مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

والآمر بشراء الحيوان بالشركة يلزمه ثمن الحصة ، ولو اذن في الأداء رجع عليه

______________________________________________________

فان الظاهر ان المراد بالمملوك من ثبت انه كذلك بحسب الظاهر من الشهرة ، وراى انه يباع ويشترى ، ويحتمل كونه ثابتا بالبينة ، بل بالإقرار أيضا ، مع عدم إظهار الشبهة الممكنة ، في إقراره الأول.

وهذه ظاهرة في العبد ، فليس مورد النص الجارية فقط ، كما قال في شرح الشرائع ، فلا يضر ذكر حكم العبد كما قال في الشرائع ، على ان الغالب في الاحكام ذكر المذكر ، ويحال عليه المؤنث في الكتاب والسنة وكلام الأمة.

قوله : «والأمر بشراء الحيوان إلخ» دليل لزوم نصف الثمن ـ بالأمر بشراء حيوان بالمشاركة بينه وبين شريكه ـ ان الشراء للغير لا يكون الا بالثمن ، بالأمر توكيل بالشراء بالشركة بينه وبين المأمور مثلا ، والظاهر من الشركة هو التساوي ، فحملت عليه ، الا ان ينصب قرينة تدل على خلافه.

فلو اذن له مع ذلك بأداء الثمن عنه أيضا يلزمه ان يؤدى عنه ، فيرجع اليه بعد الأداء ، وذلك الإذن أعم من الصريح والفحوى مثل ان امره بالشراء من موضع بعيد ، والمجي‌ء به ، مع العلم بأنه لا يمكن إلا بأداء الثمن وغير ذلك.

واما إذا أدى من غير اذنه بوجه ، بل ادى بغير اذنه شرعا (تبرعا خ ل) فلا يلزمه العوض ، لانه متبرع في أداء دين شخص لا عوض له ، فلا يرجع الى المديون بشي‌ء ، قاله في التذكرة وغيرها.

فتأمل. إذ قد يقال : بأن الإذن با (في خ ل) لشراء مطلقا يستلزم (مستلزم خ ل) للإذن في الأداء بحسب العرف والعادة ، فهو يرجع دائما.

ويؤيده انه رضي بالشراء ، فهو انما يكون بالثمن ، والغالب انه لا يسلم المبيع الا بعد تسليم الثمن ، فالظاهر ان ذلك اذن في التسليم أيضا ، ولا يمكن ذلك الا به ، فكان الأمر والاذن بالشراء مستلزما لتسليم الثمن وتسلم المبيع ، فلا يضمن لو أخذ

٢٤١

ولو تلف الحيوان فهو عليهما

ولو وجد المشتري فيه عيبا سابقا على البيع ، تخير بين الرد والأرش.

ولو تجدد بعد العقد قبل القبض تخير بين الرد والإمساك ، والأقرب الأرش.

______________________________________________________

من غير اذن جديد ، ويرجع بالثمن مطلقا ، الا مع ما يدل على عدم الاذن ولا يفهم الاذن بوجه.

وليس كلام التذكرة وغيرها بعيدا عن هذا المعنى ، بكثير ، مع احتمال الضمان وعدم الرجوع كما مرّ ، والظاهر الأول الا مع القرائن.

وأشار الى عدم الضمان مطلقا بقوله : (ولو تلف الحيوان فهو عليهما) اي لو تلف الحيوان المشترك بعد قبضه من غير تفريط من المأمور ، فالتلف منهما جميعا ، يعني لا يرجع أحدهما إلى غيره ، فكأنّ يد الشريك المشتري يد أمانة لا يد ضمان.

قوله : «ولو وجد المشتري إلخ» وجود العيب السابق في المبيع مطلقا حيوانا وغيره ، مع جهل المشتري به ، موجب لخياره بين رده وإمساكه بأرش العيب ، وهو ظاهر كأنه لا خلاف فيه ، وسيجي‌ء تحقيقه.

قوله : «ولو تجدد بعد العقد إلخ» أي لو تجدد العيب الموجب للخيار في المبيع قبل القبض الشرعي ، تخير المشتري بين الرد والإمساك مجانا من غير نزاع ، بل بالإجماع.

والأقرب ان له الإمساك بالأرش أيضا.

دليله انه إذا كان تلف المبيع قبل القبض فهو من ضمان البائع من غير نزاع عندهم ، بل إجماعي على الظاهر فتأمل ، فكذلك ما ينقص بالعيب بالطريق الأولى ، فإن العيب بمنزلة تلف البعض ، وإذا كان تلف الكل مضمونا على البائع ، فكذلك البعض بالأولى.

٢٤٢

ولو قبضه ثم تلف أو حدث فيه عيب في ثلاثة أيام ، فهو من مال البائع ما لم يحدث فيه المشتري حدثا.

______________________________________________________

ووجه العدم الأصل والنص والإجماع في تلف الكل ، لا العيب ، ويؤيده ان المال من المشتري ، وهو يقتضي كون العيب والتلف منه ، وخرج التلف بدليله ، وبقي الباقي ، فتأمل.

