مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر ان التقييد يدا بيد لاعتبار القبض قبل التفرق في الصرف كما تقدم.

ومثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس بيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فاما نظرة فلا يصلح (١).

ولكن هذه تدل على عدم الجواز في المختلفين نسية متفاضلا ، وهو موجود في كثير من الروايات.

بل قد يوجد في بعض الروايات عدم الجواز في المتجانسين مطلقا مع عدم الكيل والوزن حتى في الثياب والدواب.

مثل صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع ، والبعير بالبعيرين والدابة بالدابتين؟ فقال : كره ذلك علي عليه السلام فنحن نكرهه الا ان يختلف الصنفان ، قال : وسألته عن الإبل والبقر والغنم أو إحداهن في هذا الباب؟ قال : نعم نكرهه (٢).

ورواية ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل يقول : عاوضني بفرسي وفرسك وأزيدك؟ قال : لا يصلح ، ولكن يقول : أعطني فرسك بكذا وكذا وأعطيك فرسي بكذا وكذا (٣).

وقد قيد في الروايات الكثيرة عدم البأس في المختلفين إذا كان نقدا ، فهي بمفهومها تدل على البأس في النسية.

مثل صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزيت

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب الربا ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب الربا ، الحديث ٧.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٧ من أبواب الربا ، الحديث ١٦.

٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالسمن اثنين بواحد؟ قال : يدا بيد لا بأس به (١).

ومثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس (٢).

ويمكن ان يقال (٣) : لا دلالة فيها على التحريم ، فينبغي حملها على الكراهة للجمع ، ولقوله عليه السلام (كره ذلك) وظاهر لفظة (لا يصلح) أيضا ذلك كما تقدم.

ولهذا حمل الشيخ عليها في الاستبصار روايتي عبد الله بن سنان وهما معتبرا الاسناد قال : سمعت أبا عبد الله يقول : لا ينبغي للرجل اسلاف السمن بالزيت ولا الزيت بالسمن (٤).

وروايته أيضا عنه قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام في رجل أسلف رجلا زيتا على ان يأخذ منه سمنا قال : لا يصلح (٥).

قال في الاستبصار : ولأجل انه مكروه قال : (لا يصلح) و (لا ينبغي) ولم يقل : لا يجوز ، أو ان ذلك حرام (٦).

ويؤيد الحمل صحيحة أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد عن أبي جعفر (٧) عن أبيه عن علي عليهم السلام قال : لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن (٨).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب الربا ، الحديث ٧.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٧ من أبواب الربا ، الحديث ٤.

(٣) شروع في جواب قوله قبل أسطر (ولكن هذه تدل على عدم الجواز في المختلفين الى آخر ما نقله من الروايات).

(٤) و (٥) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب السلف ، الحديث ٣ و ٢.

(٦) الاستبصار ، ج ٣ ص ٧٩ ، ذيل باب ٥٠.

(٧) هكذا في النسخة المطبوعة ، ولكن في النسخ المخطوطة (عن جعفر) بدل (عن أبي جعفر).

(٨) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب السلف ، الحديث ١ والسند فيه كما في التهذيب والاستبصار هكذا (احمد بن [محمد بن ـ صا ـ] أبي عبد الله عن أبيه عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي.

٤٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا جيد ، ولكن احتمل في الاستبصار كون التحريم في المختلفين أيضا ، حيث قال : في الجمع بين الاخبار الثلاثة الأخيرة ، بأن الأوليين يحتملان شيئين : أحدهما انه انما منع من اسلاف السمن بالزيت إذا كان بينهما التفاضل ، لان التفاضل بين الجنسين انما يجوز إذا كان نقدا ، فإذا كان نسية فلا يجوز. والثاني ان يكون ذلك مكروها ، ولذلك قال : (لا يصلح) و (لا ينبغي) إلخ (١).

فيحتمل عدم الإجماع في اشتراط اتحاد الجنس في الربا ، الا ان يقال : في ثبوت الربا مطلقا شرط فإنه ثبت في النسية بين الجنسين ، مع التساوي أيضا.

وبالجملة : بيع المال بالمال أقسام.

(الأول) : ان لا يكون شيئا منهما ربويا ، بان لا يعتبر فيه الكيل والوزن والعدد أيضا ان كان ربويا وهذا يجوز بيعه مطلقا متفاضلا وغيره ، حالا ومؤجلا ، مع اتحاد الجنس واختلافه مثل عبد بعبدين وثوب بثوبين وبعير ببعيرين ، نقدا ونسية.

قال في التذكرة : ذلك جائز عند علمائنا اجمع ، وقد مرّ الدليل عليه ، وحمل ما ينافيه على الكراهة.

فيمكن الكراهة هنا أيضا مع التفاضل واتحاد الجنس ولو كان نقدا ، لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (٢) فينبغي إيقاع العقد على غير الجنسين كما مرّ في الرواية المتقدمة في الفرس ، ويكون الكراهة في النسية أشد لكثرة الرواية.

