مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

ويشترط كون المشتري للمسلم والمصحف الا فيمن ينعتق بملكه مسلما.

______________________________________________________

حنظلة (١) فجاز له ما جاز للإمام الذي هو اولى الناس من أنفسهم.

ويؤيده جواز التصرف في مال الأطفال للأخبار الصحيحة الصريحة (٢) ولبعض ما في الآيات مثل خرق السفينة واقامة الجدار في حكاية الخضر وموسى عليهما وعلى نبينا السلام (٣) وان كان في شرع من قبلنا. لان ظاهر الجواب يدل على ان سبب جوازه هو اقتضاء العقل وحكمه بأنه نافع ، فيجوز في كل المذاهب. ويمكن استفادته من مواضع أخر ، فافهم.

ويمكن جواز ذلك لآحاد المؤمنين الذي يثق من نفسه مع تعذر الحاكم ، لبعض ما تقدم (٤) فتأمل ، وما رأيت له دليلا غير ما ذكرناه ، ولا تفصيلا في كلامهم.

قوله : «ويشترط كون المشتري إلخ» يعني لو كان المبيع مسلما أو مصحفا ، يشترط كون المشتري مسلما ، وهو المشهور ، قال في التذكرة في الأول : وهو مذهب أكثر علمائنا ، واستدل عليه بقوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (٥) وبأنه لا يجوز الاستدامة فلا يجوز الابتداء ، فكأنه لا خلاف في الاستدامة ، فلو ملكه بالإرث يحكم عليه بالبيع.

ولعل دليل عدم جواز بيع المصحف عليهم ، وعدم جواز شراءه لهم ، هو تعظيم كتاب الله العزيز.

قاله في التذكرة : قال : وهو أحد وجهي الشافعي ، فتأمل في الدليل.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب القضاء ، الباب ١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) سورة الكهف ، الآية ٢١ الى ٨٢.

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، فراجع.

(٥) سورة النساء ، الآية ١٤١.

١٦١

ولو باع المملوك له ولغيره ، فإن أجاز المالك صح.

والا بطل فيما لا يملك ، ويقسط المسمى على القيمتين ، ويتخير المشتري في الفسخ (في فسخ البيع خ ل).

______________________________________________________

واستثنى من ذلك من كان المشتري ينعتق عليه مثل الأب والابن والمحرمات من النساء نسبا.

لعل وجهه انه لا يبقى السبيل والتسلط ، لانه ينعتق عليه في الحال ، فالبيع عليه أصلح له ، فكأنه يحصل في ملكه ثم ينعتق ، فتأمل.

قوله : «ولو باع المملوك له إلخ» أي لو ضم مال غيره الى مال نفسه وباعهما صفقة ، فإن كان باذنه فهو صحيح ويقسط المسمى ، وان لم يكن بإذنه ، فإن أجاز فكذلك ان قلنا بصحة الفضولي والا بطل في مال الغير فقط ، ويقسط الثمن لتمييز ثمن ماله.

ويحتمل البطلان رأسا ، فإنه انما حصل التراضي والعقد على المجموع وقد بطل ، وما حصل على البعض التراضي والعقد ، إذ حصوله في الكل لا يستلزم حصوله في الجزء.

والمشهور انه انما يبطل في مال الغير فقط ، فان العقد على الكل بمنزلة عقود متعددة على الاجزاء ، ولهذا لو خرج بعض ماله مستحقا لا يبطل الا فيه ، ونحو ذلك كثيرة.

نعم لما لم يكن ذلك صريحا وكان تبعيض الصفقة عيبا ، يكون للمشتري الخيار ان جهل بالحال ، والا فلا.

وفيه تأمل معلوم مما تقدم ، ولأن البائع أيضا ما رضي الا على الوجه الخاص ، فكيف تلزمه على غير ذلك الوجه.

ويحتمل ثبوت الخيار له أيضا إذا ادعى الجهل ، أو ظن قبول مالكه العقد

١٦٢

ولو ضمه الى غير المملوك كالخمر والخنزير والحر ، قوّم عند مستحيلة ، أو على تقدير العبودية ، وقسط المسمى (الثمن خ ل) على القيمتين ، ولو علم المشتري في الموضعين فلا خيار.

ولو باع غير المملوك ورجع المالك في العين رجع المشتري على البائع بالثمن وبما غرمه مما لم يحصل له في مقابلته نفع ، كالنفقة وقيمة الولد والعمارة ، مع الجهل بالغصب لا مع العلم.

______________________________________________________

الفضولي ، أو ادعى فيه الاذن ونحو ذلك.

وكذا الكلام فيما لو ضم الخنزير أو الخمر ، الا انه يثمن عند مستحليه ، بان يقوم عدلان عارفان مسلمان جديدا منا أنه يسوى عند مستحليه كذا وكذا. ويمكن الاكتفاء بمن يثق منهم على تقدير العجز وحصول العلم أو الظن القريب ، ويقوم الحر ، بفرضه رقا.

ولو كان المشتري عالما لا خيار له في الكل ، وهو ظاهر ، لأنه أقدم على ذلك مع العلم ، فكأنه اشترى الجزء الذي هو ملك البائع بثمنه.

