مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر أنّ مراده إذا أردت الشراء ، كما (إذا قرأت).

كما يظهر من مضمون الدعاء ومن الرواية السابقة في تقديم الاستخارة بالدعاء (١) ، وهو مذكور في كتب الأدعية أيضا مثل صحيفة علي بن الحسين عليهما السلام (٢).

ومن صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أردت أن تشتري شيئا ، فقل : يا حي يا قيوم يا دائم يا رؤف يا رحيم أسألك بعزتك وقدرتك وما أحاط به علمك ان تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا وأوسعها فضلا وخيرها عاقبة فإنه لا خير فيما لا عاقبة له (٣).

قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : إذا اشتريت دابة أو رأسا فقل : اللهم ارزقني أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة (٤).

وكذا الدعاء عند دخول السوق كثيرة.

روى في الفقيه في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من دخل سوقا أو مسجد جماعة فقال مرة واحدة : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله عدلت (له خ) حجة مبرورة (٥).

وكان الرضا عليه السلام يكتب على المتاع : بركة لنا (٦).

__________________

(١) إشارة الى ما نقله عن المنتهى من قوله قده قال في المنتهى : قدموا الاستخارة ، معناه إلخ

(٢) الصحيفة السجادية الدعاء الثالث والثلاثون.

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٠) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٤).

(٤) المصدر ، الحديث (٥) وفيه كما في الكافي أيضا : اقدر لي ، بدل ، ارزقني.

(٥) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (١٨) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٣).

(٦) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٠) من أبواب آداب التجارة ، ذيل حديث (٢).

١٢١

وقبض الناقص وإعطاء الراجح

______________________________________________________

قوله : «وقبض الناقص إلخ» دليل استحبابهما الاعتبار الواضح. ومعلوم عدم جواز الأخذ من العقل والنقل إلا بإذن مالكه.

ويدل على الاستحباب الروايات أيضا ، مثل رواية حماد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان (١).

ورواية إسحاق بن عمار قال : قال : من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافيا لم يأخذه إلا راجحا ، ومن اعطى فنوى ان يعطي سواء لم يعط الا ناقصا (٢).

ورواية عبيد بن إسحاق قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : اني صاحب نخل فخبرني بحد انتهى اليه من الوفاء؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : انو الوفاء فان اتى على يدك وقد نويت الوفاء نقصان كنت من أهل الوفاء ، وان نويت النقصان ثم أوفيت كنت من أهل النقصان (٣).

ولا يخفى الدلالة على الاستحبابين ، وعلى المبالغة في ان مدار الأمور على القصد والنية.

ويدل على استحباب الراجح رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : مرّ أمير المؤمنين عليه السلام على جارية قد اشترت لحما من قصاب ، وهي تقول : زدني فقال له أمير المؤمنين عليه السلام زدها فإنه أعظم للبركة (٤).

ويمكن فهم ترجيح جانب البائع على تقدير المشاحة ، في العمل بالمستحب ، إذ أمره عليه السلام دونها.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٧) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٣).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٧) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٥).

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٧) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٦).

(٤) المصدر الباب الحديث (١).

١٢٢

ويكره مدح البائع وذم المشتري ، واليمين عليه :

______________________________________________________

ويحتمل كونها جارية منعة (١) ، ولان المتعارف ذلك في البائع ، والظاهر ان لمن بيده الكيل والوزن ، يفعل الاستحباب لنفسه ، والقرعة مع المشاحة في غيره محتمل.

والظاهر ان من لم يحسن الكيل أو الوزن يكره ذلك كما قاله الأصحاب لعدم الأمن عن الزيادة والنقصان.

ويمكن فهمهما مما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : رجل من نيته الوفاء ، وهو إذا كال لم يحسن ان يكيل؟ قال : فما يقول الذين حوله؟ قلت : يقولون :

لا يوفي ، قال : هذا (هو ـ يه) لا ينبغي له ان يكيل (٢).

قال في شرح الشرائع : قيل انه حرام ، وفي الاخبار النهي عنه ، وما رأيته. والظاهر عدم الفرق بين الكيل والوزن ، بل هو أشق ، وللإشارة إلى العلة وهو عدم المعرفة.

قوله : ويكره مدح البائع إلخ» قد مرّ دليل كراهة مدح البائع وذم المشتري. وكذا دليل اليمين على البيع والشراء.

ويدل عليهما قول أبي الحسن عليه السلام : ثلاثة لا ينظر الله إليهم ، أحدهم رجل اتخذ الله بضاعة لا يشتري إلا بيمين ولا يبيع الا بيمين (٣) هكذا قيل : وهي تدل على الأخص من المدعى.

