مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في التهذيب : وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليها السلام عن الرجل يشتري الطعام أيصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال : إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، وان كان يوليه فلا بأس.

وسأله عن الرجل يشتري الطعام أيحل له أن يولى منه قبل ان يقبضه؟

قال : إذا لم يربح عليه شيئا فلا بأس ، فإن ربح (فلا يبع ئل) فلا يصلح حتى يقبضه (١).

وأول هذه يدل على عدم المرابحة فقط ، فيحتمل جواز المواضعة أيضا ، لكن الأولتين تنفيانها أيضا ، وأخرها يفيد عدم البأس في التولية فقط ، فيحتمل ان يريد بالتولية غير المرابحة بقرينة المقابلة ، وأصل عدم المنع ، ولما في أخرها من عدم الباس ما لم يربح والباس معه ، فتأمل.

والظاهر انها صحيحة ، لأن طريق الشيخ في التهذيب الى علي بن جعفر صحيح (٢) ، فقول شارح الشرائع : وهذه الرواية ذكرها في التهذيب بغير اسناد ، لكن في معناها أخبار كثيرة صحيحة ، فينبغي ان نقول بها ، الا انها مصرحة بالمنع في ما عدا التولية ، وهذه جعلت المنفي فيها مرابحة ، والجواز التولية ، وبينهما واسطة ـ لا يخلو عن شي‌ء.

ثم انه يمكن حمل اخبار المنع ـ مع ما عرفت فيها من عدم التصريح بالنهي والتحريم ، وإمكان التأويل للجمع المذكور ـ على عدم وقوع الكيل والوزن في الشراء الأول ، وهي ليست بصريحة في وجودهما فيه ، وقد مرّ ان في اشتراط الكيل والوزن

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٩.

(٢) طريق الشيخ في التهذيب الى علي بن جعفر كما في مشيخة التهذيب هكذا (وما ذكرته عن علي بن جعفر فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى عن العمركي النيسابوري النوفلي عن علي بن جعفر).

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلقا تأملا.

وعلى تقدير التسليم يحتمل ان يكون اشترى أو لا بقول البائع والاكتفاء بخبره ، كما دلت عليه الاخبار في الكيل.

مثل رواية محمد بن حمران قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه وأخذناه بكيله؟ فقال : لا بأس ، قلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : لا اما أنت فلا تبعه حتى تكيله (١).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري الطعام ، أشتريه منه بكيله وأصدقه؟ فقال : لا بأس ، ولكن لا تبعه حتى تكيله (٢).

وكذا في الوزن وأظن ورود خبر فيه أيضا بخصوصه» (٣).

ونظيره في الاخبار انه يجوز شراء مال شخص بأنه يقول مالي وفي يده ، ولا يجوز بيعه بان يخبر انه ماله ، نعم يجوز ان يقول : ان الذي باعه قال : انه ماله.

ثم انه لما لم يكن الاخبار بالكيل والوزن لعدم العلم ، فيجبان للبيع ثانيا ، أظن ان هذا توجيه لا بأس به ، فالجواز مطلقا غير بعيد ، وهو مذهب الشرائع والمختلف ، مع الكراهة خصوصا في المكيل والموزون ، وشدتها في الطعام ، ومع المرابحة وغير التولية أشد.

وانك قد عرفت مما تقدم ان لا إشكال إلا في بيع غير التولية إذا كان مكيلا أو موزونا بحمل العام على الخاص والاجتناب مطلقا أحوط.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٨.

(٣) لعل مراده ما في الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٧.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم ان الظاهر ان الحكم مخصوص بالبيع ، ولا يتعدى الي غيره ، فيجوز بيع ما انتقل اليه بغير البيع قبل القبض ، وكذا ما انتقل اليه بالبيع (١) لعدم الدليل ، فتأمل.

ثم اعلم أيضا انه قال في الإرشاد : ان خيرة المصنف في التذكرة والتحرير ، المنع ، والعبارة المتقدمة تدل على الجواز ، الا انه سيقول فيما بعد ، انه مكروه الا الطعام ، فإنه يحرم الا مع التولية ، فيخصص هذه به.

وصرح في التذكرة أيضا بالكراهة ، حيث قدم الكراهة ، ثم قال في أخر البحث : الا قرب عندي الكراهة إلا في الطعام ، فالمنع أظهر ، وان كان فيه اشكال.

فقد ظهر منه التردد في التحريم في الطعام مع الجزم بالكراهة في غيره : فكيف يكون خيرته المنع من بيع ما يكال أو يوزن في التذكرة ، فتأمل.

وأيضا قد ورد بجواز التولية أيضا أخبار صحيحة ، كما اعترف هو أيضا به ولهذا أخرجه من التحريم بل الكراهة أيضا في الإرشاد ، فلا يكون خيرته ما ذكره من وجه آخر.

