مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٩٩

( مسألة ١٠ ) : يجوز العدول عن الترتيب إلى الارتماس في الأثناء [١] ، وبالعكس ، لكن بمعنى رفع اليد عنه والاستئناف على النحو الآخر.

( مسألة ١١ ) : إذا كان حوض أقل من الكر يجوز الاغتسال فيه بالارتماس [٢] مع طهارة البدن ، لكن بعده يكون من المستعمل في رفع الحدث الأكبر [٣]

______________________________________________________

هذا كله بناء على استفادة الترتيب من الأدلة اللفظية ، أما لو انحصر الدليل بالإجماع فالحكم بسقوط الترتيب في المطر وما أشبهه في محله ، لخروجه عن متيقن معقد الإجماع ، فيرجع فيه إلى الإطلاق المتضمن لغسل تمام البدن من دون تعرض للترتيب. اللهم إلا أن يكون الخلاف ناشئاً عن شبهة بحيث لا ينافي الإجماع على الترتيب فيه على تقدير بطلانها. فتأمل جيدا.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] لإطلاق الأدلة أيضا.

[٣] قد يشكل ذلك بأن العمدة في وجه الحكم في نفسه رواية ابن سنان المتقدمة في المياه المشتملة على عنوان ما يغتسل به الجنب‌ (١) ، ولعل ظاهرها المجتمع من غسالة البدن لا ما يرتمس فيه. نعم ظاهر كلمات الأصحاب عدم الفرق بينهما. ولعلهم فهموا منها العموم. وأما‌ حديث محمد بن علي ابن جعفر : « من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه » (٢) فظاهره الكراهة ، وعدم الفرق بين القليل والكثير وعدم اختصاص الحكم بالجنب ، فلعله محمول على الكثير جمعاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف حديث : ١٣‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف حديث : ٢‌

١٠١

فبناء على الاشكال فيه [١] يشكل الوضوء والغسل منه بعد ذلك. وكذا إذا قام فيه واغتسل بنحو الترتيب بحيث رجع ماء الغسل فيه [٢] وأما إذا كان كراً أو أزيد فليس كذلك [٣] ، نعم لا يبعد صدق المستعمل عليه إذا كان بقدر الكر لا أزيد واغتسل فيه مراراً عديدة [٤].

______________________________________________________

وكيف كان فالظاهر صدق كونه من المستعمل ولو بارتماس البعض ولا يتوقف على تمام الغسل. نعم لو تمم الغسل فيه بلا انفصال للعضو أمكن القول بجوازه ، إذ لا يقصر الماء المذكور عن الماء المصبوب على الرأس دفعة ، حيث يجوز غسل الرأس والرقبة به أولا ثمَّ ذلك الجنب الأيمن والأيسر بتمامهما من دون حاجة إلى صب الماء لكل جزء. فتأمل.

[١] كما تقدم في المياه.

[٢] إلا أن يكون المقدار الراجع من البدن اليه مستهلكاً عرفاً فيه ، نظير القطرات التي تسقط في الإناء التي تقدم أنها لا بأس بها.

[٣] للإجماع. والقصور دليل المنع عن شموله. ولأولوية اعتصامه عن المنع المذكور من اعتصامه من النجاسة ، ولأن إهمال التحديد مع وضوح خروج بعض مراتب الكثير يوجب الرجوع إلى التحديد المذكور. ولاشتمال بعض نصوص اعتصام الكر على غسالة الجنب ، وقد تقدم في المياه بعض الكلام فيه.

[٤] مما سبق تعرف ضعفه. وكثرة الاستعمال وعدمها لا أثر لهما فيما نحن فيه ، لأن موضوع الدليل صرف الاستعمال ، فان تمَّ عمومه للكثير اكتفى بالاستعمال مرة ، وإن لم يتم لم تجد كثرة الاستعمال. نعم إذا كان بمقدار الكر لا أزيد دقة ـ وكان الاستعمال موجباً لنقصه ـ جرى عليه بعد الاستعمال‌

١٠٢

لكن الأقوى كما مر [١] جواز الاغتسال والوضوء من المستعمل.

( مسألة ١٢ ) : يشترط في صحة الغسل ما مر من الشرائط في الوضوء من النية [٢] ، واستدامتها إلى الفراغ ، وإطلاق الماء وطهارته [٣] ، وعدم كونه ماء الغسالة ، وعدم الضرر في استعماله واباحته ، وإباحة ظرفه ، وعدم كونه من الذهب والفضة ، وإباحة مكان الغسل ، ومصب مائه ، وطهارة البدن ، وعدم ضيق الوقت ، والترتيب في الترتيبي ، وعدم حرمة الارتماس في الارتماسي منه ـ كيوم الصوم ، وفي حال الإحرام ـ والمباشرة في حال الاختيار. وما عدا الإباحة [٤] ، وعدم كون الظرف من الذهب والفضة ، وعدم حرمة الارتماس من الشرائط واقعي لا فرق فيها بين العمد ، والعلم ، والجهل ، والنسيان ، بخلاف المذكورات فان شرطيتها مقصورة على حال العمد والعلم [٥].

