان بالغسل قبل الوقت متصلا به ، بناء على وجوب معاقبة الصلاة له أو ولو منفصلا عنه ، بناء على عدم وجوبه. نعم قد يستفاد من مثل رواية إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة‌ (١) ، ومرسلة يونس وجوب فعله في الوقت ويمكن حملهما بشهادة إطلاق غيرهما على ما يحصل به المعاقبة. وكأنه لأجل ذلك ذهب جماعة ـ على ما حكي ـ إلى جواز فعله قبل الوقت. فتأمل.

[١] كما عن الصدوقين والسيد والشيخين وجماعة من المتأخرين ، بل عن الذخيرة : « لا أعلم فيه خلافا » ، وفي محكي الخلاف : الإجماع عليه وهو العمدة فيه ، ولولاه لأشكل جوازه ، لعدم الدليل على جواز الاكتفاء به بناء على وجوب معاقبة الصلاة له ، نعم لا بأس به بناء على عدمه.

[٢] كما في المنتهى والذكرى ، وعن جامع المقاصد. للزوم المخالفة‌

__________________

(١) تقدمت في بيان وظيفة الاستحاضة الكثيرة‌

٣٩٩

______________________________________________________

القطعية الكثيرة لولاه. وللإشارة إليه في بعض النصوص ، ففي صحيح ابن مسلم المروي في المعتبر عن مشيخة ابن محبوب عن أبي جعفر (ع) : « في الحائض إذا رأت دماً بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها. فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثمَّ تمسك قطنة ، فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع .. » (١) ، وفي رواية عبد الرحمن عن أبي عبد الله (ع) في المستحاضة : « ولتستدخل كرسفاً ، فان ظهر عن الكرسف فلتغتسل ثمَّ تضع كرسفاً آخر ثمَّ تصلي ، فإذا كان دماً .. » (٢) ، ونحوهما غيرهما.

والمحتمل بدواً في النصوص المذكورة ، إما الوجوب النفسي ، فلو تركته أثمت لا غير ، أو الوجوب الغيري على معنى كونه شرطاً في صحة العبادة فلو تركته بطلت ، أو الإرشادي إلى طريق معرفة حال الدم بلا زيادة على ذلك ، أو بزيادة المنع من الرجوع إلى أصل البراءة ، ونحوه من الأصول المفرغة ، بناء على أن المرجع عند الشك في المقام أصل البراءة من الغسل المحتمل ، أو بزيادة المنع من الرجوع إلى استصحاب الحكم أو الموضوع ، أو ذلك مع المنع من العمل بالاحتياط. وظاهر الجواهر : الميل إلى الرابع قال (ره) : « لكن ينبغي القطع بعدم إرادتهم أنها إن لم تعتبر حالها بطلت صلاتها ، ولو كان ما فعلته موافقاً للواقع مشتملا على نية التقرب ، لعدم وضوح دليل عليه. كما أنه تشكل دعوى وجوب التعرف عليها حتى لو أرادت العمل بأسوإ الاحتمالات. ويشكل أيضاً. دعوى الوجوب عليها لو كان معها استصحاب يشخص حالها ». واختار شيخنا الأعظم (ره) عدم جواز العمل بالاحتياط ولا بالاستصحاب ، وجواز العمل المطابق لهما معاً. وكأنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ١٤‌

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٨‌

٤٠٠