فالكراهة في مطلق المكيل والموزون إلا في التولية غير بعيد ، كما هو مذهب المختلف ، لحمل العام على الخاص ، ثم حمله على الكراهة لرجحان المجاز في البعض على التخصيص هنا كما تقدم ، ويحتمل مطلقا مع التفاوت فيهما كما مرّ.

وأيضا الظاهر البطلان على القول بالتحريم في أي موضع كان ، لانه الظاهر من الدليل هنا ، وان لم يكن النهي في المعاملات مطلقا يفيد البطلان ، وسيجي‌ء في بحث السلم ما يفيد هذا المحل ، اي الجواز قبل القبض وعدمه ، وقد مرّ

__________________

(١) اي وكذا يجوز انتقال ما انتقل اليه بالبيع بغير البيع مثل الصلح والهبة ونحوهما.

٣٤٣

ولا يجوز تأخير الحالّ بالزيادة ويجوز تعجيله بإسقاط بعضه.

______________________________________________________

في شرح قوله : ولو باع نسية ثم اشتراه منه إلخ ما يفيد ذلك أيضا.

قوله : «ولا يجوز تأخير الحالّ إلخ» أي لا يجوز ان يستأجر الحالّ بزيادة مال لمن هو ماله حالّ. فيؤخره لتلك الزيادة ، ولكن يجوز ان يعجل المؤجل بالاستنقاص ، بان ينقص عن ماله المؤجل شيئا ويأخذه نقدا.

والجواز لا بأس به ، إذ لا مانع منه مع تسلط الناس على أموالهم ، ولأن للأجل قسطا من الثمن ، فإذا أسقط بعضه ببعض المال جاز ، لأنه معاملة كسائر المعاملات ، فتأمل.

وأكثر هذا يجري في الأول أيضا ، ووجه التحريم لعله إجماع ، أو الربا ، لان حاصله يرجع الى إعطاء الزائد في مقابلة الناقص ، كان يعطي احد عشر في مقابلة عشر للأجل ، وهو ربا ، إذ لا ثمن للأجل على حدة ، وهذا لا يجري في النقصان ، لأنه حقيقة حذف شي‌ء من ماله عن الغريم ، ولا شك في جواز حط الكل فالبعض بالطريق الاولى ، خصوصا إذا حصل له نفع ما ، في الجملة ، وهو أخذ الباقي حالا.

قيل : بإبراء أو صلح ، والظاهر انه يكفى في اللزوم حط البعض بالأخذ حالا للشرط بينهما ، ولا شك ان ما ذكره أحوط ، فظهر الفرق بينهما.

ولكن هذا مؤيد لجريان الربا في جميع المعاوضات ، والمصنف لا يقول به كما سيجي‌ء ، الا ان يحمل على ان الأول كان ثمن بيع (مبيع خ ل) فالزيادة فيه زيادة في البيع ، أو انه يقول بالربا في القرض ، فان الظاهر عدم الخلاف فيه ، إذ أخذ الزيادة (١) في القرض حالا ومؤجلا ، ظاهر الأصحاب انه حرام مطلقا ، وكان هذا منه.

__________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة ، ولكن في النسخ المخطوطة التي عندنا (أو أخذ الزيادة) والصواب ما أثبتناه.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل عليه أيضا ما روى عن ابن عباس : كان الرجل منهم إذا حل دينه على غريمه فطالبه به ، قال المطلوب منه له : زدني في الأجل وأزيدك في المال ، فيتراضيان عليه ، ويعملان به ، فإذا قيل لهم هذا ربا ، قالوا : هما سواء ، يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع والزيادة فيه بسبب الأجل عند محل الدين سواء فذمهم الله به ، والحق الوعيد بهم وخطئهم في ذلك بقوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) الآية كذا في مجمع البيان (١) فتأمل.

قال في التذكرة : يجوز تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه ، لأنه إبراء ، وهو سائغ مطلقا ، ولا يجوز تأخير المعجل بزيادة فيه ، نعم يجوز اشتراط التأجيل في عقد لازم كالبيع وشبهه ، لا بزيادة في الدين ، بل بزيادة في ثمن ما يبيعه إياه ، فلو كان عليه دين حال فطالبه فسأل منه الصبر عليه الى وقت معلوم بشرط ان يشترى منه ما يساوي ماءة بثمانين ، جاز ، لأن التأخير أمر مطلوب للعقلاء لا يتضمن مفسدة ، وهو غير واجب على صاحب الحق ، بل له المطالبة بالتعجيل ، وبيع ما يزيد ثمنه على قيمته ، جائز مطلقا ، فلا وجه لمنعه مجتمعا.

ولان محمد بن إسحاق بن عمار قال : قلت للرضا عليه السلام : الرجل يكون له المال فدخل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوى ماءة درهم بألف درهم ويؤخر عنه المال الى وقت؟ قال : لا بأس (٢).

وروى محمد بن إسحاق أيضا قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : يكون لي على الرجل دراهم ، فيقول : أخّرني (٣) بها وانا أربحك ، فأبيعه جبة تقوم على بألف درهم بعشرة ألف درهم ، أو قال : بعشرين ألفا وأؤخره بالمال؟ قال :

__________________

(١) مجمع البيان سورة البقرة ، ذيل آية ٢٧٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٦.

