مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

ويستحب تغيير اسمه وإطعامه الحلاوة ، والصدقة عنه.

المطلب الثالث : في الصرف

انما يصح بيع الأثمان بمثلها مع التقابض قبل التفرق.

______________________________________________________

القرعة لقوله : (كان عبدا للآخر) الا ان يحمل على المسامحة ، ولا يحتاج إذ قد عرفت جواز التملك مع تمليك المولى ، بل غيره أيضا.

قوله : «ويستحب تغيير اسمه إلخ» قد مرّ ما يدل عليه ، في الاخبار الدالة على كراهة إراءة المملوك الثمن في الميزان (١) في موضعها.

المطلب الثالث في الصرف

قوله : «انما يصح بيع الأثمان إلخ» يفهم تعريف الصرف من قوله : انما يصح إلخ إذ هو بيع الأثمان بالأثمان ، والثمن هنا هو الذهب والفضة مطلقا مسكوكين أم لا.

قيل : انما سميا بالثمن لأنهما يقعان عوضا عن الأشياء ، ويقترنان بباء العوض غالبا قاله في شرح الشرائع ، ثم قال : بل نقل العلامة قطب الدين الرازي عن الفاضل ، انهما ثمن وان اقترنت الباء بغيرهما حتى انه لو باعه دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار ، مدعيا على ذلك الاتفاق.

وكان معنى الثمن هو ما يعوض به وما يشترى به ، وهو غير ظاهر.

وكونه دائما من جانب المشتري ـ ولو كان هو الطالب لبيعه ويوقعه مقدما بلفظه ـ غير ظاهر.

بل الظاهر وقوعه مبيعا ومشترى ، ولهذا يصح بيع بعضه ببعض.

ثم اعلم ان مقصود المصنف ان بيع الصرف يعتبر في صحته شرط آخر سوى الشروط

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ١ و ٢.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

المعتبرة في البيع ، وما يعتبر في الربويات ، وهو التقابض في مجلس البيع ، بمعنى انه لا بد ان يقبض كل واحد من المتبايعين مال الآخر قبل ان يفترق أحدهما عن الآخر ، وان لم يكن ذلك التقابض في مجلس العقد ، ولهذا قال المصنف : قبل التفرق ، وما قال في المجلس كما قال غيره مثل الشرائع ، فلو فارقا مجلس العقد مصطحبين لم يبطل.

ثم ان المصنف في التذكرة صرح بان القبض قبل التفرق شرط وواجب أيضا ، بمعنى انه لو تركا يأثمان بذلك كما يأثمان بالربا ، وان أراد التفرق قبله يفسخان العقد ثم يفترقان ، والا يأثمان.

وفيه تأمل ، إذ الإثم بذلك مشكل ، فإن غاية ما يلزم ابطال عقد قبل حصول شرائطه.

ولعله مفاد دليل اشتراط الصحة بذلك كما هو مذهب الأكثر ، وقيل : بل كاد أن يكون إجماعا ، إذ ليس المخالف الا الصدوق ، لروايات ضعيفة.

ودليل المشهور الروايات عن العامة (١) والخاصة ، مثل رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد (٢).

والظاهر انها صحيحة ، إذ لا يضر اشتراك محمد بن قيس لما تقدم غير مرة ، انه إذا نقل عاصم عنه ، فالظاهر أنه الثقة (٣) ، فتذكر.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ، كتاب التجارات (٥١) باب اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب ، الحديث ٢٢٦٢ ولفظه (عن ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل فكنت أخذ الذهب من الفضة والفضة من الذهب والدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير فسألت النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم؟ فقال : إذا أخذت أحدهما وأعطيت الأخر فلا تفارق صاحبك وبينك وبينه لبس).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب الصرف ، الحديث ٣.

(٣) سند الحديث كما في الكافي هكذا (علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس).

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلين بمثل؟ فقال : لا بأس به يدا بيد (١).

ولا يضر الإضمار لما مرّ.

وصحيحه منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وان نزا حائطا فانز معه (٢).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألته عن الرجل يشتري من الرجل الدرهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا ، ثم يقول : أرسل غلامك معى حتى أعطيه الدنانير ، فقال : ما أحب ان تفارقه حتى تأخذ الدنانير ، فقلت : انما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض وهذا يشق عليهم؟ فقال : إذا فرغ من وزنها وانتقادها (انقادها خ ئل) فليأمر الغلام الذي يرسله ان يكون هو الذي يبايعه ويدفع اليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع اليه الورق (٣).

ولا يضر الإضمار فيه أيضا لما مرّ ، ولانه نقل قبلها في التهذيب خبرا عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام ، فالظاهر ان هذا أيضا منه.

وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ابتاع من رجل بدينار وأخذ بنصفه بيعا وبنصفه ورقا؟ قال : لا بأس به ، وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ به ورقا أو بيعا؟ فقال : ما أحب ان اترك منه شيئا حتى آخذه جميعا ، فلا تفعله (٤).

وفي دلالة الكل تأمل ، إذ ليست بصريحة في الاشتراط ، بل ولا في الإثم ، فان يدا بيد كأنه كناية عن النقد لا النسية ، فلا يدل على اشتراط القبض ، ولفظة (ما أحب) تشعر

__________________

(١) و (٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب الصرف ، الحديث ٧ ـ ٨.

