مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الصّحّة أيضا تأمّل ، لأنّ الظاهر أنّ مصادفا نقل إلى جميل قوله : «قل له فليشتريه. إلخ» ومصادف ضعيف ذكروه في محلّه.

ويمكن ان يكون المعني : جواز شراء مال الظّلمة مع عدم العلم بالغصب بعينه ، كما يدلّ عليه الأصل والأخبار الكثيرة الدّالّة على جواز أخذ جوائزهم ، مع كراهة ، لكن تزول عند الضيّق.

ويحتمل قوله «فإن لم يشتره. إلخ» أنّ اجتناب ذلك للتنزّه لا ينفع ، لأنّه إن لم تشتر أنت يشتريه غيرك ، وأنت مختلط معه ، وتأكل مما يأكل ، أو أنّه لا يردّ به الظّالم عن ظلمه كما قيل.

وصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الرّجل منّا يشتري من السّلطان من إبل الصدقة وغنمها (وغنم الصدقة ئل) ، وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الّذي يجب عليهم ، قال : فقال : ما الإبل والغنم إلّا مثل الحنطة والشّعير وغير ذلك ، لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه ، قيل له : فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ (منا ـ ئل) صدقات أغنامنا فنقول : بعناها ، فيبيعناها ، فما ترى في شرائها منه؟ قال : ان كان أخذها وعزلها فلا بأس ، قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ يقال : ان كان ما قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل (من غير ئل)» (١).

ولا دلالة فيها أيضا على إباحة المقاسمة بوجه من الوجوه ويمكن ان لها دلالة على جواز شراء الزّكاة ولهذا جعلها في المنتهى دليلا عليه فقط ، وفي الدّلالة عليه أيضا تأمّل ، إذ لا دلالة في قوله : «لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه إلّا على أنّه

__________________

(١) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٥٢ ، الحديث ٥.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

يجوز شراء ما كان حلالا ، بل مشتبها أيضا ، ولا يجوز شراء ما هو معروف أنّه حرام ، ولا يدل على جواز شراء الزّكاة بعينها صريحا ، نعم ظاهرها ذلك ، ولكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته للعقل والنّقل (١).

ويحتمل أن يكون سبب الإجمال التّقيّة.

ويؤيّد عدم الحمل على الظّاهر أنّه غير مراد بالاتّفاق إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر فتأمّل.

وأمّا قوله : «فما ترى في مصدّق. إلخ» فإنّ ظاهره يدلّ على جواز الشّراء ، ولكن ليس بمعلوم كون المصدّق ـ أي الّذي يقبل الصّدقة ـ من قبل الجائر الظّالم ، فيحمل على كونه من قبل العدل لما تقدّم ، على أنّه قد يكون المراد بجوازه حيث كان المبيع مال المشتري ، فإنّه قال : «يأخذ صدقات أغنامنا» ولم يصر متعيّنا للزّكاة لأخذه ظلما ، فيكون الشّراء استنقاذا لا شراء حقيقيّا ، ويكون الغرض من قوله :

«ان كان. إلخ» بيان شرط الشراء وهو التعيين ، ويعلم منه الكلام في قوله : «فما ترى في الحنطة. إلخ» فتأمّل.

ويمكن عدم الصحّة أيضا لاحتمال ان يكون أبو عبيدة غير الحذّاء المشهور.

وبالجملة : ليست هذه ممّا يصلح أن يستدل بها على المطلوب ، بل على شراء الزّكاة أيضا ، لما عرفت من أنّها مخالفة للعقل والنقل ، مع عدم الصّراحة واحتمال التقيّة.

وعلى تقدير دلالتها على جواز الشراء من الزّكاة فلا يمكن ان يقاس عليه جواز

__________________

(١) في هامش النسختين من النسخ المخطوطة ما هذا لفظه (فإنهما يمنعان من شراء الزكاة التي هي للمستحقين من الذي أخذها باسمها ظلما ولم يصر زكاة أو صار زكاة ، برءت ذمة المالك أم لا كما هو رأى المصنف في التحرير والشهيد في البيان وكذا المقاسمة فإن الشراء الحقيقي انما يتحقق من المالك أو وكيله أو وليه وليس الظالم الجائر أحدهم ، وهو ظاهر (منه رحمه الله).

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الشراء من المقاسمة.

وعلى تقديره أيضا لا يمكن ان يقاس عليه جواز قبول هبتها وسائر التصرّفات فيها مطلقا كما هو المدّعى ، إذ قد يكون ذلك مخصوصا بالشراء بعد القبض بسبب ما نعرفه ، كسائر الأحكام الشّرعيّة الا ترى أنّ أخذ الزكاة لا يجوز منهم مطلقا ، ويجوز شراؤها عندهم (١).

ويؤيّده أنّه لما وصل العوض إلى السلطان الجائر بكون في ذمّته عوض مال بيت المال بخلاف ما لم يكن له عوض ، فإنّه يصير كالتّضييع ، فتأمّل.