______________________________________________________

حكم الماء المستعمل ، لكنه حينئذ ليس من الكثير.

[١] مر الكلام فيه في المياه.

[٢] كما تقدم في أوائل الفصل.

[٣] تقدم الكلام في هذه المسألة في الوضوء ، والمياه ، والأواني ، وغير ذلك. فراجع.

[٤] قد تقدم في الشرط السابع من شرائط الوضوء صحته مع الجهل بالضرر ، وإن كان موجوداً في الواقع ، والحكم في المقام كذلك. وسيأتي منه في المسألة التاسعة عشرة من فصل التيمم ذلك أيضا. فراجع.

[٥] لأنها شرط للتقرب ، ومع الجهل يحصل التقرب ولو مع انتفائها.

١٠٣

( مسألة ١٣ ) : إذا خرج من بيته بقصد الحمام والغسل فيه فاغتسل بالداعي الأول ، لكن كان بحيث لو قيل له حين الغمس في الماء : ما تفعل؟ يقول : أغتسل. فغسله صحيح [١] وأما إذا كان غافلا بالمرة بحيث لو قيل له : ما تفعل؟ يبقى متحيراً فغسله ليس بصحيح [٢].

( مسألة ١٤ ) : إذا ذهب الى الحمام ليغتسل وبعد ما خرج شك في أنه اغتسل أم لا يبني على العدم [٣] ، ولو علم أنه اغتسل لكن شك في أنه على الوجه الصحيح أم لا يبني على الصحة [٤].

( مسألة ١٥ ) : إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبين ضيقة وأن وظيفته كانت هو التيمم ، فان كان على وجه الداعي [٥]

______________________________________________________

[١] لما عرفت في الوضوء من أن النية المعتبرة في العبادة ما به يتقوم كون الفعل اختيارياً ، ويكفي في كون الفعل اختيارياً صدوره عن الداعي المذكور ، ولو مع عدم إخطار صورة الفعل بالبال ،

[٢] لأن التحير أمارة انتفاء الداعي ، وإلا لم يتحير ، لكونه من الأمور الوجدانية التي تعرف بمجرد الالتفات إليها. نعم إذا كان منشأ التحير قسر النفس عن التوجه اليه ـ كما قد يتفق ـ أمكن أن يكون موجوداً ويكون الغسل صادراً عنه ، لكن عدم العلم بذلك كاف في الحكم بالبطلان ظاهرا.

[٣] لاستصحاب العدم.

[٤] لقاعدة الفراغ.

[٥] يعني : فإن كان غسله بقصد الأمر الفعلي المتوجه اليه ـ لاعتقاده أنه الأمر الوجوبي الغيري الناشئ من الأمر بالموقت ـ كان الغسل صحيحاً‌

١٠٤

يكون صحيحاً ، وإن كان على وجه التقييد يكون باطلاً. ولو تيمم باعتقاد الضيق فتبين سعته ففي صحته وصحة صلاته إشكال [١].

( مسألة ١٦ ) : إذا كان من قصده عدم إعطاء الأجرة للحمامي فغسله باطل [٢] ، وكذا إذا كان بناؤه على النسيئة من غير‌

______________________________________________________

إذا لا خلل فيه لا من حيث ذاته ، ولا من حيث التقرب به ، لصدوره عن داعي امتثال أمره ، ومجرد خطأه في اعتقاده أن أمره الفعلي هو الوجوبي الغيري للموقت لا يوجب خللا فيه أصلا. وإن كان غسله بقصد امتثال الأمر الغيري ـ لاعتقاد توجهه اليه فعلا ، لاعتقاده سعة الوقت ـ كان الغسل فاسداً ، لفقد التقرب به ، لانتفاء الأمر الذي قصد التعبد به. وقد تقدم مثل ذلك في فصل الوضوءات المستحبة فراجع.

[١] ينشأ من الإشكال في أن موضوع مشروعية التيمم هو ضيق الوقت واقعاً أو اعتقاد الضيق. هذا ولكن الظاهر الأول ، لعدم الدليل على الثاني ، كما سيأتي في محله ـ إن شاء الله ـ فيكون الأظهر بطلان التيمم والصلاة.