ويدل عليها أيضا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه كان يقول :

إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة (٤).

__________________

(١) وفلان ذو منعة ، اي عزيز ممتنع على من يريده.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٨) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٥) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٢).

(٤) المصدر الباب ، الحديث (٣).

١٢٣

والبيع في المظلمة والربح على المؤمن إلا مع الحاجة

______________________________________________________

هذا إذ كان مع الصدق واما مع الكذب فلا شك في تحريمه في المدح والذم واليمين. والظاهر ان في اليمين أشد ، لكراهتها في نفسها وفي البيع بخصوصه.

قوله : «والبيع في المظلمة» كان دليله احتمال ستر عيبه ، فبيعه فيها مشعر بالتدليس والمدح ويدل عليها حسنة هشام بن الحكم قال : كنت أبيع السابري في الظلال فمر بي أبو الحسن موسى عليه السلام فقال لي : يا هشام ان البيع في الظلال غش ، والغش لا يحل (١).

لعلها محمولة على المبالغة والكراهة ، لأن للمشتري أن يأتي بالسلعة إلى الضوء ثم يشتري ، ولعدم الصحة والقائل بالتحريم.

قوله : «والربح على المؤمن إلخ» يحتمل ان يكون المراد بالحاجة قوت يومه ، وحينئذ يوزعه على المؤمنين جميعا ، كذا يفهم من شرح الشرائع ، وهو بعيد ، لان التاجر الذي يشتري ويبيع يبعد في حقه ذلك ، الا ان يستثنى ما في يده للمعاملة ، أو يكون مال غيره.

وأيضا يحتمل ان يأخذه من البعض فلا يحتاج الى التوزيع ، بل يأخذه من البعض الذي حصل أولا ثم لا يربح ، ويحتمل حملها على الحاجة المتعارفة حتى يدخل عدم التوسعة في الجملة فيها ، وعلى حصر المعاملين فيهم.

وعلى التقادير لا دليل على الاستثناء الا على الأول ، وهو العقل ، ويبقى الغير تحت المنع.

وظاهر الدليل عدم الربح إذا لم يكن الشراء للتجارة ، ولا يكون بأكثر من مأة درهم ، وان كان أكثر يجوز الربح بقوت يوم ، وان كان للتجارة يجوز الربح مطلقا مع الرفق.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٥٨) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو ما روي بالإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ربح المؤمن علي المؤمن ربا الا ان يشتري بأكثر من ماءة درهم فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم (١).

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : غبن المؤمن حرام (٢).

كأنّ منه الربح ، وظاهره التحريم ، فكأنّ لعدم الصحة واحتمال المبالغة والاهتمام بشأن المؤمنين ، حمل على الكراهة.

ويؤيده عموم أدلة التجارة وجواز أخذ الربح.

وخبر ميسر قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ان عامة من يأتيني إخواني فحد لي من معاملتهم مالا أجوزه إلى غيره؟ فقال : ان وليت أخاك فحسن ، والا فبع (فبعه خ ل) بيع البصير المداق (٣).

قال في المنتهى : يعني المداقق في الأمور ، أدغم احد القافين في الأخر وشدد القاف.

و (وليت) من التولية ، وهو البيع برأس المال ، وقوله : (بيع البصير المداق) إشارة إلى أنه افعل ما ترى انه خير لك ، وابذل في ذلك جهد العارف الحاذق المدقق الذي يدقق في الأمور ويختار ما هو خير له وما فيه مصلحته.

فيمكن الإشارة إلى التأمل ، فإن رأيت المؤمن المشتري مثلا تاجرا متموّلا لا يضره ربحك منه ويحصل لك به نفع أكثر من ضرره ، سيما إذا لم يكن صالحا تقيا ، وانك ما تأخذه منه تصرفه في القربات مثل التصدق وصلة الاخوان والوسعة للعيال ، ولو بقي عنده لا ينفعه ولا ينتفع به ، بل قد يضره لعدم إخراج الحقوق ومواساة

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (١٠) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٣).

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (١٠) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٢).

١٢٥

والموعود بالإحسان

______________________________________________________

الاخوان ، أو تربح منه وتبيع بالنقصان من صالح ، وغير ذلك مما لا يخفى على المدقق المتأمل في امره الذي ينفعه دينا أو دنيا بحيث لا يضر ضررا لآخرته.

خذ منه الربح.