(٣) و (٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب الصرف ، الحديث ١ ـ ٩.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاستحباب ، وهو ظاهر.

وفي التهذيب والاستبصار أخبار كثيرة صريحة في جواز النسية في بيع الذهب والفضة بعضه بعضا (١).

وأصل الصحة وعموم الأدلة أيضا يقتضي عدم البطلان بالمفارقة.

مع ان الاولى أيضا غير صريحة في الاشتراط والبطلان بعدها.

ولكن ليس شي‌ء منها مع كثرتها صحيحة ولا حسنة ، بل موثقة ، وحملها الشيخ حملا بعيدا (٢).

ويمكن الجمع بينهما بالحمل على الاستحباب والكراهة.

ولكن الشهرة بل دعوى الإجماع مع الاخبار الكثيرة الصحيحة ، وعدم الصراحة في التعارض والصحة التي تصلح له ، تمنع ذلك.

ويمكن حمل المعارض ، وهو ما يدل على النسية ، على ان يكون بشرط القبض قبل التفرق ، إذ النسية لا يستلزم عدم القبض في المجلس.

وهو وان كان الظاهر ذلك ، ولهذا يقول الأصحاب بعدم جواز النسية في الصرف ، قال في التذكرة : لا يجوز النسية في الصرف وان كانت ساعة واحدة وحصل الحلول أو

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب الصرف ، لاحظ احاديث ١٠ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٣ ـ ١٤ ـ أربعة منها عن عمار وواحدة منها عن زرارة.

(٢) في التهذيب بعد نقل الاخبار هكذا (قال محمد بن الحسن : الوجه في هذه الاخبار انها لا تعارض ما قدمناه : من انه لا يجوز بيع الذهب بالفضة نسية متفاضلا ، لان تلك الأخبار كثيرة ، وهذه الاخبار أربعة منها الأصل فيها عمار بن موسى الساباطي ، وهو واحد قد ضعفه جماعة من أهل النقل وذكروا ان ما ينفرد بنقله لا يعمل به ، لانه كان فطحيا ، غير انا لا نطعن عليه بهذه الطريقة ، لأنه وان كان كذلك فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه ، واما خبر زرارة فالطريق اليه علي بن حديد ، وهو مضعف جد الا يعول على ما ينفرد بنقله.

ويحتمل هذه الاخبار وجها من التأويل ، وهو ان يكون قوله عليه السلام (نسية) صفة الدنانير ولا يكون حالا للبيع فيكون تلخيص الكلام : ان من كان له على غيره دنانير نسية جاز ان يبيعها عليه في الحال بدراهم سعر الوقت ، أو أكثر من ذلك ويأخذ الثمن عاجلا (التهذيب ج ٧ (٨) باب بيع الواحد بالاثنين ص ١٠١).

٣٠٤

فلو تفرقا قبله بطل ، ولو قبض البعض بطل في الباقي.

ولو فارقا مصطحبين أو وكل في القبض فقبض الوكيل قبل التفرق صح (لا بعده خ).

______________________________________________________

القبض قبل التفرق ، لما في الرواية يدا بيد ، وكأنه كناية عن النقد.

لكن في قولهم تأمل ، إذ الروايات كثيرة في جواز النسية في الصرف ، مع عدم المعارض الصريح.

مثل موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة؟ قال : لا بأس (١).

ومثلها كثيرة ، الا أن أصل الأربعة منها عمار ، وهو فطحي ، قال الشيخ : غير انا لا نطعن عليه بهذه الطريقة ، لأنه وان كان كذلك ، فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه.

والاحتياط ينبغي ان لا يترك مهما أمكن.

قوله : «فلو تفرقا قبله إلخ» هو مقتضى شرط عدم التفرق في صحة بيع الصرف ، وقد عرفت التأمل في دليله.

ويمكن ان يكتفى في التفارق بتفرق أحدهما من الأخر ولو بمثل ما يحصل تفارق المجلس المبطل لخيار المجلس ، كما سيجي‌ء ، لأنهما واحد على الظاهر ، فتأمل وسيجي‌ء تحقيقه.

قوله : «ولو فارقا مصطحبين إلخ» أي فارق المتعاقد ان المجلس مصطحبين ، لا يضر في صحة الصرف ، لان المعتبر عدم مفارقة أحدهما عن الأخر ، لا مفارقة المجلس كما تقدم.

ويدل عليه صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب الصرف ، الحديث ١١.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب الصرف ، الحديث ٨.

٣٠٥

وإذا اتحد الجنس وجب التساوي قدرا ، وان اختلفا في الجودة والرداءة والصنعة ، وإذا اختلفا فيه جاز الاختلاف.

______________________________________________________

ولكن الظاهر ان مجرد تقدم البعض على البعض ـ ما لم يصدق التفرق بينهما عرفا وان حصل لغة ـ لم يضر لان الظاهر ان المراد هو العرفي ، ولان الغالب انه لا يحفظ النسبة التي كانت بينهما في مجلس العقد بعد مفارقتهما إياه ، سيما وقت صعود الحائط ونزوله ، ويمكن فهم جوازه من رواية منصور وعدم الضرر (التضرر خ) بذلك.

