مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية أبي بصير عنه عليه السلام انه قال : لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم ، وان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل (١).

وهي ضعيفة ، وفي متن الأولى تأمل.

ويؤيد المنع الدليل العقلي ، والاحتياط ، ونقل الإجماع.

ويؤيد الجواز ، الأصل ، وعموم الأدلة ، فتأمل ، فإن العقل يقوى الأول ، ويمكن حمل الجواز على جوازه مع الضميمة أيضا ، لكنه بعيد ، وخلاف المشهور أيضا.

وان كان مع الضميمة ، فإن كانت أصلها ، فالظاهر الجواز ، وكذا غيره ، لما مرّ فيما سبق في بيع الآبق ونحوه ، وما تقدم أيضا في جواز بيعه من غير انضمام.

ويؤيده مضمرة سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل ان يخرج طلعها؟ فقال : لا ، الا ان تشتري معها شيئا غيرها ، رطبة أو بقلة ، فيقول : اشترى منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فان لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل الحديث (٢).

وهذه كالصريحة في المطلوب ، ولا يضر ضعفها لما مرّ. وهي تدل على معنى الظهور أيضا. وفيها دلالة على وقوع العقد بالمضارع ، مع تقديم الإيجاب كما تقدم في غيرها.

ولكن قال في التذكرة : وان باعها منضمة إلى الأصول ، فالوجه عندي البطلان ، الا ان يجعل انضمامها على سبيل التبعية فلا يضر فيها الجهالة كأساسات الحيطان وأصول الأشجار. اما إذا جعلت جزء مقصودا من المبيع ففيه الإشكال ، يقتضي النص الجواز ، وان باعها منضمة إلى شي‌ء غير الثمرة فإنه يجوز ، وينبغي ان

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٣ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون ذلك على سبيل التبعية لا أصالة لما تقدم ، لكن إطلاق النص يقتضي إطلاق الجواز ، روى سماعة ، ونقل روايته المتقدمة. ثم قال : والوجه عندي المنع ، وهذه الرواية مع ضعف سندها ، لم يسنده الى امام ، فلا تعويل عليها (١).

وقد عرفت التأمل في الفرق ، الا ان يكون المراد بالتبعية ان لا يذكر ولا يسمى في المبيع ، ويكون ذلك داخلا في الضمن والتبع كما في الأمثلة.

وفيها أيضا تأمل ، لأنه ان كان المجهول جزء من المبيع في نفس الأمر ، وعندهما يلزم مجهولية ، والا يلزم ان لا يكون ذلك ملكا للمشتري ، فيكون للبائع.

والرواية وان كانت ضعيفة الا انها مؤيدة بالعمومات ، وما مرّ من جواز بيعها منفردا في الروايات فمع الانضمام بالطريق الاولى. وبجواز بيعها سنتين وأكثر من غير انضمام إلى شي‌ء آخر للروايات ، وقد جوزه في التذكرة أيضا ، حيث قال : مع الانضمام إلى سنة أخرى يجوز ، لما رواه الحلبي في الحسن قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين؟ قال : لا بأس به ، يقول : ان لم يخرج في هذه السنة خرج في قابل ، فان اشتريته سنة فلا تشتره حتى تبلغ ، وان اشتريته ثلاث سنين قبل ان يبلغ فلا بأس (٢).

ثم نقل صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدم (٣) وقد مرّ غيرهما مثل صحيحة سليمان بن خالد (٤) ورواية أبي بصير (٥).

وبالجملة الرواية الدالة على جواز البيع أكثر من سنة مطلقا كثيرة معتبرة ،

__________________

(١) إلى هنا كلام التذكرة ص ٥٠٢.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٨.

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٩.

(٥) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١٠.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والقائل به موجود مثل العلامة في التذكرة والشيخ والصدوق.

وليس القائل منحصرا في الصدوق والدليل في صحيحة يعقوب بن شعيب حتى يحمل على بعد الظهور وقبل البدو كما قاله في الدروس ، حيث قال : فالمشهور عدم جوازه أزيد من عام ولم يخالف فيه الا الصدوق لصحيحة يعقوب بن شعيب ، وحملت على عدم بدو الصلاح ، وإذا عرفت جواز البيع أكثر من سنة من غير انضمام شي‌ء آخر ، فمع الانضمام سنة بالطريق الاولى.

فقد علم حال الثمرة قبل الظهور ، فان كان بعده فالظاهر الجواز مطلقا بالطريق الاولى من غير اشتراطه بشي‌ء من الأمور المذكورة شرط القطع ، وانضمام شي‌ء آخر ، الأصل أو غيره ، سواء كان أصلا أو تابعا ، وبدوّ الصلاح فيجوز بعد الظهور قبل بدو الصلاح مطلقا بشرط القطع وبشرط التبعية (البقية خ) وعدمه ، وهو مختار التذكرة.

وقد علم دليله مما سبق ، مثل عموم ما يدل على جواز البيع من الكتاب والسنة ، مثل أحل الله البيع وغيره ، مع عدم المانع ، فان احتمال الآفة ليس بمانع ، الا ترى انه موجود في أكثر المبيعات مثل الحيوانات والثمر بشرط سنين ، أو الانضمام ، بل بعد البدو أيضا.

