مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

والشعبدة ،

______________________________________________________

بالتّأثير أو الشّركة مع أنّه مصرّح في الأخبار بالضّرر (١) ، فلا يكون الكراهة لمحض التعبّد. وأمثال ذلك في الشّرع كثيرة جدّا ، مثل الوطي في أوّل شهر رمضان ووسطه والمحاق والكسوف والرّياح وغير ذلك ، فالقول بتحريم ذلك الاعتقاد وكراهته غير ظاهر كما قاله في الدّروس.

إلّا أن يقال : الّذي علم من الشّرع لا بأس باعتقاده ، وإنّما البأس فيما لم يعلم له من الشّرع دليل ، بل بمجرد قول المنجم ، وذلك غير بعيد ، ولذلك ترى اجتناب المسلمين ـ عن هذه الأوقات الّتي عدّها المنجّمون ـ غير حسن.

وقد يفهم ـ من قوله تعالى ـ حكاية عن إبراهيم عليه السلام «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ، فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ» (٢) ـ الاعتبار بأمثال ذلك ، بل أكثر وإن أجاب عنه السيّد المرتضى في «التّنزيه» ولقد صنّف عليّ بن طاوس قدّس الله سرّه كتابا في تحقيق النّجوم وحلّيّة هذا العلم وجواز التّأثير ، واستدلّ عليها بالآيات ، والأخبار ، والاعتبار ، وردّ كلام من قال بتحريمه وكراهيّته ، فمن أراد التّفصيل فليرجع إليه.

وأمّا دليل كفر من يعتقد استقلال الفلكيّات في التّأثير في الأرضيّات ، وتحريم الاشتراك في التّأثير ، كأنّه الإجماع ، والعلم الضروري شرعا بأنّ الله تعالى هو المؤثّر في الأرضيّات ، ووجوب اعتقاد أنّه هو المستقل في التّأثير في الأرضيّات من غير مدخليّة شي‌ء.

وأمّا الشعبدة ، فقال فيه أيضا : هو الحركات الخفيفة (الخفية خ) جدّا الّتي باعتبارها يخفى على الحسّ ، ويعتقد أنّ الشي‌ء شبيهه (شبهه خ) لسرعة انتقاله إلى شبيهه (شبهه خ) وهو حرام بلا خلاف ، وكذا القيافة وكلّ ما يشاركها في هذا الباب مثل النّار نجيّات والسّيميا وغيرهما.

__________________

(١) يريد بالضرر حدوث ما يكرهه العاقد أو المسافر.

(٢) الصافات ، الإتيان : ٨٧ ـ ٨٨.

٨١

والقمار والغشّ بما يخفى ،

______________________________________________________

وقد مرّ ما يدلّ على تحريم القمار ، قال في المنتهى ، «القمار حرام بلا خلاف بين العلماء ، وكذا ما يؤخذ منه ، قال الله تعالى : «إِنَّمَا الْخَمْرُ ... الآية» (١) ـ إلى قوله ـ رجس فإنّ جميع أنواع القمار حرام ، من اللعب بالنّرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر ، واللّعب بالخاتم ، حتّى لعب الصّبيان بالجوز على ما تضمّنته الأحاديث ، ذهب إليه علماؤنا اجمع ، وقال الشّافعي : بجواز (يجوز خ) اللعب بالشّطرنج ، وقد قال أبو حنيفة بقولنا.

إلى آخره».

لعلّه يريد بقوله : «بلا خلاف» في تحريمه في الجملة ، لا جميع أنواعه.

قوله : «والغشّ بما يخفى» من المحرّم الغشّ بما يخفى ، أي مزج شي‌ء من غير جنس المبيع به ليستر به عيبه ، أو يجعله أكثر بحيث لا يكون ظاهرا بل كان خفيّا لا يعلمه المشتري غالبا ، كشوب اللّبن بالماء ، لا كمزج التّراب بالحنطة ، أو جيّدها برديّها ، فإنّ ذلك قيل : لا يحرم بل يكره لظهور العيب ، فيعلم بالنّظر فكأنّه يبيع غير الجيّد بثمن الجيّد مع علم المشتري وهو يشتري ، فلا حرج فيه.

ولعلّ الكراهة لأنّه تدليس في الجملة ، ولأنّه قد يغفل عنه المشتري لكثرة الجيّد ، وللأخبار :

مثل رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام : «أنّه سئل عن الطّعام يخلط بعضه ببعض ، وبعضه أجود من بعض ، قال : إذا رئيا جميعا فلا بأس ، ما لم يغطّ الجيّد الرّديّ» (٢) وفي حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال : «لا يصلح له ان يفعل ذلك يغش به المسلمين حتّى يبيّنه» (٣) في جواب سؤال من يريد خلط الجيّد

__________________

(١) المائدة ـ ٩٠ ـ ٩١ إلى قوله تعالى (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) كما ذكر الآيتين في المنتهى.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب أحكام العيوب ، الحديث (١).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب أحكام العيوب ، الحديث (٢) وتمام الحديث على ما في الوسائل (قال : سألته عن الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد سعرهما بشي‌ء (شتى خ ل) واحدهما

٨٢

وتدليس الماشطة

______________________________________________________

بالرّدي من الحنطة ، وكون ثمنه ثمن الجيّد.

والدّليل عليه : ما يعلم من المنتهى حيث قال : الغشّ بما يخفى حرام بلا خلاف ، روى الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «ليس منّا من غشّنا» (١) وفي الدلالة تأمّل.

وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لرجل يبيع التّمر : يا فلان! أما علمت أنّه ليس من المسلمين من غشّهم» (٢).

وعن السكونيّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يشاب اللّبن بالماء للبيع» (٣).

وعلى تقدير البيع ، هل يصحّ؟ الظّاهر : لا ، لأنّ الغرض من النّهي في مثله عدم صلاحيّة بيع مثله على أنّه غير مغشوش ، ولما مرّ. وقال في شرح الشّرائع : يصحّ ، فتأمّل.

قوله : «وتدليس الماشطة» المراد : تدليس المرأة الّتي تريد تزويج امرأة برجل ، أو بيع أمّة ، بأن يستر عيبها ، ويظهر ما يحسنها ، من تحمير وجهها ، ووصل شعرها ، مع عدم علم الزّوج والمشتري بذلك.

والظّاهر أنّه غير مخصوص بالماشطة ، بل لو فعلت المرأة بنفسها ذلك كذلك ، بل لو فعلته أوّلا لا للتّدليس ، ثمّ حصل في هذا الوقت المشتري أو الزّوج ، فإخفاؤه

__________________

خير (أجود ئل) فيخلطهما جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد ، فقال له : لا يصلح له ان يغش المسلمين حتى يبينه) وفي كا ـ يب ـ قيه هكذا (لا يصلح له ان يفعل ذلك يغش به المسلمين حتى يبينه).

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٨٦) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١).

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٨٦) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٢).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٨٦) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٤).

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مثل فعله.

ودليل التّحريم : كأنّه الإجماع ، وأنّه غشّ ، وهو حرام كما يدلّ عليه الأخبار وقد تقدّمت بعضها

ورواية ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «دخلت ماشطة على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لها : هل تركت عملك أو أقمت عليه قالت : يا رسول الله ، أنا أعمله ، إلّا أن تنهاني عنه فأنتهى عنه ، فقال : افعلي ، فإذا مشطت فلا تجلّي الوجه بالخرقة ، فإنّه يذهب بماء الوجه ولا تصلي الشّعر بالشّعر» (١).

وهي مع عدم الصّحة. ليست بظاهرة في صورة التّدليس ، ويمكن حملها على الكراهة ، ويؤيّدها : «فلا تجلي» ولما سيجي‌ء من جواز وصل الشّعر بالشّعر.

ورواية القاسم بن محمّد قال : «سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ، ليس لها معيشة غير ذلك وقد دخلها ضيق ، قال : لا بأس ، ولكن لا تصل الشّعر بالشعر» (٢).

وفيها منع الصّحّة والإضمار مع احتمال الكراهة ، وعدم الظّهور في مقام التّدليس.

وأمّا لو فعلت المزوّجة (المتزوجة خ) أو المشتراة فلا تحريم ، إلّا أنّه نقل عن البعض استيذان الزّوج في ذلك ، فكان المولى كذلك.

والأصل ، وتكليف الزّوجة بإزالة المنفّرات وبإظهار المحاسن ، يدلّ على

__________________

(١) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ١٩ ، الحديث ٢. وفي التهذيب : فلا تحكّي الوجه بالخزف (الخرق خ ل).

(٢) نفس الموضع والمصدر ، الحديث ٤ ، ولكن فيه : «عن القاسم بن محمد عن عليّ قال : سألته.».

٨٤

وتزيين الرّجل بالمحرّم

والرّشا في الحكم ، سواء حكم له أم (أو ـ خ ل) عليه ، بحق أو باطل ،

______________________________________________________

الإباحة بدون الشّرط.

ويدلّ عليه رواية سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام : «قال : (في حديث) لا بأس على المرأة بما تزنّيت به لزوجها ، قال : فقلت له : بلغنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لعن الواصلة والموصلة (الموصولة خ). فقال : ليس هناك ، إنّما لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله الواصلة الّتي تزني في شبابها ، فلمّا كبرت قادت النّساء إلى الرّجال فتلك الواصلة والموصلة (الموصولة خ) (١) وغيرها ممّا يدل على ترغيب المرأة للتزيين لزوجها.

«وتزيين الرّجل بالمحرم» كتزيينه بالذّهب والحرير إلّا ما استثني ، قيل : ومنه تزيينه بما يختصّ بالنّساء كلبس السّوار والخلخال والثياب المختصّة بها بحسب العادة ويختلف ذلك باختلاف الأزمان والبلاد ، وكذا العكس.

ولعلّ دليله الإجماع ، وأنّه نوع غشّ ، وهو محرّم.

والإجماع غير ظاهر فيما قيل ، وكذا كونه غشّا ، وهو ظاهر.

قوله : «والرّشا في الحكم الي آخره» تحريمه ظاهر ، سواء حكم على المأخوذ منه ، أوله ، بحقّ أو باطل ، قال في المنتهى : «هو سحت بلا خلاف وقد مضى ما يدلّ عليه من الأخبار ، وكان في بعضها : «وأمّا الرّشا فهو الكفر بالله» (٢) وهو في الرّوايتين ، ولا يخفى ما فيه من المبالغة.

والظّاهر أنّه إذا كان أخذ الحق موقوفا عليه يجوز الإعطاء ، لا الأخذ ، وهو ظاهر عقلا ونقلا.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٥ ، الحديث ١ و ٢ و ٨ و ١٢ و ١٦.