وبالجملة الذي يظهر من عبارة الأصحاب ـ من عموم الكراهة إلا مع الحاجة ـ لا نعلم له دليلا واضحا. والدليل الذي رأيته قد مرمع ما فيه من عدم الصحة ، والمنافاة لما تقرر بالأدلة الصحيحة من العمومات وعملهم على ما نرى. والظاهر انه كان كذلك وما امتنع احد من ربح المؤمن والمسلم بالطريق الاولى ، الله يعلم.

ولكن طرح كلامهم مع الروايات وان كانت ضعيفة ، مشكل ، والاحتياط حسن يعمل به الحاذق المدقق.

وبالجملة قوله عليه السلام : (بع بيع البصير المداق) كلام مجمل تحته معان كثيرة لمن يفهم ـ فافهم.

وفي الخبر المتقدم اهتمام بحال المؤمن حتى انه ما جوز الربح الا مقدار قوت يوم على تقدير الشراء بأكثر من ماءة درهم ، وجوز فيما فيه للتجارة مع الرفق فافهم.

قوله : «والموعود بالإحسان» يعني من المكروه الربح على الذي وعده بالإحسان ، بأن قال له : تعال الىّ واشتر مني أحسن إليك ، لأن أقل الإحسان عدم أخذ الربح وبيع التولية ، وخلف الوعد غير مستحسن ، بل يدل ظاهر الآية وهي : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (١) والاخبار (٢) ـ علي التحريم ، وحملها الأصحاب على شدة الكراهة ، لإجماعهم ونحوه.

ولمرسلة علي بن عبد الرحيم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

__________________

(١) الصف (٣).

(٢) راجع الوسائل باب ١٠ من أبواب آداب التجارة ، ج ١٢ ص ٢٩٥.

١٢٦

والسوم بين طلوع الفجر وطلوع الشمس

والدخول الى السوق أولا

______________________________________________________

سمعته يقول : إذا قال الرجل للرجل : هلم أحسن بيعك يحرم عليه الربح (١) ، حملت على الكراهة ، ولا يضر عدم الصحة بالإرسال ، لقبول الأصحاب ، وكونها من المكروهات.

قوله : «والسوم بين طلوع الفجر وطلوع الشمس» السوم بمعنى المساومة ، وهي المبايعة.

والظاهر ان المراد المعاملة بيعا وشراء أولا.

ولعل دليل كراهته ان هذا وقت الدعاء والتعقيب فيكره صرفه في غيره.

ولما روي ان التعقيب في هذا الوقت أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد (٢) ولان السوم فيه يدل على الحرص في طلب الدنيا ، ولقول الأصحاب ، ولما روي أنه نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن السوم ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس (٣) المحمول على الكراهة لعدم الصحة والقول بالتحريم.

قوله : «والدخول الى السوق أولا» قيل : وكذا الخروج آخرا.

دليله بعض ما مر. وما روى في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : جاء أعرابي من بني عامر إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فسأله عن شر بقاع الأرض وخير بقاع الأرض؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله : شر بقاع الأرض الأسواق وهي ميدان إبليس يغدو برايته ، ويضع كرسيه ويبث ذريته ، فبين مطفف في قفيز أو طايش في ميزان ، أو سارق في زرع ، أو كاذب في سلعة ،

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، الباب (١٨) من أبواب التعقيب ، الحديث (٣)

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (١٢) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٢).

١٢٧

ومعاملة الأدنين وذوي العاهات والأكراد

______________________________________________________

فيقول : عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حي ، فلا يزال مع ذلك أول داخل وأخر خارج ، ثم قال عليه السلام : وخير البقاع المساجد وأحبهم الى الله عز وجل أولهم دخولا وأخرهم خروجا منها (١).

قوله : «ومعاملة الأدنين إلخ» كأنه جمع ادنى أو دنى ، وفسر بأنه لا يبالي بما قال ولا بما قيل فيه. وذووا العاهات هم الذين فيهم عيوب مثل الجذام والبرص والعمى والعرج وغيرها. والأكراد طائفة مشهورة.

دليل كراهة معاملتهم مطلقا عدم خلوص من يعاملهم من أذى بسببهم ، لعدم الخيرية فيهم غالبا.

والأصل ، والرواية ـ مع قبول الأصحاب ـ مثل حسنة حفص البختري قال : استقرض قهرمان (٢) لأبي عبد الله عليه السلام من رجل طعاما لأبي عبد الله عليه السلام ، فألحّ في التقاضي فقال له أبو عبد الله عليه السلام : الم أنهك أن تستقرض لي ممن لم يكن له فكان (٣) ، اي لم يكن له شي‌ء فحصّل شيئا ، فهو خلاف من نشأ في الخير ، يقال له : جديد المال والدولة ، فإنه ما كان ممن كان لهم شي‌ء ، فحصل هو شيئا.