(الثاني) : ان يكون أحدهما ربويا دون الأخر كالثوب بالحنطة والدابة بها ، وظاهر التذكرة انه مثل الأول في الإجماع على الجواز مطلقا ، وهو غير بعيد.

(الثالث) : ان يكون كلاهما ربويين مع الاختلاف ، وظاهرها أيضا انه

__________________

عليهم السلام) ورواه في الفقيه عن وهب بن وهب.

(١) الاستبصار ج ٣ (٥٠) باب اسلاف السمن بالزيت ، ذيل حديث ٣.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب الربا ، الحديث ٧.

٤٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مثلهما في الإجماع على الجواز مطلقا ، بل صرح بذلك وقال : الثالث كالأول عندنا ، للإجماع على إسلاف أحد النقدين في البر والشعير. وأدلة السلف دليله ، وقال : يكره بيع الجنسين المختلفين متفاضلا نسية ، لصحيحة الحلبي المتقدمة (١).

وكأنه ما اعتبر ما نقلناه عن الاستبصار ، لكونه احتمالا مع وجود أحسن منه كما عرفت ، ولكن ما كان ينبغي تخصيص الكراهة بما ذكر لما عرفت ، ولهذا ذكر بعد هذا : انه يكره بيع افراد الجنس الواحد إذا لم يدخله الكيل والوزن متفاضلا نسية ، لقوله عليه السلام : البعير بالبعيرين إلخ.

ولكن الظاهر ان الكراهة حينئذ ليست مخصوصة بالنسية ، لصحيحة محمد بن مسلم (٢) ، بل مكروه مع التفاضل مطلقا مع عدم وجود شرط الربا.

(الرابع) : ان يكون مع اتحاد الجنس من غير التفاضل ولو حكما مثل الأجل. والظاهر ان جوازه أيضا إجماعي ، الا انه يشترط في الصرف التقابض في المجلس كما سبق.

(الخامس) : الربويين مع الاتحاد والتفاضل ، والظاهر ان لا خلاف في تحريمه ، وقد مرّ دليله ، فتأمل.

واما دليل الثاني : وهو كونهما مما يكال أو يوزن بالمعنى الذي سيجي‌ء ـ فهو الإجماع المدعى في التذكرة المستند الى الاخبار ، وقد تقدم بعضها ، مثل ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا ولا وزنا (٣).

ومثل رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب الربا ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب الربا ، الحديث ٧ وفيه وفي الكافي (ما لم يكن كيلا أو وزنا).

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٧ من أبواب الربا ، الحديث ٣.

٤٦٤

والجنس هنا الحقيقة النوعية كالحنطة والأرز والتمر ، ولا يخرج الحقيقة باختلاف الصفات العارضة.

______________________________________________________

الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال لا بأس ما لم يكن فيه كيل ولا وزن (١).

ورواية عبيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن (٢).

ورواية أخرى عن منصور بن حازم عنه عليه السلام : فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد (٣).

والأصل ، وأدلة جواز البيع المتقدمة ، وهذه الاخبار مع عدم الدليل على خلاف ـ يدل على عدم دخول الربا في المعدود وغيره إذا لم يكن أحدهما ، وهو ظاهر ، فتأمل.

ثم اعلم ان الكيل والوزن المعتبرين ، معتبران في العوضين بخصوصهما ، ولا يكفي كونهما في جنسهما وأصلهما كذلك ، فلا بد من وجودهما مثلا في الجبن والمخيض والزبد ، ولا يكفي كون الحليب واللبن كذلك ، وكذلك في الحنطة والدقيق والخبز والثمار والفواكه وغيرها ، وهو معلوم ، ومفهوم من التذكرة أيضا. ونقل في التذكرة إجماع المسلمين على ان الربا في النقد مشترط باتحاد الجنس ، وانما وقع الخلاف في النسية ، وانهم اتفقوا أيضا على وجود الربا في أمور ستة ، البر والملح والذهب والفضة والتمر والشعير.

قوله : «والجنس هنا الحقيقة النوعية إلخ» أشار بلفظ هنا ، اي الفقه والأصول ، أو باب الربا ، الى ان الجنس له إطلاق أخر ، وهو الجنس المنطقي المقابل

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب الربا ، الحديث ٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب الربا ، الحديث

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب الربا ، قطعة من حديث ٣.

٤٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

للنوع ، فهذا الاصطلاح عكس ذلك في الجنس والنوع والأمر في ذلك هين.

ولكن تحقيق ما يعرف به الجنس مشكل جدا ، فإنه تارة يعلم ان المراد به النوع ، فكلما تحقق حقيقة واتفاق افرادها فيها ، فهو النوع الواحد المراد بالجنس الواحد الذي هو شرط الربا ، وتحقيقه متعسرا جدا ، بل قد ادعى كونه متعذرا.

وتارة ان المراد به ما يشمله لفظ واحد ويخصه ، مثل الحنطة والأرز والتمر ، فان لكل واحد اسما خاصا وتحته افراده متكثرة ، وان وجد بين الافراد اختلاف كثير الا ان هليس له اسم خاص ، ولا حقيقة خاصة ، بل الاختلاف بالصنف ، وان كان له اسم فهو بانضمام الاسم الأول مثل سن الجمل فإنه الحنطة (سمي خ) بسن الجمل (١) والمولاني ، فإنه الأرز المولاني.