وقيل طريق التقويم ان يقوما جميعا ، ثم يقوم أحدهما وينسب قيمته إلى قيمة الكل وأخذه هذه النسبة من المسمى لهذا المقوم ويبقى الباقي للآخر ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو باع غير المملوك إلخ» يعني لو غصب مال شخص وباعه ، فإن رضي المالك بعد علمه وقلنا بصحة الفضولي ، فلا كلام ، والا فالبيع باطل ، فيرجع الي عينه ان كانت باقية ، والا فالمثل أو القيمة ، قيل : أعلى القيم ، وقيل : حين التلف ، وقيل : حين القبض.

وليس ببعيد إيجاب عوض ما نقص عنده أيضا ، فلو كان حين الغصب سمينا يسوى عشرين مثلا ، ويسوى حين التلف ثلاثين مع ضعفه بحيث لو كان سمينا يسوي أربعين ، فيجب حينئذ أربعين على تقدير أعلى القيم وحين التلف.

١٦٣

وهل يرجع بما حصل له في مقابلته نفع كالسكنى والثمرة واللبن وشبهه؟ قولان

______________________________________________________

وبالجملة ينبغي ضم قيمة ما نقص من العين مع القيمة مثل العين ، فإنه ينبغي ردها مع عوض ما نقص فكذا القيمة ، وكلامهم خال عن ذلك ، وقالوا :لا اعتبار بتفاوت السوق ، وانه لا عوض له ، فليس الاعتبار بوقت التلف ، مع ملاحظة ما قلناه ببعيد ، لان ذلك هو وقت الضمان وقيمة السوق ليست بمعتبرة ، واعتبرنا ماله قيمة وعوض في العين ان نقص ، فتأمل.

والمالك مخير بين الرجوع الى المشتري أو البائع ، ثم يرجع المشتري على البائع بثمنه وبجميع ما غرمه على تقدير رجوع المالك اليه ، ان لم يكن حصل في مقابلته له نفع ، حتى عوض النقص الحاصل بالهزال ، مثل ما أنفق عليه ، وبقيمة الولد الذي حصل له من العين المشتراة ان كانت جارية ، التي أعطاها للمالك لفك ولده ، لانه حر.

وهل يرجع بما حصل له نفع مثل قيمة اللبن الذي اكله ، وقيمة الثمرة التي أكلها ، واجرة السكنى التي أخذها منه المالك أم لا؟ فيه قولان ، يلتقيان (يلتفتان خ ل) ، إلى انه لما حصل له نفع وحصل عنده عوضه ، فينبغي ان يعطي ، فيحسب انه اشترى واستكرى ، فما حصل عليه ضرر ، والى انه سلطه عليه البائع بأن يأكله ويسكنه مجانا ولا يعطي شيئا غير ثمن المبيع.

ويحتمل ان لم يكن له ، لم ينتفع به فلم يشتر اللبن ولا الثمرة ولا يسكن دارا له اجرة.

والظاهر الرجوع لما مرّ ، ولأنه بمنزلة تسليطه على ماله يأكله مباحا.

هذا كله مع جهله ، واما مع علمه فقيل يرجع الى البائع بعين ثمنه لو كانت باقية ، والا فلا ، لانه سلط البائع على ماله مجانا ، فلا عوض له ، فكأنه ضيع ماله.

١٦٤

ويجوز ان يتولى الولي طرفي العقد

______________________________________________________

فتأمل فيه ، لأن المشتري إنما سلطه لكونه عوضا عن المال المغصوب ، أي لأن يسلطه البائع على أخذ مال الناس ظلما ، ويخليه ان يفعل ذلك ، فهو بذل مال في أمر محرم ، فلا يملكه الأخذ ، ولا يبيح له ان يتصرف مثل الرشوة وعوض الخمر وسائر المحرمات ، فالظاهر انه لا يبيح له التصرف فيه حينئذ ، ويضمن ، فله ان يرجع الى عوضه كما في الأمثلة الا ان يفعل شيئا مملكا أو مبيحا غير ذلك الوجه ، ويحمل كلامهم على ذلك ، والا فبعيد كما ترى. وقد أشار الى ما قلناه المحقق أبو القاسم نجم الدين رحمه الله في جواب المسائل التي سئل عنها ، فيشكل دعوى الإجماع المنقول في التذكرة على عدم وجوب رد القيمة ، ويمكن حمله على ما مرّ.

قوله : «ويجوز ان يتولى الولي إلخ» الظاهر من كلامهم عدم الخلاف في ذلك ، بل ادعى الإجماع في المنتهى عن ابن إدريس ، ويفهم الخلاف في شرح الشرائع.

فللأب والجد ان يشتري مال ولده لنفسه ، ويشتري له من نفسه ، بل في النكاح أيضا بأن يزوج جارية ولده من صبي ولده الآخر ، وكذا الوكيل الولي ان يفعل ذلك.

وانما الخلاف في الوكيل ، بان يكون شخص واحد وكيل البائع والمشتري معا ويوقع العقد ، أو يكون وكيلا لأحدهما ويوقعه لنفسه. والوصي بأن يوقع العقد لنفسه من مال الطفل ، أو يكون وليا لأطفال يشتري للبعض من مال الآخر.

وعموم أدلة جواز العقود والإيفاء بها يدل على الجواز ، لصدق العقد عليه من غير نزاع ، فيكون تحت (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) من غير نزاع ، ولانه عقد صدر من أهله في محله مع الشرائط ، فيصح ، والأصل عدم شرط آخر ، وعدم كونه من شخص واحد مانعا ، وعدم اشتراط التعدد ، ولان الغرض الرضا لا غير لما مرّ ،

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولأنه تجارة عن تراض ، وللجواز في الولي ، وهو صريح في عدم مانعية الوحدة وعدم اشتراط التعدد.