قد يعلم منها عموم المعاملة وتفسير الأدنين.

وعدة اخبار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تخالطوا ولا تعاملوا الا من نشأ في خير (٤).

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام مسندا انه قال : إياكم ومخالطة السفلة ،

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٦٠) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٢) القهرمان الوكيل ، أو أمين الدخل والخرج ج قهارمة ـ المنجد.

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢١) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٢).

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢١) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٤) و (٦)

١٢٨

والاستحطاط بعد العقد

______________________________________________________

فإن السفلة لا يؤل الى خير (١).

فيمكن حمل الأدنين عليها.

روى ميسر بن عبد العزيز قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : لا تعاملوا ذا عاهة فإنهم أظلم شي‌ء (٢) ومثلها متعددة.

وروى عن أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت : ان عندنا قوما من الأكراد وانهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم؟ فقال : يا أبا الربيع لا تخالطوهم فإن الأكراد حي من احياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم (٣).

وفي رواية قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تشتر من محارف فان صفقته لا بركة فيها (٤).

رجل محارف بفتح الراء اي محدود محروم ، وهو خلاف قولك مبارك. وأيضا رجل محارف اي منقوص الحظ لا ينمي له مال. وكذلك الحرفة ، والحرفة بالكسر أيضا الصناعة ، فيدل على كراهة معاملة المحارف كما قيل في غير المتن.

قوله : «والاستحطاط بعد العقد» يكره ان يقول المشتري للبائع بعده ، حطّ عني شيئا من الثمن وانقص ، لما فيه من الإشعار بدناءة النفس والسؤال والطلب.

ويدل عليه أيضا الرواية الدالة على نهى النبيّ صلّى الله عليه وآله عنه (٥).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٤) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٢).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٢) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١) و (٣).

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٣) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢١) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٥) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٤٤) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وما روى عن الصادق عليه السلام : الوضيعة بعد الصفقة حرام (١) المراد شدة الكراهة.

ويمكن ان يكون المراد أخذ بعض الثمن وإعطاء الباقي من الحق كما هو الظاهر ، لا الاستحطاط الذي هو مكروه.

ويدل عليها أيضا رواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اشتريت لأبي عبد الله عليه السلام جارية فلما ذهبت أنقدهم قلت : أستحطهم؟

قال : لا ان رسول الله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة (٢).

وقرب منه رواية إبراهيم بن أبي زياد الكلابي في باب بيع الحيوان (٣) وحملتا على الكراهة لأحاديث أخر.

مثل رواية معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع؟ قال : لا بأس به وأمرني ، (يعني أبا عبد الله عليه السلام) فكلمت له رجلا في ذلك (٤).

وكذا يدل على الجواز روايتا يونس بن يعقوب وعلى أبي الأكراد ، كلها في باب الزيادات (٥).

ويؤيد الكراهة الأصل والعمومات ، مع عدم صحة دليل المنع الا ما في

__________________

(١) لم نعثر عن الصادق عليه السلام حديث بهذه العبارة ، ولكن سيأتي قريبا ما عن الصادق عليه السلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١.

(٣) أورده في التهذيب باب ابتياع الحيوان.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣.

(٥) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٢ و ٤) وفي التهذيب ج ٧ باب من الزيادات ص ٢٣٣ الحديث ٣٩ و ٤٠.

١٣٠

والزيادة وقت النداء والتعرض للكيل والوزن إذا لم يحسن

______________________________________________________

صحيحة زيد الشحام ، أما بلغك قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : الوضيعة بعد الصفقة حرام (١).

وهذا يدل على التحريم من غير استحطاط أيضا ، الا ان زيد الشحام كان بايعه عليه السلام وقال : حططت عنك عشرة دنانير ، فقال عليه السلام : هيهات الا كان هذا قبل الصفقة أما بلغك إلخ (٢).

والظاهر انه يريد شدة الكراهة ، لأنه معلوم جواز حط شخص من مال نفسه للمشتري ما يريد من الثمن ، بل كله ، وهو ظاهر ، فكأنه عليه السلام فهم في قبوله شيئا استكرهه أو حرمة فتأمل.

وكذا دليل قوله : «والزيادة وقت النداء» هو رواية الشعيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : إذا نادى المنادي فليس لك ان تزيد ، وانما يحرم (من يب) الزيادة النداء ويحلها السكوت (٣).

وهي محمولة على الكراهة لعدم الصحة ، وعدم ظهور القول بالتحريم ، وانه يدل على الحرص ، فينبغي ان يصبر حتى يسكت المنادي ثم يزيد من يريد الزيادة.