وكذا يصح لو تقابض وكيلاهما أو أحدهما مع وكيل الأخر قبل تفرق المتعاقدين ، وهو ظاهر لان الشرط وهو القبض قبل تفرق المتعاقدين ، وقد دل عليه صحيحة عبد الرحمن المتقدمة (١).

وكذا لو أوقع الوكيل مع أحدهما ، أو الوكيلان وتفرقا غير المتعاقدين من المالكين وغيرهما وحصل القبض قبل تفرق المتعاقدين.

وبالجملة الشرط عدم تفرق المتعاقدين ، لا المالكين ولا غيرهما.

واعلم انه لو قبض البعض دون البعض قبله ، صح في البعض المقبوض وبطل فيما دونه ، ولكل منهما الخيار لتبعض الصفقة. قاله في التذكرة.

قوله : «وإذا اتحد الجنس إلخ» إشارة إلى شرط آخر لصحة بيع الصرف وجوازه ، وهو عدم زيادة مقدار أحدهما على الأخر مع اتحاد الجنس مطلقا ، سواء كان (أحدهما خ) الناقص أجود أم لا ، وسواء كان مع الناقص صنعة تكافئ الزيادة في الآخر أم لا ، لا مع اختلاف الجنس فإنه يجوز ويصح التعارض مطلقا بشرط اشتمال البيع على شرائط صحته.

ولعل دليل ذلك الإجماع المستند الى الاخبار مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام قال الفضة بالفضة مثلا بمثل (والذهب بالذهب مثلا بمثل قيه) ، ليس فيه زيادة ولا نقصان ، الزائد والمستزيد في النار (٢).

__________________

(١) و (٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ و ١ من أبواب الصرف ، الحديث ١.

٣٠٦

والمغشوش من النقدين يباع بالآخر مع جهل الغش ، ومع علمه يجوز بصافيه مع زيادة تقابل الغش.

______________________________________________________

وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

ولأن الزيادة في المتجانسين ربا دون غيرهما كما سيجي‌ء.

ويشير إليه في رواية الوليد بن صبيح الثقة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، الفضل بينهما هو الربا المنكر (٢).

قوله : «والمغشوش من النقدين إلخ» يعني إذا كان احد النقدين ذهبا أو فضة ممزوجا بغيره مثل نحاس وغيره يجوز بيعه بالنقد الآخر ، وكذا بغيره من الأمتعة والأموال مع الجهل بمقدار الغش.

لكن قالوا : لا بد من العلم بمقدار المجموع ، لاعتبار الوزن فيهما.

وفيه تأمل إذ قد لا يتعارف الوزن في أمثال ذلك فلا يبعد (ولا يبعد خ ل) ، لو كان ذلك المتعارف في بيعه.

والظاهر انه لا بد عندهم من القبض قبل تفرق المجلس أيضا إذا كان بحيث يصدق عليه بيع الذهب أو الفضة ، لما تقدم.

ودليل جوازه مع جهل الغش ظاهر ، وهو حصول الشرائط ، وصدور بيع من أهله في محله ، ومعلوم انه يجوز مع العلم بالغش أيضا بالنقد الآخر ، وهو ظاهر ، وما ذكره لظهوره ، لا لعدم الجواز.

وكذا يجوز بمثل النقد الخالي عن الغش الموجود فيه ، مع العلم بمقدار الغش ، مع اشتمال هذا النقد على زيادة تقابل الغش ان كان له ثمن ، بمعنى كونها مما يتمول ويصح بها الشراء ، لا مساواتها بقيمة الغش.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب الصرف ، الحديث ٦ و ٧.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الصرف ، الحديث ٢ وفيه جملة (هو الربا المنكر) مرتين وفي التهذيب ما يوافق المتن.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الاخبار الكثيرة المعتبرة انه يجوز بيعه بمثل ما فيه ان كان الغالب هو ، أو الغش ، بحيث يطلق عليه اسم ذلك ، فالظاهر ان المراد ان أحدهما مضمحل ولا قيمة له.

مثل حسنة عمر بن يزيد (الثقة) عن أبي عبد الله عليه السلام في إنفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال : إذا كان الغالب عليها الفضة فلا بأس بإنفاقها (١).

وحسنة علي بن رئاب فيه ـ قال : لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها؟ قال : إذا بين (الناس خ كا) ذلك فلا بأس (٢).

وهما صحيحتان في التهذيب.

وقريب منها صحيحة فضل أبي العباس الثقة (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام في الأسرب يشترى بالفضة؟ قال : إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس به (٤).

وكذا في رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن جوهر الأسرب وهو إذا خلص كان فيه فضة أيصلح ان يسلم الرجل فيه الدراهم المسماة؟ فقال : إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك (٥).

وكذا في رواية أخرى عنه ، وقال في أخرها بعد لا بأس : يعني لا يعرف ذلك إلا بالأسرب (٦) تفسيرا للغلبة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٠ من أبواب الصرف ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٠ من أبواب الصرف ، الحديث ٢ وفي التهذيب (إذا بيّن ذلك).