٨٥

والولاية من قبل الظّالم مع غلبة ظنّه بالقصور عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

وجوائزه المغصوبة فيعيدها لو أخذها على صاحبها أو وارثه ، فإن تعذّر تصدّق بها عنه.

______________________________________________________

ويمكن فهم الجواز من صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرّجل يرشو الرّجل الرّشوة على أن يتحوّل من منزله فيسكنه؟ قال :

لا بأس به» (١).

قوله : «والولاية من قبل الظّالم. الى آخره» الظّاهر أنّ المراد بالولاية السّلطنة والغلبة على بعض النّاس والبلاد ، أو كونه حاكما عليهم من قبله ، أو كونه عاملا له ووكيلا له ونائبا عنه.

وقد مرّ ما يدلّ على تحريمها من تحريم معاونة الظّالمين ، والدّليل عليه أكثر من أن يحصى (٢).

قوله : «وجوائزه المغصوبة. إلخ» دليله أيضا ظاهر ، وقد تقدّم ما يكفي في ذلك (٣).

نعم الظّاهر أنّه يجوز قبول ما لم يعلم كونه حراما على كراهيّة ، وان علم كونه حلالا فلا كراهة.

ولا يبعد قبول قوله في ذلك خصوصا مع القرائن ، بأن يقول : هذا من زراعتي أو من تجارتي ، أو أنّه اقترضت من فلان ، وغير ذلك ممّا علم حليّة ذلك من غير شبهة ، وقول وكيله المأمون حين يعطي ، وغير ذلك ، والظّاهر أنّ كونه زكاة كذلك ، ولا ينبغي

__________________

(١) المصدر السابق ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٨٥ ، الحديث ٢.

(٢) راجع الوسائل الباب ٤١. ٤٦ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة الباب (٥١) من أبواب ما يكتسب به ، فراجع.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ردّه لما مرّ. والظّاهر أنّه كذلك سائر الواجبات.

وإذا كان مشتبها محتملا للأمرين ، فالظّاهر أنّه مكروه (للشّبهة خ) ويمكن استحباب إخراج خمسه ، ومواساة الإخوان لتزول ، كما تدلّ عليه الرّوايات وكلمات الأصحاب.

قال في المنتهى : ولا بأس بمعاملة الظّالمين وإن كان مكروها ـ إلى قوله ـ وإنّما قلنا أنّه مكروه لاحتمال أن يكون ما أخذه ظلما ، فكان الأولى التّحرّز (التحري خ) عنه ، دفعا للشبهة المحتملة.

وقال أيضا : متى تمكّن الإنسان من ترك معاملة الظّالمين والامتناع من جوائزهم كان الأولى ذلك ، لما فيه من التنزّه.

وقال أيضا : ولو لم يعلم حراما جاز تناولها ، وإن كان المجيز لها ظالما. وينبغي أن يخرج الخمس من جوائز الظّالم ليطهر بذلك ماله ، لأنّ الخمس يطهّر المختلط بالحرام ، فيطهر ما لم يعلم فيه الحرام (به خ) بالأولى ، وينبغي أن يصل اخوانه من الباقي ، وينتفع هو بالباقي.

وأمّا الرّواية فمثل رواية عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال خ) : سئل عن عمل السّلطان يخرج فيه الرّجل؟ قال : لا ، إلّا ان لا يقدر على شي‌ء ، ولا يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» (١).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكر عنده رجل من هذه العصابة وقد ولي ولاية ، قال : كيف صنيعه إلى إخوانه؟ قال : قلت : ليس عنده خير ، قال فقال عليه السلام : أفّ! يدخلون فيما لا ينبغي لهم ولا يصنعون إلى

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤٨ ، الحديث ٣.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إخوانهم خيرا؟!» (١).

ولا شبهة في أنّ الاجتناب أولى ، وهو واضح عقلا ونقلا ، ولا يحتاج إلى البحث.

وعلى تقدير الأخذ يدلّ على مواساة الإخوان ما مضى ، ويكفي في ذلك ما تقدّم في خبر الحسن بن الحسين الأنباري (٢).

إلّا أنّه قد يخطر بالبال أنّه قد يكون الأخذ والقبول وصرفه في المحاويج أولى.

ويمكن الأولى منه جعله في المحاويج من المؤمنين باذن أهله من غير تصرّف.

ويمكن فهمه من الأخبار المتقدّمة من الاهتمام بحال المؤمنين ومواساتهم بعد الأخذ ، وأنّه ليس بحرام ، ويحصل به قضاء حوائج المؤمنين المحتاجين مثل سدّ خلّتهم وقضاء ديونهم وتزويج أراملهم ، بل يمكن أن يحصل الأذى للمعطي بالرّدّ ، فإذا كان مؤمنا يشكل الرّدّ إلّا أن يردّ به عن عمله ، أو أنّه قد حصل له الأذى ، يستأهل الارتكاب ما ارتكب.

ولكن يخطر بالبال أنّه لو كان ذلك حسنا لكان القبول له حسنا مع أنّه قد علم أولويّة الاجتناب ، وأيضا كما يكره للآخذ كذا يكره لغيره ، فكيف يجعله لهم.

إلّا أنّه قد يقال : الأخذ لنفسه يكون مكروها ، لا لغيره ، وإلّا يلزم كراهة قضاء حوائج الإخوان في مثل هذا الزّمان لأنّ أكثر حوائجهم إلى الحكّام ، للجوائز ، إمّا تبرّعا أو اجرة حجّ ونحوه ، وإن خلى ذلك من التّحريم فقليلا ما يسلم من الشّبهة ، إلّا ان يكونوا مضطرّين ولا يعلموا به.