نعم يمكن ان يكون العيب حادثا بعد منعه من القبض ، ولا شك انه حينئذ أقوى ، فتأمل.

قوله : «ولو قبضه ثم تلف إلخ» إشارة الى ان التلف والعيب الحادث في زمان الخيار من مال البائع وهو ثلاثة أيام في الحيوان ما لم يتصرف المشتري في المبيع تصرفا مبطلا للخيار.

فلعل دليله في التلف الإجماع على ان التلف في زمان الخيار على من ليس له الخيار.

وقول الصادق عليه السلام : ان حدث بالحيوان قبل الثلاثة فهو من مال البائع (١).

الإجماع ما نعرفه مثل السند (٢).

نعم الحكم مشهور بينهم من غير ذكر خلاف ، والعيب ما تقدم ، فهو مبنى على الحكم الأول ، وما أشار هنا الى الخلاف اكتفاء بما تقدم عن قريب بقوله : (والأقرب إلخ) فلو تلف يأخذ الثمن ، ولو تعيب يأخذ أرش العيب ، والعيب الحادث في الثلاثة الموجب للأرش ، لا يمنع الرد بخيار الثلاثة ، بل ولا بالعيب السابق.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ٥.

(٢) فان السند كما في التهذيب هكذا (الحسين بن سعيد عن الحسن بن علي بن فضال عن الحسن بن علي بن رباط عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام).

٢٤٣

ولو حدث فيه عيب في الثلاثة من غير جهة المشتري ، لم يمنع رد المشتري بالخيار في الثلاثة. والوجه جواز إلزام البائع بالأرش ولو حدث بعد الثلاثة منع الرد بالسابق.

ولو باع الحامل فالولد له ، الا ان يشترطه المشتري.

______________________________________________________

نعم لا يرد بهذا العيب الحادث ، بل له الأرش فقط ، لانه حصل بعد القبض في زمان الخيار ، فهو من مال البائع لما تقدم.

ولكن يشترط ان لا يكون العيب من جهة المشتري وبسبب تقصيره ، واليه أشار بقوله : (ولو حدث فيه عيب في ثلاثة أيام).

وكأنه لا يحتاج الى قوله : (والوجه إلزام البائع) بعد قوله : (فهو من مال البائع).

اما لو حدث عيب بعد خروج أيام خيار الثلاثة في الحيوان ، فإنه يمنع من الرد بالعيب السابق على العقد الموجب للخيار مع الجهل وقبل التصرف وحدوث حدث فلا خيار له أصلا ، فإن الحدوث والعيب يمنعان الرد ، لأنه إنما سلم صحيحا ، فله ان لا يأخذ معيبا ، ولكن له الأرش ، وهو التفاوت بين كونه صحيحا بلا عيب أصلا ، وكونه معيبا بالعيب السابق فقط ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو باع الحامل إلخ» أي لو بيع الحامل المتحقق حملها جارية كانت أو دابة مطلقا ، حملها للبائع على المشهور ، لأنه أمر موجود مغاير للحامل ، فلا يدخل تحتها حتى يدخل في بيعها ، ونقل عن الشافعي كونه للمشتري ، لأنه كالجزء الظاهر منها ، حتى انه قال : لو استثنى لم يصح البيع ، كبيعها مع استثناء يدها ، وهو قول الشيخ أيضا على ما نقل.

ويؤيده رواية السكوني عن جعفر عن أبيه (آبائه ـ ئل) في رجل أعتق امة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها؟ قال : الأمة حرة وما في بطنها حر ، لان ما في

٢٤٤

ولو شرطه فسقط قبل القبض رجع المشتري بنصيبه من الثمن ، بان يقوم حاملا ومجهضا ويرجع بنسبة التفاوت من الثمن.

______________________________________________________

بطنها منها (١).

الا انها ضعيفة بالسكوني والنوفلي وغيرهما (٢).

ولعل الأول أظهر ، للأصل والاستصحاب ، وعدم ظهور شمول البيع له ، للاحتمال الواضح ، فمع الإطلاق الولد له كما في الاستثناء ، ويصح البيع ويكون للبائع ، ومع التقييد بكونه للمشتري يصح البيع ويكون الولد للمشتري بلا نزاع ، ولا يضر جهله ، لانه منضم الى المعلوم ، بل فيه علم أيضا.

فالظاهر انه لا فرق حينئذ بين ان يقول : بعتك هذه الأمة وحملها ، وبين قوله : بعتك هذه الأمة بكذا وحملها ، لان الظاهر ان (حملها) عطف على الأمة ، كما في العبارة الاولى ، ولا يجعله توسط الثمن شرطا تابعا ، ولا مبيعا أصلا.

وفرق بينهما في التذكرة فقال : بعدم صحة الأولى لأنه مجهول على ما تقدم ، وبصحة الثانية ، والفرق غير ظاهر.

نعم يمكن الفرق بينهما وبين مثل بعتك هذه الأمة وشرطت حملها لك ، والظاهر العدم هنا أيضا بعد القول بصحة الانضمام والمعرفة في الجملة.