نعم قد يدل على المنع بعض الروايات مثل رواية أبي بصير وهي ضعيفة ، ومع ذلك حملها في التذكرة على الكراهة للجمع بين الأدلة ، وكذا حمل ما روى عن العامة والخاصة مثل ما روى الحسن بن علي الوشاء قال : سألت الرضا عليه السّلام هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟ فقال : لا يجوز بيعه حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ جعلت فداك ، قال : يحمر ويصفر وشبه ذلك (١).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٣.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجه الحمل على الكراهة ما تقدم من الجمع بين الأدلة ، وصراحة الكراهة في صحيحة يعقوب بن شعيب ، مع ضعف سند رواية الحسن بن على الوشاء في التهذيب ، وان كان الظاهر صحتها في الفقيه ، ومعارضتها بالأصل وعموم الأدلة.

ويحتمل ان يكون المراد العام الواحد ، لا الأعوام.

ثم اعلم ان ظاهر المتن ان لا خلاف في عدم جواز بيع التمر قبل الظهور منفردا ومنضما عاما واحدا ومتعددا ، وقد عرفت الخلاف والراجح ، وان بعده يجوز ويصح.

ولكن في اشتراط (احد خ) الأمور الثلاثة قولان :

وهنا قول ثالث ، وهو انه مراعى بالسلامة لو باعه عاما واحدا من دون الشرط ، كأنه داخل في عدم الاشتراط.

وان لا دليل على الجواز بشرط القطع بخصوصه ، الا ما قيل : انه حينئذ اشترى الحصرم أو البسر ، وفيه تأمل ، فإنه في بعض افراد التمر لم يحصل الانتفاع بمجرد الظهور ، بل في البعض بعد البدو أيضا على بعض التفاسير ، بل في النخل والكرم أيضا قبل البدو ، ولا نفع فيه بالفعل حتى يشتري له ، فيشكل عند من يشترط الانتفاع في المبيع ، شراء مثل هذه بعد الظهور قبل البدو ، بل بعده أيضا بشرط القطع ، والعمومات تفيد الجواز ، فتأمل.

ثم اعلم أيضا ان بدو الصلاح الذي هو احد المجوزات للبيع عند المانع بعد الظهور ، قيل في ثمرة النخل تغير اللون من الخضرة التي هي لون البلح (١) إلى الحمرة أو الصفرة ، لما فهم من بعض الاخبار ان من حد جواز البيع هو الحمرة أو الصفرة ،

__________________

(١) البلح بالتحريك قبل البسر ، لأن أول التمر طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ، ثم تمر ، الواحدة بلحة (مجمع البحرين).

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالاتفاق يجوز بعد البدو ، فلا يكون بدو قبله.

وكأنه مما في رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

وسألته عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر اخضر؟ فقال : لا ، حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ قال : يتلون (١) ومن رواية حسن بن علي الوشاء المتقدمة ، ومثلها رواية العامة عنه صلّى الله عليه وآله (٢) وما رأيت فيه غيرهما ، وليس منهما شي‌ء صحيح.

فقول شارح الشرائع : واكتفى الأكثر به ، لصحة دليله ـ محل التأمل.

ويفهم من بعضها انه عبارة عن الإطعام والإدراك ، فان في صحيحة يعقوب بن شعيب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعا (٣).

وقريب منه رواية إسماعيل بن الفضل (٤).

وفي رواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى بستانا فيه نخل وشجر ، منه ما قد اطعم ومنه ما لم يطعم؟ قال : لا بأس إذا كان فيه ما قد اطعم (٥).

فتحمل هذه على الكراهة قبل الإطعام والإدراك بما تقدم. وإذا انضم اليه ، ان بيعه مكروه قبل البدو أو حرام ـ لا بعده ـ يدل على ان الإطعام والإدراك هو البدو.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٥.

(٢) سنن ابن ماجه ، ج ٢ ، كتاب التجارات ٣٢ باب النهي عن بيع الثمار قبل ان يبدو صلاحهما ، الحديث ٢٢١٧ ، وفي صحيح مسلم ، ج ٣ ، كتاب البيوع ١٣ باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع ، الحديث ٥٠.

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١.

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢.

(٥) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٣.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن أراد بالتلون هذا ، فصحة دليله غير بعيد.

والظاهر من التلون بالاحمرار والاصفرار انه أعم من الإطعام والإدراك.

وقيل : التلون في جميع ما يتلون بذلك اللون ، فغير مخصوص بثمر النخل.

وقيل : هو بلوغ الثمر ، بل مطلق الشي‌ء ، غاية يؤمن عليها الفساد. والمرجع في الأمن عن العاهة والآفة والفساد ، هو أهل الخبرة وأهل العرف. ونقل في التذكرة عن بعض العامة ان ذلك بطلوع الثريا ، لان ابن عمر روى ان النبيّ صلّى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمار حتى يذهب العاهة ، فقال له : عثمان بن عبد الله بن سراقة متى ذلك؟ قال : إذا طلع الثريا (١).