(٣) الى هنا كلام التذكرة.

٣٤٥

المطلب الثاني : في السلف

وفيه بحثان :

الأول : في شرائطه

وهي ثمانية : الإيجاب ، كبعت وأسلفت وأسلمت ، والقبول ، وذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة ، لا من كل وجه ، بل من الوجه الذي يختلف (فيه خ) الأغراض بتفاوته.

______________________________________________________

لا بأس (١).

قوله : «المطلب الثاني في السلف وفيه بحثان» قال في التذكرة : السلم والسلف عبارتان عن معنى واحد وهو بيع شي‌ء موصوف في الذمة بشي‌ء حاضر ، يقال : سلّف (بالتشديد) وأسلف وأسلم ، وجاء فيه سلم أيضا غير ان الفقهاء لم يستعملوه ، وذكروا في تعريفه عبارات متقاربة ، والاولى انه عقد على موصوف في الذمة ببذل يعطى عاجلا ، الى قوله : وقد اجمع المسلمون على جوازه (٢) مستندا الى الكتاب والسنة.

في السلف

قوله : «الأول في شرائطه وهي ثمانية» المراد بالشرائط ما يحصل به عقد السلف.

قوله : «الإيجاب» أي الأول الإيجاب ، كبعت هذا من البائع ، واما أسلفت وأسلمت فهما من المشتري ، والثاني القبول.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٢) الى هنا كلام التذكرة.

٣٤٦

وقبض الثمن قبل التفرق ، فلو تفرقا قبله بطل.

ولو قبض البعض صح فيما قابله خاصة.

وتقدير المبيع بالكيل والوزن المعلومين ان دخلا فيه.

______________________________________________________

دليل الإيجاب والقبول ظاهر لانه قسم من البيع.

ودليل ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة الذي هو الشرط الثالث هو ما تقدم من لزوم الغرر المنفي لولا الذكر.

ويشعر به مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي تسلم فيه فوصفته الى آخره (١).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (٢) قال : لا بأس بالسلم في الحيوان والمتاع إذا وصفت الطول والعرض ، وفي الحيوان إذا وصفت أسنانها (٣).

قوله : «وقبض الثمن إلخ» هذا هو الشرط الرابع قال في التذكرة : فلا يجوز التفرقة قبله ، فان تفارقا قبل القبض بطل السلم عند علمائنا اجمع.

ظاهره انه يحصل الإثم أيضا مع البطلان ، وفي الإثم تأمل كما مرّ في الصرف ، ويحتمل ان يريد الشرط ، وان دليل اعتبار القبض قبل التفرق هو إجماعنا.

وقد علم مما سبق شرح قوله : ولو قبض البعض صح فيما قابله خاصة ، وانه يحصل الخيار في البعض الصحيح للتبعيض.

قوله : «وتقدير المبيع إلخ» هذا هو الشرط الخامس يعني انه لا بد من

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب السلف قطعة من حديث ٩ وتمامه (فان وفيته والا فأنت أحق بدراهمك).

(٢) هكذا في النسخ المطبوعة والمخطوطة كما في الفقيه والتهذيب ، وفي الوسائل عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٣) الوسائل ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب السلف ، الحديث ١٠.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تقدير الكيل في المكيل عرفا ، والوزن في الموزون كذلك ، لعله لا خلاف فيه.

ويدل عليه بعض الاخبار أيضا من العامة (١) والخاصة مثل رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم (٢).

وصحيحة محمد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السلم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم؟ قال : لا بأس به (٣).

وفي دلالتهما على اشتراط الكيل والوزن تأمل ، ولكن يؤيده أيضا ما تقدم من الأدلة الدالة على اشتراطهما فيهما ، الا انها كانت هي أيضا محل التأمل ، والاحتياط حسن.

ثم انه قيل : انما الاعتبار بهما فيما ثبتا في عهده صلّى الله عليه وآله مثل ثبوت الكيل في الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والملح على ما ادعى في التذكرة وغيرها ، واما غير ذلك فلكل بلد حكم نفسه ، وكذا كل وقت له اعتبار بنفسه.

ثم ان مقتضى دليلهم اعتبار الكيل فقط في المكيل وكذا الوزن في الموزون.

الا انه قال في التذكرة : ما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا وتعجيلا ، ولا يجوز بيعه بمثله وزنا ، لان الغرض في السلف والمعجل تعيين جنسه ومعرفة المقدار ، وهو يحصل بهما ، والغرض هنا المساواة ، فاختص المبيع في بعضه بنقص به (فيه خ ل)

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٣ ، كتاب المساقاة (٢٥) باب السلم ص ١٢٢٦ الحديث ١٢٧ ولفظه (عن ابن عباس قال : قدم النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال : من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وفي أخرى (فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم : من أسلف فلا يسلف إلا في كيل معلوم ووزن معلوم).