والاخبار الدالة على ان ليس للوكيل ان يشتري لنفسه ، وكذا البيع (١) محمولة بعد تسليم سندها ، ودلالتها على التحريم ، فإنهما خبر ان غير صحيحين وغير صريحين في التحريم ، وفي أحدهما إشعار بأنه محل التهمة والتدليس ، فالكراهة محتمل جيد. وكذا التهمة على عدم الاذن الصريح ، فالمنع ليس من جهة الاتحاد ، بل من جهة عدم الإذن ، فإن ظاهر الكلام ان المعاملة يكون من غير الوكيل ، وهو الظاهر من الروايات وفهمه الأصحاب إلا ابن إدريس ، فتأمل ، فيشتري لنفسه مع الاذن الصريح ، وكذا البيع ، نعم الاحتياط يقتضي عدم ارتكاب مثل ذلك سيما في الأنكحة ، وينبغي الإيقاع بينهما (٢) وبين نفسه ، وان نفسه لم يعرف يجعلها وكيله ويكون هو وكيلها ، أو يجعل شخصا آخر وكيلا ويكون هو وكيلها.

وقد منع ذلك بعض العامة ، نظرا الى ان الوكيل والموكل بمنزلة شخص واحد ، فما خرج من كون طرفي العقد شخصا واحدا ، وهو ممنوع كما ترى ، ولكن الاحتياط لا يترك.

وقد يتخيل ان الأصل عدم انتقال مال الى غيره ، وعدم حصول الإباحة ، وقد علم ذلك في المتعدد بالإجماع ونحوه ، مثل صدق العقد حينئذ بالإجماع ، وذلك غير واضح في الواحد ، فيبقى على أصل المنع.

ويمكن دفعه بما مرّ ، وهو ان الدليل قد أبطل الأصل ، فيترك لذلك. نعم الاحتياط أمر حسن خصوصا في زماننا ، لعدم العلم بوجود قول من يعمل به.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١ ـ ٢.

(٢) هكذا في النسخ المطبوعة والمخطوطة التي عندنا ولعل الصواب بينها بالافراد لا بينهما بالتثنية.

١٦٦

الركن الثالث : العوضان

وفيه قطبان : الأوّل : في الشرائط.

يجب كونهما مملوكين ، فلا يصح بيع الحر والخنافس (والديدان خ) وشبههما والحشرات والفضلات.

وما لا ينتفع به لقلته كالحبة من الحنطة ، والمشترك بين المسلمين. قبل الحيازة كالماء والوحوش وارض الخراج

______________________________________________________

قوله : «يجب كونهما مملوكين إلخ» إشارة إلى شرائط في الركن الثالث ، وهو العوضان.

منها ان يكونا مملوكين لمن له البيع والشراء ، وهو ظاهر ، إذ لا معنى لبيع ما لا يملك ولا الشراء به ، وان ذلك سفه وتبذير غير مشروع ولا معقول ، ولا إذا كانا لغير من لهما ، وهو مجمع عليه.

قوله : «ولا ما لا ينتفع به لقلته إلخ» كأنه إشارة الى ان المراد بالملك ، هو الملك الذي يحصل به النفع ، فهو عطف على الحر ، فلا يصح ولا يجوز المعاملة بما لا ينتفع به لقلته ، وان كان ملكا كحبة من حنطة. ولهذا لا يجوز أخذه من غير اذن صاحبه ، وان لم يجب الرد والعوض بناء على ما قيل.

ولعل دليله يظهر مما مرّ من ان بذل المال في مقابلة مثله سفه عقلا وشرعا ، فلا يجوز ، وانه ليس معاملة مثله متعارفا ، والمعاملة المجوزة يصرف إليهما (إليها خ ل).

وفيه تأمل لأنه قد ينتفع به وذلك يكفى ، ولهذا قيل : لا يجوز سرقة حبة من الحنطة ، وينبغي الضمان والرد أيضا ، وان قيل بعد مهما ، ومجرد كونه ليس بمتعارف لا يوجب المنع ، نعم لا بد من بذل ما لا يزيد عليه ، لئلا يكون سفها وتبذيرا كما في سائر المعاملات ، فإنه قد يشتري حبة حبة ويجتمع عنده يحصل فيه نفع كثير ، وقد

١٦٧

وتمامية الملك.

فلا يصح بيع الوقف الا ان يخرب ويؤدي الى الخلف بين أربابه على رأي.

______________________________________________________

يحصل النفع بالانضمام الى غيره أيضا.

وبالجملة ما لا نفع فيه أصلا وبوجه من الوجوه لا يجوز معاملتها ، للسرف ، واما ما له نفع في الجملة كالحبة فليس بظاهر عدم جواز المعاملة بأمثالها.

قوله : «كالماء والوحوش إلخ» ظاهر العبارة تدل على انهما مملوكان ، والملكية مشتركة بين المسلمين كأرض الخراج.