والجواب هذه التتمة من قول ابن عمر ، لا من قول النبيّ صلّى الله عليه وآله ، ولا عبرة به فتأمل ، وهو بعيد فيما رأيناه في العراق ، فإنه قد يطلع فيه قبل إدراك ثمرة النخل بكثير.

وبالجملة ليس بواضح كونه ضابطا ، لاختلاف البلدان. ويحتمل في بلد خاص لا نعرفه ، ولعل هذا المعنى مأخوذ من رواية أبي بصير المتقدمة ، يعني قوله : (لا ، حتى تثمر ويأمن ثمرتها من الآفة).

وقيل : هو انعقاد الحب في الزرع والشجر ، كأنه يريد غير النخل ، ففي النخل ما تقدم ، ودليله غير واضح. الا ان يقال : يمكن أخذه من رواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ فقال : إذا عقد وصار عروقا (٢) لعروق اسم الحصرم بالنبطية.

__________________

(١) نقله في التذكرة ، ج ١ ص ٥٠٣ في عدم جواز بيع الثمرة قبل بدو الصلاح ، ولم نعثر عليه في الصحاح والسنن ، وفي صحيح البخاري ، باب بيع الثمار ما لفظه (وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ان زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى يطلع الثريا فيتبين الأصفر من الأحمر).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٦ وفي ذيله ما هذا لفظه (محمد

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع عدم صحتها ، وعدم عمومها لغير الكرم ، يدل على أخص المطلوب ، فان الحصرم يحصل بعد انعقاد الحب بكثير ، فالأول أولى ، فتأمل.

ولعل كلام المصنف إشارة إلى المذاهب الثلاثة في تفسير البدو ، لا التخيير.

ويمكن كون فهم الأول أولى ، لتقدمه.

وأيضا قد عرفت مما تقدم انه إذا أدرك بعض ثمرة بستان ، يجوز بيع الكل لصحيحة يعقوب وغيرها ، بل لبستان آخر ، فإنه يجوز مع الانضمام والمدرك ضميمة.

والظاهر انه لا فرق بين الإدراك والبدو بعد القول بالجواز ، ولا بين كون الاثمار من أجناس مختلفة أو متحدة ، نعم يلاحظ التبعية والأصالة على رأي المصنف ، لما صرح به في التذكرة مرارا متعددة.

واعلم أيضا ان المصنف رحمه الله ما فرق هنا بين ثمر النخل وغيره ، والموجود في أكثر الكتب الفرق بينهما ، بجعل كل واحد منفردا في مسائل.

ولعل نظر المصنف رحمه الله الى عدم الفرق بينهما في الاحكام ، بأنه لا يجوز البيع قبل الظهور مطلقا عنده ، وعاما واحدا بالإجماع على ما نقل.

وبعده فيه خلاف ، بعض يجوّز مطلقا ، وبعض يشترط احد الشروط الثلاثة ، وبعض يقول بالصحة مراعى ، ولا فرق إلا في تفسير البدو ، وقد أشار إليه بقوله : (أو ينعقد حب الزرع والشجر) ، حيث اضافه الى الشجر مطلقا ، وغيّر أسلوب العطف ، حيث ما قال : (أو انعقاد الحب). فالأولى إشارة إلى الرأيين في تفسير بدو ثمر النخل ، فهو إشارة إلى القولين المشهورين فيه ، والثانية إلى بدو

__________________

بن الحسن بإسناده عن احمد بن محمد بن احمد بن الحسن مثله ، الا انه قال : وصار عقودا ، والعقود اسم الحصرم بالنبطية).

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاح في ثمرة الشجر والزرع ، وما نقل فيه الخلاف ، وان كان فيه أيضا ذلك استضعافا ، أو لوجه آخر.

وبالجملة قال في شرح الشرائع : الخلاف ، الخلاف ، والمختار ، المختار.

وقال في التذكرة : في جميع مسائل ثمرة الشجرة الخلاف فيه كالخلاف في ثمر النخل وقد مرّ الا انه اختار في ثمر النخل جواز بيعه بعد الظهور قبل البدو عامين ، وفي ثمر الشجر قال : لا يجوز والخلاف كما تقدم ، وهو مشعر بالمساواة ، مع انه اختار الجواز في النخل وعدمه في الشجر ، كأنه لوجود النص في ثمر النخل.

ويمكن التعميم ، فتأمل في دليله المتقدم.

ويحتمل كون ذلك مقصود بقول التذكرة : الخلاف كما تقدم ، ولم يكن الحكم بعد الجواز قبله في ثمر الشجر معتقدا له ، فتأمل.

ونقل في شرح الشرائع عن نهاية الشيخ اعتبار نثر الورد ، لعل دليله ما في رواية محمد بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال : وبلغني انه قال : في ثمر الشجر لا بأس بشراءه إذا صلحت ثمرته ، فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : إذا عقد بعد سقوط ورده (١).