فيمكن حمل قبول الحسنين عليهما السلام ما أعطاهم معاوية ـ لعنه الله في

__________________

(١) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤٦ ، الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

٨٨

(الخامس) : ما يجب فعله ، (ما يحرم الأجرة عليه ـ خ ل) كتغسيل الأموات

______________________________________________________

الدّنيا والآخرة ـ على العلم بأنّه من المباح ، بأن يكون من خاصّة ماله لعنه الله ، أو كونه ممّا لهم عليهم السلام ، مثل كونه من فيئهم ومن غلّة أراضيهم عليهم السلام من فدك وغيره ، ولصرفهم في المحاويج ، وإنّه بعد الخمس والمواساة تزول الكراهة ، أو أمرا بأخذه المحاويج ممّن ينسب إليهما ، أو على الضّرورة.

ويمكن أنّهما أخذا ففعلا ذلك. هذا على تقدير خلوّ أفعالهم عليهم السلام عن المكروه ، على أنّه يجوز فعلهم ذلك ، إلّا أنّ المناسب مع وجود غرض ، وقد يكون الغرض هنا إظهار إباحة أخذ مال الظّالمين ما لم يعلم تحريمه ، وغير ذلك.

قوله : «الخامس ما يجب فعله إلخ» الظّاهر أنّه لا خلاف في عدم جواز أخذ الأجرة على فعل واجب على الأجير ، سواء كان عينيّا ، أم كفائيّا ، فكأنّ الإجماع دليله.

وأيضا إنّه لما استحقّ فعله لله لغير غرض أخر ، يحرم عليه فعله لذلك الغرض ويحرم الأجر عليه.

هذا ظاهر!.

ولكن يرد عليه إشكال ، وهو : أنّ أكثر الصّناعات واجب كفائيّ على ما صرّحوا ، فيلزم عدم جواز الأجر ، وكذا يحرم على الطّبيب أخذ الأجر لوجوب الطّبابة كفائيّا كالفقه ، بل يلزم عدم جواز أخذ الأجرة لعمله الّذي يعمله لضرورة نفسه ، أو دفعها عن غيره ، أو لتحصيل النّفقة الواجبة ، وغير ذلك.

فالتّحقيق بحيث يستحقّ ببعضه الأجرة دون البعض يحتاج إلى التّأمّل والدّليل.

ويمكن أن يقال : بعضها خارج بنصّ أو إجماع ، فكلّ ما دلّ عليه أحدهما يخرج ، ويبقى الباقي تحت التّحريم.

٨٩

وتكفينهم ودفنهم ،

______________________________________________________

وأن يقال أيضا : فعل الواجب إذا لم يكن الإتيان به إلّا على الوجه الّذي يجب مثل أن لا يرتفع المرض إلّا بعلاج الطّبيب ، ولا يحصل السّتر إلّا بأن يحوك الحائك وغير ذلك ، لا يجوز له الأجر لوجوبه عليه ، وإلّا فلا ، فإنّه قد يكون هذا المرض يرتفع بنفسه بغير علاج ، أو بعلاج آخر غير هذا العلاج الذي يفعله الطبيب ، ويمكن الستر بغير ما يحوكه الحائك بأن يفعله بغير المحوك ، وغير ذلك.

وأمّا دفع الضّرر ، فوجوب الكسب بالأجرة به لدفعه ، فلا معنى لعدم جواز أخذ الأجرة حينئذ لوجوبه ، فتأمّل.

هذا! بخلاف العبادات الّتي يحرم أخذ الأجرة (الأجر خ) عليها مثل التّغسيل ، فإنّه لا يمكن الخروج عن العهدة إلّا بالغسل الّذي أخذ أجرته.

ويمكن التّخصيص بالعبادات الواجبة الّتي لا يمكن ان تقع مقبولة عند الله إلّا بالنّيّة والإخلاص ، ولا يخرج عن العهدة إلّا بها ، مثل الصّلاة والغسل ، ويشكل بالدّفن والحمل وغير ذلك.

إلّا ان يقال : هنا أيضا ما خرج عن العهدة ، لعدم حصول الثّواب وذلك بعيد ، مع أنّه يجري في أكثر الواجبات ، فتأمّل.

ونقل عن السّيّد المرتضى ـ ره ـ جواز الأجرة على مثل التّكفين والدّفن لأنّه واجب على الولي ، ولا يجوز لغيره إلّا بأذنه. ومنع ذلك ـ بعد تسليم عدم الجواز إلّا بإذن الوليّ بأنّ الواجب الكفائي لا يختصّ بالوليّ ، وإنّما فائدة الولاية توقّف الفعل على إذنه ـ بعيد ، لأنّه ما يريد السّيّد من عدم الوجوب إلّا عدم جواز الفعل فإنّه إذا لم يكن جائزا فعله فلا يكون واجبا فيمكن الأجر.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّه إذا أذن الوليّ يجب عليه ، فلا يستحقّ الأجرة ، لما تقدّم ، فتأمّل.