وينبغي ان يضم اليه ان لا يكون اسم لبعض افراده يختص به ، فان الطعام مثلا اسم خاص لما يطعم به ولكن لبعض افراده مثل الحنطة اسم خاص.

وفيه أيضا تأمل ، لعدم ضبط ذلك ، مع ان لكل قوم لسانا واصطلاحا ، فهو أيضا ليس بضابط واضح فإنه لا بد مع ذلك من المناسبة الكلية بين أفراده ، الا ان يقال : انه لازم فان الاسم الخاص لا يكون الا معه.

ولكن قد يشكل بأمور مثل الحبوب وما يعمل به مثل التمر ودبسه والعنب وخله ودبسه وغير ذلك ، فتأمل.

ولعلك تفهم اتحاد الجنس بملاحظة كلتا الضابطتين ويتبع كلامهم فما يكون له اسم واحد وحقيقة واحدة ـ بحسب الظاهر ، والذي يجده العقل بحسب تفاهم العرف كذلك ـ فهو جنس واحد مع فروعه ، وما يعمل منه أو (إذ خ) ما يخرج عن الحقيقة بعمل فيها عن أصلها ، وان خرج عن ذلك الاسم والحقيقة عرفا وخاصية

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ وفي بعض النسخ المخطوطة (الحمل) بالحاء المهملة بدل (جمل) بالجيم.

٤٦٦

فالحنطة ودقيقها جنس (واحد خ) ، والتمر ودبسه جنس والعنب والزبيب جنس ، واللبن والمخيض والحليب جنس واحد ، وجيّد كل جنس ورديئه واحد ، وثمرة النخل جنس ، وكذا الكرم.

______________________________________________________

وطعما ، فاستفهم الله يفهمك.

قوله : «فالحنطة ودقيقها جنس إلخ» لأن حقيقتهما واحدة ، إذ التصرف في الحنطة بالطحن مثلا لا يخرجها عن حقيقتها ، وهو ظاهر.

وكذا كل جنس مع فرعه مثل التمر والدبس ، والرطب والعصير ، والزبيب والعنب والدبس وغير ذلك فيجوز بيع الحنطة بدقيقها نقدا متساويا لا متفاضلا ولا نسية.

قال في التذكرة : قد بينا ان أصل كل شي‌ء وفرعه واحد ، يباع أحدهما بالاخر متساويا لا متفاضلا ولا يجوز نسية إذا كان مما يكال أو يوزن ، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها ودقيق الشعير ، وتسويقهما والسويق بالدقيق عند علمائنا اجمع.

وادعى أيضا الإجماع في الاتحاد بين الحنطة وجميع ما يعمل منه حتى بينها وبين الخبز والهريسة.

وكذا بين جميع أنواع اللبن وما يحصل منه حتى بين الحليب والكشك والكافح ، فتأمل.

ويدل على اتحاد الحنطة والدقيق والسويق صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به (١).

وما في مضمرة سماعة قال : وسألته عن الحنطة والدقيق؟ فقال : إذا كانا سواء فلا بأس (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب الربا ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب الربا ، قطعة من حديث ٦.

٤٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله مرسلة صفوان عن رجل من أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الحنطة والدقيق لا بأس به رأسا برأس (١).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : ما تقول في البر بالسويق؟ فقال : مثلا بمثل لا بأس.

قال : قلت له : ان يكون له ريع أو يكون له فضل ، فقال : أليس له مؤنة؟ قلت : بلى ، قال : فهذا بذا.

وقال : إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد (٢) وغير ذلك من الاخبار.

وكذا قال في التذكرة : يجوز بيع الحنطة بالخبز متساويا نقدا ، ولا يجوز نسية ولا متفاضلا ، ويجوز بيع الخبز بالخبز رطبا ويابسا ومختلفين ، وبيع الفالوذج بالحنطة ونقل منع العامة في الكل ، ودليله اتحاد الحقيقة والرواية.

ولكن فيه تأمل من حيث انطباقه على القوانين ، من حيث انه لا يصدق على الكل اسم خاص وان له حقيقة واحدة ، ولهذا لو حلف شخص ان لا يأكل أحدهما لا يحنث بأكل الآخر ، فيحتمل ان يكونا جنسين ، وجواز بيع أحدهما بالاخر يكون لذلك ، ويكون الشرط للكراهة مع عدمه كما مرّ في سائر المختلفات.

ويمكن ان يقال : الضابط أحد الأمرين : اما الاتفاق في الحقيقة ، أو الاتحاد في الاسم ، وهنا الأول متحقق وان لم يتحقق الثاني. وفيه تأمل.

ومن حيث انه لا شك ان الحنطة إذا جعلت دقيقا تزيد ، وهو ظاهر ، ودلت عليه صحيحة محمد المتقدمة ، وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج الى

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب الربا ، الحديث ٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب الربا ، الحديث ١.