وعن مبسوطة التلوّن فيما يتلون وصفاء اللون وان يتموه (٢) فيه الماء الحلو فيما يتبيض ، والحلاوة وطيب الأكل في مثل التفاح والبطيخ ، وفيما لا يتلون ولا يتغير طعمه ، بل يؤكل صغيرا وكبيرا كالقثاء والخيار تناهى عظم بعضه.

وفائدة هذا البحث على تقدير عدم الجواز بمجرد الظهور واشتراط بدو الصلاح تظهر ، واما على ما تقدم من الجواز بدون الشرط بعده ، فلا تظهر فائدته.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب آداب بيع الثمار ، قطعة من حديث ١٣.

(٢) وفي بعض النسخ المخطوطة (وهو ان ينمو فيه إلخ) وعبارة المبسوط هكذا (وان كانت مما تبيض فهو ان يتموه ، وهو ان ينمو فيه الماء الحلو ويصفر لونه) المبسوط كتاب البيوع ، في بيع الثمار ص ١١٤.

٢٠٨

ويجوز بيع الزرع والسنبل قائما وحصيدا ، والخضر بعد انعقادها لقطة ولقطات والرطبة وشبهها جزة وجزات والحناء والتوت خرطة وخرطات.

______________________________________________________

ويفهم من شرح الشرائع عدم الفرق بين الظهور المجوز للبيع والبدو إذا كان البدو بمعنى انعقاد الحب من غير الزيادة المذكورة.

ويمكن الفرق ، فالظهور يكون بظهور أثره مثل الورد وما قبله.

وقال أيضا فيه : مستند القولين ـ اي قول الشيخ وانعقاد الحب وهو المشهور ـ اخبار لا تبلغ حد الصحة ، وما رأيت منها غير ما مرّ. ولعل عموم أدلة جواز البيع مع ما مرّ دليل على الأول ، وهو جواز البيع بعد انعقاد الحب وعدم الاشتراط بالشرائط المذكورة في ثمر النخل. ويؤيده الشهرة وما تقدم في ثمر النخل من الروايات (المذكورة خ) الدالة على جواز البيع بمجرد الظهور ، وكذا جواز بيع الزرع.

قوله : «ويجوز بيع الزرع إلخ» يعني يجوز بيع الزرع بعد الظهور مطلقا قبل البدو (بدو الصلاح خ) وبعده بشرط القطع وشرط التبقية ، ومطلقا ، وسواء كان قائما أو حصيدا مقطوعا على الأرض ، ولكن لا يبعد اعتبار بيعه بعد الحزم أو الوزن ان كان ذلك العادة ، والظاهر العدم.

وكذا يجوز بيع السنبل مطلقا ، ولا فرق بين كونه بارزا مثل الشعير ومستورا مثل الحنطة.

لعل دليل الكل الأصل والعمومات والتراضي ، وللمرء ما يفعل في ماله ، مع عدم المانع عقلا وشرعا. ويؤيده ما يدل على جواز بيع الخضر خرطة.

قوله : «والخضر بعد انعقادها إلخ» لعل المراد بالانعقاد هنا هو الظهور ، قال في التذكرة : الخضر كالقثاء والباذنجان والبطيخ والخيار يجوز بيعه بعد انعقاده وظهوره ، ولا يشترط أزيد من ذلك من تغير لونه أو طعمه أو غيرهما ، لانه مملوك ظاهرا منتفع به ، فجاز بيعه كغيره من المبيعات ، ويجوز بيعها منفردة ومنضمة إلى أصولها وغير أصولها بشرط القطع والتبقية ومطلقا. نعم قد يفرق بينهما ان أريد

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بالانعقاد بدو الصلاح بالمعنى المنقول عن نهاية الشيخ والمبسوط فيما تقدم.

وبالجملة الظاهر جواز بيعها بمجرد الظهور لما تقدم غير مرة من العمومات الأصل والتراضي وتسلط الملاك على ملكهم.

والأخذ من الخيار والبطيخ ونحوهما ، يقال لقطة ان كانت مرة ، ولقطات ان كانت متعددة ، قال في شرح الشرائع : مقتضى اشتراط الانعقاد كون جميع اللقطات موجودة حال البيع.

وهو غير ظاهر ، بل عطفه على لقطة يقتضي عدم الاشتراط (في خ) للقطات إلا في اللقطة الأولى كما مرّ مثله في بيع الثمر بعد الظهور أو البدو سنين متعددة ، فإن حاصل الكلام : انه بعد الظهور يجوز بيعها لقطات كما جاز لقطة بل تصوير ما ذكره مشكل الا بتكلف ، بل يمكن قياسا على ما مرّ في ثمر النخل والشجر جواز بيعها لقطات من غير انعقاد ، كما في بيع الثمر سنين ، فان المراد بثمرة سنة تحصل في السنة ، وان كانت في ستة أشهر ، بل شهر لو أمكن ، فتأمل.

والأخذ من الرطبة ، بفتح الراء وسكون الطاء ، يسمى جزة في المرة ، وجزات في المتعدد ، وهو نبت خاص له أوراق صغار ، وبسط في الجملة ، نقل عن الصحاح انه يقال له بالفارسية (١) (اسپست) وكذا في شبهها ما يجز ويبقى أصله ، فيجز مرة أخرى ، وهكذا سنين متعددة.

