مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لاحتمال الزيادة والنقصان الموجبين للربا.

وهو وجه الجمع بين ما يدل على المنع مثل رواية علي بن جعفر قال : سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة ، أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال : إذا قوّمه دراهم فسد ، لأن الأصل الذي اشترى (يشتري خ ل) دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم (١).

قال في التهذيب : الذي افتى به ما تضمنه هذا الخبر ، من انه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم لم يجز له ان يبيع عليه بدراهم ، لانه يكون قد باع دراهم بدراهم ، وربما كان فيه زيادة ونقصان وذلك ربا.

وفي هذا الكلام تأمل ، إذ قد لا يكونان ، مع ان الظاهر ان ليس هنا بيع الدراهم بالدراهم وان كان الأصل الدراهم ، لأن المشتري الأول ما يملك الا المتاع المشتري.

وأيضا ظاهر الرواية انه لا يجوز بيع الدراهم بالدراهم.

مع انها غير مسندة الى الامام عليه السلام ، وفيه بنان بن محمد (٢) وقد نقل عن الصادق عليه السلام انه لعنه.

وبين معارضه (٣) من عموم الكتاب والسنة الدالة على الجواز وخصوص الاخبار ، وقد مرّ البعض في شرح قوله : ولو باع نسية.

ويدل عليه أيضا مرسلة أبان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل ، فيحل الطعام ،

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف ، قطعة من حديث ١٢.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (عن محمد بن (احمد بن خ) يحيى عن بنان بن محمد عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر).

(٣) عطف على قوله قبل أسطر (بين ما يدل على المنع).

٣٦١

ولو رضى بأقل ، صفة وقدرا صح ، ولو دفع الأجود (أجود خ) وجب القبول بخلاف الأزيد.

______________________________________________________

فيقول : ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه؟ قال : لا بأس بذلك (١).

ورواية الحسن بن علي بن فضال قال : كتبت الى أبي الحسن عليه السلام الرجل يسلفني في الطعام فيجي‌ء الوقت وليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته دراهم؟ قال : نعم (٢).

قال الشيخ : الخبر الأول مرسل (٣).

ويمكن ان يقال : ان الثاني مكاتب وما قاله.

ثم قال : لو كان مسندا لكان قوله : (انظر ما كان قيمته فخذ مني ثمنه) يحتمل ان يكون أراد ما قيمته على السعر الذي أخذت مني ، لأنا قد بينا انه يجوز له ان يأخذ القيمة برأس ماله من غير زيادة ولا نقصان. والخبر الثاني أيضا مثل ذلك (الى قوله) : على ان الخبرين يحتملان وجها أخر ، وهو ان يكون انما جاز له ان يأخذ الدراهم بقيمته إذا كان قد أعطاه في وقت السلف غير الدراهم.

ولا يخفى بعد التأويلين مع عدم الحاجة ، لما تقدم.

على انه قد ادّعى الإجماع على تصحيح ما صح عن ابان بن عثمان ، فهو أوضح سندا من رواية علي بن جعفر.

نعم هنا اخبار تدل على عدم أخذ الزيادة على رأس المال إذا تعذر ما سلف فيه مع المعارض وسيجي‌ء.

قوله : «ولو رضي بأقل إلخ» وجهه ظاهر ، وقد مرّ ، الا قوله : (بخلاف

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ٨.

(٣) من قوله قدس سره (ويمكن ان يقال الى قوله : وما قاله) من كلام الشارح وليس في كلام الشيخ ، لاحظ (باب بيع المضمون).

٣٦٢

ولو دفع من غير الجنس افتقر إلى التراضي.

ولو وجد به عيبا رده ، وعاد الحق إلى الذمة سليما.

ولو ظهر ان الثمن من غير الجنس بطل العقد.

______________________________________________________

الأزيد) اي قدرا ، فإنه إعادة لذلك.

ووجهه الأصل ، وان في قبوله منة غالبا ، هذا إذا كان الزائد ممتازا فلا بأس ، واما إذا كان ممزوجا ويكون في التخليص مشقة ما ينبغي القول بالقبول.

والحاصل انه ينبغي التسامح في القضاء والاقتضاء كما مرّ وعدم اللجاجة ، فلو كان غرض صحيح متعلق بعدم أخذ الزيادة فهو حسن ، والا ينبغي القبول مع الدعاء لصاحبه.

قوله : «ولو دفع من غير الجنس إلخ» الافتقار إلى التراضي حينئذ واضح ، بل ينبغي إيقاع أمر مملك شرعا من صلح وإبراء ما في الذمة وتمليك الموجود.

ولا يبعد اللزوم مع التراضي قولا وفعلا ، مع احتمال العدم ، للأصل وعدم ثبوت كونه لازما.

قوله : «ولو وجد به عيبا إلخ» أي لو أخذ المسلم فيه ووجد فيه عيبا سابقا فله رده وطلب الصحيح منه ، ويصير الحق في ذمة المسلم اليه سليما (سلما خ ل) صحيحا كما كان ، يعني لا يتعين بمجرد الدفع فيما دفع مع كونه من جنسه للعيب.