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٣ من أبواب السلف ، الحديث ٥ وتمام الحديث (ولا تسلم الى دياس ولا الى حصاد).

(٣) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب السلف ، الحديث ١.

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبمثل هذا صرح في التذكرة مرارا في بحث السلف والربا.

يعني إذا بيع المكيل بمثله لا بد ان يكون بالكيل مع التساوي ولا يجوز بالوزن الا مع الموافقة بالكيل ، فهو حينئذ بالكيل ، لانه يحصل الربا.

واما بغير الجنس فيجوز به وبالوزن وبالعكس ، لان المقصود في بيعه بجنسه من اشتراط الكيل والوزن ، هو حصول التساوي وعدم التفاضل في البيع المتعارف فيه والغرض في السلف والتعجيل بغير الجنس ، هو العلم بالقدر ، وهو حاصل بالكيل والوزن وهذا خروج عن مقتضى دليلهم ، وهو ظاهر بعض الروايات ، ولكن لما لم يكن في الدليل قوة كما عرفت ، والمقصود دفع الغرر والجهل ، اكتفى في المكيل بالوزن في غير الجنس وبالعكس وهو يقتضي جواز ذلك في الجنس أيضا ، إذ صار بيع المكيل بالوزن جائزا إجماعا (عرفا خ ل) ، ولا يشترط في غير الجنس المساواة إلا بحسب المقدار المتعارف الجائز في بيعه.

الا ان تحريم الربا أمر عظيم ، فينبغي الاحتياط فيه أكثر.

ويؤيد جواز المكيل بالوزن وبالعكس ، الرواية.

مثل ما في رواية علي بن إبراهيم عن رجاله ، الى قوله : وما كيل بما يوزن فلا بأس به يدا بيد ونسية جميعا (١).

وهي طويلة مشتملة على أحكام كثيرة من الصرف والسلم في الكافي ، وان كانت مرسلة وغير منقولة عن أحدهم عليهم السلام.

وغيرها ، مثل رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال : لا بأس بالسلف ، ما يوزن فيما يكال ، وما يكال فيما يوزن (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٧ من أبواب الربا ، قطعة من حديث ١٢

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب السلف ، الحديث ١.

٣٤٩

ولو أحالا على مكيال مجهول القدر لم يصح وان كان معينا.

______________________________________________________

ويحتمل ان يكون المراد اسلاف أحدهما في الآخر ، بل هو الظاهر ، وسيجي‌ء له زيادة تحقيق في بحث الربا.

قوله : «ولو أحالا إلخ» إشارة الى ان الكيل والوزن الذين هما المعتبران لا بد من كونهما معلومين ومتعارفين في البلد ، فلا يصح السلم بالكيل الغير المتعارف ، والصنجة (١) كذلك ، وان كانا معلومين بينهما.

والذي استدل به عليه ، هو انه قد يفوت المعلومة بينهما ، فيحصل النزاع فلا اعتبار به.

وفيه تأمل ، ويمكن ان يستدل بأنهما ينصرفان الى العرف والمشهور بين الناس في البلد ، كسائر الأمور فلا بد منهما ولا يصح بدونهما.

وبحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يصلح للرجل ان يبيع بصاع غير صاع المصر (٢).

ولكن في الأول تأمل ، والخبر كأنه محمول على كونه أصغر ، كما يدل عليه صحيحة سعد بن سعد عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن قوم يصغرون القفيزان يبيعون بها؟ قال : أولئك الذين يبخسون الناس أشياءهم (٣).

وما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يحل لرجل ان يبيع بصاع سوى صاع أهل المصر ، فان الرجل يستأجر الحمال فيكيل له بمد بيته ، لعله يكون أصغر من مد السوق ، ولو قال : هذا أصغر من مد السوق لم يأخذ به ولكنه يحمله ذلك ويجعله في أمانته ، وقال : لا يصلح الأمد واحد ، والأمنان بهذه المنزلة (٤)

__________________

(١) الصنجة ، صنجة الميزان مجمع البحرين.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢.

٣٥٠

وتقدير الثمن كذلك ولا يكفي المشاهدة ولا يصح في المذروع جزافا ، ويصح فيه اذراعا ، ولا يجوز في القصب اطنانا ، ولا في الحطب حزما ، ولا الماء قربا ، ولا المعدود عددا مع اختلاف قدره ، ولا المجزوز جززا.

______________________________________________________

فتأمل واحتط.

قوله : «وتقدير الثمن إلخ» هو السادس من الشروط. دليله ما مرّ من لزوم تعيين العوضين في العقد ، فإذا كان مما يكال أو يوزن لا يكفي المشاهدة ، بل لا بد من العلم بالقدر ، نعم المشاهدة يكفي عن الوصف ان احتيج اليه ، قال في التذكرة : وبالجملة كلما جاز ان يكون ثمنا جاز ان يكون رأس مال السلم.