قال المصنف في التذكرة مرارا : انه لا بد من كون الضميمة تابعة (لأصله خ) ، لا أصلا مقصودا في البيع.

وكان قوله هنا وغيره : (ولو شرطه للمشتري) (٣) إشارة الى ان لا يجعل مبيعا ، بل شرطا ، وهو غير ظاهر ، مع انه مجمل ، لأن الضميمة مثل الحمل مثلا منظور للطرفين ويزيد به الثمن وينقص ، فكيف لا يكون مقصودا ، وكونه مقصودا

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٦ كتاب العتق ، الباب ٦٩ حكم من أعتق أمة حبلى واستثنى الحمل ، الحديث ١.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن احمد بن يحيى عن أبي إسحاق عن النوفلي عن السكوني).

(٣) ليس في عبارة المتن لفظة (للمشترى).

٢٤٥

والعبد لا يملك وان ملكه مولاه.

______________________________________________________

بالتبع لا بالذات غير مفهوم.

وحينئذ لو سقط الحمل قبل القبض أو بعده في زمان الخيار يكون من مال البائع ، ولا شك ان للحمل ثمنا ، وان الظاهر انها في حال الإجهاض مريضة ، فإنه مرض فينقص قيمتها أيضا ، فكأنها معيبة بعيب مضمون على البائع وموجب للأرش ، فيقوم حاملا ومجهضا ، فيسترد نسبة التفاوت.

وكأنه إليه أشار بقوله : (وحاملا ومجهضا) ، فهو اولى من قوله : حائلا وحاملا ، وان كان قوله : (بنصيبه) مشعرا بان ما به التفاوت فهو قيمة الولد فقط.

هذا ظاهر ان نقصت ، ولكن قد لا ينقص ، بل قد يزيد بوضع الحمل والمسقوط ، الثمن ، فحينئذ يمكن عدم الأرش ، لعدم النقصان ، ويحتمل ملاحظة الأرش كما في الخصي ، فتأمل.

وقال في شرح الشرائع : ولو لم يكن الحمل متحققا فيقول : (يعني خ) في البيع (العبارة الثانية) ، أي بعتكها وشرطت حملها لك ، لا بعتكها وحملها.

وكأنه نظر الى ان بيع ما لم يعلم وجوده غير معقول ، بخلاف الشرط ، وفي الشرط أيضا تأمل ، وهو ظاهر.

والظاهر انه يجوز ويؤل الى تقدير الوجود والسلامة ، ولعل مثله إذا كان منضما وتابعا لا يضر ، لعموم الأدلة والتراضي.

قوله : «والعبد لا يملك إلخ» من المشكلات تملك العبد ، قال في التذكرة : المشهور عدمه ، وقال في شرح الشرائع : القول بالملك في الجملة للأكثر.

واستدل على الأول في التذكرة بالآيتين (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (١) (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ

__________________

(١) سورة النحل ـ ٧٥.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) (١).

ولا افهم دلالتهما ، فإن الأولى على تقدير تسليم كون القيد للبيان وشاملا للتصرف في الأموال ، فيدل على كون العبد مهجورا عليه ليس له التصرف من دون اذن المولى.

على ان الظاهر انه للتقييد.

وانه ليس له شي‌ء من التصرف في نفسه أو ماله أيضا إلا بإذن سيده ، بل ان ليس له شي‌ء الا من عند مولاه ، فما لم يملكه المولى أو يأذن له في تملك شي‌ء والتصرف فيه ، ليس له ذلك ، والقائل بالتملك يقول به.

والثانية كذلك ، بل ظاهرها ان ليس للعبد شركة في مال مولاه ، واما إذا صرفه واذن له في تملك مال الغير بالكسب ونحوه ، أو ملكه مالا ، فالظاهر انها لا تدل على نفيه ، بل الظاهر انه يحصل له ذلك كما في العبيد بالنسبة الى الله تعالى.

وبالجملة دلالتهما على التملك أوضح من دلالتهما على العدم.

وكذا بعض الأدلة التي استدل بها على التملك ، مثل ما يدل على دخول مال العبد في البيع على تقدير علم البائع به ، فيكون للمشتري ، وعلى عدم الدخول على تقدير عدم علمه بمال عبده فيكون المال له.

مثل حسنة زرارة في التهذيب والكافي (وهي صحيحة في الفقيه) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يشتري المملوك وله مال لمن ماله؟ فقال : ان كان علم البائع ان له مالا فهو للمشتري ، وان لم يكن علم فهو للبائع (٢).

وما يدل على ان ماله للبائع مطلقا مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما

__________________

(١) سورة الروم ـ ٢٨.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٢.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عليهما السلام قال : سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا؟ قال : فقال : المال للبائع ، إنما باع نفسه ، الا ان يكون شرط عليه ان ما كان له من مال أو متاع فهو له (١) وغيرهما مما يدل على اضافة المال الى العبد.

وطريق الدلالة ان ظاهر الإضافة ، هو الملك.

ومثلها أخبار كثيرة في بحث العتق ، مثل حسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام في رجل أعتق عبدا له وله مال ، لمن مال العبد؟ قال : ان كان علم ان له مالا تبعه ماله ، والا فهو للمعتق (٢) ومثلها متعدد بتقريب ما تقدم.