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٠ من أبواب الصرف ، الحديث ٩.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٧ من أبواب الصرف ، الحديث ١.

(٥) و (٦) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٧ من أبواب الصرف ، الحديث ٢ هكذا في المطبوعة وبعض

٣٠٨

ومعدن (تراب خ) أحدهما يباع بالاخر. ولو جمعا جاز بيعه بهما ،

______________________________________________________

والظاهر منها عدم الاعتبار بالغش القليل إذا تعارف بيعه باسم ما غشي به ، وانما الاعتبار بذلك الغالب.

ويجوز بيعه بما فيه من الصافي مع الجهل أيضا إذا تحقق اشتماله على تلك الزيادة ، وهو أيضا ظاهر ، الا انه تركه لبعد وقوع المعاملة حينئذ بمثله ، فليس الترك والقيد لعدم الجواز هنا أيضا (وهو أيضا ظاهر خ).

قوله : «ومعدن أحدهما إلخ» لا شك في جوازه ، لعدم حصول الربا بالزيادة ، لاختلاف الجنس ، ويمكن بالمثل أيضا لو علم المقدار والتساوي ، ان لم يكن لما معه من جزء المعدن قيمة ، والا فبالمثل مع اشتماله على زيادة لمقابل ذلك الجزء ، ولكن كلاهما بعيد ، ولهذا ترك وقيد (١).

ولو جمع بين المعدنين في البيع ، جاز بيعه بهما ، للتخالف ، لتقابل كل بما يخالفه.

ولصحيحة عبد الله بن مسكان (٢) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا ، كيف يشتريه؟ فقال : يشتريه بالذهب والفضة جميعا (٣).

وبالجملة لا بد من عدم تحقق شرط الربا ، وهو اتحاد الجنسين مع تحقق الزيادة ، أو احتمالها وهو ظاهر.

بل يمكن بيعه بأحدهما إذا تحقق اشتمال ذلك على مثل معدنه وزيادة

__________________

النسخ المخطوطة ولكن في الكافي والتهذيب والوسائل عقيب قوله (فلا بأس بذلك) ما لفظه (يعني لا يعرف إلا بالأسرب).

(١) أي ترك حكم بيع أحدهما بمثله ، وقيده بكونه بالاخر.

(٢) هكذا في النسخ كلها ، ولكن في الكافي والتهذيب والوسائل هكذا (عن ابن مسكان عن أبي عبد الله مولى عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام) فعلى هذا لا تكون الرواية صحيحة.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب الصرف ، الحديث ٥.

٣٠٩

والمصوغ من النقدين يباع بهما أو بغيرهما ان جهل قدر كل منهما وأمكن تخليصه ، وان لم يمكن بيع بالأقل ومع التساوي بهما ، ولو علم (قدر خ) كل منهما جاز بيعه بجنسه متساويا وبغير الجنس مع التفاوت وعدمه.

______________________________________________________

تقابل المعدن الآخر وهو ظاهر ، ولكن لبعد فرضه ووقوع المعاملة حينئذ ، ترك.

وأظهر منه جواز البيع بغيرهما ، ولكن يعتبر في الكل شرائط صحة البيع ، وليس بواضح كونه داخلا في الصرف حتى يجب القبض ويكون شرطا في الصحة قبل التفرق ، لعدم ظهور صدق بيع الأثمان بالأثمان والذهب بالذهب بهما ، عليهما حينئذ.

ولكن يظهر من الخبر في السيف المحلى اعتبار القبض (١) ، فهنا كذلك ، فتأمل ، والاحتياط لا يترك.

قوله : «والمصوغ من النقدين إلخ» يعني إذا صيغ شي‌ء من النقدين يجوز بيعه بالنقدين معا وبغيرهما من الأموال التي يجوز كونها ثمنا ، وهو ظاهر ، كما تقدم في بيع المعدنين بهما معا مع جهل مقدار كل واحد منهما وإمكان تخليص كل واحد منهما من الأخر.

وظاهر ان ليس مراده عدم جواز بيعه بهما وبغيرهما إلا في هذه الصورة ، إذ معلوم جواز بيعه بهما وبغيرهما مع عدم الشرطين أيضا ، بل انما قيد بهما لعسر بيعهما حينئذ بأحدهما فقط ، كما نبه عليه بقوله : وان لم يمكن إلى أخره ، اي ان لم يمكن تخليص أحدهما عن الأخر بيع ذلك المصوغ منهما بأحدهما الذي هو الأقل منهما ، مع اشتماله على زيادة تقابل الجنس الأخر الذي هو أكثر والمراد بالزيادة ما يتمول عادة ويصح به الشراء ، وان لم يكن مساويا لمقابله كما مرّ.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٥ من أبواب الصرف ، فلاحظ.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا أيضا غير مخصوص بصورة عدم العلم وعدم إمكان التخليص ولا بالأقل ، بل بتلك (بذلك خ) ارغب وأسهل ، كما ان صورة التساوي غير مخصوصة بالبيع بهما معا ، فإنه يجوز بغيرهما وبأحدهما مع الشرط المذكور.