٤٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التأمل ، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالاخر متساويا أيضا للزيادة ، كما في اليابس من جنس باخر رطبا مثل الرطب والتمر والعنب والزبيب كما سيجي‌ء ، فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت أخر بتبديل وتغيير مع انه معتبر عندهم كما سمعت في الرطب والتمر ، فتأمل في الفرق ، ومن حيث انه قيل أحدهما مكيل والأخر موزون ، كان الحنطة مكيل والدقيق موزون وانهما معتبران في البيع.

ويمكن ان يقال كلاهما مكيل ، إذ الظاهر كونهما في زمانه صلّى الله عليه وآله كانا كذلك ، كما نقل ذلك في الحنطة بالإجماع.

على انه يمكن ان يختار الوزن لأنه أصل ويجوز بيع المكيل به للإجماع المنقول في شرح الشرائع على جواز بيع الحنطة بالوزن مع كونه مكيلا بالإجماع.

ولكن الظاهر انه تحصل الزيادة في الحنطة على الدقيق بعد الطحن ، فان اختار الوزن تحصل هذه باعتبار الكيل ، وان اختار الكيل تحصل الزيادة باعتبار الوزن ، وهو ظاهر ، فيمكن التوجيه بما تقدم ولعل الأول أولى ، والاجتناب أحوط.

ثم اعلم انه لا يعلم من قول المصنف هنا : (جنس) جواز بيع أحدهما بالاخر ، إذ قد يكون جنسا واحدا ولا يجوز بيع أحدهما بالاخر ، للجهل بالتساوي ، فإنه كما تمنع الزيادة من البيع كذا يمنع عدم العلم بالتساوي واحتمالها ، وهو مصرح في كتب العامة والخاصة ، الا ترى انه قال : (والتمر ودبسه جنس والعنب والزبيب جنس وثمرة النخل جنس) مع انه قال : ولا يجوز بيع الرطب بالتمر متفاوتا ولا متساويا لأنه إذا جف نقص.

والظاهر انه كل ما شابهه كذلك ، فبعض البحوث المتقدمة لا ترد على المتن.

نعم لمّا صرح في التذكرة وادعى الإجماع على ذلك ، وردت البحوث وهي مشتركة في أمثالهما فتأمل.

٤٦٩

واللحوم مختلفة ،

فلحم البقر والجاموس واحد.

ولحم البقر والغنم جنسان ، والوحشي مخالف لأنسيه.

______________________________________________________

قوله : «واللحوم مختلفة إلخ» أي لحم كل جنس متحد ومختلف مع لحم جنس أخر كأصله ، وبالجملة انه تابع لأصله كما ستعلم.

قوله : «فلحم البقر إلخ» فيه تأمل ، لاختلاف الاسم بالعرف المقدم على اللغة ، وان كان متحدا لغة ، بل الحقيقة أيضا ، فإن للحم البقر خاصية غير لحم الجاموس ، وبينهما تفاوت كثير ، إلا أنهما جنس واحد في الزكاة.

ويفهم دعوى الإجماع عندنا على كونهما جنسا واحدا من التذكرة ، فالاجتناب جيد ثم ان الظاهر جواز بيع الجنس بعضه ببعض مع ملاحظة اليبوسة والرطوبة ، فيجوز الرطب بالرطب واليابس بمثله ، وصرح به في التذكرة ، وان وجد فيه التفاوت الا انه يسير لا يتغابن بمثله فلا يضر كما في الخبر بعضه ببعض والحنطة المبلولة بمثلها وأمثلتها كثيرة ، مثل التمر والرطب وسائر الفواكه بأمثالها ، قالها في التذكرة.

وبغير الجنس يجوز متفاضلا.

والظاهر انه يجوز اللحم بالحيوان وان كان من جنسه لعدم تحقق الوزن والكيل في أحد الطرفين وان قلنا باتحاد الجنس ، على انك قد عرفت التأمل في مثله ويمكن كراهة ذلك لما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام برواية غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام كره بيع اللحم بالحيوان (١).

ويمكن جعلها أيضا دليل الجواز ، والسند غير صحيح لغياث بن إبراهيم وغيره (٢).

قوله : «ولحم البقر والغنم إلخ» وهو ظاهر ، لكون الوحشي من البقر

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١١) من أبواب الربا ، الحديث (١).

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (احمد بن محمد عن محمد بن على (يحيى خ ل) عن غياث بن إبراهيم).

٤٧٠

والحنطة والشعير هنا جنس (واحد خ) على رأى.

______________________________________________________

مخالفا لأنسيه ، وكذا كل حيوان ، لاختلاف الحقيقة ، بل الاسم أيضا ، لأنه لا يطلق البقر من غير قيد على الوحشي.

وبالجملة جواز البيع بأدلته مع تحقق الربا دليل الجواز حتى يتحقق المنع ، فليلحظ ذلك مع الاحتياط.

قوله : «والحنطة والشعير هنا جنس على رأي» دليل رأيه روايات كثيرة.

مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : لا يباع مختومان من شعير بمختوم (١) من حنطة إلا مثلا بمثل والتمر مثل ذلك (٢).