والمشهور أنّه يجوز أخذ الأجرة على الزّائد علي الواجب مثل زيادة الحفر على

٩٠

وكذا أخذ الأجرة على الأذان والصلاة بالناس

______________________________________________________

ما يستر ريحه ويحفظه عن السّباع ، بمقدار التّرقوة ، وعلى المندوبات ، كنقله إلى المشاهد المشرّفة ، (الشريفة خ) وعلى تثليث الغسلات ، قيل : وكتكفينه بالمستحبّ أيضا وقطع الأكفان ، أيضا ووضوؤه (١) على القول باستحبابه ، وغسل فرجه بالحرض ، وغسل يديه ، لعموم أدلّة جواز الأجرة على مطلق الأعمال ، والأصل من غير وجود مانع.

وقيل : بالمنع ، ووجهه غير ظاهر ، لعلّه : انّه عبادة ، وهي تنافي الأجرة ، ومنعه ظاهر : ألا ترى جواز (٢) الأجرة على الحجّ وسائر العبادات بالإجماع والأدلّة؟.

قيل : لإطلاق النّهي ، وما رأيت النّهي ، ولكن يؤيّده عدم جواز أخذ الأجرة على بعض المندوبات مثل الأذان. والأحوط : التّرك.

قوله : «وكذا أخذ الأجرة إلخ» تحريم أخذ الأجرة على الأذان هو المشهور ، ودليله خبر زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام : «أنّه أتاه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لأحبّك لله ، فقال له : ولكنّي أبغضك لله ، قال : ولم؟ قال : لأنّك تبغي في (على خ) الأذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا» (٣) (أجرا).

تنازع فيه. (تبغي) : (تأخذ).

والشّهرة ليست بحجّة ، والخبر ليس بصحيح لكون عمرو بن خالد تبريّا (٤) ،

__________________

(١) في بعض النسخ (وقطع الأكفان وأيضا وضوئه).

(٢) في بعض النسخ (جواز أخذ الأجرة).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٣٠) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١).

(٤) قال الكشي (في الرقم ٤٢٢ من اختيار معرفة الرجال) : والبترية أصحاب كثير النواء والحسن بن صالح بن حي وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبي المقدام ثابت الحداد. وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهما إمامتهما ، وينتقصون عثمان وطلحة والزبير. ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب ، يذهبون في ذلك الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي عليه السلام عند خروجه ، الإمامة. رجال الكشي ص ١٥٢ طبع بمبئى.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولمجهوليّة الحسين بن علوان (١).

ويحتمل الكراهة ، ولهذا قيل بكراهة الأجرة على تعليم القرآن مع وجودها فيه ، ويبعد كون أحدهما مكروها ، والآخر حراما.

والأصل ، وجواز أخذ الأجرة في المندوبات يؤيّد عدم التّحريم ، كما هو مذهب السّيّد السّند حيث جعل التّسوية بينه وبين الارتزاق.

ثمّ إن الظّاهر عدم الخلاف في جواز أخذ الرزق من بيت المال وما أعدّ للمصالح من الخراج والمقاسمة ، لكن بإذن الإمام عليه السلام أو نائبه.

والظّاهر أيضا جواز أخذ ما وقف أو نذر للمؤذّنين ، أو جعل لهم تبرّعا ، لأنّ للمالك أن يفعل في ماله ما يشاء ، ويعيّن له جهة فيتعيّن ويحل.

والظّاهر أنّه لا يحرم أخذ ذلك وإن قصد بالأذان ذلك ، والفرق بينه وبين الأجرة ظاهر.

والظّاهر أنّ الفرق بينه وبين الرزق أنّ الرزق يؤخذ للاحتياج ، كما يأخذه سائر النّاس ، فإنّه لو لم يؤذّن ـ أيضا ـ لكان يأخذ من بيت المال رزقه وما يحتاج إليه بخلاف الأجرة.

قيل : إنّ الفرق بينهما أنّ الأجرة تفتقر إلى تقدير العمل والعوض وضبط المدّة والصيغة الخاصّة بخلاف الارتزاق فإنّه منوط بنظر الحاكم ، ولا يتقدر بتقدير ، ومحلّه بيت المال ، وما أعدّ للمصالح من خراج الأرض ومقاسمتها.

هذا يشعر بأنّ كلّما لم يشتمل على القيود المذكورة في الأجرة لا يكون حراما ، ويكون ارتزاقا ، وأنّها لا تكون عن بيت المال.

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن المنبه عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي).

٩٢

والقضاء

______________________________________________________

وفيه تأمّل : لأنّ الظّاهر أنّ المراد من الأجر هاهنا ما يؤخذ من غير ما ذكرناه لفعله الأذان ، بحيث لو لم يكن ، لم يفعل ، بأن قيل له : نعطيك كذا وكذا لتؤذّن ، وهو يؤذّن لذلك ، سواء عيّن المدّة والأجرة بحيث لا يقبل الزّيادة والنقيصة أصلا ، أم لا ، وسواء وقع الصيغة المخصوصة العربيّة أم لا ، وسواء كان من بيت المال أو غيره ، ومن شخص معيّن أو قرية أو بلد أم لا.

لأنّ الظّاهر أنّه يسمّى ذلك أجرا حينئذ فيشمله دليله.

ولأنّ المتبادر من الأجر في أمثال هذا المقام ذلك.

ولأنّ الظّاهر أنّ الحكم هنا لا يتغيّر بالصيغة والتّعيين وعدمهما ، بل بالشّرط والقصد مع عدم تعيّنه في نفس الأمر للمؤذّنين ، وعدم حصوله إلّا بالأذان ، وعدمهما (١) ، فتأمّل.

وكذا البحث في الصلاة مع الناس ، مع عدم ورود نصّ هنا على ما رأيت.