قوله : «ولا يصح في المذروع جزافا إلخ» كالثياب والحبال ، للجهالة المؤدية إلى الغرر المنهي ، وان قيل انه جائز مشاهدة ، لدفع الجهالة بها.

وكذا لا يجوز في القصب اطنابا ولا الحطب حزما ولا الماء قربا ولا المجزوز جزازا ، لاختلافها وعدم ضبطها بالصغر والكبر ، ولو ضبطه بالوزن جاز ، وجاز معاينة من دون ذلك.

لرواية جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن السلف في اللحم؟ قال : لا تقربنّه فإنه يعطيك مرة السمين ومرة التاوي ومرة المهزول ، واشتره معاينة يدا بيد ، وسألته عن السلف في روايا الماء؟ فقال : لا تقربنّها (١) فإنه يعطيك مرة ناقصة ومرة كاملة ، ولكن اشتراها معانيه يدا بيد وهو أسلم لك وله (٢).

وكذا المعدود عددا مع اختلاف القدر المانع من ذلك ، لوقوع الغرر والنزاع ، ويندفع ذلك عند المعاينة ، فتأمل.

__________________

(١) وفي التهذيب وفي النسخ المخطوطة والمطبوعة (لا تبعها) وفي الفقيه (لا) من دون لفظة اخرى.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب السلف ، الحديث ١.

٣٥١

وتعيين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلو شرط قدوم الحاج أو إدراك الغلات لم يجز ،

وغلبة وجوده وقت الحلول فلا يصح اشتراط الأجل للفواكه في وقت لا توجد فيه ، وعدم استناده الى معين ، فلو شرط الغلة من زرع أرض معينة أو الثمرة من شجرة معينة أو الثوب من غزل امرأة بعينها أو نسج رجل بعينه أو الصوف من نعجات بعينها لم يصح.

______________________________________________________

قوله : «وتعيين الأجل إلخ» هذا هو السابع ودليله قد تقدم في النسية ، فتذكر وتأمل.

قوله : «وغلبة وجوده إلخ» هذا هو الثامن من الشروط ، الا ان دليله غير واضح ، بل الظاهر عدم ذلك ، والاكتفاء بإمكان وجوده كما هو عبارة القواعد والتذكرة على ما نقل في شرح الشرائع ، بمعنى القدرة على تسليم المبيع حين الأجل بناء على ظنه كما يشعر به عبارة الدروس ، حيث جعل الشرط القدرة على التسليم عند الأجل.

ويؤيده ما في موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بان يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل ، وحالا لا يسمى له أجلا ، الا ان يكون بيعا لا يوجد ، مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه ، فلا ينبغي شراء ذلك حالا (١).

وصحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اشترى طعام قرية بعينها؟ فقال : لا بأس ، ان خرج فهو له ، وان لم يخرج كان دينا عليه (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب السلف ، الحديث ٥ الا ان فيه (إسحاق بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام فيه أيضا فقال : لا يسمى له أجلا.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب السلف ، الحديث ١.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية خالد بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري طعام قرية بعينها ، وان لم يسم (له خ) قرية بعينها أعطاه من حيث شاء (١).

وهما يدلان على جواز اشتراط القرية المعينة ، والمشترطون أغلبية وجود المسلم فيه لا يقولون به ، بل صرحوا بأنه لو شرطت بطل السلم.

ويظهر ان ظن الوجود وإمكانه حين الأجل في الجملة يكفي ، ولا شك في حصول الظن بحصول غلة قرية وان كانت صغيرة ، بل ولو أرضا معينة قليلة ، ولهذا يتكل صاحبها على غلة تلك الأرض ، ولا يذرع غيرها ظنا بأنه يحصل له منها الغلة ويبيع ويشتري رجاء للوفاء منها.

وكذا غزل امرءة معينة ، ولا اعتبار بإمكان موتها ، لحصول الظن بالحياة ، للاستصحاب ، ولهذا يكتب إليها كتابة ويبعث إليها بهدايا بعد الغيبة بمدة طويلة وبمثل هذا جعل الاستصحاب دليلا.

فعدم صحة مثله على ما قالوه محل التأمل ، ولا يحتاج إلى تأويل الرواية بالقرية العظيمة والبلد العظيم وهو ظاهر.

واعلم ان ظاهر الرواية ، ان بعد فقد غلة تلك القرية ، تكون ذلك دينا على البائع ، والمناسب للقوانين بطلانه ، الا ان يحمل على تساوي غلتها لغيرها ، والمراد مثلها ، فإن الغلة مثلية ، فلا يكون أكثر من تفويت البائع غلة المشتري من تلك القرية ، فيؤاخذ بالمثل ، فتأمل.

ومما تقدم علم شرح قوله : فلا يصح (٢) إلخ وهو صحيح ووجهه ظاهر.

كعدم وجه قوله : وعدم (٣) إلخ ، بل الذي ظهر صحة السلم فيه ، فان صح

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١٣ من أبواب السلف ، الحديث ٣.