ولها دلالة على اتحاد مطلق التمر.

وما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : ولا يصلح الشعير بالحنطة إلا واحدا بواحد (٣).

وعدم الجواز فرع الاتحاد لما عرفت.

وما في صحيحته أيضا عنه عليه السلام : وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد صاحبها الا شعيرا ، أيصلح له ان يأخذ اثنين بواحد؟ قال : لا ، إنما أصلهما واحد (٤).

وصحيحة محمد بن قيس الثقة (على ما بيناه مرارا) قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تبع الحنطة بالشعير الا يدا بيد ، ولا تبع قفيزا من حنطة بقفيزين من

__________________

(١) في الحديث : سئل عن رجل أسلم دراهم في خمسة مخاتيم حنطة أو شعير ، كأنه يريد بالمخاتيم ما ختم عليه من صبر الطعام المعلومة الخاتم وهو ما يختم به الطعام من الخشب وغيره (مجمع البحرين لغة ختم).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب الربا ، قطعة من حديث ٤.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب الربا ، الحديث ٥.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب الربا ، قطعة من حديث ٤.

٤٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

شعير ، وقال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : يكره وسقين من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لان تمر المدينة أجودهما (١).

قال : وكره ان يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل ، من أجل ان التمر ييبس فينقص من كيله (٢).

وفيها دلالة على تحريم الزيادة الحكمية وهو الأجل ، وعدم بيع الرطب بالتمر للرطوبة الموجبة للنقصان.

والظاهر ان المراد بالكراهة ، التحريم ، لما مرّ في بعض الروايات : ان عليا عليه السلام لا يكره الحلال (٣) فتأمل.

وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل عن الرجل يبيع الرجل لطعام (طعاما يب) الا كرار فلا يكون عند ما يتم له ما باعه ، فيقول له : خذ مني مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل؟ قال : لا يصلح ، لأن أصل الشعير من الحنطة ولكن يرد عليه من الدراهم بحساب ما نقص من الكيل (٤).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ قال : لا يجوز الا مثلا بمثل ، ثم قال : إنّ الشعير من الحنطة (٥).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، أورد صدره في باب ٨ من أبواب الربا ، الحديث ٨ وذيله في الباب ١٥ من تلك الأبواب الحديث ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب الربا الحديث ٢ وفيه : ان أمير المؤمنين عليه السلام إلخ.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٥ من أبواب الربا ، قطعة من حديث ١.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب الربا ، الحديث ١.

(٥) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب الربا ، الحديث ٢.

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ودليل الرأي الآخر خبر عن العامة : بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر كيف شئتم يدا بيد (١)

وان حقيقتهما مختلفة لاختلاف الخواص ، وكذا الاسم.

ولهذا لم يحنث بأكل أحدهما الحالف على عدم أكل الآخر ، وهو ظاهر ، ولأنهما جنسان في الزكاة بالاتفاق.

والجواب عن الرواية : بعدم صحة السند ، مع ان المتن أيضا لا يخلو عن شي‌ء ، فافهم.

وعن اختلاف الحقيقة والاسم : انه إذا دلت الأدلة التي سمعتها على عدم جواز البيع الا مثلا بمثل وانهما واحد في باب الربا ، ما بقي للاستدلال في مقابلتها مجال.

نعم لا بد من تصحيح القاعدة التي وضعوها : فيمكن ان يقال : الاختلاف في الاسم لا يكفي في اختلاف الجنس الا مع عدم ظهور الاتحاد ، فمعه انما يتبع ذلك.

وبالجملة : ان اتحاد الاسم واختلافه علامة غالبية يبنى عليها الشي‌ء ما لم يحصل أقوى منها ، فمع الأقوى يعمل به ، ولهذا عمل بالاسم في غير الحنطة والشعير ، وفيهما أيضا في غير باب الربا ، مثل الزكاة والحلف ، فإن الزكاة يجب في الحنطة ، أي ما يسمى بذلك بشرط بلوغها وحدها نصابا ، فلا يضم إليها الشعير ، إذ لا يسمى حنطة وان كانت حقيقتهما واحدة وأصلهما واحد ، لكون أحكام الشرع مبنية على الاسم والإطلاق العرفي غالبا ، لا الحقيقي النفس الأمري إلا مع دليل يدل عليه ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ج ٢ كتاب التجارات ص ٧٥٧ (٤٨) باب الصرف وما لا يجوز متفاضلا يدا بيد الحديث ٢٢٥٤ ولفظه (عبادة بن الصامت ، فقال : نهانا رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم عن بيع الورق بالورق والذهب بالذهب والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر. وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا) وفي السنن المأثورة للشافعي ، كتاب البيوع تحت رقم ٢٢٦ وفيه (كيف شئتم) بدل (كيف شئنا).

٤٧٣

والألبان مختلفة كاللحمان.

______________________________________________________

ومثله أحكام الحلف وأخويه وغير ذلك.