والظاهر ما قلناه من ان دلالتها على عدم الملك أوضح ، لأنها يدل على انه ان كان البائع عالما وسكت فأدخله في المبيع ، فهو للمشتري ، والا فيكون لنفسه ، وكذا في العتق ، وهو صريح في انه كان للبائع ، إذ لو لم يكن له كيف يجعله للمشتري ، وللمعتق مع علمه ، وكيف يكون لنفسه مع جهله ، وهو ظاهر.

ولعل دخوله في المبيع وجعله للمعتق على تقدير القول بأنه لا يملك ، بناء على انه شرطه للمشتري والمعتق بالصريح أو بالفحوى ، دلت القرينة على انه أدخله في المبيع وجعله للمعتق ، وعلى تقدير القول بالملك كذلك ، واضافة مال البائع إليه باعتبار انه كان عنده ومعه ، لا انه كان ملكه وان كان هو يملك.

وعليه تحمل الاخبار للجمع بين الأدلة للعقل والنقل ، مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، لتعيين حمل المطلق على المقيد ، فإن الأدلة ـ على ان مال البائع الذي مع العبد لا يدخل في المبيع والمعتق ـ كثيرة.

وكذا على ان مال العبد لا يصير للمشتري بترك البائع ، وهو ظاهر ، وان نقل

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٦ كتاب العتق ، الباب ٢٤ حكم مال المملوك إذا أعتق الحديث ٢ وبمضمونه اخبار فراجع الباب.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

القول من الشيخ بأنه ما مع العبد للمشتري ان علمه البائع ، والا فللبائع ، حملا لباقي الاخبار على رواية زرارة المتقدمة حملا للمطلق على المقيد فتأمل.

واما ما يدل على تملك العبد ، فهو عموم ما يدل على تملك الناس ، وتملكه البضع بالتحليل ، مع انهم يقولون التحليل اما عقد منقطع ، أو تمليك منفعة ، والأول يحتاج الى عوض وهو فرع تملكه ، والثاني تملك منفعة.

والعمدة في ذلك الأخبار الكثيرة الصريحة ، مثل صحيحة عمر بن يزيد الثقة وحسنته في التهذيب والكافي في بحث العتق قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد ان يعتق مملوكا له وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة فرضي بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته ما لا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة ، قال : فقال : إذا ادى الى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك ، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض فإذا أدوها اليه لم يسألهم عما سواها ، قلت له : فللمملوك ان يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجيز (وأجر يب) ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال : فقال : يذهب فيتوالى الى من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه قلت له : أليس قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الولاء لمن أعتق؟ قال : فقال : هذا سائبة (١) لا يكون ولاءه لعبد مثله قلت : فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ قال : فقال : لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا (٢).

__________________

(١) وفي الحديث ذكر السائبة وهو العبد يعتق ولا يكون لمعتقه عليه ولاء ولا عقل بينهما ولا ميراث فيضع ماله حيث شاء (مجمع البحرين لغة سيب).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ١.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ، فيقول : أحللني من ضربي إياك ومن كل ما كان مني إليك ومما أخفتك وأرهبتك فيحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه ، ثم ان المولى بعد أصاب الدراهم التي (كان يب) أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد ، فأخذها المولى ، إحلال هي له؟ فقال : لا تحل له ، لأنه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة ، قال : فقلت : له : فعلى العبد ان يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال : لا الا ان يعمل له بها ، ولا يعطي العبد من الزكاة شيئا (١).

وإسحاق وان كان فيه قول ، الا اني أظنه خيرا لا بأس به يعلم من محله ، خصوصا من النجاشي.

وفي رواية أخرى عنه عن جعفر عن أبيه ان عليّا عليه السلام أعتق عبدا له ، فقال له : ان ملك لي ولك وقد تركته لك (٢).

وصحيحة الفضيل بن يسار قال : قال لي : عبد مسلم عارف أعتقه رجل ، فدخل به على أبي عبد الله عليه السلام فقال : يا هذا من هذا السندي؟ قال الرجل : عارف وأعتقه فلان ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ليت اني كنت أعتقته ، فقال السندي لأبي عبد الله عليه السلام اني قلت لمولاي : بعني بسبعمائة درهم وانا أعطيك ثلاثمائة درهم ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ان كان يوم شرطت ، لك مال ، فعليك ان تعطيه ، وان لم يكن لك مال يومئذ فليس عليك شي‌ء (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ، كتاب العتق ج ١٦ ، الباب ٢٤ حكم مال المملوك إذا أعتق ، الحديث ٧.

(٣) الوسائل كتاب العتق ج ١٦ ، الباب ٥١ ان المملوك إذا قال لمولاه. الحديث ١.

٢٥٠

فلو اشتراه كان ما معه للبائع.

ولو شرطه المشتري صح.

______________________________________________________

هذه الروايات صريحة في التملك ، بل في استقلال العبد المال ، إلا رواية إسحاق.