ومضى دليل كراهة التعرض للكيل والوزن إذا لم يحسن مع عدم الكراهة

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة ، قطعة من حديث ٦ وفيه (الوضعية بعد الضمنة حرام).

(٢) لفظ الحديث هكذا (عن زيد الشحام قال : أتيت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام بجارية أعرضها عليه فجعل يساومني وانا أساومه ثم بعتها إياه ، فضمن على يدي ، فقلت : جعلت فداك انما ساومتك لا نظر المساومة أتنبغي أو لا تنبغي ، وقلت : قد حططت عنك عشرة دنانير فقال : هيهات الا كان هذا قبل الضمنة ، أما بلغك قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : الوضيعة بعد الضمنة حرام) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٦ وفي الكافي بدل (الضمنة) الضمة.

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١.

١٣١

والدخول على سوم المؤمن

______________________________________________________

التي أشار إليها بقوله : والتعرض للكيل إلخ.

قوله : «والدخول على سوم المؤمن» قيل : المراد بالدخول على سوم المؤمن ، هو ان يطلب المتاع الذي أراد شراءه المؤمن ، وحصل التراضي أو علامته بحيث لو لم تكن غيره لباع عليه بذلك الثمن ، بان يزيد على ذلك الثمن ، ويمكن تحققه مع عدمها أيضا ، والقيد محمول على الغالب.

وكذا عرض المتاع للمشتري بحيث يمنعه من شراء مال أخيه الذي حصل التراضي على شراءه ، سواء كان أحسن منه أو دونه ، بأقل من ذلك الثمن أو أكثر.

قيل : بتحريم ذلك ، والظاهر ان دليله كسر قلب المؤمن ومنعه عن الخير وارادته لنفسه ، مع ما دل على رعاية حقوقه.

والرواية عن النبيّ صلّى الله عليه وآله لا يسوم الرجل على سوم أخيه (١).

وهو خبر معناه النهي ، لعلها للكراهة لعدم الصحة ، وعدم ثبوت كون هذا المقدار من كسر الخاطر حراما.

واحاديث الحقوق محمولة على المبالغة والاستحباب ، ولهذا ما قالوا : بوجوب التسوية بين الإخوان في الأموال والجوع والشبع وغير ذلك للأصل. والاحتياط حسن.

ومقتضى الأدلة الصحيحة الكثيرة في حقوق المؤمن الاجتناب ، بل التحريم ، الا ان لا يحصل له كسر ، أو يقال : هنا يضيع حق البائع ، أو يقال : يحرم مع القصد ، اي قصد كسره وإضراره ويحمل عليه الرواية أيضا فتأمل.

__________________

(١) الذي عثرنا عليه في ذلك ما رواه في الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣ ولفظه (عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال : ونهى رسول الله صلّى الله عليه وآله ان يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم) وفي كنز العمال : لا يساوم الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته إلخ ج ٤ ص ٥٧ حديث ٩٤٨٧.

١٣٢

وان يتوكل حاضر لباد

______________________________________________________

والظاهر انه يجري مثله في جميع الأمور حتى في الاتهاب وطلب الدرس والكتابة والإجارة ، مثل ان رضي المدرس ان يدرس مؤمنا ثم جاء آخر وعرض نفسه في البين حتى حصل الدرس لنفسه ومنعه عن ذلك لعدم حصول الجمع ، وكذا في الاتهاب والكتابات وما في معناها مثل الخطبة على خطبة الأخ المؤمن.

واما بدون القيود المذكورة فالظاهر عدم الكراهة والتحريم بالاتفاق.

ويؤيده انه لو لم يكن كذلك يلزم ان يكون طلب شراء الاثنين متاعا واحدا اما حراما أو مكروها ، ويلزم تعطيل المعاملات ، فتأمل.

قوله : «وان يتوكل حاضر لباد» قيل : المراد انه إذا حمل البدوي ، أو القروي ـ الذي ليس من البلد ولم يعرف مصره ، وهو المراد بالبادي ـ متاعه الى بلد ليبيعه فيه ، يكره للبلدي ، وهو المراد بالحاضر ، ان يقول : انا أبيعه لك بأعلى مما تبيعه به ، قيل : أو يعرفه السعر ويقول : هذا يسوى بكذا وكذا وانا أبيع وأكون سمسارا.

وقيل بتحريم هذا الفعل. لما روى عنه صلّى الله عليه وآله انه قال : لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض (١).

والتحريم هنا بعيد ، لعدم صحة الرواية ، بل اسنادها أيضا غير ظاهر ، وعدم صراحة النهي. وأيضا قد يكون البادي فقيرا جدا ولا يعرف السعر ويقصد الحاضر نفعه مع كون المشتري اغنى منه ، والعقل يجد حسن هذا الأمر.