[٢] هذا يتم إذا كان الالتزام بإعطاء الأجرة من مقومات المعاملة مع الحمامي ، كما إذا كان مضمونها إباحة التصرف في الماء بشرط الالتزام بالإعطاء ، فإن البناء على عدم الإعطاء مناف للمعاملة فلا يجوز التصرف. وكذا لو كانت الإباحة معلقة على عدم الإعطاء الخارجي ، فإنه مع البناء على عدم الإعطاء لم يحرز الإباحة فيحرم عليه التصرف. أما لو كان الإعطاء خارجاً عن قوام المعاملة كما إذا كانت إباحة بشرط الضمان أو إجارة بما في الذمة ـ فالبناء على عدم الإعطاء لا ينافي تحقق المعاملة المصححة‌

١٠٥

إحراز رضى الحمامي بذلك وان استرضاه بعد الغسل [١] ، ولو كان بناؤهما على النسيئة ولكن كان بانياً على عدم إعطاء الأجرة أو على إعطاء الفلوس الحرام ففي صحته إشكال.

( مسألة ١٧ ) : إذا كان ماء الحمام مباحاً لكن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فيه ، لأن صاحب الحطب‌

______________________________________________________

للتصرف. نعم ذلك ينافي الالتزام بالوفاء بها. لكن الالتزام المذكور لا يتوقف عليه جواز التصرف ، فلا موجب للبطلان. ومن ذلك تعرف وجه البطلان في الفرض الثاني ، فإنه لم يتحقق فيه المعاملة المجوزة للتصرف. كما منه يظهر أن الأقوى الصحة في الفرض الثالث ، لتمامية المعاملة بينهما المجوزة للتصرف.

[١] فان الرضا اللاحق لا يوجب انقلاب حكم الفعل حين وقوعه بحيث يخرج من الحرمة إلى الإباحة ، لامتناع جعل الحكم التكليفي في الأزمنة الماضية بالنسبة إلى زمان الجعل ، للخروج عن محل الابتلاء. مع أنه لو صح لا يجدي في كون الفعل حال وقوعه حلالا يصح التعبد به. نعم قد يقال بأن الرضا اللاحق يكشف عن ثبوت الحل للفعل من حين وقوعه ، لكون الرضا ملحوظاً بنحو يعم ما لو كان بنحو الشرط المتأخر. لكنه ـ مع أنه خلاف ظاهر‌ قوله (ع) : « لا يحل مال امرئ .. » (١) ، ونحوه ، لظهوره في مقارنة الطيب للحل ـ إنما يوجب صحة الغسل حين وقوعه على تقدير العلم بالرضا اللاحق لا مع الشك ، لأصالة عدم الرضا فيكون تجرؤاً مانعاً من صحة الغسل ، على ما هو التحقيق من إيجابه العقاب وإن تعقبه الرضا واقعا فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١‌

١٠٦

يستحق عوض حطبه [١] ، ولا يصير شريكا في الماء [٢] ، ولا صاحب حق فيه.

( مسألة ١٨ ) : الغسل في حوض المدرسة لغير أهله مشكل بل غير صحيح [٣] ، بل وكذا لأهله ، إلا إذا علم عموم الوقفية [٤] أو الإباحة.

( مسألة ١٩ ) : الماء الذي يسبلونه يشكل الوضوء والغسل منه [٥] إلا مع العلم بعموم الإذن.

( مسألة ٢٠ ) : الغسل بالمئزر الغصبي باطل [٦].

( مسألة ٢١ ) : ماء غسل المرأة من الجنابة والحيض والنفاس وكذا أجرة تسخينه إذا احتاج اليه ـ على زوجها على الأظهر [٧] لأنه يعد جزءاً من نفقتها.

______________________________________________________

[١] لأنه تالف فيستحق عوضه على متلفه.

[٢] لعدم الدليل على ذلك ، ومجرد تحقق الحرارة في الماء غير كاف في ذلك. ولا مجال لقياسه على صبغ الثوب بصبغ مغصوب ـ بناء على عدم جواز الصلاة فيه ـ لأن اللون أثر للصبغ عرفاً ، والحرارة ليست أثراً للحطب.

[٣] لما تقدم في المياه من عدم ثبوت إذن المالك ، والأصل عدمها.

[٤] سواء علم حقيقة أم تعبداً بقيام حجة عليه ، مثل إطلاق عبارة الوقف ، أو الإباحة ، أو ظهور يعول عليه عند العقلاء.

[٥] بل المنع متعين ، لما عرفت.

[٦] هذا إذا كان وصول الماء إلى البشرة موجباً للتصرف في المئزر أو متحداً معه ، وإلا فلا موجب للبطلان. وفرض الأول غير واضح.