قال في التذكرة : وللشيخ قول أخر في عبد قال : اشترني على كذا ، انه يجب عليه الدفع ان كان له شي‌ء في تلك الحال ، والا فلا وقد روى عن الصادق عليه السلام قال له غلام اني قلت الى آخر الحديث المتقدم ، وكأنه أشار الى صحيحة الفضيل بن يسار المتقدمة ، وانها تدل على قول الشيخ ، فتأمل وسيجي‌ء.

ويدل عليه أيضا ما رواه أبو جرير في الصحيح قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قال لمملوكه : أنت حر ولي مالك قال : لا يبدء بالحرية قبل العتق ، يقول له : لي مالك وأنت حر برضاء المملوك فان ذلك أحب الي (١).

والظاهر ان أبا جرير هو زكريا بن إدريس الذي قيل فيه ، انه كان وجها يروي عن الرضا عليه السلام وقال : انه صاحب الكاظم عليه السلام.

واما كونه محجورا عليه ، فظاهر كلامهم عدم الخلاف فيه ، ولكن الأخبار المتقدمة كالصريحة في الاستقلال ، الا ان فيما مرّ في الخبر من عدم وجوب الزكاة (٢) ما يشعر به ، وسيجي‌ء تحقيقه في باب الحجر ان شاء الله تعالى.

قوله : «فلو اشتراه كان ما معه إلخ» تفريعه على عدم ملك العبد ظاهر ، لان ما معه ملك مالكه البائع ، وانما باع نفس العبد لا ماله ، وقد دل العقل والنقل على عدم دخول غير المبيع ، فيه.

قوله : «ولو شرطه المشتري إلخ» أي كون ما مع العبد داخلا في المبيع ،

__________________

(١) الوسائل كتاب العتق ج ١٦ ، الباب ٢٤ حكم مال المملوك إذا أعتق ، الحديث ٥ هكذا في التهذيب والكافي ، ولكن في الوسائل (سألت أبا جعفر عليه السلام).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٣.

٢٥١

إذا لم يكن ربويا أو زاد الثمن.

______________________________________________________

صح ، دليله ما تقدم ، مثل (في خ ل) الخبر الصحيح (١).

وهو بناء على عدم التملك ظاهر.

واما بناء على تملك العبد ، فالخبر وأمثاله محمول على كون المال للمولى ، وان الإضافة الى العبد للملابسة ، لا للملكية ، وهي تصح مع أدنى ملابسة كما تقرر في موضعه.

فهذه الاخبار لا تدل على تملكه ، كما لا تدل على عدم تملكه أيضا.

واما غيرها مما يدل على عدم تملكه لو كان ، فيمكن حمله على عدم التصرف وكونه محجورا عليه ، فكأنه ليس بمالك لكونه ممنوعا من التصرف فيه ، وهذا طريق للجمع ، وهو يقتضي ترجيح التملك.

ولا يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على التملك على محض اباحة التصرف ، لكونه مأذونا ، لا التملك كما قاله في شرح الشرائع.

لأن ذلك انما يمكن فيما استدل لهم من الاخبار الدالة على الإضافة ، لا فيما ذكرناه من الأدلة ، مع انها لا تحتاج اليه ، لما عرفت انها تصح بأدنى ملابسة ، وهو كون المال معه وكسبه ونحو ذلك ، فتأمل.

قوله : «إذا لم يكن ربويا إلخ» إشارة إلى شرط صحة بيع ما مع العبد معه ، وهو ان لا يكون ما معه ربويا أو كون الثمن زائدا ، أي لا يكون من جنس الثمن ومما يدخل فيه الربا ، أو كون الثمن زائدا على ما معه ، بحيث يبقى ما يقابل العبد ليندفع الربا.

هذا على تقدير كون الثمن ربويا ، واما على تقدير عدمه فلا يحتاج الى احد هذين الشرطين ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ١.

٢٥٢

ولو قال اشترني ولك على كذا لم يلزم مطلقا على رأى.

______________________________________________________

قوله : «ولو قال اشترني إلخ» يعني لو قال العبد للمشتري اشترني ولك علىّ كذا لم يلزم العبد شي‌ء مطلقا ، سواء كان مع العبد بالفعل ذلك المقدار أم لا على رأى المصنف ، لان العبد لا مال له ، ولانه لا يلزم للمولى على مولاه مال.

وللشيخ قول آخر ، وهو انه لو كان معه مال يلزم والا فلا ، وكان في صحيحة الفضيل بن يسار اشارة اليه (١) ، حيث دلت على جواز اشتراطه للبائع فيلزمه ذلك ، فكذا للمشتري.

أو انه حمل قوله (بعني) على (اشترني) والبيع قد يطلق على الشراء ، لعل في قوله : بعني بسبعمائة وعلىّ ثلاثمائة ، اشارة اليه ، حيث أشار الى انه يعطى بعض الثمن ، فليس بغال ، (وكذا سؤاله حينئذ ، فإنه لو كان للبائع لكان هو له فيأخذ ولم يحله ، فالمولى هو مولاه بالعقل خ) (٢).