ولما دلت الأدلة على اتحادهما حقيقة ـ وان ذلك كاف في باب الربا ، ولا يحتاج الى اتحاد الاسم وليس الأمر منوطا على الأسماء كما في غير باب الربا ـ وجب التمسك به.

وكذا اختلاف بعض الخواص ، لا يدل على اختلافهما حقيقة وفي باب الربا للدليل ، لان ذلك أيضا علامة ، لا أمر موجب لليقين ، ولهذا قيل : معرفة الحقيقة متعسر بل متعذر.

والحاصل : انه لا بد من اتباع النص ، فان قدرنا مع ذلك حفظ قوانين الأصحاب ، والا نقول بخرمها والاعتراض عليها ، ولا يمكن رد النصوص لذلك الا ان يؤل بالكراهة ، وهو بعيد.

وكأنه الى ما ذكرنا أشار في التذكرة ، قال : وبالجملة : الاعتماد على أحاديث أهل البيت عليهم السلام والاختصاص بالاسم لا يخرج الماهية عن التماثل كالحنطة والدقيق ، فافهم.

ولا ينبغي جعل الاتحاد شرطا وإخراج الحنطة والشعير عن ذلك ، بان يقال : يشترط في الربا اتحاد الجنس إلا في الحنطة والشعير كما فعله في شرح الشرائع ، لما سمعت ان لا خلاف في ذلك ، وما وجد الاستثناء في كلام احد ممن رأيناه ، ولان النصوص صريحة في اتحادهما ، لا في وجود حكم الربا فيهما فقط مطلقا ، أو مع الاختلاف ، وهو ظاهر فليتأمل.

قوله : «والألبان مختلفة إلخ» الألبان جمع لبن كاللحمان جمع لحم. والمراد ان لحم كل حيوان ولبنه بالنسبة إلى الآخر المخالف له في الجنس ، مخالف ، ودليله اختلاف الحقيقة والاسم المضاف ، كاصلهما ، مثل البقر والغنم ولحمهما ولبنهما.

٤٧٤

والشي‌ء وأصله واحد كالزبد والسمن واللبن والسمسم ودهنه والخلول تابعة لأصولها.

______________________________________________________

قوله : «والشي‌ء وأصله واحد إلخ» قد مرّ بيانه وان كان فيه تأمل ، من جهة عدم اتحاد الاسم والخاصية ، فلو لا الإجماع المفهوم من التذكرة ، لأمكن القول بالاختلاف.

وبالجملة فيه أيضا إشكال من جهة القاعدة ، ولكن قد عرفت أيضا ان الانطباق ليس بشرط كما في الحنطة والدقيق والشعير والحنطة ، وان كان اتحاد الحقيقة أيضا غير ظاهر ، الا ان الدليل على الكلية غير واضح ، لانه ما وجد شي‌ء صحيح صريح في الكلية ، والاسم غير صادق والاختلاف ممكن حقيقة ، بل هو الظاهر لاختلاف الخواص مثل الخل والتمر والجبن والحليب.

ويؤيده ما في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع الغزل بالثياب المبسوطة والغزل أكثر وزنا من الثياب قال : لا بأس (١).

ويؤيده أيضا ما مرّ في صحيحة محمد بن مسلم من ان التفاوت ينجبر بزيادة العمل المقتضي للأجرة في السويق وكذا في هذا الثياب.

وبالجملة الدليل غير قائم على الاتحاد بين الشي‌ء الربوي وأصله كلية ، بل قائم على عدمه ، والأصل وأدلة إباحة البيع دليل الجواز ، الا ان كلام الأصحاب ذلك ، فالخروج عنه مشكل ، والاحتياط يقتضيه والمسئلة من المشكلات يحلها محلها.

وقد ادعى الإجماع في أكثرها في التذكرة حتى بين الحليب واللبن والكشك والكافح والحنطة والخبز بجميع أنواعه والهريسة ، فما ثبت الإجماع فيه

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٩ من أبواب الربا ، الحديث ١.

٤٧٥

فلا يجوز بيع احد المتجانسين بالاخر مع زيادة كقفيز حنطة بقفيزين منها ، ولا قفيز حنطة مقبوض بقفيز منها مؤجل ،

______________________________________________________

لا يمكن الخروج عنه ، وظاهر التذكرة الإجماع في كل أصل مع فرعه وفرع كل أصل مع أخر ، فتأمل.

والزبد أصل السمن والسمسم أصل لدهنه ، ومثله قوله : (الخلول تابعة لأصولها) ، فليتأمل فيه ، إذ قد يقال : ان الكل مشترك في اسم الخل ، والإضافة بالعنب مثلا لا يميزه عن خل التمر ، ولم يكن سبب الاسم خاص له كما مرّ ، الا ان الظاهر ان الحقيقة مختلفة ، فتأمل.

قوله : «فلا يجوز بيع إلخ» دليله قد مرّ مفصلا. وفيه اشعار بالجواز في كل المتجانسين مع التساوي نقدا ، وهو صحيح لما مرّ ، الا انه يشترط في الصرف القبض قبل التفرق ، فتذكر.