نعم يمكن الكراهة ذلك للخبر ، مع الأجرة ، وقصده عدم حصول النفع للمشتري ، مع احتمال التحريم حينئذ.

وقد شرط للتحريم أو الكراهة شروط.

__________________

(١) لاحظ عوالي اللئالي ، ج ٣ ص ٢٠٦ الحديث ٤٠ و ٤١ ولاحظ ذيله. والوسائل الباب ٣٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣.

١٣٣

والتلقي (وتلقى الركبان خ ل) وحده أربعة فراسخ مع القصد

______________________________________________________

الأول) العلم بورود النهي فيكون معذورا على تقدير جهله ، الا انه يكون أسوء ، لتقصيره في العلم أيضا كما قيل في غير هذه المسألة فيما لا يعذر فيها الجاهل ، فليس هذا شرط يعم جميع المناهي كما قيل.

(الثاني) ان يكون سعر ذلك المتاع ظاهرا معلوما ، فلو لم يكن ظاهرا معلوما اما لكبر البلد ، أو لعموم وجوده ورخصه فلا تحريم ولا كراهة ، لعدم فوت الربح.

وفيه تأمل ، لعموم الدليل ، مع أنه قد يظهر الربح ولو كان نادرا أو يحصل الشراء لنفس المشتري رخيصا من البادي وان لم يبعه حتى يربح.

(الثالث) كون المتاع الذي يجلبه البادي مما يعم به الحاجة ، فلا تحريم ولا كراهة في النادر ، فيه أيضا منع ، لعموم الدليل.

(الرابع) ان يعرض الحضري ذلك على على البدوي ويدعوه إليه ، فإن عرض البدوي ذلك على الحضري فلا يدخل تحتهما.

وفيه أيضا منع لما مر ، الا ان يقال هذا داخل تحت قضاء الحاجات ، فتأمل فإن دليلهما يخرجه عنه.

(الخامس) ان يكون البادي جاهلا بسعر البلد ، والا فلا يضر مع انه مساعدة ، وفيه أيضا منع ، لكنه بعيد ، لان الظاهر ان العلة هي الشراء رخيصا من البدوي لقوله : (دعوا) فينبغي عدم النهي مع انتفاءه. ومنه يعلم ان لو قصد الحضري مجرد المساعدة بما يبيعه البدوي ، غير ممنوع ، بل ليس هو حينئذ بائعا ، ولو كان بائعا بما يبيعه هو لا كراهة ولا تحريم ، لعدم العلة.

قوله : «والتلقي وحده أربعة فراسخ إلخ» من المكروه تلقى الركبان ، قيل : المراد بالتلقي الخروج أربعة فراسخ فما دون الى الركب القاصد بلدا للبيع عليهم أو الشراء منه. فللتلقى أيضا شروط :

(الأول) كون الخروج بقصد البيع أو الشراء عليهم ، فلو اتفق الملاقاة فلا

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كراهة وان اشترى أو باع ، وكذا لو تلقى وما اشترى ولا باع ، أو حدثا بعد الملاقاة.

وفيه تأمل ، لوجود العلة ، وهو مستفاد من الدليل ، وهو الظاهر من لفظ التلقي.

(الثاني) كونه خارجا عن البلد مع عدم تجاوز أربعة فراسخ ، والا يكون في (الثالث) جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعون عليهم ويشترون منهم ، ويمكن فهمه من العلة وان لم يكن في الرواية ، وكأنها ظاهرة ، ويمكن شرط العلم بالنهي كما تقدم.

واما الدليل فهو النهي الوارد في الروايات مثل رواية منهال القصاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تلق ولا تشتر ما تلقي ولا تأكل منه (لا تأكله خ ل) (١).

ورواية منهال أيضا قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تلق ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : نهى عن التلقي قلت : ما حد التلقي؟ قال : ما دون غدوة أو روحة ، قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : أربعة فراسخ ، قال ابن أبي عمير : وما فوق ذلك فليس بتلق (٢).

هذه الرواية تدل على ان حد التلقي بدون أربعة فراسخ ، لا هي كما هو ظاهر العبارات ، فكأنه لعدم التعيين جعل ذلك ، وليس بجيد.

ورواية عروة بن عبد الله عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ،

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١ وسند الحديث محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب.

١٣٥

ولا خيار للبائع بدون الغبن

والنجس وهو الزيادة لمن واطأه البائع

______________________________________________________

والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض (١).