وأمّا الأجر على القضاء والحكم بين المتحاكمين فالظّاهر تحريمه مطلقا ، سواء كان القضاء متعيّنا عليه أم لا ، وسواء كان بين المتحاكمين أم لا ، للأخبار الدّالّة (٢) على أنّه رشوة وهي كفر بالله ، ولأنّه واجب ، إمّا كفائيّا أو عينيّا ، ولا أجرة على الواجب ، لثبوت استحقاق العمل لأمر الشارع كما مر.

وقيل : بالجواز على تقدير الاحتياج ، وقيل : مطلقا ، وقيل : بعدمه على تقدير تعيين القضاء عليه إمّا بتعيين الإمام عليه السلام أم لعدم غيره ، والأوّل أظهر ، كما هو رأي المصنّف.

__________________

(١) وعدمها خ.

(٢) راجع الوسائل ، ج ١٢ ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٥. والجزء ١٨ ، كتاب القضاء ، أبواب آداب القاضي ، الباب ٨.

٩٣

ولا بأس بالرزق من بيت المال على الأذان والقضاء مع الحاجة وعدم التعيين. والأجرة على عقد النكاح

والرّزق من بيت المال للقاسم

______________________________________________________

ولا شك في جواز الارتزاق من بيت المال على الكلّ ، مع الحاجة الّتي هي شرط الأخذ من بيت المال الّذي هو للمصالح.

والظّاهر أنّ المراد بالحاجة هي المتعارفة وعلى حسب العادة ، لا الضرورة الّتي لا يعيش بدونها. والظاهر أن ذلك هو مراد المصنف ، فلو زاد الصلاة بالناس بعد الأذان لكان اولى (١). والظاهر أنّ قوله : «مع الحاجة» قيد للأذان أيضا ، فتأمّل.

قوله : «والأجرة. إلخ» عطف على الرّزق ، أي : لا بأس بالأجرة على عقد النّكاح ، قيل : المراد إيقاع العقد بالصّيغة المعتبرة بطريق التّوكيل من الجانبين لا إلقاء الصّيغة وتعليمها فإنّه واجب لا يجوز أخذ الأجرة عليه. ولا بأس به.

قوله : «والرّزق. إلخ» مفهومه تحريم الأجرة ، ومنطوقه جواز الارتزاق (٢) من بيت المال للقاسم الّذي عيّنه الحاكم لقسمة المواريث وغيرها ، وكاتب القاضي والمترجم له ، وصاحب ديوان القضاء ، والعسكر ، والكيّال والوزّان للنّاس ، والّذي يعلّم القرآن والعلوم الأدبيّة العربيّة لأطفال المسلمين ، لأنّ كلّ ذلك من مصالح المسلمين وواجب كفاية على النّاس أو عينا ، فلا يجوز الأجر ، ويجوز الارتزاق

__________________

(١) يعني لو قال المصنف قدس سره : ولا بأس بالرزق من بيت المال على الأذان والصلاة بالناس والقضاء مع الحاجة إلخ ، لكان أولى.

(٢) يعني ان الحكم بجواز الارتزاق منطوقا ، يفهم منه عدم جواز أخذ الأجرة مفهوما.

٩٤

وكاتب القاضي ، والمترجم ، وصاحب الدّيوان ، ومن يكيل للنّاس ويزن ويعلّم (وتعليم ـ خ ل) القرآن والأدب.

وبيع كلب الحائط والماشية والزرع والصّيد وإجارتها.

______________________________________________________

وفي الوجوب وتحريم الأجرة تأمّل ، خصوصا في تعليم العلوم الأدبية ، إلّا أن يكون ممّا يتوقّف عليه الواجب مثل الاجتهاد ونحوه ، وقد مضى البحث في تعليم القرآن.

والظّاهر أنّ الكيل والوزن أيضا واجب على البائع ، وشرط لصحّة البيع ، فالوجوب على غيره غير معلوم ، والأصل يقتضي العدم وجواز الأجرة كما هو المتعارف بين المسلمين.

ويمكن ان يقال : بعدم فهم التحريم ، (١) فإنّه مفهوم بعيد لا يعتبر ، نعم يدلّ على جواز الارتزاق لهم من بيت المال ، وذلك غير بعيد ، لأنّ كلّ ذلك من المصالح العامّة للمسلمين ، وإن كان البائع يقدر عليهما (٢).

قوله : «وبيع كلب الحائط إلخ» عطف على الرّزق ، أي : لا بأس ببيع كلب الحائط الّذي يحفظ البساتين ، والكلب الّذي يحفظ الماشية ـ مثل الغنم ـ من الذئب ، والكلب الّذي يحفظ الزّرع من السّرّاق والخنازير ، وكلب الصّيد ، وبالجملة : لا بأس ببيع جميع الكلاب الّتي لها نفع مقصود محلّل.

وكذا لا بأس بإجارتها لأنّها عين لها نفع محلّل مقصود فيجوز بيعها وإجارتها كسائر المباحات ، وللأصل ، ولأنّه لا خلاف عندنا في جواز بيع كلاب الصيد ، ولأنّه قد استثني في الخبر (٣) وكذا غيرها للاشتراك في النّفع ،.

وما ورد من النّهي فمحمول على كلاب لا نفع فيها والكلب العقور ، مثل

__________________

(١) المذكور آنفا.

(٢) اي على الكيل والوزن.

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٤) من أبواب ما يكتسب به ، فراجع.