وممّا نقل أيضا من الأخبار رواية أبي بكر الحضرمي قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده إسماعيل ابنه فقال : ما يمنع ابن أبي سماك ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه النّاس ويعطيهم ما يعطي النّاس؟ قال : ثم قال لي : لم تركت عطاءك ، قال : قلت : مخافة على ديني ، قال : ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطاءك؟ أما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا؟ (٢).

وهذه مع أنّهم ما سموها بالصّحّة كأنّه لعدم ظهور توثيق أبي بكر الحضرمي ، وان نقل في رجال ابن داود عن الكشي توثيقه في باب الكنى ، ولكن الظاهر انه غير ثابت ، لعدم عادة الكشي ذلك ، ولهذا ما نقله غيره ولا هو عند ذكر اسمه ، وهو عبد الله بن محمد.

على انا نرى في كتابه خلطا كثيرا ـ لعله من غلط الكتاب ـ ليس (٣) فيها دلالة أصلا الا على الذم على عدم إعطاء مال من بيت المال الذي للمصالح للمستحقين من الشيعة عند إعطائه لغيرهم ، اين هذا من الدلالة على جواز

__________________

(١) أي الأصحاب.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٦).

(٣) خبر لقوله قده وهذه إلخ.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أخذ المقاسمة من الجائر على العموم الذي تقدم.

والعجب انه قال في الرسالة المنفردة (١) : هذا نص في الباب ، لانه عليه السلام بيّن ان لا خوف للسائل على دينه ان لم يأخذ الا حقه من بيت المال وقد ثبت في الأصول تعدي الحكم بتعدي العلّة المنصوصة.

وانا ما فهمت منها دلالة ما ، كيف وغاية دلالتها ما ذكر ، وذلك قد يكون من بيت مال يجوز أخذه وإعطاءه للمستحقين مثل ان يكون منذورا أو وصية لهم بان يعطيه ابن أبي سماك أو غير ذلك ولا يقاس عليه الخراج الذي أخذه الظالم باسم الخراج ظلما ، لانه ما علم صيرورته خراجا بحيث يجوز لكل أحد الأخذ منه باسمه لا بدونه كما هو المدعى. نعم لو صار المأخوذ خراجا يجوز للمتولي إعطاء المستحق نصيبه الذي فيه ان علم العلة وجواز حصته من المال المشترك لبعض الشركاء ، كل ذلك غير ظاهر فيما نحن فيه (٢).

وبالجملة لم أقدر أن اثبت بمثل هذه الرواية ، الأمر الذي دل العقل والنقل من الكتاب والسنة على تحريمه وبالقياس الذي فيه ما فيه وان كانت علته منصوصة (٣) ، والتعدي إلى الأعم مما في الأصل ، فإنهم يجوزون الأخذ مطلقا كما فهمت.

وهو بعيد جدا ، فإنهم قد يمنعون الوصي الذي لا يكون عدلا عن إعطاء فقير

__________________

(١) عبارة المحقق كما في الرسالة ص (١٨١) هكذا (قلت : هذا نص في الباب فإنه عليه السلام بين للسائل حيث قال : انه ترك أخذ العطاء للخوف على دينه ـ بأنه لا خوف عليه فإنه انما يأخذ حقه حيث انه يستحق في بيت المال نصيبا ، وقد تقرر في الأصول تعدي الحكم بالعلّة المنصوصة).

(٢) وفي بعض النسخ المخطوطة بعد قوله (فيما نحن فيه) ما هذا لفظه (بل ما فهم منع السائل عن ذلك القول ، بل قد يفهم تقريره على ذلك).

(٣) لعله إشارة إلى قوله عليه السلام في رواية ابن أبي سماك (اما علم ان لك في بيت المال نصيبا).

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مالا موصى به للفقراء ، بل الموصى به لمعين ويضمنونه ، فكيف يجوزون أخذ مال ـ يثبت أجرة للأرض التي هي ملك للمسلمين بنظر الامام عليه السلام ورضا المستأجر مع اشتراك المسلمين قاطبة فيها ـ لواحد معين منهم مطلقا لا القدر الضروري ويشترطون فيها اذن الظالم الجائر الذي لا دخل له في هذه الأرض ولا في أجرتها بوجه من الوجوه مع كون تصرفه فيها حراما ، وكيف يتعين كون هذا المال اجرة ويتعين لهذا المسلم الخاص مثله بتعيين مثله مهما أراد.

هذا مع ثبوت كون الأرض المعينة مفتوحة عنوة مع الشرط المتقدم.

والحاصل انه يشكل بنظري إثبات مثل هذا الحكم بخبر غير صحيح صريح وبقياس يكون هو أصله مع ما فيه وجعل ذلك نصا في الباب.

ورواية أبي المعزى قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقال : أصلحك الله أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم ، آخذها؟ قال : نعم ، قلت : وأحج بها؟ قال : نعم (١) قال في الرسالة : ومثل هذا من عدة طرق ، وقال : انها صحيحة.

والظاهر انها صحيحة ولكن لا دلالة فيها أصلا على المطلوب ، نعم فيها دلالة على جواز أخذ جوائز الجائر ، ولا شك في ذلك مع عدم العلم بالتحريم ، مع الكراهة ، وقد تقدم ما يدل عليه.