قوله : «ولو ظهر ان الثمن إلخ» أي لو ظهر الثمن الذي دفعه المسلم من غير جنس ما شرط ، بان يكون نحاسا مع كون الشرط فضة ، بطل العقد من رأسه.

هذا ظاهر إذا كان بعد التفرق ، لان القبض قبله شرط في السلم على ما مرّ ، واما قبله فلا ، فلو قبض قبله ما شرط ، صح العقد.

٣٦٣

وان كان منه معيبا كان له الأرش والرد.

ويقدم قول مدعي القبض قبل التفرق ،

______________________________________________________

قوله : «وان كان منه معيبا إلخ» يعني لو كان المدفوع من جنس ما شرط ، ولكن كان معيبا ، فله أرش العيب ، والرد أيضا كما هو المقرر في كل المعيبات.

وفيه تأمل إذ قد يكون الثمن في الذمة ، فالتعيين بمجرد الدفع والأخذ مشكل ، بل ينبغي ان يكون له الرد حينئذ وطلب ما شرطا صحيحا ، كما في غير الجنس ، إذ ما وقع عليه العقد أمر كلي صحيح ، وليس هذا من افراده ، فكيف يتعين بأخذ ما ليس من افراده ، بل ولو سلم كونه من افراده ، يمكن القول بعدم التعيين ، لانه مشروط بالصحة.

ولكن الظاهر انه حينئذ إذا كان غير معين ينبغي البطلان إذ أظهر بعد التفرق والصحة وطلب البدل الصحيح قبله ، لعدم تحقق القبض ، لان المقبوض ليس من افراد ما شرط قبضه ، واما ان كان معيّنا فليس ببعيد ما ذكره ، وكأنّه مراده.

والظاهر ان أخذ الأرش أيضا مشروط بكونه قبل التفرق ، فيبطل ما قابله من المبيع لو لم يقبض الأرش قبله ، لأن الأرش جزء من الثمن وله جزء من المبيع ولم يقبض قبل التفرق ، وهو شرط للصحة في الكل ، وقد مرّ انه إذا قبض البعض دون البعض قبله ، صحّ في المقبوض وبطل في غيره.

ويحتمل هنا الصحة وان كان القبض بعد التفرق ، لان المقبوض من جنس ما شرط ، كأنه ضعيف بما تقدم ، فتأمل.

قوله : «ويقدم قول مدعي إلخ» يعني إذا اتفقا على قبض ثمن المسلم فيه ـ فادعى أحدهما ان القبض وقع قبل التفرق ، فصحّ العقد لوجود شرطه ، والآخر انه كان بعده ، فبطل ـ فالقول قول مدعي الصحة مع عدم البينة ، ويمكن معها من

٣٦٤

ولو أخر التسليم فللمشتري الفسخ أو الإلزام.

______________________________________________________

الطرفين أيضا مع اليمين ترجيحا لجانب الصحة ، وتكافؤ الدعوى والبينة ، فتأمل.

قوله : «ولو أخر التسليم إلخ» يعني لو أخر المسلم اليه تسليم المسلم فيه في وقته الواجب دفعه فيه ، تخير المسلم بين فسخ العقد وأخذ ثمنه ، وبين إلزامه بإعطاء المسلم فيه ، هذا ظاهر العبارة.

وفيه تأمل ، لأنه ان كان مع التأخير ، سواء كان من جانب المسلم اليه أو المسلم ، يمكن أخذ المسلم فيه شرعا.

فالظاهر عدم التخيير ، بل له الإلزام بأخذ حقه على اي وجه أمكن ، فان ابى ولم يمكن أخذه منه بوجه فله المقاصة إن أمكنت ، والا فالصبر حتى يأخذه ، إمّا في الدنيا أو في الآخرة كما في سائر الحقوق ، وان لم يمكن بان انقطع المسلم فيه وما بقي منه شي‌ء يمكن تحصيله عادة وشرعا ، فلا يكلف المسلم اليه ، ولا خيار للمسلم في الإلزام والفسخ وأخذ الثمن.

والمشهور انّ له الصبر الى ان يوجد ، أو الفسخ وأخذ ما سلم عينا أو قيمة ان كان قيميا ، أو تعذر المثل ، أو مثلا ان كان مثليا.

يدل عليه موثقة عبد الله بن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلف في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها (ثمارها قيه) ولم يستوف سلفه؟ قال : وليأخذ رأس ماله ، أو لينظره (١).

ولا يضر توثيقها بعبد الله ، لانه ممن أجمعت عليه الصحابة ، على ان وجه الإنظار ظاهر.

ويدل على أخذ ما أعطاه لا أزيد روايات كثيرة ، مثل صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من اشترى

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ١٤.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

طعاما أو علفا إلى أجل ولم يجد صاحبه ، فليس شرطه الا الورق فان قال : خذ مني بسعر اليوم ورقا ، فلا يأخذ إلا شرطه ، طعامه أو علفه ، فان لم يجد شرطه وأخذ ورقا لا محالة قبل ان يأخذ شرطه ، فلا يأخذ إلا رأس ماله (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (١).

ولا يضر اشتراك محمد بن قيس لما مرّ غير مرة.