[٧] كما قربه الشهيد في الذكرى ، وحكاه العلامة في المنتهى عن‌

١٠٧

( مسألة ٢٢ ) : إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غيره أو في حال الإحرام ارتماساً نسياناً لا يبطل صومه ولا غسله [١] ، وإن كان متعمداً بطلا معاً ، ولكن لا يبطل إحرامه [٢] وإن كان آثماً. وربما يقال : لو نوى الغسل حال الخروج من الماء صح غسله. وهو في صوم رمضان مشكل ، لحرمة إتيان المفطر فيه بعد البطلان أيضاً ، فخروجه من الماء أيضاً حرام [٣] كمكثه تحت الماء ، بل يمكن أن يقال : إن الارتماس فعل واحد مركب من الغمس والخروج [٤] فكله حرام ،

______________________________________________________

جماعة ، ونسب فيه الى بعض التفصيل بين فقر الزوجة فعلى الزوج وغنائها فعليها ، واختاره. وتوقف في الحدائق ، لعدم النص.

أقول : المنصوص بالخصوص من النفقة هو الإطعام والكسوة والسكنى والتعدي منها إلى غيرها ـ لإطلاق الأمر بالنفقة في الكتاب المجيد وغيره وللإجماع ـ إنما يكون بالإضافة الى ما يتعلق بالمعاش دون المعاد ، والمقام من الثاني. وكذا الكفارة للإفطار وغيره ، والضمان للإتلاف ، ونحوهما.

[١] أما الأول فلاختصاص مفطريته بحال العمد ، ومنه يتضح وجه الثاني. مضافاً الى أنه لو فرض كونه مفطراً واقعا كان معذوراً فيه لأجل النسيان ، فلا مانع من إمكان التقرب به ، كما أشرنا إليه مراراً. ومنه يظهر وجه بطلانهما معاً في حال العمد. هذا كله مبني على كون الارتماس من المفطرات ، وإلا فلا إشكال في عدم بطلان الغسل به عمدا.

[٢] لأن تحريم تغطية الرأس في الإحرام نفسي ، كغيره من محرمات الإحرام ، فلا يلزم من فعله الفساد.

[٣] فلا يمكن التقرب به.

[٤] بأن يكون المفطر ليس صرف طبيعة الارتماس الصادق على أول‌

١٠٨

وعليه يشكل في غير شهر رمضان أيضاً. نعم لو تاب ثمَّ خرج بقصد الغسل صح [١].

فصل في مستحبات غسل الجنابة

وهي أمور : ( أحدها ) : الاستبراء من المني [٢] ،

______________________________________________________

الارتماس الخارجي لا غير ، بل هو الوجود الخاص ، فيكون تمامه مفطراً واحداً. لكن فيه أن ذلك خلاف الإطلاق. وقد يقال : إن لازمه أن لو ارتمس في الجزء الأخير من النهار وبقي تحت الماء حتى دخل الليل فخرج لم يفطر ، إذ لم يقع منه الوجود الواحد في النهار. وهو كما ترى. وفيه : أنه إذا وقع بعض هذا الوجود في النهار فقد وقع المفطر فيه ، غاية الأمر أن تمامه يكون في الليل ، لا أن الوجود لم يقع في النهار ليتوجه الاشكال.

[١] حيث لا يقع الخروج منه مبعداً ، لمسبوقيته بالتوبة ، فكما أن التوبة اللاحقة توجب خروجه عن المبعدية كذلك السابقة ، وإن كان لا يخلو من إشكال يأتي في مبحث مكان المصلي.

فصل في مستحبات غسل الجنابة‌

[٢] كما هو مذهب أكثر علمائنا ـ كما عن التذكرة ـ والمشهور بين المتأخرين كما عن المدارك ، وفي الحدائق. للأمر به‌ في مصحح البزنطي : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن غسل الجنابة. فقال (ع) : تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك ، وتبول إن قدرت على البول ، ثمَّ تدخل .. » (١) ومضمر أحمد بن هلال : « سألته عن رجل اغتسل قبل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٦ وباب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

١٠٩

بالبول قبل الغسل [١].

______________________________________________________

أن يبول ، فكتب : إن الغسل بعد البول ، إلا أن يكون ناسياً » (١) المحمول على الاستحباب بعد امتناع حمله على الوجوب الغيري ، لظاهر الإجماع المحكي على صحة الغسل بدونه. والنصوص الدالة عليها كما سيأتي. وحمله على الوجوب التعبدي خلاف الظاهر جداً كما في أمثاله. ومنه يظهر ضعف ما عن جماعة من القدماء من القول بالوجوب ، واختاره في الحدائق اعتماداً على ظاهر الأمر المذكور الذي عرفت ما فيه ، ولا سيما مع تقييده بالقدرة وعدم النسيان الذي هو خلاف إطلاق كلمات القائلين بالوجوب. فتأمل.