ودليل جواز بيعها يعلم مما مرّ ، ويدل عليه أيضا بخصوصه ما تقدم في رواية سماعة فقال : الا ان يشتري معها شيئا من غيرها رطبة أو بقلا ، فيقول : اشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا (٢).

__________________

(١) رطب أيضا گياه‌تر ، رطبة سپست‌تر رطاب جمع ، رطب رطوب سپست‌تر خورانيدن ستور را (صراح اللغة).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٣ من أبواب بيع الثمار ، قطعة من حديث ١.

٢١٠

واستثناء نخلة معينة وحصة مشاعة وأرطال معلومة ، فإن خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه.

______________________________________________________

ومن التوت ، بتائين منقطتين من فوق ، يسمى خرطة للواحدة وخرطات للكثيرة.

ومثله الحناء ، وكذا سائر ما فيه الورق.

ودليل جواز بيعه يفهم مما سبق ، ويدل عليه أيضا مضمرة سماعة قال : وسألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطة (١).

لعل اشتراط الرؤية في المرة الأولى للعلم في الجملة.

ورواية معاوية بن ميسرة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع النخل سنين؟ قال : لا بأس به ، قلت : فالرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا جزة بعدها؟ قال : لا بأس به ، قال : ثم قال : قد كان أبي يبيع الحناء كذا وكذا خرطة (٢).

وفيها دلالة على بيع جزات الرطبة بمجرد وجود الواحدة ورؤيتها. وكذا بيع ثمر النخل سنين من غير اشتراط على ما تقدم.

قوله : «واستثناء نخلة معينة إلخ» أي يجوز بيع ثمرة بستان النخل واستثناء نخلة معينة ، أو حصة مشاعة معينة مثل العشر والنصف ، أو أرطال معينة مثل عشرة أرطال من المبيع ، ولكن مع ظهور اشتمال المبيع عليه وعلى الزيادة بحيث يصير مبيعا ، فان سلمت الثمرة وما تلفت ، فالأمر واضح ، وهو ان يأخذ البائع

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٤ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٤ من أبواب بيع الثمار الحديث ٣ وأورد صدره في باب ١ الحديث ١١.

٢١١

وبيع الزرع قصيلا وعلى المشتري قطعه ، فان لم يقطعه قطعه البائع ، أو طالبه بالأجرة ، وكذا النخل لو شرط قطع الثمرة.

وان يبيع ما ابتاعه من الثمرة وغيرها بزيادة ونقصان قبل القبض وبعده.

______________________________________________________

المستثنى تماما والمشتري الباقي. واما ان خاست اي تلف بعضها يسقط من المستثنى بالنسبة ، بأن يخمّس جميع ثمر البستان على تقدير السلامة وينسب إليها الأرطال المعلومة المستثنيات (المستثناة خ ل) ، ثم يأخذ بتلك النسبة من الباقي. ودليل الكل واضح بحمد الله.

قوله : «وبيع الزرع قصيلا إلخ» أي بشرط القطع ، وهو علف ، وكان يمكن الاكتفاء في بيانه بما تقدم ولعل ذكره لذكر ما بعده ، وهو انه يجب على المشتري قطعه ، بناء على ما شرط تخليصا لملك الغير عن الاشتغال بماله ، فان فعل فلا بحث ، والا يجوز للبائع قطعه تخليصا لملكه عن شغل الغير وتفريغ ماله عملا بالشرط ، وله الصبر وطلب اجرة مثل مدة بقائه فيه من غير استحقاق.

وكذا البحث في ثمر النخل لو بيع بشرط القطع ، بل في مطلق المبيع في موضع لا يستحق بقائه فيه.

ولكن يمكن ان يقال : انه ينبغي طلب القطع منه ، فان ابى فاستأذن الحاكم ان أمكن بغير كلفة وعدم فوت منفعة إلى حين القطع بعد الطلب والاستيذان.

ثم ان الظاهر عدم ضمان ما تلف بالقطع إذا لم يتعد ، وكذا بعده.

قوله : «وان يبيع ما ابتاعه إلخ» يعني يجوز له بيع ما اشترى من الثمرة وغيرها بزيادة على ما اشتراه ونقصان قبل القبض وبعده. ودليله واضح ، وهو انه ملكه وله ان يفعل فيه ما يشاء الا (الى خ ل) ان يمنع مانع عقلي أو شرعي ، وليس.

٢١٢

وبيع الثمرة على النخلة بالأثمان وغيرها ، لا بالتمر ، وهي المزابنة ، ولا الزرع بحب منه ، وهي المحاقلة.

______________________________________________________

ويدل عليه ما تقدم وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام انه قال : في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل ان يقبضها؟ قال : لا بأس (١).

وصحيحة محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل ان يأخذها؟ قال : لا بأس به ان وجد ربحا فليبع (٢).