مع ان هنا أخبارا كثيرة ، مثل صحيحة يعقوب بن شعيب (الثقة) قال :

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلف في الحنطة والتمر (ثمرة ئل) بماءة درهم ، فيأتي صاحبه حين يحل الدين (الذي خ) له فيقول : والله ما عندي إلا نصف الذي لك فخذ مني ان شئت بنصف الذي لك حنطة وبنصفه ورقا؟ فقال : لا بأس به إذا أخذ منه الورق كما أعطاه (٢).

ولا يضر ان دلالة هذه بالمفهوم ، لانه مفهوم الشرط المعتضد بالأخبار الكثيرة جدا (٣).

ويحمل على المساواة لرأس ماله ما يدل على جواز أخذ قيمة المسلم فيه.

مثل صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دوابا ورقيقا ومتاعا ، أيحل له ان يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ قال : نعم ، يسمى كذا وكذا ، بكذا وكذا صاعا (٤).

ولكن مقتضى القاعدة الفقهية ان يكون له حينئذ المسلم فيه بأيّ ثمن

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ١٦ وفي الفقيه (أبا جعفر) بدل (أبا عبد الله) عليهما السلام.

(٣) لاحظ الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف.

(٤) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ٦.

٣٦٦

ويجوز اشتراط سائغ مع (في خ) السلف.

______________________________________________________

كان ، كما هو ظاهر هذه الرواية.

ويمكن حمل الأول (١) على الاستحباب ، أو تقصير المسلم ، أو إرادة (أراد خ) قيمة المسلم فيه ، هذا.

ويمكن حمل المتن على انه إذا كان المسلم فيه موجودا عند غيره وهو قادر على تحصيله ، فان لم يفعل يكون للمشتري ذلك (٢) ، وذلك غير بعيد ، لتقصيره.

وليس في ظاهر الاخبار ما ينافي ذلك ، بل ظاهرها عدم وجوده عند المسلم اليه نعم ظاهر القوانين عدم الفسخ حينئذ.

ويمكن حمله ، على تقدير المشقة ، وكون رأس المال المسلم فيه أقل أو مساويا.

ويمكن ان يكون المراد بالإلزام ، إلزامه بالمسلم فيه عند إمكان حصوله ولو كان في سنة أخرى فتكون العبارة موافقة للمشهور والمذكور في سائر الكتب.

هذا كله مع عدم تقصير المسلم في الأخذ مع الدفع ، إذ مرّ انه لا يضمن الغريم بعد الدفع والتسليط ، فإذا عزله وسلطه على الأخذ وتلف لم يضمن المسلم اليه ، وليس له حينئذ أحد الأمرين ، وهو ظاهر فتأمل.

قوله : «ويجوز اشتراط إلخ» كالقرض والبيع والاستسلاف والرهن والضمان ، وقد مرّ دليله ، فتذكر ، وهو انه عقد قابل للشرط الذي لا يوجب جهالة في أحد العوضين ، ولا موجبا (موجب خ) لأمر غير جائز ، فيجوز بالكتاب والسنة ، مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ، والمسلمون عند شروطهم (٤).

__________________

(١) الظاهر ان المراد منه موثقة عبد الله بن بكير.

(٢) اي الفسخ أو الإلزام.

(٣) سورة المائدة ـ ١.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، فراجع.

٣٦٧

المطلب الثالث : في المرابحة والمواضعة

يجب ذكر رأس المال قدرا ونقدا فيهما وقدر الربح.

______________________________________________________

قوله : «المطلب الثالث : في المرابحة والمواضعة» من الربح والوضع ، وهما المعاملة برأس المال وزيادة ، ونقصان ، ولما كان برضاء الطرفين صح المفاعلة ، وان كانا من جانب واحد.

وأقسام البيع ـ باعتبار الخبر برأس المال وعدمه ـ أربعة :

١ ـ البيع مع عدم الاخبار ، وهو المساومة ، قيل : هو أفضل الأقسام ، لسلامته عن الاخبار ، إذ قد يقع المخبر في الكذب وصعوبة أداء الامانة ، وبعده عن مشابهة الربا ، ولو رود الرواية الدالة بالتنزه عن غيرها ، واستعمالها (١).

٢ والبيع بالزيادة مع الاخبار ، وهو المرابحة.

٣ وبالنقصان حينئذ ، وهو المواضعة.

٤ وبالمساوي ، وهو التولية.

والظاهر ان جواز الجميع عند الأصحاب مجمع عليه ، وسنده الكتاب (٢) والسنة (٣).

قوله : «يجب ذكر رأس المال إلخ» إشارة إلى المرابحة والمواضعة وشرط جوازهما. وهو ذكر رأس المال جنسا وقدرا مهما كان ، وقدر الربح كذلك ، بحيث تزول الجهالة المانعة من المعاملة كما تقدم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود ، فراجع.

(٢) مثل آية التجارة وآية الإيفاء وحل البيع.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٢ و ١٣ و ١٤ و ٢٥ و ٣٥.

٣٦٨

والوضيعة فيقول : اشتريت بكذا ، أو رأس مالي (له خ ل) بكذا ، أو تقوم على بكذا ، أو هو عليّ بكذا ، ولو عمل فيه قال : رأس ماله (لي خ) كذا عملت فيه بكذا ، ولو عمل فيه بأجرة جاز ان يقول : تقوم على ، أو هو على بكذا.