وقد جعلها دليلا عليه حيث نقلها في التذكرة بعد قول الشيخ بلا فصل ، وهي تفيد ان العبد يملك ، وان ماله له ، فلو بيع وكان له مال يثبت ذلك له.

وحينئذ يمكن اشتراطه للبائع وللمشتري ، بل لغيرهما أيضا ، ولكن لا بد من اذن المولى لو ثبت كونه محجورا عليه في مثله.

ويمكن ثبوت المال للمولى في ذمته على هذا الوجه ، فإنه يملكه ، ولانه يثبت في ذمة المكاتب فكذا في ذمته.

وأيضا قد يكون ذلك مسلما على القول بعدم التملك ، لانه لا معنى لذلك حينئذ.

وبالجملة الخروج عن مضمون حديث صحيح معمول ، مشكل ، بناء على

__________________

(١) الوسائل ج ١٦ كتاب العتق ، الباب ٥١ ان المملوك إذا قال لمولاه. الحديث ١.

(٢) هكذا في النسختين المخطوطتين.

٢٥٣

ويكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم (والأمهات خ ل) قبل بلوغ سبع سنين.

______________________________________________________

ثبوت كونه حجة ، وهذا مما يؤيد القول بالتملك كما تقدم.

الا ان يقال : معنى لزوم شي‌ء عليه للبائع مع الوجود ، إعطاء مال المولى له ، لانه كان معه مال المولى ، فيلزمه إعطاءه ، فلا يدل على مذهب الشيخ (١) ، ولا على تملكه ، وهو غير بعيد.

ويصح هذا مع القول بعدم تملكه.

ومعه يقال : إعطاءه ماله للمولى شرط لبيعه إياه ، والظاهر جواز مثل ذلك ، لعموم : المسلمون على شروطهم.

وبالجملة كونها دليل مذهب الشيخ كما جعل ، لا يخلو عن بعد.

ويمكن المناقشة في الصحة وتأويلها كغيرها ، فليس بدليل ملك العبد أيضا.

لكنه تأويل والأصل عدمه ، ودفع المناقشة ممكن ، خصوصا عما في باب بيع الحيوان من التهذيب ، فهو دليل الا مع قيام المعارض فتأمل.

قوله : «ويكره التفرقة إلخ» وقيل : يحرم ، اختاره في التذكرة ، وقال وهو المشهور ، والاخبار التي ذكروها غير صريحة في التحريم.

والأصل وعموم التسلط على المال من الكتاب والسنة والإجماع ، بل العقل يدل على الجواز ، فتقتضي حملها على الكراهة.

واما الاخبار فهي مثل صحيحة معاوية بن عمار ـ في الفقيه ، وهي حسنة في التهذيب ، وهما معا في الكافي ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اتى رسول الله صلّى الله عليه وآله بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم ، فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم ، فلما قدموا على النبيّ صلّى الله عليه وآله سمع

__________________

(١) اي ما قاله الشارح : بقوله : وللشيخ قول آخر.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بكائها فقال : ما هذه؟ قالوا : يا رسول الله احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها ، فبعث بثمنها فاتى بها وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا (١).

ظاهرها التحريم ، بل عدم صحة العقد أيضا ، حيث يفهم عدم صلاحية المنفرد للبيع ورد الثمن من غير رضى المشتري على الظاهر.

ولكن غير مقيدة لكون البنت طفلا وصغيرة ، بل ظاهرها انها كانت كبيرة ، حيث بيعت لنفقة العسكر ، والغالب انه لا يفي ثمن الطفل بها ، وان الطفل لم يشتر ، وانها مخصوصة بالبنت.

وصحيحة هشام بن الحكم ـ في الكافي ، وهي حسنة في التهذيب ـ عن أبي عبد الله عليه السلام انه اشتريت له جارية من الكوفة ، قال : فذهبت لتقوم في بعض الحاجة ، فقالت : يا أماه ، فقال لها أبو عبد الله عليه السلام : ألك أم؟ قالت : نعم ، فأمر بها فردت ، وقال : ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما اكره (٢).

وهذه كالأولى في الدلالة ، بل انقص ، فإنها ظاهرة في الكراهة ، لقوله : (ما أمنت إلخ).

ورواية سماعة قال : سألته عن أخوين مملوكين هل يفرق بينهما؟ وعن المرأة وولدها؟ فقال : لا ، هو حرام الا ان يريدوا ذلك (٣).

وهذه مع ضعفها وإضمارها مشتملة على الأخوين وعلى الولد مطلقا من دون قيد الصغر.

وما رواه ابن سنان في الصحيح قال ابن سنان : وقال أبو عبد الله عليه السلام : في الرجل يشتري الغلام أو الجارية ، وله أخ أو أخت. (وفي الفقيه ، أو

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٣.

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٤.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أب) (١) أو أم بمصر من الأمصار؟ قال : لا يخرجه من مصر الى مصر آخر ان كان صغيرا ، ولا يشتره. وان كانت له أم وطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت (٢).

قيل : هذه هي العمدة في ذلك وغيرها شاهد ، مع اشتراك ابن سنان ، وان كان الظاهر انه عبد الله الثقة ، لبعض القرائن (٣).