ومعلوم ان ليس المراد اشتراط الربح في الجواز ، وهو ظاهر ، فالمفهوم متروك للظهور ، وبالإجماع ، وسائر الأدلة ، ولانه خارج مخرج المتداول والعادة ، فلا اعتبار بالمفهوم حينئذ كما بين في موضعه ، ولهذا ما قيد في الأولى ، هذا كله ظاهر.

الا ان في قوله : (وغيرها) تأملا ، فان في بيع الطعام بل المكيل والموزون قبل القبض كلاما سيجي‌ء.

ويمكن ان يكون المراد بالثمرة ثمرة النخل ، وبغيرها غير تلك الثمرة من اثمار سائر الأشجار ، فإن المتعارف أن الثمرة مطلقا عندهم ، هو ثمر النخل. أو ليستثني منه الطعام ، بل المكيل والموزون بقرينة ما سيجي‌ء ، أو انه يجوز عنده ذلك أيضا ، وان كان مكروها فلا يضر دخوله.

قوله : «وبيع الثمرة إلخ» أي يجوز بيع ثمرة النخل حال كونها على النخل بالأثمان وغيرها مما يجوز ان يكون ثمنا الا التمر ، فإنه لا يجوز بيع ثمرة النخل به ، فان هذه المعاملة تسمى المزابنة ، وهي محرمة.

وكذا يجوز بيع الزرع بالأثمان وغيرها مما يصح به البيع الا بحب من جنس المزروع ، فإنها محاقلة ، وقد نهى عنها.

هذا هو المراد بقوله : (ولا الزرع).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تأمل من جهة عدم حسن التركيب ، والأمر في ذلك هين ، والمقصود واضح.

واما دليل جواز البيع مطلقا فهو واضح مما تقدم ولا يحتاج الى الذكر.

واما دليل عدمه بما استثنى ، فكأنه الربا ، لانه بيع تمر مثلا بتمر ، وهو مكيل ، والغالب هو التفاوت ، فحصل شرط الربا ، فيحرم. ولان بيع الربوي مشروط بعلم المساواة ، وهي غير ظاهر هنا.

وفيه تأمل ، لأن الظاهر ان الثمرة على النخل والحب في الزرع ليسا بمكيلين ، فإنهما لا يباعان كيلا ، بل بالمشاهدة.

والظاهر انه لم يكف كونه من جنس المكيل ، للأصل وسائر ما تقدم.

ويؤيد عدم الربا حسنة الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام في رجل قال لآخر : بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر يسمي ما شاء ، فباعه؟ فقال : لا بأس به (١).

وأيضا في حسنة عنه عليه السلام وقال : لا بأس أيضا ان يشتري زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة (٢).

وكذا رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختراما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، واما ان أخذه أنا بذلك وأردّ عليك؟ قال : لا بأس بذلك (٣).

وهذه وان كانت ضعيفة في التهذيب ، الا انها دليل التقبيل الذي قالوه ، فهي

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب بيع الثمار ، قطعة من حديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١٢ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١.

(٣) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١٠ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١ وليس في كتب الحديث جملة (وارد عليك).

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مؤيدة بالعمل.

وصحيحة أيضا في الفقيه (١) ، وفي بيع الغرر من التهذيب أيضا (٢) ، فهي مؤيدة للمطلوب هنا في الجملة ، وان لم تكن في البيع ، فان التقبيل حكمه حكم البيع عند المتتبع ، فافهم.

وهذه الرواية في الفقيه وفي التهذيب أيضا في باب الغرر قال : وسألته عن الرجل يكون له على الآخر مائة كرّ تمر ، أو له نخل فيأتيه فيقول : أعطني نخلك هذا بما عليك ، فكأنه كرهه (٣).

والظاهر ان المراد ثمر النخل ، وظاهرها الجواز ، ورواية الكناني التي سنذكر.

وبالجملة التعليل بالربا غير ظاهر ، لأن الأصل العدم حتى يتحقق ، وليس بمتحقق ، فليس الدليل إلا الإجماع والنص.

ولكن الظاهر ان الإجماع غير متحقق مطلقا ، بل على ما قالوه : فيما إذا باع ثمرة النخلة بتمرة منها ، فان بعض الأصحاب يقولون بجواز بيعها بتمر غير الذي عليها ، وكذا في المحاقلة.

فإن الظاهر عدم الإجماع إلا في البيع ببعض الحب الذي هو المبيع.

وحينئذ يظهر وجه آخر للبطلان ، وهو عدم العلم بحصول الثمن ، ولا بد من كونه مجزوما به في البيع فتأمل.

__________________

(١) طريق الصدوق الى يعقوب بن شعيب كما في المشيخة هكذا (وما كان فيه عن يعقوب بن شعيب فقد رويته عن محمد بن الحسن رضي الله عنه عن الحسن بن المتيل عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن حماد بن عثمان عن يعقوب بن شعيب بن ميثم الأسدي).

(٢) سند الشيخ الى يعقوب بن شعيب كما في باب الغرر من التهذيب هكذا (الحسين بن سعيد عن صفوان وعلي بن النعمان عن يعقوب بن شعيب).