ويسقط الأرش من رأس المال ، لا أرش الجناية ولا ما يحطه عنه البائع و (لا خ) ثمرة الشجرة.

______________________________________________________

والظاهر انه يكفي كون الربح والوضع معلومين ، وان لم يكونا معلومين حال البيع عند المتعاقدين مع إمكان العلم به عند الحساب ، كما في بعض المسائل الجبرية عند العارف ، ويشعر به تجويز المسائل الجبرية.

وقوله : «ووضيعة (١) كل عشرة إلخ» (٢) حيث لا يعلم الا بعد الحساب والتأمل فيه ، كما هو معلوم ، وسيجي‌ء. ويظهر من شرح الشرائع منع ذلك ، فتأمل.

قوله : «فيقول اشتريت إلخ» يشير الى عبارات المرابحة ، وهي ما يدل على تعيين رأس المال والربح ، بحيث لا يلزم منه كذب ، مثل ان يقول : اشتريت بعشرة ، أو رأس ماله (مالي خ) عشرة ، وبعتك بما اشتريت به ، أو به وبربح درهم ، أو تقوم على بكذا ، أو هو على بكذا وبعتك به وبربح دينار مثلا.

وهذه العبارات تصح إذا أريد الخبر برأس المال فقط. والأخيرتان تصحان مع الاخبار بما اخرج عليه أيضا ، لصياغة وغيرها ، دون الأولتين ، واليه أشار بقوله : (ولو عمل فيه بأجرة).

قوله : «ويسقط الأرش إلخ» يعني إذا ظهر المبيع معيبا وأخذ أرشه ثم أراد البيع مرابحة ، يسقط الأرش المأخوذ من الثمن ثم يخبر بالباقي ، لأنه جزء من الثمن

__________________

(١) اي فيما سيأتي من الماتن قدس سره.

(٢) في النسخة المطبوعة (والوصيغة).

٣٦٩

ولو فدى جنايته لم يجز ضمها.

ولو اشترى جملة لم يجز بيع بعضها مرابحة وان قوم بنفسه ، الا ان يخبر بالحال ،

______________________________________________________

وقد ردّ إلى أهله ، فصار الثمن هو الباقي ، فلا يجوز الخبر الا به.

ولا يسقط أرش الجناية الواقعة على العبد المبيع ، أو الدابة المبيعة عند المشتري الذي أخذه ، لأنه ليس من الثمن ، بل هو بمنزلة كسب ونفع استحصله المشتري بعده.

نعم لو تعيب أو نقص منهما عضو بحيث يوجب انتقاص القيمة ، يجب الاعلام وإظهار انه اشترى بكذا وكان صحيحا ثم صار عليه هذا العيب الخاص.

وكذا لا يسقط ما حطّه البائع عن المشتري ، لأنه إبراء وهبة مستأنفة ، ألا ترى انه قد يبرء جميع الثمن ، ولا شك انه (حينئذ خ) يجوز له المرابحة.

وكذا لو أخذ الثمر من الأشجار المبتاعة ، لا يسقط الثمرة بل يخبر بما اشترى من غير إسقاط الثمرة.

والظاهر ان هذا في الثمرة المجددة الغير الموجودة حال شراء الشجرة ، والا يجب الاخبار بأنه اشترى مثمرة بكذا وأخذ الثمرة التي كذا وكذا ، لأنها جزء من المبيع حينئذ.

قوله : «ولو فدى جنايته إلخ» يعني لو جني العبد المبتاع ثم فداه المولى بمال لم يجز ان يضم الفداء الى رأس المال ويخبر انه المجموع وهو ظاهر كما مر من عدم إسقاط أرش الجناية.

قوله : «ولو اشترى جملة إلخ» يعني لو اشترى أمتعة في بيع واحد لم يجز بيع بعضها مرابحة ، وان قوم كل واحد عنده بشي‌ء وجعل لكل واحد ثمنا معينا ، وان كان بجعله الثمن الأدنى في مقابلة أعلاها ، لأنه كذب ، لان بيع الجملة ليس بيع كل جزء بشي‌ء معين.

٣٧٠

وكذا الدلال لو قوم عليه التاجر.

ويجوز ان يشتري ما باعه بزيادة أو نقيصة حالا ومؤجلا ، ويكره قبل القبض في المكيل والموزون.

______________________________________________________

نعم يجوز له ان يبيع ذلك على هذا الوجه ، بان يخبر بأني اشتريت الجملة التي كانت كذا وكذا ، وقومت هذه منها بكذا وكذا وأبيعها به وبربح كذا ، وحينئذ يصح وان لم يكن مرابحة حقيقية ، ولكن يجري عليه حكم المرابحة في الجملة ، وهو ظاهر.

وموجود في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : وسألته عن الرجل يشتري المتاع جميعا أيبيعه مرابحة ثوبا ثوبا؟ قال : لا حتى يبيّن له بما قوّمه (١).

قوله : «وكذا الدلال إلخ» أي لا يجوز للدلال ان يخبر بان رأس مال هذا كذا لو قوم عليه صاحب المتاع بان قال له : بع هذا بكذا وكذا والفاضل لك ، لانه كذب.