وكان في المثال مسامحة ، إذ الظاهر انهما ليسا بمملوكين ، بل قابلان للملكية كل انسان ، نعم ارض الخراج مثل المفتوحة عنوة مملوكة ، وقد مرّ عدم جواز بيعه ، وقيل : انه يجوز تبعا للآثار ، وقد مرّ ان الظاهر ان لا يجوز بيعها مطلقا ، بل انما يجوز بيع الآثار فقط ، والأولوية والأحقية ان كانت ، تبعية.

نعم يمكن ان يبيعها الامام عليه السلام لمصالح المسلمين إذا توقفت عليه.

قوله : «وتمامية الملك إلخ» معناها غير واضح ، نعم الأمثلة ظاهرة ، وقد يراد بها ما للمالك ان يتصرف كيف شاء ، وفيه إجمال لا يعلم انه أي شي‌ء ، مما يجوز فيه مطلق التصرف أم لا حتى يعلم جواز بيعه وعدمه.

قوله : «فلا يصح بيع الوقف إلخ» دليله ظاهر ، وهو لزوم إخراجه عما أوقف عليه الذي هو قصد الواقف فإنه لا بد في الوقف من اعتبار عدم بيعه ، بل ذلك داخل في أصل الصيغة والإخراج عما قصده مع كونه جائزا غير جائز ، وهو ظاهر.

وقد استثنى منه ثلاث مواضع :

(أحدها) خروجه عن الانتفاع فيما أوقف له ، كرث (١) حصر المسجد

__________________

(١) الرث الشي‌ء البالي مجمع البحرين.

١٦٨

ولا بيع أم الولد ما دام ولدها حيا ، إلا في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها به.

______________________________________________________

وكسر جذعه ، فلا يبعد بيعه للمتولي وهو الناظر الخاص ، ومع عدمه للحاكم ، ولآحاد المؤمنين لو لم يكن ، وشراء ما ينتفع به فيه ، لأنه إحسان ، وتحصيل لغرض الواقف مهما أمكن ، وكأنه إليه أشار بقوله : (الا ان يخرب).

ويمكن إدخال ما ينقص نفعه وما ليس فيه نفع في الموقوف عليه ـ فيه.

(وثانيها) ما إذا لحق موقوفا عليهم حاجة شديدة وضرورة كلية ، ولا يندفع بغلة الوقف ، ويندفع ببيعه.

ويدل عليه الاعتبار والاخبار مثل رواية جعفر بن حنان (١).

وفيه تأمل ، لعدم كونه دليلا ، مع وجود المنع ، وصحة الخبر غير معلوم ، وكان لذلك ما أشار إليه المصنف رحمه الله ، وسيجي‌ء في بابه.

(وثالثها) إذا ادى الى الخلف بين أرباب الوقف ، بحيث يخاف منه التلف. دليله الضرورة ، ووجوب حفظ ما يتلف ، وصحيحة علي بن مهزيار (٢) وسيجي‌ء في بابها ان شاء الله.

وإذا أمكن شراء شي‌ء آخر خال عن المفسدة ، يمكن وجوبه ، لحفظ مقصود الواقف مهما أمكن.

قوله : «ولا بيع أم الولد إلخ» أي لا يصح بيع أم الولد لنقصان في ملكيتها ، وهي على ما هو المشهور امة حملت في ملك سيدها ، منه. وعدم جواز بيعها ما دام ولدها حيا ، مع إيفاء ثمنها ، أو القدرة عليه مما لا خلاف فيه بين المسلمين ، ولعله دلت عليه بعض الروايات (٣) وسيجي‌ء في كتاب العتق.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ ، كتاب الوقوف والصدقات ، الباب ٦ في أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث

(٢) الوسائل ، ج ١٣ ، كتاب الوقوف والصدقات ، الباب ٦ في أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث

(٣) الوسائل ، ج ١٦ كتاب العتق الباب ٢ من أبواب الاستيلاد ، فراجع.

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد الحق بالبيع سائر ما يخرجها عن الملك ، قياسا على البيع ، لظهور الاشتراك في العلّة ، ولانه لو جوز غيره لا يبقى فائدة منعه ، وهو بقائها على الملك لتعتق ، إذ تخرج عن الملك بوجه آخر مثل الصلح والهبة وغيرهما ، فتأمل.

وقد استثنى مواضع مذكورة في الكتب مجتمعة ومتفرقة : (منها) بيعها بعد موت ولدها ، ولا خلاف عندنا فيه على ما نقل في شرح الشرائع وغيره.

وكذا بيعها في ثمن رقبتها إذا كان الثمن دينا في ذمة المولى وهو معسر به الان ، مع إخراج مستثنيات الدين مثل دست (١) الثوب وبيت السكنى ، وقوت يوم وليلة ، والظاهر عدم الخلاف إذا كان بعد موت المولى.

ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى جارية يطأها ، فولدت له ، فمات؟ فقال : ان شاؤا ان يبيعوها باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها ، وان كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه ، وان كان ولدها صغيرا ينظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها ، فان مات ولدها بيعت في الميراث ان شاء الورثة (٢).

وهذه غير صحيحة لوجود المجهول مثل القصير وخداش ، ولوجود محمد بن عيسى وأبي بصير المشتركين (٣).

على ان في متنها أيضا تأملا ، وما رأيت غيرها (٤).

__________________

(١) الدست من الثياب ما يلبسه الإنسان ويكفيه لتردده في حوائجه ، وقيل : كلما يلبس من العمامة إلى النعل والجمع دسوت (مجمع البحرين لغة دست).