٩٥

والولاية من قبل العادل ، ومن الجائر مع علمه بالقيام بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، أو بدونه مع الإكراه.

______________________________________________________

ما تقدّم : «السّحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب» (١).

ورواية مسمع بن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثمن الكلب الّذي لا يصيد؟ فقال : سحت ، وأمّا الصّيود فلا بأس» (٢).

وتأوّل بأن يراد ما يصيد ونحوه مما له نفع (٣) ، وهو بعيد ، إلّا أن الأصل دليل قويّ ، وخبر المنع غير صحيح ، ولعلّ في الأخبار إشارة إلى جواز بيع الكلاب الأربعة.

قوله : «والولاية من قبل العادل إلخ» أي : لا بأس بقبول الولاية من قبل الإمام عليه السلام ، وذلك ظاهر ، وقد يكون واجبا إذا أمر عليه السلام به ، أو يكون منحصرا في ذلك الشّخص. وقيل يستحبّ الطّلب ، وبيان أنّه يصلح لذلك الأمر عنده عليه السلام.

وأمّا من قبل الجائر فمع العلم ـ ويحتمل مع الظّنّ القويّ أيضا ـ بالأحكام وبالقيام بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وباجتناب المعاصي بأسرها ، فلا شكّ في أنّه لا بأس به ، بل هو واجب كفاية ، ومستحبّ عينا مع وجود غيره وبدون أمره عليه السلام بخصوصه ، ومع عدم الغير أو تعيين الإمام واجب عينا ، وإلّا فلا يجوز بالإجماع والأخبار (٤) ، بل بالكتاب والعقل أيضا ، إلّا مع الإكراه.

فيجوز بل قد يجب قبولها للتقيّة لما مر ، ويفعل ما يأمره ويلجئه إليه ، ويراعي

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٥) من أبواب ما يكتسب به ، قطعة من حديث (٥).

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٤) من أبواب ما يكتسب به الحديث (١).

(٣) يعني ان الصيود الذي ورد في الحديث كناية عن مطلق الكلب الذي له نفع ، فيشمل غير كلب الصيد من الكلاب الأربعة.

(٤) لاحظ الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٤٥) من أبواب ما يكتسب به.

٩٦

وما يأخذه السّلطان الجائر باسم المقاسمة من الغلّات ، والخراج عن الأرض ، والزّكاة من الأنعام ، وإن علم المالك

______________________________________________________

ـ مهما أمكن الحق وعدم التّجاوز عن الشّريعة الحقّة ، وإن ألجأه إلى الحكم بغيرها يفعله ويحكم ويأخذ في جميع الأمور ، إلّا القتل ، فإنّه لا تقيّة في الدّماء ، وقد مرّ (١) دليل المنع والجواز ، وهو العقل والنّقل من الإجماع والكتاب والسّنّة ، ويجب الاحتياط في ارتكاب الأسهل ، فلا يحكم لمجرّد حفظ مال قليل وضرر يسير على أموال المسلمين وفروجهم ، واعراضهم ، وضربهم وشتمهم ، بل يراعي فيه الأسهل فالأسهل ، والله المعين.

قوله : «وما يأخذه السلطان الجائر إلخ» أي : لا بأس بذلك كلّه.

اعلم أنّ الخراج والمقاسمة هما المقدار المعيّن من المال بمنزلة الأجرة في الأرض الخراجيّة ـ أي المعمورة المفتوحة عنوة بإذن النبيّ أو الإمام على المشهور ـ أو المأخوذة بالصّلح ، بأن تكون الأرض للمسلمين ولهم السّكنى ، وهي لمصالح المسلمين والأمر فيها إليهم صلوات الله عليهم.

والمقاسمة : الحصّة المعيّنة من حاصل تلك الأرض مثل العشر ، والخراج : المال المضروب عليها غالبا ، فلا يضرّ إطلاق الخراج على المقاسمة ، كما ورد في بعض الرّوايات (٢) والعبارات.

والأمر في ذلك هيّن ، فإنّ المقصود ظاهر ، لأنّ المراد منهما ومن الطّسق والقبالة واحد ، وهو ما يؤخذ من الأرض المذكورة بمنزلة الأجرة.

وإنّما الإشكال في الإباحة وعدمها حال الغيبة ، إذ حين الحضور الأمر واضح والآمر (٣) ظاهر فإنه معصوم يفعل ما يريد.

__________________

(١) عند شرح قول المصنف (ومعونة الظالمين بالحرام).

(٢) لاحظ الوسائل ج ١٣ كتاب المزارعة والمساقاة ، أبواب (١٧ و ١٨ و ١٩).

(٣) في بعض النسخ الخطية (والآمر طاهر) بالطاء المهملة (معصوم يفعل ما يريد).

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا في تحقيق الأرض الّتي يؤخذ منها ذلك حينئذ ، إذ لم يعلم تحقّق المفتوحة عنوة بعده صلّى الله عليه وآله على التّحقيق ، وإن علم ، ما يعلم المعمورة في ذلك الزّمان ، وإن علم ، لم يعلم كون الفتح بإذنهم صلوات الله عليهم.

نعم ادّعي في أكثر الأراضي ذلك ، خصوصا في أرض العراق ، فإنّ في الرّواية الصحيحة ما يدلّ على كونها مفتوحة وأنّها للمسلمين ولا يجوز شراؤها.