ويدل عليه أخبار كثيرة (٢).

وصحيحة أبي ولاد أو حسنة وغيرها (٣). وكأنه مراده بقوله : ومثل هذا في عدة طرق.

ورواية إسحاق بن عمار قال : سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٥١) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٢).

(٢) لاحظ الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٥١) من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل كتاب التجارة ، الباب (٥١) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١).

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يظلم؟ قال : يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه احد (١) قال في الرسالة : وهذا الحديث نقلته من المنتهى وظني أنه نقله من التهذيب ، وهي مذكورة في باب الغرر والمجازفة من التهذيب (٢).

ولا دلالة لها أصلا الا على شراء شي‌ء لا يكون ظلم فيه أحدا ، فالاستدلال بها على المطلوب بعيد.

وكأنه يرى دلالتها قوية ، حيث نقلها مع عدم تحقق كونها في الأصل اكتفاء بنقل العلامة ، مع انه أصرح منه في هذا المطلوب وأصح موجود ، وهو ظاهر لمن نظر فيه ، مع ضعف الطريق والإضمار ، لأنه (٣) قال فيه : احمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ابان ، عن إسحاق.

واحمد مشترك ، وان سلم أنه أحمد بن محمد بن عيسى الثقة ، والحسن بن علي بن فضال قيل : فطحي ، وكذا إسحاق ، وابان مشترك ، والظاهر انه ابن عثمان ، قيل : هو أيضا فطحي (٤).

ثم ذكر أيضا رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه ان الحسن والحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية (٥).

وعدم الدلالة على المطلوب غير خفي ، بل انما تدل على جواز أخذ جوائز الظالم في الجملة ، وقد تكلمنا في دلالتها على ذلك أيضا فيما تقدم ، فتذكر.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٥٣) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٢)

(٢) التهذيب ، ج ٧ باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة وما يجوز من ذلك وما لا يجوز ، ص (١٣١) الحديث (٤٨).

(٣) تعليل لقوله قده : مع ضعف إلخ.

(٤) في هامش بعض النسخ المخطوطة ما هذا لفظه : (وظني ان الحسن وإسحاق وابان بن عثمان كلهم يقبل قولهم لا بأس في الجملة (بخطه ره).

(٥) الوسائل كتاب التجارة الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث (٤).

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل على عدم الجواز انه لا نص في جواز التصرف مطلقا فيما يأخذه الجائر باسم المقاسمة ، بل في صحيحة العيص دلالة على عدمه ، كما سيجي‌ء في آخر البحث ، ولهذا ما استدل عليه في المنتهى بل ما جعله مسألة على حدة ، بل ذكر جوازه في مسألة جواز بيعها ، واستدل عليه بالضرورة والحرج.

فان تم الضرورة فلا يتعدى ، فلا ينبغي جوازه مطلقا ، فكلامه يشعر بعدم الجواز الا معها ، ونقل (١) عن السيد عميد الدين في شرحه للنافع انه انما يحل ذلك بعد قبض السلطان أو نائبه ، ولهذا قال المصنف : ما يأخذه إلخ.

وفي شرح الشرائع رجح جواز الأخذ إذا كان الجائر مخالفا ، واحتمل الجواز مطلقا ، فيعلم ان لا إجماع بل كل من ترجح عنده شي‌ء يفتي به ، ويؤيده ان الهبة فرع الملك والقبض ، فكيف تقع بدونهما.

والحاصل ان جواز أخذ ما ليس لأحد فيه التصرف إلّا للإمام عليه السلام من الجائر مع عدم جوازه له بعيد جدا يحتاج إلى التأمل.

واما جواز شراء ما أخذه الجائر باسم الزكاة ، فظاهر الاخبار ذلك ، وتقدم أدلتها مع البحث فيها ، وهذا هو المفهوم من كلام الأكثر.

وهو غير بعيد عن الرواية ، ولكن ما تقدم ينفيه ، فالقول به أيضا لا يخلو عن إشكال ، الا ان يكون مجمعا عليه ، بحيث لا يمكن البحث فيه والا فللبحث فيه مجال.

وبعد القول بالجواز يمكن جواز أخذ الزكاة للفقراء والمستحقين منه ، لا غير ، وان الظاهر أنه يبرء ذمة المالك.

وتوجيهه انه لا ينبغي من الشارع ان يجوز الأخذ للفقراء مما يأخذه السلطان

__________________

(١) في الرسالة الخراجية للشارح قدس سره ما لفظه (ونقل الشيخ إبراهيم القطيفي رحمه الله في النقض : ان السيد عميد الدين عبد الحميد قال في شرحه للنافع : وانما يحل بعد قبض السلطان أو نائبه ، ولهذا قال المصنف : ما يأخذه باسم المقاسمة ، فتقييده بالأخذ إلخ).

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

باسم الزكاة وتصرف الناس فيه ، مع بقائه على ملك المالك مع عدم جواز أخذه ، أو مع عدم بقائه عليه ، مع عدم الاجزاء عن الزكاة ، فلعل الزكاة أمر موجود عند المالك وغصبه الجائر منه من غير تفريط ، فلا ضمان عليه ، وبرء ذمته منها ، ولعل النية هنا مغتفرة ، أو انه له ان ينوي حينئذ.