وقد ورد أخبار صحيحة بصحة ذلك ، وورد في خبر أخر عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق وقد قوموا عليه قيمة ، ويقولون : بع فما ازددت فلك؟ قال : لا بأس بذلك ولكن لا يبيعهم مرابحة (٢).

والظاهر حينئذ لزوم الوفاء بذلك القول ، للايفاء بالقول والعهد ، ولانه الظاهر من هذه الاخبار الصحيحة الدالة على عدم الباس بمثل قوله : بع متاعي بكذا والفاضل لك وما ازددت على كذا وكذا فهو لك ، ولانه جعل الجعالة.

قوله : «ويجوز ان يشتري إلخ» قد مرّ هذا مرارا ، وينبغي التقييد بكون

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢١ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢ كذا في النسخة المطبوعة وبعض المخطوطة وفي الفقيه والوسائل (انه انما قومه).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٣ وراجع في الباب الأخبار الأخر.

٣٧١

ولو شرط الشراء في العقد لم يصح ويجوز مع الإطلاق وان قصداه.

فلو باع غلامه الحر سلعة ثم اشتراها بأزيد جاز الاخبار بالزيادة.

______________________________________________________

ما يشتري الان حالا حين الشراء ، وتقييد الزيادة والنقيصة بما لا يوصلان الشراء الى عدم الجواز ، لاشتماله على الإسراف ، وتخصيص الكراهية بغير الطعام وبعير التولية ، لما تقدم ان الطعام حرام (١) ، والتولية ليست بمكروهة أيضا على الظاهر.

وكذا مر شرح قوله : «ولو شرط الشراء في العقد لم يصح إلخ» وانه يصح مع الإطلاق ، وان كان من قصدهما البيع على البائع بعده ، يعنى غرضهما ذلك أول مرة وكان في خاطرهما ذلك ، ولكن ما شرطاه ، لا لفظا ولا قصدا ، نعم قصدهما انه إذا وقع هذا البيع المطلق ان يتعاكسا البيع بعده من غير شرط لفظا ولا معنى ، بل أوقعا من دون قصد ذلك وخالية عنه لفظا ونية ، إلا أنهما يريدان ذلك بعده تبرعا واستينافا ، لا وفاء للشرط وهو ظاهر.

وقد نقل هنا سؤال وجواب في شرح الشرائع وما فهمته (٢).

واما إذا كان القصد الشرط ، وذكر ذلك مقدما ، وان لم يذكر في العقد وكان المعاملة على ذلك فالظاهر عدم الانعقاد ، كما مرّ ، فتذكر ، فلا يحمل القصد على ذلك فان العقود تابعة للقصود ، فتأمل.

قوله : «فلو باع غلامه الحر إلخ» اشتراط الحرية ليصح البيع الأول حتى

__________________

(١) يعني ان هذه المعاملة في الطعام حرام.

(٢) قال في المسالك ج ١ ص ١٩٧ : ما لفظه : (قيل عليه : ان مخالفة اللفظ (القصد خ) تقتضي بطلان العقد ، لان العقود تتبع القصود ، فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ للقصد ، وأجيب بأن القصد وان كان معتبرا في الصحة ، فلا يعتبر في البطلان ، لتوقف البطلان على اللفظ والقصد ، وكذلك الصحة ، ولم يوجد في الفرض ، وفيه منع ظاهر فان اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف أحدهما كافيا في البطلان ، ويرشد إليه عبارة الساهي الغالط والمكره وغيرها ، فان التخلف الموجب للبطلان هو القصد خاصة ، والا فاللفظ موجود)

٣٧٢

ولو بان الثمن أقل تخير المشتري بين الرضا بالمسمى والرد ،

ولا يقبل دعواه في الشراء بأكثر.

______________________________________________________

يجوز الاخبار بالشراء للبيع الثاني وكأنه مبني على عدم تملك العبد ، واما إذا قيل بتملكه كما هو مذهب الأكثر والمشهور ، فالظاهر عدم الاحتياج الى ذلك لصحة البيع الأول بما وقع ، فيصح الاخبار بما وقع. وينبغي ان لا يكون الغرض مجرد الاخبار برأس المال حيلة ، ليتحقق البيع الحقيقي فتأمل.

قوله : «ولو بان الثمن إلخ» يعني لو ظهر ان الثمن الذي وقع عليه العقد أولا ، أقل مما أخبر به المشتري ليبيع ثانيا تخير المشتري حينئذ بين الرضا بالبيع الواقع وإعطاء الثمن الذي وقع عليه العقد ، لان البيع انما وقع عليه وما حصل الرضا الا به ، وما وقع (الا خ) كذب وخيانة من البائع حينئذ ، وهو مما لا يوجب البطلان ولا نقص الثمن ، نعم يوجب اثما ، وبين رد المبيع الى صاحبه لخيانته وغشه ، فتأمل ، فإنه قد يتخيل عدم الانعقاد رأسا لعدم حصول الرضا الا مبنيا على ذلك القول.

واعلم انه ينبغي عدم الإيقاع الا المساومة ، وعلى تقدير غيرها ينبغي الاخبار بجميع ما يمكن له تأثير في كثرة الثمن ، مثل ان كان البيع مع ولده وزوجته وغلامه وأمثالهم مما يسامحونهم ، لان النفع لم يخرج منهم بالكلية ، أو كان غبنا في البيع الأول وما كان المشتري بصيرا مدققا وغير ذلك.