(٢) وفي النسخ المخطوطة (فلا يصح اشتراط أجل للفواكه في وقت لا يوجد فيه).

(٣) وفي النسخ المخطوطة (وعدم استناده الى معين ، فلو شرط الغلة من زرع أو أرض معينة إلخ).

٣٥٣

البحث الثاني : في الاحكام

يجب على البائع دفع أقل ما يطلق عليه الوصف ، وعلى المشتري قبول الأجود.

______________________________________________________

وسلم فهو ، والا يؤخذ بالمثل ، أو قيل : بظهور البطلان فيأخذ المشتري ثمنه.

ولعل في التذكرة إشارة إلى التأمل في المسألة وعدم الإجماع ، حيث أسند القول بها الى الشافعي لا إلى الأصحاب ، ثم قال : ينبغي حيث قال لا يجوز السلف في ثوب بشرط ان يكون من غزل امرءة معينة ، أو نسج شخص بعينه ، ولا في الثمرة بشرط ان يكون من نخلة معينة ، أو بستان بعينه ، ولا في زرع بشرط ان يكون من أرض معينة أو قرية صغيرة ، وبه قال الشافعي ، لتطرق الموت الى تلك المرأة أو النساج المعين أو تعذر غزلها ونسجه ، وقد نصيب تلك النخلة أو البستان الجائحة ، فينقطع الثمرة ، وكذا الغلة فقد تصيب تلك المعينة أو القرية الصغيرة آفة لا يخرج لزرع تلك السنة إلى قوله : ينبغي ان يكون دينا مرسلا في المدينة ليتيسر أداءه.

وقد أشار في موضع من التذكرة الى ان القدرة على التسليم تكفي في إمكان وجود المسلم فيه عند الحلول ، وهذا الشرط ليس من خواص السلم ، بل هو شرط في كل مبيع ، وانما يعتبر القدرة على التسليم عند وجوب التسليم الى قوله : ولو غلب على الظن وجوده وقت الأجل لكن لا يحصل إلا بمشقة عظيمة ، فالأقرب الجواز لإمكان التحصيل عند الأجل.

ثم قال : ويجوز ان يسلم في شي‌ء ببلد لا يوجد ذلك الشي‌ء فيه ، بل ينقل اليه من بلد آخر ، الى قوله : ولا فرق بين ان يكون قريبا أو بعيدا ولا ان يكون مما يعتاد نقله إليه أولا إلخ.

وهذه كالصريحة في عدم اشتراط الغلبة ، بل عدم الظن أيضا ، فتأمل.

قوله : «البحث الثاني في الاحكام ، يجب إلخ» وجه وجوب دفع أقل

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ما يصدق عليه ، اسم المسلم فيه بمعنى ان هذا أقل الواجب عليه ، هو صدق ما شرط عليه ، وعدم التكليف بغير ما شرط.

وكذا وجوب قبول ذلك على المشتري ، والاولى وجوب قبول الأجود من افراد ما أسلم فيه وما صدق عليه اسم المسلم فيه ، مثل دفع عبد كاتب يعرف أدنى الكتابة وقبوله ، أو قبول من يعرف كتابة حسنة جيدة ، وهو ظاهر ، لعله مراد المصنف.

واما قبول الأجود من غير جنس ما شرط ، فالظاهر عدم وجوب قبوله.

يشعر به مع الاعتبار خبر سليمان بن خالد قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل يسلم في وصيف (وصف خ ل) أسنان معلومة ولون معلوم ، ثم يعطي فوق شرطه؟ فقال : إذا كان على طيبة نفس منك ومنه فلا بأس به (١).

ولا يضر اشتراك ابن مسكان ، ولا القول في سليمان بن خالد (٢) ولا كون الدلالة بالمفهوم.

وهي تدل على جواز التجاوز عما شرط ، بالتراضي.

مثل خبر أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السلم في الحيوان؟ فقال : ليس به بأس ، قلت : أرأيت ان أسلم في أسنان معلومة ، أو شي‌ء معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه وفوقه بطيبة أنفس منهم (٣)؟ فقال : لا بأس (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب السلف ، الحديث ٨.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد).

(٣) في بعض النسخ (نفس منهما).

(٤) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب السلف ، الحديث ٢.

٣٥٥

ولا يصح اشتراط الأجود ويصح اشتراط الاردأ (المدفوع خ).

وكلّ ما ينضبط وصفه يصح السلم فيه كالحيوان والألبان والسمون والشحوم والأطياب والثياب والثمار والأدوية.

______________________________________________________

قوله : «ولا يصح اشتراط إلخ» وجه الأول انه لا يمكن تسليم المشترط ، إذ لا متاع الا ويمكن ان يوجد أجود منه الا ان يكون المتعارف إطلاقه على معين.

ووجه الثاني انه ان كان أردى حصل الشرط ، وإلّا يكون أجود مما شرط ، فيجب قبوله لما مرّ.