هذا ، مع انه قد عرفت ما في النية ، فيمكن أن يكفي اعطاءها باسم الزكاة ، وأخذ ذي الشوكة لشبهة جعل نفسه وكيلا للمستحقين ، كامام الأصل ، فتأمل.

ويؤيده الاخبار مثل ما رواه سليمان بن خالد في الصحيح قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان أصحاب أبي أتوه فسألوه عما يأخذه السلطان؟ فرق لهم ، وانه ليعلم ان الزكاة لا تحل إلا لأهلها فأمرهم أن يحتسبوا به ، فجاز ذا (فجال فكري ـ كا) والله لهم ، فقلت (له ـ كا) : أي أبه انهم ان سمعوا اذن لم يزك احد؟ فقال : اي بني حق أحب الله ان يظهره (١) ولا يضر القول في سليمان لما مرّ.

ولصحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام في الزكاة؟ فقال : ما أخذ منكم بنوا أمية فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم ، فان المال لا يبقى على هذا ان تزكيه مرتين (٢).

وهذه كالصريحة في عدم جواز إعطاء الخراج والمقاسمة والزكاة إلى السلطان الجائر ، فلا يجوز الأخذ منهم ولا بإذنهم.

وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صدقة المال يأخذها السلطان؟ فقال : لا أمرك أن تعيد (٣).

وصحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العشور

__________________

(١) الوسائل كتاب الزكاة ، الباب (٢٠) من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث (٤).

(٢) الوسائل ، كتاب الزكاة ، الباب (٢٠) من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث (٣).

(٣) الوسائل ، كتاب الزكاة ، الباب (٢٠) من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث (٥).

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التي تؤخذ من الرجل ، أيحتسب هذه (بها ـ كا) من زكاته؟ قال : نعم (١).

ولا تنافيها رواية أبي أسامة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ان هؤلاء المصدقين يأتونا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها ، أتجزي عنا؟ فقال : لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم ، أو قال : ظلموكم أموالكم ، وانما الصدقة لأهلها (٢).

لاحتمال حملها على الكراهة كما قاله الشيخ في التهذيب (٣). وحملها أيضا على عدم الاجزاء عن الزائد عما أخذ.

ويمكن حملها أيضا على تقدير إمكان عدم الإعطاء بوجه ، فيعطي فتجب الإعادة حينئذ. ويؤيد التأويل عدم صحة هذه ووحدتها ، بخلاف الأول ، والتعليل فيها وما مر.

ولعلك فهمت من هذه الاخبار عدم وجوب إعطاء الزكاة للسلطان الجائر ، بل عدم جواز إعطائها إياه مهما أمكن.

فقول شارح الشرائع بالوجوب ـ حيث قال : والأقوى عدم الاجتزاء بذلك (٤) ، بل غايته سقوط الزكاة عما يأخذه إذا لم يفرط فيه ، ووجوب دفعه إليه أعم من كونه على وجه الزكاة ، أو المضي معهم في أحكامهم ـ محل التأمل فعلم عدم

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الزكاة ، الباب (٢٠) من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث (١).

(٢) الوسائل ، كتاب الزكاة ، الباب (٢٠) من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث (٦).

(٣) قال في التهذيب بعد نقل هذا الخبر ما لفظه (فهذا الخبر يدل على ما ذكرناه : من ان الاولى إعادتها. ويحتمل ان يكون المراد بقوله (لا) انه لا تجزي عن غير ذلك المال ، لأنهم إذا أخذوا زكاة الغلات أكثر مما يستحق فلا يجوز له ان يحتسب الزائد من زكاة الذهب والفضة وغيرهما ، بل يجب إخراجه على حدة ، وانما أبيح ورخص ان لا يخرج من نفس ما أخذ منه ثانيا انتهى).

(٤) في هامش نسختين من النسخ المخطوطة التي عندنا ما لفظه) وصرح الشهيد أيضا بعدم الاجزاء والمصنف أيضا في التحرير ولا يخفى بعده) منه رحمه الله.

١٠٩

ولو دفع اليه مالا ليصرفه في قبيل وهو منهم ، فان عيّن لم يجز التخطي ، وإلا جاز أن يأخذ مثل غيره ، لا أزيد.

______________________________________________________

جواز أخذ الزكاة ، بل الشراء أيضا منهم ، فيحمل ما يدل عليه على التقية والضرورة كما أشرنا إليه ، بل أظن عدم جواز غيرها أيضا من المقاسمة والخراج ، لعدم الفرق ، بل بالطريق الاولى ، ولما تقدم من العموم ، فلا يجوز إعطاؤها إياه مهما أمكن فكيف الوجوب ، فلا يجوز الأخذ بعد القبض وقبله لأحد إلا المضطر ، فتأمل ، والله الموفق.