(٣) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واما النص فهو الرواية من العامة (١) والخاصة ، اما الاولى فليست بحجة مع عدم تحقق كون تفسيرهما على وجه العموم عنه صلّى الله عليه وآله ، فإنه يحتمل كونه من الراوي قاله في التذكرة (٢).

واما الثانية فهي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله في باب بيع الماء من التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن المحاقلة والمزابنة ، قلت : وما هو؟ قال : ان تشترط حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة (٣).

قال في شرح الشرائع : انها صحيحة ، وفي الطريق ابان وهو مشترك (٤).

والقرائن تدل على انه ابن عثمان الأحمر ، قيل : ناووسي ، ويعلم من بعض قيود الشارح انه ليس بمقبول ، وكثيرا ما يردّ الخبر به.

وان كان ظني قبوله ، لنقل الإجماع على تصحيح ما صح عنه ، وقبول المصنف ذلك الإجماع على ما يظهر من الخلاصة عند ذكره ، وعدم ثبوت كونه ناووسيا وان نقل في بعض الحواشي عن الشيخ فخر الدين عن والده عدم قبوله لفسقه ، لفساد مذهبه.

وبالجملة الطريق لا يخلو عن شي‌ء وليس بنقي.

__________________

(١) رواه أصحاب الصحاح والسنن ، لاحظ مفتاح كنوز السنة ، البيوع ، ص ٩٢ النهي عن المزابنة.

وان شئت نموذجا منها ، فراجع صحيح مسلم ، ج ٣ كتاب البيوع ص ٢١ (١٦) باب النهي عن المحاقلة والمزابنة. أحاديث ٨١ ـ ٨٦ ، وسنن الترمذي ، ج ٣ ، ص ٥٢٧ (١٤) باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة ، الحديث ١٢٢٤ وفيه : والمحاقلة بيع الزرع بالحنطة ، والمزابنة بيع الثمر على رؤوس النخل بالتمر.

(٢) التذكرة ، ج ١ ص ٥٠٨ في أحكام بيع الثمار ، ولم نعثر في الصحاح والسنن حديثا عن جابر بهذه الألفاظ.

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١.

(٤) سند الحديث كما في التهذيب احمد بن محمد عن صفوان عن ابان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن ان يقال في دلالته : انه لا يبعد كون المراد بتمره وبحنطته بان يكون الالف واللام عوضا عن المضاف اليه ، بل هو المتبادر اليه ، ولو أراد العموم لكان التنكير اولى ، وهو (بتمر وحنطة) وهو ظاهر ولانه المتيقن بالإرادة بالإجماع دون الغير الأعم ، وللأصل ، وعموم جواز البيع والتراضي والتسلط ، وللخبرين المتقدمين (١) خصوصا الحسنة ، فإنها صريحة في جواز بيع ثمر النخل بالتمر ، فتحمل المزابنة على التمر منه ، للجمع ولان هذا شي‌ء خارج عن القانون ، فيقتصر على موضع الوفاق ، ولأنه حينئذ يمكن تعميمه في كل ثمر وحب للوجه الذي ذكرناه ، بخلاف الأعم ، فتأمل.

ثم ان الظاهر ان المراد من الزرع ، هو الزرع مع ظهور الحب وانعقاده وكونه مبيعا ، ولهذا عبر في بعض العبارات بالسنبل ، وفي رواية أيضا : المزابنة ، بيع السنبل بالحنطة ، ولانه مع عدم الحب هو علف يجوز بيعه بكل شي‌ء. وفي التذكرة. ولو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب ، فلا بأس به ، والظاهر ان يكون المراد بالحب غير حب ذلك الزرع ، ويدل الروايات الكثيرة على جواز بيع الزرع قبل السنبل مطلقا لعلف الدابة (٢).

ثم ان أراد ان يخليه حتى يصير سنبلا يجوز. وهذا أيضا مؤيد للتخصيص ، لانه على تقدير التعميم ، إخراج هذا محل التأمل ، لظهور النص ، وكذا إبقاؤه أيضا لظهور العلة التي ذكرت ، وهي الربا.

وبالجملة الأصل وعموم الكتاب والسنة والإجماع أدلة قوية ، لا يمكن الخروج عنها الا بمثلها ، فالذي يظهر تخصيص تحريم المزابنة والمحاقلة بكون التمر

__________________

(١) وهما حسنة الحلبي ورواية يعقوب بن شعيب.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب بيع الثمار ، فراجع.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والحنطة الثمنين ، من المثمن.

نعم يمكن التعميم والتعدي الى كل شي‌ء يكون الثمن من المثمن ، من جهة عدم العلم بوجود الثمن ، فإنه قد لا يحصل ، وان حصل فلا يحصل مقدار الثمن ، وان حصل فلا يبقى المبيع.

ومن جهة ان المبيع انما يملك بالعقد ، فكيف يكون هذا العقد في حال جعله المبيع ملكا للمشتري مملكا بعضه للبائع ، مع انه كان ملكا له ، فالتعدي مع التخصيص ، ظاهر وغير بعيد مع عدم التجاوز عن صورة النص والإجماع ، أي كون الثمن من المثمن ، لا مع التعميم ، فإن القائل لا يقول به ، مع لزوم قوله به ، لظهور العلة وهي الربا ، وذلك مما يضعف القول به.