قوله : «ولا قفيز حنطة إلخ» إشارة الى عدم جواز الزيادة الحكمية وهو الأجل ، فالمراد بالمقبوض ، الحال المقابل للمؤجل. ومثله تأخير الحال للزيادة كما عرفت.

ودليله ما تقدم في سبب نزول الآية في مجمع البيان وصحيحة محمد بن قيس التي تقدمت في كون الحنطة والشعير جنسا واحدا.

ويظهر من الشرائع التردد في السلف حيث قال : ولا يجوز اسلاف أحدهما على الأظهر.

ويظهر من شرحه عدم الخلاف في ذلك الا ما يشعر به عبارة الخلاف والمبسوط من لفظ الكراهة ، على انها يحتمل التحريم كما هو واقع فيهما بهذا المعنى كثيرا ، فتأمل.

٤٧٦

ويجوز التفاضل مع اختلاف الجنس نقدا وفي النسية قولان.

وكل ما ثبت انه مكيل أو موزون في عهده (النبيّ خ) بنى عليه والا اعتبر البدل ، فان اختلف البدلان فلكل بلد حكم نفسه.

______________________________________________________

وتردد في الشرائع في النسية ، حيث قال : وفي النسية تردد.

قوله : «ويجوز التفاضل إلخ» الظاهر عدم الخلاف في النقد والخلاف في النسية ، وقد مرّ دليل طرفيه ، وان الظاهر هو الجواز مع الكراهة مطلقا مع الزيادة ، فتذكر.

قوله : «وكل ما ثبت انه مكيل إلخ» إشارة إلى ضابط الشرط الثاني وهو الكيل والوزن فقال : كلما ثبت انه مكيل أو موزون في عهده صلّى الله عليه وآله ، بني عليه ، اي فهو كذلك دائما ، ولا يتغير عن حكمه وان غيرهما الناس (والا اعتبر البلد) اي كلما لم يثبت فيه الكيل ولا الوزن ولا عدمهما في عهده صلّى الله عليه وآله ، فحكمه حكم البلدان ، فان اتفق البلدان فالحكم واضح ، وان اختلفت ففي بلد الكيل والوزن يكون ربويا تحرم الزيادة ، ففي غيره لا يكون ربويا فيجوز التفاضل.

والظاهر ان الحكم للبلد ، لا لأهله ، وان كان في بلد غيره (١).

ولعل الأول مجمع عليه بين الأمة ، حتى حكى عن أبي حنيفة الحكم بعادة البلدان مطلقا ، ولكن نقل عنه أيضا المكيلات المنصوصة مكيلات ابدا وكذا الموزونات ما لم ينص عليه ، فالمرجع إلى عادة الناس.

فكان المراد بما في عهده ، ما ثبت علمه به وتقريره ، والا فلا حجية فيه.

ويحتمل ما كان عادة في زمنه مطلقا كما هو أكثر العبارات ، لان دليل

__________________

(١) في هامش بعض النسخ المخطوطة بعد قوله (في بلد غيره) ما لفظه (وصرح بالإجماع في شرح الشرائع ، فهو محل التأمل بحسب القانون ، ولا نص على الظاهر ، وأدلة جواز البيع والأصل يقتضي العدم ، وعموم أدلة تحريم الربا يقتضي المنع ، مع دعوى الإجماع ، مع الاحتياط ، فلو لا دعوى الإجماع لأمكن ترجيح الأول ، وهو ظاهر).

٤٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التحريم المشترط بذلك انما وجد (في خ) بذلك الزمان مطلقا ، الا ان يختلف في بلده وغيره.

وحينئذ يشكل ، لاحتمال رجوعه الى بلده وكون كل بلد حكم نفسه ، فلولا الإجماع على الأول لأمكن القول بالحوالة على العرف مطلقا كما حكي عن أبي حنيفة ، لأنه العادة في الأحكام الشرعية كالقبض والحرز والاحياء وغيرها والمأكول والملبوس الغير الجائز السجود عليه في الصلاة.

والفرق غير واضح ، الا ان الإجماع متبع ، لعدم إمكان المخالفة ، لفقدان الشريك في المسألة كما تقرر في الفروع والأصول من العامة والخاصة.

واما الثاني فعلم دليله منه ، وقيل : بتغليب التقدير ، ولو في بلد واحد ، فيجعل مكيلا وربويا لو كان كذلك في بلد واحد ، لصدق اسم المكيل الموجب للتحريم.

ويمكن ان يقال : انه محمول على العرف والعادة في بلاد المعاملة والمعاملين ، لما تقدم ، وأدلة الجواز ، الإيفاء بالعقود مطلقا ، مع عدم تحقق دليل التحريم ، لتقييده بالإجماع بالكيل ، وليس بمعلوم تحققه فيما نحن فيه ، وهو الظاهر ، ولكن الاحتياط يتبع مهما أمكن.

ثم انه نقل في التذكرة : الإجماع من الأمة في ثبوت الكيل في الأجناس الأربعة ، الحنطة والشعير والتمر والملح.