قوله : «ولا يقبل دعواه إلخ» يعني لو باع المشتري أولا مع الاخبار برأس المال بثمن معلوم ثم ادعى ان رأس المال كان أكثر مما أخبره به لم يقبل دعواه ذلك ، ولم تسمع بينته أيضا ، لتكذيبه نفسه بالإقرار الأول ، ومثل هذا غير مسموع ، والا لم يتم أكثر الإقرارات ، لأنه قد ينقضه ثانيا.

ويمكن ان يقال : ينبغي سماع دعواه مع البينة إذا أظهر لاخباره الأول تأويلا مقبولا ، مثل ان يقول : قلت لوكيلي ان يبيع بعشر وذهب واشترى وجاء وقال : اشتريته مع جواز الشراء له بأكثر وما ذكر الثمن ، وتوهمت انه اشتراه بما قلت له ، فإذا قد تحقق انه

٣٧٣

وينسب الربح الى المبيع فيقول : هو على بكذا ، واربح فيه كذا ،

ويكره نسبته الى المال ، فيقول : هو علىّ بكذا وأربح في كل عشرة كذا.

______________________________________________________

اشتراه بأكثر ، أو علم غلط الوكيل سهو أو غير ذلك.

وتوهم عدم إتمام الإقرارات ، مندفع بالشرط والبينة ، بل لا يبعد الإحلاف والسماع من غير بينة أيضا ، لا مع الظن بصدقه وكونه غالطا في الخبر الأول ، فتأمل.

قوله : «وينسب الربح إلخ» المراد بانتسابه اليه ، معنى بالإضافة إليه ، سواء كان بواسطة حرف الإضافة مثل اربح فيه ، والربح فيه ، أو بغير واسطة مثل ربحه كذا.

ويكره نسبته الى الثمن مثل ربح كل عشرة كذا وربح الثمن كذا ، وأربح في رأس المال كذا وغير ذلك.

قيل : لانه يشبه بالربا ، مثل ان يقول : (ده دوازده ، وده يازده).

وللرواية الدالة بالمنع عن مثله ، مثل رواية محمد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : اني لأكره بيع عشرة بإحدى عشرة وعشرة باثني عشر ونحو ذلك من البيع ، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة ، قال : وأتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم عليّ فبعته مساومة (١).

ورواية الجراح المدايني قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : اني اكره بيع ب (ده يازده وده دوازده) ولكن أبيعك بكذا وكذا (٢).

ودلالتهما غير ظاهرة ، بل الظاهر كراهة المرابحة بمثل هذا وأولوية المساومة.

كما يدل عليه رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قدم لأبي عليه السلام متاع من مصر فصنع طعاما ودعا له التجار ، فقالوا : نأخذه منك ب (ده دوازده)

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

٣٧٤

ولو اشترى نسية أخبر بالأجل ، فإن أهمل تخير المشتري بين الرد والأخذ حالا على رأي.

______________________________________________________

فقال لهم أبي عليه السلام : وكم يكون ذلك؟ فقالوا : في كل عشرة آلاف ألفين ، فقال لهم : إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا (١).

وكأنه لما ورد عدم البأس بالمرابحة الغير المضافة إلى الثمن ، حمل ما تقدم على الكراهة فيه.

وهو في رواية علي بن سعيد قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل يبتاع ثوبا فيطلب منه مرابحة ، ترى ببيع المرابحة بأسا إذا صدق بالمرابحة وسمى ربحا دانقين أو نصف درهم؟ فقال : لا بأس الحديث (٢).

والعجب ان الدليل قاصر عن الدلالة على الكراهة ، نقل في شرح الشرائع القول بالتحريم ، مع التصريح بالكراهة ، لأجله ، لعل عنده دليل غير ما نقلناه ، فتأمل.

قوله : «ولو اشترى نسية إلخ» يعني لو كان في البيع الأول أجل ، لا بد ان يخبر انه كان مؤجلا بكذا لأن الأجل له قسط من الثمن ، ولان تركه خيانة وغش ، فإن أهمل وترك ذكر الأجل ، كان كمن زاد في الثمن ، فكان للمشتري ثانيا الخيار ، قال المصنف : تخير المشتري بين الرد والأخذ بالثمن حالا ، كما مرّ في الزيادة على الثمن ، ولانه ليس بأعظم منه ، ولانه ما وقع البيع الا على الثمن حالا فلما تبين خيانته وغشه يكون للمشتري الخيار في الرد والرضا بما وقع.

هذا مقتضى القواعد ، واما مقتضى الرواية ، فهو ان له المتاع مؤجلا بمثل الأجل الذي اشتراه البائع أولا.

كأنه إرغاما لأنفه حتى لا يعمل الخيانة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١ وتمام الحديث (فباعهم مساومة).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٢ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١.

٣٧٥

ولو قال : بعتك بماءة وربح كل عشرة درهم فالثمن ماءة وعشرة.