لكن الرواية الأولى ليست بظاهر الصحة ، لعدم ظهور توثيق مثنى الحناط مع إهمال منهال (٢) وكذا الثانية للثاني ، والأخيرة ضعيفة بعمرو بن شمر (٣) فإنه قيل ضعيف جدا ، وبغيره.

وبالجملة الأصل دليل قوى ، مع عموم أدلة التجارة ، فالقول بالتحريم لمثلها مشكل ، ولهذا اختار المصنف الكراهة في الكل.

ويمكن إلحاق مثل الصلح في تملك ما لهم بالعوض ثم على تقدير وقوع البيع ، فان قيل بالكراهة فلا خلاف في صحة البيع وعدم التخيير لهم الا مع الغبن الذي أحد أسباب الخيار مع شرائطه.

واما مع القول بالتحريم فيحتمل فساد العقد لما مر مرارا ، ولانه يتبادر رجوع النهي إلى المبيع لقوله : (لا تأكله) وهو ظاهر ، و (هو خ) مذهب ابن الجنيد على ما نقل عنه في شرح الشرائع.

ويحتمل الصحة بناء على عدم دلالة النهي في المعاملات على الفساد وقد عرفت ما فيه.

قوله : «والنجش وهو الزيادة إلخ» نقل عن الصحاح : النجش ان تزيد

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، أورد صدره في الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٥ وذيله في ٣٧ من تلك الأبواب حديث ١.

(٢) سند الحديث كما في الكافي (عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد واحمد بن محمد عن ابن محبوب عن مثنى الحناط عن منهال القصاب).

(٣) سند الحديث (كما في الكافي أبو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن عروة بن عبد الله عن أبي جعفر عليه السلام).

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في بيع ليقع غيرك وليس من حاجتك. والمراد انه يكره ان يزيد شخص على ثمن بذل لمبيع ليرغب الناس في بيع ذلك المبيع من غير قصد للشراء ، وهو المراد بقوله : (وهو الزيادة لمن واطأه البائع) أي وافقه على انه لا يبيع عليه ولا هو يشتري ، بل يزيد لترغيب الناس في بيع متاعه (فالزيادة) في كلامه مصدر ، لا المزيد ، فلا اعتراض عليه بان تلك الزيادة من المشتري ، فلا يكره ولا يحرم بلا خلاف ، لان المراد بالزيادة التي فعلها من واطأه البائع.

أو يقال : ان المراد بالزيادة القدر الزائد الذي أعطاه المشتري بسبب زيادة من واطأه ، ولا شك ان تلك الزيادة حرام وغبن ، ولهذا يجري عليها أحكام الغبن.

ثم تحريم ذلك المزيد ، واتفاق البائع والبيع على هذا الوجه لا يبعد ، لانه غش فيدخل تحته.

ويحتمل الكراهة ، لأنه وان كان ذلك ، ولكن ما ستروا في المبيع شيئا ، والأصل يقتضي جواز البيع وعدم تحريم الثمن مع تلك الزيادة.

ولا يبعد قول المصنف بالكراهة ، وكونه مرجوحا ظاهر ، لانه غدر وتدليس على الناس وخديعة.

ويحتمل صحة البيع وجوازه مع الكراهة ، لا جواز الزيادة والموافقة من البائع ، فإن ذلك غش وخديعة ، بل كذب ، فلا يكون جائزا ، مع احتماله فتأمّل.

١٣٧

المقصد الثاني

في أركانها

وهي ثلاثة :

الأوّل : العقد

وهو الإيجاب كبعت. والقبول كاشتريت

______________________________________________________

المقصد الثاني : في أركانها

قوله : «الأول العقد إلخ» هذا هو احد المعنيين المشهور ، بل المعاني للبيع ، فإنه قد يطلق على الإيجاب والقبول الصادرين عمن يصح عبارته ، المشتملين على العوضين للذين يصح وقوع البيع عليهما ، وهو المراد في مثل قولهم : وأركانه ثلاثة.

وقد يطلق على نقل الملك وانتقاله إلخ.

وقد يطلق على التلفظ بالعبارة الدالة على النقل والانتقال.

ويحتمل ان يكون هو المراد بالإيجاب والصيغة المخصوصة.

وقيل : الأول هو الحقيقي ، والثاني هو المسبب والأثر والغاية الحاصلة بالبيع ، فالتعريف به حينئذ يكون تعريف بالغاية ، فهو راجع الى الأول.