ثمَّ إن المصرح به في كلام جماعة ـ بل نسب الى المشهور ـ اختصاص استحباب الاستبراء بالبول من المني ، كما قيده في المتن ، لأنه منصرف النصوص المتقدمة. ولاختصاص فائدته من إخراج أجزاء المني به. فلا يستحب لمن أجنب بالإيلاج ، وأورد عليه في محكي الذخيرة : بعموم الروايات وثبوت الفائدة لاحتمال أن ينزل ولم يطلع واحتبس شي‌ء في المجاري ، لكون الجماع مظنة الانزال. وهو كما ترى ، لما عرفت من الانصراف ، ولا سيما مع اشتمال الصحيح على‌ قوله (ع) : « ثمَّ اغسل ما أصابك منه .. » (٢) واحتمال الانزال خلاف المفروض. فتأمل.

[١] قد تقدم في آداب التخلي استحباب الاستبراء من البول. وأما استحبابه لأجل الغسل فلا دليل عليه ، وإن ذكره جماعة ، ما بين مقتصر عليه ، وذاكر له مع الاستبراء من المني ، ومقيد لاستحبابه بما إذا لم يتيسر الآخر. ولعل هذا المقدار كاف في الحكم باستحبابه ، ولا سيما بملاحظة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٢‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٦ وباب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

١١٠

( الثاني ) : غسل اليدين ثلاثاً [١] الى المرفقين [٢] أو الى نصف الذراع [٣] ، أو الى الزندين [٤]

______________________________________________________

ما عن الجعفي من إيجابه كالاستبراء من المني.

[١] لصحيح الحلبي عن الصادق (ع) : « كم يفرغ الرجل على يده اليمني قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال (ع) : واحدة من حدث البول واثنتان من حدث الغائط وثلاث من الجنابة » (١) ونحوه مرسل الفقيه‌ (٢). ورواية حريز‌ (٣).

[٢] ففي صحيح يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن (ع) : « يبدأ بغسل يديه الى المرفقين » (٤) وفي صحيح البزنطي المروي عن قرب الاسناد : « تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك » (٥). وفي صحيحه الآخر الذي رواه الشيخ : « تغسل يدك اليمني من المرفقين إلى أصابعك » (٦) والظاهر أن تثنية المرفقين سهو ، وقد ضرب عليها في النسخة المصححة من الوسائل. لكن عن الوافي : « في بعض النسخ : تغسل يديك ال المرفقين. وهو الصواب ».

[٣] ففي رواية يونس المتضمنة لغسل الميت : « اغسل يديه ثلاث مرات ـ كما يغتسل الإنسان من الجنابة ـ الى نصف الذراع » (٧).

[٤] ففي صحيح ابن مسلم : « تبدأ بكفيك فتغسلهما » (٨) ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الوضوء حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الوضوء حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الوضوء حديث : ٢‌

(٤) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٦‌

(٦) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٦ وباب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٧) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٨) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

١١١

من غير فرق بين الارتماس والترتيب [١]

______________________________________________________

موثق أبي بصير‌ (١). والجمع بين النصوص المذكورة يقتضي حملها على اختلاف مراتب الفضل. وفي الجواهر : « لو لا مخافة الخروج عن كلام الأصحاب لأمكن دعوى : أنه يتحصل من النصوص أن استحباب غسل الكفين إنما هو من حيث مباشرة ماء الغسل ، لمكان توهم النجاسة ، ولذا كان في بعضها أنه إن لم يكن أصاب كفه شي‌ء غمسها في الماء .. (٢) وأما الغسل من المرفق فهو مستحب من حيث الغسل فيكون كالمضمضة مثلا .. ». لكن لا يظهر وجه للفرق بين نصوص الكفين وغيرهما في ذلك ، لوحدة سياق الجميع. وما ذكر في بعضها ظاهر في سقوط غسل اليد مع العلم بالطهارة مطلقاً لا خصوص الكف ، فلا يصلح فارقاً بين النصوص. فالعمل بظاهر الجميع من استحباب غسل اليدين لأجل الغسل متعين. نعم لا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستحباب هو الاحتياط من جهة النجاسة. فلاحظ.

[١] كما عن العلامة (ره) لإطلاق بعض النصوص ، كصحاح زرارة‌ ومحمد بن مسلم‌ وحكم بن حكيم‌ (٣). وظاهر الشرائع الاختصاص بصورة الاغتسال بالاغتراف. وكأنه جمود منه على النصوص المتضمنة للأمر بغسلهما قبل غمسهما في الإناء ، أو إدخالهما فيه‌ (٤) ، مما لا إطلاق لها. لكنه غير ظاهر. ثمَّ إن الموجب لرفع اليد عن ظاهر الأمر بالغسل وحمله على الاستحباب هو الإجماع. مضافاً الى صحيح زرارة‌ المشار إليه في عبارة الجواهر المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٩‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة‌

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة‌

١١٢

( الثالث ) : المضمضة والاستنشاق [١] بعد غسل اليدين [٢] ثلاث مرات [٣] ويكفي مرة أيضاً ( الرابع ) : أن يكون ماؤه في الترتيبي بمقدار صاع [٤]

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن جماعة. للأمر بهما في صحيح زرارة‌ (١) ، وموثق أبي بصير‌ (٢) وغيرهما ، المحمول على الاستحباب ، جمعاً بينهما وبين ما دل على نفي الوجوب صريحاً ، معللا في بعضها بأنه لا يجنب الباطن‌ (٣). [٢] كما يقتضيه عطفهما بـ « ثمَّ » الدالة على الترتيب.