وفيه تأمل لأن للقبول شرطا تقدم ولكن يمكن حمله عليه ، ولانه قد شرط ان المسلم فيه يجب ان يكون غالب الوجود حين الأجل ، وقد يقال هنا لا يمكن ذلك ، إذ ما من جنس خسيس وأدنى إلّا ويمكن ان يوجد ادنى منه ، الا ان يكون صدقه على قسم متعارف عرفا كما قلنا في الأجود ، فلا فرق.

قوله : «وكلما ينضبط إلخ» هذا الضابط ظاهر ، ولكن العلم بتحققه في بعض الجزئيات دون البعض غير ظاهر والفرق مشكل.

نعم قد يوجد في بعض الافراد ، ولكن غير معلوم لنا كلية ، فإن الفرق بين الحيوان ولحومه مشكل ، وكذا بين اللحم والشحم حتى لا يصح في الأول منهما ويصح في الثاني ، وان تخيل الفرق بينهما.

ويمكن ان يقال بالصحة فيما ينضبط في الجملة إلا ما ورد النهي عن مثله وما علم التفاوت العظيم بين افراده مثل اللحم ، فإنه ورد النهي عنه كما مرّ.

ومثل اللؤلؤ الكبير فان التفاوت بين افراده باللون والوضع كثير جدا بحيث يشكل ضبطه في العبارة.

وكذا أكثر ما يباع عددا مشاهدة كالبطيخ والباذنجان والقثّاء والنارنج وغير ذلك ، ولهذا قد مرّ في الاخبار الإشارة الى عدم الجواز في أمثالها ، فلا يجوز السلم فيها عددا ولا كيلا للتفاوت والتجافي ، ويمكن وزنا مع الوصف المعتبر.

٣٥٦

وفي شاة لبون ، ويلزم ما من شأنها.

______________________________________________________

وفي رواية سماعة (١) عنه عليه السلام في الكافي إشارة إلى جوازه في الجلود (٢) مع نفي بعض الأصحاب ذلك كما في المتن.

وفي صحيحة أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام دلالة على جوازه في الألبان (٣) كما ذكره الأصحاب.

ويؤيد ما قلناه من الاكتفاء بالوصف في الجملة ، عدم ذكر جميع الأوصاف في الاخبار مثل ما تقدم.

وكما في حسنة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض (٤).

وحسنة زرارة عنه أيضا عليه السلام قال : لا بأس بالسلم في الحيوان إذا وصفت أسنانها (٥) وأمثالها كثيرة وفي ذلك كفاية.

قوله : «وفي شاة لبون إلخ» يصح السلف في شاة لبون بشرط كونه لبونا ، ولكن يلزم ما من شأنه (٦) لبونا ، لا ان يكون لبونا بالفعل ، فإذا كان قريبا ان يحلب حين الأجل يكفي.

فالظاهر انه لا يكفي الحامل وان قرب وصفه ، لبعد صدق اللبون عليه ، فالمراد به ما يقرب ان يحلب قريبا من ذلك الزمان ، بان يصبر بساعة ونصف نهار

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة ، ولكن الصواب (حديد بن حكيم) بدل (سماعة) لاحظ الكافي باب السلم في الرقيق من الحيوان.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٣ من أبواب السلف ، الحديث ٧.

(٣) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٤ من أبواب السلف ، الحديث ١.

(٤) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب السلف ، الحديث ١.

(٥) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب السلف ، الحديث ٣ ولاحظ باقي أحاديث الباب.

(٦) هكذا في النسخ ولعل الصواب (ما من شأنه ان يكون لبونا).

٣٥٧

وحامل وذات ولد.

ولا يجوز في اللحم والخبز والجلد والنبل المعمول والجواهر واللئالي والعقار والأرض.

______________________________________________________

مثلا ، ليحصل فيه لبن ويحلب.

ولا يجب كون اللبن في ضرعه بالفعل ، لما مرّ ان المراد ما من شأنه قريبا عرفا ، لا ان يكون بالفعل موجودا ، لانه المفهوم عرفا ، بل قيل : لو كان اللبن بالفعل يجوز حلبه ودفعه ، وهو ظاهر.

فلا يرد قول بعض الشافعية : بعدم الجواز لجهالة اللبن في الضرع ، على انه تابع ، وقيل : لا يضر جهالته ، وقد مرّ.

والمراد بالحامل ما يكون فيه الحمل بالفعل ، لا ما يمكن ان تحمل ، للعرف ، فان الحامل لا يطلق عرفا الا على ما هو حامل بالفعل ، بخلاف اللبون ، فإنه يطلق على ما يحلب في ذلك اليوم والليل ، وان لم يكن في ضرعه لبن حين الإطلاق ، وكذا في ذات الولد.

قوله : «ولا يجوز في اللحم إلخ» قد مرّ ان سببه الاختلاف ، ووجوده في الرواية (١) ، والخبز مثله عددا ، ويرتفع الجهالة في المشاهدة والوصف الرافع لها ، ولا يبعد الصحة فيه مع الوزن.