والظاهر ان الوزن أيضا ثابت بالإجماع في الذهب والفضة ، لأنه نقل في التذكرة ثبوت الربا في هذه الستة ، وقد علم الاشتراط بأحدهما ، فلما لم يكن الكيل فيهما فكانا موزونين فيثبت فيهما حكم الربا بالإجماع للشرائط بالإجماع ، وقد مرّ عليها الاخبار أيضا ، فلا يباع بعض الأربعة ببعض منها الا كيلا متساويا تساويا عرفيا ، نقدا لا نسية ولا متفاضلا ، لما مرّ ، ولا يضر مع الاستواء كيلا. التفاضل وزنا.

٤٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر ان النقدين كذلك ، لا يباع الا وزنا نقدا متساويين ، ولا يضر التفاوت الكيلي مع ذلك لو كان ، ولا يجوز شي‌ء من (الأول خ) المكيل بشي‌ء من جنسها ، وزنا بوزن وان تساويا وكذا في الأخيرين قاله في التذكرة.

وفيه تأمل ، لأنه قد جعل أصل كل شي‌ء وفرعه جنسا واحدا ، وكذا فروع أصل واحد حتى الهريسة والحنطة والكشك ، والظاهر انه يحصل التفاوت الكثير بينهما في الكيل مثل الحنطة والدقيق ، ولان ثبوت الكيل في كل أصناف الحنطة مثلا بالمعنى المذكور في زمانه غير ظاهر حتى الدقيق ، ولهذا قيل انه موزون ، وهو مصرح به ، فإطلاق جواز بيع شي‌ء منها بجنسه كيلا وعدمه بدونه محل التأمل ، الا ان يقيد بالثابت فيخصص بنحو الحنطة ، ويشكل حينئذ بيعها بغيرها من أصنافها ، فيمكن عدم الربا ببيعها بما لم يثبت فيه الوزن ولا الكيل في بلد المبايعة ، لأنهما شرط في كلا الطرفين بخصوصهما ولا يكفي وجودهما في الجنس فقط كما مرّ ، وهو يظهر من التذكرة وغيرها.

وإذ اثبت الكيل فيما يقابل بالحنطة مثلا يمكن البيع متساويا نقدا وان وجد التجافي في الجملة في أحدهما ونقيصة في غيره مثل الحنطة والشعير بدقيقهما.

وان ثبت فيه الوزن فيشكل البيع ، ويمكن اعتبار الكيل لثبوته في أحدهما بالإجماع ، والوزن لأنه أصل الكيل ، فليتأمل.

ولأنه حينئذ ينبغي عدم جواز بيع ما ثبت فيه الكيل بغير جنسه أيضا إلا كيلا ، لما ثبت عندهم من عدم جواز المكيل كذلك. وكذا الموزون ، وقد صرح به في كتب الشافعية أيضا.

ولا معنى لاعتباره بالنسبة الى بيعه بجنسه دون غيره مع ان المتعارف في أكثر البلدان الآن بيع الحنطة وزنا من غير نكير.

وأيضا قال في التذكرة : ما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا وتعجيلا ،

٤٧٩

وما لا يدخله الكيل والوزن فلا ربا فيه كثوب بثوبين ودابة بدابتين ودار بدارين وبيضة ببيضتين.

______________________________________________________

ولا يجوز بيعه بمثله وزنا ، لان الغرض في السلف والمعجل تعيين جنس معرفة المقدار ، وهو تحصل بهما ، والغرض هنا المساواة ، فاختص المنع في بعضه ببعض به.

وفيه تأمل ، لأن الدليل هو النص ، فكيف يخرج عنه بالوجه المذكور.

قال في التذكرة : كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ، كذا لا يجوز بيعه مكيلا ، إلا إذا علم عدم التفاوت فيه.

وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا ولا موزونا الا مع عدم التفاوت.

وقال أيضا : لو كان حكم الجنس الواحد مختلفا في التقدير كالحنطة المقدرة بالكيل والدقيق المقدر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن ، للاختلاف قدرا وتسويغه بالوزن ، فتأمل.

الا ان يقال خروج ذلك بالإجماع ، وادعى في شرح الشرائع ذلك في بيع الحنطة وزنا ، ويؤيده ان لا نص صريح صحيح في عدم جواز ما يكال الا كيلا وكذا ما يوزن وقد مرّ عموم أدلة الجواز وخرج المحقق المعلوم مثل بعض الجنس بالجنس وبقي الباقي ، فتأمل واحتط في ذلك وغيره مهما أمكن.

وكذا الإشكال في المكيل تارة والموزون اخرى ، فيمكن التخيير للصدق والاعتبار.

قوله : «وما لا يدخله الكيل والوزن إلخ» قد مرّ وجهه ولا يحتاج الى ذكره ، لكن قد يتخيل عدم الجواز في الثوب بالثوبين ، من جهة ان الغزل موزون والثوب لا يخرج عن جنسه ، فيكون بيع الربوي مع التفاضل.

وأيضا يلزم عدم جواز بيعه الا وزنا كأصله ، لأنه من جنس الغزل الذي لا يباع الا وزنا.

ويضمحل بأنه يشترط في كل من الطرفين الوزن عادة ، وليست العادة

٤٨٠