[٣] كما عن جماعة ، وليس لهم دليل ظاهر عدا ما‌ عن الرضوي : « ويروى : أن يتمضمض ويستنشق ثلاثاً. وروي : مرة تجزئه » (٤).

[٤] إجماعاً صريحاً وظاهرا ، حكاه جماعة ، للنصوص الدالة عليه ، كصحيح زرارة الحاكي لاغتسال النبي (ص) مع زوجته بخمسة أمداد : ثلاثة له ومدين لها المتضمن لقوله (ع) : « ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » (٥) المحمول على الاستحباب ، للإجماع. ولما دل على الاكتفاء بمجرد جريان الماء على البدن وإمساسه به‌ (٦) ، وأنه يكفي مثل الدهن‌ (٧) ، كما أن مقتضى صدره ـ بل وغيره أيضاً اختصاص ذلك بحال الانفراد ، وفي حال الاشتراك المستحب بثلاثة أمداد للرجل ومدين للمرأة. ولكنه خلاف إطلاق كلماتهم. اللهم إلا أن تكون محمولة على صورة الانفراد لا غير.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٩‌

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الجنابة‌

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١٥ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٥) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الجنابة حديث : ٤‌

(٦) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١ و ٢ و ٥‌

(٧) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

١١٣

وهو ستمائة وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال [١] ( الخامس ) : إمرار اليد على الأعضاء [٢] لزيادة الاستظهار [٣] ( السادس ) : تخليل الحاجب غير المانع [٤] لزيادة الاستظهار‌

______________________________________________________

[١] كما تقدم في الوضوء.

[٢] أما عدم وجوبه إذا لم يتوقف عليه وصول الماء إلى البشرة فعليه الإجماع عن جماعة ، كالشيخ والحلي والشهيد قدس‌سرهم. مضافاً الى ما دل على الاكتفاء بامساس البدن للماء وإجرائه عليه‌ (١) ، وما‌ ورد من أن نساء النبي (ص) إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن ، وذلك أن النبي (ص) أمرهن أن يصببن الماء صباً على أجسادهن (٢). وأما رجحانه فيدل عليه ـ مضافاً الى الإجماع ـ ما‌ في خبر ابن جعفر (ع) الوارد في الغسل بالمطر من قوله (ع) : « إلا أنه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ويمر يده على ما نالت من جسده » (٣) و‌خبر عمار : « ثمَّ تمر يدها على جسدها كله » (٤). ومنه يظهر الاختصاص بالترتيبي كما صرح به بعض.

[٣] بذا علله جماعة. لكنه ـ مع أنه لا دليل على استحباب زيادة الاستظهار شرعاً ـ غير مطرد في جميع الأعضاء ، كما هو ظاهر.

[٤] ذكره جماعة. وليس له دليل ظاهر إلا زيادة الاستظهار التي عرفت حالها. وما‌ في صحيح ابن مسلم الوارد في حكم الشعر من قوله (ع) : « فاما النساء الآن فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء » (٥) ، وما في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١ و ٢ و ٥‌

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١١‌

(٤) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

(٥) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

١١٤

( السابع ) : غسل كل من الأعضاء الثلاثة ثلاثاً [١] ( الثامن ) : التسمية [٢] « بأن يقول : بسم الله. والأولى أن يقول : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ( التاسع ) الدعاء المأثور في حال الاشتغال ، وهو : اللهم طهر قلبي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيراً لي ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين [٣] ،

______________________________________________________

مصحح جميل الوارد في ذلك أيضاً من قوله (ع) : « يبالغن في الغسل » (١). وفي استفادة ذلك منه تأمل ظاهر.

[١] لفتوى جماعة به. وأما الأمر بالصب على الرأس ثلاثاً ـ أو ثلاث مرات مل‌ء كفيه ، أو ثلاث أكف ، أو نحو ذلك‌ (٢) ـ فلا يدل على تثليث الغسل. مضافاً الى خلو تلك النصوص عن التعرض للجانبين ، أو التصريح بالمرتين فيهما.