ولكن ليس بنص في الشراء ، وان أمكن تقييده به ، لما قبله وغيرها. واشتمالها على قوله : ان طابت نفس الام ونفس الولد يجوز الشراء ، لأن طيبة نفس الولد مع الصغر مشكل اعتباره.

وانها مشتملة على عدم جواز الإخراج من مصر الى مصر آخر.

والظاهر عدم تحريم ذلك ، وان قيل ان المراد لا يخرج من مصر فيه الأخ والأخت والام والأب ، فذلك أيضا غير معلوم القائل بالتحريم مطلقا ، وان كان المراد بالتفرقة ذلك فالعبارة غير جيدة ، وتكون مقيدة بالخروج.

وبالجملة القول بالتحريم الذي ذكره الأصحاب لهذه الروايات مشكل ، ولهذا حملها المصنف هنا وغيره على الكراهة.

نعم الاحتياط يقتضي عدم التفريق بين الأقارب من الممالك مطلقا إذا كانوا يتأثرون بالمفارقة.

وظاهر صحيحتي معاوية وهشام (٤) يقتضي تحريم التفريق حينئذ بين الام والبنت مطلقا.

ويؤيده قوله تعالى (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) (٥) فإنه يمكن شموله لما نحن

__________________

(١) وكذا في الكافي.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ١.

(٣) وهو نقل نضر بن سويد عنه.

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٢ و ٣.

(٥) سورة البقرة ـ ٢٣٣.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه ، وان فسر بغيره (١) فلا عدول عن مضمونها.

ثم ظاهر بعضها عدم التفرقة بين الام والأب ، بل الأخ والأخت ، والقائل بالحاقهم بالأم والولد الصغير مطلقا ، غير ظاهر ، وان كان ، فهو قليل ، فلا يبعد على تقدير التحريم ، الاختصار على الام والبنت ، للتصريح في الاخبار الصحيحة ، وعدم ظهور الغير بالإرادة إلا في مثل رواية ابن سنان ، لأنها مشتملة على الأب والأخ والأخت ، فينبغي إلحاقهم بهما.

وتخصيص الإلحاق ـ ببعض الأقارب التي بمنزلة الأم في التربية بوجه من الاعتبار ، وترك الأب والأخ والأخت ـ خروج عن النص بالقياس.

وكذا إلحاق غير البيع من العقود المفرقة بينهم ، به ، فإنه وان كان محتملا من جهة ظهور العلة المفهومة ، فيمكن ذلك ، ولكن يشكل من جهة كونه قياسا مع عدم النصوصية في العلة.

وبالجملة أصل المسألة من المشكلات لما مرّ ، وكذا فروعها.

ثم الإشكال (إشكال خ) في تعيين وقت المفارقة ، مكروهة أو حراما ، فإنه لا نص فيه بخصوصه ، بل على كونه صغيرا أيضا إلا ما يشعر به في رواية ابن سنان ، ولكن قيد به في كلام الأصحاب.

ويمكن الحوالة الى ما يعتبر في الحضانة بنوع من الاعتبار ، ولكن الحد هناك أيضا مشكل ، لعدم النص واختلاف الأقوال والروايات ، وسيجي‌ء في محلها.

والحاصل ما اعرف ما ذكروه في الحضانة أيضا ، إذ ما رأيت نصا صريحا صحيحا في ذلك ، بل الاخبار تدل على ان الولد للأب ، وله ان يعطيه لمن يشاء

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ٣٣٣ قال عند تفسيره للآية ما لفظه (اي لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيظا على أبيه ، فيضر بولده به ، لأن الوالدة أشفق عليه من الأجنبية) ولها تفاسير أخر مذكورة فيه.

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يرضعه (ترضعه خ) الا ان تطلب الام ذلك (الولد خ) ورضيت بما يرضى به غيرها ، فهي أحق به ما دام لم يفطم (والّا فالأب يعطيه لمن يريد خ).

وفي الفقيه في رواية غير صحيحة أنها أحق بولدها الى سبع سنين (١).

وفي رواية في التهذيب ان الأم أحق بالولد ما لم تتزوج (٢).

وفي اخرى انه أحق بولدها إذا كانت حرة (٣).

وفي اخرى ان الأب أحق بعد الفطم ، وهو بينهما حال الفطم ، وإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبات (٤).

وفي مرسلة صحيحة لابن أبي عمير ان ليس للوصي أن يخرجه من حجر الام حتى يدرك ويعطيه ماله (٥).

وجمع بينها الشيخ على ان الأم أحق قبل الفطم ، وإذا رضيت بما يأخذه الغير فهي أحق بأن ترضع ، وبان تكون الأنثى فإنها أحق بها ما لم تتزوج.

وبالجملة لا نص صريحا صحيحا لحضانة الأم ، الا انها مشهورة ، نعم يمكن بعض الاعتبار بأن الأم أولى ما دام يحتاج الى الحفظ في الجملة والتربية ، ولا ينبغي

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٥ كتاب النكاح ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٦ ولفظ الحديث (كتب اليه بعض أصحابه : كانت لي امرأة ولى منها ولد وخليت سبيلها ، فكتب عليه السلام : المرأة أحق بالولد الى ان يبلغ سبع سنين ، الا ان تشاء المرأة).