وبالجملة العبارة لا تخلو عن قصور ، والمقصود ظاهر.

والضابط (١) تحقق شرائط صحة البيع بحيث لا يشتمل على احتمال الزيادة والنقصان المستلزمين للربا.

ثم ظاهر هذه العبارة يدل على جواز بيع أمثال هذه المذكورات من غير العلم بوزن كل واحد ، بل المجموع أيضا (٢) ، مع انهم قد اشترطوا ذلك في محله ، فكأنه في المجموع معتبر لما تقدم ، لا في الاجزاء فتأمل.

وأيضا ظاهرها انه من بيع الصرف فلا بدّ من التقابض قبل التفرق.

ويمكن ان يقال : ان ليس من ذلك ، لانه عرفا لا يطلق بيع الأثمان والذهب والفضة على نحو ذلك خصوصا المركب المحلى والسيف ، فتأمل.

فان في السيف المحلى خبر دال على ان مقدار ما فيه من النقد (ما فيه خ) صرف.

وهو خبر أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع السيف المحلى بالنقد؟ فقال : لا بأس به ، قال : وسألته عن بيعه بالنسية؟ فقال : إذا نقد مثل ما في فضته (قبضته خ ل يب) ، فلا بأس به ، أو ليعطي الطعام به (٣).

والطريق الى أبي بصير صحيح ، ولكن انه يحيى بن أبي القاسم المكفوف الواقفي ، بقرينة نقل شعيب بن يعقوب العقرقوفي عنه ، لانه قائده وابن أخته والراوي

__________________

(١) في النسختين المخطوطتين (والظاهر تحقق إلخ) وما أثبتناه أصوب.

(٢) فإن قوله قدس سره (ان جهل قدر كل منهما) قد يصدق على الجهل بالمجموع أيضا.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٥ من أبواب الصرف ، الحديث ٣.

٣١١

والمراكب المحلّاة أو السيوف تباع بغير جنس الحلية مع الجهل ، أو بالجنس مع العلم والزيادة ، أو الاتهاب.

ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير أو بالعكس صح وان لم يتقابضا.

______________________________________________________

عنه (١).

وهذه تدل على اعتبار النقد في الفضة والذهب سواء كانا منفردين بحيث يصدق الاسم أم لا كاعتبارهما في الربا ، الا ان يكون مضمحلا جدا ، كما في الجدران وسقوف البيوت فلا يعتبران ، وسيجي‌ء خبر آخر في ذلك.

ويمكن عدم اعتبار الوزن في أمثاله ، لعدم تعارف الوزن فيها ، وان كان ، فيقيد بذلك كسائره.

قوله : «والمراكب المحلاة إلخ» قد علم مما تقدم معناه ودليله ، وانه معلوم ان ليس المراد ـ ببيعه بغير الجنس مع الجهل وبجنس حلية السيف والمركب مع العلم بشرط الزيادة ، أو اتهاب ما يحلى به ـ الحصر في ذلك ، بل السهولة وكونه ارغب ، ولا يجوز مع الزيادة مطلقا كما مرّ.

قوله : «ولو كان له عليه دراهم إلخ» يعني إذا كان لزيد مثلا على عمرو في ذمته دراهم فضة ، وقال : اشتريت منك الدنانير بها ، صح الصرف ، ولا يحتاج الى التقابض ، بان يوكله في قبضه له الدنانير ، ولا لتعيينه لنفسه ما به الدنانير من الدراهم وان كان مطلقا وفي الذمة ، ولا الى مضى زمان يسع التقابض ، فلو تفرقا قبله لم يبطل ويطالبه بالدنانير لحصول القبض.

وفيه تأمل واضح ، لان الدراهم وان كانت مقبوضة ، ولكن الدنانير غير

__________________

(١) سند الحديث كما في الكافي (عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب العقر العقرقوفي عن أبي بصير).

٣١٢

ولو زاد الثمن عن المقدر بما تجري العادة به فهو للبائع ، والا فللمشتري.

______________________________________________________

مقبوضة للمشتري ، فما حصل التقابض ، وهو قبض كل واحد مال الأخر الذي انتقل إليه بواسطة البيع والشراء وهو ظاهر.

نعم يمكن ذلك لو وكله في القبض والتعيين للمشتري الدنانير ، بل ينبغي تعيينه الدراهم أيضا ثم القبض لنفسه قبل التفرق.

ويمكن ان يكون المراد ، ان يكون الدنانير أيضا في ذمة المشتري ، فهي أيضا مقبوضة له ، وحينئذ يكون كل المال المنتقل إلى الأخر مقبوضا له.

والظاهر حينئذ صحة البيع وعدم الاحتياج الى التوكيل للتعيين والقبض ، ولا الى مضى زمان ، لصدق القبض المفهوم من الاخبار التي هي دليل أصل الحكم ، لانه يصدق انه باع يدا بيد والمبيع والمشتري مقبوض لهما ، وانه أخذ قبل التفرق ، وهو ظاهر من غير فرق بين المتجانسين المتساويين والمختلفين مطلقا الا انه يجي‌ء فيه الاشكال من جهة انه حينئذ بيع دين بدين ، والظاهر عدم جوازه.