وسبب المنع في ، الجلد أيضا هو الاختلاف الكثير بالغلظ ، وكذا النبل المعمول دون عيدانه ان ضبط بالوصف.

وكذا سبب عدم الجواز في الجواهر واللآلي ، كأنه الكبار منه لا الصغار التي تشترى للادوية فالظاهر انه يجري فيها السلف ، لعدم الاختلاف التام فيها ، وتباع وزنا.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب السلف ، الحديث ١.

٣٥٨

ولو قال : الى ربيع حمل على الأول وكذا الخميس ، والى شهرين يحل بآخرهما والى شهر كذا ، بأوله ، وليس ذكر موضع التسليم شرطا فان شرطاه لزم

______________________________________________________

وفي عدم الجواز مطلقا في العقار (١) تأمل ، وأبعد منه في الأرض ، فإنه يجوز بيعها من غير مشاهدة على الظاهر ، وغير مساحة على ما قيل : وان قال بعض بالمساحة ، ولا شك انه أحوط ، ويمكن حملهما على عقار وارض يكون المشتري جاهلا بامثالهما مطلقا ، فتأمل.

قوله : «ولو قال : الى ربيع إلخ» كل ما يطلق على شيئين وأكثر إذا علق الأجل به ، مثل ان يقول : الى الربيع ، والجمعة والخميس ينصرف إلى أولهما ، للعرف والصدق ، مثلا إذا قيل الى ربيع وحصل الربيع الأول صدق عليه حلول الأجل ، لوجود ما شرط فيه وصدقه عليه ، فلا جهالة فيصح ، ويحمل عليه مثل الجمعة والخميس.

واما إذا قيل الى شهرين فيحل الأجل بمضيهما معا ، فيحل بآخر الأخير ودخول ما بعده من الشهر وهو ظاهر ، لان معنى قوله : الى شهرين أو شهر ، مضى ذلك عرفا كما هو المتبادر ، واما إذا قيل الى شهر رمضان مثلا ، فيحل بدخوله لما مرّ.

قوله : «وليس ذكر موضع إلخ» دليل عدم الاشتراط ، هو عموم أدلة جواز هذا البيع وخصوصها مع خلوها عن سبب اشتراط ذكر موضع التسليم مع عدم المانع والجهالة.

واحتمال النزاع واختلاف الأغراض ، يندفع بانصرافه الى موضع يقتضيه العرف ، كما في سائر البيوع والعقود خصوصا النسية.

__________________

(١) وفي الحديث ذكر العقار ، كسلام ، وهو كل ملك ثابت له أصل كالدار والأرض والنخل والضياع (مجمع البحرين لغة عقر).

٣٥٩

والانصراف الى بلد العقد.

ولا يجوز بيعه قبل حلوله ويجوز بعده قبل قبضه على البائع وغيره.

______________________________________________________

نعم الأحوط ذلك ، خصوصا مع وقوعه في موضع يعلمان مفارقته قبل حلول الأجل ، أو يحتاج نقله إلى مؤنة ولم تكن عادة ، فإن كان مقتضى العادة أو القرينة شيئا ، والا ينصرف الى موضع الحلول ، لان مقتضى العقد وجوب تسليم المبيع عند الحلول في أي مكان كان مع وجود المسلم فيه عادة وعدم قرينة إرادة خلافه.

ولكن ظاهر كلام الأصحاب حينئذ ان موضع التسليم موضع العقد ، فان كان لهم دليل من إجماع أو غيره ، والا فالظاهر ما مرّ ، لما مرّ.

واعلم ان الظاهر ان مراد المصنف (والا انصرف الى بلد العقد) مع اقتضاء العادة ، فقد يراد الى تلك المحلة ، بل الى بيته كما هو المتعارف ، ان من اشترى سلما من أهل القرى انهم يجيئونه الى بيت صاحبه ، وكذا في بيع الماء والحطب ، ومع قرينة وعادة غير ذلك ، يتبع.

ومع العدم بوجه أصلا ، يحتمل مكان الطلب بعد الحلول خصوصا إذا لم يكن على أحدهما ضرر ، فلا ينبغي التحجج انه ما يجب الإعطاء إلا في بلد العقد وكذا عدم الأخذ ، والقول بذلك ، فتأمل.

قوله : «ولا يجوز بيعه إلخ» أي لا يجوز بيع ما اشترى بالسلم قبل حلول أجله ، لا حالا لعدم الاستحقاق ولا مؤجلا.

فكان دليله الإجماع واحتمال دخوله تحت بيع الدين بالدين ، فتأمل.

خصوصا على من عليه ، لانه مقبوض له ، ويجوز بعده ، وبعد القبض من غير خلاف.

واما قبل القبض فالظاهر الجواز على كراهية في المكيل والموزون ، خصوصا الطعام ، عدا التولية ، لما مرّ في جواز بيع المبتاع.

ثم انه يظهر من التهذيب عدم جواز بيعه بجنس ما اشتراه من الدراهم ،

٣٦٠