ولو قال : وضيعة كل عشرة درهم ، أو مواضعة العشرة درهم فالثمن تسعون ، ويحتمل احد وتسعون الا جزء من احد عشر جزء من درهم.

______________________________________________________

ولأنه انما أراد المقدار المعلوم من الزيادة على رأس المال فيحمل على رضاه بالأجل ، الا انه ما ذكره.

ولانه ذكره من غير قيد الأجل.

والحلول يحمل على الأجل هنا ، لكونه مرابحة مع الأجل في الأول ، وان كان محمولا في غير هذه الصورة على الحال (١).

لصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري المتاع إلى أجل؟ فقال : ليس له ان يبيعه مرابحة الا إلى الأجل الذي اشتراه اليه ، وان باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك (٢).

وهذه صريحة وما رأيت غيرها.

وقيل ظاهر الاخبار يقتضي ثبوت مثل الأجل ، والظاهر ان تكون مخصوصة بصورة ترك الأجل والحال ، ويكون الحكم في صورة ذكر الحال ما ذكره المصنف.

قوله : «ولو قال : بعتك بماءة إلخ» هو ظاهر ، لان ربح كل عشرة خارج عنها ، فتزيد على الماءة عشرة دراهم ، فيكون مجموع الثمن الثاني ماءة وعشرة.

قوله : «ولو قال : وضيعة كل إلخ» إشارة إلى حكم المواضعة ، وهو القسم الثاني ، أي لو قال : بعتك هذا بماءة وهو رأس المال ووضيعة كل عشرة ،

__________________

(١) في النسخة المطبوعة بعد قوله (على الحال) ما لفظه (ولصحة الرواية وان لم يكن منطبقا على القاعدة ، فيكون الحكم تعبديا خارجا عنها ، وهي صحيحة هشام إلخ).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

درهم ، أو مواضعته ذلك ، والوضيعة والمواضعة بمعنى واحد والأول أولى ، لعدم الوضيعة الا من جانب واحد ، فلا يحتاج الى التكليف.

كان قوله : «وضيعة إلخ» جملة حالية ، أو يكون الواو بمعنى مع ، وهو بعيد ، فالظاهر وجود الواو قبل قوله : وضيعة.

قيل : وجه كون الثمن حينئذ تسعون (١) ، ان الإضافة بمعنى (من) التبعيضية ، فكأنه قيل : والوضيعة من كل عشرة دراهم ، درهم ، وذلك يقتضي كون الوضيعة لكل عشرة جزء لها ، فإذا وضع من كل عشرة من ماءة واحدا يبقى تسعون ، وهو واضح.

ووجه الثاني (٢) احتمال كون الإضافة بمعنى اللام ، فكأنه قيل (يقول خ) : الوضيعة لكل عشرة درهم ، فيكون الوضيعة حينئذ خارجة عما وضع عنه ، كالربح لكل عشرة ، وإذا أخذ لكل عشرة درهم من خارج ، يجتمع الوضيعة تسعة ، ويبقى واحدة ، وإذا جزّءت بأحد عشر جزء وحذف أحدها صار الوضيعة تسعة دراهم وجزء واحد من احد عشر جزء من درهم واحد ، فالثمن احد وتسعون جزء الا جزء من احد عشر جزء من درهم ، وهو ظاهر.

وكأنه أخذ من القواعد حيث ذكر انه إذا قال : والوضيعة من كل عشر (عشرة خ) درهم يكون الثمن تسعين ، وإذا قال : لكل عشرة يكون واحدا وتسعين الا جزء من احد عشر جزء من درهم واحد.

فيه تأمل فإنه يحتمل كون الإضافة بالمعنيين ، ولا ترجيح ، فينبغي البطلان ، لعدم العلم.

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب (تسعين).

(٢) اي الاحتمال المذكور في المتن من قوله (ويحتمل احد وتسعون).

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل رجحان الأول للتبادر الى الذهن ، وكأنه لذلك قدمه ، ولان اللام لا يقتضي خروج الوضيعة عن الموضوع ، ولهذا يصح ان يقال : والوضيعة لرأس المال كذا وغير ذلك.

ويحتمل رجحان الثاني ، بأن الأصل عدم الوضع ، فكل ما يحتمل الأقل بكون الحمل عليه اولى.

ثم على تقدير تسليم أن مقتضى الكلام ان الوضع لكل عشرة درهم ، فبعد حذف التسعة من ماءة لا ينبغي وضع شي‌ء آخر عن تلك الواحدة ، إذ لا دليل عليه ، فيكون الثمن واحدا وتسعين.

ويؤيده ان الأصل عدم الوضع ، فلو ادعى هذا المعنى تقبل عنه ، ولو مات أو تعذر التفسير يحمل عليه جزما.

ومنه قد علمت ان البناء الثاني غير جيد وان هنا احتمالا آخر اولى من الاحتمالين ، وما تعرض له الأصحاب.