لعل مراده انه حينئذ أطلق المسبب وأريد السبب ، بان يريد من النقل والانتقال ذو النقل والانتقال ، وهو مجاز مشهور ، والقرينة هنا أنه معلوم ان البيع هو القصد واللفظ وفعل البائع والمشتري ، واكتفى بذلك وجعل ذلك قرينة واضحة.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن الاكتفاء بمثلها في تعريفات الفقهاء ، لان غرضهم منها الإشارة إلى ضابطة للعارف ، وانها لفظية ، ومعلوم صحة حمل ذي النقل والانتقال على البيع حينئذ ، فليس من إطلاق المسبب على السبب ، اعنى الانتقال على البيع ، ولا يرد انه مجاز لا يجوز في التعريفات ، وان التعريف بالغاية انما يكون بالإتيان بما يناسب الغاية بالحمل على المعرف ، وليس هنا كذلك كما قيل ، وليس ذلك الغرض.

وما كان ينبغي التكلم بمثله ، وانما تكلمنا اقتداء بهم ، واشارة الى بعض المراد ، لعله يزول الاعتراض ، ولا نتعرض لبيان الجامعية والمانعية والجنس والفصل ، لما عرفت المقصود.

مع ان ما قيل يندفع بأدنى تصرف كما لا يخفى ، وليس ذلك بهم.

وانما المهم الضروري المحتاج اليه هو بيان الاحكام وإثباتها بالدليل.

فاعلم ان الذي يظهر ، انه لا يحتاج في انعقاد عقد البيع ـ المملك الناقل للملك من البائع إلى المشتري وبالعكس ـ إلى الصيغة المعينة كما هو المشهور.

بل يكفى كل ما يدل على قصد ذلك مع الإقباض ، وهو المذهب المنسوب الى الشيخ المفيد من القدماء والى بعض معاصري الشهيد الثاني رحمه الله.

وهو المفهوم عرفا من البيع ، لانه كثيرا ما يقال في العرف ويراد ذلك ، بل انما يفهم عرفا ذلك من لم يسمع من المتفقهة شيئا ، ولهذا تسمع يقولون بعنا ويريدون ذلك من غير صدور تلك الصيغة ، بل بدون الشعر وبها ، ولهذا يصح أنه أوقع البيع بدون الصيغة.

وبالجملة الإطلاق واضح عرفا ، وليس ذلك المعنى المشهور في اللغة فإنه مسبوق باللغة ، وهو ظاهر ، ولا في العرف لما مر (١) ، ولا في الشرع بمعنى وجوده في

__________________

(١) من قوله قدّس سرّه : لانه كثيرا ما يقال في العرف إلخ.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كلام أصل (١) الشارع من الكتاب والسنة أو الإجماع المستلزم لذلك.

وحينئذ نقول : المعتبر ليس الا المعنى الذي ذكرناه ، وهو المفهوم عرفا لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ولما يدل على اباحته ومملكيته من الاخبار الكثيرة الصحيحة المتواترة (٤) وللإجماع المعلوم. إذ لا شك حينئذ في اباحة ومملكية ما يطلق عليه البيع ، وإذا لم يكن إلا العرفي فلا يكون المباح الا هو.

ولانه لو كان المعتبر غيره ما كان يليق من الشارع إهماله مع تبادر غيره ، وكمال اهتمامه بحال الرعية في بيان الجزئيات من المندوبات والمكروهات ، إذ يصير تركه إغراء بالجهل ، وذلك لا يجوز عندنا ، بل السكوت وعدم البيان في مثل هذا المقام صريح ونص في الحوالة إلى العرف كما في سائر الأمور المحالة إليه ، إذ لا دليل له الا هذا.

ولانه لا شك في إباحة التصرف مطلقا بمجرد ما قلناه. وهذا هو المتداول بين المسلمين من زمانه صلّى الله عليه وآله إلى الان من غير نكير ، بل الظاهر ان ذلك صار إجماعيا ، لأن القول بأنه عقد فاسد كان قولا للعلامة وقد رجع عنه على ما نقل عنه ، والتصرف دليل الملك ، لأنه إنما أباح صاحب الملك بقصد الملك والبيع ، فلو لم يحصل ذلك ما كان ينبغي الجواز.

ولانه يجوز التصرفات التي لا يمكن الا مع الملك ، فإنه يجوز بيع السلعة لنفسه ، لا بالوكالة ، فلو كان اباحة لما كان البيع جائزا ، إذ لا بيع إلا في الملك.

ولجواز وطى الأمة المبتاعة بالوجه المذكور ، ومعلوم انه فرع الملك بالنص والإجماع وهو ظاهر.

__________________

(١) هكذا في النسخ ، ولكن الصواب (في أصل كلام الشارع) كما لا يخفى.

(٢) سورة البقرة ـ ٢٧٥.

(٣) سورة المائدة ـ ١.

(٤) لاحظ الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه.

١٤٠