مثل صحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السّواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ، فقلنا : الشراء من الدّهاقين؟ قال : لا يصلح إلّا أن يشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين» (١) الحديث.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن سيرة الإمام في الأرض الّتي فتحت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق سيرة فهي إمام لسائر الأرضين ، وقال : إنّ أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية ، وإنّما الجزية عطاء المهاجرين» (٢) الحديث.

ودلالتها على ثبوت المفتوحة عنوة غير العراق بحيث يكون بإذن الإمام عليه السلام غير ظاهر ، فتأمّل.

فمنع الشّيخ من ذلك ـ كما يفهم مما نقل من المبسوط ، لاشتراط الفتح بإذن الإمام للرّواية (٣) الدّالّة علي أنّ غير المأذون من المفتوحة عنوة في‌ء للإمام وليس في‌ء للمسلمين ـ بعيد ، لصحة هذه الرّوايات وضعف تلك وإن كانت موافقة للشهرة ،

__________________

(١) الوسائل ج (١٧) أبواب إحياء الموات ، الباب (١٨) الحديث (١).

(٢) الوسائل ـ كتاب الجهاد ـ أبواب جهاد العدو ـ الباب ٦٩ ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ج ٦ كتاب الخمس ، الباب (١) من أبواب الأنفال الحديث (١٦).

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولاحتمال حصول الأذن كما نقل من استيذان عمر أمير المؤمنين عليه السلام في فتح العراق.

وبالجملة : الظّاهر كون العراق مفتوحة ، ولكن تعيين ارض منها بأنّها كانت معمورة في ذلك الزّمان محلّ التّأمّل.

وأمّا حليّتهما ـ كما هو ظاهر أكثر العبارات ، لكل أحد ، مستحقا لذلك كالمصالح أم لا ، قليلا كان أو كثيرا بشرط عدم التّجاوز عن العادة التي تقتضي كونهما أجرة بإذن الجائر مطلقا ، سواء كان مخالفا أو موافقا ، قبضهما أم لا ، وعدمها بدون اذنه مع كونه جائرا وظالما في الأخذ والأذن ، وعدم إباحتهما مع وجوب الدّفع إليه وإلى من يأمره وعدم جواز كتمان الرّعيّة والسّرقة منهما بوجه من الوجوه ، مع كونهما أجرة للأرض ، ومنوطة برأي الإمام وبرضى الرّعية للأصل كما هو في الإجارات.

فهي بعيدة جدّا.

يدل على العدم : العقل والنقل والأصل ، ولا دليل عليها ، مع الإشكال في تحققها وثبوتها في نفسها ، ثم العلم بها ، ثم ثبوتها بالنقل وحجيّته ، وما ادّعي ولا نقل أيضا الإجماع صريحا.

بل قيل : إنّه اتّفاق ، ونقل عبارات البعض في الرّسالة المدوّنة لهذه المسئلة بخصوصها مع كثرة الاهتمام بتحقيقها وإثبات الإباحة فيها ، ثم قال : «فهو إجماع».

وفيه ما فيه ، لعدم ثبوت الإجماع بعبارات البعض ، مع خلوّ البعض عنه ، ولهذا ترى بعض العبارات خالية عن هذه.

وقد ذكر اباحة الشّراء فقط مثل عبارة نهاية الشيخ على ما نقل في هذه الرسالة ويظهر من شرح الشرائع أيضا دعوى الإجماع في الجملة ، فالسماع منهما مشكل.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ادّعى فيهما دلالة الأخبار المتظافرة عليه ، وما عرفتها ، وما فهمتها من خبر واحد ، وكأنّه لذلك ما ادّعى في المنتهى ، بل استدلّ على ذلك بالضرورة ودفع الحرج ، وإثبات مثله بمثله بعيد ، كما ترى.

ومما استدل عليه في الرسالة المنفردة من الأخبار صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : «قال لي أبو الحسن موسى عليه السلام : مالك لا تدخل مع عليّ في شراء الطّعام ، إنّي أظنّك ضيّقا؟ قال قلت : نعم ، فإن شئت وسّعت عليّ ، قال : اشتره» (١).

وما فهمت منها الدلالة على حلّ الخراج والمقاسمة ، بشي‌ء من الدّلالات عقليّة وعرفيّة بوجه من الوجوه ، ولا على شرائهما ، إلّا أن يعلم أنّ الطّعام الّذي جوّز شراءه كان من الخراج.

وكذا دلالتها على جواز شراء ما أخذه الظّالم باسم الزكاة ، وكأنّه لذلك ما ذكرها العلّامة في المنتهى دليلا عليهما.

وصحيحة جميل بن صالح قال : «أرادوا بيع تمر «عين أبي زياد» فأردت أن أشتريه ، ثم قلت : حتى أستأذن أبا عبد الله عليه السلام ، فأمرت (فأردت خ ل يب) مصادفا فسأله فقال : قل له : فليشتريه ، فإن لم يشتره اشتراه غيره» (٢).

وهذه في الدّلالة وعدمها كالأولى.

واستدلّ المصنّف في المنتهى بها على جواز بيع المقاسمة والزّكاة.

وقال ع ل (٣) في الرّسالة المنفردة احتج بذلك في المنتهى على حلّها ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٥٢ ، الحديث ١.

(٢) المصدر نفسه والموضع نفسه الباب ٥٣ ، الحديث ١.

(٣) اي الشيخ علي بن عبد العالي الشهير بالمحقق الكركي في رسالة قاطعة اللجاج في حل الخراج.

١٠٠