(٢) الوسائل ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٤ ـ ٥.

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عيسى عن القصري عن خداش عن أبي بصير).

(٤) نعم روى الكليني في الفروع ج ٦ ص ١٩٢ الحديث ٤ ما لفظه (علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى جارية يطئها فولدت له ولدا فمات ولدها ، فقال : ان شاؤا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها ، وان كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه) فعلى هذا لا مناقشة في السند.

١٧٠

ولا الرهن إلا بإذن المرتهن.

______________________________________________________

ففي استثناء غير الصورتين ، بل في استثناء بيعها مع حياة المولى أيضا تأمل.

وما عرفت وجه تعليل هذا الفرد بقوله في شرح الشرائع : لإطلاق النص ، وما رأيت نصا آخر ، وفي دلالة هذه الرواية على البيع بعد موت الولد فقط أيضا تأمل ظاهر.

فيمكن الاقتصار على موضع الوفاق ، وهو البيع في الدين مع موت المولى وموت الولد فلا يستثنى غيرهما عن موضع الإجماع.

ولكن لا يبعد ان يقال : ان الاستصحاب وأدلة العقل والنقل تدل على جواز التصرف في الا ملاك مطلقا ، فيجوز مطلق التصرف في أم الولد ببيعها مطلقا وغيره الا ما خرج بدليل ، وما ثبت الدليل ، وهو الإجماع هنا إلا في منع البيع مع بقاء الولد وعدم إعسار المولى بثمنها ، فيجوز بمجرد موت الولد مطلقا ، لعدم الإجماع ، وفي ثمن رقبتها كذلك ، لذلك ، فتأمل واحتط.

ويمكن بيع بعضها لو كان الدين والإعسار في البعض.

قوله : «ولا الرهن إلا بإذن المرتهن» اي لا يصح بيع ما رهنه ، لعدم جوار التصرف فيه الا بإذن المرتهن والبيع تصرف. لعل دليله.

ويمكن فهمه من الإجماع والرواية أيضا (١).

والظاهر انه يجوز بيعه للاقتضاء وان لم يرض المرتهن ، وقد استثنى في مواضع أخر مذكورة في الكتب مجتمعة ومتفرقة ، ولا يحتاج الى ذكر هاهنا ، وسيجي‌ء تمامه في بحث الرهن.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ ، الباب ٨ من أبواب الرهن فلاحظ.

١٧١

ويجب القدرة على التسليم ، فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما.

______________________________________________________

قوله : «ويجب القدرة على التسليم إلخ» أي من الشرائط القدرة على تسليم العوضين ، قال في التذكرة : وهو إجماع ، فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح بيعه منضما الى ما يصح بيعه منفردا من مالك الآبق كما قيل في شرح الشرائع.

ولما كان هذا مخالفا لسائر الشروط ـ فإنه قد يجوز مع عدم القدرة على التسليم بشرط الانضمام الى المقدور كما في الآبق ـ غيّر الأسلوب.

واما دليل عدم جواز بيعه وشراءه منفردا ، فكأنه السفه ، وانه بيع غرر ، وقد نهى النبيّ صلّى الله عليه وآله عن بيع الغرر (١).

واما دليل الجواز مع الانضمام ، فكأنه الإجماع ، ورضاءه بشراء ما يصح قبضه فقط بذلك الثمن كله.

وصحيحة رفاعة النخاس قال : سألت أبا الحسن يعني موسى بن جعفر عليهما السلام قلت له : يصلح لي ان اشترى من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال : لا يصلح شراؤها الا ان تشتري معها منهم شيئا ثوبا أو متاعا ، فتقول لهم : اشترى منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما ، فان ذلك جائز (٢).

ورواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله؟ قال : لا يصلح له الا ان يشتري معه شيئا آخر ، ويقول : اشترى منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فان لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه (٣).

__________________

(١) عوالي اللئالي ، ج ٢ ، ص ٢٤٨ الحديث ١٧.

(٢) و (٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١ ـ ٢.

١٧٢

ولو ضمه الى ما يصح بيعه وتعذر القبض لم يرجع على البائع وكان الثمن في مقابلة الضميمة.

______________________________________________________

وفي الأولى دلالة على تعيين المبيع وكون المنضم شيئا له قيمة مثل الثوب والمتاع ، وفي الأخيرة دلالة على وقوع الثمن في مقابلة المنضم.

ولعل فيها دلالة على عدم وجوب مقارنة الإيجاب للقبول ، بل جواز الاكتفاء بالرضا والإقباض ، وعدم اشتراط تقديم الإيجاب ، بل الماضوية في الصيغة ، فتأمل.

ونقل في الدروس عن المرتضى جواز بيع الآبق على من يقدر على تحصيله من غير ضميمة ، كأنه خصص عموم الرواية ، أو يردها كغيرها.

كأنه ، لأن جوازه حينئذ معلوم بالعقل.

قوله : «ولو ضمه الى ما يصح بيعه إلخ» أي قبض الآبق مثلا لم يرجع على البائع بشي‌ء من قسط الآبق ، لا بمعنى ان لا ثمن له أصلا ، وهو ظاهر ، لانه كان جزء للمبيع فله جزء من الثمن ، بل بمعنى لا رجوع له على البائع بحصته من الثمن ، لرضاه بالبيع مع كونه آبقا ، فكأنه أقدم على ان ما دفعه في مقابلة المقدور على تقدير عدم الظفر به.