قوله : «ولو زاد الثمن إلخ» كأنه مأخوذ من العادة والمسامحة في المعاملة بالقدر القليل ، ولهذا يستحب أخذ الناقص وإعطاء الزائد ، فقد يكون إعطاء الزيادة للاستحباب.

وأيضا قد يكون ذلك لاختلاف الموازين فإنه كثيرا ما يكون كذلك وكذا الحال في المبيع.

واما إذا كان كثيرا فمحمول على الغلط والسهو ، فهو مال للمالك ، والظاهر كونه امانة في يد الأخر فيكون يده يد امانة ، فيحفظه على طريق الأمانات ، فلا يضمن الا مع التفريط والإفراط.

ويفهم من قول بعض الأصحاب : انه امانة شرعية ، الا ان يكون عمدا وعلما من المالك ، فوجب اعلام صاحبه فوريا أو إيصاله اليه مع الإمكان ، فلو ترك

٣١٣

وروي تجويز بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة خاتم.

______________________________________________________

يأثم ويضمن.

وفيه تأمل ، لأنه تكليف شاق ، والأصل عدمه ، ولانه قد يتلف في الطريق الذي يريد إيصاله اليه ، مع انه غير مأذون.

وان أمكن ان يقال : الظاهر انه محسن غير مفرط ، إذ الغرض ذلك مع الأمن من التلف في الطريق ، وان الغالب رضا صاحبه بذلك.

ولا يبعد وجوب الإعلام أو الرد في صورة الجهل أما فوريا فغير ظاهر ، نعم ينبغي ذلك بحيث لا يفوت غرض متعلق بذلك المال ، ولا يعد القابض مهملا ومقصرا.

والظاهر انهما يصيران شريكين بالنسبة.

ويحتمل ثبوت الخيار لمن عنده الزيادة ، للتعيب بالشركة.

ولعله أريد القدر القليل المتسامح به (١) ، لما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فضول الكيل والموازين؟ فقال : إذا لم يكن تعديا (تعدى يه خ) فلا بأس (٢).

وحسنة علي بن عطية قال سألت أبا عبد الله عليه السلام : فقلت : انا نشتري الطعام من السفن ثم نكيله فيزيد؟ قال : فقال لي : وربما نقص عليكم؟ قلت : نعم ، قال : فإذا نقص يردّون عليكم؟ قلت : لا ، قال : لا بأس (٣).

قوله : «وروي تجويز بيع درهم إلخ» إشارة إلى انه قد تقرر عندهم ان الزيادة مطلقا هنا هو ربا سواء كانت عينا أو منفعة ، الا انه قد وردت رواية بجواز

__________________

(١) أي في كلام المصنف.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ ، كتاب التجارة ، الباب ٢٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢ وفي الفقيه (الحسن بن عطية) بدل (علي بن عطية).

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بيع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، وقد عمل البعض بها مثل الشيخ رحمه الله ، وعدّاها الى غير الصورة المذكورة من أمثالها ، وهو قريب من مذهب ابن إدريس الذي هو تحريم الزيادة العينية.

والمشهور خلافه وعمومه في العينية والحكمية.

لعل دليله عموم أدلة تحريم الربا وهو الزيادة مطلقا حتى ان الأجل زيادة وسيجي‌ء تحقيقه.

وهي رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول للصائغ صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما طازجا (١) بدرهم غلة (٢)؟ قال : لا بأس (٣).

ولعل المصنف متردد فيه كغيره ، حيث قال : وروى.

ويؤيده انها غير معلوم الصحة ، لعدم العلم بتوثيق محمد ، ولهذا لم يسم الأخبار التي هو فيه بالصحة ، ولا بالحسن.

ودلالتها أيضا على ما صورها غير ظاهرة ، إذ ليس فيها بيع درهم بدرهم وشرط الصياغة ، بل جعل صياغة خاتم الصائغ في مقابلة تبديل درهم جيد بدرهم ردي ، الا ان يجعل التبديل كناية عن البيع ، ويقال : لا فرق بين جعل الصياغة أصلا والبيع شرطا وبالعكس ، وهو غير بعيد.

ولكن بقي انه قد يكون صياغة الخاتم مقابلا لرداءة الدرهم الغلة ، فكأنه باع درهما وجيادته بدرهم ردى مع الصياغة ، فهو بيع جنسين بجنسين.

__________________

(١) في الحديث الدراهم الطازجية بالطاء الغير المعجمة والزاء والجيم اي البيض الجيدة وكأنه معرب تازه (مجمع البحرين).

(٢) الغلة بالكسر الغش قاله في الصحاح (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب الصرف ، الحديث ١.

٣١٥

ولو اشترى بنصف دينار لزمه شق دينار ، ولو أراد النصف صحيحا عرفا أو نطقا لزم.

______________________________________________________

أو انه جبر نقص الرداءة بالصياغة ، فلا زيادة من احد الجانبين على الأخر ، وهذا غير بعيد.

ولكن ظاهر قوانينهم ان ليس الجيادة زيادة تجبر بشي‌ء ، ولهذا لا يتحقق الربا بين الجيد في غاية الجيادة والردي‌ء في نهاية الرداءة مع التساوي في المقدار ويتحقق مع التفاوت وان كان في جانب الردى بشي‌ء يسير لا يقابل الجيادة التي في الجيد ، وهو صريح كلامهم.