والبناء الأول أيضا غير جيد ، لأن الإضافة بمعنى (من) لا تكون إلا في من البيانية ، وذلك مشهور ومبين في موضعه في كتب النحو ، الا اني رأيت في حاشية السيد على الكشاف (١) في بيان معنى فاتحة الكتاب ان الإضافة بمعنى (من) قد

__________________

(١) المناسب هنا نقل عبارة السيد في حاشيته على الكشاف (قال صاحب الكشاف : وهذه الإضافة بمعنى (من) لأن أول الشي‌ء بعضه ، ورد عليه بان البعض قد يطلق على ما هو فرد الشي‌ء كما يقال : زيد بعض الإنسان ، وعلى ما هو جزء له كما يقال : ان اليد بعض زيد ، واضافة الأول إلى الشي‌ء بمعنى (من) دون الثاني ، ومن ثمة اشترط في الإضافة بمعنى (من) كون المضاف اليه جنسا للمضاف صادقا عليه ، وجعل (من) بيانية ، كخاتم فضة ، الى ان قال : فان قلت : جوز العلامة في سورة لقمان الإضافة بمعنى (من) التبعيضية وجعلها قسيم الإضافة بمعنى (من) البيانية ، حيث قال : معنى اضافة اللهو الى الحديث التبين ، وهي الإضافة بمعنى (من) كقولك : باب ساج والمعنى : من يشتري اللهو من الحديث ، واللهو يكون من الحديث ومن غيره ، فبين بالحديث ، والمراد بالحديث ، الحديث المنكر (الى ان قال) : ويجوز ان تكون الإضافة بمعنى (من) التبعيضية ، كأنه قيل : ومن

٣٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تكون في من التبعيضية ، نقله عن البعض وعن صاحب الكشاف انه قال : يجوز ذلك في (لهو الحديث) كما سيجي‌ء.

وعلى تقدير جواز كونها للتبعيض حينئذ ، الحصر فيه غير ظاهر ، لجواز كونها لغيره ، فيحتمل ان يكون الوضيعة من كل عشرة سالمة ، درهم ، فيؤل الى الاحتمال الذي ذكرناه ، وهو الاولى ، لما مرّ.

فعلم ان الاحتمالين غير جيدين ، بل هنا احتمال أرجح ، وان البناء غير جيد (وانه على تقديره لا يثبت عليه المبنى عليه خ) وان ما رتب على البناء الثاني لا يترتب عليه.

ثم الظاهر ان ليس ببعيد كون مراد المصنف ان الاولى الاحتمال الأول مبنيا على تقدير كون الوضيعة من كل عشر ، والثاني على تقدير كونها لكل عشر لما تقدم انه صرح في القواعد بل في غيره أيضا انه إذا قال من كل عشر يكون الحكم ما تقدم ، وكذا (لكل) ولكن لا بمعنى كون الإضافة الأولى بمعنى (من) والثانية بمعنى (اللام) ، بل بمعنى تقدير (من ، واللام) وحذفهما منه لفظا مع وجودهما نيّة والإيصال كما يؤخذ في الفعل.

وأيضا ليس ببعيد دعوى التبادر من قوله : «من كل عشر درهم) ما ذكره ، ولهذا ما نقل الخلاف فيما إذا تلفظ ب (من) وقيل ، من كل.

على انه قد نقل في حاشية (الكشاف) وجود الإضافة بمعنى (من) التبعيضية في فاتحة الكتاب ، كما في قوله تعالى (لَهْوَ الْحَدِيثِ).

فالمناقشة بأن الإضافة بمعنى (من) انما يكون في (من) البيانية ساقطة ، إذ

__________________

الناس من يشتري بعض الحديث الذي اللهو منه إلخ (نقلا من حاشية السيد ـ على الكشاف ـ ، ط بيروت ص ٢٢.

٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يخفى على مثل المصنف وغيره خفاء هذا المعنى مع وجوده في أكثر كتب النحو ويعرفه المبتدؤن ، بل يكون نظره إما الى ما قلناه ، أو الى ما ذكره في حاشية الكشاف.

قال في إضافة فاتحة الكتاب : وذكر بعضهم ان هذه الإضافة بمعنى من التبعيضية ، لأن (فاتحة خ) الشي‌ء بعضه.

وقال في الكشاف ـ في أوائل سورة لقمان في تفسير (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) ان معنى اضافة اللهو الى الحديث ، التبيين ، وهي الإضافة بمعنى من (الى قوله) : ويجوز ان يكون الإضافة بمعنى (من) التبعيضية ، كأنه قيل : ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه ، وقال : المراد الحديث المنكر ، كما ورد : (الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش).

وبالجملة قد علم من صاحب الكشاف تجويز الإضافة بمعنى (من) التبعيضية في لهو الحديث ، ونقله المحشي عن البعض أيضا في فاتحة الكتاب ، فسقط المناقشة بعدم كون الإضافة بمعنى (من) إلا البيانية.

وأيضا يمكن ان يقال : ان المتبادر خروج الوضيعة عن العشرة إذا كان الكلام بتقدير اللام.

ويكون تقسيم الدرهم الواحد بناء على ان المقصود تجزّي كل جزء من رأس المال بأحد عشر جزء ، والوضيعة لكل عشرة جزء من خارجها (خارجا) ، بناء على ملاحظة الاحتياط لجانب المشتري ، والأصل (ولأصل خ ل) عدم الزيادة.

ولكن بقي بعض المناقشات مع المناقشة في التوجيه ، فتأمل فإن ما ذكرناه غاية ما أمكن.

٣٨٠