ولانه مثل من رضى ببيع المعيب والناقص مع علمه به ، وليس له حينئذ أرش ، وهو ظاهر ، ولما في رواية سماعة المتقدمة ، ولا يضر ضعفها ، فتأمل.

والظاهر ان لا يقاس على الآبق الضالة من البعير والغنم وغيرهما ، فان الظاهر جواز بيعها من غير انضمام شي‌ء ، للأصل ، وعموم أدلة العقود ، ولحصول الرضا ، مع عدم معلومية دخوله تحت الغرر ، لعدم ظهوره ، لاحتمال ان يلقيه ، والا يرجع بثمنه لعدم حصول التسليم ، فيبطل العقد ، وبهذا يخرج عن السفه.

ومن هذا علم ان الدليل في الأول هو النص والإجماع ، واختار ما ذكرناه في التذكرة ويحتمل بطلان العقد رأسا ، فتأمل.

١٧٣

ويصح بيع الطائر إذا اعتيد عوده.

والسمك في المياه المحصورة.

ويجب كونهما معلومين.

______________________________________________________

قوله : «ويصح بيع الطائر إلخ» دليل الصحة شمول عموم أدلة صحة العقود ووجوب الوفاء بها له من غير مانع ، لأن العبادة عندهم بمنزلة المتحقق ، فيخرج بها عن الغرر وعدم القدرة على التسليم ، وهو مثل بيع الدابة المرسلة والعبد المبعوث وراء الأشغال.

وكأنه احتمل في النهاية البطلان ، وهو احتمال لا يخلو عن بعد ، قال في شرح الشرائع : وهو احتمال موجه ولكن الأول أقوى.

قوله : «والسمك في المياه المحصورة» المراد صحة بيع السموك المملوكة المشاهدة بحيث يرتفع الغرر المسبب عن الجهل ، بان يعرف مقدار الكل في الجملة وكبرها وجسمها ، وان لم يعرف عددها.

وبالجملة شرط في التذكرة لجواز بيع السموك في الماء شروطا ثلاثة ، الملكية ، ورقة الماء بحيث لا يمنع عن المشاهدة ، وإمكان أخذه ، بأن يكون في موضع محصور ، مثل بركة صغيرة ، ونقل عنها في شرح الشرائع عدم اشتراط العلم بالعدد في السمك.

ودليل الجوار يعلم مما مرّ ، وهو أدلة صحة العقود ، مع عدم العلم بصدق الغرر ، على ان سند نهيه صلّى الله عليه وآله عن بيع الغرر غير ظاهر ، فكأنه قيل بالإجماع ، فتأمل.

قوله : «ويجب كونهما معلومين» من الشروط معلومية العوضين عند المتبايعين بحيث يعرفان ما يبذل وما يؤخذ عوضه ، ليرتفع الجهل الموجب للغرر والسفه ، وادعى على ذلك إجماع علمائنا في التذكرة ، وهذه المعلومية لا يخلو عن إجمال ، وسيعلم بأنه يكفي المشاهدة في البعض والوصف في البعض الآخر ، وانه لا بد

١٧٤

فلو باعه بحكم أحدهما أو بقبضة من فضة أو بقبة من طعام غير معلوم القدر ، بطل.

______________________________________________________

من الكيل والوزن والعد فيما يجري ذلك فيه.

قوله : «فلو باعه بحكم أحدهما إلخ» وكذا بحكم ثالث ، والغرض تمثيل ، وهو متفرع على اشتراط العلم ، ومعلوم ان البيع بثمن يحكم به شخص ، اي شخص كان ، مجهول.

وكذا بقبضة من فضة وقبة من طعام ، لانه لم يعلم وزن ما يسعه الكف ، وكذا وزن القبة ، على ان التفاوت في الأكف موجود ، وكذا في القب ، ولكن مع تعيينهما من غير العلم بالوزن أيضا لا يصح عندهم ، لاشتراط الوزن أو الكيل في الطعام ، هذا.

ولكن في رواية رفاعة النخاس (دلالة على عدم اعتبار العلم ، وأظنها صحيحة ، وهي مذكورة في باب ابتياع الحيوان من كتاب التهذيب) قال : الحسن بن محبوب عن رفاعة النخاس قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت : ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي ، فقبضتها منه على ذلك ، ثم بعثت إليه بألف درهم ، فقلت : هذه الالف درهم حكمي عليك ، فأبى أن يقبلها مني ، وقد كنت مسستها قبل ان ابعث إليه بالألف درهم؟ قال : فقال : ارى ان تقوم الجارية قيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت اليه كان عليك ان ترد اليه ما نقص من القيمة ، وان كان قيمتها أقل مما بعثت اليه فهو له ، قال : فقلت : أرأيت ان أصبت بها عيبا بعد ما مسستها قال : ليس لك ان تردها ، ولك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب (١).

والظاهر ان طريقة هذا الى الحسن بن محبوب الثقة ، صحيح (٢) لانه قد

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٢) طريق الصدوق رحمه الله الى الحسن بن محبوب كما في المشيخة هكذا (وما كان فيه عن الحسن بن المحبوب فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله

١٧٥

ولو باع المكيل والموزون والمعدود جزافا كالصبرة بطل وان شوهد.