نعم لو صحت الرواية يمكن الاقتصار عليها أو على أمثالها أيضا قياسا.

وعلى التقديرين (١) يكون هذه نكتة غير مطردة ، أو لا يثبت الربا إلا في العينية ، أو اعتبر الجيادة وجعلت بمنزلة العين ، ليتم العمل والتعدي ، ولكن (في الصورتين الأخيرتين خ) في الحقيقة ليس دليله هذه الرواية.

قوله : «ولو اشترى بنصف دينار إلخ» أي لو قال في الصيغة : اشتريت بنصف دينار مثلا ، لزمه ان يشق الدينار بنصفين ، فيعطي نصفه ، لانه ظاهر في ذلك والألفاظ محمولة عليه ، الا ان تكون قرينة تدل على غيره ، بان يكون المتعارف في البلد نصف الدرهم (٢) المسكوك الصحيح ، أو نطق به وقال : اشتريت بنصف درهم مسكوك وكان موجودا ، لزمه ذلك حينئذ ، بل لا يبعد انصراف المطلق الى غيره أيضا بحسب العادة كما هو الآن فإنه يقال : نصف تبريزي يراد به اربع شاهيات ونصف دهنيم (٣) ويراد به عثمانيا فلوسا وغير ذلك.

وبالجملة يتبع العرف في ذلك كما في غيره.

__________________

(١) اي المذكورين في قوله قدس سره (ولكن قد بقي إلى قوله وهذا غير بعيد).

(٢) هكذا في النسخ كلها والصواب نصف الدينار كما لا يخفى.

(٣) يك قسمت از بيست قسمت : نيم عشر (لغت نامه دهخدا كلمه (٥).

٣١٦

وتراب الصياغة يباع بالنقدين معا ، أو بغيرهما ويتصدق بالثمن لجهالة أربابه.

والأثمان يتعين بالتعيين

______________________________________________________

قوله : «وتراب الصياغة إلخ» قد علم وجه بيعه بهما أو بغيرهما من الأموال ، لا بأحدهما فقط ، لاشتماله على النقدين وعدم العلم بكون ذلك مشتملا على جنسه وزيادة تقابل ما سواه.

ولو علم فالظاهر الصحة به أيضا كما تقدم ، خصوصا في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (١).

وتدل على ما ذكره أيضا ـ مع التصدق بالثمن المجهول أربابه ـ رواية علي بن ميمون الصائغ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه ، فما اصنع به؟ قال : تصدق به ، فاما لك واما لأهله ، قلت : فان فيه ذهبا وفضة وحديدا ، فبأي شي‌ء أبيعه؟ قال : بعه بطعام قلت : فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال : نعم (٢).

وكأنه ترك بيعه بالنقدين ، لبعد ذلك ، ولظهور جوازه (لو فرض خ).

ولا يضر عدم صحة هذا الخبر لوجود غيره كما عرفت.

وقوله رحمه الله : (لجهالة أربابه) يدل على جواز التصدق في كل مجهول مالكه ، كما هو مضمون الاخبار.

قوله : «والأثمان يتعين إلخ» دليله واضح لأنه أمر موجود محقق وقع العقد عليه ، فينتقل هو بعينه الى من اشتراه أو باعه فلا يجزى البدل ، وهو ظاهر متفق الأصحاب على الظاهر ، وخلاف بعض العامة غير ملتفت إليه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٧ من أبواب الصرف ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب الصرف ، الحديث ١.

٣١٧

فلو اشترى احد النقدين بالمثل معينا فوجده من غير الجنس بطل ، وكذا لو باع ثوب كتان فخرج صوفا أو إبريسما ولو وجد البعض بطل فيه.

ويتخير المشتري ولو كان منه معيبا فله الرد أو الإمساك بغير شي‌ء ، وليس له رد المعيب وحده ولا الابدال.

______________________________________________________

قوله : «فلو اشترى احد النقدين إلخ» دليل بطلان الصرف لو قال : بعتك هذه الفضة بهذه وخرج المبيع (مثلا خ) غيرها مثل النحاس ، ظاهر ، إذ الذي وقع عليه البيع غير مراد ، والمراد ما وقع عليه العقد وهو ظاهر.

وتخيل تغليب الإشارة باطل ، وكذا في كل بيع.

أمّا لو كان البعض من الجنس والبعض من غيره ، فلا شك في البطلان في البعض الغير الجنس ، وظاهر كلامهم الصحة في البعض الذي من الجنس ، لوجود شروط العقد فيه من غير مانع ، وأصل عدم توقف صحة البعض على البعض الأخر ، ولان العقد على الكل بمنزلة العقد على كل جزء جزء ، ولعله لا خلاف بينهم.

وقد يتخيل ان الرضا انما حصل بالمجموع ، وكذا العقد ، لا بالبعض ، وهو جار في كثير من المسائل ، مثل بيع مال نفسه وغيره ، فإنهم يقولون بالصحة في ماله دون غيره ، فتأمل.