[٢] كما عن جماعة. ولم يعرف لهم دليل. نعم‌ عن الرضوي : « وتذكر الله فإنه من ذكر الله على غسله وعند وضوئه فقد طهر جسده كله » (٣) و‌عن لب الألباب عن النبي (ص) : « إذا اغتسلتم فقولوا : بسم الله اللهم استرنا بسترك » (٤) ، وأما‌ صحيح زرارة : « إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين » (٥) ‌فغير ظاهر في المقام. وإطلاقه بنحو يشمله مشكل.

[٣] هذا الدعاء مذكور‌ في موثق عمار : « قال أبو عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ و ٤٠ من أبواب الجنابة حديث :

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام الجنابة حديث : ٤‌

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوضوء حديث : ٢‌

١١٥

أو يقول : اللهم طهر قلبي واشرح صدري ، وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك ، اللهم اجعله لي طهوراً وشفاء ونوراً ، ( إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ ) [١].

ولو قرأ هذا الدعاء بعد الفراغ أيضاً كان أولى [٢] ( العاشر ) : الموالاة [٣] والابتداء بالأعلى في كل من الأعضاء في الترتيبي [٤].

( مسألة ١ ) : يكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة ، على ما مر في الوضوء [٥].

______________________________________________________

إذا اغتسلت من الجنابة فقل : اللهم .. » (١) وظاهره استحبابه بعد الغسل لا في أثنائه. نعم‌ في مرسل ابن الحكم : « تقول في غسل الجنابة : اللهم طهر قلبي وزك عملي ، وتقبل سعيي ، واجعل ما عندك خيراً لي » (٢) وظاهره حال الاشتغال.

[١] هذا محكي عن الشهيد في النفلية (٣) ، لكن بزيادة « لي » بين « اشرح » و « صدري » ، وجعله مستحبا في أثناء كل غسل.

[٢] في محكي النفلية جعل المستحب بعد الفراغ ما‌ في مرسل ابن الحكم لكن بزيادة : « اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين » (٤).

[٣] كما عن جمع. وكأنه لعموم الأمر بالمسارعة والاستباق ، والكون على الطهارة ، فإنه يقتضي استحباب الموالاة فيه بعين اقتضائه المبادرة إليه.

[٤] كما يقتضيه الأمر بالصب على الرأس والمنكبين. فتأمل.

[٥] ومر وجهه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الجنابة حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

١١٦

( مسألة ٢ ) : الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطاً في صحته [١] ، وإنما فائدته عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمني ، فلو لم يستبرئ واغتسل وصلى ثمَّ خرج منه المني أو الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته ، ويجب عليه الغسل لما سيأتي.

______________________________________________________

[١] قطعا ، كما في المستند ، وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده بين أصحابنا » ، بل قد يظهر من بعضهم الإجماع عليه ، ويدل عليه النصوص الواردة في البلل الخارج بعد الغسل ، فإنها ما بين ناف للغسل ومثبت له لحدوث جنابة جديدة بالبلل ، كصحيح محمد بن مسلم : « قال أبو جعفر (ع) : من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ، ثمَّ وجد بللا فقد انتقض غسله ، وان كان بال ثمَّ اغتسل ثمَّ وجد بللا فليس ينقض غسله ، ولكن عليه الوضوء ، لأن البول لم يدع شيئاً » (١) ، فإن التعبير فيه بالانتقاض والتعليل في ذيله صريحان فيما ذكرنا.

نعم عن الحلي والمنتهى حكاية القول بوجوب إعادة الصلاة التي صلاها بالغسل قبل خروج البلل عن بعض أصحابنا ، لكنه غير معروف القائل. وربما يستدل له بما‌ في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء. قال (ع) : يغتسل ويعيد الصلاة ، إلا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله » (٢) وفيه عدم ظهوره في الصلاة قبل خروج البلل ، فمن المحتمل قريبا إرادة ما صلاها بعد خروجه ، فيجب حمله على ذلك جمعا.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ٦‌

١١٧

( مسألة ٣ ) : إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ثمَّ خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني ، فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنها مني [١] فيجب الغسل ،

______________________________________________________

[١] إجماعا في الجملة عن الشيخ والحلي والعلامة والشهيد والمحقق الثاني. ويدل عليه جملة من النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم المتقدم‌ ، و‌صحيح الحلبي : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل. قال (ع) : ليتوضأ ، وان لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل » (١) ونحوهما موثق سماعة‌ (٢) ، وخبر معاوية ابن ميسرة‌ (٣) ، ومصحح الحلبي‌ (٤) ، إلا أنه لم يتعرض في الأخير إلا لنفي الغسل على تقدير البول. وفي صحيح سليمان بن خالد : « عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء؟ قال (ع) : يعيد الغسل » (٥). نعم يعارضها‌ خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل أجنب ثمَّ اغتسل قبل أن يبول ، ثمَّ رأى شيئاً؟ قال (ع) : ليس ذلك الذي رأى شيئاً » (٦) ، ونحوه خبرا عبد الله بن هلال‌ وجميل‌ (٧) إلا أن مورد الأخير صورة نسيان البول ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ، ثمَّ يرى بعد الغسل شيئاً أيغتسل أيضاً؟ قال (ع) : لا ، قد تعصرت ونزل من الحبائل ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ٨‌