______________________________________________________

ذكر ما قبله كما ذكره في رواية رفاعة النخاس في بيع الآبق مع الضميمة ، وقال : احمد بن محمد عن الحسن أو ابن محبوب ، وان لم يكن صحيحا فهو حسن ، لانه قال في الخلاصة : ما ذكره عن الحسن بن محبوب ان كان مما أخذه من مصنفاته فهو صحيح ، والا فهو حسن لوجود إبراهيم بن هاشم ، هذا مع قطع النظر عما يعلم من فهرسته ، واما مع النظر اليه فجميع ما نقله عنه من الروايات والمصنفات فهو صحيح ، فكلام الخلاصة محل تأمل.

وهي تدل على جواز الجهل في الثمن ، وانه يقع البيع صحيحا ، وينصرف إلى القيمة السوقية إذا بيع بحكم المشتري ، ولكن نقل الإجماع في التذكرة على اشتراط العلم مع عدم ظهور خلافه ، يمنع القول بها ، ولكن تأويلها مشكل وكذا ردها ، فيمكن ان يكون حكما في قضية ولا يتعدى.

قوله : «ولو باع المكيل والموزون إلخ» اعتبارهما فيهما هو المشهور بينهم ، ولكن ما رأيت له دليلا صالحا.

وأدل ما رأيته حسنة الحلبي في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم ، ثم ان صاحبه قال للمشتري : ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل ، فان فيه مثل الآخر الذي ابتعت؟ قال : لا يصلح الا ان يكيل ، وقال : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة هذا مما (ما خ) يكره من بيع الطعام (١).

وفي السند شي‌ء لعدم توثيق الصريح لإبراهيم بن هاشم ، بل المدح وعدم

__________________

عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب) وطريق الشيخ رحمه الله الى الحسن بن محبوب كما في مشيخة التهذيب هكذا (ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب : ما رويته بهذه الأسانيد عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب).

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة الباب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قبول الحسنة ، هذا هين ، لانه صحيح في التهذيب على الظاهري ، وان كان فيه ابن مسكان ، ولكن الظاهر انه عبد الله ، لنقله عن الحلبي ، وهو مروية فيه بطريق آخر صحيح من غير وقوع مشترك فيه ، مثل ابن مسكان وغيره (١).

وبقي في المتن شي‌ء ، لأنها تدل بظاهرها على عدم الاعتبار بخبر البائع بالكيل ، وهو خلاف ما هو المشهور بينهم والمذكور في كتبهم.

وفي الدلالة على المطلوب أيضا تأمل ، للإجمال ، وللاختصاص بالكيل والطعام في قوله : ما كان من طعام سميت فيه كيلا ، ولقوله : هذا مما يكره من بيع الطعام.

وكأنه لذلك قال البعض : بجواز بيع المكيل والموزون بدونهما مع المشاهدة ، ويمكن القول به مع الكراهة.

ويؤيد الجواز الأصل ، وعموم أدلة العقود ، ويدل عليه بعض الاخبار ، مثل ما يذكر في جواز بيع الطعام من غير قبض (٢).

ثم اعلم انهم قالوا : المراد بالمكيل والموزون ما ثبت فيهما الكيل والوزن في زمانه صلّى الله عليه وآله وحكم باقي (الباقي في ـ خ ل) البلدان ما هو المتعارف فيها ، فما كان مكيلا في بلد أو موزونا فيه ، يباع كذلك والا فلا.

وفيه أيضا تأمل ، لاحتمال ارادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عاما وفي أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا ، أو بالنسبة الى كل بلد بلد كما قيل في المأكول والملبوس في السجدة من الأمر الوارد بهما لو سلم ، والظاهر هو الأخير.

__________________

(١) سند الحديث كما في الكافي هكذا (علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي) وفي التهذيب (الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن مسكان عن الحلبي) والطريق الآخر في التهذيب (الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، فراجع.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل عدم جواز بيع المكيل بالوزن وبالعكس بعد ثبوت اشتراطهما كما قيل ، وقيل : بجواز الأصل دون العكس ، ولعل في بعض الاخبار اشارة اليه (١).

وأيضا قالوا : لا بد من البيع بالكيل المشهور والصنجة (٢) المشهورة ، لاحتمال ان يتلف غير المشهورة ويقع الخلف بينهما ، فلا مرجع حينئذ ، بخلاف المشهور.

ويؤيده حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا يصلح للرجل ان يبيع بصاع غير صاع المصر (٣).

وفيه أيضا تأمل ، لضعف الوجه الأول ، فإنه لا يقاوم الأدلة العامة الكثيرة الدالة على وجوب الإيفاء بالعقود ، والرواية على تقدير تسليم العمل بالحسنة ، تحمل على البيع بغير صاع البلد بسعر صاع البلد ، لاحتمال كونه ناقصا وزائدا.

ويؤيده ما في رواية محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يحل لرجل ان يبيع بصاع سوى صاع المصر ، فان الرجل يستأجر الحمال ، فيكيل له بمد بيته ، لعله يكون أصغر من مد السوق ، ولو قال هذا أصغر من مد السوق لم يأخذ به ولكنه يحمله ذلك ويجعله في أمانته ، وقال : لا يصلح الأمد واحد ، والا منان بهذه المنزلة (٤).