(٢) الوسائل ، ج ١٥ كتاب النكاح ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٤.

(٣) الوسائل ، ج ١٥ كتاب النكاح ، الباب ٧٠ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٧ وفيه (وهي أحق بولدها ان ترضعه) ولم نعثر على ما نقله الشارح قدّس سرّه.

(٤) الوسائل ، ج ١٥ كتاب النكاح ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ١ والحديث منقول بالمعنى.

(٥) الوسائل ، ج ١٥ كتاب النكاح ، الباب ٧١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ١ والحديث عن ابن سنان.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الأخذ منها ، لقوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) (١)) فتأمل ، ولان شفقتها وحفظها أكثر ، فينبغي ان يكون عندها مدة يحتاج الى الحفظ والتربية ، إلى وقت يحتاج الى تعلم صنعة وعلم كتابة ، ولا يبعد الى السبع مطلقا ، لما في الفقيه المضمون صحة ما فيه (٢) ، وبعده يسلم إلى الأب ، ولا يبعد إلى العصبة بعده ، وينبغي الرجوع الى الحاكم أو العلماء العدول ، والمصلحة مع تعذره. وما نفهم أكثر المسائل نستفهمها من الله يفهمنا الله إياها.

ومقتضى الدليل كونها للأب وبعده للام لصحة الرواية ، وليس شي‌ء منها صحيحة إلا ما يدل على انها للأب حرا وللام بعده ، وإذا كان عبدا ، وهي في الكافي والتهذيب والفقيه (٣) ، مع إمكان البحث فيها أيضا.

واعتبر المصنف هنا في الذكر الحولين وفي الأنثى السبع ، كأنه احتج بان الحد هو محل الاستغناء ، وهو حاصل بالسبع ، لا قبله ، لانه سن التميز فيستغني عن التعهد والحضانة ، وقيل : هو الاستغناء عن الرضاع ، والأول هو المشهور.

وأنت تعلم ان العلة المفهومة ليست الاحتياج إلى التربية والحضانة ، بل الشفقة والمحبة والتأثر بالفرقة ، وزوالها بما ذكر غير ظاهر ، بل كانت في الروايات إشارة الى عدم التفرقة مطلقا مثل صحيحتي معاوية وهشام (٤) الا ان يقال خرج ما فوق السبع بالإجماع ، ولكنه غير ظاهر ، وفي الحضانة إلى البلوغ قول عند أصحابنا وفيه عند العامة.

ولا يبعد جعل ذلك حدا مطلقا ، فان خروج البلوغ وما فوقه بالإجماع ، وقلة

__________________

(١) سورة البقرة ـ ٢٣٣.

(٢) الوسائل ، ج ١٥ كتاب النكاح ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٦.

(٣) الوسائل ، ج ١٥ كتاب النكاح ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٣.

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٢ و ٣.

٢٥٩

ووطي من ولد من الزنا.

______________________________________________________

التأثر بالمفارقة حينئذ غير بعيد ، فان بعد البلوغ قل ما يقتضي الانس ، بل محض البلوغ موجب للمفارقة ، لانه يستقل بنفسه.

ولما نقل في التذكرة عن طريق العامة من رواية عبادة بن الصامت ان النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : لا يفرق بين الام وولدها ، قيل : الى متى؟ قال : حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية (١).

ويمكن ان يقال أيضا : الأصل هو العدم خرج الى حين كمال الرضاع بالإجماع ، إذ لأحد قبله ، وعليه يصب الاخبار ، وليست رواية عبادة بصحيحة ، ولكن صب الاخبار عليه مشكل ، والى السبع ممكن ، فليس ببعيد كما اختاره المصنف هنا ، هذا والاحتياط طريق السلامة.

واعلم ان أكثر هذه البحوث جار في الحضانة أيضا ، وانهم قالوا : انما الكلام بعد شرب اللبأ ، واما قبله فلا نزاع في انه يجب شربها ويحرم المفارقة بينهما بحيث لا يشرب ذلك اللبأ فإنه لا يعيش غالبا الا به.

وفيه تأمل لأنا رأينا عاش بدونه ، بل لم يوجد اللبأ في كثير من النساء ، وانما يشرب لبن غير امه من الحليب لا اللبأ.

قوله : «ووطئ من ولد من الزنا» قد نهى في الاخبار المعتبرة المحمولة على الكراهة ، لعموم أدلة جواز النكاح والوطي ، وكأنه لعدم القائل بالتحريم.

ولصحيحة عبد الله بن سنان في الفقيه وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل عن الرجل تكون له الخادم ولد زنا (هل ئل) عليه جناح ان يطأها؟ قال : لا ، وان تنزه عن ذلك فهو أحب الى (٢).

__________________

(١) التذكرة ، ج ١ ص ٥٠١ في عدم جواز التفريق بين الأمهات والأولاد.

(٢) الوسائل ج ١٤ كتاب النكاح ، الباب ١٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ١ و ٥ واللفظ للحلبي.

٢٦٠