قوله : «ولو دفع اليه مالا ليصرفه إلخ» لو دفع شخص الى شخص مالا ليصرفه (ليفرقه خ ل) على أناس يكون هو منهم ، لا شك في عدم جواز أخذه شيئا ، ان علم عدم دخوله فيهم ، ولو كان بقرينة ، مثل تعيين حصته على حدة له.

وكذا في جوازه ان علم الدخول ولو بقرينة حالية أو مقالية ، بأن يصرح ان الغرض وصوله الى تلك الأصناف لا غير ، اي من كان منهم.

واما إذا لم يعلم أحدهما فهو محل الخلاف والاشكال ، فبعض منع ذلك مثل ع ل (١) لان ظاهر الأمر بالدفع يقتضي الدفع الى غيره ، ولان الظاهر كون الدافع والمدفوع اليه متغايرين ، ولهذا قالوا : لا يجوز شراء الوكيل مال نفسه من نفسه لموكله في شراء شي‌ء.

وكذا البيع وان كان ذلك الشي‌ء الذي عنده أحسن مما عند غيره كما دلت عليه الاخبار.

وان كان فيه أيضا كلام ، لعدم صحة الاخبار وقبولها التأويل ، لأن فيه خبرين من مكاسب التهذيب غير صحيحين ولا صريحين ، وفي أحدهما دلالة على ان الوجه هو التدنس والتهمة (٢).

فيمكن الحمل على الكراهة ، وهو جيد ، أو على موضع التهمة ، ولأن الظاهر

__________________

(١) يعني المحقق الشيخ علي الكركي.

(٢) الوسائل ج ١٢ الباب (٥) من أبواب آداب التجارة الحديث (٢ ـ ٣).

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله : اشتر أو بع ، أعم.

والظاهر ان ليس الوجه عدم صحة كون طرفي العقد واحدا كما قاله ابن إدريس ، ولهذا تنظر المصنف في المنتهى في كلام ابن إدريس ، ولم يجوزه من قال بجواز اتحاد طرفي العقد كالمصنف في المنتهى وجوزه مع التصريح به (١).

ولانه لو وكل غيره لنفسه ثم باع منه لا يصح لما تقدم ، بل ما قلناه (٢).

وما قيل بعدم تزويج الوكيل موكلتها في تزويجها لشخص (٣) لا بعينه ، من نفسه ولو بالوكيل.

ويؤيده رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألته عن رجل أعطاه رجل ما لا ليقسمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج ، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال : لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه (٤).

قال في المنتهى وغيره انها صحيحة.

وفيه تأمل للإضمار في قوله : سألته ، ولعل المراد الصحة إلى المسئول عنه (٥) ، أو الاعتماد على ان الظاهر انه الإمام عليه السلام لظهور عدم نقل مثله مثل هذا الحكم على طريق يفهم كونه من الامام عليه السلام ويكتب في الكتب الا ان يكون المسئول عنه اماما كما قيل في مثله كثيرا.

ويبعد القول بأنها مستندة الى الصادق أو الكاظم عليهما السلام لانه راو عنهما ، وينبغي أو الرضا عليه السلام.

__________________

(١) يعني لو قال له : اشتر لي متاعا ولو من نفسك.

(٢) وهو قوله قبيل ذلك : لان ظاهر الأمر بالدفع يقتضي الدفع الي غيره.

(٣) وفي بعض النسخ المخطوطة بعد قوله (لشخص) هكذا (لا نفسه ولا بالوكيل).

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٨٤) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٣).

(٥) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب إسقاط لفظة (عنه).

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوزه (١) بعض آخر مثل المصنف هنا وفي غيره لدخوله تحت عموم اللفظ ، والأصل عدم التخصيص لعدم المخصص ، وكونه مخاطبا ودافعا لا يصلح مخصصا ولهذا يدخل مع القرينة ، ولما ثبت في الأصول من دخوله صلّى الله عليه وآله تحت الحكم بقوله : يا ايها الناس ، والذين آمنوا ، مع كونه مخاطبا وآمرا ، وتمام تحقيقه في الأصول.

ولانه وكيل فهو بمنزلة الموكل ، فكما يجوز له إعطاءه ، يجوز له أيضا ، لأن الفرض ان الوكيل من المصرف. وما ذكر من المثال (في البيع والشراء خ) ان سلم فلدليل لا يقاس.

والرواية مضمرة وان كان الظاهر انه عن الامام عليه السلام ، ولكن ليس كالصريح بكونها عن الامام عليه السلام ، وعبد الرحمن يرمى بالكيسانية ولهذا نقله في رجال ابن داود في الباب الثاني أيضا.

وان كان الظاهر انه الثقة ، لكن ليس كمن لم يرم وليس بتلك الجلالة والثقة.

وللجمع بين الأدلة بحملها على الكراهة ، أو الزيادة على غيره ، أو على ما علم ارادة عدم دخوله بقرينة مثل ما تقدم ، أو إرادة جماعة معينين ، قاله في الاستبصار (٢).

والعمدة في ذلك الأخبار الكثيرة مثل حسنة الحسين بن عثمان (الثقة) عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل اعطى ما لا يفرقه فيمن يحل له ، إله أن يأخذ منه شيئا لنفسه وان لم يسم له؟ قال : يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره (٣).