ولكن للمنتقل اليه الخيار ، لتبعض الصفقة ، وان لم يكن مشاعا فله ان يقبل البعض الذي من الجنس بقسطه من الثمن وان يرد الجميع ويأخذ ثمنه ، ولعله إجماعي ، وهو دليله ، وليس له طلب بدل البعض من غير الجنس ، لوقوع العقد عليه ولم يصح ، فليس له عنده لا هو ولا غيره ، وهو ظاهر ، وكأنه مجمع عليه أيضا.

قوله : «ولو كان منه معيبا إلخ» لو كان احد النقدين الذي وقع العقد على عينه من جنس ما وقع عليه العقد ، مثل ان كان ذهبا ، فخرج ذهبا ، ولكن

٣١٨

ولو كان غير معين فوجده من غير الجنس فله الابدال قبل التفرق وبعده يبطل.

ولو وجده (منه خ) معيبا فله الرد والإمساك بغير أرش والبدل وان تفرقا.

______________________________________________________

ذهبا معيبا لا خالصا ، فللمنتقل اليه الخيار بين رد الكل وإمساكه كما في سائر المعيبات ، الا انه لا أرش هنا ، لانه يلزم الربا ، لان الغرض هو لتساوي بين الجنسين والأرش زيادة جزء ـ الذي الأرش المعقود عليه حقيقة ـ عندهم ، فكأنه وقع العقد بين الربويين مع التفاضل وان كان بعد مفارقة المجلس يلزم عدم الصحة في الأرش من وجه آخر ، وهو فوت شرط الصحة.

وليس له ان يرد البعض المعيب من المبيع ان كان البعض مخصوصا بالعيب ، لان العقد وقع على الكل ، وتبعيض (وتبعض) الصفقة ضرر وعيب لا يلزم (لا يجوز) صاحبه الإجبار والإلزام ، للزوم الضرر.

تأمل فيه ، فإنه قد يشم منه رائحة المخالفة ، لما تقدم من الصحة في البعض والبطلان في البعض الأخر ، ولان العقد وقع على انه صحيح ، فكيف يصح في المعيب ، وهو جار في كل المعيبات فتأمل.

وكأنه للإجماع والنص صح ذلك وثبت الخيار.

وليس له هنا أيضا طلب بدل هذا المعيب ، لما مرّ.

قوله : «ولو كان غير معين إلخ» يعني لو وجد احد النقدين المأخوذ على انه المنتقل اليه بالعقد مع عدم تعيينه فيه غيره ، بان كان عشرين مثقالا ذهبا مثلا ، فسلم المالك عشرين فوجد ذلك العشرين المأخوذ نحاسا. ليس له الا طلب ما اشتراه صحيحا ، وهو المراد بالإبدال.

وهو ظاهر ، لانه اشترى شيئا وما سلمه إليه فله مطالبته به ، ولكن إذا حصل قبل التفرق صح البيع ، والا بطل لفوت شرط الصحة.

اما لو وجده من جنس ما وقع عليه العقد ، وهو الذهب مثلا ولكن معيبا

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

غير خالص ، فقال المصنف : فله الرد وابطال العقد رأسا ، لأنه قد تعين بالقبض ، المقبوض لكونه مبيعا ، فهو مبيع معيب يجوز الرد كما في غيره أو الإمساك والرضا به من غير أرش ، إذ في الأرش ما مرّ.

والظاهر ان له رد المعيب أيضا وطلب التبدل الصحيح أيضا قبل تفرق المجلس ، وهو الظاهر أيضا ، لأنه انتقل اليه بالعقد الصحيح ، وما وصل اليه فله طلبه.

ولكن هل له ذلك بعد ذلك؟ قال المصنف : له ذلك لان المقبوض معين لكونه مبيعا وقد حصل الشرط ، وهو قبض ما هو من جنس ما وقع عليه العقد قبل التفرق الا انه لما كان فيه نقصا عن حقه من جهة الوصف ، جاز له مطالبة تلك النقيصة بأخذ العوض ، وذلك غير ما وقع عليه العقد ، فلا يحتاج صحة العقد الى قبضه قبل التفرق.

وفيه تأمل لأن بعد الرد انكشف عدم صحة القبض وعدم كونه متعينا لما وقع عليه العقد ، والا ما كان له الرد وطلب التبديل ، ولهذا قال في الدروس : الأقرب ان ليس له الإبدال ، فتأمل.

ثم ان ظاهر المتن ان يكون له الرد وابطال العقد بالكلية كما في سائر المعيبات لما مرّ.

وفيه تأمل لما علم من بطلان التعيين بالرد ، وهو ظاهر ، ولهذا نقل في الدروس عن المختلف الابدال دون الفسخ ، وعلى تقدير بقائه لا ينبغي البدل.

ويمكن ان يكون قوله (البدل) من تتمة قوله (فله الرد) قبل قوله (أو الإمساك) ذكره للتصريح بجواز ذلك بعد التفرق أيضا ، وفيه بعد لفظا ولكنه قريب معنى ، وأمر اللفظ هين ، فتأمل.

وبالجملة لا منافاة بين أخذ البدل وتجويز الرد من غير بدل فافهمه.

٣٢٠