ويضعفه أيضا لزوم ترك الأصل ، وإثبات التحريم بخبر واحد غير متفق على صحته ، بل مع القول بعدم صحته ، مع احتمال ظاهر في دلالته.

وكذا تخصيص الكتاب والسنة والإجماع ، وترك ظاهر صحيحة يعقوب وحسنتي الحلبي المتقدمات.

ورواية أبي الصباح الكناني قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر ، وكان له نخل ، فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك ، فأبى أن يقبل ، فاتى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ان لفلان علىّ خمسة عشر وسقا من تمر ، فكلمه أن يأخذ ما في نخلي بتمره ، فبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال : يا فلان خذ ما في نخله بتمرك ، فقال : يا رسول الله لا يفي ، وابى ان يفعل ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لصاحب النخل اجذذ نخلك ، فجذه فكال له خمسة عشر وسقا ، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ، ولا أعلم الا اني قد سمعته منه ان أبا عبد الله عليه السلام قال : ان ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبيّ قال : هذا ربا ، قلت : اشهد بالله انه لمن الكاذبين

٢١٨

الا العرية بخرصها تمرا من غيرها بشرط التعجيل ، لا القبض ، ولا يجب تماثل خرص تمرها عند الجفاف وثمنها ، ولا عرية في غير النخل.

______________________________________________________

قال : صدقت (١).

والظاهر ان نفي الربا وجواز القبول هنا من جهة عدم كونه من المكيل ، لا من جهة الموافقة لما عليه ، لعدم العلم من الجانبين بذلك ، وان فرض علمه صلّى الله عليه وآله بذلك بالإلهام ، وان كان عدم بيانه ـ وسكوته عن جواب الغريم بأنه ناقص عن حقه ـ يدل على عدم علمه أيضا في ذلك الوقت.

ولان السكوت والأمر بمثل ذلك ـ مع كون جوازه مبنيا على أمر مخفي لا يعلمه الا الله ورسوله ـ لا يخلو عن إغراء بالجهل.

ولان الظاهر ان التفاوت موجود مع ذلك بالرطوبة وعدمها ، فإن المأخوذ في الحال من النخل ، الظاهر كونه رطبا وغير معلوم كون ما عليه كذلك وان كان خلاف ذلك أيضا محتمل ، الله يعلم ، فتأمل فإن المسئلة مشكلة.

واعلم ان ظاهر المتن العموم وعدم الجواز مطلقا ، والظاهر من التذكرة التخصيص ، حيث رد دليل العموم وهو الربا ، واستدل على الخاص بالروايات المتقدمة من صحيحة يعقوب وحسنة الحلبي ورواية الكناني وقدم الخاص ، ثم قال : وقال بعض علمائنا لا يشترط ذلك ، اي اتحاد الثمن والمثمن إلخ.

قوله : «الا العرية إلخ» قيل : هي النخلة تكون لإنسان في دار انسان آخر وفي بستانه ، قال في شرح الشرائع : انه متفق عليه ، ومنقول عن أهل اللغة.

قيل : ان الدار أعم من المستأجر والمملوك والمستعار ، وكذا البستان ، وان

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٣ وفيه (فجذه له فكاله فكان خمسة إلخ).

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كان مشتر (١) لثمره ، لصحة الإضافة.

وهي مستثناة من عدم جواز بيع التمر على النخل بالتمر ، قال في شرح الشرائع : عند جميع العلماء الا (عند) أبي حنيفة فيجوز بيع ثمر النخلة بالتمر.

قيل : بشروط :

(الأول) كونه على ذي البستان والدار لا على الغير.

(الثاني) كونها واحدة في كل بستان ودار.

(الثالث) الخرص والتخمين.

(الرابع) عدم الزيادة عند البيع ، ولا يضر عند الجفاف.

(الخامس) الحلول والتعجيل ، فلا يجوز التأجيل ولا يشترط التقابض.

(السادس) كونه على رؤس النخلة ، فلا يجوز بعد قطعه الا مثل بيع غيره ، ويمكن الغنا عن هذا الشرط.

وكذا عن الشرط (السابع) وهو كونه ثمر النخل فلا يجوز في غيره.

(الثامن) كونه بغير تمره لما عرفت من عدم جواز اتحاد الثمن والمثمن.

فعلى هذا لا معنى لاستثنائها على تقدير تخصيص المزابنة المحرمة كما قررناها ، بل انما استثناها من قال بالعموم ، ولهذا استثناها العامة القائلة بالعموم.

ويؤيده عدم وجود نص صحيح على ذلك من الخاصة.

بل روي في التهذيب في باب بيع الماء عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : رخص رسول الله صلّى الله عليه وآله في العرايا بأن تشتري بخرصها تمرا قال : والعرايا جمع عرية ، وهي النخلة يكون للرجل في دار رجل آخر ، فيجوز له ان يبيعها بخرصها تمرا ، ولا يجوز ذلك في

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر (مشتريا) كما لا يخفى.

٢٢٠