__________________

(١) اي جوز الأخذ لنفسه فيما لو دفع اليه ما لا ليقسمه.

(٢) الاستبصار ج ٣ ص (٥٤) باب الرجل يعطي شيئا ليفرقه الحديث (١).

(٣) الوسائل ، كتاب الزكاة ، الباب (٤٠) من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث (٢).

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة؟ قال : لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطي غيره ، قال : ولا يجوز له ان يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا باذنه (١).

ولا يضر في صحتها محمد بن عيسى عن يونس (٢) لما مر غير مرة انهما مقبولان ، وصرح العلامة وغيره به ، ولهذا قال في كتبه : صحيحة فلان مع وجوده فيه. وقال في هذه أيضا في المنتهى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وكلاهما موجودان في الكافي والتهذيب في كتاب الزكاة.

وذكر في الأول رواية سعيد بن يسار الثقة أيضا قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يعطي الزكاة يقسمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئا؟ قال : نعم (٣).

الظاهر انها صحيحة لأن الظاهر ان علي بن الحكم هو الثقة (٤) لما أشرنا إليه مرارا من قرائن مثل نقل احمد بن محمد عنه في هذه مع ثبوت نقله عنه لا غير ، وتسمية مثل هذا السند بالصحة في الكتب ، وقبول ابان بن عثمان في الخلاصة ، لكونه ممن أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه وقبوله.

ويؤيده جريان كثرة التأويل الواجب للجمع ، مهما أمكن في خبر عدم الجواز الواحد بخلاف التأويل في اخبار الجواز فإنه لا يجرى فيه الا تأويل واحد في اخبار

__________________

(١) المصدر ، الحديث (٣).

(٢) سند الحديث كما في الكافي هكذا (علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الرحمن بن الحجاج قال :).

(٣) الوسائل ، كتاب الزكاة ، الباب (٤٠) من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث (١).

(٤) سند الحديث كما في الكافي هكذا (محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ابان بن عثمان عن سعيد بن يسار قال :).

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كثيرة بحملها على الجواز مع الاذن.

على انه قد لا يمكن حمل بعضها علي الجواز مع الاذن لقوله : ولا يجوز له إلخ فإنه يدل على ان ما قبله هو الذي ما سمى فيه موضعا ، ويجوز من دون التصريح بالاذن بخلاف ما بعده.

وإمكان إرجاعهما إلى العام والخاص والمطلق والمقيد ، لان حاصل رواية ابن الحجاج الدالة على الجواز هو جواز الأخذ مع عدم المنع وعدم التعيين والتسمية ، فإنه لا يجوز الأخذ حينئذ إلا بالإذن الصريح ، وبين فيها ان الاذن الصريح لا يحتاج اليه الا في المعين والمسمى ، وروايته الدالة على المنع تدل على عدم الجواز مطلقا الا بالإذن ، فيحمل على الاولى ، لوجوب حمل العام والمطلق على الخاص والمقيد.

أو لأنها مع رواية الحسين دلتا على عدم الجواز إذا كان زائدا عما اعطى غيره والجواز إذا كان مساويا أو أقل ما لم يصرح بالاذن ودلت تلك على عدم الجواز مطلقا ما لم يأذن بالصريح فيقيد ويخصص بهما.

على انه قد يقال : نقول بموجبها (١) لان موجبها ومقتضاها عدم الجواز ما لم يأذن ، يعني ما لم يأت بما يدل على الأذن ويفهم ذلك منه ، سواء كان ضمنا أو صريحا قولا أو فعلا ، ولا شك ان قوله : أعط الفقراء وفرقه فيهم ، يدل على إعطاء نفسه فإنه إعطاء وتفريق الى الفقير ، ويمكن انه ما اتى بعبارة شاملة له مع إعطاءه ليقسم في المحاويج والمساكين ، فتأمل.

ثم ان الظاهر انه لا كلام في جواز إعطاءه لأهله وعياله إذا كانوا بالوصف ، وهو ظاهر.

ويدل عليه أيضا ما روي (في الصحيح) عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه

__________________

(١) اي موجب صحيحة عبد الرحمن المشتملة على قوله : ولا يجوز له ان يأخذ إلخ.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام في رجل أعطاه رجل ما لا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون أيعطيهم منه من غير ان يستأمر (يستأذن خ ل) صاحبه؟ قال : نعم (١).

قال في المنتهى : انها صحيحة ، فكان عبد الرحمن هو ابن الحجاج بقرينة ما تقدم فإنه منه ، فهي قرينة لكونها منه ، ككونها قرينة على ان الاولى عن الصادق عليه السلام ، فتأمل.

وأيضا ظاهر كلام المجوزين عدم جواز أخذ الزيادة على من يعطيهم وفهموا ذلك من الروايتين الأولتين بوجوب التسوية بين من يقسم عليهم ، وهو بعيد ، خصوصا مع عدم حصر من يعطي.