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ٩‌

(٤) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٠‌

(٦) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٤‌

(٧) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٣ و ١١‌

١١٨

______________________________________________________

وقد تقدم في نسيان الاستبراء ما‌ في مضمر أحمد بن هلال من قوله (ع) مكاتبة : « إن الغسل بعد البول ، إلا أن يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل » (١) إلا أن إعراض الأصحاب عنها مانع عن الاعتماد عليها. مع أن ظاهر الأخير شرطية البول للغسل فيجب تجديده إذا لم يبل ، وان لم يخرج منه شي‌ء.

نعم عن الصدوق انه ـ بعد روايته‌ صحيح الحلبي المتقدم ـ قال : « وروي في حديث آخر : إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل ، إنما ذلك من الحبائل (٢). قال مصنف هذا الكتاب : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثاني رخصة » (٣) ، وظاهره نفي وجوب الغسل. لكن المرسل أيضاً غير ثابت الحجية. واحتمال ـ أن يكون أراد به خبر جميل المتقدم الذي لا يخلو من اعتبار ـ يدفعه خلو خبر جميل من الأمر بالوضوء ، واشتمال المرسل عليه ، الذي ينافي الحكم فيه بأن البلل من الحبائل.

وعن ظاهر الاستبصار التفصيل بين ترك البول عمداً وتركه نسيانا ، فيعيد في الأول دون الثاني ، حملا للنصوص الاولى على العمد وللثانية على النسيان ، بشهادة خبري جميل وابن هلال. وفيه ـ مضافا الى ما عرفت فيها ـ ان التعليل في صحيح ابن مسلم‌ يأبى الحمل على العمد. كما ان التعليل‌ في خبر جميل المستفاد من قوله (ع) : « قد تعصرت ونزل من الحبائل » ، يأبى الحمل على النسيان. وخبر أحمد بن هلال‌ قد عرفت انه ظاهر في بطلان الغسل بدون البول من دون تعرض فيه للبلل.

ثمَّ إنه لا ينبغي التأمل في أن مورد النصوص المتقدمة هو البلل المشتبه لا المعلوم من بول أو غيره مع احتمال خروج المني معه ، بل يظهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٢‌

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٣) الفقيه ج : ١ باب صفة غسل الجنابة‌

١١٩

ومع الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بأنه بول فيوجب الوضوء [١] ومع عدم الأمرين [٢]

______________________________________________________

ـ من نفي غير واحد الإشكال في وجوب الوضوء لو علم كون الخارج بولا ـ الاتفاق عليه ، ويساعده التعبير في النصوص عن الخارج بـ « البلل » و « الشي‌ء » ونحو ذلك ، الظاهر في أنه مشتبه غير معلوم ، وحينئذ فلو بال بعد الغسل واحتمل خروج شي‌ء معه لم يجب الغسل. ولا ينافي ذلك ما‌ في صحيح ابن مسلم من قوله (ع) : « لأن البول لم يدع شيئاً » (١) لأنه في مقام بيان عدم الاعتناء باحتمال كون الخارج من المني المتخلف ، ولا يدل على أنه مهما احتمل خروج شي‌ء من المني مع البول وجب الغسل كما لعله ظاهر.

كما أن مقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق بين المشتبه من كل وجه وبين المردد بين البول والمني. وتخصيصها بالأول ـ كما قد يظهر من تمهيد القواعد ، حيث أطلق فيه الحكم بوجوب الغسل والوضوء لخروج المردد بين البول والمني ـ غير ظاهر. نعم لا بد من احتمال كونه منياً ، كما يظهر من صحيحي سليمان ومنصور الآتيين في المسألة السادسة ، وتوهم أن العلم الإجمالي بالتكليف لا يجوز الترخيص في بعض أطرافه ، مندفع بأن الحكم الظاهري بكون الخارج منيا موجب لانحلال العلم الإجمالي ، وخروجه عن الحجية.

[١] كما تقتضيه نصوص المقام الآمرة بالوضوء إذا كان الغسل بعد البول ، مضافا الى النصوص المتقدمة في فصل الاستبراء من البول.

[٢] الظاهر زيادة لفظ « عدم » لأنه إذا لم يستبرئ بالبول يجب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الجنابة حديث : ٧‌

١٢٠