وتأمل في التأييد ، وسيجي‌ء لهذه زيادة تحقيق.

ومنه يعلم البحث في المعدود ، والظاهر عدم دليل على عدم جواز بيعه الا عدا ، وعموم أدلة جواز العقود والوفاء بها ، يدل على الجواز ، وعدم اشتراط العدّ.

والأصل مع العمومات وحصول التراضي الذي هو العمدة في الدليل (في

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة. لاحظ باب ٤ من أبواب عقد البيع لعلك تجد ما أشار إليه.

(٢) والصنجة ، صنجة الميزان معرب ، وعن ابن السكيت ولا تقل سنجة (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٢٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١.

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٢٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢.

١٧٨

ويفتقر ما يراد منه الطعم أو الريح الى اختباره بالذوق والشم.

ولو بيع بالوصف أو بغير الوصف على ان الأصل الصحة جاز ،

______________________________________________________

الأصل خ ل).

دليل قوي ، فإثبات خلافه مشكل ، وان كان المشهور عدم الجواز ، والاحتياط معه في الجملة ، قبل وقوع العقد ، نعم الاولى عدم ارتكابه والترك لبائعه على تقدير رضاه ، فتأمل.

قوله : «ويفتقر ما يراد منه الطعم إلخ» يعني يفتقر لزوم البيع ـ فيما المطلوب منه الطعم ويختلف طعمه ـ إلى اختباره بطعمه ، وكذا المشموم بشمه ، أو يكون المراد على سبيل (طريق خ ل) الاستحباب ، فان البيع جائز وصحيح على تقدير عدم الاختبار كما صرح به بعده ، وان خالف فيه البعض على ما أشار إليه في الشرائع (١) ، ويبعد وجوبه مع (بعد خ ل) انعقاد البيع بدونه ، للأصل وعدم الدليل ، وحصول الرضا ، وان الغرض من الاختبار هو حصول العلم بالطعم والشم ، ليحصل الرضا ببيعه غالبا ، وهو حاصل بناء على ما هو المتعارف وأصل عدم التغيير عما كان.

قوله : «ولو بيع بالوصف إلخ» قيل : المراد بيع ما يحتاج الى اختباره مع مشاهدته من غير وصف ، بناء على أصل خلقته ومقتضى طبعه ، وعدم تعيبه. وقيد المشاهدة ليعلم غلظه ورقته فيرتفع مطلق الجهالة ، وان لم يحصل المعرفة التامة ، لأنها ليست بشرط ، والا لم يجز البيع بالوصف ولا باختبار وجهه لعدم الاستقصاء واحتمال مخالفة باطنها ظاهرها ، وهو ظاهر.

ويعلم منه انه لو اشترى من غير المشاهدة ولا الوصف لم يجز ، ولا يصح البيع

__________________

(١) قال في الشرائع في الخامس من شروط المبيع ما هذا لفظه : (وهل يصح شراءه من غير اختبار ولا وصف على ان الأصل الصحة؟ فيه تردد والاولى الجواز).

١٧٩

فان خرج معيبا تخير المشتري بين الرد والأرش ، ومع التصرف الأرش خاصة.

وكذا ما يؤدي اختباره إلى إفساده كالبطيخ ، ولو لم يكن لمعيبه قيمة كالبيض بطل مع ظهور عيبه ، والاعمى كالمبصر.

______________________________________________________

من غير خلاف ، لانه قال في شرح الشرائع : محل الخلاف ما لو كان المبيع مشاهدا بحيث يرتفع الجهالة عنه من جهة القوام أو اللون ، فيلزم عدم صحة شراء الاعمى ما تقدم لا بالوصف.

وفيه تأمل ، لاحتمال البناء على الأصل والغالب ، فان اللبن في موضع معين قد يعلم كونه على وصف من القوام ، وكذا العسل والدبس ، ولا يتفاوت الحال غالبا في ذلك تفاوتا لا يجوز بيعه الا نادرا وبالتدليس ، ويمكن كفاية مقدار ذلك كما في حال الرؤية ، فإنه لم يسلم من الجهالة التي يتفاوت الحال بها تفاوتا بينا.

قوله : «فان خرج معيبا إلخ» اي ان خرج بعد البيع بالوصف أو بدونه مع المشاهدة ما المطلوب منه الطعم والشم بوصف يعدّ ذلك عيبا شرعا وموجبا للتخيير ـ تخير بين الرد واعادة الثمن ، والإمساك وأخذ الأرش كما هو المقرر في سائر المعيبات ، ان لم يتصرف فيه تصرفا موجبا لسقوط الخيار ، والا فالأرش فقط.

قوله : «وكذا ما يؤدي اختباره إلخ» أي مثل التصرف فيما يختبر ـ إذا ترك الاختبار وخرج معيبا في لزوم الأرش فقط ـ التصرف فيما لا يمكن اختباره ، وهو يبقى على حاله ، بل يفسد وينقص قيمته ، مثل البطيخ (معيبا خ).

ولو لم يكن لمعيب ما يجب فيه الأرش قيمة ، يبطل البيع ويلزم الثمن مثل البيض الفاسد.

قوله : «والاعمى كالمبصر» هما مساويان فيما تقدم من لزوم الثمن على تقدير عدم القيمة ، والتصرف ، والتخيير بين الأرش والرد مع عدمهما ، وغير ذلك.

١٨٠