نعم قد يتوجه في المحصور كما قال مثله في المال الموصى به لأشخاص معينين ، وفيه أيضا تأمل ، لعموم الدال ، وصدق التفرق والإعطاء مع التفاوت.

وان كانوا معينين ، فالظاهر جواز التفضيل ، ومنع المأمور عن أخذ الزيادة عن غيره ، لا يدل علي وجوب التسوية.

قال في التحرير ، وان لم يعين تخير في إعطاء من شاء من المحاويج كيف شاء.

وهو ظاهر في جواز التفضيل ، مع تصريحه بعدم تفضيل نفسه على غيره.

وفي الوصية لو كان دليل خاص يتبع ولا يقاس والا يناقش هناك أيضا. وقد يكون منع أخذه زائدا ـ على من أعطاهم ـ تعبدا ، ولعدم توهم خيانة ، أو فهم ذلك منه ولو بحسب العادة والعرف

على انه يمكن ان يكون معني قوله : (مثل ما يعطى غيره) ، تشبيها في محض الإعطاء ، يعني كما يجوز الإعطاء لغيره لفقره ، كذلك له الأخذ لنفسه ، لذلك ، لا

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٨٤) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٢)

١١٥

المطلب الثاني في آدابها

يستحب التفقه

______________________________________________________

في القدر والمقدار.

والأحوط عدم الأخذ مطلقا الا مع التصريح.

(المطلب الثاني في آدابها)

قوله : «يستحب التفقه» لما كان من التجارة ما هو حرام ومكروه ، وما هو مباح ، كان التاجر محتاجا الى معرفتها. ولما كانت المعرفة في الجملة حاصلة لأكثر الناس ، لظهورها وكثرة تداولها بينهم ، وبعض أحكام التجارة دقيقا غير ظاهر مثل أحكام الربا وفساد بعض العقود ، مع عدم حصول الملك في الفاسد ، قالوا : يستحب التفقه قبل التجارة ، أي معرفة أحكام التجارة المتداولة مفصلا.

ويدل عليه الاخبار مثل رواية الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول على المنبر : يا معشر التجار ، الفقه ثم المتجر. الفقه ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر ، والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا ، شوبوا ايمانكم بالصدق ، التاجر فاجر والفاجر في النار الا من أخذ الحق واعطى الحق (١).

ورواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم قال : وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لا يقعدن في السوق الا من يعقل الشراء والبيع (٢).

يمكن كونه إشارة الى عدم جواز معاملة السفيه.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (١) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٢) المصدر ، الحديث (٢) و (٣).

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن الصادق عليه السلام : من لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات (١) اي هلك فيها ، اي بسبب وقوعه فيها.

ويمكن حمل الاخبار على وجوب القدر المحتاج اليه ، ولا يكفي العلم ، بل ليس العلم الا للعمل وهو ظاهر.

روي انه لم يأذن رسول الله صلى الله عليه وآله لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له اقالة النادم وانظار المعسر ، وأخذ الحق وافيا أو غير واف (٢).

فيه مبالغة في استحباب الإقالة والمسامحة وعدم المماكسة في المعاملة ، ولو كان لاستيفاء حق كما دلت عليه روايات أخر.

مثل رواية هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أيما عبد (مسلم خ ل) أقال مسلما في بيع اقاله الله تعالى عثرته يوم القيامة (٣) الظاهر ان المسلم أعم من المؤمن.

ورواية حماد بن عثمان قال : دخل رجل على أبي عبد الله عليه السلام فشكى اليه رجلا من أصحابه ، فلم يلبث ان جاء المشكو ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : ما لفلان يشكوك؟ فقال له : يشكوني أني استقضيت منه حقي ، قال : فجلس أبو عبد الله عليه السلام مغضبا ثم قال : كأنك إذا استقضيت حقك لم تسئ أرأيت ما حكى الله عز وجل (يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (٤) أترى انهم خافوا الله ان يجوز عليهم؟ لا والله ما خافوا الا الاستقضاء ، فسماه الله عز وجل سوء الحساب ، فمن استقضى

__________________

(١) المصدر ، قطعة من حديث (٤) وصدر الحديث (من أراد التجارة فليتفقه في دينه ، ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه) ورواه في المقنعة باب المتاجر ص ٩١).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة الباب (٣) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١) ورواه مسندا في الكافي والتهذيب فراجع.

(٣) المصدر ، الحديث (٢).

(٤) الرعد ، (٢).

١١٧

والتسوية بين المبتاعين

______________________________________________________

فقد أساء (١).

وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : بارك الله على سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء (٢).

فما روي من فعله المماكسة في شاء الهدي ـ وقوله : ان المغبون ليس بممدوح لا في الدنيا ولا في الآخرة (٣) ـ فمحمول علي الجواز ، وعلى عدم الغبن الفاحش جهلا ، لا شي‌ء قليل لملاحظة حال المعامل والنظر إلى المساهلة عمدا.

وروى أيضا السكوني عن أبي عبد الله قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من باع واشترى فليحفظ خمس خصال ، والا فلا يشترى (فلا يشترين) ولا يبيع (يبيعن) ، الربا والحلف وكتمان العيب والحمد إذا باع والذم إذا اشترى (٤) وهي تدل على تحريم هذه الأشياء ، وحملت بالنسبة إلى الحلف الصادق ، والحمد والذم على الكراهة ، كأنه لعدم القائل به ، وعدم الصحة والظهور ، وتدل عليها رواية أخرى (٥).

قوله : «والتسوية ،. إلخ» من الآداب المستحبة التي تستفاد من الفقه عدم رجحان بعض المبتاعين (بتقديم الباء المنقطة تحتها نقطة على التاء بالنقطتين فوق ـ جمع مبتاع أي الذي يباع عليه ، أي المشتري) بأن يبيع على البعض غاليا لعدم مماكسته وحذاقته وعلى الأخر رخيصات ، لهما (٦).

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ، كتاب أبواب الدين والقرض ، الباب (١٦) الحديث (١).

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٤٢) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٣) الوسائل ، كتاب الحج ، الباب (١٩) من أبواب الذبح ، الحديث (١) وفيه (ان المغبون لا محمود ولا مأجور).

(٤) و (٥) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٢)

(٦) يعني لأجل المماكسة والحذاقة.

١١٨

واقالة النادم والشهادتان والتكبير عند الشراء

______________________________________________________

والظاهر أن الكراهة في الغلاء فقط ، وأنّه لو كان سبب الرخص الايمان ـ أو التقوى ، أو العلم أو الفقر أو غير ذلك مما يحسنه العقل والشرع ـ لا يكون مكروها ، ولا يكون التسوية مستحبة ودليل استحبابها الاعتبار ، والخبر مثل خبر عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال في رجل عنده بيع فسعره سعرا معلوما فمن سكت عنه ممن يشتري منه باعه بذلك السعر ومن ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده؟ قال : لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس ، فاما ان يفعله بمن أبي عليه وكايسه ويمنعه ممن لم يفعل فلا يعجبني الا ان يبيعه بيعا واحدا (١) والظاهران الشراء كذلك.

قوله : «واقالة النادم» وقد مر دليل استحباب اقالة النادم ، مشتريا كان أو بائعا ، ولأنها مستلزم لقضاء الحاجة وإدخال السرور في القلب ، فيحوز الفاعل بثوابهما أيضا والتارك يدخل فيمن قصر فيهما ، وذلك قبيح جدّا في المؤمن.

قوله : «والشهادتان إلخ» لعل دليل استحباب الشهادتين التبرك بهما ، وأنّه يكفي ان يقول : اشهد ان لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسوله ، وكأنه بعد الشراء للمشتري ، كالتكبير.

وما رأيت فيهما نصا في تعيين القول ولا في وقته ولا في قائله.

وأما التكبير فالظاهر أنّه مستحب للمشتري بعد الشراء ثلاثا ، قبل الدعاء لحسنة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبّر ثمّ قل : اللهم اني اشتريته التمس فيه من فضلك (٢) اللهم فاجعل لي فيه فضلا ، اللهم اني اشتريته التمس فيه من رزقك فاجعل فيه رزقا ، ثم أعد كل واحدة

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١١ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١.

(٢) هكذا في جميع النسخ المحظوطة والمطبوعة ، وفي الكافي والوسائل بعد قوله : (من فضلك) فصلّ على محمد وآل محمد اللهم إلخ.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثلاث مرات (١).

فالظاهر أنه مع كل مرة من الدعاء ، التكبير مرة ، فيصير المجموع بعد الخلاص ثلاث مرّات ولكن في صحيحة محمد بن مسلم في الفقيه ـ قال : قال أحدهما عليهما السلام : إذا اشتريت متاعا فكبر الله ثلاثا ثم قل ، اللهم أنّي ، الى أخر الدعاء ، مع قوله : ثم أعد كل واحدة منها ثلاث مرات (٢) اي فقرات الدعاء ـ ما يدل على قول الله أكبر ثلاثا ولاء

وظاهر الدعاء يقتضي كون المشتري للتجارة.

والأدعية عند المعاملة كثيرة ، قال في رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول في كل سوق من أسواق المسلمين : يا معشر التجار قدموا الاستخارة ، وتبركوا بالسهولة ، واقتربوا من المبتاعين ، وتزينوا بالحلم وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ، وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا ، و (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ ،) ـ (وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٣).

قال في المنتهى : (قدموا الاستخارة) معناه الدعاء بالخيرة في الأمور. والظاهر ان معني (وتبركوا بالسهولة) التسامح والتساهل في المعاملة.

وقال في حسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا اشتريت دابة فقل : اللهم ان كانت عظيمة البركة ، فاضلة المنفعة ، ميمونة الناصية ، فيسر لي شرائها ، وان كان (نت خ) غير ذلك فاصرفني عنها إلى الذي هو خير لي منها فإنك تعلم ولا اعلم ، وتقدر ولا اقدر وأنت علّام الغيوب ، تقول ذلك ثلاث مرّات (٤).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٠) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٢) المصدر الباب ، الحديث (٢).

(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢) من أبواب آداب التجارة ، قطعة من حديث (١).

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٢٠) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٣).

١٢٠